.......وهكذا تكلم د.عمر القراي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 00:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل محمود احمد الامين(adil amin)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-20-2006, 01:55 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36592

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي (Re: adil amin)




    حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
    الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة العاشرة والأخيرة)
    د. عمر القراى - 15 سبتمبر 2003
    (41)

    في ضحى الجمعة 18 يناير 1985، إقتيد الاستاذ محمود ، وهو مصفد اليدين والقدمين ، ومغطى الوجه الى ساحة سجن كوبر العمومي . وكانت الساحة ، على سعتها ، تضيق بمئات المواطنين ، الذين يرتفع صوت هتافهم " الله اكبر الاسلام هو الحل " !! ثم يخبو ، بجانب هتاف السجناء ، الذين يضربون باقدامهم الارض ، ويدقون على ابواب حراساتهم ، وهم يرددون " لن ترتاح يا سفاح " "العار العار يانميري " .. ولقد كانت الجماعات الاسلامية، تترقب هذه اللحظة ، والفقهاء الذي انتقدهم الاستاذ محمود ، ينتظرون ان يروا ، منه ، اي بادرة خوف ، او تراجع ، تطمئنهم على انه ربما لم يكن ، على حق في دعوته .. اذ لا يتوقع من شخص مدع ، أو منحرف ، ان يثبت في لقاء الموت .. لقد عجزوا ان يهزموه طوال حياته ، فهاهم يطمعون ان يهزموه في مماته !! ومعلوم ان الموت لا يمثل هزيمة ، لانه مصير كل الاحياء ، ولكن الهزيمة في التراجع ، او الخوف والاضطراب .. ولكن ما حدث ، كان مفاجأة لهم ، ولغيرهم ، بكل المقاييس . اذ ان الاستاذ محمود ، سار الى الموت ثابت الخطى والجنان ، ولم ينس ان يخلع نعليه عند المنصة ، وحين كشف الغطاء عن راسه ابتسم !!

    ولقد صور عدد من الشعراء ، والمفكرين ، والادباء ، هذا الموقف، ومن هؤلاء د. عبد الله بولا ، فقد أورد حديث الاستاذ في المحكمة ، ثم قال ( كان هذا حديث الرجل الى المحكمة التي كان يعلم انها أضمرت قتله أو اذلاله بالتراجع عن آرائه ، حديث رجل سلط على عنقه سيف ارهاب مشرع مديد طوله الف وثلاثمائة عام ونيف ، فما زاغ بصره وما طغى ، ولا أقول لم يرمش له طرف ، بل لم يهتز منه ظل خاطرة في أعمق أعماق طبقات وعيه الباطن :

    وقد كان فوت الموت سهلاً فساقه اليه الحفاظ المر والخلق الوعر

    وامام المشنقة ثانياً : فعندما أحكموا حبل الموت حول عنقه وأزاحوا غطاء الرعب عن وجهه الوضئ ، وجدوا رجلاً يبتسم لا ساخراً ولا مستهزءاً بالموت ، بل موقناً بالفداء الكبير ، مطمئناً الى اختيار ربه ، منسجماً حتى النهاية مع منطقه التوحيدي وهذا أقصى ما يصل اليه الصدق . وهكذا فقد مضى "الى الخلود بطلاً ورائداً وقائداً رعيل الشهداء ورمز إيمان جديد بالفداء ..... وبالوطن". أقول هذا وانا جد قلق مستوحش من ان اكون قد أسات الوقوف في حضرة هذا الشيخ الجليل )[1]



    وفي قصيدة المرحوم بروفسير عبد الله الطيب :

    قد شجاني مصابه محمود مارق قيل ، وهو عندي شهيد

    وطني مجاهد واديب منشئ في بيانه تجويد

    وخطيب مؤثر ولديه سرعة الرد والذكاء الفريد

    الى ان يقول :

    علناً علقوه يشنق للجمهور ذاك المفكر الصنديد

    أخرجوه لحتفه ويداه خلفه وهو موثق مشدود

    جعلوه يرقى به الدرج الصاعد نحو الهلاك خطو وئيد

    كشفوا وجهه ليعرف ان هذا هو الشخص عينه محمود

    فاراهم من ثغره بسمة الساخر والحبل فوقه ممدود

    وعلى وجهه صفاء واشراق أمام الردى وديع جليد؟![2]

    وفي قصيدة الاستاذ عوض الكريم موسى:

    ويخلع النعلين عند سفح المشنقة

    كأنها المصلى وهو يصعد الخطى الموثقة الواثقة

    كأنه المحب في لقاء محبوب مهاجر يرنو لان يعانقه

    ويكشف الغطاء عن بوادر ابتسامة

    عن انضر ابتسامة

    عن أجسر ابتسامة

    كالشمس لم تخامرها غمامة

    برهانه على اليقين والصمامة

    رسالة الى الاحرار بالخلاص المرتجى

    حرب على الدجال فهي في حلوقهم شجى

    وفي عيونهم قذى وفي صدورهم لظى

    فقد أبى أن يعطي الدنية

    في دينه من نفسه الابية

    لله وحده أعطى زمامه

    أقام دينه أوفى تمامه

    تبت يداهم يقتلون في الضحى السلام

    والغصن والحمامة

    وحوله هتافهم كجوفهم مباءة المساءة

    قاماتهم قماءة ، وجوههم دمامة

    أليسوا الساقطين في شر الفتن ؟

    البائعين الدين ، والمبائعين التالف المتلاف

    بيعة الامامة ؟![3]

    وفي قصيدة الأخ العوض مصطفى:

    ان ما اشتاق لهذا الصابر في البأساء فلا اشتاق

    المؤمن بالشعب العملاق

    الباذل للروح الغالي والمطلق من قيد الاشفاق

    يكفيني أني عشت زماناً كان له طعم ومذاق

    يكفيني اني كنت جليسك رغم شعور الابن العاق

    فيا من كان بحضرته والفكر به قيد ووثاق

    حدثني عن أخبار الشيخ الباسم في وجه الشناق[4]

    وفي قصيدة الاستاذ عالم عباس :

    كان الدرج الصاعد نحو المشنقة المنصوبة في ساحة

    كوبر يدرك ان الخطوات المتزنات اللائي سرت بهن

    وئيداً تفضي نحو الموت الرائع والمتسق تماماً مع ما كنت تقول

    كان الحبل الملتف على رقبتك الشامخة الرأس هو

    الطرف الآخر من ذات الحبل الملتف على عنق الوطن المقتول

    ليس بعيداً كل قضاتك والجلادون ملامحهم ذابت

    ووجوههم متفحمة خجلاً وصغاراً

    وثباتك مثل الخنجر بين اضالعهم

    فكأنك تقتلهم بمخازيهم شنقاً وتحرر

    ربقة هذا الوطن الرائع من نير الذل

    انت الأغلى ، والأعلى ، والانبل

    كنا ندرك انك تفدي الوطن الأجمل

    فلتكن القربان اذن حتى يتطهر وجه الارض

    وينخسئ البهتان[5]

    ومن شعر الشاعر سيد احمد الحاردلو شفاه الله باللهجة السودانية الدارجة :

    بس يا سلام سلم

    زول يستحق القول

    والحمد والتبجيل

    محمود جنا طه

    ملك وملكو علم

    وفقير وفقرو علم

    ويمين يمين الله

    لو عندي أيد لاحقه

    أديهو تاج الرجال

    وابنيلو في الخرتوم

    فوق البحر تمثال

    لكن خسارتي انا

    الماعندي أيها حال[6]



    (42)

    ولقد ااستنكرت ، الحكم ، من حيث هو اعتداء على حرية الفكر ، نقابات واحزاب وصحف ، ومجموعات داخل وخارج السودان .. فجاء في بيان الهيئة النقابية لاساتذة جامعة الخرطوم (نخاطبكم والبلاد تمر بفترة من احرج فترات تاريخها الحديث واحلكها ، نخاطبكم في وقت ديست فيه حرية الفكر واذلت فيه أعناق الرجال وارتخصت فيه حياة المفكرين . في أمس الأول 8/1/1985 الموافق 16/4/1405هجرية أصدر قاضي محكمة جنايات امدرمان رقم 4 حكماً بالاعدام شنقاً حتى الموت على الاستاذ محمود محمد طه واربعة من الجمهوريين وقد جاء في حيثيات الحكم التي تناقلتها أجهزة الاعلام المختلفة أن حكم الاعدام هذا سيكون عظة لغيرهم ممن اسماهم القاضي بمثيري الفتنة وهذا في رأينا هو المقصود بامر المحكمة ابتداء، لأن السلطة السياسية التي يأتمر قضاة المحاكم الجنائية بأمرها ظلت تسعى الى تكميم افواه المفكرين واسكات اصوات المعارضين بشتى الوسائل من حل لنقابات العاملين وتشريد وطرد من الخدمة وزج في السجون ثم بمحاكمات صورية لا تتوفر فيها أبسط مقومات العدالة....)[7]

    ولقد رفعت نقابة المحامين ، مذكرة لرئيس الجمهورية ، جاء فيها ( وقد تلقينا مع ابناء شعبنا أجمعين صدمة الحكم الذي اصدرته محكمة الجنايات بامدرمان باعدام المتهمين في القضية المعروفة "حكومة السودان ضد محمود محمد طه وآخرين" .... وقد جاءت المحاكمة الاخيرة للمتهمين المذكورين لتؤمن على صحة المحاذير والانتقادات التي وجهناها لذلك القانون في حينها. ولعلها لم تكن المحاكمة الوحيدة في ذلك الصدد غير انها كانت الوحيدة التي عبر فيها المتهمون صراحة عما ظل يلاك همساً وظللنا نحذر منه .. فقد رفضوا بادئ ذي بدء التعامل مع هذه المحاكم ، مؤسسين رفضهم على انتقادات عنيفة لقضاتها فنياً وأخلاقياً الشئ الذي لم يشهد تاريخ القضاء مثلاً له. وما كان ذلك ليكون لولا ان قانون الهيئة المستحدث وما ترتب عليه من ممارسات لم يستطع ان يقنع احداً بان ثمة قدر - ولو ضئيل- من العدالة والحيدة والنزاهة يمكن ان يتحقق في ظله)[8]..

    وفي بيان ، صدر عن الحزب الشيوعي السوداني ، جاء ( إجتاحت البلاد موجة مشروعة من الغضب والاستهجان على الحكم بحق الاستاذ محمود محمد طه وزملائه من قادة الجمهوريين .. واستنكر أهل السودان على اختلاف مشاربهم ، استهتار نميري واعوانه بابسط قيم العدالة في المحاكم الميدانية والايجازية التي اسموها محاكم عدالة اسلامية ناجزة ! فالجمهوريون لم يفعلوا أكثر من إستعمال حقهم كمواطنين ، وعرضوا وجهة نظرهم من منطلقات اسلامية ، ومن موقع التعاطف مع السلطة ، وتقدموا بنصيحة للسلطة لإلغاء تشريعات سبتمبر1983 ، وحل مشكلة الجنوب حلاً سياسياً حسب ما جاء في منشورهم فأي عدالة سماوية أو وضعية تبيح تقديمهم للمحاكمة تحت حشد من مواد القانون الوضعي الرجعي في آن واحد ثم يصدر الحكم ضدهم شرعياً حدياً بالتكفير والاعدام؟

    إن حكم الاعدام على الفكر السياسي ، هو الثمرة المرة للتجارة بالدين واستخدام الاسلام واجهة لتسلط حكم الفرد وبعث لاكثر تاريخ صفحات الدولة الاسلامية سواداً حيث يكفر الحاكم معارضيه الساسيين ،ويستبيح دماءهم . ويتسابق علماء السوء وقضاة الضلالة في تدبيج الفتاوي والاحكام لتبرير استبداد الحاكم . هذا ما يمارسه في سودان اليوم جعفر نميري والاخوان المسلمون وبطانة الشعوذة والدجل من أمثال ابوقرون والمهلاوي ، وبتشجيع من حكام السعودية وخدامهم من المنتفعين بمذهب الوهابية . ولكنهم تناسوا في غمرة تعطشهم لدحر معارضيهم ان الرأي العام السوداني المستنير قبر محكمة الردّة التي عقدوها عام 68 لتكفير الاستاذ محمود محمد طه )[9]

    وكتب الكاتب المصري ، والناشط في حقوق الانسان ، الاستاذ فتحي رضوان ( إن النظام رأى أن يحاكم رئيس الجماعة واتباعه امام محكمة انهت المحاكمة الخطيرة ، في هذه التهمة الفادحة في لمح البصر لإقامة نوع جديد من العدالة لم تشهده أمة مسلمة أو وثنية منذ عرف الناس العدل والقضاء والمحاكمة وتوجت هذه المحكمة بحكم قضى باعدام الخمسة .... ويشرف المواطن العربي ان يوجد بين اخوانه في هذا الوطن من يواجه طغيان الحاكم بثبات ورباطة جأش ، رافضاً ان يتعاون مع هذا الطراز من المحاكم والقضاة . وان يتمسك برأيه لا يخاف حتى حينما يصل الأمر للتهديد بالموت )[10]

    واصدرت المنظمة العربية ، لحقوق الانسان ، في مجلتها الدورية عدد فبراير 1985 ، ملفاً ، حوى اكثر من خمسين صفحة ، شمل تغطية واسعة ، للقضية واجراءات سيرها ، وكلمة الاستاذ امام المحكمة ، ومنشورات للجمهوريين ، وتعريف بالفكرة الجمهورية ، وردود فعل الحكم ..

    وجاء في جريدة الاهالي ( الى جانب ردود الافعال الداخليه الحادة فقد ادانت لجنة الحقوقيين الدولية شنق محمود محمد طه بدعوى خروجه على الشريعة الاسلامية ... وقد استنكرت وزارة الخارجية الامريكية ذاتها إعدام الرجل باعتباره انتهاكاً سافراً لحقوق الانسان .... واعربت أمانة اللجنة المركزية لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي عن استنكارها الشديد والشعور بالاشمئزاز إزاء الجريمة الشنعاء التي ارتكبها نظام نميري باعدام شيخ كبير من قادة التيار الاسلامي بالسودان هو الشيخ محمود محمد طه وأكدت الامانة ان جريمة النظام السوداني تعني كل مسلم بصفة عامة وكل مصري بصفة خاصة ودعت امانة اللجنة المركزية كل القوى الوطنية وجموع المواطنين للاعلان عن استنكارها لهذه الجريمة التي تتناقض مع ابسط حقوق الانسان وأقدس القيم العربية والحضارية )[11]

    وكتبت مجلة مرآة الأمة الكويتية ( لو اننا أخذنا بالمبررات والتهم التي ألصقت بالمرحوم الشيخ محمود محمد طه زعيم الاخوان الجمهوريين 76 سنة الذي اقتيد الى حبل المشنقة في السودان مكبلاً بالاصفاد والاغلال والقيود وعلق فيها وهو يبتسم ونزع الحبل روحه وهو يبتسم لانه لم يات أذى . لو اخذنا بهذه المبررات لأصبحت شريعة الغابة هي السائدة لا شريعة الاسلام السمحاء .... ولم يكف الجلادين في السودان قتل الشيخ المسن محمود محمد طه بل أحضروا من السجن رفاقه مكبلين بالاصفاد والقيود ايضاً ليشهدوا ... احضروا هؤلاء الرفاق مهددينهم بنفس المصير ان "لم يتوبوا" لا أقول اين اسلام المسوؤلين في السودان ؟ بل اقول اين المسلمين في كل مكان؟! رحم الله الشيخ محمود محمد طه الذي يرقد الآن هانئ البال مرتاح الخاطر في مكان جعلته السلطات السودانية مجهولاً حتى لا يكون للسودانيين مزاراً !! )[12].

    واوردت جريدة القبس الكويتية ، البيان الذي أصدره السودانيون العاملون بالكويت ، وجاء فيه (نحن السودانيين المقيمين بالكويت ، انطلاقاً من مبدأ الدفاع عن حرية الفكر وحق المواطن المشروع في التعبير عن آرائه السياسية ودفاعاً عن استغلال القضاء ، وحق المواطن في محاكمة عادله ندين ونستنكر حكم الإعدام الذي نفذ في المفكر الاسلامي الاستاذ محمود محمد طه رئيس حزب الجمهوريين بالسودان والبالغ من العمر 76 عاماً علماً بان المادة 247 أ من قانون الاجراءات الجنائية السوداني لعام 83 تنص على عدم جواز تنفيذ حكم الاعدام على من تجاوز السبعين عاماً من عمره )[13] .. كما اوردت (ان السودانيين المقيمين في الولايات المتحدة تظاهروا احتجاجاً على اعدام المفكر السوداني الاستاذ محمود محمد طه زعيم الاخوان الجمهوريين ورفع المتظاهرون مذكرة الى رئاسة الجمهورية سلمت للسفارة السودانية في واشنطون تطالب باطلاق سراح جميع المعتقلين والغاء القوانين الاسلامية واعادة هيبة وسلطان القانون وايقاف العمليات العسكرية في الجنوب)[14]

    وذكرت صحيفة العرب ، تحت عنوان "تعاطف الطبقات السياسية والمثقفة في السودان مع غاندي أفريقيا" ان مختلف المثقفين قد تعاطفوا مع (الاستاذ محمود واعوانه الذين حكم عليهم بالاعدام لاتهامهم بالكفر والتحريض على الاطاحة بالنظام وتوزيعهم منشوراً يطالب بالغاء قوانين سبتمبر 1983 )[15] ... واوردت صحيفة خليجية أخرى ، خلفية عن الفكر الجمهوري ، وعدائه التقليدي للاخوان المسلمين .. ونقلت مشهد الاعدام ، مع اسف اللجنة الدولية لرجال القانون ، في جنييف ، والبيت الابيض ، لتنفيذ الاعدام .[16]

    وجاء في صحيفة الصباح ( كنا نتصور ان هذا النوع من الابادة السياسية قد باد وولت عهوده الى غير رجعة ، ولكن ما يجري الآن على الساحة السياسية في دول اسلامية ينذر بالانتكاس لاعادة سلطوية التكفير العشوائي ورمي الناس بالكفر والزندقة كلما عارضوا حكماً او اعترضوا على موقف وتصفيتهم جسدياً والتخلص منهم بهذه الطريقة الظالمة التي لا تمت بصلة للاسلام دين التسامح والمحبة والحق والمجادلة بالتي هي احسن)[17]

    ونقلت وكالات الانباء ، ان مجلس العموم البريطاني ، عقد جلسة استثنائية ، ادان فيها إعدام الاستاذ محمود .. وذكر احد النواب ، ان هذه الجريمة البشعة ، قد خفضت من قيمة كل انسان على وجه البسيطة .. كما اعطى المجلس ، الفرصة لاحد الجمهوريين ، لالقاء كلمة ، فلم يستطع اكمالها ، واجهش بالبكاء .[18]



    (43)

    أما الاخوان المسلمين ، والفقهاء ، ورجال الدين ، فقد كان موقفهم ، موقف الشامت ، الفرح بهذه الجريمة المنكرة ، التي شاركوا فيها النظام مشاركة تامة .. فعبر عن ذلك طلاب الاتجاه الاسلامي ، في الجامعة ، في جريدتهم "آخر لحظة" .. ثم خارج الجامعة ، هللوا للحكم ، في جريدتهم "ألوان" .. وهاجموا المرحوم د. عبد الله الطيب بسبب قصيدته ، التي رثا بها الاستاذ محمود . كما دل على فرحهم ، التجمع الغوغائي ، والحشد الذي جمعوه بكوبر ، في يوم التنفيذ ، والمظاهرة التي قادوها بعده .. وقد شاركهم في ذلك الفقهاء ، وائمة المساجد ، حيث عبروا في خطب الجمعة، بمعظم مساجد العاصمة ، عن فرحتهم بهذه الجريمة ، واشادتهم بالقوانين الاسلامية ، التي لولاها ، ما حدثت !!

    اما د. الترابي ، زعيم الجبهة القومية الاسلامية ، والذي كان مستشاراً للنميري ، فقد حرض الأخير على الجريمة ، ودفعه في اتجاهها ، وبعد التنفيذ صرح لعدد من الصحف ، بسبب تأييده لتنفيذ الاعدام ، بقوله (محمود محمد طه لا يعرفه أهل السودان سياسياً، لأن دعوته دينية.. لانه رجل له قضية ، وقضيته ضد الدين ، الذي تعرفونه من الاسلام بالضرورة ) !! [19] ولم يكتف الترابي، بذلك التصريح ، وانما أصر على تكراره ، في اكثر من مناسبة ، فقال (ما دمت منفعلاً بديني فاني لا استشعر اية حسرة على مقتل محمود محمد طه . ان ردته اكبر من كل انواع الردّة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة . وعندما طبق نميري الشريعة تصدى لمعارضته لانه رأى عندئذ رجلاً دينياً يريد ان يقوم بنبوة غير نبوته هو. واكلته الغيرة فسفر بمعارضته ولقي مصرعه غير مأسوف عليه البتة) .[20]

    على ان بعض الشخصيات البارزة ، في تنظيم الاتجاه الاسلامي ، عبرت عن عدم موافقتها ، على الجريمة التي ضلع فيها قادته .. فقد جرى الحوار التالي ، مع د. حسن مكي ، مؤرخ الحركة الاسلامية ، وعضوها البارز:

    س : قيل ان لك علاقة خاصة بمحمود محمد طه والبعض قال حسن مكي مأثور جداً بشخصية وافكار محمود ؟

    ج : والله .. انا من المأثوريين به . أنا كنت اعرفه واتردد على منزله في ذلك الوقت . وكنا كشباب في الثانويات نجد عنده "اللقمة" نتعشى معه وكنا نتعجب ان الشخص الذي يشغل الساحة الفكرية شخص بسيط زاهد ومتواضع ، وكان المفكر الوحيد المطروحة كتبه في السوق .

    س : وحينما أعدم ؟

    ج : كنت مسرحاً لافكار شتى - السياسي فينا كان يتكلم - ان الحمد لله ربنا خلصنا من خصم قوي .. وكان حيعمل لينا مشاكل وكان حيكون اكبر تحد لفكر الحركة الاسلامية السياسي -والفكري فينا كان يتحدث بان هذا الشخص عنده قدرات فكرية وروحية (واعلم مننا واحسن مننا) ولكن السياسي دائماً ما ينتصر هنا .

    س : والآن ؟

    ج : أنا بفتكر ان محمود محمد طه جرعة كبيرة لا نستطيع ان نتحملها (الناس ما قادرين يتحملوا حسن مكي بيتحملوا محمود محمد طه ؟؟! وضحك)

    س: لكن امين حسن عمر قال ان الترابي انتصر عنده الفكري على السياسي وكان ضد اعدام محمود؟!

    ج : أنا لا أريد ان ادخل ما بين الترابي وامين .. ولكن اعتقد ان الصف الاسلامي في ذلك الوقت كان جميعه مع إعدام محمود محمد طه .

    س : نحن نسأل عن موقف د. حسن الترابي؟

    ج : انا اعتقد ، انو كان خائف ، على انو نميري ينكص عن إعدام محمود محمد طه .. ويدعو الله ، الا يحدث ذلك ..[21]



    فاذا كان بعض اعضاء الاتجاه الاسلامي ، قد تبرأوا من وزر تلك الجريمة ، وحاولوا ان ينأوا بانفسهم ، الى معسكر الشرفاء الذين ادانوها ، فانه مما يؤسف له ، ان ينحاز مثقف مثل د. عبد الله علي ابراهيم ، الى معسكر التخلف ، فيشيد بالفقهاء ، ورجال الدين ، ويدعوا الى تطبيق قوانينهم ، التي كان من نتائجها ، ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء !! ومع ان د. عبد الله ، لم يؤيد اعدام الاستاذ محمود ، الا انه ظل خلال سلسلة مقالاته ، يدعو الى القوانين ، التي يعلم انها حكمت بردته ، من قبل ، ويشيد بالفقهاء ، الذين كانوا مؤيديين لذلك الحكم ، حتى بعد ان تم تنفيذ الاعدام ، على الاستاذ محمود!!

    واسوأ من العجز عن الربط بين القوانين الاسلامية المزعومة ، ونتائجها البشعة ، ما درج عليه د. عبد الله من محاولة تبرأة الاتجاه الاسلامي ، من اغتيال الاستاذ محمود !! فقد قدم ورقة ، من قبل ، عنوانها "من الذي قتل محمود ؟" في مؤتمر الدراسات السودانية ، برأ فيها الترابي وقبيله ، من الضلوع في هذه الجريمة !!



    (44)

    ورغم ان حكم قضاة نميري ، وفقهاؤه ، قد ادين سياسياً ، بواسطة الشعب السوداني ، الذي اسقط النظام بعد 76 يوماً ، من تنفيذ الاعدام على الاستاذ محمود ، الا انه كان لابد من ادانة الجريمة قانونيا ً ، لانها ارتكبت باسم القانون ، فالحقت به العار ، الذي لا يمحى ، الا بالغاء هذا الحكم الجائر ..

    في 25 فبراير 1986، رفعت الاخت الاستاذة اسماء محمود ، والاخ الاستاذ عبد اللطيف عمر ، عريضة دعوى، تطالب باعلان بطلان اجراءات المحاكمة . ولقد رفعت الدعوى ضد حكومة جمهورية السودان، الى المحكمة العليا، الدائرة الدستورية ، وتم نظرها بواسطة السادة القضاة :

    السيد محمد ميرغني مبروك رئيساً

    السيد هنري رياض سكلا عضواً

    السيد فاروق احمد ابراهيم عضواً

    السيد حنفي ابراهيم محمد عضواً

    السيد زكي عبد الرحمن عضواً

    السيد محمد حمزة الصديق عضواً

    السيد محمد عبد الرحيم علي عضواً

    وكانت هيئة الادعاء ، التي تولت رفع الدعوى ، مكونة من السادة المحامين :

    د. بيتر نيوت كوك

    الاستاذ عبد الله الحسن

    الاستاذ عابدين اسماعيل

    الاستاذ طه ابراهيم

    الاستاذ جريس اسعد

    الاستاذ محمود حاج الشيخ

    ولقد بنى السادة المحامون ، دعواهم للمطالبة بالغاء الحكم ، على الحجج التالية :

    1- أن تعيين قاضي الموضوع ، كان باطلاً لعدم استيفائه لشروط المواد 20-29 من قانون الهيئة القضائية لسنة 1405 هجرية . مما يترتب عليه بطلان الحكم الصادر منه ، وذلك ان المادة 16 (أ) من قانون الهيئة القضائية لسنة 1405 هجرية ، وان كانت تجيز لرئيس الجمهورية السابق سلطة تكوين محاكم جنائية ، الا انها حجبت عنه سلطة تعيين القضاة الجالسين بها.

    2- ان قاضي الموضوع ، وان كان قد وضع المادة (3) من قانون أصول الاحكام القضائية لسنة 1983 كتهمة، الا انه لم يوجه صراحة تهمة الردّة الى المتهمين أمامه ، وانما إستخلصها انصياعاً لرغبة الرئيس السابق ، وذلك لانه رغم استناده الى نصوص قانون العقوبات وقانون أمن الدولة ، فقد منح المتهمين مهلة للتوبة الى ما قبل تنفيذ الحكم .

    3- ان قاضي الموضوع ، قد نصب نفسه مشرعاً ، حينما اشار الى تهمة تحت المادة (3) من قانون اصول الاحكام القضائية لسنة 1983 ، رغم ان ذلك القانون ليس عقابي ، ويخلو من أية نصوص تجرم أفعالاً أو تضع لها عقوبات.

    4- انه قد تم العثور على مذكرة مدسوسة بالمحضر ، صاغها شخص مجهول ، ليستعين بها قاضي الموضوع ، في اصدار حكمه . مما يتبين منه ، ان هنالك أكثر من جهة ، كانت تسعى لصياغة حكم المحكمة ، على نمط معين ، وكتدبير اجرامي للوصول الى إعدام المتهمين.

    5- ان تكوين محكمة الاستئناف الجنائية ، بواسطة رئيس الجمهورية السابق ، كان اجراء غير قانوني وباطلاً، اذ قصرت المادة 16 (أ) من قانون الهيئة القضائية لسنة 1405 هجرية ، سلطاته في تكوين المحاكم الجنائية ، دون محكمة الاستئناف ، التي تستمد صحة تكوينها من المادة 18 من ذلك القانون.

    6- ان تشكيل محكمة الاستئناف ، من ثلاثة قضاة ، كان يتعارض وصريح المادة 11 (ه) من قانون الهيئة القضائية لسنة 1405 هجرية ، والتي تنص على ان يباشر اختصاص محكمة الاستئناف قاض فرد.

    7- انه يترتب على تكوين وتشكيل محكمة الاستئناف على النحو السالف بيانه ، بطلان الحكم الصادر منها.

    8- ان محكمة الاستئناف التي كونها رئيس الجمهورية السابق ، وعين قضاتها بقرار جمهوري ، لم تكن مختصة بسلطة تأييد احكام الاعدام . وانما كان الاختصاص بذلك ، ينعقد للمحكمة العليا وحدها ، عملاً بنص المادة (234) من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1983 ، وعليه فان تأييد رئيس الجمهورية لحكمها ، كان باطلاً ، حيث لا يرقى ذلك القرار الى مرتبة التشريع من جانب، كما وليس له قوة الغاء سلطات المحكمة العليا من جانب آخر . وبذلك فان ما اسبغه من اختصاص على محكمة الاستئناف ، لا يجرد النصوص الواردة في قانوني العقوبات ، والاجراءات الجنائية لسنة 1983 ، من قوة الزاميتها او يحول دون وجوب تطبيقها.

    9- ان تنفيذ حكم الاعدام ، قبل تأييده من جانب المحكمة العليا ، يتطابق وجريمة القتل العمد، لما يشكله ذلك من اهدار واضح وصريح لنص المادة (246) من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1983 .

    10- ان تنفيذ حكم الاعدام ، على والد المدعية الاولى ، رغم تجاوز عمره للسبعين عاماً ، كان فعلاً مخالفاً لنص المادة (247) من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1983. وانه لا مجال للتجاوز عن الالتزام بتطبيق هذا النص ، بحجة الاستناد الى قانون اصول الاحكام القضائية لسنة 1983 حيث انه نص صريح لا يحتمل أي تفسير مغاير أو تأويل .

    11- انه وبالرغم من قانون العقوبات لسنة 1983، لم يتضمن في نصوصه ما يسمى بجريمة الردّة- وهي جريمة ان صحت- لم توجهها محكمة الموضوع الى المواطن محمود محمد طه ، وانما استحدثتها محكمة الاستئناف ، بالاستناد اولاً الى قانون أصول الاحكام القضائية لسنة 1983 ، وثانياً الى اقوال المتهم الاول في يومية التحري وافكاره المعروفة ، والى حكم غيابي صدر ضده عام 1968 ، من محكمة شرعية غير مختصة ، والى اقوال من اسمتهم محكمة الاستئناف بعلماء الاسلام في السودان ، وغيره من البلاد العربية ، وكان على محكمة الاستئناف في هذه الحالة ، أما ان تعيد الاوراق الى محكمة الموضوع لاعادة المحاكمة في ضوء هذه التهمة ، أو ان تمارس بنفسها اجراءات اعادة المحاكمة.

    12- انه وبفرض ان الحكم الغيابي ، الصادر من المحكمة الشرعية في 1968 ، كان صحيحاً ، فان محاكمة المواطن محمود محمد طه للمرة الثانية ، تشكل مخالفة صريحة لنص المادة 118 (1) من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1983 ، والتي لا تجيز محاكمة المتهم للمرة الثانية ، عن جريمة ادين فيها أو برئ منها ، كما وان ذلك ينطوي على إهدار كامل لنص المادة (71) من دستور عام 1973 ، الذي كان سارياً وقتها ، وهي المادة التي لا تجيز محاكمة شخص مرتين على فعل جنائي واحد.

    13- ان جميع الاوامر التي اصدرتها محكمة الاستئناف ، كعدم الصلاة على جثمان المواطن محمود محمد طه ، وعدم دفنه بمقابر المسلمين ، ومصادرة كتبه ومطبوعاته ، واعتبار امواله فيئاً للمسلمين ، بحيث صودر بيته لصالح الدولة ، كلها تنطوي على عقوبات ليس لها مكان في قانون العقوبات ، كما وانها تتعارض مع حقوقه الشرعية.

    14- ان محاكمة المواطن محمود محمد طه بجريمة سميت بجريمة الردّة ، تعد انتهاكاً لحق المتهم الدستوري ، المكفول له بموجب المادة (70) من دستور عام 1973 ، والتي تنص على عدم جواز معاقبة أي شخص عن جريمة ما ، لم يكن هناك قانون يعاقب عليها وقت ارتكابها ، وهو حق اكدته المادة (27) من الدستور الانتقالي لسنة 1985 .

    15- ان محكمة الاستئناف بقيامها بدور الاتهام ، تكون قد فقدت حيدتها ، ونزاهتها ، واستقلاليتها مهدرة بذلك احكام المادتين (61) و (185) من دستور عام 1973 .

    16- ان رئيس الجمهورية السابق ، قد نصب نفسه كجزء من السلطة القضائية ، واجرى محاكمة جديدة للمواطن محمود محمد طه . وذلك لما اشتمل عليه بيانه الصادر بتاييد الحكم ، من وقائع تشير الى انه كان يمارس سلطات قضائية ، وليس عملاً من اعمال السيادة ، اذ نص البيان صراحة ، على ان قرار التاييد قد بني بعد دراسة لمحضر القضية، وبيناتها ، ومستنداتها مستعيناً بالله ، وكتب الفقه والقانون ، وهو ما يشكل تغولاً صارخاً على اختصاصات السلطة القضائية ، والتي قرر لها الدستور استقلالاً كاملاً عن بقية السلطات.

    17- ان محكمة الموضوع ، رغم عدم اشارتها في الحكم الابتدائي الى أية مستندات مرفقة بمحضر الدعوى الجنائية ، الا انه يتضح من بيان رئيس الجمهورية السابق ، ان محكمة الاستئناف قد قامت بدس مستندات بذلك المحضر ، لم تكن معروضة امام محكمة الموضوع ، مما يشكل تزويراً للمحضر.

    18- انه لا سند في أي قانون ساري المفعول ، لانعقاد جلسة 19/1/1985 والتي تلت اجراءات الاستتابة ، وان قانون العقوبات أو اي قانون آخر لا يتضمن العقوبات والاوامر والاحكام التي اصدرتها محكمة الموضوع في تلك الجلسة.

    19- ان ما كان يقوم به المواطن محمود محمد طه من نشاط ، لم يكن الا ممارسة لحقه الدستوري في التعبير عن عقيدته وفكره ورأيه بالطرق السلمية ، دون ان يشهر سلاحاً في وجه أحد ، أو يقهر انساناً على قبول عقيدته . وان محاكمته على ذلك النشاط ، يشكل اهداراً لاهم حقوقه الاساسية والدستورية ، ومن ثم ، تكون محاكمته مع غيره من المتهمين باطلة ، وغير دستورية لمخالفتها لاحكام المادتين (47) و(4 من دستور عام 1973، والتي تكفل الاولى منها للمواطن حرية العقيدة والتعبيرواداء الشعائر الدينية دون اخلال بالنظام العام أو الآداب ، في حين تكفل الثانية حرية الرأي والحق في التعبير عنه ونشره بالكتابة والخطابة . وان الدستور الانتقالي لسنة 1985 قد تبنى الحقوق الواردة في هاتين المادتين ، وذلك بالنص عليهما في المادتين (1 و (19) منه .[22]



    (45)

    ولقد طلبت المحكمة ، من النائب العام ، باعتباره ممثل الحكومة ، ان يرد على مذكرة الادعاء المرفوعة بواسطة المحامين ، فجاء ردّه كالاتي :

    1- نعترف بان المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون.

    2- ان المحاكمة اجهاض كامل للعدالة والقانون.

    3- لا نرغب في الدفاع اطلاقاً عن تلك المحاكمة.[23

    ولقد جاء في قرار المحكمة :

    ان اول ما تثيره عريضة الدعوى هو ان تشكيل المحكمة الجنائية رقم (4) التي أصدرت حكم الاعدام وقع باطلاً، لما اتصف به قرار التشكيل من تجاوز للقانون الذي صدر ذلك القرار بموجبه . وفي بيان ذلك تقول العريضة ، ان قرار التشكيل ( وهو القرار الجمهوري رقم 35 لسنة 1405 هجرية) استند الى المادة 16 (أ) من قانون الهيئة القضائية لسنة 1405 هجرية ، بينما تلك المادة وان كانت تضفي على رئيس الجمهورية السابق ، سلطة تشكيل محاكم ، الا انها لم تخوله سلطة تعيين القضاة الجالسين فيها ، حيث ان التعيينات القضائية مما تنظمها مواد أخرى في القانون هي المواد من 20-29 شاملة .

    وما تذهب اليه هيئة الادعاء في هذا الشأن صحيح بلا ريب فيما لو كان محل الاعتبار هو الشكل دون غيره ، الا انه ، وبالنظر الى ما اشتمل عليه قانون الهيئة القضائية لسنة 1405 هجرية من سلطات استثنائية لرئيس الجمهورية السابق في التعيينات القضائية كالمادة 29 (ب) ، فان تعيين احد القضاة العاملين في الهيئة القضائية في محكمة بذاتها يصبح مخالفة شكلية لا تمس جوهر السلطات التي استأثر بها رئيس الجمهورية السابق بنصوص صريحة في القانون . ويترتب على ذلك ان تصبح الاشارة في القرار الجمهوري رقم 35 لسنة 1405 هجرية للمادة 16 (أ) خطأ شكلياً ينبغي عدم اضفاء وزن عليه . ولعل هيئة الادعاء قد تبينت ذلك منذ البداية ، اذ انها استطردت بحجة بديلة قوامها انه حتى اذا كان تعيين القاضي الجالس في المحكمة رقم (4) صحيحاً فان هناك ما يدل على انه حين قام بتوجيه تهمة بموجب المادة (3) من قانون أصول الاحكام ، فعل ذلك بتوجيه خارجي ، مما يلقي ظلالاً على حيدته ، ومن ثم ، ينعكس على إجراءات المحاكمة وما تمخض عنها من حكم ويضيف مخالفة جديدة الى المخالفات التي انطوت عليها تلك المحاكمة .

    واننا وان كنا نرى ان مع هيئة الادعاء، في الاضطراب الذي يكشف عنه محضر الدعوى الجنائية وفي الاسلوب الذي تم به تعيين قاضي المحكمة ، ما لا يدعو للاطمئنان على تجرد تلك المحكمة ، الا اننا ، وفي ذات الوقت ، لا نجد سنداً قانونياً لما انتهت اليه هيئة الادعاء من نتيجة ، اذ ان ما تدعيه الهيئة في هذا الصدد امر يتعلق بالوقائع التي لا اثر في المحضر لادلة تثبتها ، ولا يكفي بشأنها اقرار النائب العام ، طالما كانت تلك الوقائع مما يرتب اثراً على اشخاص لا يدخلون في نطاق من يمثلهم النائب العام في هذه الدعوى ، وعلى ذلك فان اقراره يكون مردوداً عليه بانعدام صفته القانونية في اطلاق مثل هذا القرار.



    يبقى من عريضة الدعوى فيما تعيبه على المحكمة الجنائية ان تلك المحكمة قامت باضافة المادة (3) من قانون اصول الاحكام الى المواد التي وجهت تهماً جنائية بموجبها . وترى هيئة الادعاء في هذا اولاً ، انه ، ونظراً الى ان قانون اصول الاحكام ليس قانوناً عقابياً ، فان المحكمة تكون قد اضفت على نفسها صفة تشريعية لم تكن تتمتع بها بطبيعة الحال ، وثانياً ، انه ، ومهما كان وجه الرأي فيما تقدم ، فان المحكمة ، وفيما انتهى اليه حكمها ، باستتابة المحكموم عليهم ، تكون قد اوحت بان المحكموم عليهم ادينوا بتهمة الردّة بينما لم توجه اليهم تهمة كهذه في واقع الامر .

    ولما كان هذا النعي في شقه الاول هو جوهر ما تستند اليه الدعوى فيما يتعلق بواقعة توجيه تهمة الردّة صراحة في مرحلة التأييد في محكمة الاستئناف ، فانه من غير المناسب ان نتصدى للمسألة في هذه المرحلة حيث يكون النظر فيه اكثر ملاءمة في ضوء الاسباب التفصيلية التي وردت حول الاخطاء التي وقعت في مرحلة التأييد . أما فيما يتعلق بالشق الثاني ، فانه يكفي للفصل فيه ان نحيل هيئة الادعاء الى ما قررته بنفسها من ان ما صدر عن المحكمة الجنائية لا يعدو ان يكون مجرد تضمين للمادة (3) المشار اليها من مواد الاتهامات دون توجيه تهمة محددة بموجبها. وفي ذلك في تقديرنا ما يجعل الاشارة الى الاستتابة في نهاية تلك المحكمة مجرد تزيد لا معنى له طالما وردت الادانة بموجب مواد قانون العقوبات وقانون أمن الدولة وحدها، فالقول بغير ذلك فيه تحميل للحكم ما لا يتضمنه صراحة ، اهداراً للقواعد القانونية والمألوفة في اصدار الاحكام والتي تسري على وجه الخصوص على الاحكام الجنائية التي تقوم على قرينة البراءة ومبدأ تفسير الشك لمصلحة المتهم ..........

    على انه يجمل القول ، ومهما كان وجه الرأي فيما يتعلق بتلك العيوب انه يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك ، انها انتهجت نهجاً غير مألوف واسلوباً يغلب عليه التحامل مما جعل الاطمئنان الى عدالة حكمها أمراً غير ميسور وعرضة للمعايير السياسية التي لا شان لها بالاحكام القضائية . لقد تم تشكيل محكمة الاستئناف الجنائية بموجب القرار الجمهوري رقم 35 لسنة 1405 هجرية ذاته الذي شكلت بموجبه المحاكم الجنائية وقد استند القرار فيما اوضحنا من قبل، على المادة 16 (أ) من قانون الهيئة لسنة 1405 هجرية وذلك على الرغم من ان تلك المادة خالية من أي اشارة الى سلطة في تشكيل محاكم استئناف واقتصرت على المحاكم الجنائية دون غيرها...........

    على اننا لا نرى مناصاً من الاتفاق مع هيئة الادعاء في ان محكمة الاستئناف ، وخلافاً لكل ما كان مأمولاً في تشكيلها ، انحدرت الى درك من الاجراءات المستحدثة انتهت بها في نهاية الامر الى اصدار حكم جديد لا صلة له بالحكم الذي عرض عليها للتأييد .......

    ان محكمة الاستئناف ، وفيما نوهنا به ، اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان يستحيل معه الوصول الى حكم عادل تسنده الوقائع الثابته وفقاً لمقتضيات القانون . ويبين ذلك جلياً مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت :

    " ثبت لدى محكمة الموضوع من اقوال المتهمين ومن المستند المعروض امامها وهو عبارة عن منشور صادر من الاخوان الجمهوريين ان المتهمين يدعون فهماً جديداً للاسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم ... الخ " .. وبمراجعة المستند المشار اليه واقوال المتهمين التي ادلوا بها امام المحكمة الجنائية لا نجد سنداً لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت اليها محكمة الاستئناف مما يكشف عن حقيقة واضحة هي ان المحكمة قد قررت منذ البداية ان تتصدى بحكمها لفكر المتهمين وليس لما طرح امامها من اجراءات قامت على مواد محددة في قانون العقوبات وامن الدولة وأدى الى تحريكها منشور محرر في عبارات واضحة لا تقبل كثيراً من التأويل .

    وسرعان ما انكشف امر المحكمة ، حين وقعت عينها على ما ورد في حكم المحكمة الجنائية من اشارة الى "التوبة" فأعتبرت ذلك "اشكالاً" لا بد لها من ان توجد له حلاً "لأن التوبة ليس منصوصاً عليها في العقوبة المذكورة ( تعني عقوبة الاعدام التي اصدرتها المحكمة الجنائية ) ولعل محكمة الموضوع جعلتها من قبيل المسكوت عنه الذي يجوز الحكم به وفق المادة (3) من قانون اصول الاحكام لما لاحظت في المنشورات ( هكذا بالجمع) موضوع البلاغ من العبارات الموجبة للردّة فحكمت عليهم بالعقوبة الشاملة لحد الردّة مع إعطائهم فرصة التوبة والرجوع الى الصراط المستقيم". واستطردت المحكمة بقولها: "ولكي نقوم هذا القرار التقويم الصحيح لا بد من الاجابة على سؤالين: الاول ، هل الردّة معاقب عليها في القانون؟ والثاني ، هل كان فعل محمود ومن معه يشكل ردّة وخروجاً على الدين؟"

    وفي السؤال الاول خلصت المحكمة الى ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام "تعطي حق الحكم في الأمور المسكوت عنها" وان الردّة جريمة ثابته بالكتاب والسنة والاجتهاد ، وان المادة 458 (3) من قانون العقوبات تبيح توقيع العقوبة الشرعية ولما كانت الردّة حداً شرعياً فانه يلزم توقيع عقوبتها.

    أما بالنسبة للسؤال الثاني ، فقد استهلت المحكمة الاجابة عليه بقرار جازم بان "المحكموم عليه محمود محمد طه (هكذا وحده) مرتد باقواله وأفعاله في يومية التحري التي اقر بها امام المحكمة واقواله المدونة المعروفة لدى الناس عامة وافعاله الكفرية الظاهرة فهو تارك للصلاة لا يركع ولا يسجد ..الخ"

    ثم استشهدت المحكمة بحكم محكمة الاستئناف الشرعية بالخرطوم الذي صدر عام 1968 باعلان ردّة محمود محمد طه واستعرضت بعضاً مما جاء في كتب الجمهوريين وما صدر من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي من تأييد لحكم عام 1968 وما صدر من مجمع البحوث الاسلامية بجمهورية مصر العربية من وصف لفكر محمود محمد طه "بالفكر الملحد" وخلصت محكمة الاستئناف الجنائية من كل ذلك الى انه "مما تقدم يتضح ان محمود محمد طه مرتد عن الدين ليس فقط ردّة فكرية فردية وانما هو مرتد بالقول والفعل داعية الى الكفر معارض لتحكيم كتاب الله ..."

    ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارف عليه ، او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة ، او انطوى عليه دستور 1973 الملغى رغم ما يحيط به من جدل .

    ففي المقام الاول اخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت اليه من ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها- اولأي محكمة أخرى - توجيه تهمة الردّة .....

    انه مما لا جدال عليه ان قانون اصول الاحكام لا يشمل هو الاخر على نص صريح على جريمة اسمها الردّة (او حتى اي جريمة أخرى) اذ ان ذلك القانون ليس قانوناً عقابياً من حيث المبدأ ... غير ان تطبيق المادة وفي مرحلة التأييد يضيف عيباً جديداً هو ان اشتطاط المحكمة لا يكون قد وقف عند حد اغفال التقاليد القضائية التي سادت هذه البلاد عبرالسنين الطويلة فحسب ، وانما أيضاً يكون قد امتد الى مخالفة النصوص الصريحة لقانون الاجراءات الجنائية الذي يحكم اجراءات التأييد ، اذ لا سند في المادة 238 من ذلك القانون التي تحدد سلطات جهة التأييد لما اتخذته محكمة الاستئناف من اجراء .

    على ان محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور او قانون اذ انها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناة وبغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة ، محاكمة جديدة قامت المحكمة فيها بدور الخصم والحكم مما حجبها عن واجبها حتى بفرض صحة توجيه تهمة جديدة في هذه المرحلة في ان تعيد الاجراءات مرة اخرى لمحكمة اول درجة لاعادة المحاكمة بموجب التهمة الجديدة وذلك فيما تقضي به المادة (23 (ه) من القانون أو ان تتجه الى سماع المحكوم عليهم بنفسها وفاء بواجبها في ذلك بموجب المادة (242) من القانون ذاته ، التي ، وان كانت ترد في صيغة تقديرية ، الا انها تأخذ شكل الالزام عندما يكون السماع ضرورياً . ولا نرى ضرورة توجب السماع اكثر من ان يكون الحكم الذي تقرر المحكمة اصداره بالردّة التي عقوبتها الاعدام .

    ومهما كان من امر النصوص القانونية ، فان سماع المتهم قبل ادانته ، مبدأ ازلي لم يعد في حاجة الى نص صريح بل تأخذ به كافة المجتمعات الانسانية على اختلاف عناصرها وأديانها باعتباره قاعدة مقدسة من قواعد العدالة الطبيعية.

    وقد كان منهج محكمة الاستئناف اكثر غرابة ، حين استندت في حكمها على مسائل ليس من شأنها ان تقوم مقام الادلة التي يجوز قبولها قانوناً . ومن ذلك ما اشارت اليه تلك المحكمة من الاقوال "المعروفة للناس عامة" والافعال "الكفرية الظاهرة" في ترك الصلاة وعدم الركوع والسجود .. وما الى ذلك مما لا يتعدى في احسن حالاته الاقوال النقلية والعلم الشخصي وليس في أي منهما ما يرقى الى الدليل المقبول قانوناً ( راجع المادتين 16 و35 من قانون الاثبات لسنة 1983) .

    ولم تكتف المحكمة في مغالاتها بهذا القدر ، وانما تعدته الى الاستدلال بقرارات وآراء جهات لا سند في القانون للحجية التي اضفتها المحكمة على اصداراتها ، اما حكم محكمة الاستئناف الشرعية العليا التي عولت عليه محكمة الاستئناف الجنائية كثيراً ، فانه يستوقفنا فيه انه حكم وطني يلزم استبيان حجيته نظراً الى ما يمكن ان تثيره طبيعته الوطنية من تساؤل حول تلك الحجية . والحكم المشار اليه صدر في 18/11/ 1968 في القضية 1035 /68 حيث قضت محكمة الاستئناف الشرعية العليا بالخرطوم باعلان محمود محمد طه مرتداً . وأول ما تجدر ملاحظته في شأن ذلك الحكم انه صدر حسبة كما وقع غيابياً ، والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما اذا كان في ذلك ما يقوم مقام الحكم الجنائي بالردّة ؟

    وفي تقديرنا ان الاجابة القطعية ان ذلك الحكم لا يستحق هذه الصفة وذلك لان المحاكم الشرعية – ومنها محكمة الاستئناف الشرعية العليا في ذلك الوقت – لم تكن تختص باصدار احكام جنائية ، بل كانت اختصاصاتها مقتصرة على مسائل الاحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وميراث وما الى ذلك مما كانت تنص عليه المادة الخامسة من قانون المحاكم الشرعية لسنة 1967 الساري وقتئذ (وليست المادة 6 من قانون 1902 فيما تشير اليه هيئة الادعاء ) .

    وابلغ دليل على عدم اختصاص المحكمة الشرعية فيما اصدرته من حكم ان ذلك الحكم جاء غيابياً فما نحسب ان محمود محمد طه كان حصيناً من سلطة الاجبار التي كانت تتمتع بها المحكمة فيما لو كانت محكمة ذات اختصاصات جنائية . كما يقف دليلاً على عدم الاختصاص ان المحكمة لم تجد سبيلاً لتنفيذ الحكم لا في ذلك الوقت ولا في أي وقت لاحق وهو ما لم يكن يحول دونه غياب المحكوم عليه خاصة وان للحكم عقوبة مقررة شرعاً هي أعلى مراتب العقوبات المدنية ......

    على انه ومهما كان وجه الرأي بشأن سلطات محكمة الاستئناف الجنائية ، فانه طالما ظلت المادة (234) من قانون الاجراءات قائمة ونافذة ، فانه كان ينبغي عرض الاحكام الصادرة ضد محمود محمد طه وزملائه على المحكمة العليا سواء قبل تاييدها في محكمة الاستئناف الجنائية او بعد ذلك... لم تقتصر مخالفات محكمة الاستئناف الجنائية ( التي استقلت بسلطة التأييد) في اصدار حكم بالردّة ، وانما امتدت الى تأييد أحكام الاعدام التي صدرت ترتيباً على الادانة بموجب قانون العقوبات وامن الدولة . وهذا التأييد ، وان كان محمولاً على اسباب هي في ظاهرها اقتناع المحكمة بثبوت الادانة وتناسب العقوبة ، الا انه في واقع الامر محمول على الردّة التي استحوذت على جل ، ان لم يكن كل ، اهتمام محكمة الاستئناف الجنائية .

    وقد ترتب على استقلال محكمة الاستئناف بسلطة التأييد على هذا الوجه ان فات على المحكمة العليا ، ليس فقط حصر الادانة – ان كان ثمة ما يسندها- في الاتهامات الموجهة بموجب قانوني العقوبات وامن الدولة دون غيرهما ، وانما أيضاً ان تقصر العقوبة على ما كان يتناسب وفعل المحكوم عليهم وهو فيما نعلم لا يتعدى اصدار منشور يعبر وجهة نظر الجمهوريين في قوانين كانت ، وما زالت ، محلاً للاراء المتباينة على الساحتين الدولية والمحلية ، مما لا يعدو ان يكون مخالفة شكلية (ان كانت كذلك اصلاً) لا تتناسب عقوبة الاعدام جزاء لها. غير ان محكمة الاستئناف وفي محاولة متعجلة لربط الفعل بقناعتها المسبقة في ردّة المحكوم عليهم ، انتهت الى تأييد حكم الاعدام كعقوبة "شاملة" فيما اسمتها.

    على ان الاثار المترتبة على حجب الاجراءات عن المحكمة العليا وحصرها في محكمة الاستئناف الجنائية ، اتخذت شكلها المأساوي حين تم تنفيذ حكم الاعدام على محمود محمد طه ، باغفال تام لنص المادة (247) من قانون الاجراءات الجنائية ، رغم انه كان من الثابت انه جاوز السبعين من عمر وقتئذ . ولعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو اننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا ان محكمة الاستئناف اضافت الادانة بالردّة ، وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً فيما لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من ان تستقل محكمة الاستئناف باجراءات التأييد لتنتهي الى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم .

    هذا ما كان من امر ما تم باسم القضاء ، اما ما صدر من رئيس الجمهورية السابق عند التصديق على الاحكام فانه يكفي لوصفه ان نقرر انه مجرد من أي سند في القوانين والاعراف ولا نرى سبباً للاستطراد فيه باكثر من ذلك عما فيه من تغول على السلطات القضائية فقد كاد ان يعصف بها كلها من قبل ....

    ولما كان الحكم الصادر في حق المدعيين مشوباً بكل العيوب التي تم تفصيلها فيما تقدم ، فان اجراءات ما سميت بالاستتابة تكون قائمة على غير ما ضرورة قانونية وذلك فضلاً عن افتقارها لأي سند صريح أو ضمني القانون. غير انه يجمل ان نقرر من باب الاستطراد ان تلك الاجراءات وقعت بقهر بين للمحكوم عليهم نظراً الى الظروف التي تمت فيها حيث لم يكن من المتصور عقلاً ان يمتنع المحكوم عليهم عن اعلان التوبة التي طلبت منهم وسيف الاعدام مشهور في وجوههم فكان ذلك اقرار ضمني بحكم الردّة الذي صدر من وراء ظهورهم . وحيث ان ذلك الحكم قد وقع باطلاً على ما سبق تقريره فانه يترتب على ذلك بداهة ان تكون التوبة التي صدرت بالاكراه خالية من أي معنى هي الاخرى ....

    وعلى هدى من ذلك تقرر هذه الدائرة ما يلي :

    1- اعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف .

    2- الزام المدعين برسوم واتعاب المحاماة في هذه الدعوى .[24



    (46)

    لقد طبقت القوانين الاسلامية ، في السودان ، على عهد نميري ، فلم يتحقق بتطبيقها الخير والرخاء ، الذي وعد به نميري ، وحلفاؤه من الجماعات الاسلامية ، والفقهاء ، والقضاة الشرعيين ، وائمة المساجد .. بل ان الشعب نال على يديها ، القهر ، والقطع ، والجلد ، دون ان يتحقق العيش الكريم . ولم يجمع الشعب السوداني ، مثلما اجمع على بغض ورفض ، تلك القوانين الاسلامية المزعومة ، حتى ان زعماء الطائفية ، ممن كانوا يرفعون شعارات الشريعة ، ادانوا تلك القوانين ، فذكر السيد الصادق ، بانها لا تساوي المداد الذي كتبت به ، ووعد بالغائها ضمن حملته الانتخابية !!

    وجاءت حكومة الانقاذ ، بدعاوى عريضة في الاصلاح ، والتوجه الحضاري ، بناء على تطبيق القوانين الاسلامية ، فلم تنجح في انقاذ الشعب ، بل فاغمت من مشاكله ، ودفعها التعصب الى تلك القوانين ، الى تصعيد الحرب باسم الجهاد ، ولم يكن العائد الا الخراب والدمار ..

    وتجري ، الآن ، المفاوضات التي لم تنهض فيها الحكومة بحجة ، على ان القوانين الاسلامية ، كما طبقها نميري أو حكومة الجبهة ، قد ادت الى خير الشعب .. بل ان الحكومة الحالية ، قد وافقت على عدم تطبيق هذه القوانين على غير المسلمين !! وهو اعتراف صارخ ، بانها لو طبقت على غير المسلمين ، لن توفر العدالة المنشودة .. وهذا الاعتراف الذي اضطر له الاسلاميون ، مؤخراً ، يشهد بان قوانينهم الاسلامية عاجزة بطبيعتها ، عن قيم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين !! وهذا ، في حد ذاته ، كاف لجعلها قوانين غير مؤهلة للحكم في المجتمعات المتعددة الاديان والثقافات .. وهي سمة المجتمعات المعاصرة ، بعد ان وحدت سرعة المواصلات وتقدم سبل الاتصالات ، بين ارجاء هذا الكوكب الرحب ، فاصبح قرية صغيرة !!

    نخلص مما تقدم ، الى انه لا أحد ، ولا حتى الاسلاميين انفسهم ، يرى في القوانين الاسلامية ، على مستوى الشريعة ، النموذج الامثل ، الذي ينبغي ان يحكم كل الشعب السوداني !! فاذا جاء مثقف سوداني ، عرف بانتمائه الى الافكار التقدمية واليسارية، يوما ما ، ليطرح في هذا الوقت بالذات ، بان القوانين الاسلامية كان ينبغي ان تطبق منذ ان جلا الاستعمار ، وان رموز هذه القوانين من الفقهاء ، ورجال الدين ، والقضاة الشرعيين ، يجب ان يكرموا باعتبارهم المثقفين الاصلاء ، الذين حرصوا على مناهضة القوانين الوضعية ، اكثر من ذلك ، قلل هذا المثقف ، من التاريخ الحافل في نقد هذه القوانين ورموزها ، والذي جرى من رجل اوقف حياته ومماته فداء لمبادئ الحق والوطن ، مثل الاستاذ محمود ، فان هذا المثقف لا يمكن ان يكون منطلقاً من مشاعر وطنية صادقة وحرص على مستقبل السلام في السودان؟!

    وحين اختار د. عبد الله علي ابراهيم ، معسكره الجديد ، ورضي ان يكون صوته في المطالبة بتطبيق القوانين الاسلامية ، نغماً في معزوفة حكومة الجبهة ، والفقهاء ، والقضاة الشرعيين ، ورجال الدين ، وجماعات التكفير، هل فكّر في واجب المثقف السوداني ، تجاه هذا الوطن الذي بذل من موارده المحدودة ، لتعليمة الى اقصى المراحل ؟! هل يكون جزاء السودان ان يدافع ابناؤه عن القوانين التي مزقته بالحروب واذلته بالجلد والقطع ؟! وهل يعتقد د. عبد الله حقاً ان هذه القوانين هي الاسلام ؟! وانه بدفاعه عنها انما يدافع عن الاسلام ويرفع نموذجه الذي طبقه نميري أو تطبقه الجبهة الآن ؟

    ان هذه المقالات ، قد كتبت بغرض اظهار الحق لدكتور عبد الله ، باعتباره غاية في ذاته ، ولانه خليق بتدارك أمره ، والخروج عما لا يشبه تاريخه .. ولكن لم يكن ذلك قصاراها ، وانما هي تستهدف ايضاً ، الشباب الذين حالت اعمارهم ، او تجربتهم ، من متابعة هذه الوقائع ، التي توضح الممارسات السلبية ، التي جرت وتجري باسم الدين ، وما جرت علينا من الخراب ، في وطننا .. ذلك ان اولى خطوات التغيير ، بروز الحاجة له ، ثم المعرفة بطرائقه .. وانا لا اعتقد بان الفكرة الجمهورية ، بما حوت من الدعوة لتطوير التشريع ، فكرة صائبة فحسب ، بل انني على يقين من انها السبيل الاوحد للخلاص مما نعاني منه ، نحن في السودان ، ثم ماتعاني منه البشرية جمعاء ، على هذا الكوكب الحزين ..



    د. عمر القراي



    -----------------------------

    [1] - د . عبد الله بولا (1996) : محاولة للتعريف بمساهمة الاستاذ محمود محمد طه في حركة التجديد في الفكر الاسلامي المعاصر . القاهرة : مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان- رواق عربي اكتوبر 1996 ص 45 -46
    [2] - بروفسيرعبد الله الطيب ( مارس 1985) نشرت في عدد من الصحف السودانية . موقع الفكرة الجمهورية في الانترنت .
    [3] - عوض الكريم موسى (يناير 1986 ) احتفال الذكرى الاولى لاستشهاد الاستاذ بنادي اساتذة جامعة الخرطوم .
    [4] - العوض مصطفى 1985 . مجموعة قصائد مسجلة . موقع الفكرة الجمهورية على الانترنت .
    [5] - عالم عباس فبراير 1985 موقع الفكرة على الانترنت .
    [6] - سيد احمد الحردلو . من ديوانه مسدار عشان بلدي
    [7] - الهيئة النقابية لاساتذة جامعة الخرطوم 10/1/1985
    [8] - نقابة المحامين 12/1/1985
    [9] - الحزب الشيوعي السوداني 11/1/1985
    [10]- فتحي رضوان : جريدة الشعب المصرية 25/1/1985
    [11] - حسين عبد ربه : الاهالي 23/1/1985
    [12] - جريدة مرآة الأمة الكويتية 23/1/1985
    [13] - القبس الكويتية 19/1/1985
    [14] - القبس الكويتية 21/1/1985
    [15] - صحيفة العرب القطرية 25/1/1985
    [16] - صحيفة الخليج الظبيانية 19/1/1985
    [17] - صحيفة الصباح التونسية 28/1/1985
    [18] - وكالة السوشيتدبرس 21 /1/1985
    [19] - د. حسن الترابي : جريدة الهدى 9 جمادي الاخرة 1405 هجرية
    [20] - جريدة الوطن 30/4/1988
    [21]- جريدة الوفاق 5/12/1998
    [22] - الاخوان الجمهوريون 1986 : حيثيات المحكمة العليا في قضية الاستاذ محمود محمد طه : انتصار للحق ودحض للحكم المهزلة . ص 5-9
    [23] - المصدر السابق ص 10 .
    [24] - المصدر السابق 19-30





                  

العنوان الكاتب Date
.......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-04-06, 01:25 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي أبوبكر حسن خليفة حسن07-04-06, 02:56 PM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 02:57 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:00 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:06 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:12 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-05-06, 03:28 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-07-06, 08:54 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي Amjad ibrahim07-07-06, 10:45 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-08-06, 04:29 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-11-06, 00:56 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-12-06, 06:55 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-13-06, 02:11 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-14-06, 08:16 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-15-06, 03:53 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-16-06, 03:51 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-17-06, 05:07 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-18-06, 01:50 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-19-06, 06:42 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-20-06, 01:55 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي Haydar Badawi Sadig07-20-06, 04:27 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin07-21-06, 09:34 AM
    Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي Haydar Badawi Sadig07-21-06, 09:57 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin08-08-06, 04:25 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin10-30-06, 08:39 AM
  Re: .......وهكذا تكلم د.عمر القراي adil amin11-26-06, 10:05 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de