بحري طراوة... ويا ناس بحري .. قالوا بتحبوا يلا حبونا..

Quote: من القصص المثير قضية المدعو "بين عبدالله" . . وبركات أهلنا السمانية .. كتب البريطاني ج. ب. تريسي، مقالا طريفا بعنوان : قضية "بين عبدالله" الغريبة، عن حادثة وقعت في الثلاثينات من القرن الماضي في الخرطوم بحري. وتدور القصة حول قضية تشوبها غرابة ومحورها العلاقة بين الإنس والجن. نشر المقال في مجلة "السودان في رسائل ومدونات"، في أحد أعدادها المبكرة (ويمكن تقصي العدد و تاريخه في مكتبةالسودان بجامعة الخرطوم، فما تسنى لي ذلك في لندن حيث أكتب الآن) وأورد ترجمة له بتصرف، قصدت منه أن يحفظ للقصة إنسيابها، لا غير .. والشكر للصديق السوداني اللندني الذي خصني بالقصاصة التي تحصل عليها من مكتبة مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن (SOAS) . كتب "تريسي": إن القصة التي أوردها أدناه، وقعت في الحقيقة في يوم السبت الأول من ديسمبر من عام 1934، وأنها مثبتة في سجلات قسم شرطة الخرطوم بحري. في ذلك اليوم ذهب المدعو "عبدالله بين" إلى المشرع ليستحم . . والمشرع المذكور يقع إلى الشرق من المرسى النهري - مصلحة الوابورات، في الخرطوم بحري. في تلك البقعة يكون الموج عنيفا في كل المواسم، وأن حالات من الغرق قد وقعت كثيرا في الماضي. "عبدالله بين" بطل هذه الواقعة رجل من أبناء قبيلة الفور ولا يعرف السباحة أصلا. في صباح يوم الأثنين التالي (3 ديسمبر1934 ) إفتقدت الزوجة "سبيلة" زوجها "بين"، فذهبت إلى صديقه "محمد يوسف" وأسرت إليه بشكوكها، خاصة وقد علمت أن ثمة ملابس قد وجدت ملقاة على الشاطيء. ذهب الجميع بمن فيهم "سبيلة" وإبنها وشيخ الحلة، إلى الشاطيء. بعد بحث قصير، أمكن العثور على ملابس "بين"، وتأكد ذلك بعد أن تعرف عليها إبنه. وفي قسم الشرطة تم تسجيل الواقعة، كما تم حفظ الملابس كمضبوطات بمخزن قسم الشرطة. وقام المسئول بإبلاغ مدير المديرية بفحوى القضية. وهكذا كان الجميع مقتنعون بوفاة "بين" غرقا، وأقام ذووه مأتما لتلقي العزاء. ولكن بعد ذلك عصفت الظنون بمحمد يوسف صديق "بين"، وقام على الفور بزيارة قسم الشرطة، وذلك مساء الثلاثاء الموافق 4 ديسمبر، ونقل شكوكه إليهم حول احتمال أن تكون الزوجة "سبيلة" وإبنها، قد تآمرا لقتل "بين"، ثم قاما بوضع ملابسه على الشاطيء حتى يبدو الحادث وكأنه حالة غرق في النهر. وفي التو، تم استجواب الزوجة وإبنها، ولكن لم تسفر التحقيقات عن ما يمكن أن يشكل دليلا لإتهامهما. في صبيحة اليوم التالي، تم إطلاق سراحهما . . وفي فجر يوم الأربعاء 5 ديسمبر، وقد تميز ببرد قارص، لمح لفيف من من عمال المعدية التي تعبر عادة "خور توتي"، ما حسبوه كتلة من جزع شجرة مهملة على الشاطيء الرملي . . ولكنهم لما أقتربوا منها وجدوها جسدا عاريا لرجل بدا فاقد الوعي . . الرأس على الرمال وبقية الجسد ما زال في الماء. لقد كان ذلك الشخص هو "بين " . . بدا هزيلا ، لكنه لم يكن ميتا. أخذوه إلى قسم الشرطة وهناك حكى لهم قصة هي إلى الخيال أقرب. وظل متمسكا بأقواله وتفاصيل حكايته أمام الجميع، بمن فيهم مدير المديرية (البريطاني بالطبع بحسب تاريخ الواقعة). قال "بين" : في يوم السبت، ذهبت للإستحمام وتركت ملابسي على الشاطيء ودخلت إلى النهر إلى خصري، ثم فجأة رأيت "الجان"، وكان ضخما ولونه أبيض وبلحية بيضاء أيضا. برز من ورائي وأمسك يدي وأخذني معه إلى أعماق النهر، حيث أبقاني سجينا لمدة من الزمان . . ثم قال لي: أنتظر هنا حيث أنت وأنا ذاهب لأقضي أمرا في "الحلفايا" وسأعود إليك . . ولكن إياك أن تستنجد بأحد وإلا عدت إليك وأقتلك غرقا . . ثم مضى إلى حال سبيله وبقيت منتظرا وخائفا . . لكني تذكرت فجأة "الفكي الطيب" (الشيخ أحمد الطيب السماني، المتوفي في عام 1824م)، وناديت عليه لينجدني. بالفعل حضر لنجدتي ورفعني من الأعماق وألقى بي على رمل الشاطيء . . ولا حول ولا قوة إلا بالله . . أذهلت القصة الجميع، وتداولها الناس ثم صدقوها، مثلما يصدقون كل القصص الأخرى، ولكن للشرطة طرقها العملية، إذ بدأت تحريات واسعة، و تمت دراسة كافة التفاصيل والإحتمالات، بما فيها إمكانية وجود دوافع لقتل "بين". ولكن لم تتوفر تفسيرات منطقية للذي حدث . . ! وبعد أن إطلع مدير المديرية على المحضر، وفق التفاصيل أدناه، أشر عليه بالحفظ، والتفاصيل هي كما يلي: 1- إن ملابس المدعو "بين"، ظلت في عهدة الشرطة من يوم الإثنين وحتى يوم الأربعاء، ومعلوم أن "بين" الفقير المعدم، لا يملك أية ملابس أخرى غيرها . . 2- تم العثور على "بين" ممددا على بطنه ووجهه إلى الأرض في البقعة التي يمكن أن يجرفه إليها التيار القوي القادم من جهة مصلحة الوابورات، إن كان قد غرق بالفعل . . 3- تم العثور على "بين" ملقى عاريا، في فجر شتائي بارد بعيدا عن المدينة. 4- لا يمكن قطع المسافة بموازاة الشاطيء من المكان الذي دخل فيه إلى النهر، إلى البقعة التي ثم العثور عليه فيها ملقى على وجهه، إذ تقوم مصلحة الوابورات بكاملها بين النقطتين . . ولا يمكن الوصول بين النقطتين إلا بعبور المدينة. . 5- "بين"لا يعرف السباحة. 6- في عيني "بين" بريق جنوني . . 7- يظن "بين" أنه يقول الحقيقة، ويصدقه معظم سكان الحلفايا . . ولكن أين كان "بين عبدالله" بين يومي السبت وحتى صباح الأربعاء . . ؟ ما من منطق في ذلك. وينهي "تريسي" مقاله بأبيات شيكسبيرية عما بالدنيا من غرائب وعجائب، لم تخطر حتى بعقول الفلاسفة . . ! . يوليو 2004- لندن

(عدل بواسطة عبدالمحمود محمد عبدالرحمن on 02-13-2009, 04:59 PM)