|
مباهاة ..
|
** الي زمن ليس ببعيد ، كان البعض منا يتباهى بأوهامه ، ويقدمها للناس باعتبارها الهاما ، وهي لم تكن كتلك ، بل كانت أوهاما ، يطلقونها وحدهم ثم يصدقونها وحدهم ، كمثال فقط لا حصر .. أحدهم تباهى ذات يوم بان ابنه - ذو العشرة أعوام - لم ير في حياته سكيرا ولا يعرف معنى السٌكر، ويرجِع الفضل في ذلك الي مشروعه الحضارى الذي قضى على السكر واطاح بالسكارى .. كان يزهو في الناس هكذا ثم يصدق وهمه ذاك ، ولو لم يكن وهما لأمر ابنه بان يذهب الي أسواق العامة وأحيائها وأريافها ، ليرى بام عينيه رهطا من أهل السودان كالسكارى أو أكثر ترنحا و ارتجافا من أهوال الغلاء والمعاناة و ضنك الحياة والظلم المبين .. فان كانت الخمر تذهب عقول الفئة التي تدمنها ، فان سياسة التمكين أذهبت عقل شعب بأكمله ، والذي يتباهى بوقاية الناس من الخمر حتى أضحى حال المخمور مجهولا غير معروف لابنه ، كان عليه أن يقي الناس أيضا من الظلم والاقصاء و التنكيل والتشريد ليكتمل مشروعه الحضاري ..!! ** فالآيات التي حرمت الخمر في كتاب الله ثم صارت نصا في المشروع الحضارى المباهى به ، تنزلت من ذات السماء التي تنزلت منها أيضا الآيات التي تحرم قطع الرقاب بغير حق و قطع الارزاق بسيف « الصالح الخاص» ، ومن تلك السماء الرحيمة ايضا تنزلت آيات تفرض حكم العدل بين الناس دون تجزئتهم الي احزاب أوعقائد ، ومنها أيضا تنزلت - على حد سواء مع آيات تحريم الخمر - آيات تساوى بين الناس في الحقوق والواجبات ، وتحترم كرامة الانسان الذي ولدته أمه حرا في التفكير و الاختيار .. وكان على « المتباهي » أن يجمع كل تلك الآيات في نصوص مشروعه الحضاري ثم يتباهى بان ابنه جاء الي الدنيا في زمن لم تشهد فيه الارض ظلما ولاجورا ولا احتكارا ، ولكنه لم يفعل ذلك لان رؤيته لمجمل معانى المشروع الحضاري - في زمان اختلال الافكار والمعانى - لم تتجاوز قطرات في مساحة « قعر كأس » قد تذهب عقلا أو نفسا في المجتمع ، وماضره بعد ذلك أن يسحق عقل « كل المجتمع » اجتماعيا واقتصاديا و اخلاقيا ...!! ** ذاك « المتباهي » لم يكن يرى في شجرة « المشروع الحضارى » الا فرعا صغيرا ، فعلق عليه ابنه للتباهى ، وغض الطرف كليا عن أصل الشجرة و ثمارها وجذورها ، لأن الثمار لم تؤتى أكلها و لا الجذور كانت راسخة .. وعدم الاعتراف بصفار الثمار و ضعف الجذور كان يجعل المتباهى - بالفرع - ضعيفا أمام الناس ، وكان يجعل فرعه أيضا واهنا ووهما .. وعليه يجب أن يمتلك المتباهى كل نواصي المشروع الحضاري ليقنع الناس بأفضاله ، والا سوف يصبح معلقا - كالمهرج - في فرع صغير و الناس منه يسخرون ..!! ** و شكرا للدكتور امين حسن عمر الذي اعاد الي ذاكرتنا كل تلك الخاطرة .. هو أيضا بقامته الفكرية أراد التباهى - بالمشروع الحضاري - في ندوة أمانة طلاب المؤتمر الوطني ، وقال مفتخرا بالانقاذ « بانها جعلت خصومها يتخذون الاسلام مرجعية في محاكمتهم لها » .. لو كان المتباهى بهذا« الفضل الانقاذي » أحدا من العامة التي لا حظ لها في العلم - دع الفكر - لتجاهلناه بضحكة ساخرة ، ولكن القائل هو المفكر الاسلامى امين حسن عمر ، ولهذا اندهشنا وكتبنا .. وان كان د. امين يفتخر بهذا ، نذكره بان السبب الذي جعل خصوم الانقاذ يحاكمونها بالاسلام هو أن الانقاذ زعمت لهم بانها تحكمهم بالاسلام .. وطبيعى جدا أن يقارن الخصم بين الاقوال والافعال ، ثم يحكم على أفعالها بأقوالها .. أين مصدر المباهاة هنا و أين مكمن الفخر ..؟... و لو جاءت الانقاذ بالماركسية و فشلت في تطبيقها لحاكموها بها أيضا ..!! ** ولو لم يكن المرء - أوالنظام - يحاكم بأفكاره وشعاراته لما نجح الاسلاميون القدامى في محاكمة د. امين حسن عمر سابقا حتى تخلى عن الشيوعية و ملحقاتها ... !!
|
|
|
|
|
|
|
|
|