الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 02:36 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عمر محمد أحمد عبد الله هواري(Omer Abdalla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-07-2005, 01:47 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية (Re: Omer Abdalla)


    تعقيباً على دكتور النور حمد
    الفكرة الجمهورية والبراغماتية (9)

    البراغماتية بين د. النور ود. الترابي

    خالد الحاج عبد المحمود

    زعم د. النور محمد حمد، أنه يتحدث عن البراغماتية كفلسفة .. وأورد أسماء عدد من مفكري الفلسفة البراغماتية وأورد بعض التعريفات ، وكل ذلك ليمهد لموضوعه الأساسي: "العصر الأموي وفجر البراغماتية الإسلامية"، ثم عندما جاء للتطبيق ، ترك الفلسفة جانباً!! ففي جميع الحالات التي طبق عليها مفهوم البراغماتية ، لم يزد المفهوم عنده على التعامل مع الواقع بصورة واقعية ، حسب ظروف هذا الواقع ، ولم نر قط ولو محاولة واحدة لربط الحالة المعينة بالأسس الفلسفية للبراغماتية ، مثل نظرتها للحقيقة وموقفها منها ، أو نظرتها للمعرفة .. وحتى بالنسبة للتعامل مع الواقع ، فهو لم يهتم إطلاقاً بالاختلافات الجوهرية بالنسبة لرؤية الواقع ومنطلق التعامل معه عند البراغماتيين ، وحالات التطبيق .. فطالما أنه لم يستخدم الفلسفة في تطبيقاته لم تكن هنالك ضرورة منذ البداية لعرض هذه الفلسفة وذكر مفكريها ، فحاصل الأمر أن البراغماتية كما طبقها د. النور هي براغماتية المعنى الدارج ، لا البراغماتية بالمعنى الفلسفي .. ولما كانت البراغماتية بالمعنى الدارج مصطلح سيء السمعة فقد سعى النور لتحسين سمعته ، مع الاعتراف بسوئها ، فهو يقول مثلاً "ارتبطت كلمة البراغماتية بشكل عام بالمنفعة الأمر الذي ألقى عليها الكثير من الظلال السالبة" و"البراغماتية مرادفة للعقلانية ولا تنحصر كلياً في مجرد كونها تياراً خارجياً مناهضاً لسلطة الدين" و"الشاهد أن البراغماتية ليست دائماً مرادفة للانتهازية غير أنه ما من شك أن البراغماتية ربما مثلت في كثير من الأحيان حياداً عن الموقف الأخلاقي الأعلى" .. وهو يقول "البراغماتية الغربية لا تحتفل كثيراً بموضوع الضمير ولا تقوم عليه في إدارة شؤونها اليومية" .. وكلمة غربية هنا توهم بأن هناك براغماتية غير غربية ، مع أنه لم يورد ولا اسم مفكر واحد براغماتي غير غربي .. الشاهد أن د. النور على الرغم مما يعرفه من هذه السلبيات الكبيرة للبراغماتية يصر على استخدامها .. وقد اقترح عليه بعض الأخوان أن يستخدم مصطلحاً آخر يخدم غرضه في ضرورة التعامل بواقعية ثم لا تكون له سلبيات مصطلح البراغماتية ولكنه أصر على موقفه!! ولقد وصف الفكرة الجمهورية بالبراغماتية ، رغم كل التناقضات بينها وبين الفلسفة البراغماتية ، ووصف الأستاذ محمود بالبراغماتية رغم كل ما وصفه به من السمو الأخلاقي والزهد التام في المنفعة الذاتية .. فالبراغماتية مجرد لافتة يعلقها د. النور على كل الحالات التي يرى فيها تعاملاً مع الواقع .. والناس كل الناس بطبيعة الحال يتعاملون مع الواقع بما يخدم مصالحهم .. ودور الفلسفات والأديان أن تضيف بعداً فكرياً أو خلقياً للتعامل مع الواقع ، فالاعتبار ينبغي أن يكون لهذا البعد المضاف والذي وفقه ينبغي أن يحكم على الفلسفات والأديان أو لها .. وهذا أساساً ما يفرق بين البراغماتية وبين الإسلام .. فالإسلام، كله، يقوم على ادخال الفكر وادخال القيمة في التعامل مع الواقع وذلك وفق ضوابط محددة في التوحيد وفي الشريعة .. أما بالنسبة للبراغماتية كفلسفة فالضابط الوحيد في التعامل مع الواقع هو تحقيق المنفعة المباشرة ، وقد سبق أن بينا ذلك من أقوال فلاسفتها وقلنا إن الاستعمال الدارج لكلمة براغماتية له أصل في الفلسفة ، فهي لا تشترط أي قيم ومبادىء قبلية وبالطبع ليس لها أي منهج للتربية وفق هذه القيم غير الموجودة .. ولكن د. النور في محاولاته لتحسين وجه البراغماتية يقول بأن القول بأن البراغماتية مرادفة للانتهازية تبسيط!! فليكن ، ولكن هذا التبسيط يقوم عليه الاستخدام العام للمصطلح وأنت لم تورد أي شىء من الفلسفة يدحضه بل اعترفت به في مستوى من المستويات .. فكتاباتك هذه لن تغير الظلال المصاحبة لاستخدام الكلمة وايجاد بديل آخر يخدم مراميك دون أن تكون له هذه الظلال أمر ممكن بل ميسور .. أنا أعلم أن قولي هذا غير مجدٍ مع د. النور فهو مصر على استخدامه له ويتوهم أنه باستخدامه له بالصورة التي استخدمها جاء بشىءٍ فريد .. وأن عمله هذا هو الفكر الذي يغطس "الزانة" ويطفِّح "المسحانة"!! فلسان حاله يقول عن وصفه للإسلام وللأستاذ محمود بالبراغماتية: براغماتي براغماتي والما عجبو يشرب من البحر!!.
    وهو لم يقف عند هذا الحد .. فحتى النبي الكريم وصفه بهذه الكلمة التي يعترف بنفسه أن لها ظلالاً سالبة!! وذلك دون أي ضرورة ودون أي وجه حق!!.
    يقول د. النور عن الدعوة الإسلامية على عهد النبي الكريم "لم تجد الدعوة بداً من أن تتحول مضطرة إلى أسلوب الإكراه وكانت تلك خطة براغماتية لجأت إليها الدعوة في السنوات العشرة الأخيرة من عمر النبي الكريم"!! 16.
    لقد بدأ انزال القرآن بآيات الأصول ثم نسخت وتنزلت آيات الفروع ، ولقد كانت هناك حكمة في البدء بآيات الأصول ـ آيات الاسماح ـ ومن هذه الحكمة أن النبوة قد ختمت بمحمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فكان لا بد من نزول آيات الأصول طالما أنه لا نبي بعده ، كما أنه من الحكمة ألا تصادر حرية الناس ابتداءً وانما ان يعطو الحرية حتى يثبت لهم عملياً أنهم ليسوا في مستواها فتصادر..
    فالمشرع في أمر الجهاد هو الله .. والله تعالى لا تضطره ملابسات الواقع ولا هي تغيب عنه وهو موجدها .. والنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون براغماتياً ، لأنه على الأقل لا يستجيب للواقع من عنده وانما هو وحي يوحى .. فرب الواقع هو الذي أوجد الواقع وأوجد ضروراته وأنزل من القرآن ما يناسب تلك الضرورات ، ليس في موضوع الجهاد فقط ، وانما في جميع القضايا التي تتعلق بالتشريع الذي يقوم على آيات الفروع.
    على كلٍ ، فإن وصف ما جرى على يدي النبي الكريم بوحي من ربه بالبراغماتية أمر غير مقبول ، وغير لائق ، ولكن هذه هي رغبة النور وواضح أنه مصر عليها ، وهي رغبة نحن لا نحترمها ولكننا لا نملك شيئاً لتغييرها سوى ابداء رأينا حولها (إنك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء) ..
    وإذا كانت البراغماتية الإسلامية ـ حسب رأي النور ـ بدأت على يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهده فكيف يكون العصر الأموي هو "فجر" البراغماتية الإسلامية!؟ هل يوم البراغماتية الإسلامية ـ المزعومة ـ هذا له بداية قبل الفجر!؟ نقترح على د. النور أن يجري تعديلاً ـ وهو لن يكون مضراً بالنسبة له على كل حال ـ فيجعل عصر النبي الكريم هو فجر البراغماتية ـ حسب زعمه ـ والعصر الأموي، هو بزوغ شمس البراغماتية الإسلامية.
    من المؤكد أن الإسلام يشرع للناس حسب طاقاتهم وحسب حاجاتهم ، فاذا كان هذا العمل هو البراغماتية ـ حسب رأي النور ـ تكون براغماتية الإسلام هي ما جاء به النبي الكريم وليس للأمويين ولا العباسيين دور يذكر في هذا الأمر .. هم ليسوا مؤسسين لهذا الأمر .. والحروب الجهادية التي تمت على أيديهم وعلى أيدي غيرهم وبها انتشر الإسلام في رقعة جغرافية واسعة ووصل حتى الأندلس وتفاعل مع حضارات أخرى ، أقول هذه الحروب الجهادية وما تقوم عليه من مبادىء وقيم ، ليس الأصل فيها عمل الأمويين والعباسيين ، وانما الأصل فيها عمل النبي صلى الله عليه وسلم.. فإذا كان هناك شىء اسمه البراغماتية الإسلامية فأولى بها عهد النبي الكريم، ولكن لا أرى وجهاً لهذه البراغماتية الإسلامية المزعومة .. فانزال المثال للواقع، الإسلام سبق عليه البراغماتية وبأكمل وأدق من ما فعلت ومن منطلقات وقيم مختلفة تماماً عن منطلقاتها وقيمها فلماذا تجعل الإسلام تابعاً للبراغماتية في هذا الأمر وتسميه بها وهو سابق عليها بأكثر من ألف عام!؟.
    من الجانب الآخر تحدث د. النور عن براغماتية د. حسن عبد الله الترابي فقال عنه إنه يمثل الوجه الانتهازي الميكيافيلِّي للبراغماتية الإسلامية في التجربة السودانية .. وفي الحق، الترابي ليس براغماتياً بالمعنى الفلسفي .. ولكن بالمعنى الدارج للمصطلح يمكن أن يعتبر نموذجاً للبراغماتية .. ووصف الترابي بالانتهازية هو تحصيل حاصل لأن البراغماتية تتضمن الانتهازية ولو لم تذكر كلمة انتهازي .. فالانتهازي هو الذي ينتهز الفرص المواتية لتحقيق منفعته وهذا هو نفسه المعنى الدارج للبراغماتي .. ثم انه لا تعريف د. النور ولا تعريف فلاسفة البراغماتية يشترط عدم الانتهازية أو أي قيم قبلية .. ود. النور في تعريفه للبراغماتية قال: "العبارة القائلة (السياسة فن الممكن) عبارة تلخص جوهر البراغماتية" هذا التعريف الذي أورده النور لم يقيده بأي اعتبارات أخرى .. وتعريفه هذا يختلف بصورة جذرية عن تعريف الأستاذ محمود للسياسة فالسياسة عند الأستاذ محمود هي: "إدارة شؤون الناس وفق الحق والعدل" .. والحق والعدل تم تناولهما في الدعوة بالتفصيل .. أما د. الترابي فقد طبق جوهر البراغماتية كما هو عند النور بصورة تكاد تكون حرفية .. فعملياً وطوال سني عمله السياسي كانت السياسة عنده هي "فن الممكن" وقد كان الترابي واقعياً في نشاطه السياسي بالمعنى البراغماتي للواقعية.. فمواقفه كانت تتلون حسب ظروف الواقع .. وهو قد حاول الوصول إلى السلطة بالطرق الديمقراطية ولما فشل وتأكد له أن أسلوب الديمقراطية لن يوصله إلى هدفه قام بتدبير انقلاب عسكري ونجح في ذلك .. فالترابي طبق المبدأ البراغماتي حسب تعريف النور .. فالنور بعد قوله إن عبارة السياسة فن الممكن تلخص جوهر البراغماتية أضاف "وهي تعني فيما تعني إدارة شؤون الواقع بالقوى المتيسرة في الواقع في الظرف المعين ثم القبول بالمردود الممكن على أمل أن يزداد ذلك المردود كلما تقدم الزمان.. تدير البراغماتية أمورها بعيداً عن النظريات الكلية والموجهات المبدئية التي لا تساوم".. وكل هذا فعله الترابي فكان يستحق من د. النور الإشادة طالما أنه يدعو للبراغماتية بهذه الصورة والتي قام د. الترابي بتطبيقها فدلل بذلك على أنه براغماتي أصيل حسب تعريفات النور للبراغماتية.
    في تقديري أن تقويم د. النور لتجربة الترابي وقبيله في السودان غير واقعي ويقوم على تبسيط شديد، فهو يقول: "ارتطم رأس التجربتين الأفغانية والسودانية بالحائط.. فالتجربتان اعتمدتا التبسيط والتعبئة والحشد والتعامي عن حالة الواقع وعن التراكم المعرفي ولذلك لم تصمدا سوى بضع من ضحى" .. الواقع الذي رأته التجربة السودانية هو أن الشعب السوداني شعب يحب الدين ويمكن استغلاله عن طريق الدين وهذا حق لا مجال للمغالطة فيه.. ثم ان الواقع الذي رأته التجربة السودانية هو أن الترابي وتنظيمه وكما دللت التجربة العملية ، من المستحيل أن يصلا إلى السلطة بالطرق الديمقراطية ، وهذه قراءة صحيحة للواقع بصورة لا مجال للخلاف حولها ، وبناءً على هذه القراءة للواقع وجد التنظيم أن سبيله الوحيد للسلطة هو الانقلاب العسكري وقد نجح فيه .. أعتقد ـ حسب المعايير البراغماتية ـ أن الترابي وتنظيمه قد نجحا بصورة فاقت كل توقعاتهما .. وما أسماه النور "بضع من ضحى" هو عقد ونصف من الزمان!! حكموا فيه السودان حكماً شمولياً سيطروا فيه على كل شىء .. وهم رغم كل المتغيرات لا يزالون في السلطة .. فهل كان من الممكن بالطرق الديمقراطية أن يحكموا السودان منفردين لدورة انتخابية واحدة مكونة من أربع أو خمس سنين!؟ أعتقد أن ذلك كان من المستحيل ثم انه مع استحالته ـ حتى لو حدث ـ كان من المستحيل في ظل نظام ديمقراطي وحريات عامة أن يجمعوا الأموال التي جمعوها.
    خمسة عشر عاماً من عمر الشعب السوداني ليست بالشىء القليل .. والله وحده يعلم كم تبقى لهم من عمر في السلطة.. في الواقع لم يرتطم رأسهم هم بالحائط، وانما ضربونا نحن ـ الشعب السوداني ـ رأسياً بالحائط ولا يزالوا يفعلون .. يبدو أن الأخ النور قد انخدع بشعارات التوجه الحضاري وإقامة شرع الله .. إلخ، وهذا مما يؤكد نجاحهم بالمعنى البراغماتي.
    أما بميزان الدين فقد فشلوا قبل أن يبدأوا .. وكل مغنم ظنوا أنهم غنموه سيكون حسرة عليهم وسيودون أن لو لم يكونوا غنموه، فانه لا مهرب من قانون المعاوضة الإلهي، والوزن فيه بمثقال الذر.
    أعتقد أن موقف النور من الترابي فيه كثير من التناقض فمن جانب يصور الترابي كبراغماتي انتهازي، ومن جانب آخر يصوره كمثالي، يتعامى عن الواقع، ولذلك ارتطم رأس تجربته في السودان بالحائط، مثلما ارتطم رأس التجربة الأفغانية "فالتجربتان اعتمدتا التبسيط والتعبئة والحشد والتعامي عن الواقع.. " .. أعتقد أنه من الواضح أن الأفغان كانوا واضحين وصادقين، في فهمهم السلفي، وسعوا إلى تطبيق ما يعتقدونه، على عكس الترابي وجماعته، ولذلك وضعهم مع الأفغان يعطيهم فضيلة ليست لهم.. والترابي ، لا في التنظير ولا في التطبيق ، متقيد بالنص.. ويمكن ذكر العديد من وجوه الشريعة التي تم تجاوزها باسم تحكيم الشريعة .. فالنص ليس له سلطة على الترابي وجماعته .. وما يدعو له النور من ضرورة ألا يعمينا النص عن الواقع، هم مارسوه منذ وقت طويل ولوقت طويل .. فالنص في تجربة الإنقاذ تابع.. الواقع العملي والمنفعة السياسية أو الدنيوية عموماً هي التي تحدد الموقف، ثم بعد ذلك يجىء النص لتبرير الموقف.. فالنصوص موجودة في الشعارات وفي الدعاية فقط أما المواقف في الواقع فيمكن أن تكون أي شىء.. فعندما كان الواقع والمصلحة في تقديرهم يقتضي المشاركة في التجربة الديمقراطية شاركوا فيها ، وعندما رأوا أن الواقع يقتضي القيام بانقلاب عسكري قاموا به .. ولما اتجه الواقع مرة أخرى للديمقراطية اتجهوا لها .. وفي كل الحالات كان النص يوظف لخدمة المرحلة المعينة.. فإذا كانت الظروف حسب تقديرهم تقتضي الحرب فالنصوص جاهزة ، وإذا انعكس الوضع واقتضت الظروف السلام فنصوص السلام أيضاً جاهزة .. فهم لا تواجههم إشكالية نص لأنه لا يوجد موقف مبدئي ثابت، يقتضي موقفاً ثابتاً في التعامل مع النص.. الثابت الوحيد عندهم هو المنفعة.. وهذا موقف بالنسبة للترابي بالذات، استراتيجي، تحدث عنه في كتابه "الحركة الإسلامية في السودان" حيث ذكر أنهم لم يلتزموا برأي فقهي ثابت حتى يتمكنوا من إقامة جبهة عريضة تضم مختلف الآراء الفقهية، وعملياً هذا ما درجوا عليه في كل مواقفهم .. فإذا كان د. النور يريد البراغماتية، فان أفضل من يمثلها هو الترابي.
    ومن جانب آخر فان دعوة النور لعدم تقديس السلف بغرض تحقيق رؤية موضوعية لتاريخ الإسلام، هذا ايضاً من الجوانب التي للترابي فيها سبق .. فهو صاحب مواقف مشهودة، في عدم تقديس السلف، بما فيهم الأنبياء، ويكفي موقفه المشهور من حديث الذبابة.
    أما موقفه من الحرب في الجنوب فهو موقف براغماتي شديد الوضوح .. يقول د. النور: "تحالف الترابي مع الذين سبق أن اطلق عليهم حرباً جهادية، هي الأبشع على الإطلاق، في تاريخ السودان" 3 ويقول: "تحول الترابي في رمشة عين (وهو الذي أشعل حرباً جهادية ضد قرنق وحركته) إلى حليف جديد لقرنق ولحركته!! معطياً بذلك أوضح النماذج للسلوك البراغماتي، ولكن في أقوى تجلياته الانتهازية" 3 وبالطبع الجناح الآخر، حزب المؤتمر الوطني، ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الترابي، إذ أصبح ليس مجرد حليف فحسب بل شريكاً لقرنق وحركته في السلطة وفي الثروة!!.
    ولكن ما هو موقف النور نفسه!؟ وهل هو يختلف كثيراً عن موقف الترابي، الذي ينعيه عليه!؟ من مجرى الحديث يفهم أن النور ضد الحرب في الجنوب وأنه داعية سلام كما ينبغي أن يكون.. هل أدان النور الحرب، ولو بكلمة!؟ هل أبدى مجرد الشعور بالحزن للقتلى من الطرفين، وللخراب الذي جرته الحرب على البلاد!؟ هل لاذ بالصمت ولم يبد أي موقف!؟ لا شىء من ذلك حدث .. على العكس أيد النور الترابي، في حربه، علانية، وعلى صفحات الجرائد!! وقد كان ذلك أمراً (جد) مؤسف، وتجاوزه عنه الآن، وكأنه لم يحدث، أكثر مدعاة للأسف!!.
    قال د. النور: "رغم خلافي الفكري العميق مع طرح الإسلاميين في السودان إلا أنني أرى أهمية منازلتهم لحركة التمرد وتبديد الزخم السياسي والعسكري والإعلامي الذي ما كسبته حركة التمرد في الماضي إلا بسبب ضعف حكومات الشمال السابقة"!! جريدة الحياة 12/6/1999م .. هذا ما قاله النور وقتها!! قاله، في الوقت الذي كانت فيه الحرب تحصد أرواح الأبرياء من أبناء شعبنا الطيب في الشمال والجنوب!! ثم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وتحقق السلام، جاء ليقول لنا عن تلك الحرب التي أيدها، في وقت اشتعالها، "أنها هي الأبشع على الإطلاق، في تاريخ السودان"!! فلماذا أيدت هذه البشاعة، طواعية!؟.
    إن موقف النور السابق، من الحرب في الجنوب، يدل على ضعف كبير عنده، في الفهم السياسي، وهو قد كان يتصور أن الحكومة، ستنتصر في الحرب في الجنوب.. وأهم من ذلك أن د. النور في موقفه ذلك، يتناقض بصورة أساسية مع الأفكار والمبادىء، التي يفترض أنه ينتمي إليها.. وهي أفكار ومبادىء ترفض الحرب كوسيلة لحل المشكلات بصورة قطعية ونهائية، وبصورة خاصة ترفض الحرب الدينية، وقد كانت الحرب عند الإنقاذيين، تتم باسم الجهاد الإسلامي.. وإذا كان النور يؤيد حرب الإنقاذيين الجهادية في الجنوب، فلا معنى بعد ذلك لخلافاته العميقة معهم، طالما أنه يؤيدهم في أسوأ أعمالهم ، والتي تقوم على أشنع أساليب استغلال الدين لأغراض السياسة.. وهذا الأسلوب من العمل ـ أسلوب العمل الذي يستغل الدين لأغراض السياسة، لا يمكن مجاراته بمثل طروحات النور عن البراغماتية، بل على العكس، هذا الإتجاه، يدعمه ويغذيه، لأنه يسير في نفس خطه ـ خط فقه الضرورة.. وانما محاربته الفعالة تكون بتقديم البديل الديني الصحيح، وهذا ما يريد النور صرف الجمهوريين عنه، وهو بذلك، ودون وعي منه، يخدم الترابي، وجماعته، يقول د. النور: "هذه الأصول التي يمكن أن تقرب من وجهات النظر المختلفة في فضائنا الفكري والسياسي هي ما يجب التحاور حوله اليوم، وليس الدعوة الدينية.. "!! التحاور حول الدعوة الدينية هو السبيل الوحيد، للقضاء على ـ الهوس الديني، وعلى استغلال الدين لأغراض سياسية.. وأهم من ذلك، التحاور حول الدعوة الدينية، هو السبيل لتقديم الإسلام كمدنية جديدة تنفخ الروح في الحضارة الغربية، المادية، القائمة، وهذا ما تبشر به الفكرة الجمهورية.
    واهم من يظن أن نظام الإنقاذ قد انتهى .. فهو، ممثل في جناحي التنظيم، له أجندته الخاصة، للتعامل مع الواقع الجديد، بالصورة التي تحقق إمكانية الاستمرار في السلطة.. ومن الحكمة، والحزم، عدم الاستهانة بتدابيره، والتعامل معها بكل وعي وجد، حتى لا تدفع البلاد أكثر من ما دفعت، من مقدراتها، وأرواح بنيها.

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 09-08-2005, 07:54 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-21-05, 09:36 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Murtada Gafar08-21-05, 10:52 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:01 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:03 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Dr.Elnour Hamad08-22-05, 06:56 AM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Haydar Badawi Sadig08-22-05, 07:23 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Haydar Badawi Sadig08-22-05, 07:27 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Elmosley12-11-05, 10:06 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-22-05, 06:02 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-24-05, 09:43 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-25-05, 06:17 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-26-05, 10:57 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عاطف عمر08-29-05, 01:26 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-31-05, 09:25 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla08-31-05, 09:31 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-05-05, 08:13 AM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عبد العزيز الكمبالى09-05-05, 10:08 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-06-05, 09:26 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-06-05, 09:29 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla09-07-05, 01:47 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-02-05, 08:30 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-03-05, 06:52 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-04-05, 09:39 AM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية Omer Abdalla10-06-05, 03:34 PM
    Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية تاج السر حسن10-10-05, 09:23 PM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية أبوبكر حسن خليفة حسن10-11-05, 11:02 AM
        Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية عاطف عمر10-11-05, 01:57 PM
      Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية فتح العليم عبدالحي10-11-05, 01:26 PM
  Re: الأستاذ خالد الحاج: الفكرة الجمهورية والبراغماتية أبوبكر حسن خليفة حسن10-11-05, 03:36 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de