|
هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه
|
( العشب الميت ) .. عنوان لكتاب يصدر قريبا لهبة الحسين .. تصادف أن مرر لي بعض صفحاته صاحبي الحكيم سفيان نابري .. فحق لي الإحتفال به .. بكل تراكيب بنيته هو شيء يدعو للفرح كثيرا لهكذا جيل .. و هكذا كتابة . سأشارككم فيه .. و ليتكم تشدون من أزر هؤلاء الشباب و تجاربهم العميقة و الواعدة بأن غد لهم .. لنا .. لهذا البلد .
ـــــ
( العشب الميت ) . الفصل الأول :
القذارة أنا وجوادي .. جوادي الاسود , ناعم الجلد .. هذيل الهيكل .. غائر العينين , مُتعَب . أبعدت قدماي خلسةً وفي حين غرة .. ليقشعر جسدي المهتريء خلسة ايضا ً... ترتجف المداخل تتصبب ... أخشي خلط الصديد مني بالدم منه ... أخشي خلط الخلايا الميتة ... ينبض قلبي دافقاً خوفاً وحسرة ... تزداد داخلي حرارة الكيمياء والورق ... أتقيأ طوال الدرب بمرئٍ ملتوي ومتحدب ... يتبول علي جلده . رائحةٌ نافذةٌ تسري علي حبل المثان , وإصفرار علي طول الطريق ... أجول ويصول دون توقف علي ارجله الخائره وجسده المترهل المتهالك .. يسمعني الخطرفات والآهات المتفرقة... أردد علي مسامعه المسمومة الترهات والسباب الأعَنْ . لايقوي علي الحركة , مشلول القوة ... مسلوب الإرادة فاقدٌ لطاقاته ... عاجزٌ عن الصهيل . أصابُ بالدوار وطعم الغثيان علي شفتي الورِمة ولساني المتشقق مرارةً ... أرتجفُ , أتعطش للإرتواء رغم فواجع الحناظل , أحلم ممتطيته عنوةً , حاملةً فراغهُ الي مكان بعيد ... يدمع عادةً حزناً عليّ ويرقبني بألم وشوق ... تختلط السوائل فيّ من جديد ...السوائل التي لم تسكن ... يختلط ناظرينا ... أتمخط وأزيل غباره عن شعيراته المنفرة والتي تعمد أن يتركها دون تهذيب . والدمع النافر حفر خدوده الزرقاء أخاديد على صفحة وجهه ... راسمة خطوطاً حروف . توقف منتفضاً... بصق سبابا ً... رفض أن يسير ... يلهث بسخونة الحديد ويسقط أمام ناظريَ , وأنا أبكي غبناً عليه .. بحرقة وحيدٍ مسلوب الحق . لا عشب له . لا كسرة لي . يموت جوعاً . وأحتمل أنا لزمنٍ مقيتٍ .. بعدها , نحتضن بعضنا مستنشقين دفء النفس ... متقاسمي الوجع لحين ... ممدين بسلامٍ آمنين حتي نموت . مدونةً مأساة كائننا الأسود ... حينها رسمت بريشتي الحدباء المتقصفة شكلاً همجياً ... خريطةً لامعني لها عندهم - هؤلاء الذين يستخفون بحظي والميّ المقيت - ...الذين يرسلون تعاويذهم بألوانها الصدئة المتوارية كما حمى ليلٍ بجسد مريض ... نكاية بعنيد وفائي . عندما تغطيت بقماش القطن خشن المظهر باهت الالوان ... حاملةٌ أوراقي القديمة ومدفئتي شحيحة الضوء قليلة الزيت , وأشلاء لا أذكرها ... حملتها في يدي منتصبة ... لأخفي الوجوه تحت أقدام الكائن الراحل المنفي البعيد . كنت باحثة عن شيء لم يتكشف بعد في عالم المرارات الأبدية ... كنت أمضيّ بعيدة جادة في هذا الإكتشاف ... - حالةً من الوصف تقسو عليك ولا تحتملها حينها - ... دون تخطيط مني كنت أموت في هذه اللحظة ... وبعينين مثقلتين أري الباقي من العُمر يفنى ... يضيع بين الساعات وسفر الخيال من أحلام مثقوبة بفعل السند الإجتماعي الرثّ الرهيب . السفر , وما أقاساها كلمة... تولد أنين ... تشعرك بأنك علي هواء مُعَدم ... تطلق لقدميك العنان ... الواحدة ضد الأخري - تنفرج متعاكسة الإتجاهات - تفقد وزنك .. هيكلك مستعصيٍ من أجل جلد تمرّغ علي جلد ... تحيك بدمع عينيك التي تدمي خارطة الغياب وترتقها ولا تجني سوي الحرمان رغم أنفك ... يُدفن فيك ألق النبض وعطش الخلايا ... تظل دوما هكذا : تناجي الماء سراً وعلنا ... وأصوات الريح المتقاذفة , لتطرد البرد والثلج حتي تطول إقامتك ... كاْن البرد يرفضك ... تصحو بعفوية وتعقيد وجودك الشائك ... تنتظر أزمانا تم تصفّحها... أيام وليالي مصارعٌ لحالات الفُصام والهذيان والتحول المزاجي ... مثلك مثل الطفل تولد منزلقاً ... عليك كل اللزوجات ... مخنوقا بحبل السرة ... والخنق هنا قد يكون محكما , أو مانحك حق الحراك وفرصة التنفس بعرض الرقبة وصحة الرئتان ... فتنجو ! رحلتُ , لأرحل من جديد ... إستدعيتُ وجوهاً رحل عنها الإرتباك ... لأرسل له بعض الأناشيد دندنةً ، عشرون شهراً أحضن يداه علي بطنيَ البارد وألوذ صمتاً ... علي المقعد أُبحِر في زمانٍ ... في اللا شيء - والكل شيء - ... حينها كنت أشتهي العينين والصدر والوعد القليل ، أغوص في كُله ... أحفظه .. المسام ...النتوءات ... البقع الداكنه ...إخضرار العروق بدمها الأخضرالداكن ، تتراءي ليَ امكنة لايحفظ أغوارها سواي . سألته وانا منبطحة : كيف تكون علاقتك برائحة المكان؟ رادٌ علي بعناق سريع لحظي - مثل عابث الورق - ... كمن ينتظر شيئا مهما في مكان ما ، مكان جَدُّ بعيد وغير محدد . متخلصٌ دوما من اسئلتي الطفولية ... مجيبني بهذه الطرق ، عندما يمد اليّ شفته , مدمعاً زمناً في الغني ... مكثفٌ مثل الغابات العتية , حتي ليدفعني الي الدوار كالحياة ... بعدها جارت عليّ الايام منعتني من الأسئلة ... منعتني حتي الطعام ... حتي الاحلام . اليوم أرحل بائسة لا تكسو ملامحي بهجة أو نضرة ... وغالباً ستبدأ الاشتباكات - الظنون - وكل السوءات الوسخة , تتقاذف كما المؤامرات التي يتم حياكتها في غرف مهجورة رحل عنها أسيادها مخلفين طوب متهدم , وإحتمال لكائنات غير مرئية مع لحافات قذرة بال عليها الضباب ، ركام وحطام أجنحة ذباب ميت ... عناكب سوداء ... ضعت معها في تلك الغرف البعيدة , فبدوتُ شبحا أسود . قبل أن ياتي ... كنت أذكر النعاس في عينيه والبريق الذي يسبق النوم ... عينان صافيتان ، مغمورتان في زيت من الزيتون الخالص تم قطفه من أنضر الحقول في فلسطين بيد شيخ ملائكي ، يتعرق لحماية بذوره وأرضه . اذكر ذات الحين الحزن العميق والنبؤات المزعجه وشهوة تختلط بالمجون وأشواق غامضة لن يدرك مداها يوما , وأنا مازلت في حالتي ... أحلم , وأحب , و ... أموت . إلتقينا , في ذاك الطريق الواسع ذو المخارج المتعدده البدايات ومختلفة النهاية ، جلسنا علي ذات الأرض ، إنبطحنا ، كنا حينها نحلم بصنع مدينة من الأبنوس مخضرة وجميلة , غزيرة العطر نمكث فيها مخضرين ومتناسقي الخُطي ، مبتهجين بهواء الحب البارد وصفاء نبع القلوب ، مدينة حية خضراء وملونة ، نقطف بأيدينا النقيه ثمراتها ، نسقي العروق ... لكن مدينتي مليئة بالضجة والأمراض ... شوارعها مخموره ، طعامها ملوث وأفرادها غياب ، مدينتي مصابة بالخرس المزمن ، بكماء أدمنت السُكات ، حتي غدت لا تفتح فاهها إلا بذكر البذاءات , فتحيلك الي الغثيان لتفرغ أمعائك . كانت تفتح سروالها لتلعق أعضاءها خوف السلطات - وأحياناً خوف إله لايوجد إلا للرعب وسلب الحقوق - مدينة تخرج أصوات المتعة من قلب أنين الفاقة والعدم . أصابني حزن وندم ، حزن لما يصيب مدينتي وحزن لهذا الوجود الأبكم و طريقة إستيعابنا ورؤيتنا للأمور , وحزن آخر أكبر لغياب الذين يضيئون الطريق ... وحزن ... وحزن لأجل الأطفال ، وآخر من أجلهم - هؤلاء المعاقين سائبي القدرات - وحزن كبير عندي ... لأنك بعيد . معدومة كنت ... لست سوي صهلة خائرة مقطوعة في الطريق , مسروقٌ صوتها , يُحدَد لها علفها وكلامها و ملبسها ... و حتي ساعات النوم . أحلم أنا علي غفوةٍ فيك , وآهٍ من خلايايّ وذاكرتي وتحولاتي وكل هذا الصخب ... آهٍ علي ضربات قلبي التي ضاعت سدى ودمي المسكوب علي شراييني قسوة وقوة ، وجهي أصبح نحيل ... إنتخرت أجزاءه فاقدٌ لاستدارته ... متشربٌ بلون السواد . جلدي مال للدُكنه والنتؤات انحفرت حتي اختلطت عليّ الأعضاء ، إنتفاخ تحت العينين بارز من السهر وقلة النوم والحيرة ، كنت في الدرب المثير وحدي متوارية ليتسع المكان ، المكان الذي مكثتُ عليه أنتن بقذارة مؤخراتهم التي لا يغسلونها استعجالاً لامور قد لاتتم ... حملت خطاي بؤس إنتظار بزوغ الشمس وطال إنتظاري علي الطريق , معي الليالي والدموع .. لأيام ذات روائح نفاذة ... لطعام اشتهيه جوعاً دون وصول له ، أصوات لأطفال يتساقطون - كماء المطر - بهجة وخوف ... أحلام متداخلة ... حفرٌ وطين , أغرق فيه . مثل ليلة خريفية تدفق فيها السيل لمحته , مثل قوس القزح بدا .... وبإحدي عشر لوناً ... ولونٌ فاقعٌ هو لوني , وأنا ... كنت أشارك في مزجها وبعدها - أيضا - سألته : مالعلاقة بين الطين واللون؟! صمت قليلاً وقال : - وحلي مليءٌ بالزجاج المدبب ... وانعكاسات اللون , والإبرالمسننة ... تخلق لي لوحتي . كانت لوحة حرام ... لا إسم لها ولا امضاء عليها ، وأنا أتيت لأكتب إسمي وأسافر مقررةً صلب المآرب والشكوك . كنت أعلم في داخلي أن الانسان الذي يتوه ويرتبك ويرتجف - رجوعاً للخناجر والذكرى – يتقلب في حياته ... فيفشل . عندها أحسست بالإغتراب والفوضي . وبعدها , تسبب لي ذلك بالتعرق و... الضياع . تساوت عندي كل المتناقضات حتي حق اختياري رأيته مسلوباً بإرادةٍ مني ، ضد الجميع وقفت دون دفاع لحسراتي الطويلة ومشواري الذي لن ينتهي ... بكيت بكيت طوال اليوم , ساءت حالتي ... خارت قواي ... أصبحت جسداً بلا إحساس , أفتح النافذة وأغلقها أحببت الظلام وعدم الحديث , كرهت طعم الطعام والإستحمام وحتي الأشياء التي كنت أحبها صارت منفرة وبعيدة عني بسبب أفعالي . لم أكن أحلم يوما بهذه الحياة ، تعبٌ يدفن جثتي علي الرمل دون صلاة ولا تشييع ... حتي أمعائي لم يتم تفريغها عند موتي - عادة مايفعلون هذا مع الجثث -
هبة الحسين
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Emad Abdulla | 07-24-07, 09:56 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Ishraga Mustafa | 07-24-07, 10:04 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | عواطف ادريس اسماعيل | 07-25-07, 06:23 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | مجدي عبدالرحيم فضل | 07-25-07, 06:50 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | ابوبكر يوسف إبراهيم | 07-25-07, 07:38 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Emad Abdulla | 07-25-07, 11:11 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Emad Abdulla | 07-25-07, 11:05 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Emad Abdulla | 07-25-07, 10:49 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Emad Abdulla | 07-25-07, 10:38 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | شمس الدين خواجات | 07-25-07, 07:07 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | فيصل عباس | 07-25-07, 10:04 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | علاء الدين حيموره | 07-26-07, 08:48 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | ibrahim fadlalla | 07-26-07, 09:13 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | هبة الحسين | 07-26-07, 05:18 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | خضر حسين خليل | 07-26-07, 05:10 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | معتصم ود الجمام | 07-26-07, 06:03 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | بهاء الدين سليمان | 07-27-07, 08:56 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | هبة الحسين | 07-29-07, 06:40 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | هبة الحسين | 07-28-07, 10:09 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | خالد علي محجوب المنسي | 07-28-07, 10:43 AM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | هبة الحسين | 07-29-07, 02:13 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | خالد علي محجوب المنسي | 07-29-07, 05:36 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Abdalla aidros | 08-02-07, 02:23 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | Emad Abdulla | 08-03-07, 03:01 PM |
Re: هبة الحسين .. جيل يكتب بأسنة وجعه | علاء الدين حيموره | 08-04-07, 00:08 AM |
|
|
|