(السودان وجبلة الاسطورة) (1) بقلم /الهادي صيام ...(هديه للانصار)

Quote: السودان وجبلة الأسطورة (6) الناظر للتاريخ يقرأ جيدا الفارق المفاهيمي الواضح بين إعتقاد قدامى السودانيين ومحدثيهم في الأسطورة ومدى القدرة على توظيفها لأهداف كبيرة أو صغيرة وكيفية نسجها من الدين أو الخرافة السيسيولوجية والمضي في طريقها إلى نهايتها أو الارتداد عنها، فالقدامى كانوا مؤمنين بها لبناء أهداف سامية، أما المتأخرون يؤمنون بها لبناء مغانم آنية. المهدي كنموذج ناجح للأسطورة كان على قناعة تامة بمهديته وإيمان راسخ بأساطيره المحفة به ورجاله كانوا على هذا النسق، وقد متحها من الركام الهائل للخرافة المشعشعة في البلاد آنذاك وختمها بالشمع الأحمر بأحاديث ضعيفة وآيات مختلف في تفسيرها ولكنه وظفها توظيفا إنتهى به إلى تأسيس دولة كاملة من العدم وعلى أنقاض الاستعمار وهو بهذا أنجح سوداني في العصر الحديث في فهم واقع مجتمعه وقد ضمن بذلك أتباعا لم يتمكن الحاكم بأمر الله قديما وحديثا من جمع شمل كهذا باعتبار أوامره إلهية محضة وأقواله آيات محكمات ودعاؤه ( الراتب) الخاص يتلى عقب كل صلاة فجر وعصر إلى يومنا هذا ومن لم يحفظ ( الوسيلة) تسقط أهليته كطالب زواج، بل أساطيره صدق ناصع وحق فاقع. تسنم خط المهدي في أسطورته محمود محمد طه, فقد آمن بأسطورته هو الآخر التي نهلت من فلسفات اليونان وحكمة القرآن ومسايرة إتجاهات المجتمع فتوجها بأن الإنسان عجينته من جبلة الملائكة والشياطين فإن ارتقى وصل إلى سلم الملائكة وأن هوى تدحرج إلى منزلة الشياطين وقد مات دون رأيه كما نملة حز رأسها وعلى فمها حبة ذرة. نجح المهدي مع كل ذلك بركل أئمة السوء كما سماهم لفقرهم المدقع للأسطورة الثورية كما أبعد أهله النيليين من مواقع السلطة الذين إذا تقرفصوا على شيء حقنوه بالحسد وقصر النظر والمنفعة العاجلة والمحسوبية والقبلية والتعالي الكاذب وفوق كل ذلك القعود بالوطن ( وما زالت البلاد بعد خمسة عقود جاثية على ركبتيها) بدل توظيف إمكاناتها وتوليف بانورامها للنماء والتقدم. يعتبر المهدي بحق إن كان للصوفية إيجابية واحدة بأنه الصوفي الفاعل وليس كمن يركن إلى أن الله ما شق حنكا ضيعه وقد تواترت المجاعات والأوبئة على رأس كل عقد من الزمان ودون الناس تسعة أنهار ويزيد وعلى مرأى منهم هوام الأرض ودوابها وأغلب أعشاب البلاد وأشجارها غذاء ودواء ولكن تنفق أذناب البقر وأحقاب البشر.