ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 11:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل محمود احمد الامين(adil amin)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-15-2005, 02:30 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36828

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير (Re: adil amin)

    معسكر اللاسلكي
    كان أزيز الطائرة الخافت ينساب على أذنيه ويترك أصداء مؤلمة على ذهنه المشوش "اللعنة.. تباً لتلك الرسالة العجيبة ضاع كل شيء" أخبره عاطف شقيقه أن كل شيء ضاع جرفت السيول كل شيء. أخرج علبة الدواء وتناول الرسالة الحزينة. أغمض عينيه في استسلام ورجع بذاكرته إلى أيام الجامعة، عندما سئم الدراسة وشعر بعدم جدواها، تذكر أنه حضر ذلك اليوم ظهراً وجد كل الأسرة مجتمعة للغداء.. كان "أسد البراري" يقف جوار العربة الكارو يعتلف البرسيم الأخضر ويهز ذيله في جزل، ذلك الحصان المخلص الذي كان معهم منذ أن فتحت أعينهم للدنيا، كان ذلك يوم مشهود في حياة أحمد أعلن بكل إصرار أنه قرر ترك الجامعة، وقد عرض عليه رجل عقد عمل في السعودية، العقد بقيمة ألفي جنيه في ذلك الزمن الغابر، وافق والده على مضض، كان الحصول على مبلغ الفي جنيه تجربة شاقة "لأسد البراري" الذي عمل يوماً بأكمله من الصباح حتى منتصف الليل الشيء الذي أجهده وأصبح لا يستطيع الحراك لمدة ثلاثة أيام، أحزن ذلك أحمد، أخذه في اليوم الذي تقرر فيه سفره إلى النيل ليغسله كما كان يفعل في الماضي، اغتسلا معاً وعاد أسد البراري إلى البيت سعيداً منتشياً.
    لا زال أزيز الطائرة يطن في أذنيه" إذا مات أسد البراري" كما ذكر أخوه في الرسالة "فتح أحمد عينيه في اعياء وقد غطتها الدموع، كان الحصان جزء من أسرتهم المتواضعة التي تسكن ضاحية الدروشاب جنوب الخرطوم بحري.
    "جرفت السيول الصالون الذي بناه من كد قلبه، أخذ السيول والأمطار كل ما في المنزل وذهبت تاركة منزلهم أنقاض "كان أحمد قد عزم على أن يأتي ليتزوج هذا العام .. لكن هيهات!! كارثة أخرى حدثت " تزوج التوم العرة شقيق تاجر العملة الكبير من مريم فتاة أحلامه منذ الصغر " تمت تسوية غريبة مع أبيها الفقير الحاج عبدالله، ذكرها عاطف في رسالته الطويلة " تباً لتلك الرسالة العجيبة " إذاً فلتأخذ السيول والأمطار كل شيء لم يعد محتاجاً إلى الصالون أو الأثاث" …
    " ماتت ابنة الجيران ميري بحمى المستنقعات" ، ميري بنت عم دانيال جارهم الطيب وصديق أبيه، من ابناء الجنوب ويعمل في الجيش وكيل عريف والد صديقاه شاول وصمويل. كانت تربط بين الأسرتين كل المناسبات الجميلة، عم دانيال من أعز أصدقاء والده، جمعتهم عشرة عمر طويلة أيام الحلفاء والحرب العالمية الثانية تحصلا على قطعة أرض بصعوبة وتمكنا من البناء سوياً واقتسما الدار … "هرب صمويل وانضم إلى المتمردين".. هذه الأخبار التي أرسلها عاطف كانت تدور ككوابيس مزعجة في ذهن أحمد المشوش والطائرة والسعودية العملاقة تقترب من مطار الخرطوم.. أعلنت المضيفة عن وصول الطائرة مطار الخرطوم الغارقة في البلل.. وهبطت في سلام.
    * * *
    استقل أحمد عربة أجرة تشق به طرقات الخرطوم الموحلة التي لا زالت تعاني من كارثة السيول والأمطار، كان أحمد ينظر إلى المنازل المدمرة والألم يعتصره، انطلقت السيارة إلى الضواحي، عند أطراف مدينة الخرطوم بحرى عند محطة اللاسلكي، كان المعسكر.. نظر أحمد إلى الخيام البيضاء المنتشرة تحت أبراج اللاسلكي الضخمة كأنها أسراب حمائم حطت على الأرض " إذاً هذا هو معسكر اللاسلكي، كما ذكره عاطف".. أوقف أحمد السيارة ونقد السائق أجره، واقترب يشق طرقات المعسكر، كان الكل ينظر إليه بفضول، الشباب الموفور الصحة الذي حضر إلى المعسكر، تعرف على الخيمة التي تقيم فيها أسرته عندما وجد عم دانيال ووالده يجلسان على كراسيهما المعتادة يستمعان إلى الراديو، كما كانا يفعلان في الماضي ويلعبان الدومينو أيضاً، كان اللقاء خافلاً بالدموع، وخرجت والدته من الخيمة وكل الجيران يحيون أحمد العائد من الخارج، حضر عاطف واحتضن شقيقه وأجلسه داخل الخيمة، استلقى أحمد الفرش وجلس عاطف الذي أدركه الهزال أمامه. نظر أحمد من الفرجة إلى عم دانيال الذي كان يستمع إلى إذاعة المتمردين في أسى وحزن بالغ..
    - مسكين عم دانيال.
    هز عاطف رأسه في أسى
    - منذ أن اتضم ابناه إلى (أس. بي. أل. أي) وهو لا يكل ولا يمل الاستماع إلى إذاعتهم. نهض أحمد جالساً في دهشة.
    - هل انظم إليهم شاول أيضاً ؟!
    - نعم رغم أن تلك لم تكن قناعته وأنت تعرف أنه كان يدرس القانون يؤمن بالعدالة وعندما حضروا إلى المعسكر، كانت الإغاثة تأتي من الخارج من مختلف الدول فيتم صبغها بالأديان هنا ، لم يحتمل شاول ذلك واختفي كالمعتاد، عرفنا لاحقاً أنه مع المتمردين من خلال المذياع وكلما يأتي العصر يستمع عم دانيال إلى صوت ابنه شاول الذي يغطي البث الإنجليزي للإذاعة.
    تنهد أحمد في أسى ثم ابتلع قرصاً آخر من علبة الدواء وشقيقه يحملق في دهشة وأردف أحمد في امتعاض.
    - طريقه رديئة لاستقلال الأديان السماوية !!
    ثم تنحى منحى آخر مواصلاً حديثه.
    - كيف مات أسد البراري؟
    كانت الدنيا شديدة المطر وقام والدنا وبمساعدة "أسد البراري" بنقل كل الأسر التي تقم في الجوار إلى شريط السكة الحديد، المكان الوحيد المرتفع الذي عصمنا من الماء في تلك الليلة وقد نفق من الإعياء، أحزن ذلك والدنا كثيراً، وقد قمنا بدفنه جوار هذا المعسكر لاحقاً .
    دمعت عينا أحمد ونهض ينظر إلى أخيه في أسى.
    - خذني إلى مكانه.
    نهض عاطف وخرجا من باب الخيمة واتجها غرباً نحو الشمس الغاربة، جلسا هناك تحت ظل شجرة سلم وأشار عاطف إلى مكان مرتفع تعبث به الريح.
    - هناك يرقد أسد البراري.
    تنهد أحمد بحرقة وقد احمرت عيناه وبدأت يده ترتعش.
    - كيف ماتت ميري ؟!
    - أصيبت بحمى المستنقعات وعندما انتقلنا إلى شريط القطار أمرت الحكومة بالابتعاد عن المنطقة ورفض المنكوبين ذلك، حضر رجال الاحتياط المركزي واطلقوا علينا الغازات المسيلة للدموع وماتت ميري مختنقة بالغاز، اشتبك صمويل مع الجنود، ضربوه ضرباً مبرحاً ومنذ ذلك اليوم لم يره أحد، انضم إلى المتمردين وكان ذلك قبل اجلائنا بصورة نهائية إلى هذا المكان.
    - اللعنة !! هرب كل أولاد عم دانيال وانضموا إلى المتمردين.
    - أنا أجد لهم العذر في ذلك، هذه ديماجوجية الأحزاب وليس ديموقراطية.
    نظر أحمد إلى أخيه في حنق، وهو يعرف أنه يساري وليس الوقت مناسباً الآن لإثارة جدل، إن داخله محطم تماماً، أخرج أحمد قرصاً آخر وابتلعه بأصابع مرتجفة.
    - وضاعت مريم أيضاً؟ تزوجها التوم العاطل عن كل شيء، قريب تاجر العملة الثري.
    - نعم كان ذلك.. وأنا أجد آسف لك.
    - لا تأسف يا عزيز إنه زمن الكوليرا *
    حاول أحمد أن يخرج قرصاً آخر، نظر إليه عاطف في امتعاض ممزوج بالحنق وصاح فيه بحدة.
    - انتبه !! ما هذه الأقراص اللعينة التي تناولتها وتتناولها كل لحظة منذ حضورك.
    - دعك منها .. اتركني وشأني.
    نهض عاطف وانقض على شقيقه يحاول انتزاع علبة الدواء منه، تشبث أحمد بالعلبة وأفرغ الأقراص كلها في قبضته، كانت المعركة غير متكافئة بين أحمد الموفور الصحة القادم من السعودية وعاطف الهزيل المنهك بحمى المستنقعات، التف كالثعبان على شقيقه يمنعه من بلع الأقراص دفع أحمد شقيقه بعيداً وابتلع كل الأقراص انقض عاطف وهو يصرخ صراخاً هستيرياً على جسد أخيه الذي كان يختلج بشده وخيوط رفيعة من الدم تنساب من أنفه وفمه.
    تجمع أهالي المعسكر من كل حدب وصوب، ينظرون في فضول حزين إلى الزائر الغريب الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وشقيقه جالس جواره ينتحب بحرقة.. سكن جسد أحمد أخيراً نهض عاطف واطلق صرخة دواية رددت صداها جنبات المعسكر.. انقض الأهالي الطيبون.. أهالي الدروشاب عرب، نوبه، مسلمين، مسيحيين بسطاء كالثوب الأبيض كالخيام البيضاء التي تغطي الأرض جوار محطة اللاسلكي، وأسدل الستار على حكاية الزائر الغريب الذي حضر من السعودية مات في السودان في معسكر اللاسلكي.
                  

العنوان الكاتب Date
ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin06-02-05, 03:11 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin06-17-05, 08:33 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin07-16-05, 01:23 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير Kostawi08-11-05, 09:57 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير abraham deng08-11-05, 10:29 AM
    Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير Haydar Badawi Sadig08-11-05, 10:33 AM
      Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-11-05, 09:26 PM
        Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير حيدر حسن ميرغني08-12-05, 06:00 AM
          Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-13-05, 01:00 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-13-05, 01:05 AM
    Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير Haydar Badawi Sadig08-13-05, 04:00 PM
      Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير حيدر حسن ميرغني08-14-05, 05:32 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-14-05, 07:24 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-14-05, 07:39 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-15-05, 02:30 AM
    Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير Haydar Badawi Sadig08-18-05, 08:17 PM
      Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-19-05, 08:08 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin08-19-05, 08:12 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin09-28-05, 05:02 AM
    Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin01-14-06, 12:53 PM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin01-20-06, 09:55 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin01-22-06, 11:59 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin01-31-06, 03:11 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin02-10-06, 08:56 AM
    Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير Tragie Mustafa02-10-06, 10:08 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin02-17-06, 10:00 AM
    Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin02-17-06, 10:30 AM
      Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير عشة بت فاطنة02-19-06, 11:29 AM
        Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin02-20-06, 07:44 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin03-17-06, 10:55 AM
    Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير othman mohmmadien03-18-06, 03:52 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin04-23-06, 06:54 AM
  Re: ثقافة السودان الجديد:قطار الشمال الأخير adil amin05-05-06, 09:18 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de