رواية ....... فقاعات زمن التصحر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة نزار ابراهيم الخواض(Elkhawad)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-09-2002, 07:09 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر (Re: Elkhawad)


    الفصل الأول


    المساءات وقتها فرحة نديّة وممكنة التعاطي … حتى العواصف في تلك المساءات تصير إلى التفاعل مع ذاك التعاطي، وتنتهك حرمة السكينة والارتخاء دون أن تخلّف وراءها ضغينة أو حقداً من نوع ما. بل وفي غمرة انفعالها تدفع إلى الالتقاء والتقارب.

    أول مرة يلتقيها خارج الأسوار في مساء من هذا النوع … لم يكن اللقاء الصدفة فهو قارئ جيد يستفزه الغموض والسحر وهي … بلون البّن دون احتراق وتفوح منها رائحة الاستواء، أو هكذا أضفت عليها انكسارات أشعة الغروب الباهتة المتساقطة من عمق الأفق البعيد والمنعكسة على صفحات مياه النهر.

    صافية في غموض … خجلة في سحر وهي تداعب بقدميها الصغيرتين تيار الماء المندفع على الشاطئ الشرقي. كل هذا وهو يحدق فيها … " ليتني واجد بين مد الموج وجذره سانحة انفذ منها إليها".وبين جدلية الشواطئ والنهر واندفاع الماء قال لها:-

    - أن الزبد سيدمي قدميك.

    وفي نبرة محايدة بعد انعقاد الحاجبين وانهزام ثواني التردد قالت:-

    - لكن دائماً ما يذهب الزبد جفاء.

    صفعة قوية ما توقعها جعلت صدره يتراجع حتى شارف السقوط على ظهره. لكنه استقام بذهن متفائل:-

    - حقاً سيذهب الزبد جفاء … لكن دعينا نجعله رمزاً استثنائياً.

    أثناء ذلك حلّق طائر قادم من عمق الأفق الضائع في جوف اللانهاية الممتدة طوال سواحل الأزل. ومع اندفاع الماء المتزايد طفرت موجة متمردة على سجن الشواطئ فاستحال السكون موجاً وتناثرت رزازات ماء على صدرها وعلى صدره.

    ودون سابق إنذار وإطارهما بعد تحفه عوالم الدهشة والتردد قالت له بجفاف :

    -تطمح في استعبادي كما فعل اجدادك بأهلي وتتركني عند أول منعطف … لكن هيهات !

    احتشدت دفاتر الدهشة داخل صدره . وهو مشغول بتقليب صفحاتها انسلت ايفا تجري … لا ليس جرياً بل هي الهرولة ، لا تسبق الريح … لا الريح تسبقها . ونسمة حملها تيار النهر تحاول اللحاق بها … اكتفت برفع تنورتها الى اعلى الركبة قليلا ليظهر بعض من فخذيها وخطوط اكثر وضوحاً عند المفصل.

    - ايفا … ايفا !!!

    صيحة احتبست داخل صدره وهو ينظر حوله، ثم في عمق النهر والى أعلى. تساقطت بضع وريقات ليرتفع عدد الأوراق الصفراء دون إضافة واضحة… أزلية الموت والحياة - لا مناص - كما هي طلائع الخريف. غمرته حالة دفء عندما وقع بصره على سهم كيوبيد واسمها محفور داخل اسمه في عمق جزع الشجرة.

    " عليك اللعنة يا عاهرتي … حتما ستعودين فأنا قدرك ". طغت حالته المركبة على محاولات اتخاذ قرار اللحاق بها ليجلس كما كان، متابعاً أثرها وروحه تقفز مع جسده كلما تعثرت قدماها ببعض الأعشاب المعترضة طريقها ، لكنها وحشة برية تجيد تجاوز الحواجز.

    أطلق زفرة عميقة وهو يراها تذوب ما بين ثنايا الحشائش المتطاولة وكثافة الأشجار الممتدة على طول امتداد الشاطئ. زفرة خرجت معها كل الفقاعات، ليبقى الصدر مثقلاً رغم النسمة التي حملها تيار النهر ولا تزال أطرافها تداعب صدره المملوء إحساسا ضجراً الشيء الذي جعله يلعن كل شيء والتاريخ والطبوغرافيا والجيوبوليتيكا.

    هاهو يضبط نفسه مرّة أخرى لاعنة كل شيء والتاريخ والطبوغرافيا والجيوبوليتيكا. لم تكن ايفا هاربة هذه المرّة ولكنها تكثفت لتبدو تلك اللحظة الأزلية جوار النهر وفي ذاك اليوم. امتدت يداه بلا معنىً ودون إرادة منه ليزيحها محاولاً اجتياز المدخل الضيّق إلى حيث يحشرون …

    ابتسم مكابراً. المدخل ضيّق جداً لا يتسع لأكثر من شخص وهم يتزاحمون هرباً إليه من خطوة مؤجلة تلوح ملامحها في الأفق.

    انه الخريف … اكتشف هذه الحقيقة عندما أعلنها البرق الخاطف الذي فضح الوجوه الشاحبة وهي تتدافع إلى داخل المبنى . انه المبنى الوحيد الذي استخدمت فيه ألواح الزنك مما جعله مميزاً بين تلك المباني التي أعلنت انتماءها للأرض والسماء. ارتجت أرجاء السقف بفعل هزيم الرعد وارتجت معها دواخل البعض . تمييز الرجفة التي تملكتهم ليس صعباً وسط هذا الحشو من البشر … حتى الخوف له رائحة … رائحة لا يخطئها قلب . سبعة وعشرون أسيرا حشروا في هذه الزاوية الضيّقة .

    " تباً … "

    للمساء الآن مظهر كريه … ولكنها فرصة للاستلقاء بعد يوم شاق قطعوه مشيا على الأقدام ولانتظار الغد إذا لم يفعلوها ليلاً. لكنه لا يزال يفرك عينيه علّه يستيقظ من هذا الكابوس وهو يتقلب على الأرض محاولاً إيجاد وضع اكثر راحة دون جدوى. التصق جسده من كل الاتجاهات بمن حوله، تماماً كما كانوا قبل ساعات في خندقهم عندما اشتد عليهم القصف. الأشياء متشابهة بما يكفي لسيطرة الرعب، وما يغطي على الأنفاس المضطربة في هذه اللحظات صوت انهمار المطر بغزارة. هو أصلا لا يعشق المطر … يصيبه بالاكتئاب وذكرى ايفا. تكثف مرة أخرى رغم العتمة ولكن ما طردها هو صباح الغد. ما الذي سيحدث ؟ سرعان ما سينقضي الليل. لم يتحدثوا إليهم حتى الآن … لا بل لم يستجوبونهم. " ربما ليس لديهم وقت للاستجواب " فكرة تحولت إلى قشعريرة اهتز لها جسده المنهك. عشرة ساعات واكثر ظلوا يسيرون إلى أن بلغوا هذا الموقع مع مغيب الشمس … ولم يكن التعب والإجهاد قد فارقاه قبلها.

    - عليك تولي قيادة هذه المأمورية .

    نظر إليه قائد المنطقة العسكرية بعدان ألقى بجملته تلك في برود ثم تابع:

    - أنت تعلم يا مجذوب أن هيئة الأركان ستزور المنطقة خلال أيام فلا بد من إكمال التحضيرات اللازمة ودعم الموقع بقوة إضافية بعد نشاط التمرد الأخير.

    لا جدوى من الاعتذار فهو قائد ثان المنطقة وعليه القيام بما تقتضيه المسئولية ، إنها العسكرية التي اختارها. ثم إنها ليست المأمورية الأولى التي يقودها في هذا الاتجاه ، فقط الوضع مختلف وتفصله سنوات منذ أن زار ذلك الموقع آخر مرّة بل عمل ضمن طاقم قيادته. نظر في عينيّ قائده المحاطتين بهالة سوداء جعلتهما اكثر غوراً مما هما عليه في الحقيقة. " لماذا الآن ؟ " هز رأسه موافقاً وابتسامة اخفت مشاعر الضيق التي تملكته.

    ومع تباشير الفجر انطلقت ثلاث ناقلات جنود وفي مقدمتها عربة مدرعة تقل المقدم مجذوب وقائد القوة. مشاعر الضيق لم تبارحه، وزاد من حدتها تلك الرطوبة العالقة في الجو منذ البارحة… لزوجتها تكاد تثير الغثيان. الصمت في هذه اللحظات مقرف … يزيد من لزوجة الموقف لكنه منطق غريب ذلك الذي يحكم الآن مما جعله يتململ قليلاً وهو يهم بأخذ نفس عميق من سيجارته. لاذ بالصمت … عثمان ما استهواه يوماً لكي يتحمس لكسر لزوجة الموقف، ولكنه اتخذ وضعاً اقرب للاسترخاء الآن.

    - عشرة أعوام ونحن ننعم بالسلام المشوب بالحذر … خير من هذا الوضع إعلان الحرب صراحة.

    قالها الأب سريليو ، أضاف:-

    - سنسمع دوي المدافع قريباً … أن شيبي هذا لن يضيع هدراً، تأكد من ذلك.

    أشار بأطراف أصابعه إلى شعر رأسه الذي وضع فيه الشيب بصماته بعمق.

    بادره مجذوب بغتةً :-

    - لابد وانك تعلم بأمر يدور في الخفاء !

    ضحك الأب سريليو وهو يرمقه بنظرات مليئة بالاشمئزاز:-

    ستتهمني الآن بأني طابور خامس … أليس كذلك ؟– أضاف – هاك رقبتي ، سأتكئ لك … افرد سكينك واذبحني ، هذا قمة ما تشتهون .

    هكذا يثور الأب سيريليو دائماً … يثور حتى مع نفسه ، لكنه يكن لمجذوب كثيراً من المودة … ما عادت ترهبه تلك الثورات . التفت الى عثمان أخيراً والعربة تمارس فعل الاهتزاز بلا رحمة :-

    -ما رأيك فيما يحدث ؟!

    انتفض عثمان ورد عليه بسؤال مستغرباً:-

    -ماذا تقصد ؟

    لم يمض على اندلاع الحرب - مرة أخرى - سوى سبعة اشهر بعد هدنة مشوبة بالحذر امتدت لسنوات، البعض كان يفضل اندلاعها - ليس رغبة فيها - بل لينتهي عهد الترقب والانتظار. إنها قربان الآلهة ذلك الفرض الأبدي حين يغيب الوعي وتتماهى الرؤية والرؤيا بغية بلوغ التوافق. حين قذف الكجور بعظمه في الأفق وضرب الوليّ برمله على ظهر البسيطة اندلعت شرارة ولاحت في الأرض الحرام حيث العظم والرمل يلتقيان. وقف الساحر يومها وفي نيته الابتسام

    لكنه ضحك كثيراً وهو يرى العظم يتصاعد إلى الأعلى ثم يهوي محترقاً ويتلاشى بينما تختلط الخطوط أمام ضارب الرمل وتتلاشى من فعل الحرارة المنبعثة من بين الحبيبات المتجانسة.

    وجاء السلطان ليرى بعينيه تصاعد السنة اللهب ليجثو راكعاً ويخر ساجداً.

    همس أحدهم " إنها نار الصاعقة لن تنطفئ إلاّ بعد أن تقضي على كل ما حولها".

    هي ليست نبوءة ، كان مدركاً لهذه الحقيقة … انطلاق الحرب من عقالها أمر حتمي كل الأشياء تشير إلى ذلك. إنها واقعة لا محالة … الكل يدرك ذلك. " تباً لهم … انهم يدركون النتيجة ورغم ذلك يسيرون في ذات الطريق." ولكنها تلك اللعبة القذرة.

    الطريق الآن متعرج إلى درجة لا يمكن معها الجلوس في استرخاء وقد شارفت القافلة على الوصول إلى الموقع بعد طول رهق من وعورة الطريق، بل ولاحت بالفعل أعلى قمة من الجبل الذي يحتضن الموقع مما انعكس ارتياحاً على وجه مجذوب. يعرفه جيداً بملامحه الغريبة التي جعلت منه أسطورة قاتل الأهالي كثيراً من اجلها قبل أن يسيطر عليه الجيش لأهميته كموقع عسكري يمكن من خلاله السيطرة على رقعة واسعة حوله دون عناء.

    قبيل سقوط الشمس في فخ الغروب كانت القوة قد توسطت الموقع تماماً تحفها حرارة استقبال سرعان ما تبددت حين انطلقت صافرة انتبه لها حتى القادمون المتعبون انتصاباً. انطلق مجذوب برفقة قائد الموقع الرائد نلسون يرافقهما عثمان إلى حيث السكن المعد لهما في حين تفرقت بقية القوة حسب التعليمات الصادرة إليها لتأخذ حصتها من الراحة بعد يوم مضنٍ. ودون استسلام للتعب وقف يتأمل الموقع تتنازعه حالة الضيق التي لم تبارحه وشريط ذكريات يحاول أن يستجمع أطرافه مخترقاً ببصره حواف الظلمة الهابطة في هدوء.

    قطع عليه نلسون استرساله وهو يخاطبه بصوت اقرب إلى الهمس:-

    - نتوقع هجوماً هذه الليلة.

    قال دون أن يلتفت إليه:-

    - هل أبلغت قيادة المنطقة ؟

    - نعم … أرسلت إشارة صباح اليوم – وبعد برهة – اكتفوا بتحرككم وبموافاتهم بالموقف أولاً بأول.

    بعد فترة صمت قصيرة سأله:-

    - ما موقف الذخيرة والتعيينات؟

    - لابأس، ولكن لا ندري حجم القوة وهذا ما يزعجني.

    - حسناً، بعد ساعة حضّر لاجتماع في غرفة العمليات. بلغ الملازم عثمان بالحضور إلى جانب ركن العمليات.

    كان الظلام قد احكم قبضته حين استلقى على فراشه ... لم يكن يختلف كثيراً عن ذاك الذي اعتاد عليه ولكنه مترهل بعض الشيء. تقلب قليلاً متقلبة معه هواجس ما كانت تراوده من قبل، ولكنه ذلك الجبل اللعين رغم الظلام يتمدد أمامه بوضوح. يرتد منتصباً موحياً بأمر آت لا ريب فيه، لا ليس موحياً بل هو صوت خارج من جوفه … صوت قادم من عمق بئر مهجورة. روى له أحد كبار السن من أهالي المنطقة في زمن الترقب يوم أن كان من بين ضباط الموقع وهو بعد برتبة الملازم أول، أن هذا الجبل كان يوما خلية حيّة. مئات من البشر هم من يمثلون هذه الأحجار الآن … لكنها ليست مجموعة أحجار بل هي كتلة واحدة تماسكت يوم أن انصهرت بعد اشتعال النار وازدياد جذوتها. يقولون انه كان يوم سبت وقت أن التقى رمل الوليّ بعظم الكجور في زمان غابر.

    الصوت لا يكاد يبارح اذنه، وبين عينيه تتقاطع خطوط رمل وعظم … حينها رأى الجبل يتحرك وهالة من ضوء باهت تحيط به والزمان ليس زمان قمر. تذكر عمه الآن … لعنه وتلك الأساطير التي كان يرويها له كما لم يفعل من قبل. ليست هي المرة الأولى التي يقاتل فيها … كثيراً ما قاد معارك دون أن يرمش له جفن، لكنها ليلة أخرى تلك التي تحتضنه الآن … ربما هو التعب. رفع غطاءه في حذر خشية أن يوقظ نلسون ووقف بجوار فراشه يتمطّى.

    دوي انفجار في الطرف الآخر من الجبل طرد كل ذرات التعب من جسده ورآه - أثناء سقوط قذيفة مدفع هاون أخرى - يتحرك فعلاً … تمور أطرافه بالحركة… وتحولت بقايا الليل إلى نهار. ثلاث ساعات ولم تبدأ المعركة الحقيقية إلاّ بعدها … مع بداية زحف أول موج بشري تجاه الناحية الغربية من الموقع. "هل اليوم سبت ؟" تساءل متردداً وهو يوجه ويصدر أوامره لإدارة المعركة الدفاعية مسيطرة عليه فكرة إنها ليست معركته، بل هي مفروضة عليه. اكثر من عشرة سنوات وهو لم يزاول مهنته … كان آخر عهد له بالمعارك الحقيقية وجحيم نيرانها في معركة العبور، كان في خضمها وان لم يشارك فيها إلاّ بالقدر الذي أتاحته له عيناه من موقع حراسته.

    بصق بعنف وهو يشتمّ رائحة البارود المختلطة برائحة الدم ورغم أصوات الرصاص المتصاعدة اصدر أوامره بتحويل اثنين من الأسلحة الرشاشة إلى الناحية الغربية. بعض أفراد القوة يخلون إلى مواقع الإسعافات رغم كثافة النيران. عند شروق الشمس تراجعت القوة المهاجمة إلى الخلف وعجزت عن اقتحام الدفاعات.

    اقترب الرائد نلسون منه:-

    -سيعاودون الكرّة.

    قال له وهو يمسح ذرات العرق المتصبب من على وجهه:-

    -احصر لي كشفاً بخسائرنا الآن، علينا إخلاء الجرحى من الخنادق ولتبقى بقية القوة في حالة استعداد ولا تبارح مواقعها مهما كانت الأسباب.

    - الكشف جاهز . استشهدوا من بين السرية الأولى حتى الآن سبعة عشر فرداً بينما الجرحى أربعة وعشرين فرداً بينهم حالات خطرة.

    -بعد انجلاء الموقف اطلب مروحية من قيادة المنطقة لاخلاء الحالات الخطرة .

    استعادت السماء بعض بهائها وصارت كما سماوات لا تغطيها روائح رمادية ، وانجلت عن أعماقها سحب الدخان … ولكن دخان آخر متكاثف يتصاعد وشيء ما ثقيل واقف أعلى الصدر لا يكاد يتزحزح . في الأفق شيء ما يلوح والعين اليسرى ترف … جدته كانت تقول إنه فأل سيئ . كثيراً ما يمتلكها الرعب حين ترف عينها اليسرى. وغالباً ما تصدق تنبؤاتها خاصة في ما يتعلق بالفأل السيئ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعين اليمنى أو بحكة في راحة يدها اليمنى نادراً ما ترى عزيزاً لديها أو تقبض مالاً تحلم به. كانت في وقت غضبتها المليئة حناناً تحذره -جادةً - من مصير اسود ينتظره بسبب معاكسته الدائمة لها. عيناها تشعان غرابة وبؤساً سرعان ما ينطفئان وهي تشيح بوجهها المتغضن وكأنما تطرد صورة تلوح في كادر عينيها.

    - انهم قادمون.

    صاح نلسون في صوت قوي بينما وقف هو متأملاً دفاعات الموقع من كل الاتجاهات في محاولة للسيطرة على النفس. إنها معركة أخرى في ظرف ساعتين … لا يدري أن كانت هي الفاصلة أم ستعقبها جولات أخرى. وبدا في تأمل نلسون الذي بدأ يصدر أوامره عبر الجهاز الذي يحمله …

    أليس هو من أبنائهم ؟ لماذا إذاً هو هنا ؟ ولكنه سرعان ما استدرك الأمر وهو يرى أن كثير من القوة - التي فرضت عليه قيادتها بحكم رتبته العسكرية - هم من أبنائهم. لا … أن الأمر غير متعلق بهذا، انه اكثر سطحية من كل هذه الدماء التي أَُريقت حتى الآن بلا معنىً.

    وعند بداية الهجوم كان نلسون إلى جانبه … جاءوا هذه المرة من عدة اتجاهات وكالموج البشري تدافعت أفواجهم محاولة كسر الدفاع المحكم من الاتجاهات الثلاثة التي تلتقي بطرفي الجبل.

    قال نلسون بعد تلقيه مكالمة عبر الجهاز:-

    - سعادة المقدم، الملازم عثمان يقول انهم استطاعوا كسر طرف الدفاع الشرقي الذي يلتقي مع الجبل وانه مصاب بجرح في صدره.

    الملل المتسرب إلى نفسه دفعه إلى عدم الاكتراث للنبأ . الطقس الآن هو طقس موت … والرقص على إيقاع الاحتضار المترامي من بعيد وقريب في آن مبعث إلى التشبث بالحياة . إنه اندفاع الماء في مجرى جف سنين ، هبة أخرى لحياة في زمن الموت بلا معنى وماذا يعني موت الملازم عثمان رغم حقيقته ؟! ومع استمرار المعركة يزداد تسرب الملل وتصير كل المعاني إلى التلاشي.

    تغير كل شيء حين أصابت قذيفة الرائد نلسون … جسده منشطر إلى أجزاء بالقرب منه. عناية إلهية وساتر مبنيّ في متانة منعا عنه انتشار الشظايا المتناثرة. لحظتها فقط قرر عدم الموت وهو يرى كل الدفاعات الحصينة آيلة إلى السقوط … دون شك آيلة للسقوط بعد معركة استمرت لأكثر من أربع ساعات.

    حمل الجهاز في عزيمة فاترة وهو ينادي على أفراد القوة المتبقية:-

    -أوقف الضرب … أوقف الضرب.

    خارج هو من جحيم قرار عقوبته الاعدام، لكن لا جدوى مما يجري. من تبقّوا لا يتجاوزون السبعة عشر فرداً من أفراد القوة بينهم ركن العمليات. أطلق رصاصتين إلى أعلى بعدها توقف الضرب تماماً قبل خروجه من خندقه رافعاً يديه إلى أعلى والى الاعلى، يتبعه سبعة عشر فرداً. فراغ تنامى في داخله … التفت إلى قمة الجبل وهو جالس على الأرض واضعاً يديه أعلى رأسه … كان الجبل مبتسماً في سخرية.


    All rights reserved
    madarat

                  

العنوان الكاتب Date
رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:00 PM
  Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:09 PM
    Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر رومانسي06-09-02, 07:23 PM
      Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:30 PM
    Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر banadieha06-09-02, 07:26 PM
      Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:35 PM
        Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:37 PM
          Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:38 PM
            Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:42 PM
              Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 07:44 PM
                Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر khider06-09-02, 08:15 PM
                  Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر bunbun06-09-02, 08:28 PM
                Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر هوارى06-09-02, 08:21 PM
                  Re: رواية ....... فقاعات زمن التصحر Elkhawad06-09-02, 10:14 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de