هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس-

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 12:45 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-24-2010, 11:30 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- (Re: بكري الصايغ)

    الى الشهيد مجدى محجوب محمد أحمد
    ****************************
    الـمصـدر:
    http://www.suleb.com/vb/showthread.php?t=6022&page=2
    الموقع:
    (منتديات قرية صلب)،
    بتاريـخ:
    05-23-2010-
    ---------------------
    ***- " غد الجمعة، الساعة الثانية عشر ظهراً .. ستتم محاكمة ( مجدي ) ، في حديقة السيد علي الميرغني، بشارع النيل !". عبارة قالها رجل الأمن شفاهة لأفراد الأسرة المجتمعين ، أمام الباب الخارجي لمنزل الأسرة بالخرطوم (2) ، وإنصرف ساخراً . ولكنها عبارة ظلت تتردد في آذانهم وقلوبهم وعقولهم طيلة تلك الأيام، اللاحقة والسابقة للأحداث، ويسمعونها حتى في نومهم .. لفظاعتها .. وغد المحكمة !!؟ .

    ***- ومنذ صباحها الباكر، تجمع الأهل، والأصدقاء، والمعارف أمام سور المحكمة بشارع النيل . استطاع البعض الدخول ألى حديقة المكان، وجلسوا تحت اشجارها .. حتى منتصف النهار، لم يحضر ( مجدي ) ، ولا اّّّّياً من حراسته . وانصرف بعض الأخوة، مع بعض الأهل والأقارب لتأدية صلاة (الجمعة) في أحد المساجد المجاورة للمنطقة، وعند عودتهم رأوا .. الرائد ( وقتها ) إبراهيم شمس الدين عضو مجلس الثورة، وأصغر ألأعضاء سناً، وحداثه، .. وحتى رتبة عسكرية، يساعد بعض الجنود في تنظيم كراسي قاعة المحكمة، ويصدر تعليماته بالعدد المسموح له بدخول قاعة المحاكمة.

    ***- حوالي العصر، وقف أمام البوابة الرئيسية للحديقة موكب مكون من ثلاث سيارات، الأولى سيارة من نوع ( لاندكروزر ) ، نزل منها الرائد ميرغني سليمان ، أحد ضباط سلاح الإشارة سابقاً و (ملحوق ) للأمن ( نُقل إلى أديس ابابا عاصمة اثيوبيا في عام 1990 م، بعد المحاكمات، ليعمل قنصلاً في السفارة السودانية !؟ ) ، وكان قائداً لتيم الحراسة المكلف وهم مدججين بالسلاح، والسيارة الثانية نزل منها ( مجدي ) ، ومتهم آخر يدعى علي بشير مريود ، كانا يرتديان الجلابيب السودانية المعروفة ويتبعهما بعض الحرس، أما السيارة الثالثة فكان بها طاقم الحرس . انتظم الموكب داخلاً من بوابة السور الرئيسية، وعبروا الحديقة إلى قاعة المحكمة مباشرة.

    ***- كانت والدة (مجدي) ، وإخوته .. و (عادل) بداخل القاعة التي اكتظت بجمهرة من الناس، رغم أن اليوم عطلة اسبوعية .. أناس حتى الأهل لا يعرفونهم، ولكن كان في نظرات البعض ًتعاطفا لا تخطئه عين .. خاصة نظرات بعض الجنود .. المباني داخل الحديقة مقسمة إلى عدة أجزاء . انعقدت محكمة (مجدي) في جزء منها، وفي الآخر محكمة المتهم (علي بشير المريود) ، والذي وُجد بحوزته، كما قيل ونُشر في صحف تلك الأيام: -
    (37.350)ألف دولار أمريكي .. وألف ومئة دولار أخرى لوحدها .
    محكمة (مجدي) أتخذت إسم المحكمة الخاصة رقم (1) ، و ( المريود ) المحكمة الخاصة رقم (2) ، ولكل قضاتها من العسكريين ، الذين يحاكمون ولأول مرة في تأريخهم العسكري مواطنين مدنيين.

    ***- (مجدي) داخل قاعة (محاكمته) يتبادل إبتسامات مع والدته، وإخوته، والأهل وبعض المعارف .. برغم أن أعصابهم جميعا كانت متوترة ومشدودة.

    ***- قائد المطبعة العسكرية (حالياً لواء بنفس المنطقة) ، والرائد (وقتها) حسن صالح بريمة..
    بسلاح الطيران (حالياً عقيد أ . ح .) ، أما ثالثهما النقيب مهندس يوسف آدم نورين..
    ***- دخلت هيئة المحكمة إلى القاعة يتقدمهم : رئيسها المقدم (وقتها) عثمان خليفة مهندس من القوات الجوية ( الأخير له قصة لاحقة، إذ تم طرده من القوات الجوية وجُرّد من رتبته العسكرية، وسجن لمدة ثلاث سنوات بسجن منطقة الجريف غرب، بتهمة إستلام المال المسروق، وقبض عليه مرة أخرى بعد إنتهاء محكوميته لإشتراكه في المحاولة الإنقلابية ضد النظام، والتي أدعى النظام قيامها بزعامة شيخهم السابق د . حسن عبدالله الترابي زعيم المؤتمر الشعبي ).

    ***- الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر 1989 م، بدأت إجراءات المحكمة العسكرية الخاصة رقم (1):
    والمتهم ( مجدي محجوب محمد أحمد ).. والتهمة .. الإتجار في العملة الأجنبية (رغم التوضيح السابق عن كيف وجدت هذه العملة لدى الأسرة، ومن أين أخذها رجال الأمن؟ !).

    ***- حُرم محامي ( مجدي ) ، الاستاذ ( عبدالحليم الطاهر ) من مخاطبة المحكمة مباشرة، وهو أمر يتنافي مع طبيعة الأشياء، خصوصاً وأن الإتهام خطير، والعقوبة المتوقعة أخطر -رغم أن المحكمة سمحت في محاكمات سابقة أن يخاطبها المحامون مباشرة - ولكن محامي ( مجدي ) تم منعه، والمحاكمات السابقة هي:
    (1)محاكمة المتهم والوزير السابق ( عثمان عمر )وكان وز ير اً للإسكان قبل للإنقلاب، وحُوكم بتهمة التصرف في أراضي الدولة بالبيع؟ !!!
    (2) محاكمة الدكتور ( مجذوب الخليفة أحمد ) وكان حاكماً للإقليم الشمالي، واتهم ببيع لبن خُصص للإقليم لتوزيعه على المواطنين كإغاثة إبان كوارث السيول والفيضانات.

    ***- بدأت الإجراءات وقدم رجال الأمن قضيتهم ضد المتهم . قال أحدهم ويدعى (حسن حمد) أن المعلومات أفادت أن (مجدي) لديه عملة أجنبية، ستتحرك (يتم نقلها) ، وقال آخر يدعى ( أزهري ) أن المعلومات تقول أن المتهم لديه عمله؟ !.. لم يرد في أقوال الإتهام أو في علمهم الشخصي أن المتهم قام أو يقوم، في أي وقت من الأوقات، بأي نوع من أنواع هذا النشاط، ولا حتى في معلوماتهم، بمعنى أنه لم تقل المعلومات صراحة أن المتهم يتاجر في العملة . إذا كان هناك شكّاً في الأقوال والقاعدة القانونية تقول : ( يفسر الشك د ئماً لصالح المتهم .).. وعلى الإتهام إثبات التهمة ببينة أفضل .. بعد مناقشات بين المحامي والمتهم، (كصديق)! ؟، وشهود الإتهام .. والمحكمة .. أتضح أن ( مجدي ) لم يضبط وهو يتاجر في العملة، بل أ ُخذت من منزله ..! ومن داخل خزانة المرحوم والده !!.. وهو لم يجمعها من برندات الأسواق أو المتاجر المختلفة، كما يفعل غيره .. كما لم يسمح له بإستدعاء محامي (التركة ) ، والذي سيشهد بأن الأموال التي والساعة تقترب من الرابعة بعد الظهر (غروب الشمس ). كاد رئيس المحكمة أن يقرأ الحكم الجاهز قبل إعطاء المتهم فرصة هل أن هناك أسباباً تدعو لتخفيف الحكم، وهي الطريقة المتبعة ً قانونا بأن يسأل القاضي المتهم مثل هذا السؤال؟ ! وعندما أحس بهذا الخطأ القانوني، بعد أن همس له أحد الأعضاء بذلك، أمر برفع الجلسة لمدة (5)دقائق .. للتداول في الحكم بين الأعضاء الثلاث؟ !!

    كانت (5) دقائق حاسمة تمثل الفاصل بين العبث والحقيقة .. بين الحق والباطل. مرت بطيئة كأنها دهر ، خيّم خلالها الصمت على الرؤوس .. وعادت هيئة المحكمة .. ومباشرة .. وفور جلوسهم قرأ رئيسها الحكم :-
    " جاء في أسباب إدانة المحكمة للمتهم، أن شهود الإتهام أثبتوا أن المتهم يتاجر في العملة الأجنبية، وذلك لما توفر لديهم من معلومات، وأنه تعرف على مفتاح الخزانة .. في الظلام، وبإقراره بحيازة هذا النقد الأجنبي، وبناء عليه حكمت المحكمة بإعدام المتهم مجدي محجوب محمد أحمد، شنقاً حتى الموت، ومصادرة المبالغ موضوع الإتهام، وإعادة مبلغ ال (750)ألف جنيه سوداني لشاهد الدفاع ( عادل أحمد محمد الحاج )..(لم تُعاد إليه طيلة هذه السنوات ..)." أنظر ملحق المحاكمة في البلاغ
    –267- أمام المحكمة الخاصة رقم (1)الخرطوم .. في الملحقات "

    *****
    ***- ذهول .. وصمت مطبق، خيم على جميع من بالقاعة؟ ! وأنهمرت الدموع .. دموع رجال غالية .. وأم .. بدأ قلبها في التمزق وكبدها في التلاشي .. اخوة ألجمت المفاجأة ألسنتهم، .. و ( عادل ).. أنفعل وقاد قتالاً شرساً (مشادة كلامية) حماية لصديقه .. و (مجدي). المتهم وكعادته كان يهدئ من ثورة الجميع،
    طالباً منهم بحرارة، أن يدعو الله له .. وأن يلزموا الصبر .. ويفوضوأ أمرهم إلى الله.

    ***- في نفس التوقيت .. كانت المحكمة الخاصة رقم (2) قد انتهت من إجراءاتها، وحكمت على المتهم (علي بشير المريود).. بالإعدام ً شنقا حتى الموت؟
    خرج الجميع، خارج قاعة المحكمة .. على شارع النيل، وحفيف الأشجاروأوراقها التي تتساقط على الشارع وتحدث صو تا كأنه الدموع .. دموع الطبيعة .. والنيل الأزرق .. هذا العملاق الأبدي يشاهد كل هذه الأحداث .. بصمته الرهيب .. والمحيّر . و ( مجدي ).. هذا الصامد .. في أحلك الظروف .. وبعد ليلة إلقاء القبض عليه بمنزله، تم إلقاء القبض على مساعد الطيار، بالخطوط السودانية (جرجس ) ، نقل من مركز شرطة شارع (1) بحي العمارات إلى مبنى جهاز الأمن، وهناك ا ُجريت له تحقيقات من نوع فريد، ليلاً ونهار اً. لم يسمح له بتناول كفايته من الأكل، أو النوم، أو الإستحمام . رُحّل بعدها إلى سجن (كوبر ) قبل المحاكمة بسبعة أيام، حيث أ ُدخل في قسم المعتقلين السياسيين . كان عددهم حوالى (650)معتقلا سياسياً في الأقسام المختلفة .. أصدر مدير السجن بالإنابة، العميد سجون ( موسى الماحي ) أمر بأن يوضع مع مجموعة من المعتقلين السياسيين في القسم (ج ) ، منهم : الصحفي محجوب عثمان الوزير السابق أيام الرئيس نميري، والأمير نقدالله من قيادات حزب الأمة، والمهندس عقيد (م) صلاح إبراهيم أحمد ، والدكتور المرحوم خالد الكِّد ، والأستاذ المحامي مصطفى عبدالقادر ، والقاضي عبد القادر محمد أحمد ، والدكتور سمعان تادرس ،والدكتور سعيد نصر الدين ، والمقدم (م) عمر عبد العزيز وستة أفراد آخرين من الحرس الخاص للسيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء السابق قبل الإنقلاب !.. والقسم (ج) هذا .. به غرفتان فقط.

    ***- أتى ( مجدي ) بصحبة حرس من السجون .. إلى هذا القسم، يقوده (وكيل عريف) سجون
    إسمه ( دومينكو ) . كان في حالة ضعف نوعا ما، ولكنه متماسك وواثق من نفسه وسأل مجموعة الحاضرين : (من أنتم؟) ، وطلب منهم أن يستحم ويغسل جسده المنهك .. رحب به الحاضرون،الذين كانت قد وصلتهم أخبار القبض عليه .. وعرّفوه بأنفسهم، وهدأت ثائرته قليلاً بعد أن تعرّف على أحد المعتقلين وهو المهندس عقيد (م) صلاح إبراهيم أحمد وهما من منطقة واحدة في شمال السودان (منطقة حلفا).. نال إستحماما هادئاً، واسترخت عضلاته المتوترة، إلاّ أن وجهه كان ينبئ عن هدوء مثير، ووضاءة لا تخطئها عين .. أحبوه جميعا لدماثة خلقه، ومشاركته لنفير طعامهم الذي كان يؤتى به من منزل أحدهم
    بالتناوب، وكل يوم تعد أسرة أحد المعتقلين بالقسم (ج) وجبة دسمة، بدلاً عن طعام السجن (المعروف)..وأخذ سهمه معهم في ذلك، وأحضرها إليهم (عادل) في المداومة اليومية معهم كعادته، صباحا .. ومساءا ًتمت المحاكمة في يوم (الجمعة ) ، كما ذكرنا آنفاً، وأحضروه إليهم هذه المره وهو محكوما عليه بالإعدام .. ووضع في زنزانة أخرى مع المحكومين بهذا الحكم .. كان بها الدكتور (مأمون يوسف)أخصائي أمراض النساء، في قضية (إضراب الأطباء الشهير ) ، وأضيف لهما ( علي بشير المريود ) والذي حوكم في نفس وقت وساعة محاكمة (مجدي ) ، بالمحكمة الخاصة رقم (2) ، ومساعدالطيار (جرجس) ، والطالب (اركانجلو داقاو ) من أبناء الجنوب، والذي تم ضبطه بمطار الخرطوم، وكان يستعد للإلتحاق بجامعة (ماكريري ) بدولة يوغندا، وهو يحمل معه مصاريف دراسته بالعملات الحرة، بعد أن باع جزء من أبقار أهله بالجنوب .. ومتهم آخر يدعى (هانئ وليم شكور )تم إستبدال حكم الإعدام ضده بمبلغ (30) مليون جنيه سوداني، لأن والدته ذكرت أنه وحيدها .. وتم دفع المبلغ .. وأطلق سراحه لاحقاً . وكان يسمح لهم جميعاً بزيارة معتقل السياسيين في قسمهم نهاراً، وتبادل الأحاديث معهم.

    *****
    ***- الأيام تمر ببطء، والكل في إنتظار نتيجة الإستئناف الذي تقدم به المحامي الأستاذ (عبد الحليم الطاهر ) ، نيابة عن (مجدي).. تم تقديم الإستئناف للسيد رئيس القضاء (وقتها ) والرئيس الحالي !! للمحكمةالدستورية القاضي (جلال علي لطفي )ورغم ذلك كان الكل يركض في جميع الإتجاهات، بحثا عن مخرج أو بصيص أمل .. حتى بعض السفراء الأجانب استغربوا من قسوة هذا الحكم وكان يقود محاولاتهم السفير المرحوم (عبدالله السريّع ) سفير دولة الكويت، وسفير حتى السودانيين داخل بلادهم .. لما امتاز به من حسن الخُلق، وطيب المعشر، وعلاقات شتى مع قطاعات عريضة من مجتمع الخرطوم.

    ***- ما زالت الأيام تمر ببطء .. والدته تحركت مع مجموعة من الشقيقات، ونساء الأهل والمعارف علهن يحلن دون وصول حبل المشنقة إلى رقبة (مجدي). قابلن السيد رئيس القضاء بمنزله، علّه يطلب منهم تقديم إسترحاماً .. أو ينير الطريق أمامهن بصورة قانونية .. ولكن سيادته قال لهن جملة واحدة،أصابت الكثيرات منهم بالإحباط : " اخوته .. هم الذين تقدموا بالبلاغ ضده ". انتهت المقابلة وطُردن من المنزل .. حاول معه السيد محمد توفيق، والسيد داؤود عبداللطيف رجل الأعمال المعروف .. ولكن !.

    ***- حاولت (الأم ) عدة مرات مقابلة رئيس مجلس قيادة الثورة (الفريق) عمر البشير .. في أحداهاقابلها رجل متوسط العمر، به شبه منه، قال لها إنه إبن عم الرئيس، وطلب منها أن تحضر في صباح الغد مبكرةً، ليدخلها المنزل الرئاسي (الجديد) مع الرجل الذي يأتي باللبن يوم يا .. نفّذت نصيحته .. أتت في الصباح الباكر، وجدت الرجل الذي قال لها إنه أخبر (الرئيس) ، الذي يطلب منها الحضور بعد ستة أيام، لأنه مسافر .. إلى أين لا تدري؟ ولا إجابة للهفتها على إبنها، .. ستة أيام .. كثيرة جد .. خاصة وان حبل المشنقة صار يقترب، ويتأرجح .طرقت أبواب أصدقاء زوجها .. أحمد سليمان المحامي المعروف (أحد مفكري الإسلاميين، بعد أن كان عضو مشهورًا باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، وأحد أعمدته).. عز الدين السيد رجل الإقتصاد المعروف .. عبد اللطيف دهب، سفير السودان الأسبق بالمملكة العربية السعودية .. ولكن لا شيئ !!

    ***- بعضهم حاول .. وبعضهم (غفر الله له)!..الساعات تتناقص وتركض نحو لحظة التنفيذ .. والأم زرعت العاصمة طولاً وعرضاً، تحاول وتحاول ..وتحاول مرة أخرى .. وتتصل .. عسى أن يكون هنالك بصيصاً من الأمل .. وصلتها معلومة مفادها أن (رئيس مجلس الثورة ) سيكون في (استاد الخرطوم) عصر اليوم، ليشهد حفلاً لتخريج دفعة جديدة من ضباط القوات المسلحة .. ذهبت وبناتها وبعض النسوة من الأقارب .. انتظرن أمام بوابة الخروج الرئيسية ..!.. ولكن ، كعادة حكام العالم الثالث، خرج موكب السيد (الرئيس) بسرعة لم تمكنها حتى من رؤيته، فضلاً عن الحديث معه، ولكنهن لحقن به .. وبسرعة يضا إلى (منزله) بالقيادة العامةللقوات المسلحة .. أحد الحرس أمام بوابة المنزل الضخمة .. سمح لها هي فقط بالدخول .. دخلت إلى صالة الإنتظار التي بها عدة كراسي
    للجلوس، تهاوت على أحدها من الألم .. والغبن .. والقهر، ولكنها لم تكن تشعر بالتعب أو الجوع ..

    ***- كانت زوجة الرئيس (الأولى) – ( إذ أنه تزوج مرة ثانية .. من زوجة زميله عضو مجلس الثورة العقيد -لاحقاً- إبراهيم شمس الدين، الذي أحترقت به طائرته العسكرية مع بعض قيادات القوات المسلحة .. في جنوب السودان )!..كانت زوجة ( الرئيس ) تتبادل الحديث مع إحدى ضيفاتها، وتصف لها روعة الإحتفال الذي كانت
    قادمة منه مع زوجها .. جاءت والدة (الرئيس) وجلست بالقرب منها .. أخبرتها الأم بقصتها، وانها والدة (مجدي).. أبدتً تعاطفا معها، ونهضت وإتجهت إلى غرفة في نهاية الصالة، تفصلها ستارة من القماش الخفيف لا تمنع الرؤية بعد التدقيق بالنظر بالنسبة للجالسين بالصالة، خلفها كان يقف السيد (الرئيس ) مستعد للخروج .. وشاهدت الأم من مكانها طيف والدة الرئيس .. وهي تخاطب إبنها (الرئيس)..! وقليلاً ً من الوقت عادت لتقول لها : أن (الرئيس) خرج، وهو غير موجود ! ؟ .. نظرت الأم إليها بدهشه، لكنها صمتت ولم ترد عليها إلا بالقيام مسرعة لتواصل محاولاتها .. ولم تستمع الأخرى إليها .. وهي تدعو الله ..دعاء حار من قلب أم .. بدأ فعلاً في الإحتراق .. وكانت حرم (الرئيس) كل ذلك الوقت، تحكي لضيفتها عن ( روعة ) إحتفال، ضباط القوات المسلحة، في ذلك اليوم .الساعات تتراكض نحو النهاية ..و (الأم ) لم تفقد الأمل، هرولت (إن صح التعبير) ، نعم هرولت إلى سجن (كوبر ) لتملئ عينها من (مجدي ) ، وكان قلبها يحدثها - وقلب الأم د ئما دليلها - إن هؤلاء ( الناس ) ينوون شر بإبنها .. وإن الحكم ي سينفّذ !. لم تستطع مقابلته وطلب منها الضابط (المناوب ) بالسجن أن تحاول الإتصال بالسيد (زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر) أحد رجالات (نميري ) الأقوياء، وأحد نجوم مجتمع الخرطوم وقتها .. فعلاً ذهبت هي وإبنتها .. وتعاطف الرجل معها بشدة، هو وزوجته، وركبا معه في سيارته وعند بوابة منزل (الرئيس ) بالقيادة العامة، إعترضهما الحرس .. عرّفهم بنفسه ولكنهم أجابوه بغلظة واضحة : "الرئيس .. غير موجود " ؟ !. أخبرهم بالقصة .. وأن والدة ( مجدي ) معه بالسيارة، ولم يتبق إلاّ ساعات لتنفيذ حكم الإعدام .. ولكنهم هذه المرة أشهروا مسدساتهم وهم يرددون : " الرئيس .. غير موجود "!.. لحظتها بكى هذا الرجل .. القوي، من القهر .. وأنسحب . رجعت (الأم ) إلى المنزل ومعها إبنتها، وكل الخرطوم في ذلك الوقت كانت بالمنزل، ولكن ..لعبة ( الروليت ).. كانت قد بدأت في الدوران.

    *****
    ***- ( عادل ).. تحرك في جميع الإتجاهات . لم يترك باباً إلاّ وطرقه آملاً في نجاة صديقه . كان يأتي يومياً .. في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً إلى سجن (كوبر) ، يحمل معه اللبن، والجرائد، والمجلات، وبعض ألعاب الكمبيوتر الصغيرة .. يتبادلان الحديث، والمدهش أن (مجدي ) كان يتصرف، ويتحدث بتلقائيته المعهودة، بينما كان (عادل ) يجاهد ليبدو طبيعياً، وكان صوته يخرج عميقا ومرهقاً، كأنه قادم من أعماق سحيقه داخل نفسه، ويتجنب النظر في عيني صديقه حتى لا يرى ألمه الهائل .. وفي المساء يحضر معه طعاماً، وبعض الملابس ويجلس معه لفترة . أخبره في أحدى هذه الزيارات أن (الوالده ) لها محاولات مع السيد (الرئيس) حاكم النظام الجديد . أمتعض وطلب منه أن ينقل إليها رفضه لذلك .. والدائرة تدور ..والساعات تتناقص نحو المصير .. المحتوم.

    *****
    ***- كأي يوم سبت عادي، أشرقت شمس ذلك اليوم على الخرطوم، في منتصف ديسمبر 1989م ظهرت صحف ( الثورة ) ، كالعادة تُمجِّد رجالها، وتلعن الأحزاب ورجال الحكم السابق، ولكن لفت نظرالناس أن هناك عناويناً بارزة في كل الصحف ذلك الصباح تقول :ً
    " تم أمس تنفيذ حكم الإعدام على تاجر عملة .. ومخدرات ." الخبر بصورته تلك، كان يُقرأ على أن تاجر العملة هو نفسه تاجر المخدرات .. رغم أن المقصود بتاجر العملة (مجدي)..! أما المخدرات فكانت تخص مو اطناً مصرياً، اُتهم مع بعض السودانيين، ولكن لأدلة أثبتت انه صاحبها .. كما يقولون . وكان الخبر أيضا لقراءة رد الفعل لدى الشارع السياسي، وخاصة ً لدى العسكريين منهم، الذين في الخدمة أو الذين تم طردهم منها تحت مُسمى ( الصالح العام ) ، وخاصة رد فعل (خبر ) قتل (مجدي ). أكتمل شروق الشمس، والمعتقلين السياسيين يتجولون في فناء السجن، بحثاً عن الدفء في بداية هذا اليوم البارد، وبالقرب منهم بقية المحكومين، والمنتظرين لأحكام .. و (مجدي) ومجموعة الإعدام .. أي أنه كان حيّاً يرزق . تقاطر أهله أمام بوابة السجن فور قراءتهم لخبر صحف ذلك اليوم.

    ***- وجاء (عادل )مسرعا .. همس أحد المعتقلين السياسيين لجاره بالأخبار .. لم يصدقها لأنه أشار بيده ناحية (مجدي ) ، الذي كان وقتها يقترب منهم ليبادلهم التحية ويجلس معهم .. ولم يخبروه .مدير السجن العمومي اللواء سجون (حجازي عابدون ) عندما قرأ الخبر هرول إلى بوابة السجن الرئيسية، حيث تجمع أهل (مجدي) تتقدمهم والدته وأخوته، وأخبرهم أن الخبر غير صحيح !.. طلب منهم الدخول فدخلوا إلى مكتبه، حيث أحضر لهم (مجدي ).. ولم تنطق الشفاه .. ولكن الدموع كانت تنساب بحرقة، ملهبة حتى للقلوب .. طمأنهم (مجدي ) أنه بخير وطلب عودتهم للمنزل، كما طلب من صديقه (عادل ) أن يحضر له بعض الأشياء الخاصة عند عودته مساء بطعام (الغداء).. وخرجوا .. لكن نظرات ( الأم ) كانت تقول أن هناك ً شيئا !.

    ***- انتظر (عادل ) قليلاً مع صديقه لحين إكتمال إنصراف أفراد الأسرة للمترل، عندما نهض ليودعه، على أمل اللقاء به في ظهر ذلك اليوم كالعادة، همس له مدير السجن : (بأن يأتي إليه لوحده الساعة الحادية عشر قبل الظهر !) ، حينها كان (مجدي ) متجها بصحبة حرسه إلى زنزانته، بينما كان (عادل )يجاهد الأّ تقع عيناه عليه، واضطرب وجيب قلبه .. ولكنه تماسك .. خارجاً، لايدري إلى أين؟!

    ***- عاد مسرعا إلى مكتب مدير السجن، وطلب منه أن يخبره بالحقيقة مباشرة، وإنه أو (مجدي ) سيتحملان هذه الحقيقة .. مهما كانت النتائج .. كان الحزن يكسو وجه المدير، الذي أخبره بصوت متأثر، بأن الإستئناف المقدم من المحامي تم رفضه، وقرأ عليه قرار رئيس القضاء الذي كان فحواه : " أن المتهم من الذين يشتغلون بالتهريب، وأنه من أسرة تمتهن التهريب وتخريب الإقتصاد، ويطالب بتوقيع أقسى العقوبة، والتشديد فيها .. وإنه يؤيد .. الإعدام ." وبالقرب من هذا القرار كان هناك توقيع رئيس مجلس الثورة، .. الشهير .. (أوافق)!!.. وأخبره ايضاً، أن تنفيذ الحكم سيتم الليلة، بعد أن أحضر (الملف) إبراهيم شمس الدين، عضو مجلس الثورة .. أحضره بنفسه إلى إدارة السجن، حيث سيتم التنفيذ .. والإعدام .ولأنه مقاتل، وخاض غمار الحروب، خاصة في جنوب البلاد ورأى فيها ما رأى، تلقى (عادل )الأمر بثبات الفرسان عند المحن، وطلب من المدير أن يسمح له بمقابلة ( مجدي ).. أستجاب لطلبه .. أندهش (مجدي) عندمل رأى صديقه بالمكتب وهو لم يفارقه إلاّ منذ قليل، ورأى في نظرات صديقه لمعاناً وبريقاً، يبدو كالضوء الخافت قادماً من على البعد، وبادره قائلاً : " عادل .. ماذا هناك؟ !!".

    ***- لم يتمالك (عادل ) نفسه أخبره بفحوى قرار السيد رئيس القضاء وتأييده من رئيس مجلس الثورة .. وهو الإعدام، وسيتم التنفيذ ..الليلة .

    ***- لم يصدقا نفسيهما عندما رأيا (مجدي ) يبتسم وهو يمازح صديقه قا ئلاً : " هل تصدق يا عادل انني حلمت بأبي اليوم .." . وصار يهدئه، مو اصلاً أن الأمر لله وحده .. وأجهش (عادل ) ومدير السجن بالبكاء هذه المرة .. ولكن بصوت مكتوم، كدوي المدافع، ومراجل الصدور عندما يعتريها الغضب والشعور بالغبن والمهانة . أمر المدير بفك قيوده، وأجلسه قرب صديقه، وجلس ليدون على بعض الأوراق إجراءات الإستعداد .. لإعدام (مجدي ).. و (مجدي ) هاد ئاً يوصي صديقه :-
    " بداية أوصي الجميع بالصبر، لأنها إرادة الله . لا تعملوا لي مأتماً .. ووالدتي بعد الوفاة تذهب إلى القاهرة، تبتعد عن البلد لفترة، لعل الزمن يداوي جراحها . آرجو أن يأتي فوراً محمد ومندور وكذلك الأخ مجدي مأمون حسب الرسول . وحساباتي المالية عندك، أرجو أن تتركها معك، إذا ظهرت لي ديون من أي شخص، أرجو أن تسددها بنفسك لألقى الله بريئا منها، وإذا تبقى منها شيئ وزعه على الفقراء من ( الأهل .. والناس ).. كان هاد ئاً وهو يتكلم ، و (عادل ) في حالة لا يعلمها إلاّ الله ولكنه يحاول التماسك .. في حوالى الساعة الواحدة بعد الظهر تم إجراء الكشف الطبي عليه، وتم أخذ وزنه وطوله .. وهوكان رائعاً كالعهد به، شامخا بتاريخ أسرته .. ووالده .. وفي منتهى الثبات . كان الوحيد الذي تابع معه هذا الإجراءات (عادل ).. هذا الوفيِّ حتى في لحظات الموت الذي يخيم بشبحه الرهيب على المكان .. و يضا كان يراقب الأحداث بصمت، لأن زمن الخوف .. والرهبة أنتهى، وأصبح الأمر و اقعاً .. وهم اولئك الجلادون، حتى غريزة الخوف داخل النفوس ! ، وعندما تموت مثل هذه الغريزة (الإنسانية ) داخل النفوس ! تبدأ لحظات المواجهة مع التحدي، ورغم الألم، ومرارة الإنتظار، لابد أن تشتعل جذوة الأمل في الحق .. والحقيقة .. والإنتصار.

    ***- أنتهت " مراسم " الإستعداد، لإعدام ( مجدي ) ، وسار بهدوء يتبعه حرسه، وتشيعه نظرات مدير السجن، (عادل) وبقية الموظفين الذين كانت دموعهم تسبق إجراءاتهم إلى زنزانته، وفي الطريق إليها عبر القسم (ج) ، حيث كانت أنظار كل المعتقلين السياسيين تتابعه، وبعضهم أجهش بالبكاء، وانسابت دموع البعض .. بهدؤ وهم يهدئون زملائهم .. ابتسم لهم (مجدي ) ، وأقترب من أحدهم، وهو (محامي ) مشهور طالباً منه بأدبه الجم ، أن يرسل إليه كو با من الشاي .. أرسله إليه في زنزانته مع حارس عابر في الممر والعبرات تكاد تخنقه من الحزن على هذا الشاب الوضئ .. الخلوق .. المهذب والهادئ حتى في أحلك الظروف .. وفي المساء أ ُضيئت الأنوار الكاشفة، بعد المغرب مباشرة، داخل السجن وخارجه، وانعدم الهمس والكلام بين الناس بداخله، حتى موظفي السجن كانوا يقومون بأعمالهم، وهي أشياء تعودوها بالممارسة ..كانوا يقومون بذلك في صمت، ونظرات زائغة، كأنها شعور بالذنب .. والظلم.

    *****
    ***- إتصل ( عادل ) بممدوح في القاهرة، وأخبره بتسارع الأحداث والمستجدات . هرول الشقيق وسط زحام القاهرة المعروف إلى منزل الرئيس الأسبق ( نميري ) ، طالباً تدخله .. إتصل الأخير بالرئيس المصري ( حسني مبارك ) ، الذي بادر فور تلقيه النبأ بالإتصال بقائد (الثورة) الجديد في السودان، الذي أفاده أن ضرورة إستمرار الثورة تقتضي قرارات حاسمة !.. عادت كل هذه الإتصالات (لممدوح ) بفقدان الأمل وأخبر ( عادل ) في الخرطوم بذلك .. كانت الساعة تقترب من التاسعة مساءً (في ) ذلك اليوم، و (عادل ) مرابط داخل مباني السجن . أتاه ضابط سجون وأخبره أن التنفيذ .. بعد قليل وأنه سيذهب إلى (مجدي ) في زنزانته ليقرأ معه بعض آيات من القرآن الكريم.

    ***- نعم .. لقد أحب هذا الشاب كل من رآه . خرج (عادل) وجهز تصاريح المرور اللازمة لمرور جثمان (مجدي) إلى أهله عبر نقاط التفتيش العسكرية، لوجود حالة الطوارئ وحظر التجوال أيامها .. وفعلاً، جهّز أوراقاً لأكثر من ثلاثين عربة كانت تخص الأهل والأصدقاء والمعارف، المتجمعين خارج أسوار السجن .. ًوعند عودته في منتصف تلك الليلة، قابله (ملازم ) سجون خارجاً من غرفة الإعدام وهو يبكي بألم، وقال : ً" ياسيد (عادل).. أخوكم مات .. راجل؟ !!.

    ***- أستلم أحد الأقارب حاجيات (مجدي ): النظارة، وبعض الملابس، بينما تطايرت أوراق تصاريح المرور من يد (عادل ) ، الذي كان مذهولاً وقتها، حتى جمعها أحد الجنود من الأرض ووضعها في يده .أصطفت سيارات الأهل والأصدقاء والمعارف، بعد منتصف الليل بقليل، خارج أسوار السجن، وجاء(عادل ) واشقاء (مجدي ) يحملون جثمانه من الداخل عبر البوابة الرئيسية، ووضعوه في سيارة صديقه (مرتضى حسونه ) ، واتجهت السيارات عبر (جسر ) القوات المسلحة متجهة جنوبا إلى منزل الأسرة بالخرطوم (2) سمحت نقاط التفتيش وقتها بمرورهم السريع، لأن على جانبي الطرق كانت تتحرك سيارات أخرى تراقب .. وتتابع هذا الموكب .. بداخلها (الزبير محمد صالح) ، (فيصل أبو صالح ) وكان وز يرا ً للداخلية، و (صلاح الدين كرار ).. و (إبراهيم شمس الدين).. أعضاء مجلس الثورة (الحاكم ) ، ولكن لعبة( الروليت ).. ما زالت مستمرة .. ولابد لها من أهداف أخرى .

    ***- وصل الموكب إلى المنزل، حيث كانت كل الأنوار مضاءة .. والزحام رهيب، ولا يوجد موضع لقدم أو مكان لسيارة .. كل الأهل هناك في الخرطوم ) ).. 2 وكل أصدقاء الأسرة .. وحتى أ ُناس لا يعرفو??مأتوا .. والأقارب الذين أتوا من (سُُُرّة) وبعض قرى حلفا القديمة، وحلفا الجديدة، وسفراء وقناصل بعض الدول يتقدمهم صديق الأسرة .. وكل السودانيين، سفير دولة الكويت المرحوم (عبدالله السريُع ) ، وبعض رجال المال والأعمال والإقتصاد من أصدقاء والده المرحوم (محجوب) ، وبعض الدبلوماسيين من أصدقاء المرحوم (جمال محمد أحمد).. ذلك الدبلوماسي والأديب الرائع الذائع الصيت، في حياته .. وبعد مماته، وكل أبناء وبنات الأهل .. وكل كهولهم .. بإختصار كل من كان يعرف تلك الليلة .. بالخرطوم وما يدور فيها، خاصة سكان الأحياء القريبة من الخرطوم (2) ، والذين تحدُوا حظر التجوال، وهي شهامة عُُرف بها أهل هذا البلد .. وفعلاً، وكما قال الأديب ( الطيب صالح ) " من أين أتى هؤلاء القوم؟ ".. هل يعرف الحكام الجدد مثل هذه الروح السودانية .. التي أزهقوا واحدة منها هذه الليلة؟ !.. كانت مخابراتهم ورجالها، حركاتهم وتحركاتهم ظاهرة للعيان .. في كل الشوارع المجاورة، وأجهزتهم الصوتية واللاسلكية يتردد صوت وشوشتها أحيانا ً، لأن كل المنطقة في ذلك الوقت .. وكل الناس، كانوا في حالة من الصمت الرهيب لا يسمع خلالها إلأّ بعض هنات وآهات حرُى، يكاد زفيرها يحرق حتى الأشجار المجاورة، لأن القهر يحجر حتى الدموع في العيون ويمنعها من التساقط .. (ولذلك .. ورغم مرور كل هذه السنوات مازال الجرح .. ند يّاً .. طرياً في قلوب الكثيرين .. والكثيرين جدا ..).

    ***- تم إدخال (الجثمان ) إلى غرفته، وحاولت والدته إلقاء نظره أخيره على وجهه هي وبناتها، ولكن تم منعهن بحزم من بعض كبار رجال الأسرة، لأن للشخص بعد إعدامه منظر لا يمكن أن يمحى من الذاكرة، وذلك بتغير شكله الطبيعي .. خاصة منطقة العنق .. وهنُ ، وكل الأهل لم يروا (مجدي ) في حياته إلأّ جميلاً في شكله .. وقبل ذلك في أخلاقه .. جلس كل الناس الحاضرين، حول المنزل وداخل الأسوار وفي ممرات طوابقه، يعلوهم حزن هائل .. ومخيف، في إنتظار إنبلاج الفجر وظهور الضياء لكي يتحرك موكب التشييع إلى مقبرة (فاروق ) ، حيث المدافن العامة، حيث والده واعمامه، وبقية المتوفين من العائلة .. ليرقد بجوارهم .. وتحت التراب، ليحكي لهم ما يدور على سطح الأرض .. أرض السودان .. ونظام حكمه .. الجديد . تحرك الموكب في حوالي الساعة السابعة والنصف صباحاً، والزحام الرهيب يغطي الطرقات،

    ***والشارع الرئيسي في سوق الخرطوم (2) ،والمتجه جنوباً، توقفت حركة السير فيه ونزل بعض المواطنين من المواصلات العامة وأنضموا للموكب بدافع سوداني (فطري) ، هو الشهامة والشعور بأن هناك ظلماً أحاق بصاحب الجثمان .. وانتشر رجال الأمن يراقبون الموقف ..(إبراهيم شمس الدين ) بسيارته الكريسيدا البيضاء، يقودها من على البعد ويد على المقود، والأخرى قابضة على جهازه اللاسلكي يعطي الأوامر .. وانتشرت سيارات الشرطة حول المقبرة، وخارج أسوارها .. ولأول مرة تقدم الموكب فتيات الأسرة ونسائها عندما صمت بعض الرجال .. هتفن ضد الظلم، لاعنات هؤلاء الجلادين من رجال النظام وعلى رأسهم (إبراهيم شمس الدين ) والسيد (رئيس القضاء )؟ ! .. وأنطلقت حناجر الجميع .. وكان بركاناً . و .. ( إبراهيم شمس الدين ) كان هناك في الناحية الغربية لسور المقبرة .. من الخارج .. يراقب الموقف حتى إنتهت مراسم الدفن، وطلب البعض الهدوء، عند العودة للمنزل، حتى لا يتشفى ذلك ( الرابض ) خلف السور في جمهرة الناس ويأمر بإطلاق النار .. حتى داخل المقبرة، وهم الذين فعلوا ما فعلوه (بمجدي ).. دون أن تطرف لهم عين، أو تأخذهم شفقة . أستجابت الجموع على مضض لهذا النداء وعادوا صامتين . وبقي (مجدي ) جوار أبيه ( محجوب ).. ولكنه هذه المره كان هاد ئا فعلاً ذلك الهدوء المثير والأبدي.

    *****
    ***- كانت أيام العزاء لهذا (الشاب) ملحمة وطنية . يعتري الغضب النفوس بصمت، ويظهر في العيون المحمرُة من الإنفعال والسهر . ورغم ثراء الأسرة ومحاولاتها إكرام ضيوفها المعزُين من طعام وشراب، كعادة السودانيين في مآتمهم، إلاّ أن أحد لم يذق طعما لشراب أو يجد لذة في أكل .. الكل في حالة ذهول . وطيف ً (مجدي ) يحوم حولهم بإبتسامته الدائمة .. ويغمرهم بدفء أخلاقه الحميدة .وأيامها، حتى بعض العسكريين من الأصدقاء والمعارف، لم يترددوا ولو للحظة من حضور مراسم الدفن وأيام العزاء .. وكانت أعين الأجهزة الأمنية تراقبهم، لكنهم لم يجبنوا .. ولم يستطع الأهل أو (عادل ) أن ينفذوا وصية (المرحوم ) بشأن العزاء، لأن سيل القادمين إليهم كان بالكثرة التي لا يستطيعون منعها .. كان هؤلاء تحملهم عواطفهم، وتعاطفهم وهي وحدها تقود السودانيين عندما يشعرون بأن هناك ظلما قد حاق بأحدهم.



                  

العنوان الكاتب Date
هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 02:37 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 02:42 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- عبدالرحمن إبراهيم محمد09-22-10, 02:52 PM
      Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- عبدالرحمن إبراهيم محمد09-22-10, 02:54 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 03:10 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 03:24 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- Tragie Mustafa09-22-10, 03:31 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 03:35 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 04:03 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- فايزودالقاضي09-22-10, 04:23 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 04:29 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- abubakr09-22-10, 04:57 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-22-10, 04:59 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- عبدالرحمن إبراهيم محمد09-22-10, 05:27 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-23-10, 01:06 AM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- عبدالرحمن الحلاوي09-26-10, 05:07 AM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-23-10, 03:39 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- عبدالرحمن إبراهيم محمد09-23-10, 04:32 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-23-10, 05:14 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- عبدالرحمن إبراهيم محمد09-23-10, 06:34 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-23-10, 06:43 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-23-10, 09:43 PM
      Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- أسامة خلف الله مصطفى09-24-10, 03:40 AM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-24-10, 06:16 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-24-10, 11:30 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-25-10, 02:17 PM
      Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-25-10, 10:27 PM
        Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- ايمان بدر الدين09-26-10, 06:49 AM
        Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- صلاح عباس فقير09-26-10, 06:55 AM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-26-10, 03:26 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- عبدالرحمن إبراهيم محمد09-26-10, 05:07 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-27-10, 01:14 AM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-27-10, 09:12 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- ايمان بدر الدين09-27-10, 10:31 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-27-10, 11:08 PM
    Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-28-10, 11:36 AM
      Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-28-10, 12:50 PM
        Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-30-10, 12:15 PM
  Re: هل سيتم شنقهم أيضاً..؟..بدء محاكمة (10) تجار عملة - توجد صور لمجدي وجرجس- بكري الصايغ09-30-10, 12:24 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de