|
هذا البوست وهبته سبيلا للبورداب، فاجعلوا منه استراحة من وعثاء السفر
|
ظاهرة انتشار الأسبلة من معالم التكافل الاجتماعي في السودان، وهي كانت ضرورية في زمن مضى عندما كانت الدواب هي الوسيلة الأهم في التنقل قبل أن تطغى عليها وسائل المواصلات الحديثة . تعالوا نقيم سبيلا ثقافيا نتفيء فيه ظلال الطرفة والملحة النادرة، والنكتة التي لا تخدش الحياء، وننهل من مائه الزلال ما يفك ظمأ الأيام. 1- واقعة من الشمالية..
كان يمشي في الطريق العام، يترنم أحيانا، يتخيل نفسه أمام جمهور من الناس فيطلق لعقيرته العنان، ويؤدي وصلته الغنائية بجدية تامة، أحيانا كان يذهب الى وابور المياه الضخم، يلج الى غرفة الوابور، يراقب حركة الوابور وجلبته القوية، حركة البستم تشبه أصوات الكمان، الطارات الكبيرة ايقاع ضابط، العادم مثل آلة الساكسفون، فرقة موسيقية متكاملة، اشبه بالجوق الأندلسي، وبعد أن تستوفي الموسيقى نصيبها يبدأ في الترنم برائعة محمد الأمين (ادعينا وقلنا ما حنشتاق في عمرنا .. في عمرنا) .. يصمت قليلا ثم يتعجب، هذه الالة يمكن أن تؤدي أي أغنية حتى أغنيات السلم السباعي. ظل على تلك الحال فترة من الزمن ثم خرج الى الشارع.. الطريق الطويل الممتد أمامه يفصل شريط النيل من تخوم الصحراء، الخضرة من رمال الصحراء، كان يمشي وحده، يسرح مع أحلام اليقظة، فجأة أحدث بكل ما أوتي من قوة.. وكأنه شعر بأنه قد أنجز شيئا وانفجر ضاحكا وهو يردد (يا لطيف .. يا لطيف) كانت امرأة عجوز تسير من خلفه وهو لا يراها ، وفجأة سمع صوتها وهي تقول: (كدى فوق ولدي .. كدي فوقو) انتفض .. ومات خجلا حتى انه أحدث مرة أخرى دون أن يشعر، فقالت العجوز (كدى فوق فارس الحوبة) ثم أطلق ساقيه للريح .. وتولى فزعا . في اليوم التالي قابل أحد اصدقائه فحياه الصديق بقوله (كدى فوقو) .. سافر الى مصر واغترب بها أربعين سنة، ثم عاد يملؤه الشوق والحنين الى البلد، كان هنالك جيل جديد قد نشأ، المرأة العجوز كانت قد انتقلت الى جوار ربها. والسائق منهمك في انزال أغراضه سمع أحد الصبية يبشر الناس بحضوره ويقول (كدى فوقو وصل).. ونواصل ..
سيف الدين عيسى مختار
|
|
|
|
|
|