المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:30 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.ابراهيم الكرسنى(Dr.Ibrahim Kursany&ابراهيم الكرسنى)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-20-2007, 04:13 AM

ابراهيم الكرسنى

تاريخ التسجيل: 01-30-2007
مجموع المشاركات: 188

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى"

    خواطر من زمن الانتفاضة (7)

    المجاعة في غرب السودان عام 1984.... أزمة دارفور الراهنة... و" القفص الآيديولوجى" !!

    د. إبراهيم الكرسني

    لدى قناعة راسخة بأن معظم الأمراض الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها السودان في الوقت الراهن قد بذر بذرتها الأولى جعفر نميرى منذ أن بدأ "قائدا لمجلس قيادة ثورة مايو" يسارية التوجه وإلى أن إنتهى بة المطاف "إماما للمسلمين " متحالفا مع مجموعات الهوس الديني . فقد أسست مايو، بشموليتها الخانقة وسياستها الاقتصادية الخرقاء، لنظام الحزب الواحد ولدولة الفساد المالي والإداري. لقد وجد رأس المال الطفيلي رحما خصبا في نظام مايو، الذى سن كل القوانين والتشريعات الكفيلة بحمايته إلى أن نما و ترعرع، مرويا بدماء شهداء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم رخيصة دفاعا عن مصالح الشعب، بدءا بشهداء ود نوباوى، مرورا بشهداء يوليو 71، شهداء حركة حسن حسين 75 ، وشهداء يوليو 76، وإنتهاءا بتعليق الفكر على أعواد المشانق فى الوقفة البطولية الأسطورية للشهيد الأستاذ محمود محمد طه.

    لقد كان حاكما باطشا لايتورع عن زهق روح كل من يهدد كرسي حكمه أو مصالح الفئات الطفيلية التى يواليها بالرعاية. تقول الفرنجة"السلطة تفسد ولكن السلطة المطلقة تفسد فسادا مطلقا "!! هذا ملخص مفيد لتجربة النظام المايوى .فقد إستغل جعفر النميرى سلطته المطلقة ليؤسس لدولة الفساد. بدأ ذلك عند تأسيسه لبنك فيصل الاسلامى السوداني بقانون خاص، متجاوزا بذلك قانون بنك السودان، وماتبعه من تأسيس لبقية "المؤسسات" المالية و الإقتصادية و التجارية " الإسلامية". لقد ركل هذا الرجل، بفعلته تلك، جميع القوانين التى صادق عليها بنفسه من جهة، ثم "بصق" على وجه دولة " المؤسسات"، التى كان يتشدق بها منظرو النظام المايوى من " النخبة السودانية" المدمنة للفشل، من جهة أخرى !!

    تعتبر فترة الحكم المايوى بمثابة مرحلة التمكين بالنسبة للإخوان المسلمين، حيث فتح لهم جعفر نميرى الأبواب واسعة ، منذ ما عرف بالمصالحة الوطنية في عام 1977م ، التى أعقبت ما يسمى "بالغزو الليبي الرجعى" فى 2 يوليو 1976 ، للتحالف معه، إلى أن فرضوا سيطرتهم تماما على اذرعه النظام السياسية والتنفيذية. إستغل الإخوان المسلمون فترة "التمكين" هذه ليراكموا أموال السحت التى امتصوها من دماء الشعب السوداني، وبالأخص من خلال متاجرتهم فى قوت الشعب وضروريات حياته من السلع الأساسية، كالذرة على سبيل المثال. ادخل الأخوان المسلمون مفهوم السوق الأسود بصورة واسعة وملحوظة لأول مرة في تاريخ السودان أثناء هذه الفترة، حيث صار السوق الأسود فيما بعد بمثابة السوق الرسمي السائد في البلاد . من هنا أثمرت علاقة مؤسساتهم" الإسلامية"، وبالأخص بنك فيصل الاسلامى، عن المجاعة التى ضربت غرب السودان، وبالأخص إقليم دارفور في عام 1984 م.

    حدثت المجاعة نتيجة للجفاف الذى ضرب دول الساحل الأفريقي وحزام شبة السافنا ، بما فى ذلك السودان ، فى العام 1984 م . وقد سبق ذلك زحف صحراوى أتى على المساحات المخضرة من تلك المناطق نتيجة للسياسات الزراعية الخاطئة التى لم تراعى التوازن البيئي الضروري أو المحافظة على البيئة، والتى قضت على حزام الغابات الذى كان يسجل حماية طبيعية للمساحات الخضراء . لقد كان من نتائج ذلك الجفاف فقدان أهلنا فى غرب السودان لمصادر رزقهم الأساسية ، الزراعة والثروة الحيوانية، وقد واجهوا ظروفا حياتيه صعبة جراء ذلك، حيث جف الزرع والضرع،، ثم تلي ذلك المأساة بعينها، وهو فقدان إنسان غرب السودان نفسه للحياة.
    .
    لقد قضى العديدين من سكان غرب السودان نحبهم جراء تلك المجاعة. وقد بدأ من بقى منهم على قيد الحياة فى الزحف نحو اقرب مدينة بحثا عن لقمة عيش تقيه شر الموت جوعا . بدأ النازحون من الغلابة والمساكين يضربون أحزمة حول تلك المدن بحثا عن سبل كسب العيش، حتى وصلت طلائعهم إلى مشارف مدينة أم درمان ، حيث تجمعوا فى معسكرات "المويلح" و "الشيخ ابوزيد" . ففى الوقت الذى بدأت فيه المنظمات الأهلية ، المحلية والأجنبية، مد يد العون لهؤلاء النازحين، لم يتورع بنك فيصل" الاسلامى" من استغلال تلك المأساة لمزيد من التراكم البدائي لرأس المال فى ممارسة منافية، ليس فقط لمبادئ الدين الاسلامى الحنيف، وإنما منافية لاى خلق إنساني سليم!! قام البنك المذكور بشراء كميات ضخمة من الذرة من مناطق إنتاجها بالدالي والمزموم، بأسعار زهيدة، ثم قام بتخزينها في مدينة كوستى، بواسطة فرعه فى تلك المدينة. و عندما حدثت المجاعة فى غرب السودان قام بترحيلها وبيعها لمواطني تلك المناطق،الذين يموتون أصلا من الجوع، بأسعار تقع خارج دائرة القوة الشرائية لمعظمهم ، مما أدى إلى وفاة العديدين منهم. هل لكم تخيل مثل هذه الفاجعة!! مؤسسات تعمل باسم الإسلام، دين الرحمة وإغاثة الملهوف، تستغل جوع البشر من المسلمين لتراكم عوائدها المالية!! إنه بالفعل تجسيد حي لتناقض الشعارات مع الواقع في أبهى صوره!! ألا يحتاج هذا السيناريو إلى فلم سينمائي، كان سيحتاج، من غير هذا المشهد، إلى خيال خصب وخلاق ليصور وقائعه، ولكن رسالة رأس المال الطفيلى، ومؤسساته المالية، قد جعلت من ذلك ممكنا، دون كبير عناء !!

    حينما ضربت المجاعة معظم دول الساحل الأفريقي فى ذلك العام ، قام رؤساؤها ، وبالأخص الرئيس الاثيوبى ، بإعلان ذلك على العالم أجمع، وطلبوا من المجتمع الدولي مد يد العون والمساعدة لإغاثة مواطنيهم من الموت جوعا، ماعدى السودان، الذى ارتأى"إمامة المجاهد" وسدنته من "تجار الدين" عكس ذلك تماما، حيث وجدوا في موت مواطنيهم جوعا فرصة لتعظيم أرباحهم، ربما لن تتكرر قريبا !! وهذا ما قاموا به على أكمل وجه !! عندئذ تصدت نقابة أساتذة جامعة الخرطوم لهذه المهمة وقررت إطلاع العالم على حجم مأساة المجاعة التى ضربت غرب السودان بصورة عامة، وإقليم دارفورعلى الوجه الخصوص.

    قررت النقابة القيام بهذا الدور من خلال ندوة جماهيرية كبرى تقام بنادي أساتذة جامعة الخرطوم ليصل صداها إلى جميع أنحاء العالم من خلال وكالات الأنباء المتواجدة فى العاصمة فى ذلك الوقت . ولا يسع المرء فى هذه السانحة الإ أن يتوجه بالتحية والإجلال والإكبار لأستاذة جامعة الخرطوم، ممثلين فى نقابتهم العظيمة التى لعبت دورا بطوليا فى قيادة مسيرة الإنتفاضة ، إلى أن أطاحت بحكم "الإمام" ، وبالأخص للأخوين العزيزين الدكتور عدلان احمد الحردلو- شيخ العرب- رئيس النقابة، والدكتور مروان حامد الرشيد – السكرتير العام للنقابة في ذلك الوقت .لقد لعب هذان الرجلان دورا مشهودا في قيام الإنتفاضة، بصمودهما في وجه قوى البغي والبطش من قيادات النظام على جميع المستويات. ولكنني أود أن أنوه وألفت نظر جيل الشباب الحالي من المهتمين بالشأن العام إلى ضرورة الإطلاع على بيانات نقابة الأستاذة التى أصدرتها في ذلك الوقت، والتى خط معظمها يراع الأخ الدكتور مروان حامد الرشيد، ليرووا غليلهم بما تضمنته من أدب سياسي رفيع ولغة عربية رصينة!! لقد أوتى الأخ مروان، بالفعل، مجامع الكلم !!

    كلفتني النقابة، مشكورة، بالإعداد لتلك الندوة، بالتعاون مع الأخ د.مروان. وبالفعل قمت بالاتصال ببعض الإخوة للتحدث فيها .وافق علي الحديث الإخوة الأجلاء د.بشير عمر، أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم فى ذلك الوقت والذى يعمل حاليا بالبنك الاسلامى للتنمية بجدة، ود.موسى آدم عبد الجليل، أستاذ علم الاجتماع والذى يعمل حاليا بجامعة الخرطوم، والأخ د.سليمان علي بلدو، أستاذ اللغة الفرنسية بجامعة الخرطوم في ذلك الوقت، والذى يعمل حاليا مديرا لبرنامج الشؤون الإفريقية التابع للمجموعة العالمية للأزمات ، و جميعهم من أبناء غرب السودان، بالإضافة إلى شخصي الضعيف. لهم جمعيا التحية والإعزاز.

    عقدت الندوة أثناء شهر أكتوبر من عام 1984 م، على ما أذكر، بنادي أستاذة جامعة الخرطوم. لقد إمتلأت باحة النادي، على وسعها، بالحاضرين وكان عدد الذين حضروا وقوفا أكثر بكثير من الجالسين على الكراسي المخصصة لها. كنت أول المتحدثين فى تلك الندوة، التى قدم لها الأخ د. مروان، وكنت قد قررت التحدث عن دور البنك الدولي فى إحداث المجاعة في غرب السودان . حينما هممت بالحديث، فإذا بالتيار الكهربائي ينفصل فجأة عن دار الأساتذة، وإذا بالدار يكسوها ظلام دامس. هل كان ذلك مصادفة أم بفعل فاعل ؟! أعتقد إن توقيت فصل التيار الكهربائي، وفى مثل هذه المناسبة، لايمكن أن يكون قد تم إلا بإيعاز من جهاز أمن "الإمام"!! عندها قرر الأخ د.مروان إحضار" بطارية" عربته، التى أكل الدهر عليها وشرب ، لتشغيل المايكروفون وإستكمال المهمة. لكن، وقبل رجوع الأخ مروان إلى مسرح الندوة، فقد أمدنى أحد الإخوة الأفاضل، لا أذكر إسمه الآن، بـ"بطارية" يد عادية .أمسكت البطارية بيد و أوراقى الخاصة بالندوة باليد الأخرى، و بدأت حديثي كالآتى ، "رغما عن هذا الظلام الدامس، فإننا سنتمكن من توصيل الحقائق عن المجاعة فى غرب السودان إلى جماهير شعبنا". وقد كان. أتى د.مروان ب " بطارية" عربته، و من ثم تم إعادة "الحياة" إلى المايكروفون، فواصلنا الحديث، الواحد تلو الآخر، وقمنا بفضح دور النظام ومؤسساته فى خلق المجاعة والتستر عليها، وحملناه المسؤولية الكاملة عن المأساة الإنسانية التى تواجه جماهير شعبنا فى غرب السودان بصورة عامة، و إقليم دارفور على وجه الخصوص. حينما أحس جهاز أمن "الإمام" بأن لا فائدة من فصل التيار الكهربائي عن دار الأساتذة، وأننا قد نجحنا فى توصيل الحقائق إلى الجماهير ، على الرغم من ذلك الظلام الدامس،، كما وعدنا بذلك فى بداية الندوة ، قام بإرجاع التيار الكهربائي إلى الدار مرة أخرى.
    .
    كان أول المعلقون من الحضور سيدة تقدمت إلى المنصة بجرأة تحسد عليها. عندما وصلت إلى المنصة، بدأت حديثها كالتالي، "أنا أسمى لبابه الفضل ، حمريه من كردفان، قمت بزيارة أهلي بالمعسكرات هذا اليوم، و قد رجعت منهم قبل قليل. سألتهم دايرين شنو؟ قالوا والله مادايرين حاجة، إلا بس عايزين لينا زول يعلمنا أمور دينا "!! أشهد الله أن هذا هو بالضبط ما تفوهت به هذه السيدة !! حينها أبدى بعض الحاضرين امتعاضا واضحا وبدأوا بالصياح فى وجهها حتى أصبح صوتها غير مسموعا تماما. تطلب الأمر تدخلي فى تلك اللحظة، وقد طلبت بالفعل من الحضور أن يتيحوا لها فرصة الحديث ويتركوا لنا مهمة الرد على ما تقول، وقد كان.عاودت هذه السيدة الحديث مرة أخرى كالتالي ،"أنا عايزة أسال د.كرسني، انو هو شخصيا عمل شنو لمساعدة النازحين؟ ثم ماعلاقة البنك الدولي بالمجاعة فى غرب السودان ؟"!! ضجت الباحة مرة أخرى بالصياح، ولكنني شكرتها على السؤال، ثم أعدت على مسامعها مختصرا مفيدا لما قلته عن علاقة سياسات البنك بالمجاعة، آمل أن تكون قد استوعبته !! ومن بعد ذلك اقترحت على نقابة الأستاذة إقامة ندوة أخرى منفصلة عن علاقة روشتة صندوق النقد وسياسات البنك الدوليين بـ " حلة الملاح"، حيث أكدت لها وجود آلية معروفة لذلك، ولكن شرحها يتطلب إقامة ندوة منفصلة.

    ما أود الوقوف عنده، فى هذه السانحة، هو ما يمكن لي تسميته بـظاهرة " القفص الآيدولوجى "، الذى شكل رؤية هذه السيدة ، ومن هم على شا كتلها، لترى واقعا مغايرا و مختلف كليا عن الواقع الماثل أمامها !! إن هذا هو ما حدث بالضبط عندما زعمت هذه السيدة بزيارة ضحايا المجاعة عند تخوم مدينة أم درمان .هل لكم أن تتصوروا منظر إنسان يأتي سيرا على الإقدام من إقليم كرفان إلى أن يصل إلى مشارف أم درمان، وهو فى حالة إعياء يكاد يصل إلى درجة الهلاك من الجوع والعطش ، بعد أن فقد كل ما يعينه على الحياة الكريمة فى بلده الأصلى، و يقطع كل هذه الفيافي بحثا عن لقمة عيش تقيه شر الموت جوعا، ثم يأتي من يقول لنا أن هؤلاء البشر لم ينزحوا عن قراهم إلا بحثا عن إنسان "ورع" ليعلمهم أمور دينهم !! هل يمكن لإنسان مثل هذا أن يكون فى كامل وعيه؟! أعتقد أن عقل مثل هذا لا يمكن له أن يكون سوى عقل واقع تحت تأثير مخدر " القفص الآيديولوجى" فى تلك اللحظة من الزمان؟!! يمكنني الآن القول باطمئنان إن دخول أى إنسان لهذا القفص،، سوف يكون تأثيره على قدراته العقلية، كتأثير من أصابه مس من الجنون !! بل إنه الجنون بعينه الذى أصاب تلك السيدة فى ذلك الوقت ، و حرم أعينها بالتالى من رؤية الواقع الماثل أمامها، أناس يتضورون جوعا، و ينجح فى تشكيله لها فى صورة مجموعة من" المجاهدين" ، لم يتكبدوا كل هذه المعاناة إلا بحثا عن من يعلمهم أمور دينهم!! فإذا كان هذا هو هدفهم الأساسي، أما كان من ألأفضل لهم التوجه إلى الزريبة، القريبة إليهم من حبل الوريد، ليستزيدوا علما وإيمانا من الرجل الورع، العارف بالله، الشيخ عبد الرحيم وقيع الله، "شيخ الزريبة" !! أم أن هؤلاء الناس من الغشامة بمكان بحيث لم يسمعوا بهذا الشيخ الذائع الصيت!!

    إن هذا" القفص الايدولوجى " هو نفسه الذى صور، بعد ما يربو على العشرين عاما من مجاعة غرب السودان، للدكتور مصطفى إسماعيل "أزمة دارفور" الراهنة بأنها من صنع "الإعلام الغربي" و "قوى الاستكبار" !! أليس هذا هو الجنون بعينه ؟! ثم بعد أن أجبره الضغط المحلى، و كذلك ضغوط " الإعلام الغربي" ، على الخروج من "قفصه الآيديولوجى"، ليلامس أرض الواقع، ولو من طرف بعيد، صرح، لا فض فوه، بتصريحه اللعين زاعما بأن الإدعاء بموت مئات الآلالف من الغلابة والمساكين من أهل دارفور، ماهو سوى محض خيال من الإعلام الغربي، وان من توفوا بالفعل لايتجاوز عددهم العشرة آلاف !! لله درك ياإبن الخطاب، حينما أعلنتها داوية بأن تعثر بغلة بأرض الرافدين، وأنت قابع بأرض الحجاز، يعتبر فى مقام مسؤولياتك المباشرة، وسوف تسأل عنه يم القيامة. فما بال دعاة "التوجه الحضاري" ، و"أنبياء آخر الزمان" ،يستكثرون على أهالي دارفور حسن المعاملة، حتى وإن كانت فى مستوى معاملة البغال ، ناهيك عن معاملة الإنسان الذى كرمه الله سبحانه وتعالى أيما تكريم!! اى إسلام هذا، واى نوع من المسلمين أمثال "هؤلاء الناس " ؟!!

    إذن فأزمة دارفور الراهنة لم تكن وليدة تمرد2003 م، بل إن لها جذورا تمتد لعشرات السنين من سوء التخطيط والإدارة والفساد الذى ميز حكام السودان، و كذلك حكام دارفور، عبر مختلف حقب الحكم الوطني، ولكن خصوصا فى عهد " الإنقاذ" الراهن، وبالأخص حينما تولى أمر إدارتها حتى بعضا من قيادات حركات التمرد الراهن من أبناء دارفور أنفسهم!! لذلك فإن صدري ينقبض بالفعل، و تعتريني حالة من الغثيان، حينما أقرأ بعض الكتابات السطحية عن دور"الجلابة" فى أزمة دارفور. لأمثال هؤلاء أود أن أقول بأن مفهوم الجلابة، وعند تجريده نظريا ، لا يعدو أن يكون سوى إشارة إلى الدور الذى يقوم به مصاصي دماء الغلابة والمساكين فى جميع أنحاء السودان، من جميع أعراق و أجناس و إثنيات السودان المختلفة، وإن إرتبط في أذهان الكثيرين بالتجار الشماليين الذين تواجدوا فى جنوب وغرب البلاد خلال حقب تاريخية محددة . إن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان قد نتج عبر التاريخ من واقع علاقات الإنتاج السائدة فى المرحلة التاريخية المحددة، ولم يكن أبدا نتاج إختلافات عرقية أو قبلية أو مشابه ذلك. وقد دلت ندوة مجاعة غرب السودان في عام 1984 م ، على توحد المهمومين بحقوق وحياة الإنسان، غض النظر عن أعراقهم و قبائلهم أو إنتماءتهم الجهوية ومبادرتهم بالتصدى للدفاع عن أهلنا في إقليم دارفور من الظلم الذى وقع عليهم من بعض متعلمي وحكام السودان، بما في ذلك البعض من أبناء إقليم دارفور أنفسهم!! فما هى علاقة مفهوم " الجلابة" بذلك، إن لم يكن " القفص الآيديولوجى" بعينه !! لذلك فإنني أدعو الجميع إلى الابتعاد عن هذا الإسفاف وتوحيد الجهود لإنهاء أزمة دارفور الراهنة وإجبار جميع المسؤولين عنها على الخروج من هذا "القفص الايديولوجى". عندها، وحينما يتمكن كل من تسبب فى الأزمة الراهنة، من رؤية الواقع المعاش كما هو ، ربما انفطرت قلوبهم من الحسرة والندم على ما فعلوه، كحالة كل فطرة سليمة . اللهم أحمى دارفور من شرور حكام السودان، وعقوق بعض أبنائها ؟!!

    سؤال أخير ما زلت أبحث له عن إجابة: ماذا فعل الله بأمر تلك السيدة العجيبة : " الشيخة" لبابه الفضل؟! آمل أن تكون مواصلة لرسالتها النبيلة فى توضيح أمور الدين لأهلها الحمر فى كردفان "الغره أم خيرا جوا وبره" ، أم يا ترى يكون قد جرفها تيار " الرسالة الدنيوية" وأسكنها أحد البنايات الشاهقة فى أحد الغابات الأسمنتية فى مدينة الخرطوم، مما أفقدها مجرد الصلة بأهلها الحمر، ناهيك عن تعليمهم أمور دينهم! لو حدث لها مثل هذا، ستكون هذه السيدة قد أثبتت بالفعل أنها " شيخة" حضارية التوجه بدرجة فارس ، بفضل " القفص الآيديولوجى" الذى أفرزته الدولة الرسالية؟؟!!

    20/3/2007
                  

العنوان الكاتب Date
المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" ابراهيم الكرسنى03-20-07, 04:13 AM
  Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" wesamm03-20-07, 04:38 AM
    Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" doma03-20-07, 05:10 AM
      Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" doma03-21-07, 05:41 AM
        Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" A.Razek Althalib03-21-07, 10:36 AM
  Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" ابو خالد03-21-07, 12:40 PM
    Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" wesamm03-21-07, 12:45 PM
  Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" Yasir Elsharif03-21-07, 03:09 PM
  Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" ابراهيم الكرسنى03-26-07, 03:42 AM
    Re: المجاعة فى غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة.. و " القفص الآيديولوجى" A.Razek Althalib03-26-07, 08:17 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de