{فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة اشراقة مصطفى(Ishraga Mustafa)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-24-2008, 06:04 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا (Re: Kabar)

    لمزيد من الحوار






    Quote: عن الكتابة

    "لشهدائنا وحدَهم يستحقّون الجَمال"

    دائما، لا أخفي، على سبيل المزاح أو القلق، ما في إسمي من إشكاليةٍ مفرداتية حاصلةٍ من ارتهان "جميل" بـ"شعث"؛ إنها تشبه، إلى حدّ ما، إشكالية ارتهان "قصيدة" بـ"نثر" في المآخاة الاصطلاحية بين المفردتين الدالّتين على "الكائن" في مسكن اللغة. وكان "هيدغر" قد عرّف اللغة بأنها "مسكن الكائن". بيد أنّ الكائن الذي أعنيه هنا هو "قصيدة النثر" التي ما يزالُ البعضُ الكثير أو الكثير البعض يطالبُ بإيجاد مُحدّدٍ واضحٍ أو مقياس جادّ لكتابتها. والحقّ إن هذه المطالبات أو، بالأحرى، هذه النبرات الكلامية "المنبرية" مصابة بنزعة المحو والهدم الكلّي لمفهومياتِ القصيدة التي لم يدرك الفاعلُ المنبري مباهجها على ما يبدو، ولم يعطِها قليلاً من الصبر عند القراءة؛ فقليلٌ من الصبر يكفي، وكما يقولون: "الصبر مفتاح الفرج". والصبرُ -أقولُ- مكمنُ جمال، والجمالُ "مسكنُ الكائن". وفي اللغة جمالٌ. وكانَ الشاعرُ الفلسطيني خالد جمعة، في ورشة عملٍ جمعتني به قريباً-في غزة، حول الكتابة الجديدة-في الداخل أو في "المكان العاطفي" بتعبير محمود درويش، قد عرض ورقةً أصّل فيها وأسّس وقدّم مُسرداً تاريخانياً مُهذباً لجذور القصيدة - الإشكالية. وكانَ قد قال فيما النقاشُ على أشدّه إنه "مع الجمالِ ضدّ القبح". هذا بداهةً، وبحدّ ذاته يشكّل "مَخرجاً سليماً" عند خالد جمعة، بلغة المبدع التجريبيّ الفلسطيني الراحل حسين "جميل" "البرغوثي"(وألاحظ الآن أن ثمة إشكالية في إسمه، مُشابهة، بِقَدَرٍ ما، لإشكالية إسمي)، وهو ما يجعلني الآن أزيح، على سبيل الاقتراح، لا النفي؛ مصطلح "قصيدة النثر". وأحلّ محلَّه - من أجل "ترتيب الوصف" أخذاً بعنوان ديوانٍ للشاعر غسان زقطان، وأيضاً لتبسيط الكلام- مقترحَ " كتابة نصّ"، "باللغة الخاصّة" التي هي "مسكن الكائن". فعند بارت أنّ "النصّ يكمنُ في اللغة، إذ نجده في حركية الخطاب أو، بالأحرى، هو نصّ لنفس السببِ الذي يُعرّفُ به نفسَهُ كنصّ"(1).

    وثمة في مقابل الفاعل المنبري الناشطُ الكتابي المستعجل حيث لا يبلغ الكنه و"الجوهر" لا يبلغ "ماء الكتابة". إن "الجوهر مصطلح فني في الفلسفة، لكن معناه الفلسفي ليس إلا مجرد تطور متماسك لمعناه العادي، وإن الجواهر لها صفات، فمثلا الصلابة واللمعان من خواصّ جوهر الحديد والصفات لا يمكن أن توجد بمعزل عن الجوهر. إنها لا توجد بنفسها بل تعتمد على الجوهر. فاللمعان لا يمكن أن يوجد بذاته، لا بد من وجود شيء لامع. الجوهر مستقل عن الصفات، الصفات تستمد حقيقتها من الجوهر، الجوهر له حقيقته في ذاته، الجوهر يعني عند الفيلسوف ذلك الذي وجوده الكلي في ذاته، والذي حقيقته لا تنتج من أي شيء عداه، والذي يكون مصدر حقيقته. أنه علة ذاته، ويتجدد بذاته(2).

    أو كما جاء، قبلاً، عند بارت أنّ النصّ هو" نص لنفس السبب الذي يعرف به نفسه كنص". لكن أشير إلى أنني لا أقع هنا في خطأ مماثلة النصّ الكامن في اللغة بالمادة الكائنة في الواقع الموضوعي؛ بقدر ما أنا أهتمّ بالجوهر باعتباره مصطلح فني فلسفي. إن إزاحة كلمة أو خاصيّة "صلابة" عن مادة الحديد، مثلاً، ومنحها لمادة النصّ ليأتي متفقاً مع ما يقوله دريدا من أنه "ما من كلمة ميتافيزيقية في ذاتها، إنما طريقة استخدامها هي ما يكون ميتافيزيقياً.. مضيفاً.. "أن نظرية النصّ التي يعمل عليها هي مادية، ولا يقصد بالمادية حضوراً للمادة، وإنما صمود النصّ أمام كل محاولة لاحتوائه، والاحتواء هو مثالي دائما"(3).

    لكنّي أعود لأنفّذَ إزاحةً مقترحةً لمصطلح "قصيدة النثر" لأحلّ محلّه مقترح "كتابة نصّ" فهل أنا، حقاً، أبسّط؟! أو هل أنا أوّل من يزيح؟! لا أعتقدُ. لكنني أعتقد، على أية حال، أنّ ثمة من لديه إضافة مفردة "مفتوح" إلى "نصّ". ولكن سأسأل بِحيادٍ مُمكن: هل من الدّقة، في هذه اللحظة الحرجة جراء "وفورات الحجم"، و"شحِّ الكيفِ" بالمعنى الاقتصادي، أن أفْصِلَ بين "كتابة" و بين "نص مفتوح"؟ قد يقول قائل عابر: لا فروق، وليس من داعٍ الفصل. ولماذا كلّ هذا التحبيكِ الزائد؟!. طالما أنّ الجَمالَ "مسكن الكائن"، وطالما أنّ "كثرة ماء الكتابة هي مكمن فتنة الخطاب الشعري"(4).

    كما يعبر الشاعر والناقد المغربي محمد بنيس، وطالما أننا في دائم الأحوال والأحكام "مع الجمال ضدّ القبح". وربّ قائل يقول: تغيب الفروق الجوهرية بمجرد انبعاث الدهشة من جسد الكتابة. لكن أليس من فرق، حقاً، في المعنى بين "كتابة نص" و" نصّ كتابة"؟ على ما يبدو أنّ هذا سيجرّني إلى الكلام عن "الكتابة" بمفهوم دريدا. ولكنني لست واثقاً تماماً من أن الذي أتكلمه= أكتبه يشكّل "إضافةً"؛ ولماذا أختار كلمة "إضافة"؟ لماذا، مثلا، لم أقل "زيادة"؟ إنه تبعاً لمفهوم الكتابة و"الاختلاف" differance (ليسَ difference) نجد أن دريدا يقيمُ خطاباً نقدياً مغايراً حول استخدام differance، وحول ما يعبر فيها عن نفسه فيها بصورة اقتصادية، أو مقتصدة. حيثُ تتضح دلالات "الاختلاف" لديه من خلال سلسلة من المفردات الأخرى التي تعمل معها. "الكتابة" مثلا، أو "الأثر"، أو"الإضافة" وهي كلها كلمات ذات قيمة مزدوجة، فـ"الأثر"، كما يعرفه دريدا، هو ما يشير ويمحو في الوقت نفسه، أي ما لا يكون حاضراً، و"الإضافة" هي ما يأتي لينضاف وما يَسدّ مسدّ نقص"(5).

    لقد ذكرتُ للتوّ أنني سأجرُّ إلى "الكلام = الكتابة" عن "الكتابة"! حسناً..إن الكلام الذي أعنيه، دائما، خارج الكلام، لكنه "داخل الكلام الذي هو في ذاته يعتبر كتابة"(6).
    هذا، أيضاً، يدعو للتفريق، بين الكتابة الفونيتيكية، والكتابة بمفهومها "الخاص" عند دريدا، فهذه الأخيرة تنفصل عن الأولى، وترحل عنها خلال الطريق، نحو عالم المعنى، لتؤسس "كتابة" داخل الكتابة"(7).

    ***
    ولكن بالعودة إلى "أنا مع الجمال ضدّ القبح" تكون الكتابة غير مرتهنه إلا بالجمال، عند خالد جمعة، وبالمحو عند دريدا، ولاحقاً عند بول شاؤول ومحمد بنيس بالمحو ذاته، فعند دريدا النصُّ في بنيته اللاواعية هو " نسيج من الآثار الخالصة، ومن الاختلافات، حيث يتحد المعنى بالقوة، نص حضوره في عدمه، يتشكل من أرشيفات، هي قبلياً، وعلى الدوام، عبر كتابات" إذ بالنسبة لدريدا ليس المعنى قبل البدء بالكتابة، فهو لا ينكتب إلا عبر عملية الكتابة ذاتها"(8).

    ونحن على مقربةٍ من الكتابة عن "الكتابة" نقرأ الآن مقالَ "في لا جدوى الشعر" لبول شاؤول. لقد ذكرني هذا المقال في صعوبته "النسبية" بأجواء كتابات "هيدغر"الفكرية والفلسفية القاسية الطالبة للأناةِ، المثيرة للصداع والتفتّح والنقاشِ العقليّ معاً. كما أبقاني بكثرة عدمياته ووجودياته ولا وجودياته، كذلكَ، في الفلك الهيدغري، وفي الوقت ذاته، ينفتح المقالُ على تفكيكية دريدا. إنطلاقاً من سؤال: "ما معنى أن تكتب شعرا؟ معنى الكتابة في لامعناها"(9).

    لكنه لاحقاً، كما سنرى، يشذّ عنها؛ لاعتبار أن ما جاء به، ينطوي على هدم شاذّ، وإعدامٍ لكلّ آمالِ تصالح "الكتابة" مع محيطها ولحظاتها التاريخية والموضوعية، فما هو مكتوبٌ في المقال، ينم عن تشاؤم ذاتي؛ ربما عن خسران جمالي جعله يُقدم على كتابته بِنفْضٍ تفكيكي مؤلمٍ، فيه نفي تامّ للمصالحة والتواصل بين الشاعر والكتابة والآخر. إنه يفصل الكتابة ويخرجها لعدمها من أطر اللحظات والمحيط، والإنسانية والتاريخ، وما يرتبط بالعالم. يفصلها تماماً عن محركّات وفاعليّات الحضور، ويقرّر العدم حصناً لحياتها وخلودها الحيّ في موتها - عدمها المطمئن. ففي الوقت الذي "يصل فيه دريدا إلى ما يمكن أن نعتبره لا وعي النص، أو اللاوعي النصيّ، حيث يكون النصّ (الظاهر) تنصيصاً، يتشكّل عبر طبقات متعددة، ومستويات مختلفة، منها ما هو نفسي/ وما هو اجتماعي، وما هو ثقافي، وما يرتبط بالعالم، ويكون دور الناقد مقلباً طبقات النصّ"(10)،

    وفيما يرى بارت "أنّ النص يتكون بالكامل من استشهادات ومراجع وأصداء Echoes، ولغات ثقافية، سواء عصرية أو متقدمة زمنيا، كلها تتقاطع خلال النصّ"(11)

    في الوقت الذي هما كذلك، يعتبر شاؤول أنّ الكتابة نفض للركام، وانفصال عن كافة "الأرشيفات القبلية" بتعبير دريدا، أو" الاستشهادات والمراجع والأصداء واللغات الثقافية"، بتعبير بارت، وعن كافة أشكال الارتباط والتناول والتواصل بما في ذلك تواصل منتجها معها، والناقد والآخر. إنّ الكتابة، وفق ما يرد "في لا جدوى الشعر"، لا يكمن حضورها في عدمهـا، ولا تتشكّل عبر طبقات متعددة ومستويات مختلفة، إنما يقول صاحب "لاجدوى الشعر": إنكَ: "تكتب لكي تنفض ركام اللحظات عن جلدك وثيابك وأشياءك، كي تنفض ما يقال حولكَ. وما يقوله الأنبياء والرسل والفلاسفة، والموتى، والأحياء، والأدباء واللحظات والتاريخ. معنى النفض أن تنفصل اللحظات عن معناها، عن تاريخها، أن تنفصل أنتَ عنها، بكل ما يعنى الانفصال من توحش ووحشية وسكونية وثبات. أن تنفصل أنت عنها، يعنى أن تبقى حيث أنت، من دون أن تحدد مكانك ولا زمانك، من دون أن تحدد جسدك، ولا كلماتك،. أن تنفصل يعنى أن لا تتقدم ولا تتأخر، ولا تدور، ولا تتحرك. لا تذهب إلى مكان. ولا تأتي من مكان، أن تبقى في العدم الغامض الذي لا يريد، ولا يقبل ولا يسعى ولا يبحث، ولا يكون. العدم الكائن في العدم"(12)

    أخذاً بما سبقَ، فإن جمال الكتابة الكامل، عند شاؤول، هو في قطيعتها وعزلتها الكاملة الفاضلة. في عدمها الكائن في العدم! ذلك، وكما يبرر، أن " القصيدة بحريتها المطلقة، وبلا مرجعيتها ترفض، أصلاً، الآخر وتتمرد عليه، والآخر المعبأ بالمرجعيات القائمة، اجتماعية وفلسفية ونفسية وثقافية وأيديولوجية ولغوية، يرفض هذه القضية التي يجد فيها " ماضيه" ( والنقد كل النقد أسوأ أنواع التعامل مع الماضي المتجاوز)، ولا يجد فيها كذلك "معارفه" و"ذاكرته" (الخاملة، وعاداته(المنمطة)، أي لا يجد فيها ما ينتظره، يرفضها وينفر منها، وهكذا، بحسب ما يضيف، ينشأ بينهما فعل عدمي يحمي الواحد من الآخر، يغرب الواحد عن الآخر.. وأن الكتاب هو المكان الوحيد الذي يحضن هذه الغريزة(القصيدة) الخالصة، هذه الغريزة القادمة. هذا النفي الحي للآخر" (13)

    إن مضمون ما ورد للتوّ يدعوننا للوقوف أمام مسائل كثيرة، لعلّ أولها مسألة أنّ "القصيدة بحريتها المطلقة، ولا مرجعيتها ترفض الآخر، وتتمرد عليه". بمعنى أنّ حريتها تكمن في عدمها الكائن في العدم، وهنا كأنما نرى تكريساً لتكرار هذا العدم، باعتباره "سلطة" تتقوّى بظاهرة التكرار، الذي هو بمثابة سلطةً تُغذّي "السلطة". إنه تبعاً للكتابة والاختلاف لدى دريداً، نعتبر في هذه الحالة أنّ القصيدة بحريتها المطلقة هي في الوقت نفسه القصيدة بسلطتها المطلقة، ذلك أن العدم حرية القصيدة وسلطتها، وبذلك تنتفي هذه الثنائية القائمة على التقابل الحرية/ السلطة. وفي سياق متّصل نجد أن إدوراد سعيد في كتابه (العالم، النص، الناقد) يذكر وجهة نظر لميشيل فوكو تقضي بأن "الكتابة نفسها هي قلب منهجي لعلاقة القوة، بين الحاكم والمحكوم، إلى مجرد كلمات مكتوبة؛ بيد أن الكتابة سبيل من سبل إخفاء المادية المروعة لإنتاج محكوم ومروض على هذا النحو الضيق البالغ"(14)

    إن هذا صحيح، لدى التفكيكيين، إذا ما أبدلنا كلمة "منهجي" بـ"مَحْوِي" أو "هذياني". وإنه، بالمجمل، ليتوفر ردّ على ما جاء في الأسطر المقتبسة للتو، من مقالة شاؤول؛ لاسيما فيما يقوله عن (الآخر بصوره: النقد، الناقد، القاريء، والماضي، والمكان) هذا الردّ هو، في الأساس، من مقالة "موت المؤلف" لرولان بات، والتي فيها أن : "النص مصنوع من كتابات مضاعفة، وهو نتيجة لثقافات متعددة تدخل كلها بعضها مع البعض في حوار، محاكاة ساخرة، وتعارض. ولكن ثمة مكان تجتمع فيه هذه التعددية. هذا المكان، ليس الكاتب، كما قيل إلى الوقت الحاضرـ إنه القاريء. الكاتب هو الفضاء نفسه، وفيه تكتب كل الاستشهادات نفسها دون أن يضيع شيء منها، فالكتابة، يضيف بارت، مصنوعة منها، وإن وحدة النصّ ليست في أصله، ولكنها في القصد الذي يتجه إليه، غير أن هذا الاتجاه لا يستطيع أن يكون شخصياً، فالقاريء إنسيّ من غير تاريخ، ولا سيرة ذاتية، ولا تكوين نفسي. إنه برأي بات، فقط ذلك الشخص الذي يجمع في حقل واحد كل الآثار التي تتكون الكتابة منها"(15).

    وقد كان لنا ردّ كذلك على ما يتعلق بـ"موت المؤلف"، لاسيما القول بـ أنّ " القاريء إنسيّ من غير تاريخ، ولا سيرة ذاتية، ولا تكوين نفسي". وقد ورد الردّ في سياق دراسة قدمناها في ديوان محمود درويش "لا تعتذر عما فعلت" جاء فيها:

    إنّ الكلامَ المباشرَ للشاعر، أي شاعر، يكونُ حاملاً لأفكارٍ ومعانٍ ومرجعياتٍ ثقافية ومعرفيةٍ؛ تشارك المخيلة في كتابة القصيدة. وهو بدوره يشكّل أهميةً للقرّاء عند تناولهم لمنجز شعري ما. وكانَ الناقد العراقي حاتم الصكَر في تناوله التطبيقي لجانبٍ من ديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً" ضمن دراستهِ "مرايا نارسيس- قصيدة السرد الشعرية"؛ قد لجأ إلى الحوارات التي أجراها البعضُ، مع درويش. غيرَ أنّ سؤالاً يطرح نفسَه في هذه المناسبة: هل هذه الطريقة في النقد محبّبةٌ وتعبّر عن ذاتية الإبداع النقدي، ودقّته؟ ليس من شكّ بأنّ هذه الطريقة تتضارب مع التعريف الدقيق للناقد؛ إذ "الناقد الممتاز هو فنّانٌ تَبَحّر في المعرفة وذوّاق كبير، لا أفكار مسبقة عنده ولا غير.

    كما إنّ العمل بها يَهدمُ ويلغي مصطلح " موت المؤلف " من قاموس رولان بارت، ويَحِلّ محلّه مصطلح "موت الموت"، ما يعني "نجاة المؤلف" الحاصلِ بتبحّرنا في سيرته الذاتية. هذا، بدوره، يقودنا إلى مارسيل بروست Proust، الذي" ربط العمل الفني بمؤلِّفه في مجال النقد، فبّين السمات المشتركة في مؤلفات رسكن Ruskin المختلفة كي يرسم "الشخصية الأدبية" للفنان، ولكنه اكتشف بعد ذلك خطر مثل هذا المنهج الذي يخلط، كما فعل سانت بوف Sainte Beuve، بين الأنا الاجتماعية والأنا المبدعة، وبالفعل فإن جوهر العمل الفني لا يتطابق مع شخصية مؤلفه كما تبدو في الحياة الظاهرية، والكتاب هو ثمرة أنا أخرى، يتعذر بلوغها من خلال دراسة السيرة الذاتية ولا يمكن فهمها إلا بمحاولة تأليفها من جديد في داخلنا".

    إن كل ما أوردناه سابقاً يدعوننا إلى هدم ما جاء في ورقتنا الأولى، وكأننا بقصد أو من غير قصد، نُمارسُ علينا مَحْواً نقدياً حيادياً، يُعلّمنا أن النقدَ أرقى مما نتصوّر في حدودنا هذه. ولنا أن نقف عند تلك المحاذير النقدية النظرية السابقة، لاسيما ما قاما به مارسيل بروست وسانت بوف من خلط بين الأنا الاجتماعية والأنا المبدعة؛ لنقولَ: إنها لم تُشكّلَ بُعداً جوهرياً يَحدّ من حراك ناقدٍ كالصكَر، رأي أن ينهض بكتابه على سير شعراء كتبوا جوانب مهمة من سيرهم شعراً؛ كما هو الحال في قصيدة "هذا هو اسمي" لأدونيس الذي اتفق كثير من النقاد على أن لها خصائص السيرة، كذلك الحال في ديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً"، والذي يعيدُ فيه درويش كتابة وسرد الذاكرة بالشعر. وبذلك يكون الصكَر قد عَمِلَ، بذاتيةٍ نقديةٍ إبداعيةٍ، فخلق كائناً اصطلاحيا نقدياً مَسْنوداً بالتطبيقِ، ما يعني اتساع دائرة الاشتقاق والخلق النقدي خارج المحاذير وشروط النقدنة الصارمة.

    كذلك إلى أيّ حدّ، ستقنع تلكَ المحاذيرُ النظرية القاريءَ الذي باتَ لا يستطيع في، حالة محمود درويش، أن يفصل بين الأنا الاجتماعية والأنا المبدعة؟ وقد قلنا في الورقة الأولى: إن الذات الشاعرة عند درويش تحرصُ دائما على إدغام "الأنا بالنحن" منتجةً خطاباً واحداً غير منفصل](16)

    وفيما يتعلق بعبارة (النقد كلّ النقد أسوأ أنواع التعامل مع الماضي المتجاوز)، نجد أنّ ثمة الكثير وقفوا أمام كيفية تخليص النقد من الماضي، وضرورة تقليب النظر في فضاء الحاضر والبدء بتحضير قيم العمل، وتجسيد الحاضر في الكتابة؛ من خلال عملياته وظروفه الفعلية. وإنه لمن الحريّ أن ننقلَ ما ذكره إدوارد سعيد بخصوص هذه المسألة في كتابه (العالم، النصّ، الناقد) حيث يؤكد: "إن الكابح الوحيد أمام النقاد هو أن مهمتهم كنقاد يحددها ويؤرخها لهم الزمن الماضي في غالب الأحيان، أي، ما كان مسبقاً من قبل موضع الخلق كعمل من أعمال الفن أو مناسبة فريدة.. مضيفاً .. إن لوكاش ليقر بوجود هذا الكابح، ولكنه يبين كيف أن النقاد يكرسون أنفسهم في حقيقة الأمر لمهمة البدء بتحضير القيم للعمل الذي يودون محاكمته. ولقد عبر أوسكار وايلد عن هذا الأمر على نحو أكثر زخرفة إذ قال أن النقد "يعامل العمل الفني كنقطة انطلاق لخلق جديد".. "إن الشيء الذي يرغب، إدوارد سعيد، في التوكيد عليه هنا فهو أن النقاد لا يخلقون فقط تلك القيم التي تجري بناء عليها عملية محاكمة الفن وفهمه، بل ويجسدون في الكتابة أيضاً تلك العمليات والظروف الفعلية في الحاضر الذي تتأتى الدلالة من خلاله للفن والكتابة. (17)

    ***

    إن ما يثير السخرية المشروعة هو أنه في الوقت الذي يرفض شاؤول أي علاقة بين الكتابة - القصيدة، وكاتبها، والناقد، والجمهور؛ نجده في (مجلة فصول/صيف 1996) التي اختصت بنشر مقالته؛ يقبل بوجود التقليد المعتاد(شاعر وناقد لبناني) في هامش التعريف المعتاد. وهو ما يعبّر عن قوّة العلاقة التي تفرضها وسطية أو جوهرية "الواو" بين الشاعر "و" الناقد الذي بداخله، من جهة. وبين الشاعر الناقد، والآخر (القاريء، الجمهور، الناشر).. من جهة ثانية. وكان من الواجب على شاؤول وهو يقدّم خطابَ القطيعة والعدم؛ أن يَعْدمَ العلاقةَ التعريفية التي توطِّدها "الواو"؛ كان من المفروض عليه أن ينوّه إلى محرر المجلة المتخصصة بضرورة إعدام حضور الإشارة التعريفية المُنجّمَة (من نجمة) في الهامش التقليدي في (صفحة141). إن اقتراحه القطيعة والعدم ليثبت بطلانه من تلقاء تأكيدات ورفضيات وفرضيات النفيّ، التي دأب عليها شاؤول. وبصياغة أخرى، فإنّ مطالبات القطيعة والنفي والفراغ والعدم لتتجه، عكسياً، لتعزيز الضدّ (التواصل والإثبات والامتلاء والحضور)، وتقوي صلات الشاعر بالناقد بالأثر؛ انطلاقاً من جدوى القراءة والكتابة والتفاعلات المشكّلة (بفتح وكسر الكاف) في فضاءات تلقي الشعر والنقد والملحقات والطقوس الأخرى.

    على أية حال، فإنّ الجمال إذا قنّنَ بَطُلَ! وإذا طلب بالصورة التي عليها جَمالُ شاؤول، "تحوّل"، لا أقولُ انقلبَ فوراً لضدّه، أقولُ: "تحوّلَ" تحوّلاً ديالكتيكياً قد يُورّثُ "العدمَ" على اعتبار أن الماركسية في جانب من منطلقاتها، كما يكتب شاؤول، عدمية، تنفي الراهن السائد، تنفي" الثبات"، تؤكد بطلان العلاقات القائمة، تعدمها. كونها عدمية تبحث عن معنى في العالم الإنساني، العالم الأفضل، الإنسان الجديد، جدلية العدم والقيامة، جدلية التناقض الذي يسعى إلى تدمير ذاته، العدم المستمر للوصول إلى الصيرورة الأبدية، عالم اللاتناقضات". وهو الاعتبار ذاته الذي يعكسه على الدين بما هو كذلك، أي أنه "في جانب من منطلقاته، عدمي. ينفي الراهن الدنيوي: هذه الحياة فانية وباطلة، ينفي "الثبات"، يؤكد باطل العالم ولا جدواه. لكنه.. يضيف شاؤول.. يبحث عن معنى في العالم للآخر. من لا معنى الوجود إلى معنى اللاوجود. من وهْمِ الحاسّة إلى حقيقة التلاشي. شيء من التناقض بين الموت والحياة، بين السر الكامن والجوهر المعلن. إنه يكمل العدم إلى سواه، إلى صيرورة أبدية"(18)!

    لكن يظلّ، الأمر، من طرفنا، مفتوح على تعدد الآراء والمقاربات والمناظرات، عملاً بقضية " كل شيء نسبي"، ما يعنى الانفتاح وتعدد وتبدّل الأذواق والأحكام والتلقي. الجمال الكامل في الكتابة الكاملة في الذوق الفردي الكامل. فهل كتابة شاؤول "في لا جدوى الشعر" تنمّ عن خسران جمالي كلّي، أم عن سعي فردي تفكيكي لبناء الجَمال الخاصّ؟!

    ***

    ولعلّ بنيس في كتاب "كتابة المحو" ليس ببعيد عن شاؤول في العلاقة الاتباعية التأثرية المشتركة في فضاء أو مجال التفكيكية الدريدية، إنّنا، بدايةً، نقرأ "كتابة المحو" في ضوء الاتباعية من كونها محو للكتابة الخطيّة الفرنسية وإعادة إنتاجها- كتابتها المماثل/ة بالعربية؛ ذلك أن الكتابة عند بنيس "هي أن تمحو كل مرجعية وكل معنى، نعم كل معنى. إنها لحظة تكوين فراغ مجيد" (19).

    وكان دريدا في "الاستنطاق والتفكيك" قد بين أن تفكيك النص لنفسه لا يعنى أنه يتبع حركة مرجعية - ذاتية، حركة نص لا يرجع إلا إلى نفسه، ولكن هناك في النص قوى متنافرة تأتي لتقويضه وتجزئته" (20).

    ويكتب بنيس في مقالته المُضمّنة في الكتاب المذكور أعلاه، المعنونة بـ "أجوبة مهددة": "مهمتي أن أكتب. والكتابة بالنسبة لي فعل لا يقين له ولا إثبات. إنه فعل المحو ذاته. أكتب بغاية السكن في جليل المحو، حيث تنعدم الحدود وينتفي الأصل والنموذج. كتابة يتيمة. لها الفراغ والحلزون والهذيان والهاوية. كتابة تشتغل ضد المعنى. فيها وبها تأخذ الذات فسحة حريتها لترحل في متاه هو جدارها.(21)

    و"لا تكتب الكتابة عن شيء بل تنكتب مع شيء. ليس صورته بل أثره" (22)،

    حيث "الأثر" بتعريف دريدا "هو ما يشير وما يمحو في الوقت نفسه، أي ما لا يكون حاضرا أبداً". وبذلك يتضح أن غاية الكائن: الكاتب- الكتابة - النصّ - القصيدة عند بنيس هي السكن في جليل المحو. "كتابة المحو" أو "الكتابة اليتيمة" عند بنيس كمعنى "نفض الركام والانفصال والعزلة" عند شاؤول. و"السكن في جليل المحو" أو "الفراغ المجيد" عند بنيس، أيضا، هو " العدم الغامض"، "العدم الكائن في العدم" عند شاؤول. وبتعبير آخر "أن تبقى في عزلة العدم وكذلك في لا جدواه. وفي جموده. وفي صقيعه، وفي أسافله، وإدراكه، وخفاياه، ودهاليزه، وعماه" (23)

    لكن يتحدث بنيس، أيضا، في "كتابة المحو" في مقالته المدرجة بعنوان " الكتابة وتمجيد الماء" عن ارتباط البحث عن ماء الكتابة لديه بالبحث عن القصيدة والذات والعالم.. هذا فعل الشمول، حيث النص يتَّبع المسارات المجهولة من قبل صاحبه، حيث الذات تاريخية، لا علوية ولا شيطانية. لزمنها ما تحتفل به، وبأقصى تورطها في الكتابة يكتسب النص حداثته، وللشمول، هنا، وضعية علاقة التفاعل الخصيب بين العناصر النصية وخارج النصية، فلا ندري معه كيف بني النصُّ، ولا سرّ بذرة حيويته التي يكتسب بها النص فتنة شموله. ذلك، يكتب بنيس، هو ماء الشعر الذي استلذ به الشعراء والنقاد العرب القدماء، وأشاروا له في جميع مؤلفاتهم، باقتضاب يدل على الحيرة أمامه قبل أن يدل على بساطة ضبطه في القصيدة. كثرة الماء هي مكمن فتنة الخطاب الشعري" (24)

    وهذا ما ينفتح على ما وصل فيه دريدا إلى ما يمكن أن نعتبره لا وعي النص، أو اللاوعي النصيّ، أو بتعبير بنيس " المسارات المجهولة من قبل صاحب النصّ"، حيث يكون النصّ (الظاهر) تنصيصاً، يشتمل على أو يتشكّل عبر ،طبقات متعددة، ومستويات مختلفة، منها ما هو نفسي/ وما هو اجتماعي، وما هو ثقافي، وما يرتبط بالعالم، .ويكون دور الناقد مقلباً طبقات النصّ". أو بتعبير بارت فإن ثمة "استشهادات ومراجع و وأصداء ولغات ثقافية كلها تتقاطع خلال النصّ". هذا ما يرفضه جملة وتفصيلا شاؤول كما تحدثنا آنفاً، وكما ينوّع كثيرا في مقالته المذكور من أجل البقاء على رأيه في الكتابة،حيث يكتب: "أن تكتب قصيدة، يعني أن تبقى (والقصيدة) في نقطة الصفر، الصفر يبقى صفراً في عدم. عدما في عدم. أن تبقى في عزلة العدم وكذلك في لا جدواه. وفي جموده. وفي صقيعه، وفي أسافله، وإدراكه، وخفاياه، ودهاليزه، وعماه. أي تذهب إلى أحد، وألا يذهب إليك أحد؛ حيث لا يحدث شيء؛ حيث لا يوجد شيء، حيث للفراغ طعم الفراغ. والمأساة لا تضيء والفكاهة لا تلمع. واللغة لا ترتدي من الوارث والموروث. والقريب والبعيد، حتى ورقة توت، حتى الهواء الذي يوصلها أو يفصلها، حتى المسافة التي تلمها أو تبعثرها؛ فهي بلا هواء، ولا مسافة. إنها، برأي شاؤول، لا تريد أن تصل إلى شيء، ولا أن يصل إليها شيء. لا تريد أن تصل إلى أحد، ولا أن يصل أحد إليها. معتمة مخفية في عدمها. باكرة في انزوائها. وفي غريزتها، خائنة ومخوّنة. لا القضايا الكبيرة، ولا الصغيرة، ولا البناء ولا اللغة (لعنصر بناء اجتماعي أو سياسي أو أيدولوجي أو إنساني) ولا العلاقة. ما ذا يعني أن تكتب قصيدة للإنسانية؟ للجماعة؟ للأفكار؟ يعني أن تلغي الكتابة نفسها". (25)

    برأي شاؤول!

    ***

    إنّ الكتابة الأقلّ جمالاً جميلةً، ولكنها لم تحقق "الخروج السليم". الكتابة التي لا تصل، إذن، تحظى بروح التجريب، المجرّب لا يحاول إنما يسيرُ دائما، المحاولة تعني الارتداد للبدء من نقطة الصفر. ليس الصفر يبقى صفراً في عدم، إنما صفر الانطلاق في حضور. إن القبحُ، تبعاً للنسبية، ليس نقيضاً ضرورياً وتاماً للجمال؛ تبعاً للنسبية أيضا، هذا يعنى حرية النص من الجمود وثباته، وفي الوقت ذاته صلابة وصمود مادة النصّ "أمام كلّ محاولة لاحتوائه" هذه الحرية تعني نشاط الاتجاهات والتعدد المنوطين بمكامن - "بمياه الكتابة"، إذ هناك من يتكيء على اللغة باعتبارها مكمن جماليات، وهناك من يذهب للتفاصيل باعتبارها حقول لجماليات غير مكتشفة، وهناك من يعتنى بالرؤيا والفكرة على حساب الصورة، وهناك من يبني نصاً بالغ العلاقات يخلق ويولد ويكثر من نشاط الدلالات والمدلولات وتعديدها بما يدعم و ينشّط تطور وديالكتيكية النصّ. بما هو " يمارسه، النص، من تأجيل لا نهائي للمدلول، وبما هو مٌؤَخّرٌ ومعيقٌ. ومجاله الدال، والدال يجب ألا يفهم كمرحلة أولى للمعنى، أو أنه ممرّ مادي للمعنى المقابل؛ بل هو بالمقابل حركة مؤجلة دوماً. وبشكل مشابه لا ترجع لا نهائية الدال لأن المدلول لا يمكن وصفه وتسميته، ولكن يعود ذلك للعب playing، والتوليد الدائم للدال (بعد موضة التقويم الدائم) في مجال النصّ -الأفضل القول أن النص هو المجال- لا وفقا لتطور عضوي يؤدي للنضج أو طريقة تفسيرية تعتمد على التمحيص، بل بالأحرى وفقا لحركات متسلسلة من الانفصال والتعارض والتنوع..ويصبح قاريء النص أمام نهاية مفتوحة ومتحررا من أي تصوّر" (26).
    لكن على ما يبدو أن المخرج السليم بالغ الندرة، لكن التجارب في حقل الكتابة واسعة، وتشتقُّ طرقاً للجمال؛ في إحدى مقالاته التي نشرت لأول مرة بعنوان "من أسس الشعر العربي" في (مجلة الشعراء العدد 25)، نقرأ -في اللحظة التي فيها نكتب ما له علاقة بالكتابة- لحسين البرغوثي قوله <لاحظوا الاقتباس طويل> {لفت نظري رؤيا أدونيس لما أسماه بـ"الكتابة" التي تتجاوز التقسيم والتصنيف الميت للأدب إلى "مسرحية" و مسرحية غنائية، وقصة، ورواية، وشعر..إلخ، حيث دعا إلى كتابة "موحّدة" تدمج الكلّ.. يضيف البرغوثي.. كنتُ أثناء قراءة كتاباته بهذا الاتجاه، أجرّب كتابة نصّ يدمج الأنواع الأدبية معاً، وتخيلت اللغة لوحة، من جهة، أي كشكل من أشكال الرسم، أو كما قال نزار قباني "الرسم بالكلمات"، ما يعني إعطاء أولوية في دلالات اللغة ليس لـ"الفكرة" بل لـ "التلوين"، بحيث ينتقل النصّ من لوحة إلى لوحة أخرى، ومن جهة إلى جهة أخرى. على هذه اللغة أن تكون " موسيقى"، أي أن تتعامل مع "الكلمات" ككتل صوتية، كإيقاع محض، وأن ندمج مع ذلك الحوار المسرحي والقصة والسيرة الذاتية. ظهرت نتيجة هذه التجارب في رواية "الضفة الثالثة لنهر الأردن" (1993)، التي قامت، أيضاً، على "التداعي الحرّ" في السريالية، ودمج الحلم بالواقع، والشعر بالنثر، في لغة "حسية" إلى درجة بعيدة. في الأدب العربي ككل كانت تجري تجارب موازية، من أنجحها-لاحقاً- نصّ يدعى "الجواشن" لشاعرٍ ولقاص روائي من البحرين. لكن بأمانة، لم أشعر أن هذا كلّه شكلَ "خروجاً سليماً" فواصلت البحث في الإشكالية شعراً، دون نشر أي قصيدة}(27) ما جاء أعلاه شهادة شخصية يقدمها الراحل حسين البرغوثي تنطوي على هم تجريبي عظيم -وليس همّاً تخريبياً مؤلماً- ينطوي على سعىٍ لكشف مناطق جمال بكر في اللغة، وإن عدم تحقق "الخروج السليم" عند البرغوثي لا يعني فشل المحاولة، لا بنية فعلية سلبية، إنما هدم فعلي إيجابي ينتفي بموجبه ذكر فشل الخروج أمام أثر التجريب العظيم، اللا-"خروج السليم" عند البرغوثي كان يعني سيرورة التجريب في اللغة، استثمار طاقاتها، بحث عن أقاصي الجمال، دون إحداث ضجيج في حصانة الآخر - "التفعيلة". لقد كان من أخلاقيات الجمال التي حرص عليها البرغوثي تحقيقُ السلامة من آثر الانكسار الفجّ، لئلا تتعطل مسيرة الجمال. ثمة اعترافٌ منه بالآخر، لم يجعل من مسعاه للخروج ممحاة، لكن كان يتجرّأ في الوقت ذاته علي "الآخر" ببيان عجزه وقصوره ورتابته. كل ما هنالك أنه ترك حصون الآخر وراح يسعى في فضاء تجريبي داخل اللغة، باعتبارها معادلاً وحدوياً للذات - الكون، إن خروج البرغوثي من عجز الماضي ومصفوفاته البليدة كان أيضا تخطياً للتاريخ، كان هذا التحوّل ضرورةً جمالية لكتابة النص الكوني ليس بمفهوم الشهرة، إنما "نص كوني" بتكويناته وعناصر وجوده في الوجود الفاعل المتفاعل_ وليس في العدم الكائن في العدم_ إنما في "وحدة كلية" "كتابة كلية"، تنطلق من الإحساس بـ"الذات الواحدة"_ "روح العالم الواحدة".

    الهوامش:

    1. جريدة "الأيام" الفلسطينية، العدد 1637، الثلاثاء، بتاريخ11/7/200. ("من العمل الأدبي إلى النصّ" من كتاب" الصورة، الموسيقى، النصّ" لرولان بارت، ترجمة الناص الفلسطيني علي أبو خطّاب).

    2. تاريخ الفلسفة اليونانية، وولتر ستيس، ت:مجاهد عبد المنعم مجاهد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت1987، ص 127.

    3. مجلة الكرمل، العدد 17، ص 60.

    4. كتابة المحو، محمد بنّيس، دار بوتقال - المغرب 1994، ص21.

    5. "الكرمل"، العدد 17، 1985، ص 61.

    6. "الكرمل"، العدد30، 1988، ص 186.

    7. نفسه، ص 189.

    8. نفسه، ص 187.

    9. "فصول" المجلد15، العدد الثالث- الجزء الثاني، صيف 1996، ص 142.

    10. الكرمل العدد30، ص 188.

    11. الأيام، سبق ذكره.

    12. فصول، ص 142.

    13. السابق، ص 153.

    14. العالم، النص، الناقد"، ادوارد سعيد، منشورات اتحاد الكتاب العرب-2000، ت:عبد الكريم محفوض، ص 66.

    15. نقد وحقيقة، رولان بارت، ت:منذر عياشي، دار الإنماء الحضاري، 1994، ص 24.

    16. دراسة مقدمة في ديوان "لا تعتذر عما فعلت" لمحمود درويش. الورقة الثانية. لم يتسنّ لنا نشرها ورقياً.

    17. "العالم، النص، الناقد"، ص 71.

    18. فصول، ص 142.

    19. كتابة المحو، ص 34.

    20. الكرمل، العدد30، ص 188.

    21. كتابة المحو، ص 67.

    22. السابق، ص 14.

    23. فصول، ص 146.

    24. كتابة المحو، ص 21.

    25. فصول، ص 146.

    26. الأيام، السابق.

    27. مجلة الشعراء، العدد 25، صيف 2004، ص 167.



    نصر جميل شعث - شاعر و ناقد فلسطيني يقيم في غزة - خاص بالإمبراطور - 14.10.2004


    --------------------------------------------------------------------------------



    المصدر: http://www.alimbaratur.com/All_Pages/Tawaheen_Stuff/Tawaheen_51.htm
                  

العنوان الكاتب Date
{فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 06:20 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 06:25 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Elsanosi Badr06-23-08, 06:48 PM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 08:50 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا بشير أحمد06-23-08, 06:26 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 10:10 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا تماضر الخنساء حمزه06-23-08, 06:30 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 10:11 PM
  RE Waeil Elsayid Awad06-23-08, 06:35 PM
    Re: RE عبدالكريم الامين احمد06-23-08, 06:40 PM
      Re: RE كمال علي الزين06-23-08, 06:44 PM
        Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:16 PM
      Re: RE khaleel06-23-08, 06:46 PM
        Re: RE عبدالكريم الامين احمد06-23-08, 06:48 PM
        Re: RE mohmed khalail06-23-08, 06:52 PM
          Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:24 PM
        Re: RE خدر06-23-08, 06:57 PM
          Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:32 PM
        Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:23 PM
      Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 06:51 PM
        Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 06:55 PM
          Re: RE rosemen osman06-23-08, 09:57 PM
            Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:48 PM
        Re: RE عوض محمد احمد06-23-08, 06:57 PM
          Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:50 PM
        Re: RE عمار عبدالله عبدالرحمن06-23-08, 07:07 PM
          Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:53 PM
        Re: RE Ishraga Mustafa06-24-08, 11:03 AM
      Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:20 PM
    Re: RE Mohamed Yassin Khalifa06-23-08, 06:59 PM
      Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 11:01 PM
    Re: RE Ishraga Mustafa06-23-08, 10:14 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا عبد الناصر الخطيب06-23-08, 06:53 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا كمال علي الزين06-23-08, 07:10 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 11:03 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا kamalabas06-23-08, 07:04 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Muna Khugali06-23-08, 07:20 PM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Kostawi06-23-08, 07:31 PM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا سيف النصر محي الدين محمد أحمد06-23-08, 07:57 PM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 07:59 PM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Adil Isaac06-23-08, 08:04 PM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 04:50 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-23-08, 11:05 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا osman righeem06-23-08, 08:00 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا rosemen osman06-23-08, 08:12 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Emad Abdulla06-23-08, 08:18 PM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا محمد المرتضى حامد06-23-08, 09:38 PM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 06:57 PM
          Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا محمد المعتز06-30-08, 08:18 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Kabar06-23-08, 09:31 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Biraima M Adam06-24-08, 12:55 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا عزاز شامي06-23-08, 10:09 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا الطيب شيقوق06-23-08, 10:21 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا M A Muhagir06-23-08, 10:28 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا esam gabralla06-23-08, 10:51 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا محمد عثمان06-23-08, 11:00 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Amjed06-23-08, 11:10 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا حنين للبلد06-23-08, 11:17 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا بهاء بكري06-23-08, 11:45 PM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 00:20 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا فارس موسى06-24-08, 00:53 AM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا حيدر حسن ميرغني06-24-08, 01:13 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Baha Elhadi06-24-08, 01:48 AM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-25-08, 10:55 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا سلمى الشيخ سلامة06-24-08, 01:58 AM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا EXORCIST706-24-08, 04:20 AM
          Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 06:54 AM
          Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 11:11 AM
          Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 11:40 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Sabri Elshareef06-24-08, 03:46 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ashraf el-Halabi06-24-08, 03:47 AM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا إيمان أحمد06-24-08, 04:01 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Gaafar Ismail06-24-08, 05:00 AM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا د.نجاة محمود06-24-08, 04:14 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا ابوبكر يوسف إبراهيم06-24-08, 01:54 PM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 04:57 PM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 06:18 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا abubakr06-24-08, 05:27 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Yasir Elsharif06-24-08, 06:55 AM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا الفاتح ميرغني06-24-08, 07:11 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا ابو جهينة06-24-08, 07:24 AM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا صلاح أبودية06-24-08, 08:11 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا عادل التجانى06-24-08, 08:16 AM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 05:04 PM
          Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا عادل التجانى06-25-08, 07:00 AM
            Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-25-08, 08:05 AM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا EXORCIST706-27-08, 00:59 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا معتصم دفع الله06-24-08, 08:24 AM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا rosemen osman06-24-08, 10:10 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 10:16 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيدEXORCIS T7 نموذجا BAKTASH06-24-08, 10:27 AM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Alsa7afa_3006-24-08, 10:42 AM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 10:55 AM
      Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 11:16 AM
        Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 11:17 AM
          Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا حيدر حسن ميرغني06-24-08, 11:33 AM
            Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا عمران حسن صالح06-24-08, 01:00 PM
              Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Ishraga Mustafa06-24-08, 01:27 PM
          Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا داليا حافظ06-24-08, 12:09 PM
  Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا Sabri Elshareef06-24-08, 11:52 AM
    Re: {فحول البورد} .... السيد EXORCIST7 نموذجا محمد عبدالرحمن06-24-08, 12:23 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de