|
أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام
|
أخوف ما أخاف على الإنقاذ ... بقلم: هاشم الإمام الثلاثاء, 07 آب/أغسطس 2012 20:25 Share
هاشم الإمام فرجينيا / الولايات المتحدة بدت على دولة الإنقاذ أعراض الشيخوخة ، وأصابتها أدواء الأمم التي سادت من قبل ثمّ بادت ، وكادت تستنفد مقوّمات بقائها ، وتستكمل أسباب ذهابها ، ولكن رغم ذلك فلا زالت هي أهون الشّرين ، و خيار كثير من النّاس ، أنا واحد منهم ، وذلك لضبابيّة الرؤية من بعدها ، وخوف البكاء عليها بعد أن بكينا منها ، فأحزاب المعارضة التي كانت تمثل الوسطيّة في الطرح ، أو هكذا الظن بها ، أصبح أكثر زعمائها – إلا من رحم ربّي - رمماً بالية ، يعارضون ما هو كائن ، ولا يملكون رؤية سياسيّة واضحة لما ينبغي أن يكون ، فلم يبق خيار بعد الإنقاذ ، بل لم تبق قوّة منظمة ذات شوكة ، إلا الحركات المسلحة التي تقاتل في أطراف السودان ، وهي أيضاً لا تملك تصوراً لطبيعة الحكم بعد الإنقاذ ، ولا فلسفة تهتدي بها ، فأجندتها عنصريّة جهويّة ، وتحرِّكها أحقاد تاريخيّة ، وادّعاء مظالم اجتماعيّة ، ورغبة في الانتقام ، ورغائب أُخر يستحي المرء أن يذكرها ، فأنى لهؤلاء أن ينتظر منهم التغيير المبتغى ! وإذا كان خيارنا – حتى إشعار آخر- هو دولة الإنقاذ القائمة ، فكيف اتّسع علينا فتقها وعجزنا عن رتقه ؟ و ما أخوف ما نخاف عليها ؟ أمّا العجز عن رتق فتقها ، وسدّ ِ ما قد أخلّت وضيّعت ، فعجز مقدور عليه ، لا ينبغي الاستسلام له ؛ لأنه عجز القادرين على التّمام ؛ و لأنّ الإصلاح وإن بطؤ ، فهو لا محالة قادم ، ما دام دعاته صابرين على لأوائه ، وأمّا أخوف ما نخاف على الإنقاذ ف...
( 1 ) دعوة المظلوم ولبشاعة الظّلم فقد تنزّه الله عنه ، وحرّمه على نفسه ، ونهى عباده أن يتظالموا ، و ذكر ظلم الإنسان لنفسه ، ووصفه بأنه " ظلوم جهول " ؛ ممّا يدلّ على أنّ هذه الصّفة مستكنة فيه ، وأنّه في حاجة إلى أن يروض نفسه بأنواع العبادات ، حتى تطهُر ، وتزكو ، و تستقيم على فضيلة العدل ، ولعل الشاعر لم يبعد النجعة حين عدّ الظلم شيمة من شيم النفس البشريّة ، وجِبلّةً فيها ، وأنّ المرء لا يعدل إلا إذا كان له غرض من وراء العدل : والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلحاجة لا يظلم وأشد أنواع الظلم ظلم ذوي السلطان ، سواء أكان هذا الظلم واقعاً من رأس الدولة ، أم من الوزراء ، والولاة ، وغيرهم من عمّال الدولة الذين استُرعوا شؤون الرعية ، لقاء أجر يقبضونه كلّ شهر . وأظلم الظلم أن ينحاز العاملون في مرافق الدولة ومؤسساتها إلى بعضهم ، فيبرر بعضهم ظلم بعض ، فيشتكي النّاس فلا يجدوا من يزيل شكاتهم . والظلم باختلاف ضروبه ، وتعدد ألوانه، ممّا ذكرت وما لم أذكر، يهددّ الإنقاذ في أخص مبر رات قيامها ، دعك عن استمرارها ، فما قبل الناس حكم الإنقاذ ، و تخلّوا عن ولاءاتهم وانتماءاتهم السياسيّة القديمة ، أو قُل أجّلوها إلى حين ، إلّا طمعاً في عدل الإسلام الذي أعلنته الإنقاذ منهجاً لها في الحكم ، فهل أنجزت الإنقاذ ما وعدت ؟ وهل حكمت فعدلت ؟ الذي يتصفّح تاريخ الإنقاذ ، ويتأمل وقائعه ، يجد فيه بلا شك عهوداً مورقة ، وجهوداً مبذولة ، وإنجازات ضخمة ، واجتهادات أصابوا في بعضها ، وأخطأوا في بعضها الآخر ، وهذه الإنجازات والجهود لا ينكرها إلّا مكابر ، و لا يقلّل من شأنها إلا جائر ، ولكنهم أخفقوا في توظيف هذه الإنجازات لتخفيف عبء المعيشة على النّاس ، إذ أنها لم تنعكس على حياة الناس ، فتؤثّر في زيادة دخل الفرد ، أو تذلّل صعوبات كسب عيشه ، فخبا وهجها ، وصارت خصماً على المشروع الحضاري ، ثُمّ لقي الناس بعدها من بعض أهل الإنقاذ أثرة ، ورأوا منهم من الظلم مالم يكونوا يحتسبون ، إذ آثرت الدولة أحياناً ظلم العباد ؛ إرضاء لهوى بعض وزرائها ، فانفتقت إثر ذلك الفتوق العظام ، ثم ركب هؤلاء الوزراء الغرور ، واستبد بهم الكبر ، فصاروا يتخذون القرارات المحبطة للجمهور ، و المؤثرة على أوضاع الفقراء المعيشيّة ، دون علم رئيس الدولة ، أو موافقة الحزب الحاكم ، أو التنسيق مع الوزارات الأخرى ذات الصّلة ، وما جرؤوا على ذلك لولا أمنهم المحاسبة ، فقد أحكموا الحصار على رئيس الدولة ، وقللبوا له الأمور ، فلا يسمع إلا ما يقولون ، و لا يرى إلا ما يرون ! كثرت شكوى الناس من الظلم ، ولا أحد يسمع شكوى أو يقيل عثرة . وإذا أكثر الناس من الشكوى ، ورواية القصص الدّالة على الظلم - وإنْ بالغوا واشتط بهم الخيال- فلا شك أنّ هناك ظلماً - قلّ أو كثُر - واقع عليهم ، يجب على المسؤولين التحري عنه ، و إزالته ، فالأمة في مجموعها معصومة عن افتراء الكذب والإجماع عليه ، ولكن صنّاع القرار أمنوا المحاسبة فنسوا يوم الحساب ، وركنوا إلى شدّة بأسهم ، ونسوا الجبّار من فوقهم ، وراهنوا على فقه كراهة الخروج على الحاكم ، ونسوا دعوات المظلومين وتضرعهم في الأسحار : لا تظلمن إذا ماكنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه إلى الندم تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم قال أبو الدرداء : ( إيّاك ودمعة اليتيم ، ودعوة المظلوم ، فإنها تسري بالليل والنّاس نيام ) فدمعة اليتيم ، ودعوات المظلومين ، المنحنية ظهورهم ، يتلون آيات الله ، و يناجون ربّهم من فوقهم في الأسحار ، أشدّ على حكم الإنقاذ من حراب عبد العزيز الحلو ، و سنان مالك عقار ، و بنادق الحركات المسلحة في دارفور ، فمن طال عدوانه زال سلطانه ، وما شاع الظلم في أمة إلا أهلكها ، وما دمّرت الممالك الكبرى ، والحضارات العظيمة ، إلا بسبب الظلم ، قال تعالى ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) فبئس الزاد إلى المعاد ظلم العباد . ومن مظاهر الظلم احتجاب المسؤولين عن الجمهور ، فما من وال ، ولا وزير ، ولا مدير إلا وله مدير مكتب ، ومن وراء مدير هذا المكتب ، ثلة من السكرتيرات الحسان ممن يجدن الكذب ، ويحسنّ المراوغة ، فالمسؤول إمّا خارج البلاد ، وإمّا في اجتماع ، وإمّا في جولة داخل الوزارة ، ولا تدري – وهي سكرتيرته - إن كان سيعود إلى مكتبه أو عنده ارتباطات أخرى ، فاعجب ، وهل خُلقنا إلا لنعجب ! وربما كان المسؤول جالساً في مكتبه ، يسمع تحاوركما ، ولكنه مشغول بجوّاله ، يردّ على بعض المكالمات الخاصّة ، أو عنده شيخ ساحر دجًال ، يتوهّم أنه يستطيع أن يصرف عنه كيد رؤسائه ، فلا يتصرفون فيه بفصل ، أو نقل ، أو إحالة إلى المعاش ، والسحر والتفنن في استخداماته من أعظم الشرور ، و الأدواء الاجتماعية التي فشت في عهد الإنقاذ ، فكما فُتن الناس في عهد الإنقاذ في أمور معاشهم ، فُتنوا كذلك في عقائدهم ، والله المستعان . وأما موظفو الدولة - من هم دون المدير ، فيظنون أنهم خلقوا من طينة غير الطينة التي خلق منها الجمهور الساعون إليهم من أجل قضاء حوائجهم ، وأنهم ما وضعوا في هذه الوظائف إلا لعلم فيهم ، و مزية كرمهم الله بها دون سائر خلقه ، ممّا يستوجب على العباد الخضوع لهم ، والرضا بما يجودون به عليهم من فضول أوقاتهم التي هي أوقات العمل ، وإذا كانت مهمة الموظفين في كل أنحاء الدنيا قضاء حوائج الناس ، وإنجاز معاملاتهم ، ومقابلتهم بوجه طلق ، فمهمة موظفي الخدمة المدنيّة في السودان تأجيل المعاملة ، فالموظّف يدقق في المعاملة لا للتأكد من صحة الاجراءات ، ولكن ليجد فيها ما يردك به على أعقابك صفر اليدين ، والويل لك والثبور لو راجعت هذا الوجه العابس المتجهم فيما يقول ، ولو على حياء . لولا أني رأيت بعيني ، ووقع عليّ ما أقول ما صدّقته ، ففي آخر عطلة قضيتها في السودان ، وهي قبل ثلاثة أشهر ، ظللت أذرع الفضاء بين بيتي وبين ما يسمى بهيئة تشجيع الاستثمار - أو هكذا – بضعة وثلاثين يوماً من أجل تغيير خطأ مطبعي وقع في اسم صاحب مشروع استثماري ، رغم كثرة الأوراق الثبوتيّة المصاحبة للتصديق ، فانظر ، يا رعاك الله ، كيف يُشجع الاستثمار في السودان ! والغريب أنّ في مكاتب هذه الهيئة من وسائل راحة المستثمرين ، وتقنيات العمل ما لم أره في الولايات المتحدة إلا حديثاً ، ولكن آفة الخدمة المدنيّة في السودان هي فهم الموظّف لطبيعة العلاقة بينه وبين الجمهور، وانعكاس هذا الفهم على أدائه . ما أردت بهذا الحديث إحصاء الظلامات وتفاصيلها ، بل قصدت الإشارة إلى الظلم على أنّه أحد التحديات التي تقابل الإنقاذ ، وأحد الثغور التي ربما تؤتى من قبلها . فلينتبه أهل الإنقاذ ، فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة ، و سنن الله جارية في الكون ، لا يردّها رادّ ، فليس لله في خلقه ثمّة قريب يحابيه ، وليتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصّة ، وليتقوا يوماً يرجعون فيه إلى الله ثم توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .
( 2 ) النزاع والشقاق يستخدم العلماء كلمتي " الخلاف " و " الاختلاف " باعتبارهما من المترادف ، فتتعاوران وتتعاقبان ، وربما فرّقوا بينهما فجعلوا الاختلاف ينصب على الرأي ، والخلاف ينصب على الشخص ، كما أن الاختلاف لا يدل على القطيعة بل يدل على بداية الحوار ، وهو فطرة في البشر ، قال ابن القيّم في كتابه ( أعلام الموقّعين ) :"وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضرروري لا بدّ منه لتفاوت أغراضهم ، وأفهامهم ، وقوى إدراكهم ، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه " . لكل هذا تحاشيت أن أجعل كلمتي " الخلاف " و" الاختلاف " وما يحملان من ظلال ، عنواناً لهذا الداء من أدواء الإنقاذ ، ووقع اختياري على كلمتي " النزاع " و" الشقاق " لأنهما أدق تعبيراً ، وأوضح دلالة عمّا هو حادث بين الإسلاميين ، دعامة دولة الإنقاذ وأهلها الأدنين . النزاع من الأدواء التي أهلكت الأمم الغابرة ، وأذهبت ريحها ، والله سبحانه وتعالى جعل المؤمنين إخوة " إنّما المؤمنون إخوة " وحذّرهم من النزاع والشقاق ، و تفرّق الكلمة ، ولكن أوّل ما أصاب الوهن الحركة الإسلاميّة في السودان أصابها في آصرة الأُخوّة ، إذ انتقضت عرى الأخوّة بينهم عروة عروة ، وتفرقوا بعد أُلفة ، وتدابروا بعد أجتماع . ورغم أنّ النزاع بين الحركات الإسلاميّة قد حدث في مختلف بلدان العالم من قبل إلا أن ما حدث في السودان قد بلغ زباه ، وجاوز مداه ، إذ انقلب القوم على شيخهم ، وجردوه من كلّ مناصبه ، وتنكروا لسابق عطائه ، ثُمّ أودعوه السجن ، ولم يراعوا فيه إلّاً ولاذمّة ، ولم يقصّر الشيخ - وهو السياسي الألمعي الماهر – فقد كايدهم أيّما مكايدة ، وخاصمهم أيّما خصومة ، وكاد يكفّر بكل ما يجمعه بهم ، ولو كان من أصول الديانة ! وأعداء الإنقاذ من العلمانيين والشيوعيين وغيرهم من أحزاب المعارضة استفادوا من ذكاء الشيخ ، وعبقريّته السياسيّة ، وقدراته التنظيميّة ، ووفرة معلوماته عن الإنقاذ ، فأصابوا الحكومة في مقتل ، ولولاه ما استطاعوا ، ولا دروا أين طرفا هذه الحلقة المفرغة . ثم دبّ النزاع بين القادة القائمين على أمر الدولة ، واتّخذ صوراً جهويّة ، وأشكالاً " شلليّة " ثم سرى النزاع بين أفراد الحركة الإسلامية من الفريقين ، وانتقل إلى العلاقات الاجتماعيّة والأسريّة ، وانتهى الود القديم ، و تغيرت أخلاق القوم ، وعُدَّ الباكون على آصرة الأخوة ، دراويش لا يعرفون متطلبات المرحلة ، و لا فقه إدارة الدولة الحديثة ! لن يصلح أمر الإنقاذ إلا بما صلح به أوّلها . وإن لم تقم الحركة الإسلاميّة ، لا الحكومة ولا المتورّطون في الخلاف ، بمبادرة جادة تسبر بها غور المشكلة، وتنتزع بها من الفريقين تنازلات أساسيّة تصلح بها ذات البين ، وتردّ بها الاعتبارات إلى أهلها ، فسيأكل الإنقاذ بنوها ، وتذهب ريح الحركة الإسلاميّة ، ولات ساعة مندم . ولعل أنسب الإسلاميين للقيام بهذه المبادرة إسلاميو المهجر الذين تعج بهم الدول العربيّة والأعجميّة ، والذين عصمهم البعد عن الخوض في الفتنة ، ففيهم كتّاب ، ونظّار ، وصحفيّون ، وأصحاب فضل ، وأهل سبق . فلينهض خيارهم للقيام بهذه المهمّة ، وليحمل أخلصهم هذه الأمانة ، والله من وراء القصد .
( 3 ) الفساد درج السودانيّون على اتّهام كلّ من يلي ولاية عليهم بالفساد ، فلم يسلم رئيس من رؤسائهم من لدن الزعيم الأزهري حتّى عمر البشير من هذه التّهمة ، بل يقال إنّ سبب قيام المهديّة هو اتّهام الحكّام الأتراك بالفساد ، ولم يفلحوا حتى الآن في إثبات هذا الفساد على مسؤول ، فهذا الفريق عبود اتّهموه بالفساد ، ونهب المال العام ، وقاموا يلعنونه في الطرقات ، ثم ظهر – وأنا شاهد على ذلك - بأنه من أطهر النّاس يداً ، وأبعدهم عن المال الحرام ، إذ ظلّ حتى أواخر السبعينيّات من القرن الماضي ، يدفع أقساط بناء بيته للمقاول أبي العلا. وهذا الرئيس النميري الذي سُوّدت في اتّهامه بالفساد الصحائف ، وكتبت في سوءاته الأسفار ، و شيع عنه أنه قبض ملايين الدولارات ثمناً لترحيل الفلاشا ، لمّا عُزل عن منصبه لم يجد من أسباب العيش إلا صبابة يتبلّغ بها ، ولم يجد منزلاً يأوي إليه غير بيت عائلته الذي تربّى فيه في مدينة أم درمان ( حي ود نوباوي ) ، فانظر – يا رعاك الله - كيف تجني الخلافات السياسيّة على الحكّام وتدمّر سمعتهم ! ولكن الأمر في زمان دولة الإنقاذ يختلف ، فقد ظهرت الثروة ( البترول ) واطّلع النّاس عبر الفضائيات ، والهجرة ، والأسفار على أساليب العيش الرغيد ، فما وجد أصحاب النفوس الضعيفة ، من ذوي الدخل المحدود ، وسيلة إلى تحقيق طموحاتهم في رغد العيش غير الرشاوى ، و الاعتداء على المال العام ، وابتُلي بعض عمّال الدولة بما استُحفظوا من المال ، فمنهم من صبر على الابتلاء واجتاز الاختبار ، ومنهم من غرّته الدّنيا ، وسقط في المستنقع الآسن . والفساد في عهد الإنقاذ ليس حديث معارضة فحسب ، بل هو حديث الحكومة نفسها ، وشهادة المراجع العام أمام البرلمان ، كما أنّ الواقع يثبته ، فقد تطاول صغار الموظفين في البنيان ، واشتروا الأثاث الجميل ، وركبوا السيّارات الفخمة ، وتزوّجوا مثنى وثلاث ورباع ، وفي كلّ حي يتحدث الناس عمن أثروا حديث الريبة ويسمّونهم ، ثُمّ لا تجدهم إلا ضباطاً صغاراً ، أو موظفين في مناصب مغرية لا ينبغي أن يشغلها إلا الحفيظ الأمين . واعتراف الحكومة بالفساد خطوة مهمّة في بدء العمل لاجتثاثه . والفساد نفسه - قلّ أوكثر - يحدث ولكن العيب كل العيب أن تدافع الحكومة عن المفسدين أو تبرّر فسادهم ، فقد سمعت أكثر من مسؤول : مرّة في واشنطن ، وأخرى في الخرطوم يطالب الناس بالدليل على الفساد ! هل تطالب الحكومة الناس بالدليل وعندها من أجهزة الأمن ما عندها ؟! أليس مراقبة الفساد وكشف المفسدين من عمل أجهزة الأمن ! ؟ الحكومات الجادة تأخذ أي حديث عن الفساد مأخذ الجد ، وتحقّق فيه ؛ لأنه الحالقة التي تحلق الأنظمة ، وّاذا حامت شبهة الفساد حول مسؤول ، وكثر الحديث عنه ، عزلته عن منصبه بغض النظر عن صحة ما شيع أو بطلانه ، فلا ينبغي أن تضحي الدولة بسمعتها من أجل موظّف مهما كانت كفءته . كتب عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، إلى عامل من عمّاله فقال له : "قد كثر شاكوك ، وقلّ شاكروك ، فإما عدلت ، وإمّا اعتزلت والسلام ". واشتكت سوادة بنت عمارة الهمدانية الوالي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فعزله وقال : "اللهم أنت الشاهد عليّ أني لم آمرهم بظلم خلقك " . وحكومة الإنقاذ تعترف بالفساد ولكنها عاجزة – عجز القادرين - عن محاربته ؛ لأنّ المفسدين يحيطون بها إحاطة السوار بالمعصم ، و يتربصون بكلّ مصلح ، فما ظهرت محاولة جادة لمحاربة الفساد ، وفرح الناس بها ، إلا قُتلوها في مهدها ، وقالوا ما شهدنا مهلكها ، أو جعلوا من هذه المحاولة نفسها مطيّة لفساد آخر والله المستعان . والنّاس لا يطمعون في ذهاب الفساد جملة ، فهذا مطلب عزيز ، ولكنهم يطمعون أن يروا جديّة الحكومة في محاربته ، فليكوّن الرئيس لجنة محايدة ذات صلاحيّات واسعة من القانونيين ، والإداريين ، والشحصيّات العامة ، و السياسيّين المشهود لهم بالكفاءة ، والنزاهة ، والغيرة على الوطن ، تكون مهمتها تقديم تصور عن مظاهر الفساد في جميع مرافق الدولة ، ثم تطلق يدها في اقتراح الحلول وتنفيذها ، فإنهم إن لم يغلبوا على أمرهم ، طهّروا البلاد من الفساد ، وشفوا صدور العباد ، وقضوا على هذا الداء ، فإن لم يفعلوا عذر النّاس الرئيس ، وقالوا قد بذل جهده .
( 4 ) الاستهانة بالعدو المتأمّل في الحروب الحديثة ، يلاحظ أن الغازي يمهّد لغزوه بحملة إعلاميّة كبيرة ، يعلي فيها من شأن البلد المغزو، ويبالغ في بيان عظم قوّته العسكريّة والاقتصاديّة ، ويوقع في روع العالم أنه خطر على الانسانيّة و السلام العالمي ، كما فعلت الولايات المتحدة في غزوها العراق ، فقد أعلت من شأن العراق ، وشأن النظام الحاكم فيه حتى ظنت شعوب العالم ، وظنّ جنودها هي ، أنه يكافيء الولايات المتحدة في قوّته العسكريّة والاقتصاديّة . فإعلاء شأن العدو دهاء سياسي قُصد منه ألا يجد المستضعفون تعاطفاً من شعوب العالم التي غالباً ما تستنكر غزو القوي الضعيف ، كما أنه تحسّب للمفاجآت ، فربما مُني الغازي بالهزيمة ، أو نيل منه ، فإن حدث ذلك ، كان أخف وطأة على معنويّات جنوده ، وأصون لكرامتهم ، فالهزيمة على يد القويّ ، أهون على النفس منها على يد الضعيف . وأهل الإنقاذ يفعلون عكس ما يفعله دهاة العالم ، إذ تأخذ بعضهم سكرة الحكم ، ويستبدّ بهم الكبر ، فيقللون من شأن العدو ، ويستهينون به ، ويصوّرونه بأنه أتفه من أن يكون موضع اهتمامهم ، ممّا يجعل العالم يتعاطف معه ، وربما رفضوا التفاوض معه ، ثم اضطروا آخر الأمر إلى قبول ما رفضوه من قبل ، فيدخلون المفاوضات ، وهم أضعف موقفاً . والأمثلة على ما أقول كثيرة ، ولكني ما أردت تعداد إخفاقات النظام ، فهي عدد الحصى ، وإنّما أردت الإشارة إلى الفتوق في ثوب دولة الإنقاذ ، وبيان الثغور التي يمكن أن تؤتى من قبلها . ( 5 ) بطانة السوء جاء في الحديث النبويّ : " ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلا له بطانتان : بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه ، فالمعصوم من عصمه الله تعالي " ، وبطانة السوء هم أحد اسباب تمادي الطغاة في طغيانهم ، جاء في ( أنيس الجليس ) : "إنّ السلطان إذا كان صالحاً ، ووزراؤه وزراء سوء ، منعوا خيره فلا يقدر أحد أن يدنو منه ، ومثله في ذلك مثل الماء الطيّب الذي فيه التماسيح لا يقدر أحد أن يتناوله ، وإن كان إلى الماء محتاجاً، وإنما الملك زينته أن يكون جنوده ووزراؤه ذوي صلاح فيسددون أحوال الناس ، وينظرون في صلاحهم " . ولبطانة السوء أساليب في إفساد السلطان : فهم يمنعونه من رؤية الحقيقة ، ويزيّنون له الباطل ، و يطلبون رضاه بكل وسيلة ، ويتملقونه ، ويميلون قلبه إليهم بالمدح الكاذب ،حرصاً على الاستوزار أو طمعاً في ديمومته :" ستحرصون على الإمارة ، ثم تكون حسرة وندامة يوم القيامة ، فنعمت المرضعة ، وبئست الفاطمة " ورئيس دولة الانقاذ مثله مثل غيره من الرؤساء والحكام ، تحيطه – تصديقاً لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم - بطانة السوء لا محالة ، والرئيس العاقل من يتأسّى بالنبي صلى الله عليه وسلّم ، فينظر فيمن حوله ، ليميز الخبيث من الطيَب ، ولا يتردد في عزل من بانت عليه أعراض البطانة السيئة .
( 6 ) النعرات الثقافيّة السودان بلد متعدّد الثقافات ، ففيه من العقائد ، والأعراق ، واللغات ما يكدّ ذهن العادّ ، ورغم هيمنة ما يسمّى بالثقافة العربيّة ، واعتبار اللغة العربيّة اللغة الرسميّة ، ولغة التعليم ودواوين الدولة إلا أن هذه الثقافات المتنوعة تجد الحريّة في التعبير عن نفسها ، فالقبائل غير العربيّة تحتفظ بلغاتها وتتحدثها دون مضايقة من جهة رسميّة أو غير رسميّة ، كما تعبّر عن مظاهرها الثقافيّة الأخرى بكل أشكال التعبير , والذي مكّن للثقافة العربيّة ، وكتب لها القبول بين قبائل السودان كافة ، أنّ الدين الإسلامي الغالب على أهل السودان ، لا يحارب أيّ نمط ثقافي لا يتعارض مع عقيدة التوحيد ، فشعوب العالم الإسلامي تعجّ بأنماط الثقافات ، وأنّ القبائل غير العربيّة المسلمة ، تعدّ تمثل الثقافة العربيّة ، وتعلّم اللغة العربيّة من دين الإسلام. ولكن هذه القناعات قد اهتزت في ظل تنامي القوميّات ، وضعف الوازع الديني ، ممّا يحتم على الدول ذات التعدد الثقافي ، أن تعيد النظر في مناهجها الدراسيّة ؛ لتجد كلّ الثقافات حظها من التعبير عن نفسها ، ولا يكون ذلك إلا عبر مناهج اللغات والعلوم الاجتماعيّة (التاريخ ، والجغرافية ، والاجتماع ) ، فيفسح لكلّ مكوّن ثقافي غالب في كل ولاية جزءاً من المنهج الدراسي القومي ، ولا يعني هذا التفريط في قوميّة المنهج ، ولكن يعني تقليص المنهج القومي إلى 75% وإعطاء ال25% لهذه المكوّنات الثقافيّة المختلفة ، بمعنى أن يكون لكل ولاية نسبة 25% من المنهج القومي تعبّر فيه عن خصوصيّاتها الثقافيّة ، وهذا أيضاّ يقتضي إعادة النظر في امتحان الشهادة السودانيّة . يضيق هذا المقال عن تفصيل هذه الفكرة ، وربما أفردت لها مقالاً ، ولكنها على كل حال ، دعوة للتأمل فيها ، والعمل على تطبيقها ، فلعلها تشفي ما في الصدور ، وتوقف الاحتراب ، فقد صارت أغلب الحروب في العالم حروباً ثقافيّة . هذا وأود أن أنبّه هؤلاء الذين يقرأون بنصف عين ، وأولئك الذين لايحسنون قراءة مابين السطور ، أنّ هذا المقال لم يكتب لإدانة الإنقاذ ، فليس لكاتب هذه السطور خيار غيرها كما بيّن في أوّل المقال ، فحكومة الإنقاذ ورئيسها البشير خير ممّا يدعوننا إليه ، ولكن هذه نصيحة حادب ، ودعوة إلى سدّ
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-11-12, 02:09 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | د.محمد حسن | 08-11-12, 02:17 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | طلعت الطيب | 08-11-12, 03:29 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-11-12, 06:18 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-11-12, 07:26 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-11-12, 03:31 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | طلعت الطيب | 08-11-12, 06:48 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | Albino Akoon Ibrahim Akoon | 08-11-12, 07:18 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | أحمد طراوه | 08-12-12, 06:45 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | Albino Akoon Ibrahim Akoon | 08-12-12, 09:05 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | hafiz Issue | 08-12-12, 09:52 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-13-12, 00:01 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-13-12, 11:56 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-13-12, 11:36 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-14-12, 05:38 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | Albino Akoon Ibrahim Akoon | 08-14-12, 06:32 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-14-12, 09:57 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | Hashim Elemam | 08-14-12, 11:32 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-15-12, 06:17 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-15-12, 10:57 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-16-12, 01:36 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-16-12, 02:10 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | Mannan | 08-16-12, 09:26 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-16-12, 11:25 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-17-12, 01:19 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-17-12, 06:17 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-17-12, 11:10 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-18-12, 05:48 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-18-12, 06:02 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-18-12, 07:49 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-24-12, 01:30 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-24-12, 10:31 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | طلعت الطيب | 08-25-12, 06:09 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | jini | 08-25-12, 06:24 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | طلعت الطيب | 08-25-12, 07:05 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-26-12, 12:04 PM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-27-12, 02:52 AM |
Re: أخوف ما أخاف على الإنقاذ//هاشم الإمام | munswor almophtah | 08-27-12, 10:56 PM |
|
|
|