مواضيع توثقية متميزة

العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 01:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-01-2005, 04:26 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا

    العفيف الأخضر
    [email protected]
    الحوار المتمدن - العدد: 1182 - 2005 / 4 / 29


    قدر العلمانية في الوطن العربي
    العفيف الأخضر: العلمانية هي مفتاح المواطنة الكاملة بين الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم
    ما هو تعريف العلمانية؟
    يعرف معجم روبير العلمانية (بفتح العين)، نسبة إلى العالم (بفتح اللام) بأنها :"مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس أية سلطة دينية والكنائس لا تمارس أية سلطة سياسية". وهذا التعريف للعلمانية هو الذي صاغه محمد عبده في قولته الشهيرة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" وهو الذي صاغه الأزهري سعد زغول في قولته الشهيرة أيضاً:"الدين لله والوطن للجميع" وللتوضيح أكثر أقول توجد ثلاثة أنواع من الدول : الدولة الدينية، الدولة العلمانية، والدولة الإنتقالية. والدولة الدينية هي التي وجدت في العصور الوسطي، ولم تبق منها على أرض المسيحية إلا دولة الفاتيكان، وعلى أرض الإسلام الا الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدولة السعودية والسودان ودولة طالبان التي سقطت سنة 2002؛ الدولة العلمانية هي الدولة السائدة اليوم في العالم المتمدن؛ والدولة الإنتقالية من الدولة الدينية إلى الدولة العلمانية وهي السائدة في الفضاء العربي الإسلامي. فما هي الدولة الدينية أي التيوقراطية theocratique كما تسمي في اللغات الأوربية؟ هي كما عرفها المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسف Flavius Joseph ، القرن الأول الميلادي، والذي نحت كلمة التيقراطية:" موسى (...) هو الذي أسس الثيوقراطية، واضعاً السلطة والقوة بيد الله"،أي أن الحاكمية الإلهية، التي تشكل النواة الصلبة في مشروع الإسلاميين، هي لله وحده. الدولة الدينية، حسب تعريف المؤرخ اليهودي، هي التي تطبق الشريعة التي جاء بها العقل الإلهي، وليس القانون الوضعي الذي وضعه العقل البشري . فما هي الدولة العلمانية؟ هي التي لا تتدخل في الشأن الديني ولا تسمح لرجال الدين بالتدخل في الشأن السياسي، وهي لا تطبق إلا القانون الوضعي. فما هي الدولة الإنتقالية من الثيوقراطية إلى العلمانية ؟ هي الدولة التي ينص دستورها على أن الشريعة هي المصدر الأول للتشريع، ولا تساوي بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم في حقوق المواطنة وواجباتها. المرأة وغير المسلم في هذه الدول الإنتقالية نصف مواطن وأحياناً صفر-مواطن، إذ لا يحق للمرأة مثلاً الترشح لرئاسة الدولة ولا حتى لمنصب أقل شأناً، فالمرأة مازالت تعامل في كثير من الدول الإسلامية كناقصة عقل في الولاية وناقصة دين في العبادة، والمواطن غير المسلم مازال يعامل كأهل ذمة ليس له من المواطنة إلا الإسم، وهي تطبق القانون الوضعي في مجالات والشريعة في مجالات أخرى. أراهن على أن الدولة الهجينة القائمة اليوم في الفضاء العربي الإسلامي، الدينية نصفاً والعلمانية نصفاً، دولة انتقالية . التاريخ يعلمنا أن العلمانية السائدة في العالم لن تقف عند تخوم الفضاء العربي الإسلامي، الذي لا مستقبل له خارج مستقبل البشرية. لم يوجد في التاريخ استثناء ثقافي قاوم طويلاً الاتجاه التاريخي الفاعل في الحقبة؛ إذن المسلمون، مثل باقي البشرية، محكوم عليهم بتبني الحداثة وبالتالي العلمانية. تسع على عشر من دول العالم حصرت الدين في المجال الخاص، والشخصي والروحي، تاركة المجال السياسي العام للدولة المهتدية بالعقل البشري ، أي بمؤسساته وتشريعاته وعلومه وقيمه.الدولة الدينية تستشير، في إعداد مخططاتها الدنيوية كالسياسة والاقتصاد ، الفقهاء، إذا لم يكن الفقهاء أنفسهم في الحكم. أما الدولة العلمانية فتستشير ، في الشأن الدنيوي الذي هو مجال اختصاصها الوحيد، الخبراء. وهنا يطرح سؤال أساسي نفسه: لماذا ظهرت الدولة العلمانية في الأزمنة الحديثة فقط؟ لأن الحداثة هي التي عرفت الفصل بين الزمني والروحي، أي بين الاختصاصات الدنيوية والاختصاصات الدينية التي لكل منها فاعلوها الإجتماعيون: للدين المؤمنون والفقهاء، وللدنيا المواطنون والخبراء. في العصور الوسطي كانت الدولة الدينية تتدخل في كل شيء . لسبب بسيط هو أن كل شيء كان ديناً. لم يعد ذلك ممكناً مع العصور الحديثة، منذ حوالي 5 قرون، التي سجلت، في الفضاء الأوربي، انتصار العقل البشري على العقل الإلهي. وهكذا انتزع العلم الوضعي ، بثمن باهظ وصل أحياناً إلى حرق العلماء أحياء، شيئاً فشيئاً استقلاله عن العلم الديني. وقد قال غاليليو للمحكمة الدينية التي كان يقف أمامها بتهمة الزندقة لأنه ، عكساً للكتاب المقدس، اكتشف إن الأرض مكورة وتدور حول الشمس، وليست مركز الكون بل قد لا تساوى حجم حمصة بالنسبة للكون كله ... قائلا لقضاته :"الكتاب المقدس يعلمنا كيف نمشي إلى السماء لا كيف تمشي السماء". وهكذا بدأ العلم، الذي لا يقبل ضوابط من خارج مناهجه، يستقل. ثم شرع الإبداع الأدبي والفني يستقل عن الكتاب المقدس، الذي كف شيئاً فشيئاً عن أن يكون موسوعة فزيائية وطبية وأدبية وفنية ...إلخ، أخيراً أعاد البابا جان بول الثاني الإعتبار لغاليليو وداروين ... لكن القرآن مازال عندنا موسوعة علمية وطبية وجغرافية وأدبية وفنية وتكنولوجية، وويل ثم ويل للعلماء الذين يتجاسرون على اثبات حقائق علمية تعارض آيات الذكر الحكيم "العلمية" !.
    التعارص بين العقل العلمي والعقل الديني، بين حقوق الإنسان [ = حرياته ] وحقوق الله على الإنسان [ = عباداته وأوامره ونواهيه ] ، هو الذي قاد الغرب ثم العالم كله إلى العلمانية، إلى الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي، الذي هو شرط شارط لتقدم الحضارة البشرية. وليس أمام المسلمين طريق آخر للإلتحاق بقاطرة الحضارة بدلاً من الانتظار الطويل على رصيف التاريخ.
    الفصل بين المقدس والدنيوي وليد الحداثة. كلما عدنا القهقرى في التاريخ لاحظنا أن الفصل بينهما هو الاستثناء النادر والجمع بينهما هو القاعدة، الذي يصل إلى أعلى درجاته عند القبائل البدائية حيث كل شيء مقدس، تاريخ القبيلة مقدس، أسلافها مقدسون، شعائر الحمل والولادة والجماع والصيد مقدسة، والسلوك اليومي لأفرادها مقدس. الحياة الإجتماعية للقبيلة خاضعة جميعاً إلى شعائر عصابية وسواسية قهرية. عند هذه القبائل انتهاك المقدس عقوبته القتل. لماذا؟ لأن فكرة نسبية المقدس لا يقبلها إلا عقل متطور، أي دماغ معرفي على درجة كافية من التعقيد والاطلاع. أما أدمغة البدائيين فلم تتطور بعد بما فيه الكفاية لتصبح قادرة على هضم نسبية المطلق الديني وقبول أولوية العقل البشري على العقل الإلهي. اقترح على الباحثين انجاز دراسات مقارنة بين تصورات البدائيين للعلاقة بين الديني والدنيوي وتصورات الإسلاميين المعاصرين لها. وسيفاجئون بشبة كبير بينهما يصل أحياناً إلى حد التماثل بخصوص عبادة الأموات والأسلاف واعتبار كل شيء ديناً، والتعلق الوسواسي القهري بالشعائرو بالمطلقات الدينية وتكفير النسبي، والسببي، والعقلي، والمتغير، والتطوري، والتاريخي، والمستقبلي. للبدائيين عذرهم، فخضوعهم للطبيعة يكاد يكون مطلقاً. تحكيم العقل البشري، أي العلم والتكنولوجيا، في الطبيعة لتحويلها إلى حضارة، تماثل، بالنسبة لمستوى وعيهم السلفي، انتهاكاً لعبادة الأسلاف لن يمر دون عقاب من هؤلاء الأسلاف الغلاظ الشداد والثأريين. رقهم النفسي لأسلافهم يشل عقولهم عن التفكير المستقل. رق الإسلاميين النفسي لأسلافنا ، أي للنبي والصحابة والتابعين،لا يقل شلاً لعقولهم من عبادة الأسلاف لدى البدائيين. العقل الإلهي الذي جاء به الأسلاف هو كل شيء. أما العقل البشري ، الذي جاءت به أدمغتنا ، فهو لا شيء. يقول المودودي السني:"الإنسان، كما يزعم، لاحظ له من الحاكمية إطلاقاً (...) المسلمون جميعاً، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، لا يستطيعون تشريع قانون واحد (...) والحكومات لا تستحق طاعة، الناس إلا من حيث أنها تحكم بما أنزل الله، وتنفيذ أمره تعالي في خلقه". بالمثل يقول الخميني الشيعي :" ليس لهم [الناس] حق في تعيينه [الإمام] أو ترشيحه أو انتخابه. لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعدادا لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله [ له] ولا يعين إلا بتعيينه. لذلك فليس للناس أن يتحكموا في من يعينه الله".
    الإستشهادان ، السني والشيعي ، أفضل تعريف للدولة الدينية الإسلامية المعاصرة القائمة، في السودان وإيران، أو التي قد تقوم في بلدان أخرى.


    متي دخلت العلمانية إلى العالم العربي ومن هم روادها؟
    أول من ترجم كلمة Laicite بالعلمانية هو أحد مترجمي الحملة الفرنسية، لويس بقطر المصرى، في معجم فرنسي عربي طبع لأول مرة في مارس 1828، ثم تبني هذا المصطلح مجمع اللغة العربية بالقاهرة في معجمه "المعجم الوسيط" سنة 1960. العلمانية كنظام كامل ومشروع سياسي واع لم تدخل قط إلى العالم العربي. بعد لقاء العالم العربي بأوربا، عبر الاستعمار، بدأت الدول العربية الإسلامية تتخلي عن بعض الجوانب الإستفزازية من الدولة الدينية مثل تطبيق العقوبات البدنية كجلد شارب الخمر وقطع يد السارق ورجم الزانية، وعن جباية الجزية من مواطنيها غير المسلمين. السعودية مازالت تطبق هذه العقوبات البدنية، وقد صدر منذ اسبوعين حكم شرعي ، على كاتب سعودي للأسف لم أعد أذكر اسمه، بالسجن و 200 جلدة !! السبب؟ أساساً لأن السعودية لم تعرف الإستعمار الأوربي وبالتالي لم تدخلها بعض أنوار الحداثة. أما السودان الذي عرف الإستعمار وتخلي في ظله، عن الرق والعقوبات البدنية، لكن الدولة الإسلامية، التي أقامها الترابي بانقلاب عسكري، أعادت إليه الرق والعقوبات البدنية !!
    رواد الفكر العلماني في الفكر العربي كثيرون . تقريباً جميع المثقفين الذين ينتمون للأقليات الدينية في العالم العربي كاليهود والمسيحيين خاصة في المشرق العربي، في مصر وبلاد الشام، مثلاً لا حصراً جورجي زيدان وشبلي شميل ويعقوب صروف، وميخائيل نعيمه، وجبران خليل جبران،وفرح أنطون وسلامه موسى إلخ . أما اليوم فالمطالبون بالعلمانية لا يعدون بالأفراد بل بالجموع. من هنا أهمية دمج الأقليات الدينية والقومية في المواطنة الحديثة في الدول العربية. الاعتراف لهم بالمواطنة الكاملة سيشكل رافداً ثرياً للحداثة السياسية، أي العلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان. مثلاً الشيعة في السعودية يطالبون بالعلمانية للخلاص من كابوس الوهابية التي تعاملهم كـ"كفار". ألم يقل فيهم ابن تيمية ، المرجع الأول للوهابيه:" من شك في كفرهم [= الشيعة] فقد كفر" !. كما تمثل الأقلية القومية الكردية في العراق حارساً يقظاً للحؤول دون إقامة دولة ثيوقراطية شيعية. وقد حذر رئيس الجمهورية العراقية، جلال الطالباني، من إقامة دولة دينية في العراق. وقد عبر قادة الشيعة العراقيين بمن فيهم رئيس الحكومة صراحة عن أنهم سيحكمون العراق كعراقيين لا كشيعة . وهذا هو لب العلمانية. أما رواد الحداثة المسلمون فهم نسبياً كثيرون إذا أحصيناهم في كل بلد عربي إسلامي. لكن ذلك صعب في مثل هذا الحديث السريع. حسبنا أن نذكر بعض الأسماء التي أثرت في النخبة الدينية الفكرية في البلاد العربية مثل رفاعة الطهطاوي ، ومحمد عبده، وقاسم أمين، ولطفي السيد، وطه حسين، وعلي عبد الرزاق، وكامل كيلاني، واسماعيل مظهر، وأحمد أمين، وكيف ننسي فرج فوده الذي، وإن لم يكن من رواد العلمانية، لكنه كان أول شهدائها، وفي تونس الطاهر الحداد، الذي علمن فقه القرون الوسطي بخصوص تحرير المرأة لمنع تعدد الزوجات وإلغاء عدم المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى ، والحبيب بورقيبه الذي نفذ وصيته. ولكنه تراجع ، أمام تهديد الملك فيصل له بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تونس وبتحريض فقهاء العالم الإسلامي على تكفيره ، عن إصدار قانون المساواة في الإرث .


    هل فشلت العلمانية في العالم العربي بسبب مقاومة الإسلام لها أم بسبب ضعف الخطاب العلماني؟
    فشلت العلمانية حتى الآن في الدخول إلى العالم العربي أساساً لأن الإسلام لم يمر بعد بالإصلاح الديني الضروري الذي مرت به المسيحية واليهوديةالأوروبيتان . الدين الذي تم إصلاحه هو الدين الحديث الذي يعترف بالفصل بين الاختصاصات والمجالات ، أي يقبل بأن يقتصر اختصاصه على الشأن الديني تاركاً للدولة مجال اختصاصها الذي هو الشأن الدنيوي. السبب الثاني لفشل دخول العلمانية ، كنظام سياسي كامل، هو جبن القيادات السياسية. الإسلام لم يقع إصلاحه في تركيا،والبرجوازية كانت ضعيفة والفلاحون يمثلون 90 % من السكان ، ومع ذلك فإن قيادة المسلم كمال أتاتورك ألغت الدولة الثيوقراطية العثمانية،الخلافة، وأقامت على انقاضها دولة علمانية لا تخجل من هويتها العلمانية.


    هل العلمانية ضد الدين؟
    رأينا في تعريف معجم روبير للعلمانية أنها الفصل بين الدولة والكنيسة، أي بين الديني والدنيوي ليس إلا. بريطانيا دولة علمانية تماماً كفرنسا، لكن ملكة بريطانيا تحمل لقب "حامية حمي الكنيسة" وبإمكان المملكة المغربية أن تكون علمانية ويحمل ملكها، لقب "أمير المؤمنين" ، وبإمكان تونس أن تكون علمانية ويحمل رئيسها "حامي حمي الإسلام". يجب أن يكون المرء جاهلاً بتعريف العلمانية في المعاجم الأوربية، لأن أوربا هي أرض ميلاد العلمانية، أو سيء النية ، ككثير من قادة الإسلام السياسي، ليقول أن العلمانية ضد الدين. خاصة وأن العلمانية اليوم في البلدان العلمانية الصافية، كفرنسا، باتت علمانية منفتحة على كثير من الجوانب التي لا تضير في شيء المواطنة الحديثة ، التي تفترض المساواة بين الرجل والمرأة والمؤمن وغير المؤمن في حقوق المواطنة وواجباتها كافة. حياد الدولة العلمانية الفرنسية إزاء الدين لم يمنعها من أن تبني،من مال دافعي الضرائب سنة 1921، جامع باريس الشهير تكريماً لذكري الجنود المسلمين المغاربيين الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولي دفاعاً عن فرنسا، ولم تمنع اليوم وزير الداخلية الفرنسي، فيليب دوفلبان، المسؤول عن الشئون الدينية، من تكوين مؤسسة إسلامية خيرية لجمع التبرعات من المحسنيين لبناء المساجد والانفاق على الجامعة والمعاهد الإسلامية التي هي برسم الإنشاء. وقد تلقت هذه المؤسسة بمجرد إنشائها 800 مليون يورو من متبرعين لم يكشفوا عن هويتهم. أما الدولة العربية العلمانية القادمة فإن علمانيتها لن تمنعها من مساعدة ديانات جميع مواطنيها على قدم المساواة. وهذه العلمانية هي التي ستسود مع الوقت أرض الإسلام. على غرار تركيا العلمانية التي يوصيها دستورها ببناء دور العبادة لمواطنيها على اختلاف دياناتهم. فأي مانع من احتضان الدولة العلمانية للتعليم الديني شرط أن تسهر على جعله تعليماً دينياً إصلاحياً حديثاً يكون مواطني الغد الذين يعرفون المواطنة الحديثة، التي لا تميز بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم في حقوق المواطنة، ويعترفون بها دون تردد أو شعور بالذنب. ولكي يكون التعليم الديني إصلاحياً وحديثاً يجب أن يدرس التلاميذ والطلبة الدين بمساعدة علوم الحداثة: تاريخ الأديان المقارن، سسيولوجيا الأديان، علم النفس، اللأنثروبولوجيا الدينية، الألسنية، الهرمينوطيقا (علم تأويل النصوص المقدسة)، والفلسفة، لتنمية الفكر النقدي لدي الأجيال الطالعة. في تونس يدرس طلبة الجامعة الزيتونية الدينية الفلسفة الإسلامية والفلسفة الحديثة طوال السنوات الأربع. ويدرس طلبة كليات العلوم بما فيها الطب الفلسفة الحديثة طوال مدة الدراسة الجامعية. فلا شيء كالفلسفة والعلوم الإنسانية لتحصين العقول ضد دعاية الإسلاميين الدينية - السياسية. مثل هذا التعليم الديني الإصلاحي والحديث ليس مستحباً من الدولة العلمانية في الفضاء العربي والإسلامي بل هو فرض وواجب عليها لإعادة صياغة الوعي الإسلامي التقليدي وتحصين وعي الأجيال الطالعة ضد التزمت، والتعصب والإرهاب والتمييز الديني، أي النرجسية الدينية التي تأمر باضطهاد دين لباقي الديانات بل ونسخها .


    هل تشكل العلمانية قطيعة مع جذورنا الإسلامية؟
    تشكل العلمانية قطيعة مع الدولة الأوتوقراطية والثيوقراطية ، أي الدولة الدينية والمستبدة، دولة الخليفة الذي لا يعزله إلا الموت او الكفر البواح، أي الصريح، دولة جلد شارب الخمر، وقطع يد السارق، ورجم الزاني والزانية حتى الموت، ودق أعناق المفكرين الأحرار باسم الردة، وهضم حقوق المرأة والمواطن غير المسلم باسم الشريعة ، وحظر النحت والرسم والشعر والغناء والبحث العلمي باسم فقه القرون الوسطى ، واستحلال هدر دماء المدنيين الأبرياء وقتل الأجنة في بطون الإسرائيليات كما أفتى القرضاوي واغتيال الرئيس السادات وجميع الحكام المسلمين كما أفتى راشد الغنوشي ، باسم الجهاد وفقه الولاء والبراء الإرهابي ... هذه الفظاعات هي جذورنا المتعفنة التي علينا أن نقطعها ونقطع معها. لكن العلمانية تشكل إعادة اتصال بأفضل ما في جذورنا الثقافية مثل العقل الإعتزالي والفلسفي اللذين أخضعا النص المؤسس للتأويل العقلي، والإسلام الصوفي والدرزي اللذين حققا اختراقاً لا نظير له في العصور الوسطي : إلغاء شريعة العقوبات البدنية والفصل بين الدين والحكم. طبعاً ، العلمانية، بما هي إحدى أهم منجزات الحداثة، لم توجد في دولة القرون الوسطي، التي كانت من حيث الأساس دولة دينية. العلمانية الواعية بذاتها كانت في عداد الأفكار اللامفكر فيها. ومع ذلك ففي تراثنا الإسلامي ملامح علمانية غير واعية بذاتها لكنها واعدة، عندما يأتي زمانها، بالعلمانية الحديثة. مر النبي مثلاً ذات يوم على بعض ملاك بساتين النخيل فوجدهم يؤبرونها [=يلقحونها] فقال لهم لو تركتمها لكان أصلح. إمتثلوا لنصيحته، لكن نخيلهم فسدت، فجاؤوه محتجين. فكان رده عليهم :" ويحكم إنما أنا نبيكم في أمور دينكم؛ أما أمور دنياكم فأنا وإياكم فيها سواء"، أي أن نبي الإسلام أقر بالفصل بين الدين وعلم الزراعة. وفي غزوة بدر أراد أن ينزل بجيشه في موقع ظنه حصيناً، فسأله خبير عسكري من الأنصار:" يا رسول الله، هل هو الوحي أم هي الحرب والخديعة؟"، فأجابه بصدقه المعروف:"بل هي الحرب والخديعة"، فقال له الخبير العسكري:" ليس هذا بموقع فلنجعل البئر وراءنا فنشرب ولا يشربون". فعلاً كان عطش قريش أحد أهم أسباب هزيمتها. هنا أيضاً أقر النبي بالفصل بين الدين والاستراتيجيا. ومعروف أن الإمام علي، مستلهماً هذه السنة التي تفصل بين الاختصاصات الدينية والدنيوية، قد طلب من ابن عباس، عندما كلفه بمجادلة الخوارج، أن يستخدم في جداله معهم السنة النبوية لا الآيات القرآنية لأن "القرآن حمال أوجه" كما قال الإمام ، أي قابل لقراءات تعددية متعارضة نظراً لكثرة الآيات المتشابهات، أي الملتبسات والغامضات ، إذ أن الآيات البينات [ = الواضحات ] لا تمثل إلا 6 % من القرآن.
    يذكر المؤرخ المصري، حسين مؤنس ، أن الصحابة الذين رفضوا المشاركة في الحرب بين على ومعاوية الذين كانوا يسمون أنفسهم بـ" الجالسين على الربوة" ومنهم عبد الله بن عمر، وأبو هريرة الذي ينسب له أنه قال " أصلي وراء علي فالصلاة وراء علي أفضل، وآكل على مائدة معاوية فالأكل على مائدة معاوية أدسم، وأجلس على الربوة والجلوس على الربوة أسلم".قد بايعوا معاوية بعد اغتيال علي ، قائلين له، كشرط لمبايعته ، نحن للأمة في أمور دينها وأنت للأمة في أمور دنياها. وهذا التقسيم للعمل بين الخلفاء والفقهاء بذرة علمانية مازالت لم تأتي أكلها بعد.
    معاوية نفسه أسس مقدمات العلمانية عندما توقف عن الصلاة بالناس وسمي إماماً يصلي بالناس بدلاً منه. هذا التقسيم بين إمامة الدولة وإمامة الصلاة مشروع دولة علمانية لم يكتمل بعد. وبعد معاوية توقف خلفاء الإسلام عن الصلاة بالناس بينما رؤساء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدينية مازالوا يصلون بالناس، بالطبع، لأنها جمهورية دينية تكابر في التسليم بالفصل الضروري بين الدين والسياسة. تقسيم العمل بين الفقهاء، الذين هم للأمة في أمور دينها، والخلفاء، الذين هم للأمة في أمور دنياها، تواصل لمدة 14 قرناً، خاصة في الشرق، دون استثناء يذكر. الخليفة حاكم شبه دنيوي، بشرعية دينية : شرعية بيعة أهل الحل والعقد وشرعية الدعاء له في صلاة الجمعة، وتدخل تجديداته الدينية في باب "المصالح المرسلة" مثل تحريم الحلال . تقليدا لعمر الذي حرم على المسلمين نكاح المتعة المباح بأحاديث يرويها البخاري ومسلم وبالآية :" فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة" (24 النساء). يروي الطبري أن هذه الآية جاءت في مصحف ابن عباس، الذي حرقه عثمان فيما حرق من مصاحف :"فما استمتعتم به من هن [ إلى أجل مسمي] فأتوهن أجورهن". لذلك قال علي، كما يذكر الطبري عن نكاح المتعة :"لولا أن عمر نهي عنه ما زني إلا شقي". وحرم عمر أيضاً على الفاتحين المسلمين الزواج من الفارسيات، اللواتي أقبل العرب على الزواج منهن أفواجاً أفواجاً ، حتى لا تبقي نساء الجزيرة العربية عوانس. عموماً كانت مطالب الفقهاء من الخلفاء محصورة في الشأن الديني والأخلاقي مثل مطالبتهم لهم بالسهر على تطبيق الشريعة أو الرفق بأهل الذمة كما فعل أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، في كتابه "الخراج" عندما وصف لهارون الرشيد وصفاً مؤثراً التنكيل الذي يكابده الفلاحون عند أخذ الخراج منهم الذي قد يصل أحيانا إلى 90% من محاصيلهم . اعتبار جمهور الفقهاء السنة الشورى مجرد نصيحة غير ملزمة للأمير إقرار ضمني باستقلال الشأن السياسي عن الشأن الديني. بل إن الفقهاء السنة حرموا على أنفسهم التدخل في السياسة بالقاعدة القائلة :" طالب الولاية لا يولي". وقد شكلت هذه القاعدة عائقاً في وجه قيام حكومة فقهاء في الإسلام خاصة في المشرق. لم يشذ عن قاعدة طالب الولاية لا يولي، وقاعدة التقسيم الضمني للعمل بين الخلفاء والفقهاء منذ معاوية إلا الإسلام الوهابي الذي انتفض على الخلافة العثمانية باسم فقه شمولي متعصب لا يعترف بالفصل الطبيعي بين المجالين الديني والسياسي. تحالف الإسلام الوهابي مع آل سعود لتكوين المملكة العربية السعودية التي يحاول الجناح الإصلاحي فيها بقيادة الأمير عبد الله والأمراء المستنيرين كطلال بن عبد العزيز،التخلص من العائق الوهابي المتعصب وتحديث التعليم وشرط المرأة والتخلص من فقه "الولاء والبراء" الذي يحرم على المسلمين حكاماً ومحكومين تقليد حضارة غير المسلمين في أي شأن جل أو قل إلى درجة أن مفتى السعودية، آل الشيخ، كفر سنة 2004، بفتوى نشرتها "الأحداث المغربية" باعة الزهور لأنهم بذلك "يتشبهون بالكفار". كما حرم فقهاء الوهابية ، بمعية الشيخ يوسف القرضاوي ، الاحتفال بالمولد النبوي، الذي تحتفل به جميع بلدان العالم الإسلامي عدا السعودية وقطر الوهابيتين. لماذا حرموا ذلك؟ باسم فقه الولاء والبراءالعنصرى المنطوي على نفسه:"الاحتفال بالمولد النبوي تقليد للكفار، كما يقول القرضاوي، في احتفالهم بمولد المسيح" الذي كان يذكره نبي الإسلام محمد بـ"أخي عيسى" !.
    شذ أيضاً عن قاعدة طالب الولاية لا يولي وعن قاعدة الفصل الضمني بين مجال الخلفاء ومجال الفقهاء ، الإسلام السياسي ، متمثلاً في الإخوان المسلمين ومن تناسل منهم، الذين كونوا حزباً دينياً سياسياً هدفه استعادة الخلافة وتكوين حكومة فقهاء لأول مرة في تاريخ الإسلام السني.


    لماذا تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية؟ وفي أي المجالات تحديداً؟
    تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية، لأن الأولي هي دولة القرون الوسطي حيث كان كل شيء دينا.ً والثانية دولة العصور الحديثة القائمة على الفصل المرن بين الشأنين الديني والدنيوي، اللذين لا يتعاديان بل يتكاملان، شرط أن يبقي كل منهما محصوراً في مجال اختصاصه الأساسي. تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية خصوصاً في مجال المواطنة : التفاوت بين الرجل والمرأة وبين المؤمن والمواطن، أي المسلم وغير المسلم، تفاوت جوهراني Essentialiste في الدولة الدينية التي لا تعترف للمرأة بحقوق المواطنة وتعترف للمؤمن بدينها فقط بحقوقه كمؤمن لا بحقوقه كمواطن . أما غير المؤمن بدينها فتعامله كعدو بالقوة أو بالفعل. أما في الدولة العلمانية فالرجل والمرأة ، والمؤمن والمواطن متساوون كأسنان المشط لا فضل لأي منهم على الآخر في حقوق المواطنة. الدولة الدينية تتصرف مع رعاياها بمنطق العصور الوسطي التي تعتبر الإنسان قاصراً، أي عاجزاً عن وضع قوانين ينظم بها قواعد العيش المشترك، أي علاقة المواطنين بعضهم ببعض وعلاقة دول العالم بعضها ببعض.


    لماذا يقرن الإسلاميون العلمانية بالإلحاد؟
    لتأليب جمهورهم عليها،ولأن مبرر ظهورهم هو محاربة الحداثة . والعلمانية تمثل إحدى أركان الحداثة بما هي ذروة العقلانية الديمقراطية. لماذا يكفر الإسلاميون الحداثة؟ باسم الحاكمية الإلهية، التي هي لب مشروعهم الديني – السياسي و باسم فقه الولاء والبراء الذي يكفر خاصة منذ ابن تيمية التشبه بـ"الكفار"، أي تبني أزيائهم وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وعلومهم ومؤسساتهم. لكن علينا نحن العلمانيين أن نمتلك شجاعة قناعاتنا ونصدع بها في وجه الإسلاميين الذين هم في الواقع رد فعل مذعور على الحداثة العالمية واحتمالات دخولها إلى أرض الإسلام. مخاوفهم في محلها. فالحداثة اليوم اتجاه تاريخي لا يصد ولا يرد. وستصل إلينا كما وصلت إلى قبائل الإسكيمو ! بل أجازف بالقول بأن الإسلاميين قد يكونوا أداة التاريخ اللاشعورية لإدخال العلمانية إلى أرض الإسلام. بعد ربع قرن من قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، يتباهى طلبة قم بأنهم علمانيون. 75% من الشعب و86% من الطلبة، توقفوا عن أداء الصلاة، حسب احصائيات بلدية طهران.المسلم الذي لايمارس الشعائر الدينية هو مسلم علماني. المساجد والجوامع التي كان يصلي فيها في عهد الشاه 3000 – 5000 مصلي، لا يصلي فيها اليوم صلاة الصبح إلا 10 أشخاص وصلاة الظهر 25 شخصاً. 2 % فقط يصومون رمضان من شعب كان قبل ظهور الجمهورية الإسلامية صواماً قواماً ! السودان الصوفي، تخلت فيه نسبة مهمة من شبابه عن الإسلام بفضل حكم الإسلاميين . على العلمانيين أن لا يخشوا من استيلاء الإسلاميين على الحكم في أرض الإسلام خاصة في الدول التي تطبق الإسلاموية من دون الإسلاميين. فبعض البلدان لن تنتقل إلى العلمانية بسرعة قياسية، أي لن تتجاوز الإسلام السياسي والجهادي والسلفي إلا إذا طبقته وذاقت طعمه المرير عندئذ ستيأس منه. أطروحة فلسفة التاريخ الهيجيلية القائلة " لا سبيل لتجاوز مرحلة تاريخية إلا إذا تم تحقيقها" برهنت وقائع التاريخ على صحتها. خطأ لينين الكارثي على الحركة الاشتراكية هو قناعته الإرادوية بإمكانية "حرق المراحل"، انطلاقاً من "الحلقة الضعيفة في الرأسمالية" : روسيا. ماركس كان، كهيجل، مقتنعاً باستحالة حرق المراحل التاريخية وبضرورة تحقيق كل مرحلة تاريخية لتجاوزها. لذلك عارض ثورة عمال باريس 1871 لقناعته باستحالة المرور إلى الاشتراكية في فرنسا التي كانت مازالت حينها لم تحقق المرحلة التاريخية الرأسمالية التي ، لم تحققها يومئذ، في تقديره إلا بريطانيا.
    العلمانية، كما هي سائدة في العالم، اتجاه تاريخي عارم. الإسلاميون لن يصمدوا طويلاً أمامه . لماذا؟ لأننا كلما عدنا إلى الوراء في التريخ وجدنا أن مساحة المقدس تغطي كل سطح الكرة الأرضية وكل سطح الحياة اليومية . فكل شيء مقدس، والإنسان لعبة الآلهة التي تتحكم في الكبيرة والصغيرة. لماذا؟ لأن العقل البشري ، أي العلم والتكنولوجيا ، كان مازال ، في مراحل تطوره الأولي، عاجزاً عن فهم وتفسير وتغيير العالم الذي يعيش فيه بقوانينه الخاصة. كان لابد له من الاستنجاد بالفكر السحرى الإحيائي، ثم بالفكر الأسطوري ثم بالفكر الديني ليفهم ويفسر ويغير عالمه. لكن في القرن السادس قبل الميلاد حقق العقل البشري، في مسار تطوره، قفزة نوعية فبدأ العقل البشري التحليلي والتجريبي ينافس العقل الإلهي في فهم وتفسير وتغيير العالم. هزم العقل أمام الأسطورة. لكن الحرب بين العقلاني والأسطوري ظلت سجالا . فما لبث أن نهض من هزيمته لينافسه يوما له ويوما عليه. لكن الاتجاه التاريخي كان دائماً متجهاً إلى فتح العقل البشري لمساحات أوسع فأوسع على سطح الكرة الأرضية وعلى سطح الحياة اليومية في مجال الفصل بين اختصاصات العقل الإلهي الروحية واختصاصات العقل البشري الدنيوية. مثلما قيد العقل البشري سلطة الملوك المطلقة ، قيد أيضاً سلطة العقل الإلهي المطلقة لكي تنحصر في المنطق الروحي الحدسي وتتخلي عن الباقي لمنطق العقل التحليلي وللتجربة العلمية . العقل البشري السوي ديمقراطي إذن يعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر. كيف حقق العقل البشري هذه الفتوحات العلمانية في عالمنا المعاصر؟ بالعلم والتكنولوجيا اللذين يساعدان العقل البشري على فهم وتفسير ما كان يتراءي للإنسان معجزة. مثلاً كان رائد الفلسفة العقلانية الحديثة، ديكارت، يعتقد أن قوس قزح لا تفسير عقلانياً له لأنه معجزة إلهية، أي من اختصاص العقل الإلهي. لكن لو تبني اليوم تلميذ في الباكالوريا (الثانوية العامة)تفسير ديكارت في امتحان الفلسفة لنال صفراً. لأن العلم يعلمه اليوم، وفي الباكالوريا بالذات، أن قوس قزح ظاهرة جوية ناتجة عن انكسار وانعكاس أشعة الشمس في قطرات المطر. تقدم العلم والتكنولوجيا اتجاة تاريخي لا رجعة فيه. فأمم العالم المتقدم تتنافس في اكتساب مزيد من العلم والتكنولوجيا ، وأمم العالم المتأخر تحلم بهما أو تسعى جاهدة لإكتسابهما. احتكار العقل العلمي والتكنولوجي لفهم وتفسير الظواهر الاجتماعية والظواهر الكونية لنزع القداسة المزعومة عنها، لا يماثله إلا احتكار المنطق الروحي لفهم وتفسير الظواهر الروحية حدساً. هذا الإحتكار العقلي والروحي معاً لا يتم بدون ممانعة ودون مقاومة من الإسلام السياسي المعاصر الذي يقاوم منطق العقل العلمي ومنطق الروح الصوفي . لكنها مقاومة محكومة بالفشل بمقياس الخط البياني للتطور التاريخي منذ ظهور العقل البشري في القرن السادس قبل الميلاد إلى الآن حيث تحكم في المتناهي في الصغر (الذرة) والمتناهي في الكبر (الأفلاك) والمتناهي في التعقيد (الدماغ الإلكتروني) . ولأن الإسلام الصوفي هو الإسلام الشعبي الذي لم يستطع الإسلام السياسي حتى الآن نزع الشرعية عن رسالته اللاعنفية والعزوفة عن التدخل في السياسة .


    هل العلمانية ضرورية للمجتمعات العربية؟
    نعم العلمانية ضرورية على مستوى الوطن وعلى مستوى العالم للعيش معا بين جميع مكونات المجتمعً. معظم المجتمعات في العالم تتشكل من طيف عريض من الديانات والطوائف والمذاهب الدينية المتعارضة وأحياناً المتحاربة. إذا اعتمدت الدولة ديناً أو طائفة أو مذهباً واحداً لإحدى فئات مواطنيها ، فإن باقي مواطنيها المستبعدين سيشعرون بالإحباط لأنهم لا يستطيعون التعرف على أنفسهم، وعلى هويتهم في دين الدولة أو طائفتها أو مذهبها وسيبقون خارج المواطنة الكاملة ... المخرج من هذا المأزق، الحامل للحروب الدينية، هو علمانية الدولة. في الدولة العلمانية رابطة المواطنة لا تقوم على الدين أو الطائفة أو المذهب، بل تقوم على العقد الإجتماعي ، أي العقل البشري ، أي مصلحة المواطنين المفهومة فهما صحيحا. وهكذا فالدولة العلمانية تستمد شرعيتها من العقد الاجتماعي ، لا من الدين، لتنظيم حياة المجتمع وتحقيق السلام الداخلي بين دياناته وثقافاته . بدوره المجتمع العالمي مكون من طيف لا حصر له من الديانات والطوائف والمذاهب. لا يوجد دين واحد يمكن أن يحظي يتراضي غالبية سكان المعمورة ، فعلي أي أساس يقوم تنظيم المجموعة الدولية،وربما ذات يوم تحويل مجلس الأمن الموسع إلى حكومة عالمية؟ على العقل البشري ، أي المصلحة المشتركة في العيش معاً بين البشر على اختلاف أديانهم ومشاربهم والتي تضمن الحد الأدني من مصالح غالبية سكان المعمورة. العقل ، أي المصلحة المشتركة هو الذي يمكن أن يؤسس الحياة العامة في المجتمع القومي والمجتمع العالمي معاً. أما أنماط السلوك والمعتقدات والأراء فهذه من اختصاص منطق الروح الحدسي لا منطق العقل التحليلي. الدولة العلمانية تتدخل عندما ينتهك الأفراد أو الجماعات ، باسم معتقداتهم ، القانون الوضعي. لن تسمح بختان البنات باسم التقاليد الفرعونية ولا برجم الزاني والزانية وغيره من العقوبات الهمجية باسم الشريعة. تطبيق الشريعة الإسلامية التي "نزلت مكتملة" كما يقول الإسلامي المصري محمد عوده، سيثير ولا شك احتجاج أتباع الديانات الأخرى فتكون فتنة ... فضلاً عن أن الأحكام والعقوبات الشرعية تقادمت وغدت متصادمة مع روح الشرائع الحديثة المتعارضة مع العقوبات البدنية كالجلد وقطع اليد والرجم وقتل المرتد ... فلا مفر إذن من الالتجاء إلى القانون الوضعي لتفادي هذه المخاطر. وإذا اختارت الحكومة تعليماً إسلامياً، تقليديا وجهاديا ، فإن ذلك سيستفز المواطنين غير المسلمين والمسلمين العلمانيين والمتنورين، فضلاً عن أن العلوم الإسلامية تقادمت، "العلوم الشرعية" ، تقادمت إلى درجة أن دراستها كبديل عن مواد التعليم الحديث سيكون ضرباً من المازوخية، من الإلتذاذ بعقاب الذات بإبقائها في الحضيض . لا يمكن لأمة حديثة أن لا تكون لها قيم أخلاقية تحتكم إليها في تنظيم العلاقات بين مواطنيها. إذا كانت المنظومة القيمية هي قيم "الحلال والحرام، والمندوب المستحب"، فإن هذه القيم لن يقبلها إلا الوعي الجمعي لقطاع من المسلمين، أما باقي قطاعات المواطنين فستنفر منها لأنها تتنافي مع أخلاقها الدينية الخاصة بها أو قيمها الإنسانية العلمانية . هنا أيضاً لا مفر من تبني المنظومة القيمية العالمية التي يقبل بها الجميع. وهذه لا يمكن أن تكون إلا منظومة أخلاقية علمانية مثل حقوق الإنسان التي هي اليوم، بما يشبه الإجماع العالمي، الأخلاق الكونية للبشرية المعاصرة، وهكذا فالشريعة الإسلامية ، والتعليم الإسلامي، خاصة التقليدي والجهادي، والأخلاق الدينية غدت مصدراً لتفتيت وحدة الأمة بالتوترات والحروب الدينية.
    العلمانية هي مفتاح الحداثة السياسية. لأنها المبدأ الذي يفصل بين المؤمن والمواطن. إيمان المؤمن لنفسه، مقتصر على ضميره الفردي. لا علاقة له بحقوقه وواجباته كمواطن، المؤمن يمارس إيمانه الفردي في جامع أو كنيسه أو كنيس. فيما المواطن يمارس مواطنته، حقوقاً وواجبات، في حدود الوطن كله. لأن المواطنة حق مشاع لجميع المواطنين دون استثناء. السؤال هو كيف نصل إلى الفصل الضروري بين المؤمن والمواطن ، أي كيف نحقق المواطنة الحديثة التي لا تعرف ولا تعترف إلا بالإنتماء إلى الوطن؟ وكيف تحكم الدولة في الفضاء العربي الإسلامي مواطنيها بقوانين وضعية بالمعايير الدولية؟ بوسائل عدة في طليعتها تحديث التعليم وإصلاح الإسلام عبر إصلاح التعليم الديني، وقد أشرت إلى ذلك قبل قليل. وثانياً بالعمل دون كلل أو ملل – وهذه وصيتي لقرائي وأصدقائي – على إمتلاك فضائية علمانية لمنافسة "الجزيرة" الإسلامية الجهادية . الأثرياء العرب العلمانيون على قلتهم يستطيعون بإحسانهم إلى الفكر الحديث أن يتبرعوا لإنشاء هذه الفضائية . الأدمغة العربية المهاجرة قادرة أيضاً على تكوين جمعية إعلامية وجمع رأسمال كاف لتمويل مثل هذه الفضائية، الضرورية والممكنة. في انتظار ذلك ، لابد من الاستخدام المكثف لجميع المنابرالإعلامية و لمواقع الانترنت. أعلمتني د. إقبال الغربي، أستاذة علم الاجتماع وعلم النفس بالجامعة الزيتونية، أن 124 موقع انترنت يخصص كل منها صفحة لكتاباتي. وإن عدد المواقع التي تعمل على نشر أفكاري العلمانية مساوية لعدد مواقع الإسلاميين التي تروج لفقه الدولة الدينية : فقه الولاء والبراء وتكفير حوار الأديان والجهاد إلى قيام الساعة . حقاً سأفارق هذا العالم وأملي كبير في دخول العالم العربي والإسلامي ، الذي نذرت كل دقيقة من حياتي للإسهام ، فكرا وممارسة ، في تحديث عقلياته وقيمه ومؤسساته وإصلاح دينه ليصبح كباقي الديانات غير محارب للحداثة،و غير معاد للمرأة و لغير المسلم، وغير محارب للأديان الأخرى وغير كاره لمعتنقيها.
    المهمة المركزية الأولي هي إصلاح الإسلام، عبر إصلاح التعليم الديني والخطاب الديني، بنسف فقه الولاء والبراء العنصرى الإرهابي في حق الآخر والظلامي في حق المسلمين الذين يحرم عليهم تقليد حداثة "الكفار" أي "تقليد الغرب"، الذي لا حداثة عربية أسلامية خارج حداثته وأقل من ذلك ضد حداثته . والمهمة الثانية هي نسف النرجسية الدينية التي تعتبر الإسلام الدين الوحيد في العالم. أما اليهودية والمسيحية فهما مجرد شريعتين سابقتين لشريعته التي نسختهما وحلت محلهما. جميع الأنبياء كانوا مسلمين من إبراهيم إلى عيسى . هنا تكمن إحدى الأسرار الدينية للإرهاب الإسلامي، وهكذا نفهم لماذا صرح الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر سنة 2001 بأنه " لا معني لحوار الأديان إلا إذا كان دعوة بابا الفاتيكان إلى الدخول في الإسلام" !.
    أخصر الطرق لنسف النرجسية الدينية هو التعليم الديني الحديث الذي ينطلق من الآيات المسكونية الثلاث :" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ) 2 6البقرة) والتي تكررت في المائدة (69) وفي الحج (17). لترسيخ فكرة أن اليهودية والمسيحية ديانتان وليس مجرد شريعتين منسوختين بالشريعة الإسلامية كما يقول الفقه الإسلامي القديم وفقه الإسلام السياسي والجهادي المعاصر . اعتبار اليهودية والمسيحية مجرد شريعتين منسوختين، واعتبار الإسلام هو الدين الوحيد الذي لا خلاص لمن لا يدخل فيه، وبالتالي لابد من "الجهاد إلى قيام الساعة" لإدخال البشرية قاطبة في الإسلام طوعاً أوكرهاً ... هو إحدى أهم الأسباب الدينية للإرهاب الإسلامي ولرفض قطاع واسع من مسلمي الغرب التكيف مع المجتمعات العلمانية ذات التقاليد المسيحية التي يعيشون فيها . تدريس حوارالأيان، كضرورة للمسلم، لفتح وعيه للتسامح الديني ومعاصرة العصر، مهمة أساسية للمدرسة الدينية الإصلاحية . وهذا ما وعاه صانع القرار التونسي : في الجامعة التونسية يوجد " كرسي بن علي لحوار الأديان ". أيضا في الجامعة الزيتونية التونسية يدرس الطالب في مادة الكتب المقدسة "الكتاب المقدس والقرآن" ككتابين مقدسين مؤسسين لثلاث ديانات : اليهودية والمسيحية والإسلام. تكثيف حوار الأديان مع اليهودية والمسيحية، عبر المؤتمرات الدينية والعلمية وعبر الفضائيات والمناقشات المشتركة في وسائل الإعلام، كفيل بتعميم وترسيخ فكرة حوار الأديان لتنوير وعي المسلم بحقيقة أن الإسلام دين بين الأديان وليس الدين الوحيد الناسخ لجميع الأديان والشرائع السابقة له . ترجمة البحوث التي تتناول الديانات الأخرى بما فيها ، الهندوسية، والبوذية، والشانتونية، والإحيائية من شأنه توسيع آفاق المسلم الدينية وجعله يفهم دينه فهماً تاريخياً ونسبياً في سياق الظاهرة الدينية العالمية. وعلى صياغة وعي إسلامي مسكوني يكون مدخلاً للتطبيع الضروري بين الدولة في أرض الإسلام والقيم العالمية والقانون الدولي ، ولتطبيع علاقات الإسلام، كدين،مع اليهودية والمسيحية وباقي ديانات العالم بما في ذلك الاحيائية التي نظم الترابي حرباً جهادية لإبادتها في جنوب السودان. بإمكان الإسلام المعاصر أن يتلاقح مع البوذية المسالمة التي ساعدت الوعي الجمعي الياباني على استقبال الحداثة الغربية وخاصة على عدم السقوط في فخ الجهاد والاستشهاد الذي سقطنا فيه نحن المسلمين، بسبب ثقافة الجهاد والاستشهاد الراسخة في وعينا الديني على مر العصور .
    كل دولة مسلمة ستكيف المبادئ العلمانية مع واقعها الاجتماعي – الثقافي، مع الحفاظ على المعالم الأساسية لهذه المبادئ. المبدأ الأول،الاعتراف بالمواطنة الكاملة التي تسمح للمرأة بأن ترشح نفسها لحكم الرجال، ولغير المسلم بأن يرشح نفسه لحكم المسلمين. في البداية قد يكون ذلك حقاً رمزياً ، لكن مع تغلغل العلمانية في الوعي الإسلامي سيصبح حقاً فعلياً. كيف ننسي أن رئيسة جمهورية بنجلاديش، إمرأة، وبناظير بوتو انتخبت رئيسة لحكومة باكستان مرتين ؟ فلماذا لا تنتخب امرأة أوقبطي رئيساً لجمهورية مصر في المستقبل؟. المبدأ الثاني،هو حرية ممارسة الشعائر الدينية أي الإعتراف لجميع المواطنين بحرية ممارسة شعائرهم وبناء جوامعهم وكنائسهم ومعابدهم دون تمييز بينهم ودون تضييق عليهم . الدولة التي تشجع بناء المساجد وتضيق على بناء الكنائس تنتهك ولا شك مبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية. والمبدأ الثالث، تطبيق القانون الوضعي في جميع المجالات، خاصة الجزائية والمدنية. بل إني أقترح على المثقفين في العالم العربي بأن يطالبوا المجتمع المدني العالمي والأمم المتحدة والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية باعتبار تطبيق العقوبات البدنية الإسلامية جريمة . وهذا ما طالبت به سنة 2001 في " الجزيرة " فقرر الأمير خالد بن سلطان منعي من الكتابة في " الحياة " ! المبدأ الرابع، ترسيخ مبدأ حرية الضمير وحرية اختيار الدين. حرية الضمير تعني حق الإنسان في أن يأخذ بدين معين أو أن لا يأخذ بدين من الأديان. وهذا الحق يعترف له به القرآن :"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، يفسر محمد عبده هذه الآية :" من شاء أن يدخل فيه [الإسلام] فليدخل، ومن شاء أن يخرج منه فليخرج"، اعتبر الشافعي أن من حق المسلم إلى سن الخامسة عشر أن يختار أي دين يشاء ، فلماذا لا نلغي اليوم، في عصر حقوق الإنسان، حاجز السن ونجعله حقاً للمسلم مهما كان سنه؟. المبدأ الخامس، إصلاح التعليم الديني بالمواصفات التي سبق لي أن ذكرتها في هذا الحديث، إضافة إلى تدريس حقوق الإنسان، كما في تونس، لفتح الوعي الإسلامي للقيم الإنسانية الكونية التي لا تتناقض مع الخطاب الديني – الروحي ومع مكارم الأخلاق كالصدق والتضامن والرحمة والاستقامة بل تتكامل معها. تطبيق هذه المبادئ الخمسة يشكل مضمون العلمانية في أرض الإسلام بقطع النظر عن الشكليات القانونية أو الدستورية التي سيكتسيها هذا المضمون.
    السؤال، كل السؤال، من يستطيع أن يحقق هذه المهام الجسام التي يتوقف عليها إصلاح الإسلام ومساعدة الوعي الإسلامي على تبني حداثة "الآخر"، التي لا حداثة بدونها؟ المراهنة على الأنظمة هي كالمراهنة على ربح الحصة الكبرى في اليانصيب (لوتو). المراهنة الصحيحة تكون على أصحاب المصلحة في فتح الوعي الإسلامي والواقع العربي الإسلامي للعلمانية. من هم أصحاب المصلحة في الفصل بين الدين والسياسة، وبين الدين والعلم، وبين الدين والإبداع الأدبي والفني ؟ هم الأقليات القومية والدينية والنساء الذين حرمتهم جميعاً الدولة الدينية من حقوق المواطنة الكاملة. أضف إليهم الأدباء والعلماء والباحثين والفنانين والمبدعين وجمهورهم، أي القطاع المتعلم والمتنور من المجتمعات العربية الإسلامية. هؤلاء جميعاً لا خلاص لهم من مقص الرقيب وسيف الجلاد إلا بالعلمانية التي تقطع دابر التعصب والإرهاب الدينيين وتتيح الفرصة للجميع، لمن يؤمنون بجميع الأديان ولمن لا يأخذون بدين من الأديان، للتعبير الحر والسلمي عن قناعاتهم دون مجازفة بالحرية أو بالحياة.
    هذه القوى الحية مازالت ضعيفة عدداً وإمكانيات بسبب تقليدية وتأخر المجتمعات الإسلامية. من هنا الأهمية الحاسمة لتكوين جبهة عالمية لنشر العلمانية في أرض الإسلام قوامها المجتمع المدني العالمي، الإعلام العالمي، الدبلوماسية الدولية لمساعدة القوى الحية في البلدان العربية والإسلامية. هذه القوى العالمية لها هي أيضاً مصلحة في العلمانية لأنها معنية بتجفيف ينابيع الإرهاب. والدولة الدينية ، والتعليم الديني التقليدي الإرهابي، ونشر كراهية الآخر عبر نشر فقه الولاء والبراء، ورفض حوار الأديان وتكفير من يقلد الغرب أو يتعاون معه، كلها ينابيع دينية ثرية للإرهاب الإسلامي.
    أقترح على هذه القوى العالمية والدولية اعتبار التعليم الديني السائد في معظم البلدان العربية والإسلامية تحريضاً على الإرهاب ، واعتبار الإعلام الديني السائد تحريضاً على الكراهية والتمييز الديني. كما أقترح أن تتضمن اتفاقات الشراكة الأوربية العربية، والشراكة الأمريكية – العربية بنوداً تحرم التمييز الديني ضد المرأة وضد المواطنين غير المسلمين. هذا التمييز الذي يجسده اعتبار الشريعة مصدراً أساسيا للتشريع. والشريعة تعتبر المرأة ناقصة عقل في الولاية وناقصة دين في العبادة، وتعتبر المواطن غير المسلم أهل ذمة، أي صفر – مواطن، وهكذا يساعد العالم الفضاء العربي الإسلامي على الخروج من تأخره التاريخي للإنخراط في الحداثة العالمية التي فاته قطارها منذ القرن السادس عشر عندما انخرطت المسيحية في الاصلاح الديني وغاص هو في الجمود الديني إلى الأذقان.

    هل الديمقراطية ممكنة من دون العلمانية؟
    كلا. لأن الديمقراطية والعلمانية الناضجتين ، خاصة في أرض الإسلام ، هما كوجه الورقة وقفاها. لماذا ؟ الديمقراطية الناضجة تفترض وجوباً الاعتراف بالمواطنة الكاملة للمرأة وللمواطن غير المسلم أو غير المؤمن . مثل هذه المواطنة الكاملة تفترض العلمانية، أي الإعتراف لكل مواطن بجميع حقوق المواطنة . أية ديمقراطية في الكويت ونصف السكان، النساء، محرومون من حقوق المواطنة، أي من حق أن يكن ناخبات ومنتخبات؟ لأن شيوخ الإسلاميين وشيوخ القبائل اتفقوا ، اعتماداً على فتوى دينية بعدم أهلية المرأة السياسية أصدرتها وزارة الأوقاف الكويتية سنة 1985، على رفض مشروع الحكومة الذي قدمته للبرلمان للإعتراف للمرأة بحقوق المواطنة السياسية . وأية ديمقراطية فيها طالما الشيعة مهمشون سياسياً ؟ وأية ديمقراطية في الأردن طالما البرلمان ، الذي يتحكم فيه تحالف الإسلاميين وشيوخ العشائر، يرفض مشروع قانون حكومي لتشديد عقاب المرتكبين لجرائم الشرف ضد النساء. وهكذا لا معنى للديمقراطية، التي تعتبر الولايات المتحدة غيابها سبب الإرهاب الإسلامي ، بدون الاعتراف أولاً بالمواطنة الحديثة للمرأة وغير المسلم وغير المؤمن. طبعاً تريد إدارة بوش ، عبر الانتخابات الديمقراطية استيلاء الإسلاميين على الحكم، كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية ، كوندي ، في الأسبوع الأول من شهر إبريل – نيسان. لا مانع من ذلك فصعود الإسلاميين إلى الحكم في كثير من البلدان العربية الإسلامية سيكون، أكبر الظن، الطريق إلى العلمانية. لا يوجد شعب في أرض الإسلام أكثر علمانية من الشعب الإيراني الذي كان قبل ربع قرن شعباً من الملالي. لكن الثمن سيكون باهظاً : سيشنق العلمانيون على قارعة الطريق، وسترجم النساء بعشرات الآلاف وستنظم المجازر للأقليات الدينية والقومية ... وستصبح كل دولة إسلامية قاعدة لـ"القاعدة"على غرار ما حدث في إيران الخمينية والسودان الترابية وأفغانستان الطالبانية .
    ما العمل؟
    استصدار قرار من مجلس الأمن للتدخل العسكري في الحالات الأربع التالية : إذا شرع الإسلاميون في رجم النساء، وإذا نظموا مجازر للأقليات الدينية والقومية، وإذا حلوا الجيوش لتعويضها بالميليشيات الإسلامية التي ستشكل قاعدتهم الإجتماعية بعد يأس الشعب منهم، وإذا رفضوا التداول السلمي على الحكم بعد تجربة الجمهور لهم واليأس من وعودهم الخلاصية المستحيلة التحقيق. عندئذ يكون مجيء الإسلاميين إلى السلطة مقدمة لمجيء الحداثة في ركابهم ... لأن الشعوب ستكتشف أن لعب ورقة الدولة الإسلامية خاسرة، وأن مستقبلها جزء لا يتجزأ من مستقبل العالم وليس في ماضيها الذي مضي وانقضي إلى غير رجعة. ولعل هذا هو ما أدركه أخيراً منير شفيق عندما نصح الإسلاميين بالبقاء في المعارضة، كجماعات ضغط، والعزوف عن السلطة وعياً منه باستحالة تطبيق مشروعهم الذي تجاوزه التاريخ .

    لماذا تسمح الإدارة الأمريكية لبلدان بكاملها أن تصبح قاعدة لـ "القاعدة"؟
    رئيس مجلس الأمن القومي في ولاية كلينتون، الأولي ، انتوني بيرغر، قال في مقال له في التسعينات نشره في"فورين افريز" المتخصصة في السياسة الخارجية : في عهد الشاه كان الشباب الإيراني في جامعات أمريكا متعاطفاً مع الشيوعية. أما في ظل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن أسلوب الحياة الأمريكية غدا المثل الأعلى للشباب الإيراني. وأضاف مبررا مساندة واشنطن لمجيء جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى حكم الجزائر: وإذا حكم الإسلاميون في الجزائر، فالشباب الجزائري، المناهض لنا اليوم، سيصبح غداً متعلقاً بأسلوب الحياة الأمريكي.
    صرحت مؤخراً شخصية أمريكية في حديث خاص مع أحد السفراء العرب بأن الرئيس بوش أكثر شعبية في إيران من خاتمي وخامينائي معاً.
    بالتأكيد سيصبح "أسلوب الحياة الأمريكي" ، في ظل حكم الإسلاميين، هو المثل الأعلى للشباب العربي والإسلامي. لكن من العمي السياسي أن يأخذ صانع القرار الأمريكي قراراً استراتيجياً بدافع واحد وحيد هو اعتناق الشباب المسلم لأسلوب الحياة الأمريكي ! لكن ماذا عن مصير النساء ، والأقليات الدينية والقومية واستفحال الإرهاب ؟ من دون تحديد استراتيجية واضحة ومعلنة للتدخل العسكري الأممي أو الأطلسي في الحالات الأربع التي ذكرتها آنفاً ـ فإن الولايات المتحدة ستكسب دون شك تعلق الشباب المسلم بأسلوبها في الحياة ، كما في إيران ... لكنها ستخسر ، ومعها العالم كله، بتركها العالم العربي يغوص، تحت حكم الإسلام السياسي والجهادي، في الفوضي الدامية والإرهاب اللذين يشكلان التحديين الحقيقيين للحضارة المعاصرة.





    --------------------------------------------------------------------------------
    :
                  

05-01-2005, 04:43 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    قراءة في آية (وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم)

    سنحاول مقاربة هذه الآية من زاوية تحديدها للإطار العام لممارسة السياسة داخل الجماعة الإسلامية الوليدة
    و الآية من حيث المبدأ نص سياسي محض, قد لا نرى في بقية القرآن آيةً تضاهيه من هذه الزاوية, رغم العبق المشترك الذي يميز الكلام المتعالي ( بلغة أركون ) وهو عبق تصنعه ظاهرة الوحي, يشمه المؤمن بواسطة ذائقة أعيد تشكيلها بالتدريج. إنه النص , ينحت مذاقه في مجرى جدلية ( النص متلقيه ) ببطء ولكن بحزم كما يفعل الموج باليابسة .
    الآية محشوة حتى الاكتناز بالمفاهيم . ففي عبارة مؤلفة من ستة مفردات مع واو مكررة ثلاثاً,يوجد أربعة مفاهيم هي على التولي:
    أولاً – الطاعة: وهي علاقة بين جمهور المؤمنين داخل الجماعة الإسلامية من جهة, و الله أولاً و الرسول ثانياً, و أولي الأمر ثالثاً من جهةٍ ثانية.
    وهي علاقة غير ندية أولاً, فهي بين مستويين أعلى و أدنى. و هي ثانياً علاقة باتجاه واحد, أي أنها تفرض التزامات محددة على جهة دون الأخرى.
    ثانياً – الله: وهو الحاكم المطلق يأتي في مقدمة الثلاثة, إلا أنه في الممارسة يتنحى جانباً لصالح الأخيرين ( الرسول – أولي الأمر ) مانحاً بتفاوت مساحة من الصلاحيات التي يفرضها مفهوم الطاعة .
    ثالثاً – الرسول: وهو بشري يحكم بإطلاق مسلحاً بمفهوم العصمة المضمرة في السياق العام لظاهرة الوحي.
    رابعاً – أولي الأمر منكم : وهي النخبة الضيقة التي تحتكر ممارسة السياسة في إطار الجماعة الإسلامية .
    و لاحقاً سنرى أن هذه الدائرة التي تؤطر ممارسة السياسة في الجماعة الإسلامية , تنطبق حوافها على دائرة ممارسة السياسة داخل القبيلة ( الصيغة الأقدم من الجماعة الإسلامية ) و التي حاكت جدليتهما ( الإسلام القبيلة ) السيرورة التاريخية لكل المجتمعات التي تأثرت بالظاهرة الإسلامية .
    ملاحظات:
    أولاً – إن الله و الرسول يشتركان في نقطتين ( الفردية – العصمة ) ويتفارقان فيما عداهما ( خالق مخلوق... إلخ )
    ثانياً – إن الرسول و أولي الأمر يشتركان في الصفة ( مخلوق ) و يفترقان في العدد ( مفرد جمع ) و يتفاوتان في الصلاحيات ( عصمة اجتهاد برأي ) ( 1)
    ثالثاً – إن الأرثوذكسية الإسلامية قد جرى تحديدها بنقطتين هي على التوالي: الله, الرسول. و لاحقاً ستتفرّع الأرثوذكسيات الإسلامية . فعبر التلاعب تحت ضغط الإختلاف بالنصين الممثلين لله و الرسول و هما على التوالي ( القرآن , السنة النبوية ) جرى زحزحة كل منهما لتوليد خط مستقيم جديد ( أرثوذكسية جديدة )
    كان كل اختلاف يلقى نجاحاً سسيولوجياً يوّلد في التاريخ أرثوذكسية جديدة . إلا محددات ستتبلور بالتدريج و تشتغل كمعوقات في وجه توالد المزيد من الأرثوذكسيات , تمثلت في الإنتقال إلى التدوين .
    لقد اختتمت معركة تدوين القرآن رسمياً حوالي أوائل القرن الرابع الهجري, بسحب ما سمي( بمصحف فاطمة ) من التداول (2). إلا أن التأويل ظل نافذة مفتوحة على إمكانية زحزحة المعنى المحبوس في الكلام المتعالي إلى هذه المسافة أو تلك التي يسمح بها فقه اللغة العربية من جهة , و الإنزياحات في مدلول الكلمات عبر التاريخ التي تخضع لها اللغة في الاستعمال .
    أما فيما يخص النقطة التي تمثل الرسول , و إمكانية زحزحتها فقد خضعت لنفس المؤثرات المعيقة , بتحول الشفهي إلى كتابي حوالي نهاية القرن الرابع الهجري ( 3)
    تشكل هذه المرحلة الطويلة نسبياً ( حوالي أربعة قرون ) مرحلة الخصب في الحياة العقلية للجماعة الإسلامية
    لقد جرى توسيع الفضاء الثقافي(للإسلام في الاستعمال)إلى أقصى الحدود التي تسمح بها تخوم فلسفة الوحي.
    لقد قاد المعتزلة عملية توسيع تخوم المفكر فيه إلى الحافة التي يهدد اجتيازها بانفلاش الفضاء الثقافي المبني على فلسفة الوحي . ولعل كل ذلك قد جرى في إطار الجدلية الأوسع نطاقاً التي تتحكم بسيرورة التحول الإجتماعي الإقتصادي داخل التشكيلة الخراجية .
    إن اتساع استعمال النقد في المبادلات المادية , و التجارة البعيدة المدى قد سمحت بدخول المنطقة في مرحلة التراكم البدئي الرأسمالي . إلا أن هذا ليس موضوع حديثنا. نعود إلى الآية نقطة انطلاق هذا الحديث لنلاحظ أن مفهوم ( أولي الأمر منكم ) الذي احتل المركز الثالث , و الذي له على المؤمنين حق الطاعة , لم يصمد في الاستعمال أكثر من البرهة التي اصطلح على تسميتها بالمرحلة الراشدية . و هي هامش قصير لا يتعدى الثلاثة عقود, تفصل بين انزلاق مفهوم الطاعة من المركز الثاني ( الرسل ) إلى المركز الثالث ( أولي الأمر ) , قبل أن يعود إلى المركز الثاني : المخلوق الفرد المتمتع بصلاحيات استثنائية من المركز الأول ( الله ) : الخالق الفرد المطلق .
    إلى أن العودة لم تتم بدون مساومة توصل إليها مؤسس السلالة الأموية التي حكمت لقرنٍ من السنين تقريباً ( معاوية ) مع التوازنات الجديدة التي تمخضت عنها الظاهرة الدينية , أعني ( جماعة القراء ) وهم نوع من أكليروس المرحلة الشرعية , الذين تولوا حفظ النص المقدس , و مثلوا النواة لجماعة الفقهاء اللاحقة في إطار التحول إلى الكتابة , سواءً على صعيد تدوين النصوص المقدسة أو على صعيد الأرشفة بشكل عام , أعني انتصار العقل الكتابي .
    إن الدولة بحاجاتها المتنوعة و الجديدة على المجتمعات الموصوفة بالجاهلية قد وّلدت سياقاً جاذباً للنخب التي ارتضت الانخراط بالإستراتيجيات المنبثقة عن السلطة الأموية و لاحقاً العباسية . ولقد تدرجت أشكال الممانعة التي أبداها جمهور القراء. لجهة النموذج السياسي المرتجى للدولة الإسلامية . ولاحقاً شكلت هذه التيارات السياسية التيارات المذهبية الكبرى ( السنّية , الشيعية , الخارجية ) . وهكذا شكلت هذه الآية المعين اللاهوتي – السياسي للتيارات العقائدية الرئيسية الثلاث.
    أولاً – لقد حاول الخوارج , و هم جمهور القراء في جيش الخليفة الرابع على بن أبي طالب , توسيع مفهوم (أولي الأمر ) الذي حصرته الممارسة في المرحلة الراشدية داخل الدائرة القرشية , ليطال لاحقاً في إطار المماحكة الفقهية – السياسية مع كل من السنّة و الشيعة , كل عربي مسلم كفؤ .
    ثانياً – و على الطرف الآخر حيث تحلق تيار من القراء حول الحق المطلق لعلي بن أبي طالب , ولاحقاً ذريته من فاطمة ابنة الرسول محمد في تولي الأمر , تشكل التيار الشيعي العريض بتلاوينه الرئيسية : الزيدية , و الإثني عشرية , و الإسماعيلية .
    ثالثاً – بين التطرفيين الشيعي و الخارجي – و في مجرى الصراع السياسي العسكري بين البيتين القرشيين ( الأموي الهاشمي ) الذي اندلع عسكرياً بعد تسلم الخليفة الرابع على بن أبي طالب الخلافة , استطاع مؤسس السلالة الأموية معاوية بن أبي سفيان أن يرسي دعائم صيغة وسطية لتقاسم الفضاء ( السياسي اللاهوتي )
    بينه كحاكم سياسي و بين القراء كمتحكمين بالشق اللاهوتي .
    بين الصيغة( الخارجية) التي تصطدم بالشروط التقنية و السسيولوجية السائدة آن ذاك , و الصيغة الشيعية التي تشكل انكفاءً إلى الوراء عن صيغة شورى القبيلة التي تشكل تحسيناً لأشكال ممارسة السياسة في إطار البيئة القبلية . كانت الصيغة التوفيقية التي التف حولها أكثر الجمهور ( الباحث عن الأمن ) ووضعها موضع التنفيذ معاوية بن أبي سفيان ... و التي أخذت لاحقاً شكلها المذهبي و اصطلحت على تسمية نفسها بأهل السنة و الجماعة.
    *******

    يكشف محمد أركون في كتابه ( رهانات المعنى و إرادات الهيمنة ) (4)أن المقابل الإسلامي للمسيح عند النصارى ليس النبي محمد , بل هو القرآن ( كلام الله المجموع في المصحف العثماني ) . بدليل أن المعارك اللاهوتية التي دارت حول إشكالية صفات المسيح , و أدت إلى انشقاق مبكر للكنيسة , لها ما يقابلها على الضفة الإسلامية . إلا أن ميدانها كان صفات القران لا صفات النبي محمد.
    يصح هذا الاستنتاج لأركون إذا ضيقنا تخوم الإسلام لتطابق أهل السنة و الجماعة . بمعنى أن المقارنة بين الإشكاليات المنعقدة حول المقدس في كل من الإسلام السني و المسيحية, فإن قطبي المقارنة هما المسيح من جهة و القرآن من جهة ثانية.
    تفتح هذه الملامسة من قبل أركون لإحدى المشكلات اللاهوتية داخل التوحيد: الإسلامي المسيحي, الطريق لملامسة أخرى للانشقاق اللاهوتي داخل البيت الإسلامي ( السني – الشيعي ) أقصد الانشقاق حول صفة الإيمان. و بادئ ذي بدء: إن هذه الإشكالية الأخيرة هي أسبق زمنياً من إشكالية خلق القرآن, التي انفجرت في عصر المأمون بين المعتزلة من جهة و بين بقية المذاهب من جهة أخرى ( السنية و الشيعية ) و ليس مع الحنابلة كما قد يتبادر إلى الذهن.
    و تلفت النظر وصية منسوبة للإمام على بن أبي طالب صيغت على شكل توجيهات عامة لموفده إلى الخوارج , و هم جمهور القراء في جيشه الذين اشقوا عنه بعد معركة صفين و تكتلوا ضده وواجهوه لاحقاً في معركة النهر وان . التوجيهات كانت لموفده إليهم : عبد الله بن عباس . ملخص هذه التوجيهات هي أن لا يساجلهم في القرآن ( فهو حمال أوجه ) بل يساجلهم بالسنة (5)...
    تفتح هذه التوجيهات الطرق لقراءة متنوعة لحضور المقدس وفاعليته في حياة مسلمي تلك المرحلة التدشينية.
    فمن جهة هناك اعتراف ضمني بشرعية الإختلاف حول القرآن . ذلك أن توصيفه من قبل علي بن أبي طالب بموقعه في الإسلام ألتدشيني , ( بحمال أوجه ) لا يمكن فهمه إلا كإرهاصات ( معتزلية ) . هذا من جهة و من جهة أخرى تقدم هذه المعلومة حقيقة أسبقية الإختلاف حول القرآن زمنياً على الإختلاف حول السنة النبوية . و هناك من جهة ثالثة محولة لضبط الإختلاف وتضييق مساحته باستخدام الممارسة النبوية لمحمد ( قولا و سلوكاً 0)كإطار ينحبس فيه التنوع الدلالي المذهل للكلام الإلهي .
    ثانياً – إن الانشقاق اللاهوتي : السني الشيعي يعبر في أحد مدلولاته عن نكوص نحو التجسيد المسيحي منظوراً لهذا الأمر بمنظار السيرورة العامة للتجريد و تأثيراتها على زاوية التعامل مع المقدس .
    إذ يمكن القول أن مفهوم الله قد تابعت سيرورة التجريد عملية تنزيهه في معمعان التجربة الروحية للحوض ( اليهودي المسيحي الإسلامي ) الذي احتضن فكرة التوحيد . و من هذه الزاوية يمكن فهم اصطدام محاولة المعتزلة متابعة عملية تنزيه الذات الإلهية بمصاعب لاهوتية متنوعة المصادر عقائدياً .
    و يمكن القول أيضاً أن ثنائية التجسيد التجريد قد ناس بينهما العقل البشري في مغامرته لإنتاج المعنى المستمرة حتى الآن.
    كما أن نوسان المقدس بين التجريد و التجسيد على صلة بجدليات نمطي العيش المبكرين للجماعات البشرية : الرعي الزراعة . ورغم أن هذه الصلة لم تتكشف كل نقاط تمفصلها مع نمطي العيش هذين , إلا أن انبثاق الديانات التوحيدية : اليهودية و الإسلامية من جهة و المسيحية من جهة أخرى يفتح الطريق على هذا الاحتمال ( ارتباط التجسيد بالزراعة و التجريد بالرعي ) .

    هوامش:
    1-أجاب علي بن أبي طالب حين عرضت عليه المبايعة بالخلافة إثناء شورى الستة:
    ا-بل على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد رأي – نهج البلاغة-شرح ابن أبي الحديد-ص-162-ج-1
    ب= = = = = = ما استطعت –تاريخ اليعقوبي
    2-سحب قران فاطمة من التداول أثناء تولي البويهيين الا مر في بغداد في ظروف استثنائية(صراع بين الخلافتين :العباسية السنية/الفاطمية الشيعية في الفاصل البويهي-الشيعي من الخلافة العباسية)
    3-تاريخ وفاة البخاري ومسلم, جامعي الحديث المعتمدين من قبل أهل السنة والجماعة:261-256-ه على التوالي..
    -تاريخ وفاة الكليني وابن بابويه مرجعي الحديث المعتمدين للشيعة:322-381 –ه على التوالي.
    4-الاسلام أوربا الغرب-محمد أركون- دار الساقي.
    5-نهج البلاغة –مصدر سابق
    سامي العباس
                  

05-01-2005, 05:48 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    قتال المسيحيين واليهود أمر من الله


    --------------------------------------------------------------------------------

    www.annaqed.com

    "‏قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ." ‏ سورة التوبة: رقم 9 آية رقم 29

    *********

    تفسير الآية حسب "الجلالين":

    "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر": وإلا لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم

    "ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله": كالخمر

    "ولا يدينون دين الحق": الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام

    "من الذين أوتوا الكتاب": أي اليهود والنصارى

    "حتى يعطوا الجزية" الخراج المضروب عليهم كل عام

    "عن يد": أي منقادين أو بأيديهم لا يوكلون بها

    "وهم صاغرون": أذلاء منقادون لحكم الإسلام.


    بلغة أبسـط: يأمر الله هنا المسلمين بقتـال اليهود والمسيحيين إلى أن يؤمنوا بدين الإسلام الذي ألغى بظهوره كل الأديان الأخرى، ولا يخلّصهم من ذلك إلا أن يدفعوا ضريبة الذل. ونسميها "ضريبة الذل" لأن الله يريد من المسيحيين واليهود أن يدفعوها للمسلمين وهم يشعرون بالذل.


    ‏وجاء في تفسير الطبري:

    وأما قوله: {وهم صاغرون} فإن معناه: وهم أذلاء مقهورون. وأيضاً: أن يعطوها وهم واقفون والآخذ جالس.


    وجاء في تفسير ابن كثير:

    بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك..

    أما عن قوله وهم صاغرون: "أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي منها ماكان خططا للمسلمين وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل وأن ننزل من رأينا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ولا نئوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شركا ولا ندعو إليه أحدا ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقاديم رءوسنا وأن نلزم زينا حيثما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا وأن لا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء في حضرة المسلمين ولا نخرج شعانين ولا بعوثا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهـر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم.

    قال فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه ولا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق.


    بلغة أبسط: ساير محمد اليهود والمسيحيين إلى أن استطاع أن يؤسس جيشاً يثق في قدرته على قتالهم فأعلن آنذاك الحرب ضدهم. وأكّد ابن كثير هنا في تفسيره لهذه الآية على ضرورة معاملة اليهود والمسيحيين باحتقار إلى درجة أنه يتوجب على المسلم أن يأخذ ضريبة الذل منهم وهم واقفون وهو جالس. واستشهد على ضرورة احتقارهم بما أمر به محمد المسلمين أن لا يبدءوا اليهود أو المسيحيين بالسلام. فالمسيحيون واليهود هم الذين يتوجب عليهم طرح السلام. وأنه إذا صادف أحد المسلمين في الطريق يهودياً أو مسيحياً فعلى ذلك اليهودي أو المسيحي أن يبتعد إلى أقصى الطرف الآخر من الطريق.


    وجاء في تفسير القرطبي:

    قال الشافعي رحمه الله: لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتـاب خاصة عربـا كانوا أو عجما لهذه الآية، فإنهم هم الذين خصوا بالذكر فتوجه الحكم إليهم دون من ســواهم لقوله عز وجل: "فاقتلــوا المشركين حيث وجدتموهم" (التوبة 5 ). ولم يقل: حتى يعطوا الجزية كما قال في أهل الكتاب.

    وقال الأوزاعي: تؤخذ الجزية من كل عابد وثن أو نار أو جاحد أو مكذب.

    وكذلك مذهب مالك، فإنه رأى الجزية تؤخذ من جميع أجناس الشرك والجحد، عربيا أو عجميا، تغلبيا أو قرشيا، كائنا من كان، إلا المرتد.


    بلغة أبسـط: قال بعض أهل العلم من المسلمين بأنه لا يجوز أن تؤخذ الجزية إلا من المسيحيين واليهود إذا فضّلوا الحفاظ على معتقداتهم وعدم دخول الإســلام أما عبدة الأصنام وأمثالهم من المشركين فإما أن يدينوا بالإسلام أو يُقـتَـلوا حسب ما ورد في سورة التوبة: "فاقتلــوا المشركين حيث وجدتموهم"! ولكن آخرين من أهل العلم أفـتـوا بأنه يجوز أخذها من كل الناس سواء كانوا عرباً أو غير عرب أو عبدة أوثان أو عبدة نار أو غيرهم.

    المختصر:

    أمر الله بقتال كل الذين لا يؤمنون به وفوّض المسلمين بتنفيذ الأمر.

    سمح الله لمحمد أن يساير اليهود والمسيحيين إلى أن تتوفّر لديه القوة على قتالهم. وحين تم له ذلك انقلب عليهم وأمر بقتالهم. ورغم أن الغاية من أمر الله لمحمد بقتال اليهود والمسيحيين هي أن يجبرهم على الإيمان به، فقد سمح له أن يستعيض عن ذلك بمبلغ معين من المال يسمى "الجزية" يدفعونه له لقاء المحافظة على معتقداتهم، حتى ولو كان بعض الذين يقاتلهم، حسب ما يقول العلماء، من عبدة النار وغير ذلك. دفع هذه الجزية له أصول وإتكيت، منها أن يجلس المسلم وهو يقبضها بينما يقف المسيحي أو اليهودي ويقدمها للمسلم مطأطئ الرأس ذليل النفس.

    يجب أن يتحاشى المسيحي أو اليهودي أن يعترض طريق المسلم كما يجب على الواحد منهما أن يبدأ المسلم بالتحية والسلام.

    جمع المال بالنسبة للفاتحين المسلمين كان أهم من نشر الدعوة الإسلامية. فقط أولئك الذين كانوا يرفضون دفع المال كانوا يُخيَّرون بين الإسلام أو الموت.

    *************

    من كتاب "تيسير العسير في كتب التفاسير"
                  

05-18-2005, 05:14 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    1-الجهاد والحرب.. بين المبادئ والمصالح

    أ. معتز الخطيب 16/09/2002

    islamonline.net

    في القديم كانت الحرب تبدأ بالقتال، لكنها الآن أصبحت تبدأ بالمفاهيم والأفكار والمصطلحات، وتسويق الصور والرؤى التي تسعى إلى تهيئة الرأي العام لتقبل أكثر الممارسات تطرفًا. وتتسنى تلك العمليات التي تقترب من صور غسيل المخ من خلال الاستثمار السياسي والأيديولوجي لأفكار ومفاهيم تحظى بالجاذبية؛ وذلك بتحويلها إلى شعارات لتلك الممارسات التي هي أبعد ما تكون عنها؛ لأن الآلة الإعلامية تفعل فعلها في إعادة تشكيل المفاهيم لحسابات خاصة.

    وفي وقت الأزمات يصبح من الملحّ إعادة تثبيت وتنقية المفاهيم ذات العلاقة، ومفهومَا "الجهاد" و"الحرب" من أبرز المفاهيم التي تفرض الأحداث القريبة الماضية والحالية إعادة تثبيتها وتنقيتها في سياق المبادئ والمصالح، مع بيان إلى أي مدى تتحكم المفاهيم في السلوكيات والممارسات، فضلاً عن مقاربة أزمة الحضارة من زاوية مفهومي الجهاد والحرب. إن سؤالنا الأساسي هو: هل الحرب والجهاد شيء واحد، أم أن الجهاد مفهوم والحرب مفهوم بعيد عنه كل البعد؟

    مفهوم الجـهاد.. إحاطة بالأبعاد

    "الجهاد"، و"الحرب"، و"الغزو": في الأصل اللغوي تدور حول معنى "القتال مع العدو"، وقد استعمل القرآن الكريم "الحرب" بمعنى القتال في مواضع، منها: "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" (المائدة: 64)، وجرى الاستعمال في عرف الفقهاء على هذا "الاشتراك اللغوي" في الألفاظ الثلاثة.

    لكن "للجهاد" دلالات أخرى في المفهوم الإسلامي العام، اهتم الفقيه منها بـ"القتال" فقط؛ لأنه يتصل بحقل تخصصه، ونحن نهتم به هنا؛ لأننا نضعه بمقابلة "الحرب".

    ويقسم العلماء "الجهاد" إلى ثلاثة أقسام تندرج كلها تحت مسمى "مجاهدة العدو". وهذا العدو يكون ظاهرًا (القتال وهو محل اهتمام الفقيه)، ويكون الشيطان، والنفس (وهو مجال اهتمام الداعية والواعظ). وهذه الثلاثة (العدو الظاهر - الشيطان - النفس) يشملها في الإسلام وصف "عدو"، واشتملت عليها آيات كثيرة، وهي داخلة في عموميات قوله تعالى: "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (البقرة: 195)، وقوله تعالى: "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ" (الحج: 7.

    وتوضح آيات وأحاديث كثيرة أن "الجهاد" هو لتكون "كلمة الله هي العليا" (التوبة: 40)، وأنه "في سبيل الله" (البقرة: 195)، وهو محل إجماع بين علماء المسلمين.

    ومن الملاحظ كثرة استعمال تعبير "الجهاد" في العصر الحديث بدءاً من "الجهاد ضد الإلحاد الروسي"، وانتهاء "بجهاد بن لادن ضد أمريكا"، مرورًا بتسمية حركات وتنظيمات مختلفة بهذا الاسم؛ ما يسمح بتفسيرات متنوعة لكلمة "الجهاد"، فضلاً عن التوظيفات السياسية للمصطلح.

    وفي المقابل تتم ترجمة نفس المفهوم إلى مصطلحات مثل: "الكفاح المسلح"، و"الحرب المقدسة"، و"التبشير الديني" للنيل من مضمونه في المخيال الغربي.

    المفهوم الحديث للحرب

    شهد مفهوم "الحرب" تطورات وتبدلات في الأدوات والأساليب؛ وهو ما انعكس على دلالته نفسه، فبات يشتمل على معانٍ كثيرة؛ فالتطورات التقنية، والاتساع الجغرافي، ونشوء الأنظمة السياسية الدولية.. كل ذلك ساهم في إرساء تغيرات على مستوى المفاهيم، ومنها الحرب، وعلى مستوى الغايات والنوازع التي تكمن خلف سؤال: لماذا الحرب؟

    ومن ناحية أخرى فإن التقنيات الحديثة التي طاولت الفضاء والسلاح أدخلت تغييرًا جذريًّا على قوانين الحرب ومسيرتها وحسابات الخسائر والمكاسب فيها، وعلى استحقاقات النصر والهزيمة في الحرب. فمع ظهور تطبيقات الثورة الصناعية في مجال الحرب اعتبارًا من منتصف القرن التاسع عشر بدأ يبرز تدريجيًّا مفهوم "الحرب الشاملة" لتوفر إمكاناتها التقنية. وقد شهد النصف الأول من القرن العشرين اندلاع حربين كونيتين1 ، وتحددت على قاعدة التسلح "موازين القوى" في العالم، ثم جاء اختراع السلاح النووي وغيرِه من أسلحة الدمار الشامل كي يشكل عاملاً حاسمًا جديدًا في تحديد موازين القوى هذه، وهو ما شكل ثورة ثانية على المستوى العسكري.

    أثَّر التقدم التكنولوجي الهائل في بِنية "الثورات العسكرية" على صعيد تنظيم القوات المسلحة نفسها وطبيعة الحرب ذاتها، خاصة منذ نهاية الحرب الباردة التي حكمت العلاقات الدولية لعقود من الزمن، ولعلَّ أهم النتائج المباشرة -كما يبين "بول هيرست" في كتابه (الحرب والسلطة في القرن الحادي والعشرين)- تَمَثل في الأولوية التي اكتسبتها الإستراتيجيات الهجومية على حساب الدفاعية.

    وإذا كان الفقهاء -قديمًا وحديثًا- قد اختلفوا حول "الجهاد" في الإسلام (هل هو دفاعي أم هجومي؟) بأثرٍ من النظر إلى الحقوق والحريات، فإن "الحرب" اليوم باتت تتجه للهجوم بأثر من "القوة" والمصالح والهيمنة، وإن تم أَدْلَجة ذلك بتسميات زئبقية من نحو "ضربة وقائية" (تستخدمه إسرائيل ضد الفلسطينيين)، و"هجوم استباقي" (تستخدمه أمريكا الآن في حربها المتوقعة على العراق). بل إن الولايات المتحدة (وكذلك إسرائيل) تتجه الآن بمفهوم الحرب من "الردع" ("الإرهاب" بالمصطلح القرآني) إلى "الإرهاب" (بالمفهوم السياسي المعاصر) إلى "العنف الشامل".

    مجمل ما يمكن قوله: إن الحرب اليوم ليست هي الحرب بالأمس، وأصبحت لفظة "الحرب" تسرح في فضاء ذهني مفتوح (سواء للمتلفظ، أم السامع، وحتى قائد المعركة) حول الخسائر والدمار الذي ستوقعه هذه الآلات والتقنيات المتطورة والعابرة للقارات (يتم استثمار هذا من قبل النظام السياسي العربي لتبرير الخنوع السياسي). إنه في الحرب لا يمكن لأحد السيطرة على أبعاد المعركة، ووضع حدٍّ للخسائر في ظل هذا المسمى بـ"قانون دولي".

    وكذلك بتنا نشهد مسميات لحروب كثيرة، بل شهدنا وقائع عدد منها، كالحرب الإعلامية، والحرب الباردة، والحرب الاقتصادية، والحرب النفسية.. واللافت أنها كلها تشكل درجات متفاوتة في نطاق فرض السلطة والهيمنة على الآخر للانصياع لمطلب ما، وإن جرت أَدْلَجة هذه المطالب -على اختلافها- تحت مسميات كثيرة (العدالة - الديمقراطية - الإرهاب - تحرير المرأة...). والهدف من تلك المسميات كلها إضفاء مضمون "رسالي" قيمي على هذه الحرب أو تلك لإضفاء الشرعية الأخلاقية (أما القانونية فيتم التلاعب بها بمنطق القوة وحسابات المصالح) لدى الرأي العام.

                  

05-18-2005, 05:19 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    المرأة بين الجهاد والحرب!

    تورد كثير من الروايات أن نساء المسلمين كنَّ يخرجن في الجهاد، منها رواية أم الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ التي تقول فيها: "لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة". (رواه البخاري).

    ويروي أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه "لما كان يوم أُحُد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأمّ سُليم وإنهما لمشمِّرتان، أرى خَدَم (أي خُلخَال) سُوقهن تنقُلان القِرَب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم..." (رواه البخاري).

    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأمّ سُليم ونسوةٍ من الأنصار معه إذا غزا، فَيَسقين الماء ويُداوين الجرحى" (رواه مسلم).

    وفي المقابل ظهر في الحروب الحديثة ما سُمِّي "نساء الحرب"، ويُستخدم للدلالة على أُولاء النساء اللاتي "يتطوعن" للترفيه عن الجنود في زمن الحرب، وكان أول ظهور لهذه الظاهرة خلال الحرب العالمية الثانية؛ حيث كانت نساء من مثل بيتي غريبل وفيرا لين يرفهن عن الجنود الأمريكيين والبريطانيين. وفي أثناء "الحرب على الإرهاب" الحالية شمرت امرأتان "لا تشعران بالخجل أبدًا" (حسب تعبير النيوزويك 20-11-2001م ص5)، وهما باميلا أندرسون والعضو السابق في فريق spice girls جيري هاليويل، شمرتا عن "سواعدهما" وذهبتا بمهمة وطنية للترفيه عن الجنود في أمريكا وفي الشرق الأوسط!.

    ولم تكن المرأتان "الوطنيتان" الوحيدتين في هذه المعركة؛ فقد كان هناك أخريات "يتعاطفن" مع حلفاء الولايات المتحدة؛ وذلك للتسلية والتسرية عن هموم الجنود، ورفع معنوياتهم في هذه الحرب الطويلة على "الإرهاب" الذي يهدِّد بنزع أمن العالم، وحرمانه من المتعة!.

    الحرب والجهاد.. مفهومان متمايزان

    لم يكن الهدف من هذا إجراء مقارنة بين الإسلام والولايات المتحدة كما قد يُتَصور؛ لأنه يحول دون تلك المقارنة موانع منهجية؛ فالتقدم التقني في الأدوات والوسائل، ونمو مفهوم السلطة وانتشاره، وتحييد الدين أو إقصاؤه، والتواضع على عرف دولي قائم على مصالح القوي أو الأقوى فقط، كل هذا من شأنه أن يلقي بثقله على المفارقات الجسيمة بين المفهوم وتطبيقاته في مرحلتين تاريخيتين متمايزتين جدًّا، فضلاً عن أن المقارنة من هذا الوجه توقع في فخ أيديولوجي (دعوي) يوجَّه إلى غير مستحقّه، في حين أنه يجب أن يُوجّه إلى الغربي، أو تحمل على الانتشاء بعظمة الإسلام في وقت لا ينفع فيه شيء من هذا!.

    وإذا كان ليس ثمَّة مجال للمقارنة بين عصر حاضر وزمن انقضى؛ فإن ذلك لا ينفي إمكانية المقارنة بين المفاهيم ("الجهاد" و"الحرب": الأول ديني، والثاني سياسي/ عسكري)، ذلك أن كلا المفهومين ما يزال حيًّا، ولا يمكن اعتباره جزءًا من التاريخ فقط.

    أزمة حضـارة.. لا نزاع سياسي عسكري

    المفارقة بين المفهومين تعكس من جانب آخر أزمة "حضارة". فالحرب تقوم أصلاً على فكرة "مصلحة الدولة" القومية أو القطرية، ومفاهيم السيادة والحدود؛ ما يعني أن المبادئ تنحصر في دائرة "النسبية". فمصلحة الجماعة أو الأمة الخاصة هي سقف المبادئ. لكن أمريكا تسعى لأن تكون حضارة كونية تفرض أنموذجها على العالم، وتتجاوز مفاهيم "السيادة، والقانون، والدولة" لتشكل "الحرب" معها أداة لتدعيم هذه الإمبراطورية الكونية العابرة للحدود والمتجاوزة لمفاهيم السيادة والقانون.

    ولذلك رأينا أن المبادئ تحوّلت إلى منطق براغماتي/ نفعي (خصوصًا الديمقراطية وحقوق الإنسان) في الممارسة الأمريكية. وفي سبيل تحقيق الإمبراطورية هذه يأتي رفع التنافس على الأرض إلى مستوى درع الصواريخ، وإلغاء المعاهدات الموقّعة سابقـًا مع الاتحاد السوفيتي واستبدال منظومات إقليمية بها.

    ويأتي الموقف من محكمة الجنايات الدولية وتخوف الأمريكيين من محاكمة الجنود العسكريين في القوات الدولية؛ ما يعني أن الولايات المتحدة فوق الجميع، ولا تخضع للقوانين التي يخضع لها الآخرون، وتمشيًا مع ذلك يأتي قرار الموافقة على استثناء جنودها من المحكمة!.

    وهناك كذلك موقفها من اتفاقية كيوتو لحماية البيئة، وانسحابها منها بحجة التشكيك في وجود علاقة بين التلوث وارتفاع درجة الحرارة، في حين تؤكد لجنة التغير المناخي (تضم ثلاثة آلاف عالم) وجود مخاوف خطيرة من الاحتباس الحراري الناتج عن الصناعة (وخاصة الصناعة الثقيلة). لقد باتت الحضارة الحديثة هذه مولِّدة بذاتها للأمراض، وشكلت الحرب على اختلاف أشكالها وحساباتها أحد مداخل تلك الأمراض بعد أن كان للأمراض مدخلان: نفسي وجسدي فقط.

    فالحرب أحدثت نقمة، ودمارًا، وفقرًا، وفسادًا، وأمراضًا، والجهاد نشر فكرة ومبدأ ليحقق قيم العدل والخير.

    لقد أحدث الاختلاف على مستوى المفهوم بين (الحرب والجهاد) تلك المفارقة بين الممارسة الدينية المحكومة بالوحي، والممارسة السياسية/ العسكرية المحكومة بالمصالح؛ وهو ما شكّل أزمة على مستوى الحضارة ككل. ومن ثَم فإن أي "جهاد" معاصر مزعوم لا تنطبق عليه الأخلاقيات التي بَيَّنَّا طرفًا منها يسمى "حربًا".


    --------------------------------------------------------------------------------

    1- الحربان الكونيتان: يُشار بهما إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية. وهي تسمية مخالفة، تقوم على مفردة لفظية ناجمة عن اختلاف لهجات الترجمة بين أهل المغرب العربي وأهل المشرق. ويسميها البعض بالحربين الاستعماريتين لأن العالم لم يكن حقًا يتحارب، بل كانت الأطراف المتحاربة هي الدول الاستعمارية، وعليها يقع عار ما جرى في هاتين الحربين من تشريد وسفك دماء وانتهاك حرمات وخراب ودمار.

    2- أنظر: مغني المحتاج: 4 / 210، وآثار الحرب د. الزحيلي ص: 92.

    3- نحن نؤكد هذه الحقيقة مع إقرارنا بأنه قد ورد عن بعض الفقهاء ما يخالف هذا الخلق مما لا يليق، ويتنافى مع الهدي النبوي.

    كما نعلم أن ثمة آراء فقهية (منسوبة للشافعية وعدد من المعاصرين) تجيز (شرعًا!) "استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الجهات المعادية من أهل الحرب، وإن لم تدعُ الضرورة للقتال، ولو مع القدرة على الظفر بالعدو دون استخدام تلك الأسلحة"!!، وهذا خلط بين مفهوم الحرب ومفهوم الجهاد على الشكل الذي نشرحه، وغفلة عن أهداف "الجهاد" وغاياته.

                  

05-01-2005, 05:49 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    مصاحبة اليهود والمسيحيين معصية لله!


    --------------------------------------------------------------------------------

    www.annaqed.com

    "يا أَيها الَّذِين آمنوا لا تتَّخذوا اليهود والنَّصارى أَولياء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض ومن يتولّهم منكم فإِنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمِين." سورة المائدة 5 :51

    *********

    تفسير الجلالين:

    "يا أَيها الَّذِين آمنوا لا تتَّخذوا اليهود والنَّصارى أَولياء" توالونهم وتوادّونَهمْ "بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض" لاتحَادِهِمْ فِي الكفر "ومن يتولّهم منكم فإِنه منهم" من جملتهم "إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمِين" بموالاتهم الكفار.


    وبلغة أبسـط: القرآن يمنع المسلمين أن يتخذوا لهم من اليهود والمسيحيين أصدقاء لهم يناصرونهم ويتقرّبون إليهم لأن اليهود والمسيحيين متحدين في كفرهم. ويحذَر القرآن الذين يصادقون ويناصرون هؤلاء الكفار بأنهم سيصبحون بنظر الله من الظالمين وبذلك فهو لن يسدد خطاهم بعد اليوم.


    تفسير ابن كثير:

    يَنْهَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِبَـاده الْمُؤْمِنِينَ عَنْ موالاة الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَعْدَاء الإسـلام وَأَهله – قَاتَلَهُمْ الله – ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض ثُمَّ تَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ فَقَالَ "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" الآية قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم: حَدَّثَنَا كَثِير بْن شِهَاب حَدَّثَنَا مُحَمَّد – يَعْنِي اِبْن سَعِيد بْن سَابِق – حَدَّثَنَا عَمْرو بْن أَبِي قَيْس عَنْ سِمَاك بْن حَرْب عَنْ عِيَاض: أَنَّ عُمَر أَمَرَ أَبَا مُوسَى الأشْعَرِيَّ أَنْ يَرفَع إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِي أَدِيم وَاحِد وَكَانَ لَهُ كَاتِب نَصْرَانِيّ فَرَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَعَجِبَ عُمَر وَقَال: إِنَّ هَذَا لَحَفِيظ هَلْ أَنْتَ قَارِئ لَنَا كِتَابًا فِي الْمَسْجِد جَاءَ مِنْ الشَّام فَقَال: إِنَّهُ لا يستطِيع فَقَالَ عُمَر: أَجُنُبٌ هُوَ قَالَ لا بَلْ نَصْرَانِيّ قَال: فَانْتَهَرَنِي وَضَرَبَ فَخِذِي ثُمَّ قَال: أَخْرِجُوهُ ثُمَّ قَرأَ "يا أَيها الذِين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أَولياء".


    وبلغة أبسـط: يحظّر الله على المسلمين مصادقة ومناصرة اليهود والمسيحيين إذ أنه يعتبرهم أعداء للإسلام وأهله. ويضرب ابن كثير مثلاً كمثل عمر بن الخطاب حين أمر أبا موسى الشعري أن يطلعه في أديم واحد (والأديم هو الجلد المدبوغ الذي كان يستعمل للكتابة عليه) على ما أخذ وأعطى، وكان لدى الأشعري كاتب مسيحي يقوم بهذا العمل فجاء به إلى عمر ليطلعه على السجل فسُـرّ عمر ولم يكن يعرف أن الكاتب مسيحي فقال: إن هذا الرجل ماهر في الحفظ، والتفت إلى الكاتب يسأله أن يقرأ له في المسجد كتاباً جاء من الشام، فقال الأشعري لعمر أنه لا يمكنه أن يفعل ذلك فاستغرب عمر وقال: لماذا؟.. هل هو نجسٌ حتى لا يستطيع قراءة الكتاب في المسجد، قال الأشعري، لا، بل هو مسيحي. فغضب عمر وأمر بإخراج الكاتب ثم قرأ على مسامع الحضور الآية التي تقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء.."


    تفسير القرطبي:

    .. قَـالَ تَعَالَى: "ولا تَركَـنـوا إِلَى الَّذِيــنَ ظَلَمُوا فَتَمَسّـكُمْ النَّار " هود : 113 وَقَالَ تَعَالَى: "لا يَتَّـخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِيـنَ أَوْلِيــاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ" آل عمران 28 وَقَالَ تَعَالَى: "لا تتخذوا بِطانة من دونكم" آل عمران 118 .. وقيل: إِنَّ مَعْنَى " بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض " أَيْ فِي النَّصْر " وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم"، شَــرْط وَجَوَابه، أَيْ لأنه قَدْ خَالَفَ الله تعالى ورسوله كما خالفوا، وَوَجَبَتْ مُعَادَاته كَمَا وَجَبَتْ مُعَادَاتهمْ , وَوَجَبَتْ لَه النَّار كَمَا وَجَبَتْ لَهُمْ؛ فَصَارَ مِنْهُمْ أَيْ من أَصحابهم.


    وبلغة أبسـط: يستشهد القرطبي هنا بآيات أخرى في القرآن تدعم ما تتضمنه الآية موضوع بحثنا. فالآية من سورة هود تعني: "لا تميلوا إلى الذين ظلموا أو تثقوا بهم وإلاّ فلكم نصيبكم من النار." والآية من سورة آل عمران تعني: "لا يجوز للمؤمنين أن يتخذوا من الكافرين أصدقاء لهم عوضاً عن أخوتهم المؤمنين." والآية الأخرى رقم 118 من سورة آل عمران تعني: "لا تتخذوا لكم أصدقاء من خارج محيطكم أو جماعتكم". ويفسّر القرطبي الجزء من الآية موضوع البحث حيث تقول: ".. ومن يتولّهم منكم فإنه منهم.." بأنها تعني: أنه يكون منهم لأنه خالف الله ورسوله محمد كما فعل الكافرون من اليهود والمسيحيين، وعلى هذا الأساس فإن معاداته أصبحت واجبة على المؤمنين تماماً كما وجبت عليهم معاداتهم لليهود والمسيحيين. وكذلك فإن النار أيضاً قد وجبت للذي يصادق اليهود والمسيحيين تماماً كما وجبت لهم، أي للمسيحيين واليهود، والسبب هو أنه قد أصبح واحداً منهم.


    الخلاصة:

    اليهود والمسيحيون كفار. الله يبغض اليهود والمسيحيين ويريد عزلهم عن المسلمين إذ لا يريد أحداً من المسلمين مصادقتهم أو مناصرتهم. الله ينذر المسلم الذي يصادق أو يناصر اليهودي أو المسيحي بأنه سيُعتبر واحداً منهم. الله يعلّم المسلم بأن لا يثق باليهود والمسيحيين ويعد من يفعل ذلك بأن النار ستمسّه. معاداة اليهودي والمسيحي وكل من يصاحب اليهودي أو المسيحي هي واجب على كل مسلم

    ***********

    (من كتاب تيسير العسير في كتب التفاسير)
                  

05-01-2005, 08:40 PM

yumna guta
<ayumna guta
تاريخ التسجيل: 04-07-2003
مجموع المشاركات: 938

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الاخ صابر

    التحيات الطيبات

    واصل............
                  

05-01-2005, 08:50 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    اختي يمني

    تشكري وهي كوة في دفيس من ظلام
    نتمني نحن في جانب الغربي للحكومة

    ان نتنور بالعلم والمعرفة والله يبصر

    ساستنا وقادتنا ويمروا علي كل مفيد
                  

05-01-2005, 09:39 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    مسؤولية الضياع وجدليات «الخلاص»
    بقلم :د. محمد السيد سعيد



    لا شك أن الجانب الأكبر من المسؤولية عن الضياع العربي تقع على كاهل بعض القادة العرب. فهذا البعض لم يملك رؤية لمستقبل بلاده ولا العرب عموما ولم يملك مهارة بناء مؤسسات حقيقية قادرة على الانجاز، ولا خطة سياسية أو استراتيجية لنقل المجتمعات التي يقودونها الى التقدم والاقتدار بمقاييس العصر.


    بل لم يملك حتى مهارات السياسة التى تحسن توظيف القدرات المتاحة لتحقيق افضل النتائج سواء في ادارة الأزمات أو الظفر في المعارك أو مجرد تشغيل المؤسسات. ولكن وراء فشل بعض العرب في قيادة العالم العربي لمقابلة التحديات وكسب الصراعات الكبيرة التى فرضت عليه نجد مسؤوليات كبيرة وكثيرة أخرى.


    هناك أولا مسؤولية النخب السياسية التى انتجت رؤية بيروقراطية وأمنية صلفة وثقيلة ركزت على اخماد حيوية المجتمعات العربية، واجبارها على الاستقالة من الساحة السياسية والثقافية واخراجها من التاريخ لضمان انفراد الرئيس أو الزعيم حسبما شاء أن يطلق عليه بكل الفضاء السياسي الوطني أو القومي، مهما كان حجم القهر اللازم لانجاز المهمة.


    ثم هناك ثانيا ثقافة سياسية تعلقت بالشعارات الزاعقة والصيغ الجامدة وعجزت عن ترجمتها في الحياة باستيعاب إنجازات العلم والمعرفة والتنظيم الاجتماعي الحديث وتفجير الطاقات الخلاقة لدى شعوبنا العربية أو مجرد تكريس أولوية المصلحة العامة باعتبارها المبدأ الحاكم للفضاء العام.


    وهناك ثالثا مسؤولية المثقفين والمبدعين الذين سلموا لسلطة الجهل والقهر وفشلوا في انتاج معارف ونماذج للسياسة والفعل الاجتماعي تطلق جدلية التقدم والانجاز متجاوزة القوالب الايديولوجية المبسطة، وتحل معضلة العلاقة بين التغيير في الداخل والتحرر في الخارج.


    وهناك أخيرا مسؤولية الشعوب أو المجتمعات التى افتقرت الى تقاليد الفعل الجماعي والبطولة في مناهضة القهر الخارجي والداخلى وغاب عنها تراث العبقرية الشعبية في المقاومة الايجابية المتحدة والمتجاوزة للانقسامات العرقية والمذهبية وغيرها من صور التشظى.


    وتحالفت تلك المسؤوليات جميعا لتنتج حالة مربكة من العجز الجماعي وذهنية قهر الذات عبر صراعات داخلية عقيمة ودموية ألحقت بالمجتمعات العربية عقابا مذهلا للنفس لو أن جانبا صغيرا من ضريبته دفع في انجاز المقاومة للمستعمر لتحقق لنا الظفر أمام القوى الاستعمارية.


    اذا كنا نشترك في مسؤولية الضياع القومي يصبح السؤال هو كيف نشترك في مسؤولية الخلاص؟ ان عقدة المسألة هي أننا لا نستطيع تأجيل مهمة التحرر المزدوج: من القهر الخارجي ومن شبح تخلفنا ونتائج القهر الركود والبطش الطويل في الداخل. ولا تبدو هذه المهمة سهلة حتى لأعظم القادة.


    فحل الاشكالية الكامنة فيها تتطلب انتاج جدلية بديلة كلية. الجدلية التى سادت الحقبة التاريخية الفائتة والتى نتجرع سمومها المرة في اللحظة الحاضرة تمثلت في قهر داخلى أنتج عجزا شاملا أمام القهر الخارجي. والسؤال هو كيف يمكن اطلاق جدلية جديدة تقوم على التمكين الداخلى من أجل ضمان الظفر بمعاركنا الخارجية.


    لنبحث الجدليات المطروحة بالفعل في الساحات العربية، والتى تقصد أوقد تؤدى الى تحويل المجتمعات العربية. أول هذه الجدليات هي المتضمنة في استراتيجيات بعض الحكومات العربية، وهي الانطلاق الاقتصادي، ولو على حساب الديمقراطية السياسية والحريات العامة.


    والواقع أننا يمكن أن نقبل نظريا بفكرة أن يقود الانطلاق الاقتصادي الى اعادة بناء المجتمعات العربية بما يتوافق مع بنية المجتمعات العصرية. وقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحا كبيرا في جنوب شرق أسيا، بل وأدت في أكثر بلدانها الى انتقال ديمقراطى حاسم مثل كوريا، أو توفر حد أدنى من الحريات والاقتدار المجتمعى مثل ماليزيا.


    او الوصول الى انجاز وطني خارق يصلح للتمهيد لانتقال ديمقراطى مثل الصين. ولكننا نفتقر الى مثل هذا الانجاز الاقتصادي الخارق.أما ثانى هذه الجدليات فهي تقوم على ايديولوجيا الاسلام السياسي وتفترض أنه لن يكون من الممكن بناء مجتمعات سليمة الا انطلاقا من المرجعية الدينية كما فهمها السلف الصالح.


    وتولى هذه الايديولوجيا أولوية خاصة لمقاومة الاحتلال والاستعمار والهيمنة الخارجية كتمهيد للوصول الى هدفها في اقامة مجتمعات ايمانية وقادرة في الوقت ذاته على تحقيق التقدم. والواقع أنه لا يمكن فهم هذه الجدلية كنمط ثابت، فهناك من يطبقها بمنهجية ارهابية ورافضة لكل انجازات الحداثة.


    وهناك على العكس من يأخذ بصورة تدريجية ببعض هذه الانجازات بما في ذلك استيعاب بعض عناصر الفكرة الديمقراطية. ومع ذلك فقد أدى اطلاق هذه الجدلية في العالمين العربي والاسلامى اما الى فساد مجتمعى أو الى صراعات داخلية مروعة وفى بعض الحالات الى دمار اجتماعي واقتصادي وسياسي واسع كما حدث في السودان وبدرجة أقل في الجزائر.


    والواقع أن الجدلية الإيمانية قد ورثت فعليا جدلية الوحدة القومية، التى راجت في الخمسينات والستينات وانتهت الى كارثة شاملة بكل المقاييس. فبدلا من تحقيق الوحدة انتهت الى تكريس العزلة الوطنية، وبدلا من مخاطبة الشعوب أقامت نظام عبادة الفرد، وفضلا عن الفشل في مقاومة القهر الخارجي.


    وتصفية نظام الاحتلال الاسرائيلى حرمت الشعوب من حريتها الداخلية وزجت بها في نير صراعات خارجية ثانوية، مما أرهق المجتمعات العربية واستنفد القدرات المحدودة للنظام العربي، وعرضه لمزيد من الاهانات القومية، بل وللوقوع في براثن الاستعمار من جديد كما حدث في العراق.


    ولذلك انتهت تلك الجدلية التاريخية بنكسة أكبر فيما يتعلق بالوحدة وما كان يؤمل تحقيقه من خلالها أي التحديث الاقتصادي والتغيير الاجتماعي والتحرر الخارجي. أما رابع الجدليات الكبرى فهي تقوم على الفكرة الديمقراطية بمستوياتها وعناصرها ومعاييرها السائدة في المجتمعات الديمقراطية الحديثة.


    وتفترض هذه الجدلية أن يؤدى الأخذ بالديمقراطية الى انجاز الحداثة الاقتصادية والاجتماعية. ولم تختبر هذه الفكرة بصورة منسجمة في البلاد العربية بما فيها تلك التى مرت بتجربة سياسية ليبرالية جزئية في النصف الأول من القرن العشرين. ومن ناحية أخرى، لا يمكن اثبات أن الأخذ بالديمقراطية بحد ذاتها سيضمن استيعاب الحداثة الاقتصادية والاجتماعية أوبناء القدرات.


    كما لا يمكن ضمان أن يتم ذلك في غضون مدى زمنى معقول حتى يمكن مقاومة مشروعات الهيمنة الاستعمارية وتصفية نظام الاحتلال الاسرائيلى قبل أن يتمكن من تثبيت نفسه بصورة دائمة.وتبدو المشكلة في أحد جوانبها في أن هذه الجدليات أطلقت في سياق صراعى مدمر سواء على المستويات الوطنية أو العربية العامة، وهو ما شغل المجتمعات العربية عن همومها وأهدافها سواء في التحرر الخارجي أو بناء القدرات الداخلية.


    ويقودنا هذا التحليل الى أن الامكانية التاريخية لاطلاق جدلية تحريرية قد تكون مرهونة الى حد كبير بتحقيق مصالحة تاريخية أومضافرة خلاقة بين هذه الجدليات الأربع مجتمعة. فنأخذ بالفكرة الايمانية على الأقل في مجال الأخلاق، ونأخذ من الديمقراطية السياسية مبدأ الحرية وحكم القانون ونشر السلطة وتقريبها الى الشعب.


    ونأخذ بفكرة الانطلاق الاقتصادي عبر التمسك بأولوية المعرفة والكفاءة العملية، ونربط ذلك كله بالفضاء القومي العربي العام باعتباره ضرورة موضوعية لتحقيق جميع هذه الجدليات الكبرى وكاطار للتعبئة الضرورية لمناهضة الاستعمار وتصفية نظام الاحتلال والاذلال الاسرائيلي.


    ولكن ذلك كله يقتضى ما هو أهم من مجرد المصالحة بين التيارات الكبرى، فهو يحتاج قبل كل شيء الى صياغة معرفية وأطر وأوعية ثقافية وسياسية. ثم هو يطلب قيادات تجمع بين القدوة السياسية وموهبة بناء المؤسسات، وشحذ همم الشعوب والهامها وليس قهرها. ويصبح السؤال هو من أين لنا كل ذلك في الأمد المنظور.


                  

05-02-2005, 05:51 AM

هشام المجمر
<aهشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
العلمانية حتمية تاريخية (Re: Sabri Elshareef)

    الأخ صبرى

    تحياتى


    شكرا لك على ايرادك هذا البوست المهم عن العلمانية

    كنت بصدد كتابة بوست بالعنوان " العلمانية حتمية تاريخية" ولكنى لن أفعل الآن فقد كان المقال الذى نشرت كافيا ومسهبا ولم يترك لى شيئا.

    مرحلة الإسلامويين مرحلة سوف تعدى ولكن من سوء حظنا أننا نعيشها الآن
    لقد نجح هؤلاء الإسلامويون باستعمال آية الدعاية على الطريقة النازية فى ربط العلمانية و العلمانيون بالكفر عن قصد و هذا ما اطال من عمر هذه المرحلة ولكن العلمانية آتية لا ريب فى ذلك.

    من الأفضل لنا كمسلمين ترتيب بيتنا من الداخل حتى يتم الانتقال بآلام أقل من تلك التى عاناها الأوربيون.
                  

05-02-2005, 07:09 AM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية حتمية تاريخية (Re: هشام المجمر)

    خالص التحايا
    صبرى

    لى قدام ياعزيز
                  

05-02-2005, 07:30 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا هشام المجمر

    نتمني ان تعم الفائدة والمعرفة لنا ولكم وللسيدين

    الصادق والمرغني لانهم بالمحاككة والمرحكة خلونا في

    منزلة متدنية وليس منزلة بين منزلتين لذلك تجد من كل
    8لاجئين 1/سوداني وما عارفين لنا موقع لا افريقي عربي

    لا عربي افريقي علي وزن دكشنري الياس انطوان الياس

    ظلام الهوس قرب ان يولي لكن نحن همنا القوي السياسية تستلهم

    العبر والدروس وكفانا لغة عالية من هذا او ذاك نريد ان نجد

    وطن جميع الناس فيه متساوية وبعد ذلك نظر كما تشاء حالنا صعب

    لا يحله نهج صحوة او غفوة


    معتز تروتسكي

    تشكر ونحن محتاجين لامثالك جدا

    اجدك ضيفا في كل بوستات الزمن الرايق ولسه ما جا

    تشكر للمرور واهديك البوست كشريك لي وللكل
                  

05-02-2005, 08:02 AM

أحمد أمين
<aأحمد أمين
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3370

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا يا أخ صبرى لنشر هذا المقال

    العلمانية فى السودان ضرورة سياسية لوجود السودان نفسه كدولة دعك من أى شئ اخر.
    لذلك عمل الاسلاميين على طريقة قوبلز* (وزير الدعاية فى المانية النازية)بصناعة الكذبة الكبيرة حول مفهموم ومعنى العلمانيةحيث أصبح فى مفهمو بعض الناس تعنى لهم العلمانية التخلى عن دينهم، وهى كذبة مقصوده لأنهم يدركون تماما أن العلمانية تعنى فى نهاية الامر فصل الدين عن السياسة وأن الدين مناخه الخاص الذى يعنى الفرد والسياسة مناخها العام يخص كل الافراد من نفس الدين بمختلف درجات ايمانهم ومن الافراد معتنقى الديانات الاخرى أو اللا دينين فى الوطن نفسه. و كل هذا مناقض تماما لفكرتهم القائمة على أن الدين الاسلامى بالذات له رأى حاسم فى كل شئ بما فى ذلك السياسة.
    لذلك تجدهم دائما حريصين كل الحرص على مقاومة كل الافكار التى تنادى بعلمانية الدولة السودانية لأنها فى النهاية تعنى هزيمة لا رجعه منها لمشروعهم الحضارى والأساس الذى تقوم عليه أيدولجيتهم.

    هناك أمر هام أيضا العلمانية فى شمال السودان بعد التخريب الفكرى الذى نشره الاسلاميون لن تنتصر بالصدفة، بل تتطلب عمل ومجهود فكرى من كل حادب على مستقبل السودان.
    ----------------------------------------------------------
    * If you tell a lie big enough and keep repeating it, people will eventually come to believe it. The lie can be maintained only for such time as the State can shield the people from the political, economic and/or military consequences of the lie. It thus becomes vitally important for the State to use all of its powers to repress dissent, for the truth is the mortal enemy of the lie, and thus by extension, the truth is the greatest enemy of the State." - Joseph Goebbels

    (عدل بواسطة أحمد أمين on 05-02-2005, 08:17 AM)

                  

05-02-2005, 08:11 AM

hala alahmadi

تاريخ التسجيل: 02-23-2004
مجموع المشاركات: 1398

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    كل هذه الأزمات ..في التاريخ القديم للدوله الأسلأميه ..بدأ من دوله المدينه و عبر التاريخ المعاصر للعالم الأسلأمي

    و مازال البعض يذايد بالشريعه.. و يراهن علي الدوله الدينيه في السودان !!!

    شكرا صبري علي البوست المفيد

    (عدل بواسطة hala alahmadi on 05-02-2005, 08:23 AM)

                  

05-02-2005, 08:51 AM

Rabab Elkarib
<aRabab Elkarib
تاريخ التسجيل: 10-15-2002
مجموع المشاركات: 1406

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    صبرى الشريف

    العلمانية ولا سواها هي المخرج اها رايك شنو?
    لك التحايا وكثير السؤالات عن اخبارك.

    رباب
                  

05-02-2005, 09:43 AM

Sudany Agouz
<aSudany Agouz
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 9014

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Rabab Elkarib)

    الأخ صبرى الشريف ..

    أشكرك أخى على هذا الطرح الجميل ..

    فعلا .. لو تكرم كل انسان بقراءة ما جئت به .. قراءة متأنية متفهمة ، لوجد ان العلمانية هى البديل الوحيد للحكم .. ولاسيما لدولة كالسودان المترامى الأطراف الغنى بالموارد ..بل أنا واثق لو وجد حكاما يحبون الوطن من القلب ..يوقفون الحروب .. يفتحون المدارس فى الشمال والجنوب - فى الشرق والغرب .. المساواة ولا فرق بين شمالى أو جنوبى .. بجاوى أو فوراوى .. يتركون الكراسى العاجية وينزلون الى الشارع يعملون بالمعاول مع الزارعين ويمسكون بالطباشير مع المدرسين ... الخ لأصبح السودان أغنى دولة فى العالم..
    والسؤال .. أين هم الذين يحبون السودان من القلب .. وأين الحكام .. الذين يحبون الموت وهم فقراء ..؟؟؟؟ .. !!!!

    وأخيرا .. الى الأمام يا أستاذ صبرى ..

    عمك العجوز
    أرنست
                  

05-02-2005, 12:28 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    سيدي احمد امين

    تشكر علي بعد نظرك وصدق شوفك ويا ريت تعير

    عيونك لقادة الحزبين لاني بشوف طويل النظر شايف

    برضو حوارهم عن قوانين مستمدة من الدين الاسلامي


    هاله الاحمدي

    ازيك وسعيد بتواصل عبر شوف وكتابة متابع كتاباتك

    وحقيقة فترنا من لت وعجن ساستنا وضاع عمرنا مابين

    مطار وكونكشن لمتين هذا ,

    نتمني دستور وقوانين مستمدة من معرفة الانسان وتتماشي مع

    المواثيق والعهود الدولية , وهذه موجودة بان نفصل الدين

    عن الدولة من غير اي مجاملة او تربيت علي الكتوف الروح

    وصلت السنتنا , والدمعة ممسوكة بالصنقيعة

    اختي العزيزة رباب

    مشتهين لمة الامسيات وحديث ود الخليل وجميلة

    والاخرين لقد استفدت وتعلمت منكم الكثير قاتل الله
    الغربة اللعينة جلسة يا مولاي حافي حالق
    الموضوع عن ابعاد الحكم الديني ضرورة ولابد من
    فض قوي الانتفاضة ان لم تكن وضعت نصب اعينها مبادي

    شعبنا ودولتنا ان تكون ام لا تكون , حزب الامة يناور باحاديث

    عن دولة دينية تاني ................... دينية

    الاتحاديين ما عارفين دايرين شنو ................. مصيبة

    الشيوعيين ما بين زمنا متمنيهو وزمنا زادني اسية ............


    باقي الحركات السياسية الاخري اصبحت مثل الحمار المابي البنطون

    الحركات في الشرق الغرب وحتي كيان النوبيين في الشمال رفعوا بيارقهم

    جنوبيين----- جنوبيين حوارات

    انظري لهذه التشكيلة الا تشبه جلباب درويش وهل هذه التركيبة الا يجديها

    دواء العلمانية لكي تغرد كل مع ليلاه .
                  

05-02-2005, 01:30 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الي ارنست او الي

    عمي العجوز وكم من صبي شاخ وكم من شيخ شاب

    ياسلام علي متابعتك ونحن قصدنا حل الناس من ورطت

    ابغض في الله لتتحول احب في الله وابغض في الله مقرر ة

    في المنهج السعودي انظروا ماذا فرخ هذا المنهج

    وايضا انظر الي شعبنا الطيب علي استمرار يسقط في مفاهيم

    اقامة دولة دينية لا تشبه حالنا ولابتداوي جراحنا اتمني

    ان ينعم الله علي الحزبين بقراءة متانية للواقع واركز علي

    الحزبين لان الديمقراطية القادمة هم شركاء لا اجراء فيها

    تسلم مرة تانية والي ان يتم القصد سلام
                  

05-02-2005, 07:07 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    عندما كنا طلبة فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة فى أواخر الستينيات كان من بيننا التحررى والثورى والاشتراكى والشيوعى، ومازلت أذكر صديقنا «علاء» الذى كان يؤمن بالثورة الثقافية الصينية وكان دائما يسير وهو يحمل الكتاب الأحمر لماوتسى تونج عن الثورة، وكان مجنونا بأفكار «ماو»، لذلك غيرنا اسمه من «علاء» إلى «علاو»! وكان البعض منا وكنت أنا واحدا منهم يؤمنون بالحرية والديمقراطية (وكناقلة كالعادة )، وكان البعض متدينا ويذهب للصلاة، وبدون تزمت أو تشنج، وكانت الأغلبية «مالهاش فى التور ولا فى الطحين»، من الجامعة للبيت، ومن البيت للجامعة، وكانت البنات يرتدين أحدث موضات «ميكروجيب» وخلافه، ولم يحدث أبدا أن قفز شاب جامعى مراهق على بنت من البنات لكى يأتى «أطره» منها لأنها كانت ترتدى الميكروجيب! وكانت لنا زميلة تحضر إلى الجامعة بالبسكليتة، وكنا نطلق عليها «ليلى عجلة»، وكانت تعرف هذا، ولم يوقفها هذا المزاح عن الاستمرار بركوب البسكليتة إلى الجامعة بحرية وثقة، وكانت لدينا زميلة أخرى تهوى عمل تسريحة شعر عالية فوق رأسها، بحيث إذا جلست وراءها فى المدرج يبقى حظك وحش لأنك لن تشاهد شيئا، لأن شعرها كان يحجب عنك المنظر تماما، وكنا نطلق عليها «يسرى طربوش»! وهو كان لاعب كرة قدم فى النادى الإسماعيلى بهذا الاسم فى هذا الوقت. وكنا نخرج فى رحلات جامعية مختلطة إلى الإسكندرية وإلى الأقصر وأسوان، ولم تحدث أبدا أية مشكلة بسبب هذا الاختلاط، ولم أشاهد فى تلك الفترة أى حجاب على رأس أى فتاة، وكن جميعا محترمات سواء فى المدرج أو المعمل أو الأوتوبيس، وكنا نلعب كرة القدم باستمرار فى الجامعة، ونذهب إلى سينما مترو كل يوم خميس بوسط القاهرة، ونشاهد مباريات كرة القدم يوم الجمعة، ونرجع يوم السبت لنتحدث عن الفيلم الذى شاهدناه وعن مباراة الكرة، وكان الأهلاوية يغيظون الزملكاوية والعكس حسب نتيجة المباريات. كنا نستمتع بحياتنا أيما استمتاع، لم نكن نفكر فى الموت لأننا كنا نستمتع بحياتنا، كنا نصلى الجمعة ونصوم رمضان وآمنا بأن الله غفور رحيم، لم يكن لدى سيارة فقد كنت أتشعبط فى أوتوبيس رقم 12، ولم يكن لدى نقود أو كمبيوتر أو أى شىء، لم يكن لدىّ من حطام الدنيا سوى حذاء جلدى للجامعة وحذاء «كاوتش» للعب الكرة وقميصين وبنطلونين، واحد ألبسه والثانى فى الغسيل والمكواة، ولم يكن لدينا وقت للتفكير سوى فى الحياة والجمال والرياضة والفن والشعر أحيانا والحب أحيانا أخرى، كنا نناقش آخر أشعار نزار قبانى وصلاح عبدالصبور، وكانت فلسفتنا بسيطة وشابة مثل أعمارنا: «الاستمتاع بالحياة هو أن نحياها بدون أن نفكر فى الغد»، ومازلت أعتبر تلك الفترة أجمل فترات حياتى على الإطلاق. لذلك ذهلت عندما عرفت أن من قام بالعمل الإرهابى فى حى الأزهر بالقاهرة، واستهدف عددا من السياح هو حسن رأفت «بشندى»، وهو طالب بكلية الهندسة وعمره 18 عاما، وهو فى تقديرى أجمل عمر، ياريت لو فيه آلة زمن كنت أتمنى أن أرجع إلى هذا العمر الجميل، ما الذى حول هذا الشاب المتفوق الذى مازال فى أواخر سن المراهقة إلى قنبلة موقوتة يقتل نفسه ويقتل الأبرياء من حوله، ادعاء أن الفقر هو السبب هو ادعاء مرفوض، لأنه يوجد فى العالم من هم أفقر كثيرا من «بشندى» ولم يتحولوا إلى إرهابيين، يوجد فى الصومال وكينيا ونيجيريا والسنغال وإثيوبيا وفى بلاد أمريكا اللاتينية وآسيا شباب أفقر كثيرا من «بشندى» ولم يتحولوا إلى إرهابيين، وادعاء أن فقده لوالده المفاجئ نتيجة سكتة قلبية هو تسطيح شديد للأمور، فيوميا يموت آلاف الآباء والأمهات ويخلفون وراءهم أيتاما ولم نسمع أنهم قد تحولوا إلى إرهابيين، والقول أن البطالة وراء الإرهاب ثبت أنها نظرية غير صحيحة، «بشندى» لم يكن عاطلا، بل كان شابا مجتهدا ومتفوقا «حصل على 93% فى اختبار الثانوية العامة» يذهب يوميا إلى كلية الهندسة، وهناك مئات الملايين العاطلين فى العالم ولم نسمع أنهم قد تحولوا إلى إرهابيين، فيجب أن نعرف جيدا ماذا حدث لـ «بشندى»، كيف تحول فجأة بعد قراءة بعض الكتب الصفراء إلى شخص آخر يرفض مشاهدة التليفزيون، ويحاول منع أهله من مشاهدته، ويرفض مصافحة النساء «بمن فيهن والدته - حسبما قرأت فى الجرائد». مَنْ حوّل «بشندى» إلى آلة قتل بغيضة حولت جسده إلى أشلاء صعب التعرف عليها، وقتل وأصاب عددا من الأبرياء حوله، من يتحمل تلك المسئولية، هل هو الشيخ الذى تتلمذ على يديه، هل هى تلك الكتب الصفراء التى بدأ فى قراءتها، والتى أخافته من الثعبان الأقرع وعذاب القبر وحببت إلى نفسه الموت كشهيد كى يذهب إلى الجنة لكى يستمتع بالحوريات العذارى، هل هى مواقع الإنترنت الإرهابية والتى تنشر عبر صفحاتها عن كيفية تصنيع القنابل من مواد بدائية، هل هى غرف الدردشة عبر الإنترنت والتى تنعت كل من هو ليس «بشندى» بأنه كافر يستحل دمه، هل هى مشاهد قطع رقاب الأبرياء فى العراق والسعودية والتى كانت تذيعها قناة لهلوبة الفضائية، وهم يهتفون الله أكبر عند الإطاحة بكل رأس برىء، هل هى فتاوى فقهاء الإرهاب التى أحلت قتل المدنيين الأبرياء، هل هى مشاهد العنف اليومية فى فلسطين والعراق مع التحابيش والبهارات والتى عادة ما تصحبها والتى تجعل كل «بشندى» يصدق أن كل أعمال العنف هذه هى من أفعال الموساد والأمريكان، وأن كل أجنبى أو عراقى هو إما عميل للموساد أو عميل أمريكى يستحل دمه، هل إطلاق لقب «مقاومة» على عمليات الإرهاب جعلت من القتل اليومى شيئا عاديا، بل على العكس فيه تقرب إلى الله، هل هى أجهزة الإعلام التى حولت الشباب الانتحارى إلى شباب استشهادى وتحول فى نظر البعض إلى مثل أعلى، الشاب الانتحارى الإرهابى أصبح المثل الأعلى لـ «بشندى»، وأصبح من السهولة بعد ذلك أن يضغط «بشندى» على مفجر القنبلة، لأن أحدا لم يعلمه كيف يستمتع بحياته رغم فقره، وأن بعض أدعياء الدين الذين تتلمذ على أيديهم فشلوا فى أن يعلموه أنه خليفة الله على الأرض، وأن الله قد خلقنا فى هذه الأرض لإعمارها لا لتخريبها، لم يعلمه أحد أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا. ومن هنا أوجه نداء إلى كل علماء النفس والتربية ورجال الدين والإعلام والرياضة والفن والأدب والشعر والموسيقى، تعالوا نضع أيدينا فى أيدى بعض لإنقاذ من هم مثل «بشندى» وقد يقفون الآن بالطوابير فى مواكب القتل والانتحار الجماعى والإرهاب، تعالوا ننقذ شبابهم وأرواح الأبرياء الذين ينوون قتلهم، تعالوا نفتش عن المجرمين رؤساء العصابات الحقيقيين والذين حولوا «بشندى» إلى «روبوت» قاتل، وإذا لم نفعل هذا فأرجو ألا يفاجئكم استنساخ مليون «بشندى».

    سامى البحيرى
                  

05-02-2005, 07:48 PM

Bashasha
<aBashasha
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 25803

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    حتي هنا، لازلنا ننهل من مهضومات الكرشة العربية علي قول ودالمكي!

    من قولة تيت انتو حتلقوا روحكم محبوسين في زنزانة مرجعية الثقافة العربية، واسلامها السياسي، في مقابل العلمانية بالمفهوم الغربي للمصطلح.

    نفس ساقية جحا، بتاع الجندر او قيم الانثوية، كمرجعية فيمااتصل بي قضايا تحرر المرآة!

    ذي ماقلنا قبل كده، او كررنا القول، لكم في الماركسية او وهم الصراع الطبقي، اسوة حسنة ياذوي الالباب!

    دفعنا تمن غالي جدا جدا، عشان مانصل للاستنتاج البسيط، بتاع فشل الماركسية، كاداة تحليل، وعدم ملاءمتها لي واقعنا. ليه عايزننا من اول اوجديد، نكرر نفس الكارثة هنا؟

    بي اختصار شديد، دعونا نقتلع الاسلام السياسي من جذورو، او بي شريعتو، بدل الابقاء عليه، ثم محاولة حل التعارض بي تبني العلمانية!
                  

05-02-2005, 09:40 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    بشاشا

    تحياتي

    نعم هذا هو الهدف الاساسي اقتلاع الهوس الديني من جذوره والباب

    مفتوح لاقتلاع ترسانة القيم البالية لكن من وجهة نظري لا اري احسن

    من نظام علماني نخطا ونصيب الي ان نصل الي عين اليقين لكن اذا

    لم نعرف بالضبط عايزين شنو لا نستطيع القضاء علي الاصولية الاسلاموية

    ونحن في بلد ذو اديان ولغات متعددة لن ينصلح حالنا الا بنظام ديمقراطي
    ودستور علماني لن اكون متشائما لكن لو لجنة الدستور لم تتبني فصل الدين

    عن الدولة ساقيتنا حتكون مدورة وابزيد كانك ماغزيت ولا رحت ولا جيت

    العلمانية فكر عالمي كثير من الدول الواعية كان المخرج لها .

    ايضا يا ريت لو ساهمت معنا لمعرفة اسهل الطرق لحل مشاكلنا المستعصية

    لك كثير سنائي للمتابعة والهم واحد
                  

05-03-2005, 10:39 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    j up
                  

05-04-2005, 00:53 AM

خالد العبيد
<aخالد العبيد
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 21983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العزيز صبري
    لك تحيات الورد
    تشكر ياسيدي على هذا الموضوع الهام
    اتمنى ان يفتح الموضوع كوة ضوء صغيرة داخل قلب الظلاميين وعشاق الهوس الديني
    سأعود للمشاركة بقوة في هذا البوست الهام
    لك الود
    خالد
                  

05-04-2005, 06:47 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    خالد العبيد
    تحياتي واشواقي

    نتمني ان تساهم هذه الرؤية للعمايا لتصبح دليل

    لوحدة وتقدم الوطن الان نحن محتاجين لوطن وبعد

    ذلك ناتي لحوار المسواك طولو شبر ام شبرين

    المرحاض يدخل بالرجل اليمين ام الشمال لانك

    لو تمزق وتقسم وطنك سوف تضيع عليك كل القصة

    وهل تستطيع ان تقول مثل هذا لصقيعة دارفور بعد

    اسوا جرائم ارتكبت من قبل مهاوس الحكم الديني

    ام في احراش وغابات الجنوب , القصة متاجة نظرة

    يا ابوهاشم ونظرة يا المهدي المنتظر .
                  

05-04-2005, 10:57 AM

Omayma Alfargony
<aOmayma Alfargony
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    Dear Sabri

    Salamaaat

    This is very impressive and EDUCATING

    needs to be read and reread

    Enlightening

    thanks
                  

05-04-2005, 08:39 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    عزيزتي

    اميمة الفرجوني

    تحياتي واشواقي

    شكرا علي حسن القراءة ولا حل لنا الا بالفكر العلمي

    او سوف تضيع خمسين سنة اخري في جدل سوء التطبيق

    وهم رجال ونحن رجال للرجال والنساء المخرج في العلمانية

    اذا بعض الناس يهابوا كلمة علمانية لهم حق لان المنهج الظلامي

    عشعش طويلا لكن صبح الخلاص مهما تاخر مصيروا انبلاج وومضاته بدات


    والدك ووالدتك يبلغوك السلام نتقابل علي اتصال
                  

05-05-2005, 00:55 AM

abuarafa
<aabuarafa
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    صبرى الشريف
    ده الكلام
                  

05-05-2005, 07:27 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    ابو عرفه

    انت سيد الفهم وده جاي لي وليك وللصغار القادمين

    اقترح وصفة العلمانية ان تصرف كدواء لقادتنا الاقزام


    فترنا والله من مسلسل انقلاب ديمقراطية وبالعكس .


    لكن لا عيون تري ولا اذان تسمع حتي يا كافي البلا

    حرمنا من شوف القلب اوجه هذا البوست لنفسي والاخرين

    اخص مولانا الصادق ومولانا المرغني ومولانا الترابي

    وفقهاء التيك اوي .......................... الخ

    تشكر تاني ونواصل
                  

05-06-2005, 07:40 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    في انتظار مساهمة من اجل دفع العلمانية

    الي الامام لان جماعات فقه الظلام لها ابواق عدة
                  

05-06-2005, 08:01 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العَلمانية في العالم العربي؟ (1 من 2)

    عادل جندي GMT 11:00:00 2005 الجمعة 6 مايو
    العَلمانية ماهي إلا مجموعة من "قواعد لعب" مجتمعية تستند مع الديموقراطية إلى مجموعة قيمية واحدة

    "العَلمانية" هي من أكثر الموضوعات إثارة للخلط في العالم العربي، وتحيط بها دائما الأوهام والأساطير والأكاذيب، ولذلك فإن فتح باب النقاش حولها الآن، في الوقت الذي يكثر فيه "الكلام عن الإصلاح"، هو بلاشك أمر مفيد.



    ما هو تعريف العلمانية وماهي جذورها التاريخية؟
    من المهم إدراك أن هناك تعبيران لما يُترجم بالعربية على أنه "العَلمانية":
    أولا: سكيولاريزم ( secularism (المشتقة من سيكولوم saeculum اللاتينية وتعني العصر أو الجيل أو القرن، ولكن في العصور الوسطى كانت تعني العالم أو الدنيا أو هذا الزمان في مقابل الكنيسة. (هناك لفظ لاتيني آخر موندوس تقابل كوزموس اليونانية بمعنى الكون؛ أي البعد المكاني).
    ويعرف قاموس أكسفورد تعبير "العَلماني" (سيكيولار) على أنه "ينتمي للحياة الدنيا وأمورها (يتميز في ذلك عن حياة الكنيسة والدين). مدني وعادي وزمني. غير كهنوتي. غير ديني. غير مقدس. غير معني بخدمة الدين. غير مكرس له. غير مقدس. في مجال التعليم تشير إلى موضوعات غير دينية، أو استبعاد تدريس المواد الدينية في المدارس العامة. ما ينتمي لهذا العالم الآني والمرئي، تمييزا له عن العالم الأزلي والروحي". ويعرف "العَلمانية" (سيكيولاريزم) على أنها "العقيدة التي تذهب إلى أن الأخلاق لا بد أن تكون لصالح البشر في هذه الحياة الدنيا، واستبعاد كل الاعتبارات الأخرى المستمدة من الإيمان بإله أو بالحياة الأخرى". أما "العلمنة" فهي تفعيل ذلك في المجتمع.
    وقد استخدم مصطلح (سيكيولاريزم) لأول مرة في 1648 عند توقيع صلح وستفاليا وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة، وكان يعني في البداية "علمنة ممتلكات (أوقاف) الكنيسة" أي نقلها إلى سلطة سياسية غير دينية. ثم اتسع المجال الدلالي مع جورج هوليوك، الإنجليزي الذي صك في 1846 المصطلح بالمعنى الحديث فعرف العَلمانية بأنها "الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض". وقد تم تقليص مصطلح هوليوك، فأصبح يعني "فصل الدين عن الدولة" أي فصل العقائد الدينية عن رقعة الحياة العامة.
    ثانيا: تعبير "لاييك" في الفرنسية (laïc)المشتق من الأصل اللاتيني (laicus) والمشتق، بدوره، من أصل يوناني (laikos) أي المنتمي للشعب، ويعني (طبقا لمعجم لاروس الكبير) "لا ينتمي للكهنوت. أو مستقل عن المؤسسات الدينية". وقد صك فيرديناند بويسون (1841ـ 1932)، المُنظر الأول للعَلمانية في فرنسا، هذا التعبير بكونه ينصرف إلى "النظام السياسي المتميز بإقصاء النفوذ الكهنوتي عن الدولة، وسياسة منهجية لتصفية المضمون ديني في التعليم أو القانون". وهذا النظام يحمل، إلى حد ما، بصمات التجربة الفرنسية في العلمنة (المرتبطة بالثورة) برفض كل ما يتعلق بالنظام القديم ووصلت إلى ذبح النبلاء وكثير من رجال الكهنوت.
    ومما سبق يتبين اختلاف تعبير (لاييك) الذي يشير إلى "العَلمانية السياسية" عن (سيكيولار) الذي يشير بالأكثر إلى "حركة مجتمعية عامة" كما سنرى. ومن الخطأ الإشارة (كما يفعل الكثيرون، حتى في الغرب) إلى أن (لاييك) هي مجرد ترجمة فرنسية لتعبير (سيكيولار). فالتعبيران متقاطعان وليسا متطابقين. وسنعود لهذه النقطة بعد قليل.
    إذن ماهي العلمانية بالمعنى العام؟
    هناك العديد من التعريفات ولكننا نجد أن أفضلها (الذي قدمه الأستاذ جان بوبيرو) هو الذي يرى أن العلمانية، كمرجعية فكرية، يمكن تشبيهها بمثلث:
    الضلع الأول فيه (وهو يتعلق بخاصية "العلمانية") هو "عدم تسلط الدين (أو أي نوع آخر من المعتقدات) على الدولة، ومؤسسات المجتمع والأمة والفرد".
    حركة "العلمنة" تشمل هدفين يشكلان الضلعين الآخرين من المثلث:
    -حرية الضمير والعبادة والدين والعقيدة، وذلك في التطبيق المجتمعي وليس كمجرد حرية شخصية باطنية.
    -المساواة في الحقوق بين الأديان والمعتقدات؛ مع ضرورة تطبيق هذه المساواة واقعيا ومجتمعيا.
    هذا المثلث يشكل "محيط العَلمانية"، ولكن بعض الفاعلين في المجتمع قد يُحبذون هذا الضلع أو الآخر. فالمؤمنون قد يحاولون اختزال العَلمانية في حرية الدين والعبادة (مع إعطاء أهمية أقل لحرية تغيير الدين أو حرية الاعتقاد اللاديني). أما المؤمنون المنتمون لأقلية فقد يحاولون، من ناحيتهم، الدفاع عن المساواة بين الأديان. بينما اللادينيون قد يشكلون نوعا من الهوية العلمانية التي ترتكز أساسا إلى مقاومة تسلط الأديان. ومن الملاحظ أن الميديا تتحدث غالبا عن العَلمانية من هذه الزاوية، لأنها الأكثر تناقضية واستعراضية أو تخدم أهدافا معينة.
    من الحيوي هنا إدراك أن العَلمانية حتى لو كان لها جذور فلسفية فهي ليست، ولا يمكن أن تصبح، "أيديولوجية"؛ لأن هذا قد يخلع عليها بعض صفات أو خصائص الدين مما يتناقض في حد ذاته مع مبدأ العلمانية! فالتوجه الأساسي لحركة "العلمنة" هو، بحكم التعريف، نحو "تحقيق وتفعيل حقوق الإنسان"، وعلى وجه الخصوص قيم الحرية والمساواة والإخاء (حيث "الإخاء" هو الوسيلة للعيش في الحرية والمساواة بصورة تعطيهما طعمهما الحقيقي).
    بمعنى آخر فالعَلمانية ليست "قيمة" من القيم بل إنها ليست أكثر من "قواعد لعبة" مجتمعية، مثلها في ذلك مثل "الديموقراطية الانتخابية"، تضمن لأبناء الوطن العيش معا في ظل قيم الحرية والمساواة. أي هي "عقد اجتماعي" في داخل "العقد الجمهوري" (أو الملكي الدستوري) للحكم.
    ولا بد هنا من تذكر أن عملية فصل مهمات الحياة العامة عن الكنيسة تطورت عبر التاريخ. ولكن إعلان حقوق الإنسان والثورة الفرنسية أعطيا بداية جديدة وأظهرا بوضوح فكرة الدولة العَلمانية؛ دولة كل المعتقدات، المستقلة عن المؤسسة الدينية والمتحررة من تسلط أفكار "لاهوتية"، حيث التحديد واضح لحدود ما هو زمني وروحي.
    عملية (بروسيس) "العلمنة" ليست خطية بل متعددة الأبعاد وتأخذ، حسب المكان والزمان، أشكالا مختلفة، ولكنها تتعلق بأبعاد أربعة تتم فيها العملية بشكل متزامن؛ بصورة مستقلة ولكنها متفاعلة، بل متبادلة الاعتماد. وهي: الدولة، ثم مؤسسات المجتمع (التي تقع على خط تقاطع الدولة مع المجتمع)، ثم الأمة وهويتها، ثم الفرد.
    ـ الدولة: تعني "العلمنة" هنا تحقيق استقلال "متبادل" بين الدولة والدين. فالدولة الحديثة تشكل مجالا للسلطة الزمنية، بينما الدين مجاله "السلطة الروحية". هذا الاستقلال المتبادل يستند إلى المساواة المدنية والسياسية بين المواطنين، واستطاعة كل فرد ممارسة حرية الضمير والاعتقاد في المجتمع. وفي حالة فرنسا، على سبيل المثال، فإن قانون فصل الدولة عن الكنيسة (الصادر في 1905) يشتمل على ثلاثة مباديء رئيسية: 1ـ أن "الجمهورية توفر حرية الضمير وتضمن حرية ممارسة العبادات في حدود احترام النظام العام"؛ 2 ـ أنه "لا توجد عقائد (أديان معترف بها) يمكنها الانتفاع بتمويل عام". وهذا يشكل، بالتالي، المساواة بين الأديان والمعتقدات؛ 3ـ السماح "بحرية التنظيم الداخلي للكنائس".
    ـ مؤسسات المجتمع: هذا البعد من عملية "العلمنة" يعنى تحديد دور الدين كمؤسسة في الحياة المجتمعية (أي كعامل فاعل اجباري أو شامل أو شمولي). لكن بالطبع، حتى في حالة الدول التي وصلت إلى أقصى درجات العلمنة، يبقى له دور اختياري أو استشاري لا يستهان به وبتأثيره وخاصة في مجال "القيم والأخلاقيات المجتمعية" أو في مواجهة المعضلات التي يخلقها التقدم التكنوبيولوجي، مثل مشاكل نقل الأعضاء والاستنساخ وتعريف الموت الخ.
    ـ الهوية الوطنية: العلمنة تعني اختفاء دور الدين كبعد من أبعاد الهوية الوطنية. فلا ينبغي أن تكون هناك أمة "إسلامية" أو "كاثوليكية" أو "بوذية" الخ (بنفس الصورة التي لا ينبغي ان تكون الهوية مبنية على شكل عنصري مثل أمة "آرية" أو "عربية" أو "سلافية") بل يلتف أبناء الجماعة الوطنية حوال تراث وطني مشترك وقيم وطنية مشتركة.
    ـ الفرد: تعني العلمانية الفصل بين الانتماء المواطني وبين الانتماء الديني أو الاعتقادي، وسيادة الحرية الاختيارية فيما يتعلق بالأطر الفكرية والمرجعيات الدينية أو الفلسفية التي ينتمي إليها الفرد.
    باختصار، فبالإضافة إلى التأصيل القانوني لفصل الدولة عن المؤسسة الدينية (أي العلمنة (لاييك))، تعني العلمانية فصل المجال المجتمعي إلى دائرتين: الأولى "عامة" (تعتبر محايدة تجاه الدين والمعتقدات، مثل التعليم العام والقانون) والأخرى "خاصة" (يمكن في داخلها التعبير الحر عن المعتقد). ويصبح التواجد الديني في المجال العام ذا طبيعة جمعية (نسبة إلى الجمعيات) وليس مؤسسيا.

    ***

    نفتح هنا قوسا للعودة إلى الفرق بين مصطلحي العلمانية السابق ذكرهما. في حالة دولة مثل بريطانيا لا تقل "علمانية مجتمعية" (سيكيولار) عن فرنسا، نجد أن الدين يحتفظ فيها بدور مؤسسي، حتى وإن كان بالغ الرمزية، إذ ترأس الملكة (شكليا) الكنيسة الأنجليكانية. أما أمريكا التي لا تقل "علمانية سياسية" (لاييك) عن فرنسا، نجد أن دور وبصمات الدين في المجتمع أكثر وضوحا (أي أنها أقل "علمانية مجتمعية" (سيكيولار) عن أوروبا). ومن ناحية أخرى نجد في تركيا أن رجال الدين (الإسلامي) هم موظفون في الدولة التي تراقب خطابهم الديني. بمعنى أخر، تحول الأمر إلى تسلط الدولة على المؤسسة الدينية، بدلا من استقلالهما المتبادل. وربما كان هذا الحل ضروريا من أجل ضمان استمرار العلمانية، وذلك بسبب الطبيعة الخاصة "للتراث الإسلامي"، خاصة في دولة كانت تمثل الخلافة حتى عشرينيات القرن العشرين.



    متي دخلت العلمانية العالم العربي؟ ومن هم روادها؟
    أول من ترجم مصطلح Laïcité بالعلمانية هو المصري لويس بقطر، أحد مترجمي الحملة الفرنسية، في معجم فرنسي ـ عربي طبع لأول مرة في مارس 1828، ثم تبني هذا المصطلح مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
    العَلمانية لم تدخل قط إلى العالم العربي كجزء من الفكر السياسي. ولكن، كما يقول العفيف الأخضر، "بعد لقاء العالم العربي بأوروبا، عبر الاستعمار، بدأت الدول العربية الإسلامية تتخلي عن بعض الجوانب الإستفزازية من الدولة الدينية مثل تطبيق العقوبات البدنية كجلد شارب الخمر وقطع يد السارق ورجم الزانية، وعن جباية الجزية من مواطنيها غير المسلمين. السعودية مازالت تطبق هذه العقوبات البدنية وذلك، أساساً لأنها لم تعرف الإستعمار الأوربي وبالتالي لم تدخلها بعض أنوار الحداثة. أما السودان فقد عرف الإستعمار وتخلي في ظله عن الرق والعقوبات البدنية، لكن الدولة الإسلامية، التي أقامها الترابي، أعادت إليه الرق والعقوبات البدنية". ومن ناحية أخرى (طبقا لما تقول صحيفة "الأهرام" في 27 أبريل 2005) نجد أن مجمع البحوث الاسلامية في مصر منشغلٌ بشأن موضوع "تجميد تطبيق حدود الشريعة" التي "يدعو إليها البعض"، إذ انتهت لجنة البحوث الفقهية إلي أن "إنكار الحدود الثابتة أو طلب الغائها أو تجميدها ـ مع ثبوتها بأدلة قطعية ـ يعد تركا لماهو معلوم من الدين بالضرورة لذلك يعتبر المنكر لها خارجا علي ملة الإسلام‏".‏
    أما رواد الفكر العَلماني في العالم العربي فهم كثيرون، مثل رفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده، وقاسم أمين، وجورجي زيدان، وشبلي شميل، ويعقوب صروف، وميخائيل نعيمه، وجبران خليل جبران، وعلي عبد الرزاق، وكامل كيلاني، وفرح أنطون، وسلامه موسى، واسماعيل مظهر، ولطفي السيد، وطه حسين، وأحمد أمين، وصولا إلى فرج فوده الذي، وإن لم يكن من رواد العلمانية، كان أول شهدائها، والطاهر الحداد والعفيف الأخصر. المطالبون بالعلمانية اليوم كثيرون..



    هل فشلت العلمانية في العالم العربي بسبب مقاومة الإسلام لها أم بسبب ضعف الخطاب العلماني؟
    فشل العَلمانية في العالم العربي مرتبط بفشل مشروح التحديث بأكمله.
    لكن التساؤل الحقيقي هو إذا كانت المجتمعات الإسلامية لا يمكنها تقبلها.
    منتقدو الإسلام يتهمونه في هذا المجال (كما يقول أوليفييه روا) بالآتي: أن لا يوجد فصل بين الدين والدولة؛ وأن الشريعة لا تتماشى مع الديموقراطية (لأن شرع الله مفروض على الإنسان) ولا مع حقوق الإنسان؛ وأن المؤمن لا يمكن له الارتباط إلا بالأمة (الإسلامية) مع تجاهل المجتمع السياسي والمواطنة. الاستنتاج لذلك هو أحد أمرين: لا مفر من إصلاح ديني شامل قبل أن يمكن مواءمة "الإسلام" مع الحداثة؛ أو أن "الإسلام" غير قابل للإصلاح وبالتالي فالمسلمون محظور عليهم دخول الحداثة (كمسلمين). والغريب أن هذه النظرة لا تختلف كثيرا عما يقول به الإسلاميون الذين يعتبرون الإسلام نظاما "شاملا" وأن الشريعة غير قابلة للتغيير وأنها تصلح لكل مكان وزمان!
    لن ندخل هنا في جدل عقيم حول الإصلاح الديني وهل هو ضروري (إن كان ممكنا) كشرط مسبق لدخول الحداثة. لكن يكفي الإشارة إلى أن العديد من الدول "الإسلامية" تنص دساتيرها بالفعل وبوضوح على العلمانية، مثل تركيا ومالي والكوت ديفوار وأوزبكستان، وذلك بالإضافة إلى أندونيسيا، أكبر دولة مسلمة في العالم، التي لا ينص دستورها على "دين للدولة"، ناهيك عن الإشارة إلى الشريعة. إضافة إلى ذلك فهناك عشرات الملايين من المسلمين، يمثلون خمس تعداد المسلمين في العالم، الذين يعيشون كأقليات ليس فقط في الغرب العَلماني (أوروبا وأمريكا واستراليا) بل أيضا في دول علمانية أخرى من الهند إلى روسيا وجنوب أفريقيا. إذن هناك بالإجمال حوالي 45% من مسلمي العالم ممن يعيشون في ظل دول على درجات مختلفة من الديموقراطية والعَلمانية مما يثبت أن الزعم باستحالة قبول "المجتمعات الإسلامية" للعلمانية هو غير صحيح؛ مع ملاحظة أن عملية العلمنة والدمقرطة والتحديث في كل الحالات هي عملية "سياسية" نابعة من "إرادة سياسية"، ولا تتطلب فتاوى أو قبولا من رجال الدين.
    على أي حال يبدو أن مشكلة رفض العلمنة تتعلق على نحو التخصيص بالمجتمعات العربية التي ترفض التحديث ولذلك تتمحك في أعذار واهية حول الدين.



    لماذا فشل مشروع النخبة العلمانية العربية؟
    النخبة "العَلمانية" هي بعينها النخبة الداعية للحداثة، وفشلها في "جزئية" العَلمانية هي جزء من فشل مشروع التحديث بأكمله. وبعد العديد من المحاولات المتكررة منذ أواخر القرن التاسع عشر فمازال "مشروع التخلف" ـ إن جاز هذا التعبير ـ هو المشروع السائد والمتسيد في العالم العربي.

    [email protected]


    * هذا المقال يتناول عددا من الأسئلة التي وجهتها جريدة "الأحداث" المغربية لمجموعة من الكتاب في العالم العربي، وينشر بالتزامن مع "الأحداث".

    مراجع رئيسية:
    - Laïcité entre passion et raison, Jean Baubérot, Seuil
    - La Laïcité face à l’islam, Olivier Roy, Stock
    - Encyclopedia of Politis & Religion
    -العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، عبد الوهاب المسيري، دار الشروق.



                  

05-06-2005, 08:05 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    هناك سؤال يطرح باستمرار يقول:
    هل فشلت العَلمانية في العالم العربي بسبب مقاومة الإسلاميين لها، أم بسبب ضعف الخطاب العَلماني؟
    والجواب على ذلك، أنه يتردد قول في العالم العربي بأن العَلمانية العربية قد فشلت، والصحيح هو عكس ذلك. فمنذ مطلع القرن العشرين وبفضل الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة العربية تمَّ تبني العَلمانية الاقتصادية أو "البنوك الربوية"، وفصل الدين عن الاقتصاد. وكذلك بفضل هذين الاستعمارين تمَّ تبني العَلمانية في السياسة. فوُضعت الدساتير وأجريت الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية بدل "البيعة" بين (أهل الحل والعقد) كما هو في الموروث السياسي الديني. وتم جزئياً فصل الدين عن الدولة. ولم يبق من الدين في الدولة والدستور غير نص (دين الدولة الإسلام) وهو نص غبي لا يعني شيئاً في التطبيق. وقد وُضع ترضية للمؤسسات الدينية ورجاتل الدين والأحزاب الدينية في العالم العربي. فالدولة العربية القائمة الآن لا علاقة لها بالإسلام، أو بدولة الراشدين، كما أنها ليست دولة دينية. والفرق بينها وبين الدولة الدينية بعيد جداً كما سنرى بعد قليل. والدولة العربية القائمة لا تطبّق من الإسلام غير طقوسه المعتادة في المناسبات الدينية. ورغم أن هناك نصاً في الدساتير العربية يقول بأن (الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين) إلا أن هذه الشريعة كثيراً ما تفشل في حل المشاكل المستجدة.
    ومن هنا نرى أن مشروع النخبة العَلمانية العربية لم يفشل، ولكنه كان بطيء التقدم بسبب التركة الدينية الثقيلة والقاسية والمسيطرة وبسبب هيمنة رجال الدين على الحياة الاجتماعية العربية، وبسبب المؤسسة السياسية العثمانية المنغلقة والمعادية للغرب والتي حكمت العالم العربي أربعة قرون (1517-191. ورغم هذا فقد حقق العالم العربي منذ الاستقلال حتى اليوم (طيلة نصف قرن) الكثير من مبادئ العَلمانية وبقي الكثير أيضاً لكي يتم تطبيقه. وأعتقد بأن ما حصل بالعراق في التاسع من نيسان/ابريل 2003 كان نقطة تحوّل كبرى تجاه المزيد من العَلمانية في العالم العربي. وهو أبعد أثراً من حملة نابليون على مصر 1798 التي أدخلت عصر الأنوار والعَلمانية إلى العالم العربي من البوابة المصرية، وعلى يد الحاكم العَلماني الأكبر محمد علي باشا الذي كان حاكماً عَلمانياً دماً ولحماً. فمن علامات العَلمانية في الدولة العربية الكلاسيكية في القرن التاسع عشر ما قام به محمد علي باشا من تصفية حركة علماء الدين والقضاء على الأساس الاقتصادي -الاجتماعي لقوة علماء الدين السياسية، وذلك بتجريدهم من التزاماتهم، ومصـادرة ثرواتهم، وتدمير الطوائف الحرفية والتجارية التي كانـوا أرباباً لهـا. وبذلك انتهت مرحلـة في تاريخ مصر كان فيها رجال الدين هم قادة المجتمع، وأكثر فئات المجتمـع ثراءً. وقد " استحسن المصريون ما فعله محمد علي باشا بهؤلاء العلماء ، لأن هؤلاء العلماء كانوا في وضع اجتماعي واقتصادي متميز، بل ومتناقض مع باقي أفراد المجتمع " ( رفعت السعيد، التيار الديني والتيار العَلماني في الفكر المصري الحديث، ص60 ). ولو امتد الزمان بمحمد علي باشا وساعده الحظ لحوّل العالم العربي إلى دولة علمانية على غرار أوروبا الآن.



    العَلمانية والدين
    يردد بعض رجال الدين من أن العَلمانية ضد الدين. ولكن العلمانية ليست ضد الدين، بل إنها تحمي الدين بإبعاده عن السياسة. أي إبعاد المقدّس عن المدّنس. وإبعاد الثابت (الدين) عن المتحول (السياسة). وعدم الخلط بين السماوي والأرضي، والواقعي والميتافيزيقي.. الخ. والإسلام بحد ذاته غير مُغلق في وجه العَلْمنـة. ولكي يتوصل المسلمون إلى أبواب العَلْمنة، فإن عليهم أن يتخلصوا من الإكراهات والقيود النفسية واللغوية والأيديولوجية التي تضغط عليهم. وعليهم أن يعيدوا الصلة مع الحقيقة التاريخية للفكر الإسلامي في القرون الهجرية الأربعة الأولى. فقـد كان الجاحظ ( ت 869م) على سبيل المثال من كبار مفكري الثقافـة العربية الإسلامية الكلاسيكية الذين تبنوا موضوع الإنسيّة العربيـة التي كانت جزءاً كبيراً من العَلمانية العربية الكلاسيكية. وهو الذي ألقى على الثقافة العربية أسئلة النقد التاريخي المحرجة والتي لا يستطيع مسلمو اليوم أن يلمحوا بمدى ضرورتها وجدواها. فهو والمعتزلة طرحوا مشكلة "خلق القرآن" وهو موقف فريد تجاه ظاهرة الوحي، كما قال محمد أركون في كتابه (العَلْمنة والدين، ص42، 60) ومن هنا يمكن القول بأن العَلْمنة كانت موجودة في الفكر العربي الكلاسيكي في أيام المأمـون والمعتزلة، أكثر مما هي موجودة في الفكر العربي المعاصر الآن.
    ورجال الدين يريدون عدم فصل الدين عن الدولة، ولذلك يرمون العَلمانيين بالالحاد. والمؤسسة الدينية الإسلامية لها منافع كثيرة من ربط الدين بالدولة. وهم من خلال ذلك يهدفون إلى أن يصبحوا جزءاً من السلطة ومن المنافع التي تنتفع بها. وهذا وضع كان موجوداً في الدولة العربية الكلاسيكية. فكما أن الإمبراطور البيزنطي استولى على المسيحية واستخدمها لصالحه، فكذلك فعل الخليفة في الإسلام بدءاً بمعاوية بن أبي سفيان وإلى آخر سلطـان عثماني. وكما نشأت في المسيحية مؤسسة قُدسية تحالفت مع السلطة وعمـلت لدعمها، كذلك كان الأمر في الإسلام منذ بداية العصر الأمـوي وحتى الآن. وفصل الدين عن الدولة سوف يحيل رجال المؤسسة الدينية إلى حملة مباخر كما هو الحال مع رجال الكنيسة. وبما أنه لا مال لديهم كمـال الكنيسة ولا ذهب لديهم كذهب الكنيسة، فسيتحـولون إلى مواطنين عاديين يعانون من الفقر المادي، وفقدان الوجاهة الاجتماعية، والحرمان من السطوة الثقافيـة والسطوة السياسيـة اللتين يتمتعون بهما الآن، بعد أن كانوا وما زالـوا من أولي الأمـر، جنباً إلى جنب مع الأمراء، كما قال ابن تيمية من أن "العلماء والأمراء هم أولو الأمر". وهكذا أصبح فرسان الحلبة السياسية في العـالم العربي والإسلامي الآن إما من العسكر وإما من رجال الدين. وأصبح مصدرا تخريـج الكـوادر السياسية في العـالم العربي والإسلامي هما: الكليات العسكرية، والمعاهد الدينية.



    العَلمانية والتراث
    لقد حاول أهل السُنّة والأشاعرة في العصرين الأموي والعبـاسي تحاشي ربط الدين بالدولة رغم إغراءات المعتزلة لهم. وإليهم يرجع الفضل في ظهور بوادر العَلمانية. كذلك فقد ساهم بعض أئمة المعتزلة "المحافظين" في فصـل الدين عن الدولـة من خلال قول الحسن البصري (642-728م) وهو الفقيه والإمام والمفكر المعتزلي لجملة أصحابه من المعتزلـة الذين أقحموا الدين في ميدان السياسة لكي يعارضوا الحكم الأموي: "تلك دماء طهّر الله منها أسيافنا فلا نلطخ بها ألسنتنا" . وهو يعني أن رجال الدين يجب أن لا يخلطوا بين الدين والسياسة، وأن يبتعدوا عن السياسة ويفصلوا بين الضـدين والمتناقضين: الدين ذو الثوابت والسياسة (الدولـة) ذات المتغيرات. أي؛ بين المُنجَّس والمُقدَّس. بعد أن تطهّرت سيوفهم من دماء السياسـة، ولا يـريدون أن تتلطّخ وتتسخ ألسنتهم بها. كما يعني أن هنـاك ثوابت في الدين، ولكن لا ثوابت في السياسة، فكيف يجتمع النقيضان والضدان؟
    و كما كان المعتزلة هم أول من شكَّل الأحزاب السياسية الدينية في التاريخ العربي الإسلامي، فقد كانوا في الوقت نفسه سبباً في ظهـور العَلمانية، ووضع أسسها من حيث أنهم أخذوا بالجانب العقلي في الدين والسياسة وكانـوا أسرع الفرق للاستفادة من الفلسفة اليونانية وصبغها بالصبغة الإسلامية والاستعانة بها في نظرياتهم وجدلهم. وهم الذين خلقوا علم الكلام في الإسلام. وذلك يرجع إلى أن زعماء المعتزلة أسلموا ورؤوسهم مملوءة بأديانهم القديمة التي تسلّحت من قبل بالفلسفة اليونانية والمنطق اليوناني .



    لماذا تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العَلمانية؟
    تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية لأن هناك فروقاً كثيرة بين الدولة الدينية والعَلمانية منها:
    أن الصفة الأساسية للدولة الدينية هو طابعها الكلياني. والدولة الدينية تحكم بموجب نصوص مقدسة مغلقة لا تغيير فيها.وتُجسِّد الدولة هنا الذات الإلهية. وفي الدولة الدينية الأولوية هنا للنص المقدس. ورجال الدين في هذه الدولـة شركاء في الحكم والمسؤولية. وشرعية هذه الدولة تكمن في الدين. والمواطن في هذه الدولة ليس مُلزماً بإقامة الشعائر الدينية فقط ولكن بإطاعة "القوانين الإلهيـة" التي تُكرِّس سلطة السلطان أيضاً. والدولة الدينية تُحقِّر من شأن الحياة. وتصفها الكتب المقدسة دائماً بأنها "الحياة الدنيا" أي الحياة السفلى الدنيَّة. وتُعلي من مقام الحياة الآخرة التي هي في الغيب والمجهول. والدولة الدينية تتعلق بالتراث تعلقاً أعمى دون السماح بتفكيكه ودراسته على ضوء المناهج العلمية الحديثة. والدولة الدينية ذات غرائز بعيدة عن طبيعة الدين وروحه. وغرائز الدولة الدينية هي: الغموض المطلق، الستار الحديدي، التركيز على ضعف الإنسان، واعتبار المفكرين أعداء الدين، وعدم قبول النصيحة، وعدم قبول المعارضة، والإيمان بالوحدانية المطلقة في كافة المجالات، والجمود العريق، والقسوة المتوحشة. والدولة الدينية – كما وصفها خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نبدأ"، 1950- لا تثق بالذكاء الإنساني ولا تأنس له. ولا مؤسسات دستورية في هذه الدولة غير مؤسسة السلطان وحده. فالكل في واحد. ولا تستطيع هذه الدولة أن تتعايش مع العَلمانية بجناحيها : الديمقراطية والعقلانية. فيما لو علمنا أن وحدانية الفكر والطريق هو الأساس فيها.
    أما الدولة المدنية فالصفة الأساسية لها هو طابعها العقلي. والدولة المدنية تحكم بموجب نصوص موضوعة مفتوحة متغيرة. وتُجسِّد الدولة هنا علاقة بشرية. والأولوية هنا للعقل المجنّح. ولا مكان لرجال المؤسسة الدينية في هذه الدولة حيث لا يفيدون شيئاً. وشرعية هذه الدولة تكمن في القانون. والمواطن في هذه الدولة له الحريـة في العبادة ما شاء إلى ذلك سبيلا. وهو غير مُلزم باتباع مذهب معين في السياسة أو الاجتماع. والدولة المدنية تُعلي من شأن الحياة، وتطلب من الناس العمل والتقدم فيها. ولا تُعير انتباهاً كثيراً للحياة الآخرة الغائبـة والمجهولـة، وتطلب من الناس ألا يشغلوا بالهم بها. والدولة المدنية لا تتخذ موقفاً رافضاً من التراث ولا تتعلق به تماماً، وتسمح بدراسته على ضوء المناهج الحديثة كما قال فؤاد زكريا في دراسته (النهضة العربية والنهضة الأوروبية، ص2. والدولة المدنية لا غرائز لها غير غريزة تعميق مفاهيم الحرية. وإن كان ثمة غرائز مقابلة للدولة المدنية فهذه الغرائز هي: الوضوح، الأبواب المفتوحة، التركيز على عظمة الإنسان، اعتبار المفكرين زيت سراج الأمة، قبول المعارضة، الإيمان بالتعددية والاختلاف والمغايرة، الحركة المستمرة إلى الأمام، الرحمة بالنشء. وتثق هذه الدولة بالذكاء الإنساني وتعتبره من أُسس بناء المجتمع. وهذه الدولـة هي دولـة المؤسسات الدستورية. فالكل في الكل. وتستطيع هذه الدولة أن تتعايش مع الدين فيما إذا الدين لم يُقحم نفسه في السياسة. فالدين في الغرب العَلماني ما زال هناك، وبيوت العبادة ما زالت قائمة.
                  

05-06-2005, 08:15 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    تتصاعد هذه الأيام وتيرة ادعاء الأحزاب الدينية، بأنها الحل لمشكلات الوطن، وأنها القادرة على درء الخطر، وإنهاء المظالم والفساد، وتحرير الأرض والإنسان، وإشاعة الحرية والديمقراطية، وتثبيت مبدأ تداول السلطة، وحقوق الإنسان، وإقامة مجتمع العدل والمساواة، والفرص المتكافئة!
    فهل هي صادقة في ادعائها هذا؟ وهل هي قادرة على تحقيق وعودها؟ وهل يذكر التاريخ – ومثال أفغانستان والسودان ما زال جاثما- حزبا دينيا واحدا بنى وطنا ومجتمعا، بمعنى البناء، ووحد بين أبنائه، ومنحهم حرية الفكر والتفكير، وحق التعبير، وأشاع الديمقراطية، والتزم بحقوق الإنسان، ولم يمارس القمع والإكراه، والإرهاب والاستبداد، لتثبيت حكمه، وتحقيق مآربه ومطامعه في الثروة والسلطة؟
    1 - كيف يمكن لهذا الحزب الديني أن يدعي الإيمان بالديمقراطية، ويعد الناس- إن اعتلى سدة الحكم - بالالتزام بها وتطبيقها، مع أن دستوره وعقيدته وفكره وأدبياته تخالف هذا الادعاء. فرجاله وقادته لا يكلون ولا يملون من التكرار والإعلان والتصريح، بمناسبة ودون مناسبة، في الخطب، والدروس التعبوية، والصحف والفضائيات: أن الإنسان خطّاء، وإنه لم يُخلق إلا لعبادة الرحمن الذي خلقه، ولذا فالحكم والحاكمية لله وحده، لا للشعب، ولا يحق بالتالي لهذا الخطّاء أن يقرر أو يختار قوانينه وتشريعاته. والديمقراطية أو حكم الشعب، عمل من أعمال الكفر والزندقة والشيطان، تخالف شرع الله وأوامره وتوصياته، التي قضى بالشورى لا بالديمقراطية، فالحاكم الذي (اختاره الله) يشاور أهل الحل والربط، لا الرعية والعوام. علما بأن الفقهاء ما زالوا مختلفين إن كانت هذه الشورى ملزمة للحاكم أم غير ملزمة.
    2 - كيف يمكن لهذا الحزب الديني أن يدعي الالتزام والقبول بتداول السلطة؟ والتاريخ الذي يفاخرون به، ويتباكون عليه، يؤكد دون أي استثناء، أن الحاكم يظل حتى الممات، يحلب (الرعية) ويجز صوفها. يذبحها ويأكل لحومها، ويخضها لأخذ زبدتها وسمنها. يليه في الحلب والجز والذبح والأكل والخض، أحد أخوته أو أبنائه، إن لم ينقلب عليه قبل مماته فيقصيه أو ينفيه.
    3 - كيف يمكن لحزب يؤكد دوما، ويدعي أن فرقته هي الوحيدة الناجية، وغيرها كفار في النار؟ أن يقيم حوارا سلميا ديمقراطيا مع أبناء المذاهب والأديان الأخرى في الوطن، وهو يعتبر أتباعها أعداء الله، من أهل النار والكفار والرافضة؟
    4 - كيف يمكن لحزب ديني أن يعد الناس بممارسة حريتهم والدفاع عن حقوقهم؟ في الوقت الذي يرفض فيه الاعتراف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتوقيع عليه. بحجة إن ما تنص عليه بعض مواد الإعلان (مادة 16و1 التي تؤكد على حرية التفكير والضمير والدين، وحق المرأة، وحق اختيار العقيدة والتعبير عن الآراء والأفكار، تخالف كما يدعون شرع الله.
    5 - كيف يمكن لحزب يحتقر المرأة ويقمعها ويضطهدها، ويرى أن أكثر أهل النار من النساء، وأن القبر خير ستر لها. كل ما فيها عورة من قمة رأسها حتى أخمص قدميها حتى صوتها. ناقصة عقل ودين. تفسد مع الكلب الأسود والحمار الصلاة. ديتها إن قُتلتْ نصف دية. كيف يمكن لهكذا حزب، يحتقر ويضطهد ويقمع ويعزل ويهمّش نصف المجتمع، أن يبني وطنا ومجتمعا، وينهض به؟
    6 - كيف يمكن لحزب ديني يدعي ويتوهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنه الناطق الرسمي باسم الله، والوكيل الحصري لقراراته وتشريعاته، والمدافع عنه ضد أعدائه. أن يحترم ولا يسفّه، آراء الآخرين، ولا يضطهدهم ويكفرهم إن خالفوه الرأي، ثم يذبحهم إن لم يسعفهم الحظ، ويفروا بجلدهم، كما فر الشيخ الأزهري المصلح الدكتور أحمد صبحي منصور، والدكتور نصر حامد أبي زيد.
    7 - كيف يمكن لحزب ديني يؤمن بأن الدين هو الرابطة الوحيدة التي تجمع بين الناس مهما اختلفت لغاتهم وأوطانهم وثقافتهم وأعراقهم وقومياتهم وتاريخهم. كيف يمكن لهكذا حزب إن حكم بلدا متعدد المذاهب والأديان، أن يعدل ويساوي بين أبنائه وسكانه؟
    8 - كيف يمكن للحزب الذي يقسم العالم إلى فسطاطين، فسطاط الكفر، وفسطاط الإيمان، ويقسم الأرض إلى دارين، دار للحرب يسكنها الكفار، ودار السلم يسكنها الإيمان. ويؤمن بعقيدة الولاء والبراء. الولاء لأتباعه وأبناء ملته، والبراء مما عداهم. ويعتقد اعتقادا جازما، أنه مأمور من الله تعالى أن يبقى على قتال ضار مع الناس حتى يؤمنوا بإيمانه. كيف يمكن لحزب كهذا أن يقيم سلاما وتعاونا واحتراما مع الشعوب والدول، وما أكثرها، تلك التي يراها غير مؤمنة، وأن يحترم تراثها وثقافاتها واختياراتها ورغباتها، ولا يدخل البلاد والعباد في عزلة ونفق وحروب أبدية مع الآخرين، تنفيذا كما يزعم، لأوامر الله و الدين؟
    9 - كيف يمكن لحزب يذبح من أراد اعتناق دين غير دينه الذي ولد عليه، ولم يكن له يد في اختياره. أن يدعي السعي والرغبة والقدرة على بناء مجتمع يقوم على الصدق والشفافية، لا الخوف والكذب والتقية والنفاق. واحترام حرية الإنسان، وحقه في الاختيار والانتماء والتعبير؟
    10 - كيف يمكن لحزب يعتمد على النقل لا العقل. يمنع الاجتهاد والبحث والنقد والتطوير، ويحرض على أصحاب العقول النيرة والباحثين المبدعين، يكفّرهم ويقتلهم، ويحارب الفكر والفنون وتعدد الثقافات، ويفرض لونا واحدا وفكرا واحدا وثقافة واحدة ورؤية واحدة، أن يطور المجتمع ويدفعه نحو التقدم واللحاق بركب الحضارة الإنسانية؟
    11 - كيف يمكن لحزب كهذا، يعلم أتباعه عشق الموت، ورفض الحياة واحتقارها وكرهها، ويدعو الشباب للقتل والانتحار. أن يرفع راية الصداقة والحب والفرح. وأن يهتم بالإنسان، ويحترم مشاعره، ويعتني به، ويسعى للحفاظ على حياته، ويعمل على إسعاده ورفاهيته، وتأمين متطلباته؟
                  

05-06-2005, 01:58 PM

Sudany Agouz
<aSudany Agouz
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 9014

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الأستاذ صبرى الشريف ..

    كم أنا فخور بما كتب .. ولكن للأسف من يقرأ ومن يعى ..المشكلة الأساسية الآن والتى تواجه العالم العربى بصفة خاصة والعالم بأجمعه بصفة عامة .. هى نعرات المتأسلمين .. والذين يقومون بتفجير أنفسهم ثم الآخرين بوازع دينى بحت .. ولمن يتابع الأخبار اليومية ..يقرأ ويسمع ويرى .. والعجيب ان مسألة التفجيرات هذه ، كانت قاصرة على أماكن معروفة .. الا ان العدوى وصلت الى مصر .. حادثة الفتاتين والأتوبيس السياحى .. ولكن على من يقع اللوم .. هل على الأسرة الصغيرة .. أم على أنظمة الحكم أو الحكام .. أم على النصوص الدينية .. أم على الأنظمة التعليمية .. حقيقة أننى حزين جدا لما وصل اليه التعصب الدينى .. فمثلا مصر والتى كانت مصدرا للاشعاع الفكرى فى الزمن الماضى القريب .. الآن أصبحت مصدرا لتصدير الارهاب .. فكم من أقباط مهمشون .. لا كنائس تبنى .. ولا وظائف لمن يدين بالمسيحية .. والعجيب لمن يزور القاهرة ، لا يعلم بما يدور بقرى الصعيد المصرى .. فالتعتيم الاعلامى لا يوضح ما يحدث .. فالان مصر تعيش على بركان ساخن .. لا ندرى متى تتطاير حممه ..الا اننى أعتقد أن مبادرة الرثيس مبارك وقيامه بتغيير الدستور المصرى .. وامكانية ترشيح آخرين لرئاسة الجمهورية ، هذه قد ترجىء زمن الانفجار .. ولكن هذا يتوقف على الرئيس المرتقب وكينونة حكومته ..

    فياأخى صبرى .. ويل لمن تأتى بواسطتهم العثرات ..

    وليتنا نفيق قبل فوات الأوان .. وأننى أخاف على سودان المستقبل .. لأن عدوى المتأسلمين زاحفة لا محالة ..

    وفقكم الله وأكثر من أمثالكم ..

    عمكم العجوز
    أرنست
                  

05-06-2005, 06:16 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    سوداني اصيل
    ارنست او عمي العجوز

    ارنست همنجواي كتب عنك في العجوز والبحر يا تري انت العجوز ونحن

    البحر ام انت ارنست ونحن نتلهف للوصول اليك سعيد بطلتك البهية


    اصل الحاصل بعد انهيار الخلافة الاسلامية وتقسمت بين الملوك وياريت

    لو ما انتهت لكن ظروف بقائها انتفت , طل علينا فكر محمد رشيد رضا

    وحسن البنا واسسوا جماعة الاخوان المسلمون عام 1928 واستغلوا ضياع

    الخلافة الراشدة العثمانية وتباكوا من اجل استردادها وبداوا في العمل

    علي نشر ثقافة وفهم ان الاسلام هو الحل لكن في كل سطوة انقلابي او ازدياد

    ظاهرة هوسهم الديني وعندما تفشل الفكرة لا يتوقفوا عن الاتيان بها مرة

    اخري بحجة سوء التطبيق في التجربة الماضية لكن نحن افضل من يطبق القران

    دستورنا ومحمد نبينا والجهاد اغلي امانينا ...................


    نحن فترنا وتخلفنا ببطلان حججهم وزيف دعاويهم العلمانية هي خلاص الشعوب

    لانها مننا والينا وفينا ساهم وضع العسكر والتمشدق بشعارات الاشتراكية

    العدالة الديمقراطية الحرية والقومية فضيق علي المواطنين حرية البحث

    عن شعار يسيروا خلفه لذلك اتي شعار الاسلام هو الحل وتلطخت به جدران

    كثير من عواصم عربية وفارسية وشرق اوسطية وشرق ادني

    ايضا فرض منهج تعليمي يزكي نيران الفرقة والكراهية والشتات هل تصدق

    مهوسي الجبهة الاسلاموية في السودان تحارب اشقائي في جنوبنا الحبيب

    ويتخيل المحارب انه يحمل سيف خالد ويركب بقلة طلحة ويشم في ريحة مسك

    الجنة كان هذه المعركة احد او بدر تفرج في عقل خرب قدر ايه


    مصر المؤمنة هي اس البلاء لانها صدرت الهوس الديني والدكتاتوريات للدول

    المجاورة واستبدلت ارسال بعثات التنوير والعلم من امثال الطهطاوي وطه

    حسين بل يوصف بانه كافر من طلبة هذا الزمان , مصر لا تفتح في احياء

    عريقة مثل عين شمس مسرح او كنيسة مش بار مصر عداء للمراة بشكل جنوني

    بل اصبح اسم المراة عورة واذا كانت لك بنت او اخت او زوجة تناديها باسمك

    او اسم اخيها هل تصدق

    مصر عداء لقبطها اصحاب البلد مصر راحت في الطريق الغلط عداء للعقل

    عداء للانسان عداء للعقل عداء لجميع من في الكون بما فيهم انفسهم لانهم

    ضحايا منهج انصار السنة وجماعة الاخوان المسلمين بتفريعاتها


    اما السودان ف.......................................................

    ..................................................................................................................................................................................................................................................................................................................... نقطة .

    نشوف السعودية والجزائر وايران وباكستان ورحم الله الطااااالبان
                  

05-06-2005, 06:20 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    أعجب العجب أن تتشرذم الخلافة الإسلامية، بعد موت معاوية الثاني بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، كل هذا التشرذم. ثم تعود لآل أمية ممثلين بمروان بن الحكم. حدث ذلك بعد أن ضاقت الدنيا بابن الحكم، الذي قال لابنه عبد الملك: "يا بنيَّ! إن ابن الزبير قد أخرجني! ويعني إخراج آل أمية من المدينة. وكان عبد الملك "عليل مُجدر"، فحمله معه ملفوفاً بالقطن. ولم يبق من بلدان الدولة الإسلامية، التي وسعها معاوية في الفتوح، مخلصة للأمويين غير الأردن. ومن العجب أيضاً أن يستولي عبد بن الزبير على الحجاز والعراق ومصر وجزء كبير من الشأم وينتهي محصوراً عند جدار الكعبة، وتنتهي الحركة الشيعية بعد تصفية قتلة الحسين، ليستولي ذلك العليل بالجدري من جديد، ويخلع خالد بن يزيد بن معاوية، ومن بعده عمرو بن سعيد بن العاص، من ولاية العهد بعد أبيه مروان.
    عندما تشتد السياسة، مهيمنة على الدين وتركبه واسطة إلى السلطة، لا تتأخر من تقنين أُصوله وفروعه. فهذا عبد الله بن الزبير عندما وجد في بني هاشم عداوة ترك الصلاة على محمد في خطبته" فقيل له لِمَ تركت الصلاة على النبي؟ فقال: إن له أهل سوء يشرئبون لذكره، ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به"(تاريخ اليعقوبي). وإن عبد الملك بن مروان منع أهل الشأم من الحج إلى الكعبة "ذلك لأن ابن الزبير كان يأخذهم، إذا حجوا بالبيعة". ولما أحتج الناس أتى براوية الحديث المشهور ابن شهاب الزهري ليروي لهم ما يبرر تصرفه. فقال الزهري عن النبي محمد: "لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس". قال عبد الملك: ومسجد بيت المقدس "يقوم لكم مقام المسجد الحرام، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله وضع قدمه عليها، لما صعد إلى السماء، تقوم لكم مقام الكعبة"(وردت الرواية في أكثر التواريخ). ولأمر سياسي ممزوج بالديني قام عبد الملك و"بنى على الصخرة قبة، وعلق عليها ستور الديباج، وأقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها، كما يطوفون حول الكعبة". وعلى هذا المنوال يُغلف السياسيون طموحاتهم الشخصية والفئوية بالدين تغليفاً مفضوحاً، فحتى يأتي وزيراً يزايد في الصلوات على النبي، ويهدر دم ابن النبي إذا اعترض عليه.
    تشرذمت الخلافة الإسلامية، ومازال البكاء عليها، تحت عدة مسميات، خلافة راشدية أو فاطمية وعلوية، أو عربية مجيدة. وكأن الدماء التي سفكت من أجلها باسم الدين كانت مياه مزن، لم تجر في عروق بشر! بعد موت مروان بن الحكم (65هـ) وقفت بعرفات أربعة رايات، كل يدعو لصاحبه باسم القرآن ومحمد. والرايات هي: راية محمد بن الحنفية في أصحابه، ولابن الزبير في أصحابه، ونجدة بن عامر الحروري (الخوارج)، وبني أمية. حصل هذا بعد حوالى خمسة عقود من وفاة النبي، الذي ترفع الرايات المتناحرة اسمه جمعياً. وفي هذا المشهد المريع قال المساور بن هند بن قيس: "وتشعبوا شعباً، فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين"! ومازالوا متشعبين شعباً متناحرة، يأخذون الناس بالدعوة إلى الدين. ومَنْ عجز عن تحقيق مراده بالسيف لجأ إلى اللعب على سذاجة العوام، عبر الديمقراطية. إنها لعبة جديدة، لكنها في منتهى السخرية.
    قلنا من أعجب العجب أن تعود الولاية إلى عبد الملك بن مروان، الفتى مصاب بالجدري، حمله أبوه ملفوفاً بالقطن، حتى لا يتساقط جلده ولحمه. عادت له بعد قتل أمير العراق مصعب بن الزبير، ثم قتل الخليفة الموازي عبد بن الزبير، وإخضاع محمد بن الحنفية، وتعطيل ولاية العهد لخالد بن يزيد وعمرو بن سعيد. وعلمنا أنه ألغى الحج وهو الفريضة التي وردت بالقرآن، دون أن يجد تعنيفاً في إلغائها، مازال هناك نص يروى عن النبي، وهو الحج إلى أحد الثلاثة مساجد. ولم يجد ابن الزبير تعنيفاً في إلغاء الصلاة على النبي، مثلما لم يجد معاوية تعنيفاً في شتم على بن أبي طالب مع فروض الصلاة.
    هناك أُسرتان، آل عقيل وآل المهلب، لعبتا دور الدين ودور السياسة في ترسيخ الحكم الأموي، وفي أرض تغور بالثورات، هي أرض وهم أهل العراق. وأعود مذكراً بمقالتي ابن بحر الجاحظ (ت 255هـ) و عز الدين ابن أبي الحديد (ت 656هـ) في أمر ثوران العراقيين. قال الجاحظ: "العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء، وطاعة أهل الشام، أن أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة. ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث. ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح، والترجيح بين الرجال، والتمييز بين الرؤساء، وإظهار عيوب الأمراء. وأهل الشام ذوو بلادة وتقليد وجمود على رأي واحد، لا يرون النظر، ولا يسألون عن مغيب الأحوال"(ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة). وقال عز الدين بن أبي الحديد، العلوي الهوى والشافعي المذهب: "مما ينقدح لي من الفرق بين هؤلاء القوم وبين العرب الذين عاصروا رسول الله، صلى الله عليه وآله، أن هؤلاء من العراق وساكني الكوفة. وطينة العراق ما زالت تنبت أرباب الأهواء وأصحاب النحل العجيبة، والمذاهب البديعة. وأهل هذا الإقليم أهل بصر وتدقيق ونظر، وبحث عن الآراء والعقائد، وشبه معترضة في المذاهب. وقد كان منهم في أيام الأكاسرة مثل ماني وديصان ومزدك وغيرهم"(المصدر نفسه).
    استنزف الحجاج بن يوسف الثقفي (95هـ) العراق بالخراج والحروب والقتل، طوال عشرين سنةً، حتى تركه خاوياً، يتعثر أهلوه بشبح جلاده وصاحب عذابه. ولم تكن بعده ولاية العراق مغرية لأحد، فمَنْ يخلف الحجاج عليه أن يُنسي العراقيين أيامه العجاف. يقلل من الإسراف بالأموال والدماء. ولهذا حاول يزيد بن المهلب (ت 102هـ) الاعتذار لسليمان بن عبد الملك (ت99هـ)، وأن لا يتولى أمر العراق بعد الحجاج.
    جاء في الرواية: "أن يزيدَ نظر لما ولاه سليمان ما ولاه من أمر العراق في أمر نفسه. فقال: إن العراق قد أخر بها الحجاج، وأنا اليوم رجاءُ أهل العراق. ومتى قدمتها وأخذت الناس بالخراج وعذبتهم عليه صرتُ مثل الحجاج، أدخل الناس الحرب، وأعيد عليهم تلك السجون، التي قد عفاهم الله منها. ومتى لم أتِ سليمان بمثل ماجاء به الحجاج لم يُقبل مني. فأتى يزيد (ابن المهلب) سليمانَ فقال: أدلك على رجل يصير بالخراج توليه إياه، فتكون أنت تأخذه به؟ صالح بن عبد الرحمن، مولى بني تميم. فقال له: قد قبلنا رأيك. فأقبل يزيد إلى العراق"(الطبري، تاريخ الأمم والملوك). أصبح للعراق أميران، صالح أمير الخراج ويزيد بن المهلب أمير الجند أو الحرب. بينما كانت العادة أن تجمع إمارة الصلاة والخراج والحرب لأمير واحد.
    وأراد يزيد بن المهلب أن لا يتورط بتركة الحجاج حتى لا تقل منـزلته لدى سليمان بن عبد الملك، وكان يرغب في إمارة خراسان، التي تولاها بعد وفاة والده المهلب بن أبي صُفرة، وإشرافه على منازل فتوح والده. دس ابن المهلب صاحبه عبد الله بن الأهتم، وهو شخصية لها حظوتها عند الخليفة، أن يقنع سليمان بإبعاده عن إمارة العراق ويرشحه لإمارة خراسان. فكتب ابن المهلب، بعد ضجره بالعراق، لسليمان بن عبد الملك أن ابن الأهتم له عِلم بالعراق وبخراسان، ومن الأصلح أن يستأنس بمشورته. فاستقدمه الخليفة وسأله أن يرشح له عاملاً لخراسان، فذكر له يزيد بن المهلب. فرده سليمان بالقول: "ذاك بالعراق، والمقام بها أحب إليه من المقام بخراسان". قال ابن الأهتم: "قد علمت يا أمير المؤمنين. ولكن تكرهه على ذلك، فيستخلف على العراق رجلاً ويسير". قَبل الخليفة الرأي، وكتب عهداً لابن المهلب على خراسان. استلم ابن المهلب كتاب التعيين وسار من ساعته، مفارقاً العراق إلى خراسان. لكنه ظل مشرفاً على مَنْ أوكل لهم ولايات الكوفة وواسط والبصرة. وقيل مقابل رشوة أثبت ابن الأهتم ابن المهلب بخراسان بعد أن كاد سليمان بن عبد الملك يجعلها لوكيع بن أبي سُود. ذلك أنه حمل رأس الوالي السابق قتيبة بن مسلم بعد شقه عصا الطاعة في الولاية.
    جاء في الرواية "فجعل يزيد بن المُهلب لعبد الله بن الأهتم مائة ألف درهم على أن ينقر (يُعيب) وكيعاً عنده. قال: "أصلح الله أمير المؤمنين! والله ما أحد أوجب شكراً، ولا أعظم عندي يداً من وكيع، لقد أدرك بثأري، وشفاني من عدوي. ولكن أمير المؤمنين أعظم وأوجب عليَّ حقاً، وأن النصيحة تلزمني لأمير المؤمنين. إن وكيعاً لم يجتمع له مائة عَنان قط إلا حدث نفسه بغدرة، خامل في الجماعة، نابه في الفتنة. فقال الخليفة: "ماهو إذاً ممَنْ نستعين به". وهنا تخلص يزيد بن المهلب من منافسين له في أمر خراسان، قتيبة بن مسلم الذي قتله وكيع بن أبي سُود، ووكيع الذي أتهم بقتل قتيبة بأكذوبة خلعه سليمان، أو شق عصا الطاعة عن دار الخلافة كما أدعى وكيع.
    كان يزيد بن المُهلب من أشد القادة الذين اعتمد عليهم الحجاج بن يوسف الثقفي في حرب ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ومن الأسرى الذين سلمهم للحجاج الشاعر أعشى همدان، وراوية الحديث عامر الشعبي، والرجل الغني فيروز بن حصين، وعمر بن موسى صاحب شرطة ابن الأشعث، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم. وكان الفرزدق الشاعر لساناً للحجاج عند محاكمة الأسرى. فقال له قم يافرزدق أنشده، ويعني ابن موسى، ما قلت فيه. فقال:
    وخضبت أيرك للزِّناء ولم تكن
    يوم الهياج لتخضب الأبطالا
    لم يترك الحجاج يزيداً، فأخذ يوجر عليه قلب عبد الملك بن مروان، حتى عزله. بعد أن قُرأ له في الطالع أن شخصاً اسمه يزيد سيخلفه على العراق، ولم يحدد له أفي حياته أم بعد الممات. فأُخذ آل المهلب وسجنوا في خلافة الوليد بن عبد الملك، وفروا من السجن، ليصلوا إلى سليمان بن عبد الملك عبر بطائح جنوب العراق وصحراء السماوة، وهو أمير بحلب، فأجارهم. ولما طلب الوليد يزيد بن المهلب بعثه سليمان مقيداً في سلسلة واحد مع ولده، فسقط ما بيد أخيه الخليفة الوليد لما رأى ابن أخيه مقيداً، فأعفى عنه. وظل ابن المهلب في حماية سليمان حتى مات الوليد ومات الحجاج، فعاد أميراً، كراهة على العراق.
    ولما استخلف عمر بن عبد العزيز سئل يزيد بن المهلب عن أموال لسليمان بن عبد الملك لديه، وبُعث مقيداً إلى الشام، فسجن هو وأخوته وأصحابه. لكنهم فروا ثانية من السجن، لما سمعوا بمرض عمر بن عبد العزيز، وقرب خلافة يزيد بن عبد الملك الشديد عليهم، فزوجته من أم الحجاج كانت ابنة محمد بن يوسف الثقفي أخ الحجاج. ولهذا لن يرحمهم إن ظفر بهم ثأراً لعذاب آل عقيل، أهل الحجاج بن يوسف الثقفي، بأمر من سليمان بن عبد الملك. وذلك لتحبيذ الحجاج خلع سليمان من ولاية العهد لصالح عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك. وقد فعل الحجاج ذلك مع عبد الملك بن مروان عندما حبذ له خلع أخيه عبد العزيز لصالح ولده الوليد.
    بعد هذا لم يكن أمام يزيد بن المهلب إلا الثورة على يزيد بن عبد الملك وخلعه، فالعصيان بالعراق أو خراسان لا ينفعانه إن لم يخلع الخليفة بدمشق. فقدم إلى البصرة واستولى عليها. وكان لآل المهلب فيها وشائج وأملاك. ثم بسط سيطرته على واسط. وأتته قوات الأمويين من الكوفة ودمشق بقيادة مسلمة بن عبد الملك. فقُتل وأتي برأسه إلى دار الخلافة. أما أخوته فبحروا بأموالهم في سفن من ساحل البصرة إلى البحرين. وأشار عليهم أميرها أن لا يتركوا سفنهم، فالأمويون يطلبونهم بلا كلل. بعدها أتوا كرمان من نواحي إيران، وهناك ألقي القبض عليهم، فحملت رؤوسهم وأموالهم إلى الخليفة.
    لم ينفع آل المهلب توطيد العرش الأموي، بالقضاء على الأزارقة من الخوارج، وكانوا من أشد المحاربين لهم بقيادة عميدهم ابن أبي صُفرة، ولولاهم لغلب الأزارقة على المشرق كافة. ولم تنفعهم مساهمتهم الفعالة في القضاء على حركة عبد الرحمن بن محمد، حفيد الأشعث بن قيس، الذي عمل ما في وسعه لشق جيش علي بن أبي طالب في أمر التحكيم، وذكره علي بالحائك. ولم ينفع آل المهلب قيادتهم لفتوح المشرق من خراسان وكرمان وخوارزم وما بعدها.
    كان الحسن البصري (ت110هـ) مراقباً الأحداث الجسام التي جرت على العراق وأهله، وشاهداً على تقلب يزيد بن المهلب وآله، من سيوف وجلادين بيد الخليفة الأموي إلى ثائرين ضده. قال الحسن للبصريين، وهم يقفون بالرماح والرايات صفين، ينتظرون خروج ابن المهلب، يدعوهم إلى سُنَّة العُمرين (ابن الخطاب وابن عبد العزيز): "إنما كان يزيد بالأمس يُقرب أعناق هؤلاء الذين ترون. ثم يسرح بها إلى بني مروان. يريد بهلاك هؤلاء رضاهم... إن من سُنَّة العُمرين أن يوضع قيد في رجله، ثم يُرد إلى محبس عمر (ابن عبد العزيز)، الذي فيه حبسه"(تاريخ الأمم والملوك). وأتهم أخو يزيد مروان بن المهلب البصري بتثبيط همم الناس ضد أهل الشام. قال خاطباً: "لقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي يثبط الناس. والله لو أن جاره نزع من خُص داره قصبةً لظل يرعف أنفه. أينكر علينا وعلى أهل مصرنا أن نطلب حقنا، وأن ننكر مظلمتنا! أما والله ليكفنّ عن ذكرنا وعن جمعه إلينا سُقاط الأبلة، وعلوج فُرات البصرة، قوماً ليسوا من أنفسنا، ولا ممَنْ جرت عليه النعمة من أحد منا، أو لأنحِينّ عليه مبرداً خشناً".
    عشرون سنة حكم العراق آل عقيل وعميدهم الحجاج. وكان إذا تغيب نادى بولده نائباً، وبأخيه قائداً، مسك لآل مروان العراق، بينما مسك أخوه الآخر محمد بن يوسف لهم اليمن. وأسرة آل عقيل أثبتت ولائها بإخلاص متناهٍ للأمويين، من آل عبد الملك. ولم ينزعوا يوماً ما إلى الخلافة، وكانوا مهيمنين بجند الشأم. أما آل المهلب فكان لهم المشرق، خراسان وما بعدها، وكانوا مهيمنين بجند العراق. أخلصوا لآل مروان، ووطدوا حكمهم وحكم الحجاج بالعراق. إلا أن التنافس مع آل عقيل على طاعة الخليفة جعلهم يميلون إلى التفرد بالعراق وخلع الخليفة. كانت عاقبة الأسرتين مأساوية. فبعد فطس عميدهم الحجاج قُتل آل عقيل وعذبوا، ولم تبق منهم باقية لا بالشأم ولا بالعراق. ولم تقم قائمة لأولاد المهلب وأحفاده، فقد حملت رؤوس يزيد، وحبيب، والمفضل، ومروان، وعبد الملك، ومحمد، تلاحقها نظرات السخط. والسعيد مَنْ يتعظ من تقلب الحدثان، فما رفعت شعائر الدين والمذاهب بعراق اليوم إلا تيمناً بآل عقيل وآل المهلب. وعلى حد قول الفرزدق:
    أظن رجال الدرِّهمين يسوقُهمْ
    إلى الموت آجالٌ لهم ومصارعُ
                  

05-06-2005, 06:36 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    في السّنوات الأخيرة طفت على السّطح موضة من النّظريّات، مثل نهاية التّاريخ من جهة، أو صراع الحضارات من الجهة الأخرى، حيث انصبّ التّركيز على الحضارة العربيّة والإسلاميّة بصورة خاصّة نتيجة العمليّات الإرهابيّة الّتي ضربت أصقاعًا متعدّدة من العالم، وكأنّ هذه الحضارة العربيّة الإسلاميّة تقف نقيضًا للطّرف الآخر، أي للحضارة الغربيّة تختلف عنها جوهريًّا. والحقيقة الّتي لا بدّ من عرضها على القرّاء هي أنّ هذين التّصوّرين هما تصوّران خاطئان أصلاً.
    أمّا مقولة نهاية التّاريخ فهي مقولة لاغية لأنّها تشتمل على تناقض في جوهرها وصياغتها. فافتراض النّهاية يفترض ضمنًا وجود بداية محدّدة، والحقيقة هي أنّه لا بداية للتّاريخ، إلاّ إذا افترضنا أنّ التّاريخ قد بدأ منذ بضعة آلاف من السّنين، أي منذ تمّ تدوين الأحداث لغةً أو تصاوير صمدت مع الزّمن. غير أنّ العقل البشري، وهو الهادي إلى معرفة الحقيقة في كلّ شيء، لا يقبل هذا الافتراض الضّيّق الأفق، وإنّما يذهب بعيدًا مفترضًا أنّ ثمّة أزمانًا سحيقة لا نعرف عنها شيئًا، إذ أنّ وجود الجنس البشري لم يبدأ منذ بضعة آلاف من السّنين. ولمّا كان التّاريخ هو حركة البشر في الزّمان والمكان، فإنّ حركة بني البشر في الزّمن السّحيق، أي التّاريخ السّحيق، هذا الّذي يفترضه العقل ويثبته العلم، هي أمر لا نعرف عنها شيئًا تقريبًا. وإذا انتفَى علمُنا بهذه البداية وَجبَ أن ينتفي علمُنا بالنّهاية. ومن هنا، فإنّ مصطلح نهاية التّاريخ يحمل في ذاته ما ينقُضُه.
    والمقولة الثّانية الّتي تقول بصراع الحضارات، وعلى وجه التّحديد صراع الحضارة العربيّة الإسلاميّة من جهة، والحضارة الغربيّة، أي الحضارة المسيحيّة-اليهوديّة من الجهة الأخرى، هي مقولة لاغية لأنّها تفترض كون هاتين الحضارتين مختلفتين اختلافات جوهريّة. فهل هذه المقولة لها ما تستند إليه، أم أنّها نابعة من عواطف راهنيّة مُشبَعة بقراءات خاطئة غربيّة وعربيّة في آن معًا؟ صحيح، إنّه من الصّعب على العربي والمسلم أن يواجه هؤلاء الّذين ذهبوا يعزون العنف والإرهاب إلى جذور حضاريّة ودينيّة ساندين مقولاتهم باقتباسات من نصوص مُؤسِّسَة لهذه الحضارة، فليس في وسع العربي أن ينفي وجود مثل هذه النّصوص، وهي مسألة إشكاليّة على أيّ حال يُحسن العرب صُنعًا إن أعادوا التّفكير بمجمل هذا التّراث وما يحويه. لكن، في الوقت ذاته لا يسعنا سوى أن نقول إنّ هذه العُصَيّا من تلك العصا. أي أنّ هذا العنف والإرهاب قائم في النّصوص الّتي سبقت الإسلام من يهوديّة ومسيحيّة.
    وللتّدليل على ذلك، دعونا نقرأ ما ترويه لنا التّوراة في الإصحاح العشرين من سفر أخبار الأيّام الأوّل: "وأخذ داود تاجَ ملكهم... وأخرج الشّعبَ الّذين بها ونشرهم بمناشير ونوارج حديد وفؤوس، وهكذا صنع داود لكلّ مدن بني عمّون. ثم رجع داود وكلّ الشّعب إلى أورشليم". وعندما حصل ما يُشبه "الردّة" لدى بني إسرائيل، والعودة للتعلُّق بالآلهة الوثنيّة، تروي لنا التّوراة العنف والإرهاب الّذي كان من نصيبهم: "وأقام الشّعب في شطّيم، وابتدأ الشّعب يزنون مع بنات موآب. فدعونَ الشّعب إلى ذبائح آلهتهنّ، فأكل الشّعب وسجدوا لآلهتهنّ. وتعلّق إسرائيل ببعل فَغُورَ. فحمي غضبُ الرّبّ على إسرائيل. فقال الرّب لموسى: "خذ جميع رؤوس الشّعب وعلّقهم للرّبّ مقابل الشّمس، فيرتدّ حُمُوّ غضب الرّب عن إسرائيل. فقال موسى لقضاة إسرائيل: اقتُلُوا كُلّ واحدٍ قَوْمَهُ المُتعلّقين ببعلِ فَغُورَ". (سفر العدد، الإصحاح ٢٥
    وإذا كان هذا نصيب الأقربين من بني إسرائيل، فما أدراكم ما كان من نصيب الأبعدين! وهكذا تمضي التّوراة، وفي الإصحاح ٣١ من سفر العدد ذاته، في سرد ما جرى للمديانيّين: "وأمر الرّبّ موسى: انتقم نقمةً لبني إسرائيل من المديانيين... فتجنّدوا على مديان كما أمر الرّبّ وقتلوا كلّ ذكر. وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم... وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكلّ أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنّار... وقال لهم موسى: هل أبقيتم كلّ أنثى حيّةً؟ إنّ هؤلاء كنّ لبني إسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرّبّ في أمر فَغُورَ، فكان الوبأُ في جماعة الرّبّ. فالآن اقتلوا كلّ ذكر من الأطفال. وكلّ امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها... وقال ألعازار الكاهن لرجال الجند الّذين ذهبوا للحرب: هذه فريضة الشّريعة الّتي أمر بها الرّبّ موسى".
    فهل كلّ هذه الأعمال هي من الأمور الّتي يقبل بها العقل البشري؟ ثمّ أليس من المفروض، وعلى الأقلّ كما تروي لنا كلّ الدّيانات التّوحيديّة، أنّ الرّبّ غفور رحيم؟ وحين يقول منتقدو الإسلام، بأنّه فُرض عنوة وبحدّ السّيف. ثمّ يدعمون أقوالهم باقتباسات من نصوص مركزيّة في التّراث الإسلامي - وهي نصوص لا يستطيع المسلم إنكارها بأيّ حال، إذ أنّها شائعة في الكتب والمراجع العربيّة والإسلاميّة - أليس من النّزاهة العلميّة أن يُنظَر أيضًا إلى ما أوردنا آنفًا من نصوص العنف والإرهاب في التّوراة؟ أوليس من النّزاهة العلميّة أن نعرض أمام القرّاء، على سبيل المثال ما ورد في إنجيل متّى، في الإصحاح العاشر نقلاً عن المسيح: »لا تظنّوا أنّي جئتُ لألقي سلامًا على الأرض. ما جئتُ لألقي سلامًا بل سيفًا«. ألسنا بحاجة إلى التّفكُّر في هذا الكلام أيضًا. أليس هذا هو السّيف الّذي أعمله الفرنج في الحملات الصّليبيّة؟ دعونا نقرأ ما كتبه أحد المؤرّخين في القرون الوسطى، ناقلاً شعرًا يروي ما كان لدى احتلال القدس: "الإفرنج يجوسون المدينة شاهري السّيوف. / لا يشفقون على أحد حتّى على الّذين يتوسّلون الرّحمة./ سقط شعبُ الكفّار تحت ضرباتهم مثلما / تسقط جوزات البلوط المهترئة من شجرة البلوط حين / يهزّون أغصانها".
    لقد جاء هؤلاء الصّليبيّون إلى المشرق وقاموا بأعمالهم الإرهابيّة هذه، بعد أن كان البابا أوربان الثّاني قد ألهب حماسهم في خطبته في العام ١٠٩٥ في كليرمون. إذ حثّهم كي يهبّوا لإنقاذ الأرض المقدّسة وقبر المسيح من الكفّار قائلاً: "لماذا ترفضون زيارتها، وتَهَبُون حيواتكم من أجل إنقاذها؟"، واعدًا ايّاهم إن هم فعلوا ذلك بأن يفوزوا بالمجد والخلود، وبالموت المقدّس (الشهادة) في سبيل الرّب. أليس هذا الكلام شبيهًا بما يقوم به بعض الأئمّة في المساجد والّذي يقتبسه منتقدو الحضارة الإسلاميّة؟ وحين يعرض منتقدو الإسلام كلامًا يُفهم منه أنّ الرّسول يفرّق بين الأب وابنه، إلخ، ساندين دعاواهم بالأحاديث الصّحيحة الّتي أخرجها البخاري ومسلم والنّسائي وغيرهم عن الرّسول، حيث قال: "والّذي نفسي بيده، لا يُؤمن أحدكم حتّى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده، والنّاس أجمعين". أليس من الأجدر بنا أن نتذكّر الكلام نفسه تقريبًا من أقوال المسيح في الإصحاح العاشر من إنجيل متّى: "من أحبّ أبًا أو أمًّا أكثر منّي فلا يستحقّني. ومن أحبّ ابنًا أو ابنةً أكثر منّي فلا يستحقّني".

    للدّيانات السّماويّة، والّتي يبدو أنّها تنهل من نفس المورد والّتي شكّلت الأسس الّتي انبنت عليها الحضارة العربيّة والغربيّة معًا. وبكلمات أخرى، لسنا إزاء حضارتين مختلفتين، وإنّما نحن أمام حضارة واحدة. وما الصّراع الّذي يطفو على السّطح سوى تعبير عن صراعات ضمن نفس الحضارة، بل ضمن نفس العنصر البشري كما تراه الأسطورة العربيّة، وكما رواها لنا المجلسي في بحار الأنوار في المجلد الحادي عشر: "عاش نوح عليه السّلام ألفين وخمسمائة سنة. وكان يومًا في السّفينة نائمًا فهبّتْ ريحٌ فكشفتْ عَوْرتَه، فضحك حام ويافث. فزجرهما سام ونهاهما عن الضّحك. وكان كلّا غطّى سام شيئًا تكشفُه الرّيح، كشفَهُ حام ويافث. فانتبه نوح عليه السّلام فرآهم وهم يضحكون، فقال: ما هذا؟ فأخبره سام بما كان. فرفع نوح عليه السّلام يدَه إلى السّماء يدعو ويقول: اللّهمّ غَيّرْ ماءَ صلب حام حتّى لا يُولد له إلاّ السّودان. اللّهمّ غَيّرْ ماءَ صلب يافث. فغيّرَ الله صلبيهما. فجميع السّودان حيث كانوا من حام، وجميع التّرك والصّقالبة ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث حيث كانوا، وجميع البيض سواهم من سام. وقال نوح عليه السّلام لحام ويافث: جعل الله ذرّيتكما خَوَلاً لذريّة سام إلى يوم القيامة، لأنّه برّ بي وعققتماني. فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذريّتكما طاهرة، وسمة البرّ بي في ذريّة سام ظاهرة ما بقيت الدّنيا".
    وهذه الأسطورة تعني أنّ الحضارة العربيّة الإسلاميّة ترى العرب والأوروبيين والغربيين بعامّة ينتمون إلى نفس العنصر البشري من نسل سام، والّذي سيستعبد سائر النّسل من بني حام حام ويافث.
    ما هو الحلّ، إذن؟ الحلّ يكمن في النّظر إلى كلّ هذه النّصوص على أنّها جاءت في مرحلة زمنيّة قديمة، وقد تغيّر العالم اليوم. إنّها نصوص تراثيّة لا تنفع لهذا العصر، ويمكن دراستها في الجامعات من هذا المنطلق. لذلك أيضًا، إنّه لمن مصلحة هذه الشّعوب أن تفصل الدّين عن الدّولة، هذا إذا شاءت هذه الشّعوب أن تسير في ركب التّقدّم والسّلام البشري. أمّا فيما عدا ذلك، سيستمرّ سفك الدّماء البشريّة بين طفرة دينيّة وأخرى.
                  

05-06-2005, 07:15 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    Quote:
    نحو مقاربة للتعايش بين العلمانية والشريعة

    التساؤل عن مستقبل الشريعة الاسلامية فى العالم الاسلامى,مطروح بقوة لا سيما ,بعد فشل عدد من تجارب الحكم الاسلامى فى السودان الجزائر وايران فى تحقيق اى نهوض اقتصادى سياسى لهذه البلدان فضلا عن انتهاك هذه الانظمة للعدي من حقوق الانسان لمواطنيها
    وفى محاولة للتعرف على الاجابات المحتملة عن هذا السؤال استضاف مركز القاهرة فى 13 مايو2004 المفكر السودانى المعروف د.عبد الله النعيم,الاستاذ بكلية الحقوق جامعة امورى بالولايات المتحدة ليدير حوار فكريا مع مجموعة من المفكرين والباحثين المتخصصين حول النقاط الرئيسية لمشروعه الفكرى حول مستقبل الشريعة يستهدف التغيير الاجتماعى والسياسى فى المجتمعات الاسلامية من منطلق كونه مسلما ومواطنا مهموما بواقع الحال فى مجتمعاتنا
    العلمانية فى التراث
    اعرب النعيم عن تقديره ان المستقبل لا يقدم مجالا لان تطبق الشريعة الاسلامية مشيرا على ان تطبيق الدولة للشريعة كقوانين وسياسة رسمية هى فكرة مختلة مفهوميا ومستحدثة, واضاف ان مجال الشريعة الاسلامية فى المستقبل هو فى اطار المجتمع, وليس فى اجهزة الدولة السياسية والتشريعية, واكد النعيم على اعتقاده بان الدولة كانت دائما علمانية فى التاريخ الاسلامى, وبالتالى ليس صحيحا ان العلمانية اتت الينا من الغرب وانما هو مفهوم اصيل فى تراثنا وتجربتنا التاريخية شرط ان تفهم العلمانية بانها تجربة كل مجتمع على حدةفى موازاة العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع.اكد النعيم ان مفهوم "الدولة الاسلامية"مفهوم متناقض, لان الدولة مؤسسة سياسية لا تقوم على المعتقد, ولا يجب ان يكون لها معتقد,وانما المعتقد يكون لدى القائمين على الدولة. فاذا تحدثنا عن معتقدات القائمين على امر الدولة فاننا نكون قد تحدثنا عن السياسة وليس عن الاسلام كمعتقد للدولة نفسها.وانتقل النعيم الى مفهوم "الشريعة الاسلامية" مؤكدا ان الشريعة الاسلامية لا يمكن ان تقنن اطلاقا لان عملية التقنيين نفسها تسقط صفة الشريعة عن المشروع المقترح, لانه بمجرد تقنن الشريعة اصبح التقنيين الذى تم هو معتقد الدولة وليس الشريعة نفسها لان الشريعة متنوعة ومتغيرة فى عملية فهمها. وبالتالى فان ما يشرع وينفذ هو الارادة السياسية للدولة وليس الشريعة الاسلامية.ونوه النعيم الى فكرة ان الشريعة الاسلامية هى تراكمية عبر الاجيال, وان اى مذهب فقهى لايعد مذهبا فقهيا صحيحا الاباجماع اجيال متعاقبة من المسلمين على صحته,اذ لاتوجد اى جهة تمنح المذاهب الفقهية صحتها.وبالتالى فان العملية التشريعية من منظور اسلامى تعتمد على الاجماع وعلى التراكمية عبر الاجيال, وليس ادل على ذلك من ان تاريخ المسلمين عرف مذاهب فقهية انقرضت واخرى نمت وانتشرت لانها حازت القبول والاجماع من المسلمين عبر لاجيال.
    الدين والدولة والسياسة
    واكد النعيم على ضرورة الفصل الصارم مؤسسيا بين الدين والدولة. ولا ينبغى ان تمنح الدولة قداسة ادعاء تطبيق الشريعة الاسلامية, لتمنع بذلك المعارضة السياسية من ممارسة دورها,رغم ان كل لانظمة هى سياسيةوليس اكثر من ذلك,ولكن من الضرورى التاكد على ان الشريعة الاسلامية والدين الاسلامى سوف يستمر تاثيرهما فى حياة المجتمعات الاسلامية بصورة مركزية وجوهرية,وبالتالى لايمكن الفصل بين الدين والسياسة, ولكنلابد من الفصل بين الدين والدولة فصلا صارما لان اى جمع بينهما فتنة,وقد دفع الشعب لسودانى ثمن هذه الفتنة ثمنا غاليا.
    الفقه والشريعة
    ومن ناحيته اشار د.عبد المعطى بيومى عميد كلية اصول الدين سابقا وعضو مجمع البحوث الاسلامية,الى ضرورة التفرقة بين الفقه والشريعة,مؤكدا ان كل ما جاء على لسان د. النعيم يخص الشريعة,انما المقصود به الفقه.كما رفض د. بيومى ما ذهب اليه د. النعيم من انه لامستقبل سياسيا وقانونيا للشريعة الاسلامية على مستوى الدولة, مبررا رايه بان الشريعة مستعدة تماما لتقبل اى تغييرات فى زمان ومكان.كما رفض بيومى القول ان الدولة كانت علمانية على مر التاريخ الاسلامى مؤكدا ان عملر الدولة فى الاسلام لا يتجاوز المائة والثلاثين عاما, واضاف ان الاسلام يعطى للانسان حق التشريع وفقا للمتغيرات السياسيةولاجتماعية حتى تبدوا الدولة فى الاسلام دولة مدنية, لكنها ملتزمة بقواعد اصولية عامة ومبادى انسانية موحى بها فهى انسانية والهية فى آن واحد.وانتقد بيومى مقولة انه لابد من الفصل الصارم بين الدين والدولة.واعتبر ان حصر الشريعة فى المجتمع يشكل تناقضا فى مشروع النعيم,وان اقر بيومى بان "اى تجربة لتطبيق الشريعة الاسلامية حتى الان تجربة فاشلة
    العقيدة والشريعة
    ومن ناحيته اكد د.محمود اسماعيل الباحث المتخصص فى سوسيولجيا الفكر الاسلامى,على ان ممكن الخلاف فى ضرورة التفرقة بين الاسلام كعقيدة والاسلام كشريعة.ويذهب الى ان الاسلام كعقيدة لايثير اى خلاف فى حياتنا العامة والخاصة ولا مجال للتجديد فيها,اذن الخلاف حول مفهوم الشريعة,مشيرا الى انه يتفق مع د. النعيم فيما يتعلق بالسياسة وما اثبته الواقع سواء فى السودان او فىاى مكان مارست فيه الحركات الاسلامية المتشددة ممارسات سياسية تسئ الىالاسلام. واكد ادانته للدور السلبى لفقهاء السلطان فى كل العصور الذين اساءوا للاسلام بل ويعوقون اى محاولة للتجديد فى الاطار الاسلامى.وفى ماخلته اثار د.حيدر ابراهيم استاذ علم الاجتماع ومدير مركز الدراسات السودانية سؤالا حول العلاقة بين النص المقدس وممارسات المسلمين الفعلية على مر تاريخهم, مشيرا الى ان الانتقادات الموجهة لممارست التجارب لاسلامية فى الحكم غالبا مايرد عليها بان هذه التجارب لم تكن تطبق الشريعة الاسلامية الحقيقية او الصححة, الامر الذى ينبغى معه محاولة الاجابة عن التساؤلات الخاصة بالاسباب التى جعلت"الشريعة الحقيقية لم تطبق؟ والتساؤل كذلك عما يطبقه المجتمع من الشريعة بالفعل وكيف يطبقه؟ مشيرا الى اهمية الاجابة عن هذه التساؤلات.لاسيما بعد فشل المشروع الاسلامى فى الجزائر وباكستان والسودان وكذلك ايران بارتدادها الى ولاية الفقيه ومنع الاصلاحيين من المشاركة فى الانتخابات.واوضح د.حيدر ابراهيم ان هناك فارقا بين مفهومى "العلمانية"و"العلمنة" مشيرا الى انه اذا كانت العلمانية مفهوما غربيا يثير الريبة فى المجتمعات الاسلامية,فان مايراه مناسبا للاسلام هومفهوم العلمنة على اساس ان الدين كلما ارتبط بالممارسات الحيتية اليومية للناس كان دينا معلمن,واضاف ان مقولة "الاسلام دين ودولة"على الرغم من انها اكثر المقولات التى تنتقد العلمنة الا انها وللمفارقه مقولة "معلمنة" لانها تعنى ارتباط الدين بحياة الناس اليومية.وتعقيبا على بعض المداخلات اعتبر د. النعيم لاقيمة على الاطلاق لهذا التمييز بين الفقه والشريعة,لانهما فى كل الاحوال نتاج الفهم البشرى للنصوص الدينية.بل ان المصطلحين"شريعة", "فقه" نتاج الفكر البشرى,مشيرا الى ان الرسول لم يترك فينا نصا صريحا بان هذا فقه ةتلك شريعة
    المؤسسة الدينية
    واشار الباحث احمد راسم النفيس الى ان سقوط الخلافة العثمانية كان بمثابة زلزا افاق منه العالم الاسلامى فوجد نفسه انه لايطبق الشريعة الاسلامية,متسائلا ومتى كانت تطبق الشريعة الاسلامية؟واكد النفيس اننا دولة اسلامية غير ديمقراطية لان العالم الاسلامى هو من قعد واسس للفكر الاسلامى بتحريمه للمعارضة السياسية باعتبرها خروجا على صف الجماعة, كما لفت النظر فيما يتعلق بالدعوة الى فصل الدين عن الدولة الى استحالى قبول الدول الاسلامية التنازل عن هيمنتها على المؤسسة الدينية واستغلاله كاداة لاتقل اهمية عن مؤسسة "المخابرات"
    اما د.احمد سالم مدرس الفلسفة بداب طنطا فقد راى ان طرح النعيم بمثابة مشروع فوقلى لايمكنه ان يغير فى واقع مجتمعاتنا شيئا, مستندا الى القول ان العقلية العربية الاسلامية هى عقلية معيارية تقيس الامور بمبدا الحلال والحرام, وان دور رجال الدين يفوق بكثير اى دور للاكاديميين والمثقفين. ومن ثم لا يمكن لهذا المشروع ان يغير فى واقع المجتمعات العربية الا بتغيير آليات العقل المعيارى وهذا غير ممكن.
    كما اشار د.ياسر قنصوة مدرس الفلسفة باداب طنطا الى ان التجربة الماليزية التى تجسدها عبارة مهاتير محمد"حين اصلى ادير وجهى للكعبة,وحين اتعامل اقتصاديا ادير وجهى ناحية بورصة نيويورك" ان هذه التجربة احد المشروعات المرشحة للتطبيق فى المجتمعات الاسلامية مشيرا الى ان سؤال المواءمة بين الشريعة والعلمانية يثار دائما بحافز خارجى وليس نابع من محاولة داخلية لتطوير الذات
    واشار مجدى النعيم المدير التنفيذى لمركز القاهرة الى ان الدعوة لتطبيق الشريعة هى مشروع سياسى مكلف جدا مدللا على ذلك بالاعداع الهائلة من الضحايا من جراء التجارب التى عرفتها افغانستان ايران السودان الجزائر الامر اذى يطرح السؤال حول الاسباب التى تدفع النخب الحاكمة الى تبنى الدعوة لتطبيق الشريعة حين تمر هذه الانظمة بازمات تهدد مشروعيته وصلاحيتها للحكم مثلما حدث فى (سودان نميرى,مصر السادات)واتفقت د.هدى الصدة استاذة علم الاجتماع مع طرح د.النعيم لكنها اثرت تساؤلا حول ما يمكن ان يترتب على القول ان للشريعة مستقبلا فى المجتمع وليس لها مستقبل فى مؤسسات الدولة,لاسيما فيما يتعلق بقوانين لاحوال الشخصية,حيث يرد الى الذهن ما وصل اليه الوضع فى العراق اذا الغيت قوانين الاحوال الشخصية واحيلت المسالة كلية للمذاهب.وتساءلت د.منى طلبة الاستاذة باداب عين شمس اذا كان الاسلاميون يقرون بفشل التجارب الاسلامية التى وصلت الى السلطة حتى الان .فلماذا التمسك بهذ المشروعات السياسية الى هذا الحد؟! ومن ناحية ثانية اوضحت ان هناك مغالطة فى اعتبر ان الشريعة هى الثقافة العربية الاسلامية. مشيرة الى ان ما يمثل الهوية العربية الاسلامية هو الادب والفنون والمعمار وان الشريعة هى اضعف حلقات الهوية.
    علمانية منقوصة
    ومن ناحيته لفت د. انور مغيث استاذ الفلسفة النظر الى تحذير النعيم من تطبيق الشريعة نابع من استقرائه لتجارب الاسلاميين فى الحكم فى عدة بلدان, ونفى صحة الزعم بان رجل الشارع يميل للشريعة مؤكدا ان رجل الشارع اذا سئل فانه لن يطلب سوى انتخابات نزيهة وتحديد فترات حكم الرؤساء بفترة او فترتين,وتحقيق مصالح الفقراء وهى ايضا ليست من الاسلام فى شئ وان كان الاسلام لا يتعارض معها, واضاف مغيث ان الربط بين الدين والدولة ليس له مبرر سوى تبرير القمع فى البلدان الاسلامية.
    اما د.هبة روؤف المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السيسية,فقد اشارت الى انه رغم الاختلاف البين بين ماتراه ومايطرحه د. النعيم الا ان هناك افكارا مشتركة احيانا, مشيرة الى ان لديها فكرة فى الوقت الراهن ترى ان الدولة كمؤسسة سلطوية عسكرية بوضعيتها الراهنة لامكنها ان تطبق الشريعة الاسلامية لان المشكلة فى مفهوم "الدولة" وليس مفهوم
    طالاسلامية
    ط. واشارت من ناحية ثانية الى ان الاشكالية فى التعامل مع النظام العالمى الجديد لاتكمن فى السياسة او فى الحركات الاسلامية وانما تكمن فى البعد الاقتصادى والمتمثل فى قوة فقه المعاملات الاسلامى الذى يتابى على التكيف مع السوق المفتوح فى ظل النظام العالمى الجديد.وقد رفض د.حسن طلب استاذ الفلسفة بجامعة حلوان الزعم القائل ان المسيحة لم يكن لديها شريعة,الامر الذى يسر لها النهوض فى عصر النهضة مؤكدا انها كانت لها شريعة تبرر محاكم التفتيش التى عانت منها اوربا فى العصور الوسطى,لكن لم يحدث النهوض فى العالم المسيحى الا انه بدا ينقد العقيدة ويعيد النظر فيها,مما اتاح له نقد الشريعة بعد ذلك.
    *نقلا عن نشرة سواسيةالعدد57-58 2004
                  

05-07-2005, 03:41 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    up
                  

05-08-2005, 08:49 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    upppppp
                  

05-11-2005, 01:13 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العَلمانية والديمقراطية جناحان لطائر الحرية

    د. شاكر النابلسي GMT 6:30:00 2005 الأربعاء 11 مايو
    ساهمت معظم الأنظمة العربية المحافظة واللاديمقراطية في اعاقة التطبيق العَلماني. ولكن من ساهم في ذلك كان نصيبه أن جاءت الطامة الكبرى على رأسه، نتيجة لظهور ونمو الحركات الإرهابية الناتج عن اضعاف التيار العَلماني. فنرى أن الدول الأكثر علمانية (لبنان مثلاً قبل الانسحاب السوري) هي أكثر الدول ابتعاداً عن الإرهاب. أما "حزب الله" المصنّف من قبل أوروبا وأمريكا بانه حزب ارهابي، فهو ليس حزباً لبنانياً، وانما هو حزب طائفي شيعي قاصر على الشيعة فقط. وهو إيراني المنشأ سوري التربية. وإيراني المال والسلاح وسوري الدعم السياسي والعسكري والتدريب. و"حزب الله" رُقعة قماش سياسية دينية في الثوب اللبناني العَلماني، مقصوصة من الثوب الخميني ومن الأصولية الدينية والقومية المتمثلتين بالثورة الخمينية وحزب البعث ؛ أي السلفية والعَلمانية المزيفة ولا تليق بلبنان العَلماني والحداثي. لذا نرى "حزب الله" مثلاً كالرقعة القديمة النشاز في الثوب اللبناني الحداثي العصري. أما لماذا اختارت كثير من الأنظمة العربية التحالف مع بعض التيارات الإسلامية الارهابية عوض التحالف مع العَلمانية السلمية المسالمة فذلك يعود لأسباب سياسية ومرحلية معينة.
    فالسعودية مثلاً تحالفت مع الإخوان المسلمين في الستينات نكاية بعد الناصر، ووقوفاً في وجه التيار "القومي- الاشتراكي" الذي كان يمثله عبد الناصر آنذاك. ولكن ما لبث هذا التحالف أن تفكك بعد حرب الخليج الثانية 1991 عندما وقف الإخوان المسلمون إلى جانب صدام حسين في غزوه للكويت والسعودية، وبرروا ذلك أن لا حباً بصدام ولكن نكاية بأمريكا! فأصبح الإخوان بلاءً على السعودية بعد أن كانوا عزاءً لها ، كما وصفهم وزير الداخلية السعودي (سبتمبر 2003 ، جريدة "السياسة" الكويتية).



    أهمية وضرورة العَلمانية للمجتمعات العربية
    هناك أهمية كبرى لتحقيق العَلمانية في العالم العربي، وذلك لأن مستقبل العالم العربي يكمن في تحقيق الديمقراطية، ولا مستقبل زاهراً للعالم العربي بدون الديمقراطية. ولقد رأينا بأم أعيننا ماذا جرّت الديكتاتورية الحزبية والعسكرية والعشائرية على العالم العربي من مصائب وكوارث، وفساد سياسي ومالي، وتنكيل بالمعارضة، وتعطيل للقوانين ومواد الدستور، وتزييف للحقائق وتعميّة للرأي العام. وتحقيق الديمقراطية في العالم العربي لن يتم إلا بالعَلمانية وفصل الدين عن الدولة، وعدم اقحام الدين في السياسة. لأن الدين لم يعرف الديمقراطية بمعناها الحديث. ومعظم رجال الدين هم ضد كافة آليات الديمقراطية الحديثة المختلفة كالانتخابات وغيرها. ولنا من الانتخابات البلدية السعودية التي جرت بالأمس المثال القريب الحي. فقد كتب محمد موسى الشريف – أحد المزكين – للمرشحين الدينيين في جدة - يتحدث عن الديمقراطية على أساس أنها " قائمة على اللادينية العَلمانية". وهي كذلك "تتحكم في حياة الشعوب بما يريده بعض الشعب، وهو المختار في البرلمان فقط وهم بضع مئات . فإذا أراد هؤلاء المئات ، إباحة اللواط فعلوا . وإذا أرادوا إباحة زواج المرأة بالمرأة والرجل بالرجل أقدموا وشرعوا وسنّوا ، وإذا قرروا أي أمر واجتمع عليه أكثريتهم صار قانوناً ، بقطع النظر تماماً عن الأديان وموقفها من هذا الأمر ". (أحمد عدنان ، لماذا أصدر الدعاة تزكيتهم وكيف سقط الليبراليون ؟ جريدة "المدينة"، 1/5/2005). وبهذا المنطق الأعوج والأهوج يفهم الإسلامويون الديمقراطية ويروّجون لها في أوساط الجهلة والمنغلقين الضالين. وكذلك يفهم الأصوليون القوميون - كالقذافي مثلاً - الديمقراطية الحديثة، ويطلب من الغرب أن يتبنى الديمقراطية الليبيبة بدلاً من الديمقراطية الغربية!
    ومن هنا، نؤكد أن لا ديمقراطية بدون عَلمانية، ولكن هناك عَلمانية بدون ديمقراطية كما شهدنا في مصر وسورية والعراق في عهود الديكتاتوريات (1952-2003) وفي ليبيا طوال أكثر من 35 سنة. وهي في هذه الحالة عَلمانية مزيفة لا تلبث أن تفضح نفسها.

    إذن، لا ديمقراطية بدون عَلمانية. وفي العالم العربي المعاصر لم يكن هناك ربط بين الديمقراطية والعَلمانية حتى الآن. بل إن العَلمانية ارتبطت في كثير من الأحيان بأنظمة ديكتاتورية عسكرية حيناً وبأنظمة ديكتاتورية ملكية حيناً آخر، وبأنظمة ديكتاتورية قبلية حيناً ثالثاً. وظلت الخطوات العَلمانية في العالم العربي عموماً - التي كانت لصالح الفئات الحاكمة - سابقةً ومتقدمةً على أية خطوة ديمقراطية لصالح الشعب. وهو ما يشير إلى أن العَلمانيات في العالم تبدأ بالديكتاتوريات وتنتهي بالديمقراطيات، كما رأينا في حال أوروبا والغرب عموماً الذي انتهى إلى "العَلمانية الديمقراطية" بعد الديكتاتورية العَلمانية النازية والفاشية والفرانكوية الاسبانية بينما العالم العربي ما زال في مرحلة "العَلمانية الديكتاتورية" التي كانت سائدة في الغرب، أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.



    العَلمانية والديمقراطية جناحان لطائر الحرية
    إن العَلمانية والديمقراطية جناحان لطائر الحرية. وعلى ضوء ذلك، يمكن لنا أن نستخلص الحقائق والقواعد التالية، مع التحفظ بأن هناك استثناءً لكل قاعدة:
    - لا ديمقراطية بدون عَلْمانية (الغرب مثالاً).
    - هناك عَلْمانية بدون ديمقراطية (العرب مثالاً).
    - الديمقراطية تقود دائماً إلى العَلمانية (الغرب مثالاً).
    - العَلمانية لا تقود دائماً إلى الديمقراطية (مصر، سوريا، العراق، والجزائر مثالاً).
    - العَلمانية في مراحلها الأولى هي دائماً عَلْمانية ديكتاتورية (تركيا مثالاً).
    - العَلمانية في مراحلها المتقدمة هي دائماً عَلْمانية ديمقراطية (تركيا مثالاً).
    - العَلمانية تبدأ بالديكتاتورية وتنتهي بالديمقراطية (تركيا مثالاً).
    - العَلمانية التي تبدأ بالديكتاتورية ولا تنتهي إلى الديمقراطية، عًلمانية مزيفة (مصر، ليبيا، العراق، وسوريا أمثلة).
    - العلاقة بين الديكتاتورية والعَلمانية علاقة جنسية مثلية (مصر، سوريا، العراق، والجزائر مثالاً).
    - العلاقة بين الديمقراطية والعَلمانية علاقة جنسية سويّة (تركيا مثالاً).
    - العَلمانية الديمقراطية ثابتة وراسخة (الغرب مثالاً).
    - عَلْمانية العالم العربي والإسلامي الآن عَلْمانية ديكتاتورية لأنها عَلمانية أولية.
    - تصل آليات العَلمانية في ظل الديكتاتورية عند حد معين تتوقف عنده، ولا تتقدم دون إحراز تقدم ديمقراطي (مصر، سوريا، العراق، والجزائر مثالاً).
    - العَلمانية الاقتصادية (فصل الدين عن الاقتصاد) لا تقود بالضرورة الى العَلمانية السياسية (فصل الدين عن الدولة) (دول الخليج مثالاً).

    والملاحظ المُستغرب أن رجال الدين لا يقاومون العَلمانية الاقتصادية (فصل الدين عن الاقتصاد) بقدر ما يقاومون العَلمانية السياسية (فصل الدين عن السياسة)، ودول الخليج هي المثال الأبرز حيث تنتشر البنوك الربوية، وتُطبّق أنظمة الاقتصاد الغربي العَلماني. بل إن السعودية ترفض حتى الآن التصريح لـ "البنوك الإسلامية" بالعمل في السعودية، في حين أنها صرّحت مؤخراً بإنشاء بنك جديد "ربوي" هو بنك "البلاد". والإصرار على ربط الدين بالسياسة ومقاومة العَلمانية السياسية على هذا النحو، مبعثه حرص رجال الدين الحفاظ على مكتسباتهم ومكانتهم كمشرعين وناشطين سياسيين – في ظل تغييب وسجن الليبراليين العَلمانيين – وكقوة وحيدة داعمة للحكم القائم، والاستفادة المالية والاجتماعية من هذه المكانة.



    الأنظمة العربية بين العَلمانية والديمقراطية

    ربط بعض المفكرين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين بين العَلمانية والديمقراطية. وهؤلاء الذين ربطوا بين تقدم العَلمانية وبين تقدم الديمقراطية قد أخطأوا في هذا الربط في الحالة العربية. فلربما كان هذا الربط في أحوال الدول الغربية صحيحاً وشرطاً لازماً للديمقراطية والعَلمانية في مراحل معينة. ولكنه في الحالة العربية مختلف، بحيث تقدمت العَلمانية في العالم العربي ولم تتقدم الديمقراطية، وهو وضـع طبيعي حصل قبل ذلك في الغرب. وسبب ذلك في زعمي أن الهوامش العَلمانية لم تكن خطراً على السلطات الحاكمة بمقدار خطورة الهوامش الديمقراطية. فزيادة الهوامش العَلمانية من قبل السلطات الحاكمة هو اكتساب مزيد من السلطة المأخوذة من رجال الدين لصالح هذه السلطات. في حين أن زيادة الهوامش الديمقراطية معناه إعطاء مزيد من السلطات من قبل الحاكم للشعب وممثليه. وهو ما يهدد مصالح الحكم ويضع مراكبه في مهب الرياح الجديدة غير المحبوبة ولا المرغوبة. ومن هنا نرى أن المشهد العربي السياسي الآن في العالم العربي الاقتراب من العَلمانية لنـزع مزيد من الأسلحة من أيدي الجماعات والأحزاب الإسلامية، والابتعاد عن الديمقراطية لنـزع مزيد من الأسلحة من أيدي الجماعات والأحزاب الليبرالية.



    ماذا نختار: العَلمانية المعتدلة أم الراديكالية ؟
    العَلمانية واحدة وقوانينها واضحة. لا يوجد هناك علمانية معتدلة وعلمانية راديكالية. ربما كانت هذه في النظرية، أما في التطبيق فهناك علمانية واحدة بحلوها ومرّها. فإما أن نأخذها كلها وإما أن لا نأخذها. وهي كالدواء الذي على المريض أن يأخذه حتى آخر قطرة لكي يُشفى تماماً ونهائياً . ولو أخذ المريض نصف الدواء وترك النصف الآخر، لتراجعت وارتدت صحته ثانية واعتلَّ من جديد. وهذا هو السبب الرئيسي لاعتلال صحة الدولة العربية واعتلال صحة المجتمعات العربية، وهو أنها أخذت من العَلمانية ما يخرجها من مرحلة آنية صعبة فقط؛ أي كانت العَلمانية "دواءً مُسكّناً Pain Killer " وليست دواءً للشفاء. ولم تأخذ الدولة العربية دواء العَلمانية حتى آخر قطرة لكي يُنجّيها من موت محتوم. وهذا هو حال الدولة العربية الآن التي تموت ببطء موتاً سريرياً. وهي لم تمت نهائياً ولم تُعلن وفاتها بعد، بفضل الأجهزة البوليسية التي تبقيها على قيد الحياة. ولو تمَّ فصل هذه الأجهزة عن جسدها لتم اعلان موتها رسمياً، وأقيمت لها سرادقات العزاء!

                  

05-11-2005, 01:25 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    هل هناك مفهوم للحكم وللسلطة

    في الفكر الإسلامي؟





    د. نصر حامد أبو زيد



    السؤال الذي أتعامل معه هو هل هناك مفهوم للحكم وللسلطة بالمعنى السياسي في الفكر الإسلامي. وحين أقول الفكر الإسلامي أجد نفسي أمام ضرورة التمييز الإجرائي بين النصوص التأسيسية (القرآن والسنة) وبين التجربة التاريخية لما يسمى بـ(الدولة الإسلامية).

    ولا أعني بالتمييز الإجرائي، أن هناك انفصالاً تاماً بين النصوص التأسيسية والتجربة التاريخية، لأن هناك كثير من الباحثين يريدون صنع هذا التمييز بهدف إدانة التجربة التاريخية باعتبارها تجربة كانت خارج النصوص، وفي مثل هذه الإدانة والتمييز يتم التعامل مع النصوص التأسيسية نفسها بوصفها نصوص خارج التاريخ أي أنها نصوص لا تحمل في بنيتها وفي دلالاتها بصمة التاريخ وبصمة اللغة والثقافة.

    وكمنهج للبحث، أتجنب هذا الفصل التام بين النص التأسيسي وبين التجربة التاريخية، فلا أريد أن أدين التجربة التاريخية للمسلمين، ولا أريد أن أزعم كما يزعم البعض أن التجربة التاريخية والسياسية كانت نوعاً من الانحراف. إن التجربة التاريخية جزء من تجربة الجماعة الإسلامية وجزء من الفكر الإسلامي. وبالمقابل فإن الفكر الإسلامي جزء من التجربة التاريخية والسياسية للإمبراطورية الإسلامية.

    والتساؤل يتضمن محاولة الإجابة عن (هل هناك في النصوص التأسيسية مفهوم للحكم وللسلطة؟ وما علاقة هذا المفهوم إذا كان موجوداً بالتجربة التاريخية).

    من خلال استعراض القرآن والسنة النبوية الموثقة أعتقد أنه يصعب الحديث عن نسق فكري يحدد ماهية السلطة أو ماهية الحكم بالمعنى السياسي.

    إن الاستدلالات المتأخرة والتي بدأها أبو العلا المودودي في باكستان ونقلها سيد قطب، ثم أصبحت جزءاً من الخطاب الديني الراهن، تتعامل مع مجموعة من آيات القرآن تتحدث عن الحكم، وهذه الآيات في سورة المائدة. ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الجدل لكي نقول إن الحكم في التداول القرآني يعني القضاء ولا يعني الحكم في المعنى السياسي، ولكن يتم دائماً توسيع الدلالة لكي نصل إلى نظرية معاصرة، أو تضييق الدلالة لكي نحصر المعنى في إطار تاريخي. ولكن هناك في التجربة النبوية ما يمكن أن يكون بذور تأسيس سلطة سياسية. فحين انتقل الرسول إلى المدينة، تم إبرام وثيقة المدينة التي يعتبرها كثير من الباحثين دليلاً على إنشاء الدولة. والتساؤل هنا هل إن هذه الوثيقة تعكس وعياً أو مفهوماً يمكن إخراجه إخراجاً تاماً من سياق الحياة العربية (التحالفات القبلية والأحلاف)؟ ألا تعكس هذه الوثيقة تحالفاً بين الجماعة المسلمة وبين سكان المدينة سواء كانوا يهوداً أو مشركين على ضرورة الاتفاق على حماية المدينة التي يعيشون فيها؟ من الممكن القول إن الأمر اتفاق سياسي ومن الصعوبة والخطورة الزعم بأن الأمر اتفاق سياسي بالمعنى العاصر، فلابد أن نضع الأمر في إطاره التاريخي. ويمكن القول إن النبي عليه السلام مارس دوراً له دلالات سياسية، دور رئيس المجتمع وقائده، ومارس صلاحيات ذات طابع سياسي. ولكن هل كان في ضمير النبي ووعيه وأقواله ما يمكن أن يقال إنه ينشئ دولة بالمعنى الحديث؟ هذا سؤال مفتوح.

    عشية وفاة النبي وقبل دفن جثمانه دار حوار في اجتماع سقيفة بني ساعدة. يقول الطبري كانت هناك ثلاثة معسكرات - ويتحدث والرواية منسوبة إلى عمر بن الخطاب - علي والمهاجرين وأهل المدينة. وبينما كان علي مشغولاً بدفن جثمان النبي، اجتمع أهل المدينة وخشي عمر أن يحاول أهل المدينة أن يجتثوا المهاجرين من الأمر. والحوار الذي دار بين المهاجرين والأنصار لا يعكس مفهوماً للحكم وللدولة ولا يعكس أي منظور ديني. إن المهاجرين كانوا يرون أن لهم الحق في أن يكونوا من ذوي السلطة في هذا المجتمع الجديد لأنه وبدون الهجرة كانت التجربة الإسلامية يمكن أن تتعرض لمصير آخر. وقالوا إن العرب لن تقبل إلا أن يكون هذا الأمر في قريش. فالحديث جرى عن تقاليد راسخة وإمكانيات القبول العربي. وعند الحديث عن خلافة أبي بكر، لا نجد إلا في المراجع المتأخرة كلاماً عن أن النبي عليه الصلاة والسلام نص أن تكون الخلافة في قريش. في الروايات المبكرة يدور الحوار حول ماذا يقبل العرب؟، هل يقبل العرب أن يكون هذا الأمر في قريش أو في غير قريش؟

    إن الحوار يدور في إطار تاريخي يمكن أن نفهمه باعتباره تأسيساً لسلطة ولكن لا يمكن اعتبار كل تأسيس لسلطة، تأسيساً لدولة.

    نشأت مشكلة الحكم (مشكلة الإمامة) مع الانفجار الأول (ما يسمى بأحداث الفتنة). وقد قسم هذا الخلاف الأمة في مرحلة مبكرة إلى سنة وشيعة. إن الصراعات التي تلت بين الأمويين والشيعة، والمذابح التي جرت، صراع سياسي عبر عن نفسه بشكل ديني. فصرخة الذين رفضوا التحكيم وأطلق عليهم اسم الخوارج فيما بعد واضحة. لقد قالوا: لا نريد أن يحكمنا مضريان إلى يوم الساعة. أي أن الرفض كان ضد حكم مضر والذي يعني حكم علي وحكم معاوية. وهكذا فإن المشكلة كانت حول رفض السلطة بالمعنى السياسي وليس بالمعنى الديني.

    مع الانفجار وانقسام الأمة، أصبحت هناك نظرية للحكم ترتبط بنظرية الإمامة ونظرية الميراث والسؤال هل كانت هذه النظرية دينية وهل ثمة في النصوص المؤسسة ما يعطي مشروعية لهذه النظرية؟

    لقد تم إنتاج ما يسمى بالرأسمال الرمزي الشيعي على أساس العلاقة بين علي والنبي وفي مواجهة ذلك أنشأ الأمويون رأسمالهم الرمزي السني. ونجد في كتاب الأشعري وقبله عند الشافعي هذا الدفاع عن قريش وعن الإجماع وتبرير الواقع التاريخي الذي حدث. وبدأت الصياغة اللاهوتية تنحو هذا المنحى - في نظرية أهل السنة - تبريراً لما حدث في التاريخ. فنجد الإشارة إلى وجود فتنة في اختيار أبي بكر وقى المسلمين شرها كما يقول عمر بن الخطاب. وجرى اختيار عمر بن الخطاب عن طريق تشاور أبي بكر مع بعض الصحابة. كما جرى اختيار عثمان عن طريق لجنة شكلها عمر بن الخطاب وراعى فيها العلاقة القبلية، أي تمثيل "القوى السياسية" الموجودة آنذاك.

    وكان السؤال: أتبايعني على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الصاحبين. وهنا أضيف إلى النصوص التأسيسية التجربة التاريخية القصيرة جداً. وهنا كان علي موافقاً على الكتاب والسنة ولكن لم يكن موافقاً على إضافة تجربة الصاحبين باعتبارها نصاً. وهنا قال: أجتهد رأي ولا آلو. ولكن هذا الشرط - شرط تواصل التجربة التاريخية - كان قد قبلها عثمان.

    لقد كان هناك نزوع لوضع التجربة التاريخية جزءاً من النص الديني، وقد أصبحت تلك التجربة جزءاً فيما بعد وأطلق عليها اسم الإجماع. فمادام الناس قد أجمعوا على اختيار أبي بكر وعمر فإن هذا الاختيار صائب وصحيح. وسنجد أن هذه الفكرة تتنامى لتخرج من هذا النسق السياسي الضيق لتتحول إلى نسق سياسي أوسع، حين سمّي العام الذي تنازل فيه الحسن لمعاوية (عام الجماعة). وانتقل عام الجماعة من معناه السياسي إلى معناه الفقهي، وأصبح الإجماع مبدأ فقهياً وبالتالي أصبحت نظرية الإمامة كلها تناقش من منظور الإجماع.

    وحين نصل إلى القرن السادس والسابع الهجري، نجد الآمدي يقول: إن قضية الإمامة ليست قضية دينية، وإنه يستحسن على المسلم أن يتجاهل هذه القضية لأنه حتى إذا أحسن البحث فيها فهو في خطأ، ولكنه يعود فيقول بما أن المتكلمين يبحثون قضية الإمامة فليس أمامنا إلا أن نبحث هذه القضية. وهكذا أصبحت الإمامة جزءاً من بنية التفكير الديني وجزءاً من بنية النسق الديني.

    إذا تتبعنا الكتابات حول نظرية السلطة ونظرية الإمامة من أول الماوردي في القرن الرابع حتى نصل إلى الغزالي في القرن الخامس ونمر مروراً سريعاً فنجد مثلاً أن الإمام الشافعي في الرسالة يؤكد سلطة قريش بطرق شتى. وأول هذه الطرق أنه يفسر قوله تعالى (إنه ذكر لك ولقومك) في القرآن بمعنى إعلاء الشأن أي أن الذكر يعني إعلاء الشأن والسمعة الطيبة، وأن القرآن سيكون إعلاءً لشأنك ولقومك أي قريش. بل إن المرويّات التي تتحدث عن فضل قريش على الناس يوردها الإمام الشافعي دون أن يعرضها إلى أي نقد رغم أنه كان محدثاً وناقداً. كما نجد الأشعري يدافع عن التجربة التاريخية باعتبارها نصوصاً وباعتبارها إجماعاً للمسلمين.

    ومن خلال تتبع تاريخ الخلافة أو الملك نجد أن ما تحقق على أرض الواقع وما نسميه بالدولة الإسلامية، كانت بنية إمبراطورية وجزءاً من سياق الإمبراطوريات القائمة في ذلك الوقت، حيث كانت تلك الإمبراطورية تتكون من أقاليم ولكل إقليم قدر من الاستقلالية على المستوى الإداري والقانوني، مع وجود سلطة تتمثل في الخليفة تمارس صلاحياتها من خلال الإدارة ومن خلال المؤسسة العسكرية وتترك للسلطات المحلية ممارسة السلطة في أقاليمها. وبرأيي إن نظرية الخلافة كما صاغها الفكر الإسلامي نظرية ترتبط بنسق سياسي هو النسق الإمبراطوري وقد سمي الإمبراطور بالخليفة، بصرف النظر عما إذا كانت الشورى قد وظفت بمعنى ضيق جداً ومبكراً، ثم اختفت الشورى وأصبحت في ترشيح يزيد إما السيف وإما يزيد. وعليه لا يمكن أن نطلق على هذا النظام السياسي كونه نظاماً يتخذ بعداً دينياً، فلم تكن هذه الدولة دولة دينية بالمعنى الدقيق أو بالمعنى الذي يسعى إليه البعض في إنشاء دولة دينية.

    أما أبو حامد الغزالي والذي له رسالة هامة في الرد على الباطنية، كتبها بإيعاز من الخليفة العباسي في وقت كانت الاغتيالات قد طالت نظام الملك، فإنه يرفض من خلال عقلانية واضحة بأن هناك قضية الإمامة ولكنه وفي نهاية الكتاب، وهو يريد أن يعطي مشروعية للخلافة العباسية القائمة يعود ويستعيد كل مصطلحات الشيعة بما في ذلك النص ويفعل ذلك بنفس الطريق الذي بدأه الإمام الشافعي الذي يقول: إن الخلافة مشروعة إذا ادعاها قريشي سواء وصلها بالقوة أو بموافقة المسلمين أي بالشورى أو وصل إلى القوة بالشوكة. أي لا يهم كيفية الوصول إلى الخلافة مادام الخليفة قريشي. وهنا يقول أبو حامد الغزالي يكفي لاختيار الأمة رجل واحد له شوكة فإذا اختار الخليفة رجل واحد له شوكة، يعتبر هذا الاختيار مشروعاً. ويجعل من هذا الاختيار أيضاً شيئاً إلهياً مقدساً على اعتبار أن الله تعالى أمال القلوب.

    وعندما بدأت السلطة المركزية للخليفة تتحلل وتكونت الدولة الشيعية في المغرب وبدأت المنافسة بين أكثر من دولة وبدأ استقلال الأقاليم، برر الماوردي الوضع الجديد بفكرة التفويض بمعنى أن الخليفة يفوض السلاطين في ممارسة السلطة. لقد انتقلت السلطة من الخليفة إلى السلاطين في الواقع العملي، ثم وضعت نظرية التفويض لتبرر هذا التحلل المركزي للسلطة المركزية. وإذا تتبعنا كتب الفقه في مناقشة قضية الخلافة نجد أنها تبرير دائم بأثر رجعي وتنظير بأثر رجعي لما حدث فعلاً في التاريخ.

    إن التجربة التاريخية تقول بأن الخلفاء والسلاطين مارسوا الحكم في ظل إمبراطورية وتركوا المجال للسلطات المحلية حرية تطبيق القانون.

    ولكن في كل هذا الوضع لم تكن مؤسسة الفقه جزءاً من بنية الإمبراطورية. لقد كانت هناك علاقة بين الفقهاء والخلفاء والسلاطين، ولكننا نعرف تاريخياً موقف الإمام مالك وموقف الإمام (أبو حنيفة) ورفضهما لكي يقوموا بأي دور رسمي في إطار السلطة السياسية. إن بعض الفقهاء، وبالتحديد تلامذة الإمام أبي حنيفة، كمحمد بن حسن الشيباني وأبو يوسف قد أصبحا قضاة، ولكن إلى أي حد ينفذ القاضي قانوناً يمكن أن يسمى (قانون الإمبراطورية). فالقاضي هنا فقيه ومفتي وينفذ القانون وفقاً لمدرسته الفقهية.

    وكان للقاضي درجة من الحرية لكي يختار هذه الفتوى أو تلك، بحيث يصعب أن نتصور بأن هناك دولة يحكمها قانون موحد والدليل على ذلك وجود المدارس الفقهية الأربع في الإطار السنوي. وهناك اختلافات حول أصوب الآراء وأرجح الآراء داخل كل مدرسة. وهكذا فإن القانون والفقه لم يكونا يمثلان مؤسسة بالمعنى الذي يجب أن يمثله القانون في الدولة الحديثة.

    وهكذا نجد أنفسنا أمام كتب ومؤلفات لا نستطيع أن نعد فيها عدد الفتاوى والأحكام. وهنا يصبح السؤال حول الشريعة وتطبيقها سؤالاً بحاجة إلى كثير من التحديد.

    وإذا كانت الصياغة اللاهوتية لمفهوم الخلافة، وهو مفهوم مركزي بالنسبة لمطالبة التيارات الإسلامية المعاصرة لإقامة الدولة الإسلامية، فعلينا دراسة الأمر وفق المستجدات الحديثة.

    بعد الحرب العالمية الأولى وبالتحديد في عام 1924 ألغيت الخلافة في تركيا وأجد أن هذا الأمر قد حصل في سياق انتهاء فترة الإمبراطوريات ونشوء مفهوم الدولة الحديثة التي بدأت في أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى. وقد نشأت الدولة القومية في تركيا بفعل الصراع والاحتلال الذي حصل لتركيا ومسعى الكماليين لاستعادة السيادة على الأناضول وقد نشأ المجلس الوطني في تركيا الذي فصل السلطة عن الخلافة.

    ومع إلغاء الخلافة وفي ظل عهد الاستعمار، حرم المسلمون من وحدتهم الرمزية المتمثلة بالخليفة، وفي مسعى نشوء الدولة القومية الحديثة في العالم الإسلامي نشأ الحوار مرة أخرى حول الخلافة واختلط السياسة والفقه مرة أخرى. ونجد كتباً دافعت عن الخلافة باعتبارها نظاماً إسلامياً وأن عدم وجود الخليفة يعني أن الأمة تعيش في جاهلية، (هذا ما كتبه رشيد رضا عن الإمامة العظمى) وهذا ما كتبه (كاتب تركي وهو مصطفى صبري) مهاجماً قرار الكماليين.

    كما نجد مناقشة عميقة في كتاب المجلس الوطني الكبير حول الخلافة وسلطة الأمة مناقشة تفصيلية. وانتهى مؤلفو الكتاب إلى أن الخلافة كانت نظاماً تاريخياً وهذا النظام التاريخي ليس دينياً، ومن حق المسلمين أن يختاروا أي شكل من أشكال الحكم التي تتلاءم مع الظروف الجديدة.

    ناقش علي عبد الرازق هذه القضية في كتابه وتعرض على إثر ذلك إلى سحب شهادته العلمية وفصله من الوظيفة وتعرض لمحكمة تفتيش، وكان الكتاب جزءاً من معركة سياسية في وقت كان الملك فؤاد والشريف حسين يريدان أن يكون كل منهما خليفة للمسلمين.

    في عام 1948 تأسست جماعة الإخوان المسلمين ومن أهداف الجماعة إقامة الدولة الدينية في مصر. وحسب رأي حسن البنا: إن الإسلام أصبح غريباً في مصر ومن الضروري إعادة أسلمة المجتمع. وإذا قام حكم إسلامي في مصر وحكم إسلامي في بلدان أخرى يمكن أن تتوحد وتكون بداية لإنشاء منصب الخلافة.

    وأشار الشيخ يوسف القرضاوي كممثل لفكر إخوان المسلمين المعتدل في حوار له مع سيد يسين، أشار إلى أن الخلافة شأن ديني وجزء من العقيدة وبما أنها جزء من العقيدة فإنها يجب أن تكون غاية يسعى لها المسلمون جميعاً. أي أن الأمر غاية دينية وليس تجربة تاريخية.

    وسواء كانت إعادة تأسيس الخلافة جزءاً من البرنامج السياسي للحركات الإسلامية المعاصرة أم لم تكن، فإن المطلب الرئيسي في الخطاب الإسلامي السياسي يظل هو تطبيق الشريعة الإسلامية سواء في ظل دولة دينية أو دولة تحكمها الشريعة والإسلام. قبل الحديث عن هذا الموضوع لابد لنا أن ندافع جميعاً عن تأسيس الديمقراطية واستقلال المؤسسات الذي يعني استقلال السلطة التشريعية والسلطة القضائية وعدم تأثير السلطة السياسية على السلطات الأخرى. وإذا كان للمسلمين أن يختاروا أن تحكمهم الشريعة فهذا أمر مشروع ولكن يظل السؤال ما المقصود بالشريعة؟

    إن الشريعة مجموعة من القوانين وليست قانوناً واحداً. فالبعض يقول إن الشريعة هي المبادئ التي جاء بها القرآن، ولكننا اليوم بحاجة إلى قراءة مجددة لإعادة استنباط هذه المبادئ ولا نستطيع أن نقف عند المبادئ التي وقف عندها الشاطبي مثلاً، أي حماية النفس وحماية المال وحماية الدين وحماية العرض، لأن أية دراسة مبسطة ستكشف أن هذه المقاصد الكلية للشريعة هي منتزعة من قانون العقوبات أو من الحدود. فحفظ العرض موجه ضد الزنا وحفظ المال موجه ضد السرقة وحفظ النفس موجه ضد القتل وحفظ الدين موجه ضد الردة، رغم أنه ليس هناك عقوبة دنيوية للردة في القرآن.

    إن الاستنباط الذي استنبطه الفقهاء لما يسمى المقاصد الكلية للشريعة كان مبنياً على قراءة جزئية للقرآن، قراءة لبضع مئات من الآيات. وهنا أجد أن المسلمين يحتاجون إلى قراءة لمجمل الرسالة القرآنية ولمجمل التجربة التاريخية للفترة النبوية، لإعادة استنباط المقاصد الكلية للشريعة، لأن ما يسمى بالشريعة خلط بين الفقه والمقاصد الكلية للشريعة.

    إن الكثيرين يميزون نظرياً بين الفقه والشريعة. ولكن في تعاملهم الفعلي مع الشريعة نجد أنهم يتعاملون مع الفقه.

    لقد كانت هناك محاولات منذ إنشاء الدولة الحديثة في العالم الإسلامي لتقنين الشريعة. فقد جمع محمد علي علماء الأزهر وقال لهم: لا أريد أن أحكم بشيء حرمه الله، لكن اجتمعوا وضعوا لي قانوناً. وقد فشل علماء الأزهر آنذاك وقالوا ما وصلنا إلى شيء.

    إن المشكلة تكمن في تحويل الشريعة إلى قانون يفهمه الناس فإذا تركت الشريعة في بنيتها كما هي فإننا نكون أمام حالة إعادة إنتاج إمبراطورية حيث يقرر كل مفتي وكل فقيه وكل واعظ بالرأي الذي يراه صواباً. وهذا الأمر يتعارض مع الدولة الحديثة التي تعني سيادة القانون.

    وفي مصر نشأ نظامان قضائيان، وفي محاولة توحيد النظام القضائي جرى بشكل أو آخر جعل الشريعة محصورة في الأحوال الشخصية. فمحاكم الأحوال الشخصية في مصر محاكم مدنية محكومة بما يسمى الشريعة ولكن أية شريعة؟!

    فقد ورد في القانون (ما لم يرد فيه نص في هذه اللائحة فيمكن الحكم فيه طبقاً لأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة).

    وهنا تخيل أن القاضي في هذا العصر الحديث عليه أن يدخل في مجمل الفقه الحنفي منذ منتصف القرن الثاني الهجري إلى يومنا هذا لكي يبحث عن أرجح الأقوال لحل قضية معينة.

    وفي الواقع فإن القاضي يرجع إلى آخر كتاب ويعرض الرأي الحنفي ويعطي رأيه. لقد أعطيت للقاضي وظيفتان متناقضتان، وظيفة المشرع ووظيفة الحاكم في عصر استقلت فيه السلطة التشريعية عن السلطة القضائية.

    إن البعض يريد حكم الشريعة بالمعنى المتداول في ظل إمبراطورية دون أن يدرك بأننا نحتاج في العصر الحديث أن تكون الدولة مقننة.

    إن الناس أحرار في اختيار الشريعة ولكن يجب أن تكون الشريعة مقننة ومعروفة من قبل القاضي والمحامي، وأن يكون هناك نظام تعليم واحد في القانون لكي يستطيع المواطن أن يعرف حقوقه وواجباته طبقاً للقانون.

    إن هذه الازدواجية قائمة والمسؤول عنها بشكل أساسي هو التمسك بمفهوم الشريعة دون فحص نقدي والخلط بين الشريعة والفقه دون إدراك كون الفقه بنية لا علاقة له بما يسمى بالقانون في الدولة الحديثة.

                  

05-11-2005, 01:34 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العلمانية في المشروع القومي الديمقراطي

    جاد الكريم الجباعي



    تقّدم العلمانية، غالباً، على أنها فصل الدين عن الدولة. وهذا ليس بعيداً عن الصحة ولا مجافياً الصواب. لكنه، فضلاً عما يحمله من تبسيط، يثير مشكلتين:

    أولاهما تحويل العلمانية إلى شعار، يمتلئ كغيره من الشعارات بمضامين أيديولوجية، وبشحنة من الاستفزاز والتحدي تخرج الموضوع من ميدان الممارسة الفكرية من أجل الممارسة العملية وبدلالتها، إلى ميدان المماحكات اللفظية.

    والثانية صرف النظر عن حقيقة أن العلمانية عملية تاريخية، سيرورة تقدم في التاريخ وفي المعرفة تنطلق نحو نقطة استهداف مركزية هي فصل الدين عن المؤسسات السياسية والاجتماعية والثفافية بوجه عام، وعن الدولة والمدرسة بوجه خاص. تحرير الدولة، والسياسة، من الدين وتحرير الدين منهما، وإقامة العالم الواقعي للإنسان بنزع القناع عن الأشكال "المقدسة" والأشكال غير المقدسة لاستلابه الذاتي.



    إزاء موقف ديني من السياسة، لابد من تحديد موقف سياسي من الدين. الموقف السياسي من الدين يتقوم باخراج الدين من إطار الممارسة الاجتماعية - السياسية إلى اطار الممارسة الشخصية، وضمان حرية الفكر والاعتقاد، وحرية ممارسة الشعائر والعبادات ولما كانت الممارسة الفردية غير ممكنة إلا في إطار جماعة أو مجتمع، فإن المؤسسة الدينية هي الشكل الجماعي لهذه الممارسة الفردية.



    وفي جميع الأحوال إن فصل الدين عن الدولة والمدرسة لا يعني طرد الدين من مملكة العقل والمعرفة، أو إخراجه من التاريخ، بل على العكس، بسط سلطان العقل على كل ميادين ومجالات العمل والمعرفة، وإظهار تاريخية العقل الذي أنتج التمثيلات أنتج التمثيلات المقدس المتعالي، واغترب، أو أضاع نفسه فيها. وإظهار التوتر والتنابذ بين الأسطوري والعقلاني، بين الأيديولوجي والواقعي في الفكر والثقافة، وآليات انبثاقهما وتداخلهما وتخارجهما في نطاق الصيرورة الاجتماعية. العلمانية، و ذروتها فصل الدين عن الدولة وعن المؤسسة التعليمية، هي تتويج لحركة تقدم عليها أن تنجز قبل تلك الذروة ومن أجلها: تحديث الفكر عموماً والفكر الديني خصوصاً، دحض وتفنيد الأيديولوجيا، التقليدية، تصفية البنى والعلاقات ما قبل القومية واستئصال عوامل التنابذ والشقاق والصراعات العمودية.. وبكلمة، توفير الشروط الضرورية لبناء الدولة القومية الحديثة، الدولة الديمقراطية، وبناء المواطنية الحديثة. وفي مقدمة هذه الشروط تحقيق الاندماج القومي أي حل مشكلة الأقليات الدينية والمذهبية حلاً علمانياً، وحل مشكلة الأقليات القومية حلاً ديمقراطياً، على اعتبار أن مشكلة الأقليات هذه هي مشكلة الأكثرية.

    المشروع القومي الديمقراطي، ذو الأفق الاشتراكي، يقتضي ضرورةً، إطلاق مشروع معرفي ملازم. والعلمانية عنصر بناء أساسي في المشروع السياسي وفي المشروع المعرفي على السواء. ذلك لأنها مدخل ضروري إلى العقلانية وجذر للديمقراطية، وأساس في بناء الدولة القومية. وتشكل مع الديقراطية مضمون القومية الحديث.



    في الوطن العربي تواجه العلمانية بمواقف مختلفة ومتباينة، يجمعها قاسم مشترك هو رفض العلمانية، مجابهتها أو الإزورار عنها.

    فالفكر الديني يضعها في معارضة الدين، ويرميها بالزندقة والإلحاد. كما ترميها تعبيراته واستطالاته "العصرية" بالتخريب، وترى فيها مظهراً من مظاهر التبعية للغرب،وتعبيراً عن هيمنة "النخبة" المتغربة.

    والفكر القومي بشقيه التقليدي، والتقليدوي الجديد، يحولها، بسبب من ازدواجيته، إلى ثورية سياسية ومحافظة أيديولوجية، يحولها إلى شعار فارغ من أي مضون، ويعزلها عن إطار الممارسة النظرية والعملية، وعن إطار المشروع السياسي النهضوي.

    إن تقليدويته، عفويته وشعبويته، ولا تاريخيته، حولت قوميته إلى دين وجعلت من الدين (وهوهنا الإسلام) مضموناً للقومية يتظاهر في اللغة والتاريخ والثقافة والعادات والأخلاق ووحدة الشعور والمصير.. ووحدة الأرض.



    والفكر الماركسي الدوغمائي ذو الملامح الستالينية أشاح عن العلمانية جملةً وتفصيلاً، في سياق إ شاحته عن القومية والديمقراطية. فالماركسية في نظره تجب ما قبلها، وليس ثمة علاقة بين العلمانية والعقلانية والقومية والديمقراطية والاشتراكية. فكل منها تنتمي إلى عالم خاص مختلف، وعالم الماركسي الدوغمائي هو ملكوت الاشتراكية وحسب. وفي القراءة الستالينية للماركسية - اللينينية تكمن الحقيقة الناجزة، والمطلقة، وفيها علم ما تقدمم وما تأخر.



    كما أن عملية الانتقال، الجارية الآن في الوطن العربي، من الدين- المعتقد إلى الدين - الملجأ او الملاذ، وبروز الدين الإحتجاجي والأيديولوجية الكفاحية بسبب من الهزائم المذلة التي منيت بها الأمة، وتنامي الاستبداد، وتراجع الحركة القومية الديمقراطية والاشتراكية، وإخفاق الأيديولوجيات الليبرالية والقومية والماركسية والستالينية، وتنامي الهيمنة الإمبريالية، واشتداد وطأة التبعية والنهب والاستغلال.. وازدياد حدة التناقضات الاجتماعية ـ السياسية مع غياب الوعي المطابق بهذه التناقضات وبحاجات التغيير.. عملية الانتقال هذه تحاصر التوجهات العلمانية وتقلص أكثر فأكثر حظوظ العقلانية وتحول حركة الاحتجاج السلبي على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى حركة ارتداد معادية للتقدم والعلمانية وحرية الفكر والإبداع.



    حركة ارتداد تقودها الجماعات الدينية المتطرفة التي هي الوجه الآخر لعملة النظم القطرية المستبدة لخدمة مصالح وأهداف الفئات والقوى الاجتماعية السائدة والحاكمة، والتي تخدم في نهاية المطاف في الحفاظ على البنى والعلاقات والأوضاع القائمة وخصوصاً الدولة القطرية.

    نقد هذه المواقف، ونقد الحرب الأهلية المتفجرة في لبنان وجنوبي السودان والكامنة في أقطار عربية أخرى، و الكشف عن عواملها وأسبابها الثاوية في بنى وعلاقات المجتمع التقليدي التابع والمستباح، ونقد واقعة نقص الاندماج القومي، وتشظي الوعي العربي وتأخره..



    يستحضر العلمانية ويجعلها ضرورية وراهنة، ضرورة وراهنية المشروع النهضوي نفسه.

    إن التناقض الاجتماعي - السياسي بين قوى المحافظة والتقليد الرجعية من جهة، والقوى الثورية من جهة أخرى، والذي ينعكس، على الصعيد الثقافي، تناقضاً بين القومية التقليدية ذات المضمون الديني والقومية الحديثة والثورية ذات المضون العلماني - الديمقراطي، يؤكد أن ضرورة العلمانية وأهميتها وراهنيتها تتناسب طرداً مع عداء القوى التقليدية المحافظة لها، وذعرها منها.

    الازورار والصد عن العلمانية الذي تبديه الأيديولوجيا العربية التقليدية، والذي يعكس موقفاً محافظاً واستثنائياً، يحرم الفكر العربي من أمكانية استثمار الغنى والتنوع الذي تنطوي عليه التعددية ويسد قنوات التواصل والحوار والتفاعل الخلاق بين القوى والاتجاهات والتيارات والمذاهب السياسية والثقافية والاجتماعية المختلفة والمتباينة ويحول بالتالي دون توحيد الوعي العربي وتحقيق الهوية التي تعني وعي الذات بدلالة الآخر على إعتبار أن الإنسان هو مرآة الإنسان.



    لذلك كان لابد من تقديم العلمانية، والكشف عن منطوياتها السياسية والاجتماعية والمعرفية والثقافية، والكشف كذلك عن علاقاتها الجدلية بالعقلانية والديمقراطية والقومية، وموقعها في المشروع النهضوي العربي، مشروع الثورة القومية الديمقراطية.



    ـ العلمانية لغوياً مشتقة من العلم ( بفتح العين ) والعالم، العالم الدنيوي، عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم، وإذ يغيرون أشكال الطبيعة إنما يغيرون أنفسهم أيضاً، البشر المعرفين بالعمل، والإنتاج وصنع الأدوات وبالتالي بالعقل والمعرفة والحرية، البشر الذين أثناء إنتاجهم الاجتماعي لحياتهم " يدخلون في علاقات محددة وضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية. ويشكل مجموع علاقات الانتاج هذه البنيان الإقتصادي للمجتمع،أي يشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وأشكال إجتماعية. فأسلوب إنتاج الحياة المادية هو شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام ليس وعي الناس بالذي يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.."(1).



    هذا التحديد اللغوي يلقي ضوءاً على مفهوم العلمانية كنمط من الحياة حيث الدين مقابل الدنيا، وحيث استقلال العقل عن المسبقات الدينية، وحرية الفكر ضد احتكار التقليد الديني للمعرفة، كل ذلك في إطار نظرة إلى الإنسان على أنه مقياس القيم وهدف كل تقدم، ومحور العالم.



    ـ " وحسب الإيتمولوجيا ( علم أصول الكلمات ) فإن كلمة Laicos اليونانية تعني الشعب ككل، ماعدا رجال الدين، أي بعيداً عن تدخلهم في حياته في لاتينية القرن الثالث نجد Laicos تعني الحياة المدنية، أو النظامية كما كانوا يقولون في ذلك الحين.. وهكذا يحصل التمييز مابين الشعب الذي يعيش حياته الخاصة بكل معطياتها، و رجال الدين الذين يتدخلون من أجل ضبطها irijular بطريقة ما " (2)

    المعنى اليوناني، وكذلك اللاتيني للكلمة يحيل على التعارض بين أكثرية الشعب التي لها ثقافتها الشفهية، وأقلية ذات ثقافة "رفيعة" أو عالمة، أقلية تستخدم الكتابة التي كان لها بعد سحري، ديني، ومقدس. إن امتلاك الكتابة كان يتيح لرجال الدين سلطة حقيقة، سلطة الهيمنة،والتدخل في حياة الشعب. هذا التناقض بين الأكثرية والأقلية هو مظهر فرعي من مظاهر التناقض الأساسي الذي يحكم السيرورة الاجتماعية.



    إن المحتوى الأكثري، الشعبي للعلمانية، ورهانها التاريخي، يتكشفان في مواجهة "التضامن الوظيفي" (3) بين الدولة المركزية (السلطة) والكتابة، والثقافة الحضرية العالمة، والأرثوذكسية المؤسسة للسيادة العليا والمشروعية. هذا التضامن الذي يحاول ضبط وتنظيم حياة الشعب (العامة، الرعاع، الدهماء - سواد الناس... ) وفق مصالح وأهداف الأقلية السائدة والحاكمة.



    التناقض بين رجال العلم والمفكرين العقلانييين من جهة وبين التيولوجيين والمدافعين عن التقديس وعن الدين، سدنة الحقيقة المطلقة من جهة ثانية، تعبير عن الصراع الاجتماعي - السياسي الذي يخترق التاريخ البشري. ومن هذا الصراع بالذات تستمد العلمانية مقوماتها ومشروعيتها.



    إن تاريخ الإنسان، إنسان العمل والمعرفة و" الإيمان" هو في أحد وجوهه ومساراته العميقة تاريخ الاتصال والإنفصال، التجاذب والتنابذ، التداخل والتخارج بين السحر والمقدس والدين من جهة و العلم والفلسفة والعقل من جهة أخرى.



    ـ على المستوى الحياتي أو الوجودي للفرد، ثمة تناقض لا يجوز إهماله بين الرغبة والحاجات التي تمليها الدوافع الطبيعية، و " إلحاح الفهم والتعقل " الكامن في أعماق الإنسان والمعبر عن خصائصه النوعية، هذا التناقض لا يفصح عن نفسه إلا من خلال علاقة الفرد بالطبيعة، وعلاقته بالأفراد الآخرين أي من خلال العمل الاجتماعي، من خلال تلك الشبكة المعقدة من الظاهرات والعلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية. إن عمليات التوصيف الأيديولوجي للفرد التي يلعب فيها الدين دوراً أساسياً والتي يعيد المجتمع من خلالها إنتاج نفسه في الأفراد وفي العلاقات الاجتماعية، تحاصر في الفرد خاصية الفهم والتعقل، تحرفها أوتخنقها، وتجعله يرى بعين المجتمع ويفكربعقله.

    "ضمن الخط النضالي من أجل الفهم والتعقل، يندرج تاريخ العلمنة ". (4)



    التوتر الداخلي بين الرغبة والتعقل على مستوى الفرد المحدد بالنوع والمجتمع، والمعرف بالعمل الاجتماعي يشير إلى جدلية تطور الحاجات وجدلية تطور المعرفة بالتلازم، وانتقالها من المعرفة الحسية المستندة إلى التجربة الحسية والملاحظة المباشرة التي مكثت في الذاكرة الجماعية، إلى المعرفة العقلية التي تشمل التصورات الأسطورية والفلسفية التي تنعكس فيها الروابط والعلائق والقوانين العامة للواقع الموضوعي على نحو خاطىء أو صحيح، والتي مكثت كذلك في الذاكرة الجماعية، وفي الممارسة الاجتماعية على صورة حقائق إجتماعية شغالة.. ثم إلى المعرفة العلمية التي تعنى باكتشاف الحقائق الموضوعية ( الحقائق العلمية) وقوانين الطبيعة والفكر والتاريخ، المعرفة العلمية الناجمة عن بسط سلطان العقل على سائر ميادين الحياة ومجالات عمل العقل. لذلك فإن العلمنة كانت دائماً حاضرة في تاريخ الإنسان.

    الرهان الفلسفي والتاريخي للعلمانية هو الانتقال من المعرفة الإسطورية إلى المعرفة العقلانية، من الوعي الأيديولوجي إلى الوعي الواقعي العلمي.



    إن التوتر الدائم والمستمر بين الأيديولوجي والواقعي، يجعل مسألة العلمانية راهنة دائماً في التجربة البشرية إن عدم إمكانية حسم معركة من هذا النوع حسماً تاماً ونهائياً، عدم القدرة على تصفية الخصم دفعة واحدة وإلى الأبد، يفتح مجال التشكك، ويطلق شتى الأوهام من عقالها. لذلك ينبغي التأكيد أن العلمنة هدف يتطلب افتتاحاً باستمرار مادام التتناحر الاجتماعي - السياسي قائماً ومستمراً بين الطبقات،لأن الإنسان لا يبدأ إلا حيث ينتهي القهر والاستغلال.

    إن استمرار شكل معين من الوعي الاجتماعي (الدين مثلاً) على مر العصور يؤكد أن القهر والاستغلال والاستلاب هي القاسم المشترك بين هذه العصور جميعاً حيث الثورات الاجتماعية كانت دائماً، وإلى عهد قريب حداً، في مصلحة الأقلية (5) (الثورة الأشتراكية فقط في مصلحة الأكثرية) وحيث للأيديولوجيا، فضلاً عن وظيفة التبرير والتسويغ، وظيفة تكييف أو توصيف الأفراد وفق هذه المصلحة.

    ـ حصر العلمانية في المجال الثقافي، ومعارضتها بالدين يحول العلمانية إلى الحاد فارغ، وبدون أن ننفي أو نتجاهل وجود تيار علمانوي، الحادي، نؤكد أن العلمانية ليست نقيضاً للدين، ولا حتى نقيض التعصب الديني إنها ضد الوثنية وضد سلطة رجال الدين، وتدخلهم في حياة الإنسان، وضد سلطة النصوص والأرثوذكسيات على اختلافها، دينية وغير دينية، ونقيض دين محدد في لحظة محددة وظروف وملابسات محددة. دين كف عن كونه انسانياً وعقلانياً ومستقبلياً. وهي، أي العلمانية، بالتأكيد ضد المذهبية بوصفها حركة نقض ودينامية تدمير ذاتي للمجتمع والأمة، وللثقافة والاخلاق.



    إن الغاء المذهبية لا يعني الغاء المذاهب، بل على العكس، يعني إلغاء الحواجز التي تحول دون تواصلها وتفاعلها واندماجها، ويعني توحيد وعي الأمة بذاتها واعادة بناء هويتها على أسس أموية وديمقراطية، وذلك من خلال كشف العلاقات والروابط بين "السيادة العليا" (6) والسلطات السياسية في التاريخ العربي - الإسلامي، ومن خلال الكشف عن تاريخية العقل العربي وآليات تكون الأرثوذكسيات والعقول المنافسة في إطار الإسلام وضمن المشروطية الأجتماعية، وإبراز الدور الإيجابي لتلك العقول المنافسة بغية تقييم مفهوم العقل العربي - الإسلامي التعددي والديالكتيكي. (7)



    ـ العلمانية، علىالصعيد المعرفي، تعني تحرير العقل من المسبقات والمطلقات، تحرير الفكر من الأوهام والخرافات وتحرير الإنسان من العبودية التي تمتد جذورها إلى تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة، وتركز الثروة وظهور الطبقات... والدولة والدين وظهور سلطة الدين ودين السلطة، العبودية التي تنفي حرية العقل فتنفي كل حرية سوى حرية الأعمى أن يظل أعمى وحرية البشر المسحوقين في الموت جوعاً وقهراً إن التسليم بأن ثمة مصدراً واحداً وحيداً للمعرفة هو السماء، وأن للظاهرة سبباً واحداً وحيداً، قائماً خارجها، وأن الحقيقة قد انبثقت في التاريخ مرة واحدة وإلى الأبد انبثاقاً كاملاً ونهائياً، وإن هذه الحقيقة الناجزة المطلقة والسرمدية مكنونة في كتاب (نص) صالح لكل زمان ومكان، فيه علم ما تقدم وما تأخر، ويتضمن شؤون الدنيا والدين في الأولى والأخرة... وأن عملية استنباط هذه الحقيقة من النص فوق طاقة الانسان العادي البسيط، وفوق طاقة الأمي ورجل الشارع، ورجل الدنيا، وإن لرجال الدين بامتياز الحق في استنباطها، وفي التفسير والتأويل والافتاء والتشريع... إن كل ذلك يؤسس سلطة رجال الدين، و"الاستبداد الديني) ( ويؤسس بالتالي للاستبداد السياسي واستبعاد واستعباد الشعب. فإن "بين الاستبدادين السياسي والديني مقارنة لا تنفك، متى وجد أحدهما في أمة جر الآخر، أو متى زال زال رفيقه، وإن صلح - أي ضعف - أحدهما صلح الثاني." (9) و "ما من مستبد سياسي إلى الأن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله وأقل ما يعينون به الاستبداد تفريق الأمم ألى مذاهب وشيع متداعية تقاوم بعضها بعضاً فتتهتر قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو الجو للاستبداد ليبيض ويفرخ". (10).



    كل ما يقال عن احتلال الدين موقعاً هاماً، وممتازاً في الوجدان الشعبي، وثقافة الأمة، ووعي الإنسان.. صحيح واقعياً، ومفهوم، ولكن "بدلاً من أن نضيع الوقت في إقامة التضاد والتعارض بين العقل الديني والعقل العلمي خارج المشروطية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فإن من الأفضل أن تجري تقيماً شاملاً للمصير أو (القدر) العام الذي عرفه العقل في المناخ و البيئة الإسلاميين". (11).

    الذين يتحدثون عن التناقض بين الدين (مطلقاً) و العلمانية إنما يقيمون تعارضاً مصطنعاً واشكالية زائفة لا تخدم إلا في تبرير وتسويغ الأوضاع القائمة الدفاع عنها.

    التعارض قائم واقعياً بين العلمانية و السلطة الدينية سلطة النص، والمقدس، بين العلمانية والاستبداد الديني - السياسي وسلطة رجل الدين وتدخله المباشر في حياة الإنسان، بين العلمانية وكل سلطة أو مؤسسة أو رأي يرى أن كافة الأفكار والتصورات الميتافيزيقيية والسياسية والحقوقية والأخلاقية السائدة أو التي كانت سائدة هي محض أفكار وتصورات دينية، وينظر بالتالي إلى الإنسان على أنه إنسان ديني، وإلى جميع العلاقات الإجتماعية والسياسية والحقوقية والأخلاقية على أنها علاقات مكرسة دينياً ولا فرق في ذلك بين رؤية رجال الدين والتيولوجيين أو رؤية أيدولوجيين "علمانيين" يستمدون مناهجهم وأدواتهم المعرفية ورؤاهم من الدين نفسه ويعزلون جانباً أوجوانب منه لمعارضتها مع جوانب أخرى، لأن رجال الدين و هؤلاء الأيديولوجيين يلتقون في نقظة مركزية واحدة هي معارضة الكلام بالكلام وخوض معارك وهمية ضد طواحين الهواء.



    التعارض، بل التناقض، قائم بين العلمانية وسلطة النص، بما في ذلك النص غير الديني، لكن المقدس كالنص الماركسي أو القومي أو الليبرالي، بين العلمانية وسلطة السلف بما ذلك أيضاً السلف غير الديني، بين العلمانية والوثنية، التي ترى أن الدين هو الذي يصنع التارخ وليس التاريخ هو الذي يصنع الدين، وترى أن الدين يجب الواقع والتاريخ، أن التاريخ هو فقط التاريخ الديني التوحيدي. إن التاريخ لا ينحل في الدين، والتناقضات التي شكلت تاريخ الإنسان وحضارته لا تنحل في الصراع المزعوم بين "الدين والعلم" بين "الأصالة والمعاصرة" بين "المجتمع والدولة" أي بين "المجتمع والنخبة" (12).



    ـ ليست العلمانية، ولا ينبغي أن تصبح، مذهباً أو عقيدة أيدولوجية تمارس سلطة الضبط والتدخل والحجر، ومصادرة حرية العقل. بل هي حرية العقل وحقه في ارتياد الفضاءات الفكرية المباحة والمحظورة أوالمحرمة واقتحام سائر ميادين العمل والمعرفة سائر ميادين الحياة العلمانية تعني أيضاً نزع طابع القدسية عن الأفكار وطابع العصمة عن البشر وترى أن مناقب الرفعة والشرف والأخلاق والكرامة.. مرتبطة بما يقدمه الفرد لمجتمعه ووطنه ومواطنيه إن حبلها السري موصول بالعقل والعقلانية التي هي أشمل وأعمق من الوضعية الوضعانية والتجربية والبرغمانية، العقلانية بما هي عقل الواقع وجدله.



    العلمانية والاندماج القومي :

    يعاني المجتمع العربي من نقص فى اندماجة القومي يتجلى في الانقسامات العمودية والتحاجز الاجتماعي الذي تغذية أيديولوجيا تقليدية، تسهم في تكوين سيكولوجية إنثنائية وعدائية تعبر عنها الحرب الاهلية الكامنة و المتفجرة. الانقسامات العمودية والتحاجز المجتمعي، تعيق حركة التقدم إن لم تلجمها لأنها تبدد طاقة المجتمع وتشل قوى الامة وتخرج الصراع الاجتماعي من أطرة السياسة لتحولة إلىصراع ديني او مذهبي وألىشكل من أشكال التدمير الذاتي. فمنذ وضع حديث (الفرقة الناجية ) على لسان النبي العربي محمد بن عبد الله والامة العربية

    تعيش حالة انقسام وتشرذم رسخت في الممارسة العملية والفكرية نفي الأخر وعدم قبول الرأي المعارض، وتكفير المعارضة وتكرس ذلك في نشوء أرثوذكسيات وعقول متنافسة،ومتنافية لاتزال تعيد إنتاج أوهام الخصوصية، والهوية المخفضة إلى انتماء مذهبي. الانقسامات العمودية، والوعي المقابل لها،تسد قنوات التواصل والحوار والتفاعل الخلاق وتحول دون تحقيق الاندماج القومي وتحرم الأمة من امكانية استثمار أفضليات التعددية، وتلجم الصراعا ت الاجتماعية السياسية،وتعيد إنتاج واقعة تشظي الوعي الاجتماعي وتأخره. لذلك فإن العلمنة التي تكشف عن الروابط الجدلية بين السيادة العليا والسلطات السياسة وتفسر ظاهرة الانشقاق ونقص الاندماج القومي بأسبابها الموضوعية، التاريخية، وتؤسس لتاريخية العقل وتاريخية الفكر، وتخرج الدين من دائرة العلاقات الاجتماعية والسياسية، هي المدخل الضروري لتحقيق الاندماج القومي، الشرط اللازم لتحقيق تحررالأمة وتقدمها وبناء وحدتها القومية ودولتها الديمقراطية وتحقيق سيادة الشعب وبناء مواطنيه حديثة.العلمنة في هذا المجال هي الشرط الضروري لإطلاق تناقضات المجتمع وصراعاته الأفقية،الطبقية، التي توحد وتبني وتطور في إطار المشروع القومي الديمقراطي العلمنة هي.مشروع الأكثرية،أكثرية الأمة وهي تتحول من أكثرية دينية أومذهبية أو قومية الى أكثرية سياسية،أكثرية يرقى وعيها إلى درجة تعي معها مسؤليتها المباشرة عن الأقلية أو الأقليات،وتعي قانون جدلية القهر أوجدلية الظلم حيث الظالم هو المظلوم لأن الأكثرية.عندما تضطهد الأقلية أو تتخلى عن مسؤوليتها التاريخية إزاءها، عندما تغمطها حقها وتصادر حريتها، عندما ترفض حقها في الاختلاف والمغايرة والمعارضة إنما... تضعف نفسهاوتعيد إنتاج شروط تأخرها وتحاجزهاو تزرع بذور شقاقها وضعفها وعوامل تدميرها الذاتي. العلمانية مشروع أكثري بقدر ماهي مشروع عقلاني.

    العلمانية والديمقراطية:

    قبل أن نقول إن الديمقراطية حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه.. يحسن البدء من الألف - باء وليس من الياء.

    الديمقراطية شكل ممارسة الحرية في المجتمع والدولة، مشكلة الحرية التي يتحدث عنها الفلاسفة تتقوم في ازدواجها وتناقضها الداخلي، فهي مطلقة ونسبية في آن. وهي كذلك لأنها في أصل منشئها مشكلة الإنسان، إنسان العمل والمعرفة والحرية، الإنسان المتناهي واللامتناهي في آن (رغم إمكانية فناء الجنس البشري بكارثة نووية، وعندئذ ينتهي كل شيء بالنسبة للإنسان).

    الإنسان النوع، اللامتناهي والكلي، بوصفه طبيعة واعية ذاتها ومتجاوزة ذاتها باستمرار، كائن معرف بالعمل. ميدان عمله الطبيعة والمجتمع، أي الواقع الموضوعي. والعمل الإنساني - الاجتماعي أبو الفكر، والطبيعة أمة، والحرية بالتالي هي وعي الضرورة.

    من الجذر الواقعي للإنسان نستنتج الجذر الواقعي للحرية. من الجذر المادي للإنسان نستنتج الجذر المادي للحرية على اعتبار المادة مقولة فلسفية تدل على الواقع الموضوعي القائم خارج وعينا وإحساساتنا وفي استقلال عنهما. الإنسان النوع، اللامتناهي، والكلي لا يوجد إلا في الخاص والفردي، ولذلك فهو متناه وكذلك عمله وفكره وحريته بالضرورة حرية الانسان مطلقة وحرية الفرد مقيدة ونسبية تعبر عن ذلك واقعة تموضع الإنسان، تموضع خاصيته النوعية،أي العمل في منتوجاته ومن ثم ضياعها في الملكية الخاصة التي هي أيضاً نزع الملكية. الديمقراطية بوصفها شكل ممارسة الحرية، مقيدة ومحددة بمستوى تطور العمل والوعي، وبمستوى تطرو الملكية وتقسيم العمل والوعي الاجتماعي المقابل لهما وبمستوى تطور التنظيم الاجتماعي، ومشروطة بالتالي بالتناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج.

    التداخل والتقاطع بين العلمانية والديمقراطية، والتفاعل الجدلي بينهما يرجع إلى الجذر الدنيوي،الواقعي، المادي للإنسان وللحرية، وإلى اعتبار الإنسان سيد الطبيعة ومحور العالم ومقياس القيم، وإلى اعتباره صانع تاريخه الخاص وسيد مصيره في هذا السياق، العلمنة سيرورة تقدم في التاريخ وفي المعرفة نحو استعادة الإنسان ذاته والقضاء علىاستلابه الذاتي بأشكاله " المقدسة " وغير المقدسة وتحقيق حريته إزاء الطبيعة وإزاء المجتمع والدولة.

    إن القضاء على استلاب الإنسان يعني القضاء على تخارج الإنسان والطبيعة، الواقع والفكر والمادة والروح. والديمقراطية في أحد مستوياتها هي المساواة السياسية والحقوقية والاجتماعية والإقتصادية والأخلاقية، ولهذه جميعاً جذرها العلماني لأنها تنطلق من أصل لايمكن إهماله أو تجاهله وهو المساواة الأنطلوجية (الوجودية). لذلك فإن سائر أشكال عدم المساواة ناجمة عن استلاب الإنسان وانتقاص كيانه الإنساني.

    المساواة الوجودية متجسدة في تساوي العمل الإنساني وتماثله في الماهية. مساواة تنبع من قيمة الإنسان وأهمية الفرد وكون العقل صفة نوعية وقاسماً مشتركاً بين أفراد النوع. مساواة نابعة من آدمية الفرد وحقوقه وحرياته.. وهذه المساواة تضمنها العلمانية. فإن ماهو جذري وذو قيمة حاسمة في عالم الإنسان هو الإنسان ذاته. إنسان العمل والإنتاج والمعرفة، إنسان الخلق والإبداع والحضارة ضد إنسان الإيمان الأعمى والعجز والتواكل والزهد والتصوف والتأمل والحلم والطاعة والامتثال والرضا والتسليم أي العبودية. المساواة هي مساواة في الحرية ضد المساواة في العبودية.



    الديقراطية بجذرها العلماني ونسغها الإنساني ومحتواها الاجتماعي هي مدخل إلى ملكوت الحرية وسيادة الإنسان وسيادة الشعب.

    والديمقراطية تعني الحوار، والاعتراف بالآخر، والاعتراف بنسبية الحقيقة واحتمال خطأ الذات، واحترام الرأي الآخر والاستماع اليه والتفاعل معه وعدم تفكيره وإدانته أو الوشاية به لدى السلطات كأنه خيانة عظمى، وهي الاعتراف بحقيقة مستقلة عن الذهن يحاول الجميع الوصول إليها دون التضحية بالموضوع من أجل الذات. (13) في بحثه الشيق والعميق عن " الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر يرجع الدكتور حنفي أزمة الديمقراطية إلى غياب الحوار بسبب من غياب الحرية وغياب مقدمات الحوار الموضوعية. وهو يحصر جذور أزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر في خمس مجموعات هي:

    - حرفية التفسير أو النصوصية التي تلغي الحرية لصالح الالتزام بحقيقة مطلقة، مسبقة، مكتوبة بصياغة واحدة أبدية، وتوحد عقلية السلطة السياسية مع السلطة الدينية ضد الإنسان، إذ تعتمد كلتاهما على التنزيل: تنزيل الأمر من السلطة إلى الشعب، وتنزيل المعرفة من السماء إلى الأرض، وتلغيان بالتالي حق المراجعة والمناقشة والحوار.

    - والثانية تكفير المعارضة الذي شاع منذ انتشار الأحاديث الموجهة للسلوك والأذهان، وخاصة الأحاديث الموضوعة لغايات سياسية وأيديولوجية واجتماعية كحديث "الملة الناجية"، وأصبحت "كل الفرق الضالة هي كل أنواع المعارضة للسلطة القائمة، كما أصبحت الفرقة الناجية هي حزب الحكومة". (14).

    - والثالثة سلطوية التصور: إن تصور العالم في الفكر العربي - الإسلامي تصور سلطوي، مركزي، إطلاقي، أصبح فيما بعد أساس تصورنا للعالم وأساس نظمنا السياسية: "فالله مركز الكون وخالقه، يسيطر على كل شيء، لـه صفات فعالة في الكون، قادر على ما لا يكون، وعالم بما يستحيل، لا يقف أمامه قانون طبيعي، ولا ترده حرية إنسانية. لا يستطيع الإنسان أن يفعل إلا اذا تدخلت الإرادة الإلهية لحظة فعله وجعلته ممكناً، وإلا استحال الفعل.." في هذا التصور تختفي الإرادة الإنسانية، ويتوارى العمل والعقل ويتحدد الإنسان بالإيمان الذي لا يخالطه أويساوره الشك. ومن هذا التصور تنبع فكرة الزعيم الأوحد المنقذ الأعظم والقائد الملهم.. والحاكم الفرد الذي لا تني الشقة تزداد اتساعاً بينه وبين المحكومين. وبقدر ما يزداد صلفاً وكبراً وغطرسة و عسفاً يزداد المحكومون صغاراً وذلاً وهواناَ. انه تصور يعطي القمة كل شيء ويسلب من القاعدة كل شيء بل يسلب من القاعدة كل شيء.. ويعطيه للقمة.هذا التصور يقسم البشر إلى خاصة، أوعليه القوم، وسادة وسراة واشراف ونقباء... الخ من جهة وإلى عوام ورعاع ودهماء وسواد الناس و... الخ. والعوام في نظر الكواكبي "هم قوةالمستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ، وان نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاة". (15).

    - والرابعة: تبرير المعطيات، لقد كان عمل العقل في تراثنا الفلسفي - يقول الدكتور حنفي - عملاً تبريرياً خالصاً، أي إنه يأخذ المعطيات وينظرها ويحيلها إلى معطيات مفهومة يمكن البرهنة عليها، مفتقراً إلى الحياد والروح العلمية وجرأة النقد والمعارضة. أمام هذه الوظيفة للعقل ذي المصدر الإلهي يستحيل الحوار. لأن المعطيات مقبولة سلفاً ولا توضع موضع الشك والنقد.

    - والخامسة: هدم العقل. منذ كان هجوم الغزالي على العلوم العقلية في القرن الخامس وقضاؤه على الفلسفة وعداؤه لكل اتجاه حضاري عقلاني، وتنكره للعلوم الإسلامية بما فيها علوم الكلام والفقة والحكمة - باستثناء علوم التصرف - وهدمه منهج النظر ودعوته لمنهج الذوق، وتركه الحقيقة وسلوكه الطريقة، ونقده للعلم الإنساني وانتظاره العلم اللدني.. كل ذلك كان بداية هدم العقل واستقالته وهو أداة الحوار. ومنذ ذلك الحين أصبح الله، و السلطة، والجنس مقدسات ومصادر للتحريم "فالله يحرم أكثر مما يحلل، والسلطة تعاقب أكثر مما تثيب، والجنس للحرمان أكثر منه للإشباع".



    أليست هذه المجموعات الخمس التي تشكل جذور أزمة الديمقراطية في وجداننا المعاصر، تعبيراً عن غياب الوعي بضرورة العلمانية وبالتالي غياب العلمانية من الفكر والممارسة؟ ان الديمقراطية التي عبر عنها الدكتور حنفي بالحوار والحرية والاعتراف بالآخر.. ليست ممكنة إذا لم تكن العلمانية مدخلها ونواتها.

    خارج إطار مشروع سياسي، قومي ديمقراطي، وخارج إطار رؤية استراتيجية منفتحة وعقلانية، أعني واقعية ثورية، تبدو مسألة الديمقراطية فاقدة جوهرها وتبريرها، مفقرة وهزيلة تخدم كغطاء أيديولوجي "حديث" لأهداف سياسية محافظة. وكذا العلمانية. وتتحولان معاً (الديمقراطية والعلمانية) إلى خطابين متنافيين متعادمين في حقل السجال الأيديولوجي والمماحكات اللفظية، وإلى شعارين مشحونين بالاستفزاز والتحدي، يثيران مشاعر طائفية وردود فعل أكثر مما يؤسسان لوعي حديث يخدم في نقد وتجاوز الواقع القائم.

    خارج إطار المشروع القومي الديمقراطي وبدون وعي علماني - ديمقراطي، كوني وتاريخي، ثوري وحديث، تتحول مفاهيم العلمانية والديمقراطية والأمة والوحدة القومية... الخ إلى أصنام مصمته صماء خالية من أي توتر وبالتالي من أي حركة وحياة مفاهيم ـ أوثان متخارجة متنافرة لا تقوم بينها روابط من أي نوع وليس لها أي محتوى، ولا يستدعي بعضها بعضاً بالضرورة، سرمدية تلغي فكرة التاريخ ومفهوم التقدم وتتعالى علىالواقع. وأوثان تتطابق ماهيتها مع هويتها، وتطابق الماهية والهوية يعني إلغاء الفروق وإعدام التنوع والتعدد والاختلاف والتباين. التطابق بين الماهية والهوية في ذهن مشيخي - وثني هو أساس عدم الاعتراف بالآخر وأساس عدم قبول التعدد والاختلاف وتكفير المعارضة ولا جدوى الحوار، وهو أساس العنف المدمر المنفلت من عقاله ومن رقابة العقل، العنف المتضمن في الخطاب والسلوك، في الفكر والممارسة.

    المشروع السياسي القومي - الديمقراطي هو الذي يعطي المفاهيم مضمونها ونظام ترابطها، أو نسق علاقاتها. هو الذي يستدعي هذا المفهوم أو ذاك بوصفه ضرورة تاريخية، منطقية، وليس بوصفه "موضة" أو تقليعة أو هوى.

    إن بنية الأفكار والمفاهيم والمقولات، وعلاقاتها المتغيرة، ونظام بناء هذه العلاقات لا يتحدد في ضوء "المسألة الأساسية في الفلسفة" (أولوية المادة أوالوعي) أو في ضوء العلاقة بين الفكر والواقع فقط، ولا على أساس قانون التطور الرئيسي: وحدة وصراع الأضداد وحسب، بل على أساس الممارسة العملية الحية، في الطبيعة والمجتمع. وبذرة العلمانية تكمن في هذه الممارسة.





    العلمانية والعقلانية:

    الرؤية الدينية إلى الكون والعالم، إلى الطبيعة والمجتمع والإنسان، رؤية عمودية، فكل المعاني الصحيحة، والحقائق الخالدة، والمعارف الناجزة نزلت من فوق، من الله الفاعل في كل شيء وفي كل مخلوق، إذن في المجتمع والتاريخ.

    من هذه الرؤية العمودية نجمت رؤية خاصة للتاريخ الذي يبدأ بلحطة تأسيسية أو تدشينية (الوحي) ثم تتتابع أحداثه نزولاً، هبوطاً نحو الانحطاط الذي لا خلاص منه إلا بوحي جديد أو مصلح جديد أو بقيام الساعة. إنه تاريخ خطي وانهياري، ومأساوي يكرس مزاجاً سوداوياً، ونظرة تزدري الحياة الدنيا، يجد تعبيره التعويضي في الحلم - الوهم باستعادة عصر ذهبي مضى وانقضى.

    وهي رؤية مركزية - سلطوية كما سبقت الاشارة تسمح بإضفاء صفات التعالي والتقديس على الحاكم - الفرد الذي كلما أمعن في الغطرسة والاستبداد والعسف قصرت المسافة بينه وبين الله في اذهان العامة، حتى تتوحد صورة الرب بصورة المستبد نتيجة اتساع الفارق بين الحاكم والمحكوم وانعدام التناسب بينهما، فذلك لا متناه في عظمته وهذا لا متناه في وضاعته وصغاره وعجزه.

    الرؤية الدينية إلى الإنسان تكرس العلاقات العبدية أو العبودية (عبد - سيد، أوعبد- سلطان). فالإنسان معرف بالايمان والتقوى والامتثال والتصديق والرضا والتسليم والطاعة والقناعة... وليس بالعمل والعقل والحرية والمعرفة والخلق والإبداع. الإنسان ضعيف عاجز خط قدره في لوح محفوظ وليس قوياً فاعلاً غازياً واقتحامياً بروميثوسياً الإنسان موضوع لفعل الطبيعةوالمجتمع والتاريخ والقوى الخارقة الغيبية، وليس القادر على تغيير أشكال الطبيعة والمجتمع وعلى بناء التاريخ. الإنسان للتأمل والدهشة وتسبيح قدرة الخلاق العظيم وليس للمعرفة والاكتشاف. الإنسان للإثبات والتوكيد والتأييد وليس للرفض والمعارضة والنفي.

    حتى في شؤون الدين الناس على دين ملوكهم. الرؤية الدينية إلى المرأة خاصة ترى إليها على أنها حرمة، عبدة، ناقصة عقل ودين ( قياساً بالرجل المستلب ) سكن للرجل ومتعة، تابعة له وعالة عليه،وأكثر منه بكثير مسلوبة الإرادة والحريةالرؤية الدينية إلى الحقيقة رؤية دوغمائية. فالحقيقة مطلقة وناجزة نزلت على البشر دفعة واحدة وإلى الأبد، لايحدها زمان ولامكان، لاتحول ولاتزول ولاتتغير، لايأتها الباطل من بين يديها ولامن خلفها. مكنونة في كتاب، أو نص، يشكل الخروج عليه خروجاً على المألوف والمتعارف عليه، ونشوزاً نحو الكفر والباطل والضلال.

    حقيقة بلا باطل، تستدعي إيماناً بلا شك، ومؤمناً بلا عقل. الرؤية الدينية إلى المجتمع رؤية سكونية وقطيعية ( الناس رعايا )، المجتمع جمع من البشر غير منسوج، مقسم إلى جماعات تربطها أواصر النسب والدم ( صلة الرحم) وتجمعها قواسم مشتركة هي الإيمان والطاعة، تفرض نوعاُ من الروابط وأنساق القيم كالحلال والحرام والمحظور والمباح والمكروه والمستحب. الغنى والفقر، والعظمة والوضاعة، الخير والشر... كلها توفيق من الله يواجهها البشر بالرضا والتسليم. الانقسام " الحقيقي" الوحيد هو انقسام المجتمع إلى مؤمنين ومشركين وزنادقة ومنافقين.. الرؤية الدينية إلى السلطة رؤية استبدادية. الدولة منظمة على نظام الكون. الحاكم ظل الله على الأرض، له على المحكومين حق الطاعة والامتثال، وليس للمحكومين حقوق، للحاكم كل الحقوق، وعلى المحكومين كل الواجبات. للقمة كل شيء، للقاعدة لا شيء. معارضة الحاكم والخروج على طاعته معصية. والمناصحة أقصى درجات المعارضة، وهذه موقوفة على نخبة من العلماء والوجهاء. وظيفة الحاكم تطبيق قوانين السماء، وتحقيق الشريعة، وضمانة ذلك أخلاقه الشخصية، وحسب ايمانه وتقواه، وإذا رق إيمانه أو فسق،، فذلك ابتلاء للرعية، الصبر عليه يوجب الثواب، اما ضمانه اداء الحقوق من قبل المحكومين فجهاز دولة، وجيش، وشرطة، وعسس وعيون وما شئت من أصناف وأساليب وأدوات العسف والقهر. الرؤية الدينية إلى الحياة رؤية آخروية، تغيب مفهوم العمل والإنتاج والخلق والإبداع، والحقوق والحريات، والوفرة والغزارة، والفرح والسعادة... رؤية تطفئ وهج المشاعر البشرية وتقتل الفرح الإنساني، وتحرم المتع والملذات. الحياة رحلة، والدنيا دار غرور زائلة... رؤية تستبدل الواقع بالوهم والمستقبل بالماضي.

    العلمانية بالتعارض مع هذه الرؤية الدينية انتصار للإنسان وللدنيا والحياة، للعقل والعقلانية، للمعرفة الواعية حدودها والعاملة على تخطيها وتجاوزها باستمرار.

    ليست العلمانية مذهباً أو عقيدة، وإلا تناقضت مع العقلانية التي يشكل التحرر من المطلقات والمسبقات، ومن التمذهب، محورها وأساسها. فالعلمانية إذ تضع العالم بين يدي الإنسان، وتقيم سلطة العقل والمنطق، إنما تعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها، وتغيرها، واحتمال خطأ الذات وصواب الآخر، وتفتح بالتالي إمكانات المعرفة المضوعية والوعي العلمي، المطابق للواقع وحاجات تغييره باستمرار. لقد كان العقل موجودا دائماً لدى الإنسان، ولكن الناس لم يكونوا دائماً عقلانيين. ذلك يظهر الفارق بين الذاتية والموضوعية. فالعقلانية هي انتقال من المعرفة الأيديولوجية إلىالمعرفة الواقعية، هي لحظة تعرف العقل على ذاته في الموضوع. العقلانية اتحاد الذات والموضوع، المادة والروح، الفكر والواقع، العقل وميادين عمله اللامتناهية. وعندما يتعرف العقل على نفسه في الموضوع يكون قد تم القضاء على حالة استلاب الوعي وشقائه، حالة التخارج بين المادة والروح، حالة اغتراب الإنسان عن ذاته وعن عالمه الذي هو من صنعه.

    العلمانية بجذرها العقلاني ونسغها الإنساني بسط لموضوعية المعرفة وواقعية التاريخ وكونية العقل وامتلاء الروح. لذلك لم تكن غريبة عن التجربة البشرية. أليست العلمانية مجذرة في العلوم الوضعية والعقلية؟ ألم تنطلق من تجربة الإنسان العامل والعاقل والعارف؟ ألم تنطلق من صنع الأدوات وتدشين التاريخ والتقدم والحضارة؟

    العلمانية - خلافاً لكل الأوهام والمزاعم - متجذرة في العلوم الوضعية والعلوم العقلية عند العرب - المسلمين، كما عند غيرهم من الأمم والشعوب وإن لم ينظر لها المسلمون. إلا أن ذلك يجب ألا يذهب بنا إلى مماثلة أو مطابقة العلمانية مع العقلانية، وهذه مع الوضعانية. فالوضعانية تنتمي إلى المثالي واللاعقلاني، خارج الموقف الجدلي. العقلانية هي اكتشاف منطق الواقع، منطق التاريخ، وليس تحويل الواقع إلى أقانيم. العلمانية تتضمن فكرة التاريخ وفكرة التقدم. "لأن التقدم، كل تقدم هو توقيع ممكنات على حساب ممكنات أخرى وهي ممكنات من وجهة نظر أكثر تجريداً أوأقل تاريخية" (16) في واقع جدلي وامكاني واحتمالي، متناقض ومتغير. خطران تكافح العلمانية ضدهما: خطر تحويل الواقع إلى كلام، إلى أيديولوجيا، وأوهام وعقائد جامدة ومذاهب متحجرة وقوانين سرمدية. وخطر تحويله إلى أشياء ومواد صلدة باردة. أي خطر تشييء الواقع بحجة المادية، إزهاق روح الواقع ومنطق التاريخ، ورفع رايات الوثنية كما يدعوها الاستاذ الياس موقص الذي أكد "، هذه القضية (قضية وثنية المعرفة) في مستوييها الروحي والمعرفي، قضية كونية شاملة لا يفلت من دائرة مسألتها شيء، ولا يمكن أن يفلت. إنها في عصرنا هذا قضية القضايا. نقول "مادة" ونمسك الطاولة. نقول "ثورة" ونقبض على الكلاشينكوف. نقول "تنمية" ونراكم الآلات. نقول "ثروة" ونعبد الذهب الأصفر والذهب الأسود،هكذا الميركانتيلية، وهكذا الوثنية في الروح والمعرفة". (17).

    هنا نقطة تقاطع العلمانية والعقلانية، ومدخل انتقال إحداهما إلى الأخرى. إنه لم يكن بلا دلالة كون الشاغل الفلسفي في الثقافة العربية - الاسلامية في عصرها الذهبي - كما في العلوم التجريبية - هو شاغل التوفيق بين العقل و النقل. أدعي أنه كان شاغلاً علمانياً، على أن نتحرّز من الخلط بين العلمانية والتوفيقية أو التلفيقية.

    حين نطرح العلمانية حلاً لمسألة الأقليات، ومدخلاً للمواطنية، وبناء الدولة - الأمة، الدولة الحديثة الديمقراطية، دولة الحق والقانون التي يستقل فيها الدين عن الدولة والدولة عن الدين. وكذا السياسة والتعليم، لا نطرحها مقطوعة عن جذرها العقلاني ونسغها الإنساني ومحتواها الاجتماعي. لأن نظرة عقلانية إلى مسألة الأقليات ترى مع الأستاذ الياس مرقص ان "مشكلة أية أقلية كانت، دينية أو مذهبية، قومية أو لغوية.. الخ، هي كخاص ومحض خاص مشكلة ميتة، يميتها المنهج الوضعاني الأصنافي الذي لا يرى أن الخاص هوعام، الذي لا يرى أن مشكلة جماعة من خمسة أفراد أو فرد واحد هي مشكلة الجميع، مشكلة المجتمع والوطن والبشرية.. أي الذي لا يرى في واقعنا كلية القهر وجدلية القهر: الغالب مغلوب، والأكثرية أقلية،لا يستطيع الإنسان أن يكون غالباً ومواطناً في آن، ومن أراد أن يكون غالباً فسيكون تابعاً، رعية وماشية. ركب الجميع على الجميع، عودة إلى الحالة المملوكية في "مجتمع" حديث متقدم استبدادياً وتوتاليتارياً، انتكاس من الإنسان الاجتماعي إلى انسان الاستهلاك. عزلة الأفراد - الذرات في الجمهور الكتلة، في الجماهير.. هذا ما تخدمه دعوات كثيرة متناقضة في الظاهر" (1. حين تطرح العلمانية مدخلاً، هكذا بالتحديد، لتحقيق الاندماج القومي وبناء مواطنية ومجتمع مدني ودولة ديمقراطية.. ووعي مطابق وأيديولوجيا حديثة عقلانية، وحركة تقدم على خط تجاوز الحاضر.. لا تطرح على أنها إكسير أو مبدأ فاعل بذاته، أو معتقد جامد، وحل سحري، أو أيديولوجيا. لذلك ربطناها ربطاً جدلياً وعضوياً بالمشروع القومي الديمقراطي لأنها فرع ونتيجة، لأنها كما يقول ياسين الحافظ: "تظاهرة فرعية لعقلنة المجتمع ونتيجة من نتائج قومنته". الماركسية، الناصرية، القومية والديمقرطية والوحدة العربية.. أكبر وأهم بما لا يقاس. ولكن "لاتحايل على الفرع المرتبط بكل الفروع".

    ماركس، في "المسألة اليهودية"، ومن زاوية المجتمع المدني البورجوازي، "المسيحي" "اليهودي" يقول: "الدولة المسيحية الحقيقية هي الدولة اللادينية. الدولة المسماة مسيحية ليست الدولة المسيحية الحقيقية" (19) عندما يصبح مشروعنا بناء المجتمع المدني لا بد أن نقول كذلك. الدولة الدينية ليست الدولة الإسلامية الحقيقية. الخمينية ليست الدولة الإسلامية، ولا الجمهورية الإسلامية، إنها الفاشية الظلامية، والوثنية على الصعيدين الروحي والمعرفي، والقروسطية على الصعيد الاجتماعي والسياسي. من مظاهر اللاعقلانية في الفكر العربي، والسياسة العربية، " ثقفنة الصراع " أي إخراجه من أطره السياسية والاجتماعية،إلى فضاء الثفافة والأيدولوجيا، في عملية تقليص وقهر للواقع التاريخي، وتحويله إلى كلام وفتح معارك زائفة ومصطنعة: معارك الأصالة والمعاصرة، التراث والتجديد، العلم والدين، الشرق والغرب.. و "إشكاليات" هي في الواقع حلقات مفرغة، وأزواج متنافرة. ليست متناقضة جدلياً لأن الزوجين التناقضيين لا بد أن يحتوي كل منهما الآخر على نحو ضمني أو صريح.. ذلك هروباً من المعارك الأساسية، والمعركة المصيرية التي في ضوئها سيتحدد وجود ومستقبل الأمة ووجود ومستقبل الإسلام أيضاَ، أعني معركة التقدم والوحدة العربية في مواجهة الإمبرايالية وإسرائيل والتأخر والاستبداد والتجزئة القومية. هذه المعركة المصيرية هي المشروع السياسي الذي يحدد الأدوات والوسائل وأشكال العمل ويستدعي مشروعاً معرفياً كبيراً ومستقبلياً، مشروع تحديث الفكر العربي، وتحديث وعي الانتلجنتسيا العربية ودمجها في المجتمع وبالتالي إعادة صياغة الوعي العربي صياغة علمانية - ديمقراطية. وتحديث الأيديولوجية العربية هو الشرط الضروري لنجاح المشروع السياسي، مشروع الثورة القومية الديمقراطية ذات الأفق الإشتراكي.

    الحركة القومية العربية، حركة الثورة العربية، لم تكن علمانية بل سائرة نحوها أي نحو العلمانية، على جسر التسامح الديني والإخاء. إذا كانت نخبة ما خارج هذه السيرورة فهذا دليل أن هذه النخبة متراجعة في القرن العشرين عن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي..على كل حال الإسلام الواقعي ليس محصوراً في دائرة هذه النخبة، إنه ممثل في جميع مسلمي الحركة الوطنية وكوادرها (20) ومفكريها وقادتها.. الإسلام حاضر على طول الخط في صعود الذات - الأمة. التجربة الناصرية شاهد شديد السطوع، قوي الدلالة وشاهد ثـقة. إن ثقفنة الصراع مدخل لمذهبته أو تطييفه وإطلاق وحش العنف والعنف المضاد وحركة التدمير الذاتي.

    إن معارضة العلمانية بالإسلام، والعلم بالدين والحداثة بالأصالة والمستقبل بالماضي، والديمقراطية بالشورى... مظهر من مظاهر ثقفنة الصراع التي تصب في أحسن الأحوال في تبرير الأوضاع والعلاقات القائمة والمحافظة عليها. ولا يغير من هذه الحقيقة نقد جزء من أجزاء الواقع ومعارضته بالأجزاء الأخرى على طريقة برهان غليون. هذه المعارضات جزء من عدة الشغل للإحتفاظ بالجماهير الشعبية خارج السياسية والثقافة ودونهما، وتبرير سلطة الحركات الدينية السلفية والأصولية المتطرفة وإدعائها تمثيل الأغلبية.

    العلمانية والقومية:

    إذا كانت العلمانية إنتماء وجودياً ورمزياً في آن للعلم والعالم الدنيوي، عالم البشر، وللعوامية، والأكثرية، فإن ماهيتها تتحدد تاريخياً ومنطقياً بإنتماء آخر، إنتماء وجودي ورمزي وتاريخي هو الإنتماء القومي الذي يتعلق بالوجدان والشعور والثقافة واللغة والتكوين النفسي و العقلي الذي يشكل محتوى ومضمون العلائق والروابط الثقافية والإجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية... التي تنسج مجموعة من البشر محددة في الزمان والمكان.إذا كان أحد هذين الانتماءين يحدد الأخر ويتحدد به ( يتوسطهما الإنتماء الطبقي الذي يكسبهما وجودهما العياني، الواقعي، الراهن ). فلا معنى ولا محتوى لرابطة قومية بلا جذر علماني، ولا معنى ولا محتوى للعلمانية بلا إطار ومحتوى قومي، إلا الشوفينية و التعصب والفاشية في الحالة الأولى والكوسموبوليتية الهلامية والقطيعية في الحالة الثانية.

    وإذا كان " التوتر ما بين أساليب التصور وطرق تشكيل المعارف والتعبير عنها، ينبغي أن يدرس دائماً من خلال الأطر الاجتماعية - ( الاقتصادية ) التي تنتج هذه المعارف والتصورات، ومن خلال الضغوط التي تقود مختلف الفئات إلى إيجاد أجوبة تناسبها " (21) فإن القومية والعلمانية - في سياق واحد - تعبير عن الصراع الاجتماعي - السياسي، وعن جدلية حركة تشكل وتكون الأمم الحديثة التي هي بتعبير أخر جدلية تكون وتشكل الطبقات الاجتماعية الحديثة والصراع فيما بينها في أطر قومية محددة تطبع هذا الصراع وبالتالي مجمل الحركة بطابع مميز. إن الانتماء القومي يحدد كذلك الانتماء الطبقي و يتحدد به، وإلا فقدا معاً ( القومي و الطبقي ) كل محتوى و مضمون.

    إن تحديد العلاقة الجدلية بين العلمانية و القومية الحديثة ذات المضمون الديمقراطي والإنساني يمر ضرورة في مجاري الصراع الاجتماعي السياسي ويحيل على و جوب التأكيد على عدم التعارض بين القومية و الدين، القومية العربية و الاسلام. فالقومية انتماء الى جماعة معينة تاريخياً، بينما الإسلام عقيدة دينية شمولية. بل يمكن القول إن هذا العنصر الكوني - الشمولي، المبكر في ثقافة الامة العربية، تعبير ساطع عن حيويتها وروحها القابلة للانفتاح على الآخر و التفاعل مع الحضارات.

    ومهما تكن سيطرة العقائد قوية و جبارة على النفوس، فإن من المكن تغييرها، تقليصها، و حذفها نهائياً عن طريق طبقة اجتماعية جديدة عليها لكي تستلم السلطة أن تقترح نظاماً جديداً للقيم مختلفاً عن أنظمة الطبقات المنافسة التي ترسخ العقائد الدينية"(22).

    العلمانية هنا هي المدخل الضروري تاريخياً لارتقاء سديم بشري من مستوى الانتماءات ما قبل القومية: العائلية، العشائرية، المذهبية، الدينية الأقوامية الى مستوى مواطنين متساويين في الحقوق و الواجبات في ظل سيادة الشعب، و سيادة القانون. أعضاء في مجتمع مدني و أعضاء في الدولة القومية أوالدولة - الأمة و اعضاء في طبقات اجتماعية مختلفة و متناقضة تمتلك وعيا بذاتها و بشروطها الاجتماعية - السياسية، رغم أن هذا الوعي - على ضرورته و أهميته - لايحدد فاعلية طبقة اجتماعية ما و لاطابعها التقدمي أو المحافظ و الرجعي، لأن هذين يبقيان دائماً شيئاً موضوعياً.





    الهوامش

    1 ـ كارل ماركس- نقد الاقتصاد السياسي - ترجمة د. راشد البراوي-دار النهضة العربية -القاهرة -ص7 - 8.

    2 ـ محمد أركون - تاريخية الفكر العربي الاسلامي - ترجمة هاشم صالح -مركز الإنماء القومي - بيروت ص 291

    3 ـ راجع فيما يتعلق بهذا المفهوم، ومفاهيم الكتابة والثقافة العالمة والأرثودكسية والمشروعة العليا.. الخ د. محمد اركون - تاريخية الفكر العربي الاسلامي، ص 19 وما بعدها.

    4 ـ المرجع السابق ص 293.

    5 ـ راجع ماركس وانجلز - حول الدين - ترجمة ياسين الحافظ - دار الطليعة، بيروت، ص 69.

    6 ـ راجع محمد أركون، المصدر السابق، ص 91 وما بعدها.

    7 ـ راجع محمد أركون، المصدر السابق ص 92.

    8 ـ راجع عبد الرحمن الكواكبي - طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد - ص 36 وما بعدها.

    9 ـ المرجع السابق، ص67.

    10 ـ المرجع السابق، ص 36.

    11 ـ محمد أركون - تاريخية الفكر العربي الاسلامي، ص 27.

    12 ـ من أجل الوقوف على هذه التناقضات المصطنعة والإشكاليات الزائفة راجع كتابات الدكتور برهان غليون وخاصة "اغتيال العقل" و "مجتمع النخبة".

    13 ـ حسن حنفي - مساهمته في " الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي " - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، ص 176 وما بعدها.

    14 ـ عمدت إلى عرض مقالة الدكتور حسن حنفي الآنفة الذكر، بقدرما سمح سياق الموضوع لأنني أدعي أن جذر غياب الحرية والديمقراطية..هو غياب العلمانية من ميدان الفكر والعمل، وأن سياق مقالة الدكتور حنفي يؤكد ذلك. راجع المقالة في كتاب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، مصدر سابق، ص 176. وما بعدها.

    15 ـ عبد الرحمن الكواكبي - طبائع الاستبداد - مصدر سابق- ص 50

    16 ـ الياس مرقص، مقال في مجلة الوحدة.

    17 ـ الياس مرقص- القومية العربية والاسلام - ندوة شارك فيها عدد من المفكرين والباحثين - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت.

    18 ـ الياس مرقص - المصدر نفسه، ص331.

    19 ـ ماركس - المسألة اليهودية - دار الطليعة - بيروت.

    20 ـ الياس مرقص -مرجع سابق- ص 336.

    21 ـ د. محمد أركون- تاريخية الفكر العربي الإسلامي - مرجع سابق.

    22 ـ د. محمد أركون، المصدر نفسه، ص 214.
                  

05-19-2005, 06:30 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الإسلام.. والدولة المدنية

    د. سعد الدين العثماني **
    04/05/2005

    islamonline.net

    د. سعد الدين العثماني.

    من القضايا التي تحتاج إلى مزيد مناقشة ودراسة لدى المهتمين بالتحولات في مجتمعاتنا: العلاقة بين الكوني والشرعي، وبين الوضعي والديني في ثقافتنا، وكيف نركز نظرة تجديدية تخرج من مأزق التعارض أو التنافر، إلى رحابة الانسجام والتكامل.

    ولذلك أطرح هنا السؤال حول مدى انسجام وجود الإسلام ومجتمع الإسلام مع دولة مدنية تنبني فيها الشرعية على إرادة الشعب، وتصدر فيها القوانين من قبل مؤسسات مخول لها ذلك بالانتخاب، وتتخذ قراراتها وفق المصلحة، مصلحة المجتمع، وبأقصى درجات الموضوعية الممكنة.

    وقد اخترت أساسا منهجيا للإجابة على هذا السؤال تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة، وسماتها لدى الأصوليين. إنها أساس منهجي يلقي الضوء على جوانب لم يُهتم بها بما يكفي لتطوير التجربة السياسية المعاصرة للمسلمين، وللخروج من سجن الكثير من التجارب التاريخية التي ربما تكبل انطلاقة كثير من المسلمين للاستفادة بقوة من التجربة الإنسانية المعاصرة.

    تنوع التصرفات النبوية

    لقد نُظر كثيرا إلى التصرفات النبوية على أنها من نوع واحد وعلى وزن واحد، وعلى أنها كلها وحي يُتبع. وقد بين كثير من العلماء والأصوليين خطأ هذه النظرة ومجافاتها لطبيعة التصرفات النبوية. وقام كثير منهم باقتراح تقسيمات لها، مثل أبي محمد ابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ) في كتابه "تأويل مختلف الحديث" ، والقاضي عياض اليحصبي (ت 544 هـ) في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" ، وابن قيم الجوزية (751هـ) في العديد من مؤلفاته، والعالم الهندي شاه ولي الله الدهلوي (ت 1176 هـ) في كتابه "حجة الله البالغة".


    التصرفات النبوية تنقسم على العموم إلى: تصرفات تشريعية وتصرفات غير تشريعية


    وممن أسهم في الموضوع من المعاصرين الشيخ محمد الطاهر بن عاشور صاحب "مقاصد الشريعة الإسلامية". لكن أكثرهم توسعا في بيان الفرق بين أنواع التصرفات النبوية، الأصولي الألمعي شهاب الدين القرافي (ت 684 هـ). وقد بث ذلك في العديد من كتبه مثل موسوعته الفقهية "الذخيرة" ، وكتابه المشهور بالفروق ، ثم في كتاب خاص بالموضوع هو "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام".

    وبالاستفادة من مجموع تلك الجهود المتراكمة يمكن أن نقسم التصرفات النبوية -على العموم- إلى قسمين هما:

    1 ـ تصرفات تشريعية، وهي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو للاتباع والاقتداء. وهذه التصرفات التشريعية تنقسم بدورها إلى قسمين:

    ـ تصرفات بالتشريع العام، وهي تتوجه إلى الأمة كافة إلى يوم القيامة. وهي إما تصرفات بالتبليغ أو تصرفات بالفتيا.

    ـ تصرفات بالتشريع الخاص، وهي مرتبطة بزمان أو مكان أو أحوال أو أفراد معينين، وليست عامة للأمة كلها. ويدخل ضمنها التصرفات بالقضاء، والتصرفات بالإمامة، والتصرفات الخاصة. وهي ملزمة لمن توجهت إليهم فقط، وليس لغيرهم. ويسميها بعض العلماء بالتصرفات الجزئية أو التشريعات الجزئية أو الخطاب الجزئي.

    2 ـ تصرفات غير تشريعية، وهي تصرفات لا يقصد بها الاقتداء والاتباع، لا من عموم الأمة ولا من خصوص من توجهت إليهم. وقد أحصينا منها: التصرفات الجِبِلِّية والتصرفات العادية والتصرفات الدنيوية والتصرفات الإرشادية والتصرفات الخاصة به صلى الله عليه وسلم.

    ولهذا التقسيم فوائد عديدة في فقه الدين وفي التعامل مع الأحاديث النبوية. فلقد أصاب هذا التعامل البعض بنوع من عمى الألوان. فلم يفهموا أقواله وأفعاله إلا على طريقة واحدة، ولم ينظروا إليها إلا على أنها من لون واحد. وانغلقت داخل ألفاظ النصوص ومبانيها اللغوية، ولم تلتفت إلى الملابسات والقرائن المحيطة، ولم تعتبر كون كثير من تلك التصرفات النبوية تستجد بحسب النوازل والظروف، أو ترتبط بأسباب وأحوال خاصة. كما أنها لا تهتم بمقاصد التصرفات النبوية وأهدافها التشريعية والتربوية والدعوية... وعندما يغيب كل هذا، تصبح سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ وأحكاما مجردة، لا علاقة لها بواقع يتحرك، ولا ببشر يتدافع، ولا بطوارئ تستجد. إن الأمر يصبح كأنه تشريع يبنى في عالم مجرد لا علاقة له بتغيرات واقع اجتماعي وسياسي معين، بل ولا علاقة له حتى بطبيعة البشر.

    لكل هذا اعتبر شهاب الدين القرافي قاعدة الفرق بين التصرفات النبوية من الأصول الشرعية الجديرة بالمعرفة والاهتمام. فبعد أن سرد أنواع تصرفاته صلى الله عليه وسلم، والفرق بينها قال: "وعلى هذا القانون وهذه الفروق يتخرج ما يرد عليك من هذا الباب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم، فتأمل ذلك فهو من الأصول الشرعية" .

    كما أن ابن قيم الجوزية صاغ في الموضوع قاعدته المهمة: "لا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كليا عاما، ولا الكلي العام جزئيا خاصا، فيقع من الخطأ وخلاف الصواب ما يقع" .

                  

05-19-2005, 06:32 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    2-
    الإسلام.. والدولة المدنية

    د. سعد الدين العثماني **
    04/05/2005



    د. سعد الدين العثماني

    من القضايا التي تحتاج إلى مزيد مناقشة ودراسة لدى المهتمين بالتحولات في مجتمعاتنا: العلاقة بين الكوني والشرعي، وبين الوضعي والديني في ثقافتنا، وكيف نركز نظرة تجديدية تخرج من مأزق التعارض أو التنافر، إلى رحابة الانسجام والتكامل.

    ولذلك أطرح هنا السؤال حول مدى انسجام وجود الإسلام ومجتمع الإسلام مع دولة مدنية تنبني فيها الشرعية على إرادة الشعب، وتصدر فيها القوانين من قبل مؤسسات مخول لها ذلك بالانتخاب، وتتخذ قراراتها وفق المصلحة، مصلحة المجتمع، وبأقصى درجات الموضوعية الممكنة.

    وقد اخترت أساسا منهجيا للإجابة على هذا السؤال تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة، وسماتها لدى الأصوليين. إنها أساس منهجي يلقي الضوء على جوانب لم يُهتم بها بما يكفي لتطوير التجربة السياسية المعاصرة للمسلمين، وللخروج من سجن الكثير من التجارب التاريخية التي ربما تكبل انطلاقة كثير من المسلمين للاستفادة بقوة من التجربة الإنسانية المعاصرة.

    تنوع التصرفات النبوية

    لقد نُظر كثيرا إلى التصرفات النبوية على أنها من نوع واحد وعلى وزن واحد، وعلى أنها كلها وحي يُتبع. وقد بين كثير من العلماء والأصوليين خطأ هذه النظرة ومجافاتها لطبيعة التصرفات النبوية. وقام كثير منهم باقتراح تقسيمات لها، مثل أبي محمد ابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ) في كتابه "تأويل مختلف الحديث" ، والقاضي عياض اليحصبي (ت 544 هـ) في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" ، وابن قيم الجوزية (751هـ) في العديد من مؤلفاته، والعالم الهندي شاه ولي الله الدهلوي (ت 1176 هـ) في كتابه "حجة الله البالغة".


    التصرفات النبوية تنقسم على العموم إلى: تصرفات تشريعية وتصرفات غير تشريعية


    وممن أسهم في الموضوع من المعاصرين الشيخ محمد الطاهر بن عاشور صاحب "مقاصد الشريعة الإسلامية". لكن أكثرهم توسعا في بيان الفرق بين أنواع التصرفات النبوية، الأصولي الألمعي شهاب الدين القرافي (ت 684 هـ). وقد بث ذلك في العديد من كتبه مثل موسوعته الفقهية "الذخيرة" ، وكتابه المشهور بالفروق ، ثم في كتاب خاص بالموضوع هو "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام".

    وبالاستفادة من مجموع تلك الجهود المتراكمة يمكن أن نقسم التصرفات النبوية -على العموم- إلى قسمين هما:

    1 ـ تصرفات تشريعية، وهي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو للاتباع والاقتداء. وهذه التصرفات التشريعية تنقسم بدورها إلى قسمين:

    ـ تصرفات بالتشريع العام، وهي تتوجه إلى الأمة كافة إلى يوم القيامة. وهي إما تصرفات بالتبليغ أو تصرفات بالفتيا.

    ـ تصرفات بالتشريع الخاص، وهي مرتبطة بزمان أو مكان أو أحوال أو أفراد معينين، وليست عامة للأمة كلها. ويدخل ضمنها التصرفات بالقضاء، والتصرفات بالإمامة، والتصرفات الخاصة. وهي ملزمة لمن توجهت إليهم فقط، وليس لغيرهم. ويسميها بعض العلماء بالتصرفات الجزئية أو التشريعات الجزئية أو الخطاب الجزئي.

    2 ـ تصرفات غير تشريعية، وهي تصرفات لا يقصد بها الاقتداء والاتباع، لا من عموم الأمة ولا من خصوص من توجهت إليهم. وقد أحصينا منها: التصرفات الجِبِلِّية والتصرفات العادية والتصرفات الدنيوية والتصرفات الإرشادية والتصرفات الخاصة به صلى الله عليه وسلم.

    ولهذا التقسيم فوائد عديدة في فقه الدين وفي التعامل مع الأحاديث النبوية. فلقد أصاب هذا التعامل البعض بنوع من عمى الألوان. فلم يفهموا أقواله وأفعاله إلا على طريقة واحدة، ولم ينظروا إليها إلا على أنها من لون واحد. وانغلقت داخل ألفاظ النصوص ومبانيها اللغوية، ولم تلتفت إلى الملابسات والقرائن المحيطة، ولم تعتبر كون كثير من تلك التصرفات النبوية تستجد بحسب النوازل والظروف، أو ترتبط بأسباب وأحوال خاصة. كما أنها لا تهتم بمقاصد التصرفات النبوية وأهدافها التشريعية والتربوية والدعوية... وعندما يغيب كل هذا، تصبح سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ وأحكاما مجردة، لا علاقة لها بواقع يتحرك، ولا ببشر يتدافع، ولا بطوارئ تستجد. إن الأمر يصبح كأنه تشريع يبنى في عالم مجرد لا علاقة له بتغيرات واقع اجتماعي وسياسي معين، بل ولا علاقة له حتى بطبيعة البشر.

    لكل هذا اعتبر شهاب الدين القرافي قاعدة الفرق بين التصرفات النبوية من الأصول الشرعية الجديرة بالمعرفة والاهتمام. فبعد أن سرد أنواع تصرفاته صلى الله عليه وسلم، والفرق بينها قال: "وعلى هذا القانون وهذه الفروق يتخرج ما يرد عليك من هذا الباب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم، فتأمل ذلك فهو من الأصول الشرعية" .

    كما أن ابن قيم الجوزية صاغ في الموضوع قاعدته المهمة: "لا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كليا عاما، ولا الكلي العام جزئيا خاصا، فيقع من الخطأ وخلاف الصواب ما يقع" .

                  

05-19-2005, 06:34 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    3-
    التصرفات النبوية بالإمامة

    لننظر الآن إلى التصرفات النبوية بالإمامة وسماتها. تُعرف التصرفات النبوية بالإمامة بأنها تصرفاته صلى الله عليه وسلم بوصفه رئيسا للدولة يدير شئونها بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد، ويتخذ الإجراءات والقرارات الضرورية لتحقيق المقاصد الشرعية في المجتمع. ويسميها بعض العلماء تصرفات بالسياسة الشرعية أو بالإمارة .

    وقد درج بعض الأصوليين على الحديث عن المقام الذي يصدر عنه التصرف النبوي. وهو هنا "مقام الإمامة" أي موقع الرئاسة السياسية. ويميزونه عن المقامات الأخرى بميزات عديدة. فتصرف الرسول عليه السلام بالإمامة -عند القرافي- «وصف زائد على النبوة والرسالة والفتيا والقضاء» . فهو بالتالي مقام غير مقام النبوة والرسالة، وغير مقام الفتيا، وغير مقام القضاء. ويختلف هذا المقام عن المقامات الأخرى بأمرين اثنين :

    1- أن الإمام «هو الذي فوضت إليه السياسة العامة في الخلائق، وضبط معاقد المصالح ودرء المفاسد، وقمع الجناة، وقتل الطغاة، وتوطين العباد في البلاد…».

    2- أن الإمام يمتلك قوة التنفيذ، وهذا شيء لا يملكه المفتي ولا القاضي. والمقصود من الإمامة «إنما يحصل بالقدرة والسلطان» .

    لكن المهم هو أن نتوقف عند سمات التصرفات النبوية بالإمامة لنرى درجة الموضوعية التي يصر الأصوليون على التعامل بها معها. ويمكن حصر أهمها في أربع سمات هي:

    1ـ تصرفات تشريعية خاصة:


    --------------------------------------------------------------------------------

    تصرفات الرسول بالإمامة تصرفات جزئية مرتبطة بتدبير الواقع وسياسة المجتمع، فهي خاصة بزمانها ومكانها وظروفها.


    --------------------------------------------------------------------------------

    فتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة تصرفات جزئية مرتبطة بتدبير الواقع وسياسة المجتمع، فهي خاصة بزمانها ومكانها وظروفها. ولذلك يعبر عنها ابن القيم بأنها "سياسة جزئية" بحسب المصلحة "فيكون مصلحة للأمة في ذلك الوقت، وذلك المكان، وعلى تلك الحال" ، بينما يسميها الطاهر ابن عاشور "التشريعات الجزئية" .

    ومن ثم فهي ليست شرعا عاما ملزما للأمة إلى يوم القيامة. وعلى الأئمة وولاة الأمور بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يجمدوا عليها، وإنما عليهم أن يتبعوه صلى الله عليه وسلم في المنهج الذي بنى عليه تصرفاته وأن يراعوا المصالح الباعثة عليها، والتي راعاها النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ومكانا وحالا . وهو الأمر الذي عبر عنه القرافي بأن هذا النوع من التصرف النبوي "لا يجوز لأحد الإقدام عليه إلا بإذن إمام الوقت الحاضر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما فعله بطريق الإمامة ولا استبيح إلا بإذنه" .

    وهكذا فإن أمثال تلك التصرفات بالإمامة مفوضة إلى رأي الإمام أو الجهات المسئولة في المجتمع تراعي فيها مقاصد الشرع "حسب المصلحة التي راعاها النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ومكانا وحالا" . والجمود على تلك التصرفات النبوية على الرغم من قيام دواعي تغييرها خروج عن المراد الشرعي ومجافاة للسنة.

    فمثلا قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" -عند من يعتبره من العلماء تصرفا بالإمامة- تمليك منه صلى الله عليه وسلم للأرض الموات لمن يحييها في عهده. أما في غير عهده فإن الإمام أو الجهات المسئولة هي المخول لها أن تعطي هذا الحق أو تمنعه أو تنظمه بطريقة مغايرة حسب المصلحة، وهذا معنى قول أبي حنيفة: "الإحياء لا يكون إلا بإذن الإمام" .

    وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" -عند القرافي- تصرف مرتبط بمصلحة مؤقتة، فهو "إنما قاله صلى الله عليه وسلم لأن تلك الحالة كانت تقتضي ذلك، ترغيبا في القتال"، لذلك يقرر شهاب الدين القرافي أنه "متى رأى الإمام ذلك مصلحة قاله، ومتى لا تكون المصلحة تقتضي ذلك لا يقوله. ولا نعني بكونه تصرفا بالإمامة إلا ذلك القدر" .

    2- تصرفات مرتبطة بالمصالح العامة

    والسمة الثانية ذات الأهمية الكبيرة أن التصرفات بالإمامة تهدف إلى تحقيق المصالح العامة. لأنه لولا نَصْب الإمام -عند العز بن عبد السلام- "لفاتت المصالح الشاملة وتحققت المفاسد العامة" . ورئيس الدولة (أو الإمام) شرطه الأساس -لدى القرافي- أن يكون "عارفا بتدبير المصالح وسياسة الخلق". وإذا كان القضاء يعتمد الحجج والقرائن والبينات، والفتيا تعتمد الأدلة الشرعية، فإن التصرف بالإمامة «يعتمد المصلحة الراجحة أو الخالصة في حق الأمة» . والسبب في ذلك أن «الإمام هو الذي فوضت إليه السياسة العامة في الخلائق، وضبط معاقد المصالح، ودرء المفاسد، وقمع الجناة وقتل الطغاة وتوطين العباد في البلاد…» .

    ومن الأمثلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى مرة عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فقال لهم: "ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي"، وفي العام الموالي روجع صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى فكلوا وتصدقوا وادخروا" .

    فالحكم الأول بالنهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث إنما أصدره الرسول صلى الله عليه وسلم مراعاة للظروف الاقتصادية أو التموينية التي عاشتها المدينة لكثرة من وفد عليها، وذلك بقصد رفع الأزمة والتخفيف عن الناس، ويشهد له ما صرحت به عائشة في حديث آخر إذ قالت: "ما فعل ذلك إلا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغنيُّ الفقير" .

    فهذه مصلحة عامة اعتبرت في تغيير هذا الحكم الشرعي، لذلك ذهب أحمد محمد شاكر إلى "أنه تصرف منه -صلى الله عليه وسلم- على سبيل تصرف الإمام والحاكم فيما ينظر فيه لمصلحة الناس، وليس على سبيل التشريع في الأمر العام " .

    3- تصرفات اجتهادية


    --------------------------------------------------------------------------------

    عندما يتصرف الرسول بوصفه "إماما" أو قائدا سياسيا إنما يتصرف باجتهاده ورأيه الذي يمكن أن يصيب فيه أو يخطئ.


    --------------------------------------------------------------------------------

    فمن المتفق عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يبلغ عن الله أو عندما يبين الدين يتصرف وفق ما أوحي إليه به، أو وفق ما فهمه من الوحي مما لا يُقر فيه على خطأ. وعندما يتصرف بوصفه "إماما" أو قائدا سياسيا إنما يتصرف باجتهاده ورأيه الذي يمكن أن يصيب فيه أو يخطئ. وهذا الأمر الثاني يكاد يجمع عليه الأصوليون والفقهاء. وهذا ما حكاه محمد بن علي الشوكاني إذ يقول: "وأجمعوا أنه يجوز لهم (أي الأنبياء) الاجتهاد فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحوها، حكى هذا الإجماع سليم الرازي وابن حزم، وذلك كما قلت وقع من نبينا صلى الله عليه وسلم من إرادته بأن يصالح غطفان على ثمار المدينة، وكذلك ما كان قد عزم عليه من ترك تلقيح ثمار المدينة..." . ورجح هذا الرأي كل من أبي بكر الجصاص ، وأبي الحسين البصري ، وإمام الحرمين الجويني ، وفخر الدين الرازي . ونسبه تقي الدين ابن تيمية إلى ابن بطة الذي قال: "والدليل على أن سنته وأوامره قد كان فيها بغير وحي وأنها كانت بآرائه واختياره أنه قد عوتب على بعضها، ولو أُمر بها لما عوتب عليها، من ذلك حكمه في أسارى بدر، وأخذ الفدية، وإذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى تخلف من لا عذر له، ومنه قوله {وشاورهم في الأمر} (آل عمران/159) فلو كان وحيا لم يشاور فيه" .

    وهذا النص يشير إلى أمثلة من تصرفاته صلى الله عليه وسلم السياسية، وإلى أنها كانت عن اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ورأي.

    ومما يدل أيضا على أن تصرفاته صلى الله عليه وسلم بالإمامة راجعة إلى اجتهاده، مشاورته لأصحابه فيها. إذ لو كان مأمورا بالوحي في القضية المعروضة لما استشارهم . والواقع أنه كان ينزل عند رأيهم ويرجع إلى خبرائهم، كما كان يراجع ويناقش دون أي نكير.

    وكان الصحابة يميزون بين وظيفته صلى الله عليه وسلم بوصفه مبلغا للرسالة والوحي، ووظيفته بوصفه قائدا سياسيا وحربيا. وإذا اختلط عليهم الأمر سألوه فبين لهم. وذلك مثل ما تقدم من سؤال الحُباب بن المنذر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المكان الذي اختاره في بدر: أهو منزل أنزله الله إياه "أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟"، وسؤال السعدين في غزوة الخندق بقولهم: "يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا؟".

    4 - تصرفات في أمور غير "دينية":

    وهو معنى يعبر عنه القرافي بالتأكيد على أن حكم الحاكم يكون "فيما يقع فيه التنازع لمصالح الدنيا". وهو كما يقول: "احتراز من مسائل الاجتهاد في العبادات ونحوها، فإن التنازع فيها ليس لمصالح الدنيا بل لمصالح الآخرة، فلا جرم لا يدخلها حكم الحاكم أصلا" .

    وهذا التمييز بين ما هو لمصالح الدنيا وما هو لمصالح الآخرة مهم جدا، لكنه يجب أن يفهم في إطار النظرة الإسلامية الشاملة للعلاقة بين الدين والدنيا، وليس في إطار العلاقة الكنسية التي ورثها التصور الغربي. وقد وضعنا لفظ "دينية" بين مزدوجتين، لأننا نقصد به معنى خاصا للفظ الدين الذي يستعمل في النصوص الشرعية بمعنيين:


    --------------------------------------------------------------------------------

    الدين بمعناه الخاص: ما كان من تصرفات النبي عن وحي أو اجتهاد في مرتبة الوحي، والدنيا ما كان منه عن رأي واجتهاد محض.


    --------------------------------------------------------------------------------

    الأول عام، يشمل جميع أوجه نشاط المسلم وجميع الأعمال التي يأتيها بما فيها ممارسته السياسية. وهكذا فكل ما يفعله المسلم في حياته من عمل صالح فهو عبادة بمفهومها العام، وهو صدقة ما دامت نيته خالصة لله. وكل ذلك يدخل في مسمى الدين. ولذلك كانت كتب الفقه التي تتضمن أحكام الدين العملية تضم أبواب الصلاة والصيام والزكاة إلى جانب أحكام الأسرة والزواج والطلاق والإرث، والأبواب المرتبطة بالنشاط الاقتصادي مثل البيوع والربا والرهن والمزارعة والإجارة، إلى جانب الأبواب المرتبطة بالنشاط السياسي مثل الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والسير. وكل هذا كان يعتبر دينا. فهو هنا بمعنى كل عمل صالح نافع مفيد.

    المعنى الثاني للدين: خاص، يستعمل في مقابل الدنيا. كما ورد في الحديث المذكور: "إن كان من أمر دينكم فإلي، وإن كان من أمر دنياكم فشأنكم". وفي إحدى روايات الحديث توضيح لمعنى الدين هنا. فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فسأل عما يصنعون فقالوا: يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فتلقح، فقال: "ما أظن يغني ذلك شيئا". فتركوا التلقيح فلم يثمر، فأُخبر بذلك فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب عن الله". وفي حديث آخر: "إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر" . فالدين ما كان من تصرفاته عن وحي أو اجتهاد في مرتبة الوحي، والدنيا ما كان منه عن رأي واجتهاد محض.

    وأهمية التنصيص على انبناء التصرفات النبوية بالإمامة على مصالح الدنيا:

    إخراج لها من مسمى الدين بالمعنى الثاني. وهو دليل على وجود نوع من التمييز بين الدين والدنيا في الإسلام، وإبعاد الممارسة السياسية عن الممارسة الدينية المباشرة.

    كذلك هو يفيد في أن من مقاصد الإسلام إزالة أي نوع من القداسة عن الممارسة السياسية حتى لا يصير ذلك احتكارا لها باسم الدين، أو حجرا على الإبداع والانطلاق.

    كما أن هذا التمييز يفيد في إدراك ضرورة تغير التصرفات النبوية بالإمامة في حال تغير المصالح التي انبنت عليها. وهذا أمر متفق عليه.

    فتصرفات الرسول بالإمامة ليست ملزمة لأي جهة تشريعية، ولا يجوز الجمود عليها بحجة أنها (سنة). وإنما يجب على كل من تولى مسئولية سياسية أن يتبعه صلى الله عليه وسلم في المنهج الذي هو بناء التصرفات السياسية على ما يحقق المصالح المشروعة. كما لا يجوز لأحد أن ينشئ الأحكام بناء عليها إلا أن يكون في مقام التسيير والتشريع. ولذلك لما سرد ابن القيم نماذج من تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين بالسياسة الشرعية قال: "والمقصود أن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة يختلف باختلاف الأزمنة. فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة ولكل عذر وأجر. ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين".
                  

05-19-2005, 06:36 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    4-
    بناء الدولة المدنية:

    إن التصرفات النبوية بالإمامة بما هي تصرفات بالسياسة الشرعية، تفتح بابا واسعا لتجديد الفقه السياسي، وإعادة النظر -من زاوية جديدة- في كثير من قضاياه. كما تمكن من إرساء وعي منهجي في مجال السياسة الشرعية، وإشاعته بين المشتغلين بالإحياء الإسلامي نظرا وتطبيقا.

    ورغم أن التفرقة في الإسلام بين ما هو وحي وما هو نتاج بشري، بديهي ومعروف، وخصوصا فيما يتعلق بالممارسة السياسية، فإن الوعي بالتصرفات النبوية بالإمامة يوفر أساسا منهجيا مهمًّا وصلبا للعديد من القضايا المطروحة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، نذكر منها:

    1) الوعي بالتصرفات النبوية بالإمامة –وهي غير ملزمة- يوفر أساسا منهجيا مهمًّا وصلبا للعديد من القضايا المطروحة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر.



    الوعي بالتصرفات النبوية بالإمامة –وهي غير ملزمة- يوفر أساسا منهجيا مهمًّا وصلبا للعديد من القضايا المطروحة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر.


    تبين سمات التصرفات النبوية بالإمامة أن الدولة الإسلامية دولة مدنية، وليست دولة دينية بالمعنى المتعارف عليه في الفكر السياسي الغربي. فطبيعة التصرفات النبوية بالإمامة وسماتها توضح كيف أن الإسلام ينزع كل عصمة أو قداسة عن ممارسات الحكام وقراراتهم، كما ينزعها عن الوسائل التي تتوسل بها الدولة لإدارة شئون الأمة. لذلك فإن الدولة في الإسلام لا يمكن أن توصف بأنها دولة دينية لأنه لا توجد دولة دينية دون العصمة أو المعرفة النابعة من عالم الغيب أو من الوحي.

    الدولة في الإسلام إذن دولة دنيوية، قراراتها بشرية، واجبها تبني أقصى درجات الموضوعية والواقعية في تسيير شئون المجتمع، كما أن الحاكم في الإسلام، لا يستمد مشروعيته من قوة غيبية، بل هو فرد عادي يستمد ولايته من الأمة التي اختارته وكيلا عنها بمحض إرادتها وهو مسئول أمامها في الدنيا، فضلا عن مسئوليته أمام الله يوم القيامة.

    وحتى فقهاء السياسة المسلمون القدماء لم يشيروا إلا إلى هذه المعاني أثناء تعريفهم للسياسة الشرعية أو لوظائف الإمامة في الإسلام. لكن بعض كلامهم لم يفهم على وجهه الصحيح. فقد عرف أبو الحسن الماوردي الإمامة بأنها: "موضوعة لتقوم مقام النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا" . وقال عنها ابن خلدون: "نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به" . ثم قال: "وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في أمته". ويمكن لتعبير خلافة النبوة أن يدخل غموضا في معنى الإمامة لدى هؤلاء الفقهاء. لكن طبيعة التصرفات النبوية بالإمامة تبين أن أولي الأمر يخلفون النبي في وظيفة يتصرف فيها -هو نفسه- بصفته الدنيوية، بممارسات سياسية اجتهادية ليس النبي نفسه فيها معصوما، ولا يخلفونه -بإجماع- في صفته النبوية التي تقتضي تبليغ الوحي والتي هو معصوم فيها.

    2) لقد اتخذت العلاقة بين الديني والسياسي في فكرنا المعاصر صيغًا مختلفة ومتناقضة. لكنها اتخذت في الغرب نفسه أشكالا متباينة على الرغم من وجود قواسم مشتركة.

    ولا شك أنه من الضروري الاستعانة في مجال بناء نموذجنا في التجربة الديمقراطية بتجارب الآخرين. فالتجارب السياسية الإنسانية أعطت الكثير لاستقرار شعوبها وعقلنة إسهامها في تسيير شئونها. والقراءة المتفحصة والمتفهمة للتجربة السياسية الغربية تمكننا من إبداع نموذج يحقق الانسجام بين الشرعي والوضعي، ويستجيب لحاجياتنا الخاصة ويمكن من إنجاز التوافقات حولها. وهذا يحتاج إلى إزالة القداسة عن الجوانب المتعلقة بالسياسة من الدين، إذا استثنينا المبادئ العامة والمقاصد الكبرى، والباقي بشري دنيوي بشرية ودنيوية التصرفات النبوية بالإمامة.

    فبالنسبة لأساس الشرعية، يجمع الفقهاء الدستوريون المسلمون، قدماء ومحدثين، على أنه يعود للأمة أو الشعب. وأكبر دليل على ذلك هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه توفي ولم يعين أو يوص لأحد بعده بالحكم. فترك الأمر للناس، ليس فقط ليختاروا الشخص الذي يريدون، ولكن أيضا بالنهج الذي يرتضون. وهذه سابقة دستورية ذات دلالة، لصدورها من الرسول نفسه. لذلك فالحاكم تختاره الأمة بالطريقة التي ترضيها، والبيعة عقد بين الحاكم والمحكوم أساسه الرضا التام، ودونه لا عقد. لكن الحاكم على كل حال واحد من الأمة ولي مسئولية الحكم، فلا امتياز له بذلك، ولا يتصرف إلا بما يقتضيه عقده مع الأمة.

    وقد استفاض العلماء قديما وحديثا في الاستدلال للمسألة، لكني اكتفي باستدلال للإمام الشافعي. فقد تحدث عن الحديث: "ولا تقبل صلاة من أمَّ قوما وهم له كارهون... إلخ" فاستنتج منه كراهية أن يؤم الرجل جماعة يكرهونه. ثم طرد هذا المبدأ إلى الجانب السياسي قائلا: "وأكره للرجل أن يتولى قوما وهم له كارهون، وإن وليهم، والأكثر منهم لا يكرهونه، والأقل منهم يكرهونه، لم أكره ذلك إلا من وجه كراهية الولاية جملة" . وهذا استدلال بديع، فكما أنه لا يجوز أن يؤم إنسان جماعة في الصلاة وهم له كارهون، فمن باب أولى ألا يجوز أن يحكمهم وهم له كارهون.

    والمشروعية في التاريخ الإسلامي كانت في الغالب تستمد من الأمة بصورة من الصور. فتأسيس الدولة يتم على أنقاض دولة أخرى لم تنجح في تدبير الشئون بتحقيق مقاصد العدل والاستقرار داخليا، أو عجزت عن الدفاع عن الثغور ضد العدو الخارجي (لم تستطع حماية بيضة الإسلام وأرضه). فيقوم من يستنفر لتدارك الأمر، وإقامة دولة تستطيع ذلك. فيجتمع حوله الناس ويعينونه. إنه هنا يستمد المشروعية من الأمة بمعنى من المعاني، ما دام قام ليدافع عن مصالحها. وهو في ذلك مثل الدولة القومية أو الثورية المعاصرة في العالم العربي، والتي كانت تستجيب -بمعنى من المعاني- لتطلعات شعبية إلى التحرر وقطع دابر التبعية، أو إلى العدل الاجتماعي. لذلك حازت تعاطفا واسعا في بداية أمرها، لكنها بفعل عوامل ذاتية وموضوعية تحولت إلى دول قهر واستبداد وفشلت في تحقيق التحرر والعدالة الاجتماعية.

    إن قيام المشروعية على الاستجابة لحاجات ضرورية للأمة، هو ما عبّر عنه بكونه قياما على مشروعية دينية، لكن ليس بالمعنى التيوقراطي، لكن بمعنى أن قيامها رهين بقدرتها على حماية الدين، وإعزاز أمة الإسلام. وبمعنى آخر أنها دولة مدنية، ذات مشروعية شعبية، مكلفة بحماية دين الأمة، كما أن الدولة الوطنية الحديثة، دولة مكلفة بحماية الوطن والدفاع عن مصالحه.

    وإذا كان هذا منطبقا على أساس الشرعية في الدولة، فمن باب أولى أن ينطبق على المقتضيات الدستورية الأخرى من مثل ضبط المؤسسات السياسية، وانتخاب المسئولين، وتحديد مدد ولايتهم، والعلاقة بين السلطات واستقلاليتها وغير ذلك. فهي كلها أمور تخضع للاجتهاد البشري.

    3 ـ تاريخية التجربة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، وهي تجربة ظل الفكر الإسلامي المعاصر، السياسي والتشريعي، سجينا لها في كثير من الأحيان. إن التجربة الراشدية لا شك تجربة سامقة، لها في نفس كل مسلم الإجلال والتقدير. لكن هذا لا يجعلها تجربة تتجاوز الزمان والمكان والملابسات التي أملتها.

    فما دامت الممارسة السياسية النبوية نفسها نسبية، فمن باب أولى أن تكون التجربة الراشدية كذلك نسبية. وإذا كنا مأمورين بالاقتداء في مجال التصرفات النبوية السياسية بالمنهج العام دون الجمود على الأحكام الجزئية، فإن الاقتداء الذي أمرنا به للخلفاء الراشدين لا يمكن إلا أن يكون أيضا اقتداء بمنهجهم في التعامل مع كل نوع من التصرفات النبوية، وأسلوب تفاعلهم مع الواقع الإسلامي المتغير، وتنزيلهم للدين فيه.

    أما الأشكال المؤسساتية، والآليات الدستورية، والاجتهادات التشريعية والسياسية للفترة الراشدية، فإنها نتاج بشري محكوم بالسياق التاريخي والظروف الحضارية والمناخ الثقافي لعصرها. ويجب ألا تتحول إلى جزء من الدين يلزم به المسلمون على اختلاف عصورهم. والفكر السياسي البشري والمستوى الحضاري الإنساني كانت عنده مسلمات أثرت على فهم المسلمين للإسلام ونظامه السياسي. ولم تدعهم يحققون من مقاصده أكثر مما كان يسمح به المحيط الثقافي والحضاري الإنساني آنذاك، والقرآن وحي يأخذ منه الناس على قدر استعدادهم، ولن يستنفدوا مقاصده أبدا.

    وبعـد:

    إن كون الدولة في الإسلام دولة مدنية، تستمد مشروعيتها من مواطنيها، يجعل المسلمين منفتحين باستمرار لتطوير نموذج الحكم على حسب ما تبدعه البشرية من آليات ونظم، وقادرين على تمثيل النموذج الديمقراطي في أعلى صوره، بل وإغنائه بمبادئ وقيم تعطيه السمو الإيماني والعمق الاجتماعي والبعد الإنساني الواسع.
                  

05-19-2005, 06:37 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)
                  

05-12-2005, 09:42 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    uppp
                  

05-17-2005, 06:25 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العلمانية ومفهوم الهوية

    كمال غبريال GMT 18:30:00 2005 الإثنين 16 مايو
    أنه بالون سنظل ننفخ فيه حتى ينفجر في وجوهنا، فالمتابع الخارجي للخطاب الشائع في شرقنا الآن لابد ويستنتج أن مثقفي هذه المنطقة مصابون بالتهاب في "الهوية"، أو أن إحدى عظام الهوية قد انحشرت في حلوقنا، فصرنا غير قادرين على البلع أو التنفس، فلا يكاد يخلو خطاب زاعق لقومجي أو أصولي، من عبارات "التشبث بالهوية" و"الإشفاق على الهوية" و"محاولات محو الهوية"، ويدفع هذا البعض لتكبد مشاق رحلة إلى الماضي السحيق "للبحث عن الهوية"، أو لنفض الغبار عن هويته التي تم طمسها من قرون عديدة مضت، كأننا شعب لا يعاني إلا مشكلة الهوية، وكأن هويتنا الثمينة أصبحت محط أنظار العالم وحسده، يحاولون سلبنا إياها، حقداً علينا ورهبة من قوتنا في ظلالها الوارفة.
    الهوية من أخطر مفاهيم "مركزية الكلمة" و"الفكر المثالي" إيجاباً وسلباً في الماضي، وربما سلباً محضاً في الحاضر، فإن كان مفهوم الهوية قد لعب دوراً في إيقاظ وعي الشعوب، وتماسكها بما يدفعها لتحقيق ذاتها، فقد أدى أيضاً لتناحرها، وتدمير متبادل لإنجازاتها، عبر محاولة كل شعب تسييد هويته، دون التضخيم طبعاً من حجم الدور الذي لعبته الأفكار عبر التاريخ، على حساب حجم تأثير الدوافع المادية.
    ومع طبول العولمة بدأ يتردد في الشرق مفهوم الهوية، خوفاً عليها من مؤامرات الغرب لطمسها، حتى يتسيد علينا بهويته الكافرة الفاسقة، وتجسد في العلمانية الخطر الأكبر على منظومة الأفكار التي تنمو في مستنقعاتها مثل هذه الهواجس والهلاوس، فنالت النصيب الأكبر من الهجوم والتشنيع والنعت بالكفر، من سدنة الماضي والحاضر الراكد كبركة آسنة، ويقتضي الأمر ونحن نتقصى الشروخ في منظومتنا الفكرية، لننتقل من أسر المثالية التي طغت على حياتنا العملية، فصرنا نتعامل مع الواقع كما يتعامل النائم في أحلامه، إلى عالم الحقائق والعلمانية الكفيل بنقلنا إلى بداية الألفية الثالثة، مغادرين القرون الوسطى، التي علقنا في غياهبها، علينا أن نقلب أوراق مفهوم الهوية السائد في خطابنا، لنرى إن كنا قد أضفينا قداسة على مفاهيم لا تستدعي مجرد الاكتراث.
    رغم تباين مفهوم الهوية بين المهتمين بها، إلا أننا نستطيع أن نجمل تعريفها كالتالي:
    "هي مجموعة من الملامح الثقافية الأساسية والثابتة، تميز الجماعة عمن عداها، بحيث أن تجاهل واحداً أو أكثر منها يؤدي لتصدع كيان الجماعة الأدبي."
    هي بهذا جوهر ثابت ومحدد، ومستمر الوجود على مر التاريخ، بغض النظر عن مدى فعاليته في توجيه حياة الجماعة، ذلك المدى الذي قد يتضاءل إلى حد الكمون أو درجة الفعالية صفر، في مراحل الغزو الحضاري الكاسح مثلاً، ويصل إلى مستوى الفعالية التامة، في لحظات النهضة الأصولية الصافية، وما بين النقيضين النظريين من حالات عملية، تقترب من هذا القطب أو ذاك.
    الأصالة هنا قيمة، تقاس إيجابياً بمدى تطابقها مع الجوهر القابع في صفائه الماسي في مكان ما، أو بالأصح زمان ما من تاريخ الجماعة، ويترتب على هذا المفهوم ما يلي:
    • شدة الاستقطاب بين الأصالة وعدم الأصالة، الحق والباطل، الأبيض والأسود، بما لا يسمح بمساحة من الحرية والسماحية Tolerance، ويؤدي إلى أحادية النظرة.
    • بروز إشكالية تحديد مكان الجوهر (الهوية)، بمعنى زمانه التاريخي الذي يتيح توصيفه، كما في حالة تاريخ ممتد لآلاف السنين كتاريخ الشعب المصري، مر فيها بمراحل متباينة إلى حد التضاد، مما يضع على المحك المنهج المتبع لتحديد الفترة موضع الهوية، ويمكننا استعراض أربعة مناهج:
    1. منهج الاعتماد على الخيار الفكري السائد في اللحظة الراهنة: يتناقض هذا المنهج منطقياً مع مفهوم الهوية الأصولية، الذي يستمد مرجعيته من الماضي وليس الحاضر، مما يبطل الاعتماد على المناخ الفكري الحاضر لتحديد موقع الهوية بالاختيار من بين بدائل عديدة، حتى لو كانت كلها ماضوية، فسيبقى الاتهام الموجه لأي خيار هو شبهة دخول عناصر غير جوهرية، أي قادمة من تأثيرات خارجية لتحديد هوية الجوهري، وفي هذا تناقض منطقي، ينسف شرعية كل من المنهج والخيار.
    2. منهج الاختيار الانتقائي الذي تمارسه كل فئة في المجتمع وفقاً للأهواء والانتماءات، فهذا قد يرجع أربعة آلاف عام للوراء، وذاك يكتفي بالعودة أربعة عشر قرناً: يعني هذا المنهج الإقرار بتعدد الخيارات، وما هو متعدد يفقد صفة الجوهرية، أولاً لتناقض التعدد مع مفهوم الجوهرية، ثانياً لأن التعدد يعني القابلية للاستبدال، وما يستبدل ليس بجوهري.
    3. الاختيار على أساس "حكم قيمة"، لأزهى العصور في تاريخ الأمة: من الواضح تناقض هذا الأساس مع مفهوم "الهوية الأصولية" المعتمد على الصفات الجذرية، بغض النظر عن تقييم نتائجها العملية، علاوة على التناقض القائم من احتمال تدخل عناصر من تأثيرات خارجية في صياغة المواصفات التي تم على أساسها إصدار "حكم القيمة".
    هكذا ينسف التناقض المنطقي مع المفهوم هذه المناهج الثلاثة، التي لا يخفى أنها الأكثر جاذبية، بل هي الدافع لحماس أهل الهوية، ويبقى المنهج الأخير – الذي لن يتحمس له أحد – هو الوحيد المتسق منطقياً مع مفهومه.
    4. المنهج العلمي التحليلي للاختيار: يعتمد على تحليل المواصفات العامة والملامح الثقافية المشتركة للأمة في عصورها المتعاقبة، من واقع خطابها الثقافي وأدائها العملي وأسلوب حياتها، وطرق استجابتها لمتغيرات كل عصر، وتحديد الملامح الأصيلة، وتتبع فعاليتها في كل العصور، وعزل الملامح الدخيلة، وبحث تأثيراتها سلباً أو إيجاباً على الهوية الأصيلة.
    ونلاحظ على هذا المفهوم الماضوي للهوية، أياً كان منهج تحديدها ما يلي:
    • أن تقبع الهوية في الماضي يعني الانتماء للماضي زمانياً، والانعزال للتقوقع على الذات مكانياً، ليكون التطور محل اتهام "مبدئياً" وحتى يثبت العكس، فيدلل أنه لم يأت بجديد جذري، وأن الآباء والأجداد قد قالوا أو فعلوا مثل ما جاء به في مواقف مشابهة، وأن المسألة لا تعدو تنويع على اللحن الأساسي، أو مجرد تأويل عصري للأفكار والكلمات القديمة، في أحسن الأحوال، والادعاء بإمكانية تطور أبعد من ذلك في ضوء هذا المفهوم للهوية مجرد وهم، ومحاولات تلفيقية للجمع بين ما لا يجمع، بالربط بين التطور كاتجاه للأمام والسلفية كاتجاه للخلف، فتكون النتيجة "للخلف در" أو "محلك سر" ، وفي أحسن الأحوال ملليمترات قليلة للأمام، تعتبر رحيلاً في قطار الماضي السريع، إذا ما قورنت بمعدلات التطور العالمية.
    • يرافق هذا المفهوم دوجما – من أي نوع – تجسد الهوية، ليكون التشبث بطيفها ومقولاتها الوجه الآخر من العملة، ليروج كل من وجهيها للآخر.
    • التشبث بالهوية الأصولية يفضي في مداه الأقصى إلى العنصرية، كالنازية والفاشية وأسطورة شعب الله المختار وحزب الله وجنده وما شابه، وعلى الوجه الدوجماطيقي احتكار الحق، لتسود الكراهية على مستوى العاطفة، والتعالي والأستاذية أو الإمامة للعالم على مستوى الفكر، أي الشمولية في النظم السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإن رأينا الحياة هكذا سجن كبير، فإن البعض من المخلصين الصادقين مع المفهوم الأساسي سيعدونها المثل الأعلى، واليوتوبيا المأمولة، ولن يقلل من شأنهم أن نعدهم متطرفين، فالتطرف فيما نؤمن جميعاً أنه حق فضيلة، هذا هو المنطق وإن رغمت أنوف.
    • هنا يتصف الناس بالخنوع والتزام التقليد، والنفور من الجديد عقلياً ونفسياً على مستوى المناخ الثقافي، وتفريغ التطور المادي الذي تجبرهم عليه الحياة من محتواه القيمي على مستوى الممارسة العملية، وبصفة عامة تتجسد في ظل الهوية الأصولية، الدوجماطيقية أو الوطنية، أخطر مثالب "مركزية الكلمة"، ضمور وجمود وتخلف حضاري وعنف، لكن من يتمسك بالمبادئ عليه بطيب خاطر أن يقبل نتائجها، ومن يرفض النتائج عليه أن يعيد النظر في المبادئ التي أثمرتها.
    هل يأتي يوم نتوقف فيه عن توظيف الفكر المثالي في نظرتنا لأنفسنا وللعالم، ونستيقظ على واقع لا يستجيب إلا للنهج العلماني، القادر وحده على ترويض المادة، وجعلها أداة طيعة بين أصابعنا العبقرية، وهل لنا نكف عن النظر لأنفسنا كأسرى لحجر صلد مقدس يقبع في الماضي، ويقف حائلاً بيننا وبين المستقبل، يوم نرى فيه هويتنا أمامنا، فيما نستطيع أن نحققه، ويحققه أولادنا وأحفادنا من إنجازات، وما يكتشفونه في، أنفسهم من قدرات وإمكانيات، لم يتح لها الماضي التشكل والفعالية، تماماً كما يحدث في مراحل حياة الإنسان الفرد، فحصر مواصفاته وقدراته في مرحلة الطفولة أو الشباب وحدها، غبن وتجميد ومصادرة على النمو الطبيعي، والمستمر في حياة الأمم إلى مالانهاية، يوم ندرك فيه أن هويتنا ليست في أي مكان من الماضي مهما كانت قداسته، لكن بعضها موجود في مواصفات ونزعات الناس الموجودين هنا والآن، والباقي ستكشف عنه الأيام عبر تفاعلنا مع العالم المحيط بتغيراته وانقلاباته، وأن أي قداسة نصبغها على هويتنا المدعاة ستكون على حساب تقدمنا وتطورنا في عالم لا يعرف الثبات؟!!

                  

05-17-2005, 06:33 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    تحياتي
    وحواري حول العلمانية مع الأخ محمد عبدالقادر سبيل في هذا البوست
    جماعة مجهولة تهدر دم الصحفي السوداني المتهم بسب الرسول وتهدد القضاة ووزير الإرشاد
                  

05-17-2005, 06:38 AM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: خالد عويس)

    خالص التحايا
    الزميل العزيز
    Sabri Elshareef


    Quote: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية

    تحية طيبة
    للمساهمة بشكل اكبر في تعزيز العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية سيقوم الحوار المتمدن بسلسلة من النشاطات :
    1 - اطلاق حملة/حوار من أجل الشروع بعمل مشترك لقوى اليسار والعلمانية والديمقراطية في العراق , نتطلع الى مساهماتكم والحوار حول الموضوع .

    http://www.rezgar.com/camp/i.asp?id=36

    الحوار المتمدن يقدم جزيل الشكر لكل الاتجاهات والشخصيات التى ساهمت في صياغة نص الحملة

    2 - فتح محور دائمي - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية والعلمانية في العالم العربي .

    http://www.rezgar.com/debat/show.cat.asp?cid=194



    3 - اجراء مقابلات مع الجهات والشخصيات اليسارية والعلمانية والديمقراطية في العالم العربي حول الموضوع .

    4 - اصدار عدد خاص - ملف .

    مقترحاتكم حول الموضوع مرحب بها ونتطلع الى مشاركتكم

    مع كل التقدير

    هيئة ادارة الحوار المتمدن

    اول صحيفة يسارية - علمانية الكترونية يومية مستقلة في العالم العربي

    http://www.rezgar.com
                  

05-17-2005, 06:46 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الفكر العلماني وصياغة العلاقات بين البشر بصورة إنسانية

    أ. منير شفيق: كاتب ومفكر إسلامي
    07/8/2001


    يطرح المفكر العلماني العربي البارز"علي حرب" في كتابه: "حديث النهايات" مجموعة كبيرة من المقولات والأحكام التي تحتاج إلى وقفات متتالية، ولكن يمكن أن نأخذ نموذجاً على ما انتهى إليه. فهو قد قام بتبيين كيف أن الأفكار والنظريات والمذاهب التي انتهجها الغرب قد تسللت إلى وعينا وعقولنا، فمقولات مثل الديمقراطية والعقلانية والتقدم والعلمنة والأنسنة والحداثة وحقوق الإنسان وحرية الفرد - تشكل الانقلاب على النظرة اللاهوتية للكون والإنسان والعالم.

    ثم يصل به القول إلى أن أنسنة العلاقات بين البشر في عصر المعلومة والعولمة مستحيلة بالعودة إلى تراثنا، ويخص بدراسته التشريعات وأحوال الإنسان في العصر المملوكي والمجتمع الأبوي (الذي يسلم قيادته لحاكم مستبد ذو نزعة تراحمية) والفكر اللاهوتي (الفكر المبني على نظرية معرفة تعد الكتب السماوية طرفاً بارزاً فيها).

    نحن هنا أمام نموذج آخر من نماذج فكر العلمنة والحداثة في بلادنا. فعلي حرب يمثل قمة من قمم العلمانية والحداثة.

    يجب أن نلاحظ بادئ ذي بدء أنه يستخدم وصف النظرة اللاهوتية للعالم والكون والإنسان في سياق يتسم بالغموض.. فهل يعني النظرة اللاهوتية الكاثوليكية انسياقاً مع وصف المدرسة الأنجلوسكسونية (البروتستانتية)، أو النظرة التنويرية المعادية للكنيسة الكاثوليكية حصراً في تجربة الغرب (التي لم تر الديانة المسيحية قادرة على مواكبة العصر)، أم يعمم النظرة اللاهوتية مدرجاً بها –بصورة مواربة- النظرة الإسلامية؟

    ولكي لا يبدو السؤال السابق تجنياً، فهو يستعيد استخدام عبارة الفكر اللاهوتي الاصطفائي في سياق إشارته إلى التشريعات والإنسان في العصر المملوكي، والمجتمع الأبوي، والفكر اللاهوتي؛ الأمر الذي يسمح بالقول إنه يعمم ولا يخصص، ومع ذلك لنرد بطريقة تبين أن الإسلام يستطيع أن يؤنسن أو يسهم في أنسنة العلاقات بين البشر في المعلومة والعولمة.

    النقطة الأولى التي يجب حسمها هي كيف يمكن أن يُعزى للغرب إدخال مقولات مثل الديمقراطية والعقلانية والتقدم والعلمنة والأنسنة والحداثة، وحقوق الإنسان وحرية الفرد، ولا أدري لماذا نسي المعرفة العلمية والمنهج العلمي والعدالة والإخاء والمساواة، في منظومتنا الفكرية، كأنها الجديد الذي لم نسمع به أو بمثله قط.

    استيراد الثقافة والمفاهيم

    ربما يمكن أن نقبل أن بعض المفاهيم لم تستخدم في تراثنا العربي والإسلامي بنفس الألفاظ والكلمات أو المعاني التي أثّر الغرب في إدراجها ضمن حواراتنا، أو لدى فكر البعض، وهو ما جعلها جزءاً من أيديولوجياتهم ونظرتهم إلى تاريخنا وإلى العالم والإنسان وإلى قضايانا المعاصرة.

    ولكن كيف لا نلاحظ أن كثيراً من المحتويات التي تتضمنها تلك المقولات قد أشبعها الإسلام والفقه الإسلامي والفكر الإسلامي تأكيداً أو دراسة وتمحيصاً. ولنبدأ بأشدها عمومية مثل العقلانية، وقد استُخدمت في القرآن والحديث بمعنى يعقل، ويستخدم عقله، أو لا يستخدمه في معرض الذم أو التوبيخ والتذكير في عشرات المناسبات والأحوال. فكيف يقبل أن تسوّق لنا تحت اسم عقلانية؟ ولدينا ما نقوله الكثير في أبعاد هذا المفهوم كما نشأ في الغرب وتُرجم عملياً، ليس من خلال صورة واحدة وإنما من خلال صوره المختلفة.

    وإذا جئنا إلى إشكالية الديمقراطية وفككناها إلى عناصرها الأساسية، فسنجد جملة من المعاني التي للإسلام فيها من الفهم ما هو أعمق وأبعد مدى، فلا أحد يستطيع أن يصحح مفهوم الإسلام للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو بين الخليفة وجماعة المسلمين، أو حقوق الأمة أو مقومات الحكم العادل، إما إذا جاءت التجربة الغربية ببعض تطبيقات الديمقراطية كالانتخاب المباشر والتعددية السياسية والتداول على السلطة، أو حرية إبداء الرأي والمشاركة -فهذا لا يجعلها مقولات تستحق أن تحل مكان إسلامنا كما حلت مكان النظرة اللاهوتية في الغرب، بل ثمة شكوك في كونها قابلة للنقل عندنا بالطريقة نفسها.

    أما إذ جئنا إلى حقوق الإنسان أو حرية الفرد والأنسنة: فنحن حتى يومنا هذا نجد عند الإسلام ما يتفوق على ما عند الغرب من مقولات، فشتان بين ما وصله الغرب من غلو في تحديد حرية الفرد أو حقوق الإنسان وصولاً إلى إقرار حق المثليين (الشواذ) في الزواج، وفي اعتبار كل من يظلهما سقف واحد زوجين، أو المضي بحرية الفرد إلى حق أن يمتلك أكثر ما يمتلكه ألف مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر، وبين الإسلام في توازنه ودقته في تناول تلك القضايا، بل حتى في مسألة عدم التمسك بالتقاليد البالية أو بما وجدنا عليه آباءنا إن كان منحرفاً، أو خاملاً، أو جاهلاً.. فإن الإسلام دعا أول ما دعا إلى ترك كل ذلك وأخذ موقفاً نقدياً منه، وأحدث التغيير العميق والجذري إلى الأفضل في مجتمع الجزيرة العربية، وحيثما رفع لواءه، وهو ما يجدر بأن يسمى العقلانية، بغض النظر عن المحتوى والمعنى والمضمون الإنساني.

    العولمة ضد الإسلام

    أما على المستوى القول بأن أنسنة العلاقات بين البشر في عصر المعلومة والعولمة مستحيلة بالعودة إلى ما عرفه تاريخنا من تشريعات وأنساق، فلا أدري لماذا حصر ذلك في عصر المماليك والمجتمع الأبوي والفكري اللاهوتي، ولم يشر إلى المرجعية الإسلامية وما خلّفته من تراث علمي وحضاري وإنساني وثقافي ونماذج تاريخية؟. فالذين يتصدون إلى المناداة بأنسنة العلاقات بين البشر أمام هجمة العولمة المتوحشة إنما هم القائلون بالمرجعية الإسلامية وتراثها المضيء وليس بمرجعية العصر المملوكي، أو المجتمع الأبوي ناهيك عن الفكر اللاهوتي.

    على كلٍ: إن أنسنة العلاقات بين البشر يجب أن تبدأ أول ما تبدأ بأنسنة علاقة الغرب (المقصود اتجاهاته الرئيسية العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية) بشعوب العالم خارجه. وقد أثبتت الحضارة الغربية والثقافة الغربية منذ عصر التنوير حتى الآن أنهما عاجزتان عن أنسنة علاقة الغرب بمن هم خارجه (أي بغير الغرب).

    فالإبادة التي مارسها أبطال عصر الأنوار (فاتحة النهضة الأوربية) في إبادة الهنود الحمر في الأمريكيتين، أو في سوْق الأفارقة عبيداً إلى أمريكا الشمالية، وعمليات النهب والإفقار التي مارسها المغامرون الأوروبيون الأوائل، مروراً بالاستعمار المنظم من خلال الدولة، وانتهاء بالإمبريالية، واليوم بالعولمة، وما يجري الآن من فرض أنظمة عولمية على شعوب العالم الثالث؛ مما سيزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، بل ما سيعرِّض عشرات الملايين إلى الإبادة ومئات الملايين إلى الفقر المدقع، والبيئة إلى الدمار -إن كل هذا يثبت أن ما لدى الغرب من بضاعة ثقافية وعلمية وإنسانية وحقوقية ومقلات ديمقراطية لم تستطع – طوال خمسمائة عام – أن تؤنسن علاقات الغرب بالشعوب الأخرى التي تمثل الأغلبية الساحقة من البشر، وهي اليوم مع الشركات متعددة الجنسيات متعدية الحدود أشد عجزاً عن فعل ذلك.

    ولهذا فليس من حق الإسلام وعلمائه ومفكريه وقادة شعوبه وصحوته أن يوالوا فكرة أنسنة العلاقات بين البشر، ففي مخزون الإسلام الكثير والكثير ليقدمه؛ ليس في هذا المجال فحسب، بل في كل مجال يهمّ البشرية.. وليس لصالح الناقدين للعولمة والحداثة وما بعد الحداثة من علماء الغرب ومفكريه وشبابه الذين أدانوا العولمة وتظاهروا ضدها فحسب، وإنما أيضاً لحق كل شعوب العالم خارج الغرب التي من حقها أن تكون لها كلمتها في أنسنة العلاقات بين البشر.


    source:islamonline.net
                  

05-17-2005, 02:11 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    تحياتي

    الاديب خالد عويس

    شكرا للفت النظر للعمل علي فضح خطاب الهوس الديني


    معتز تروتسكي تشكر للعناوين


    محمود الدقم شكرا للموضوع لكن الدولة الدينية شمسها

    علي مغيب وصبح الحريات وحقوق الانسان قرب

    فرتك ضفايرك للرزاز

    جيت العصافير قربت


    فكر ترابي وزنداي ومهلاوي وبن لادن وقرضاوي وهلم جرا

    مصيروا ان يدخل متحف العداء للانسان

    وسبحان الله الذي اخرج الناس من الظلمات
                  

05-18-2005, 04:55 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    1-الدولة في الفكر الإسلامي
    الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر*

    إبراهيم غرايبة **
    20/10/2004

    islamonline.net

    يتناول هذا الكتاب علاقة الديني بالسياسي في وعي النخب الفكرية الحديثة والمعاصرة: كيف تمثلها هذا الوعي؟ وكيف عبر عنها خلال قرن ونصف القرن؟ وهي المسألة التي انعقدت فيها كافة القضايا المتصلة بمسائل الاجتماع السياسي والاجتماع الديني، في مجتمعات العالمين العربي والإسلامي.

    وقد شغلت نخب الفكر الإسلامي بأسباب هزيمة المسلمين أمام زحف أوربا الظافر. وقد أدى هذا الإدمان في فهم أسباب وعوامل التردي إلى غلبة السياسي على الفكر الإسلامي، وانصراف المثقفين والفقهاء وعلماء الدين والدعاة والمؤرخين ورجال الدولة إلى الفكر السياسي الذي خرج من سياق علم السياسة ليتحول إلى شأن عام يتعاطاه كل الكتاب.

    وصار الإنتاج الفكري غزيرا في الكم، فقيرا في النوعية، يصفه المؤلف باللغو الأيديولوجي في مسائل مستغلقة على غير أهلها من المالكين شرائط النظر والفحص.

    ويغطي الكتاب بالمراجعة والتحليل الإنتاج الفكري الإسلامي عبر خمسة أجيال من المفكرين. وهي الجيل الإصلاحي الأول، مثل رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. والجيل الإصلاحي المتأخر أو الثاني، مثل عبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا والنائيني. والجيل الثالث مثل عبد الحميد بن باديس وعلي عبد الرازق وحسن البنا وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي والخميني وعلال الفاسي ومحمد الغزالي وسيد قطب وحسن الهضيبي. والجيل الرابع، مثل سيد قطب ومحمد قطب ويوسف القرضاوي ومصطفى السباعي وعبد السلام ياسين. والجيل الخامس، مثل عبد السلام فرج وراشد الغنوشي وحسن الترابي (مخضرم) وفهمي هويدي ومحمد عمارة.

    ولم تكن الأجيال وخاصة الثالث والرابع والخامس متوافقة فكريا، ولكنها ظهرت في مرحلة زمنية واحدة. فقد شهدت اختلافات فكرية بلغت في المراحل المتأخرة إلى حد التباعد مسافات فلكية، كالفرق مثلا بين راشد الغنوشي ومحمد سليم العوا، وبين عبد السلام فرج وشكري مصطفى.

                  

05-18-2005, 04:57 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    2-الدولة والإصلاح


    كان هدف الإصلاحيين من طرح الدولة هو الإصلاح والنهضة والبحث في أسباب تقدم الغرب وتراجع المسلمين، والدفاع عن فكرة الدولة الوطنية ونموذجها كبديل لدولة الخلافة.


    طرح الإصلاحيون قضية الدولة بعد قرون من إقفال موضوعها. وكان الهدف من طرحها هو الإصلاح والنهضة والبحث في أسباب تقدم الغرب وتراجع المسلمين، والدفاع عن فكرة الدولة الوطنية ونموذجها كبديل لدولة الخلافة.

    وكان هذا التفكير انقلابا في البناء الفكري الإسلامي الموروث، وكان ثمة تقدير عام لدى نخب الفكر الإسلامي بأن الخلل الذي أصاب بنى المجتمعات الإسلامية ومدنيتها عموما إنما مرده إلى عوامل سياسية، في المقام الأول إلى دولها ونظمها السياسية على وجه التحديد.

    ومثَّل النموذج الأوربي للدولة الوطنية الحديثة اللحظة الأولى للتفكير الإصلاحي. ولم يتعرف الإصلاحيون المسلمون على هذه الدولة من خلال الفكر الليبرالي الأوربي ومنظومته النظرية السياسية، بل تعرفوا عليها في سياق الضغط الأجنبي والاحتلال والإدارة الاستعمارية، ومعاينة نموذجها السياسي لأنه التحدي الذي أظهر موطن القوة في أوربا وهو دولتها الحديثة.

    وكانت تجربة محمد علي الإصلاحية وإقامة دولة وطنية حديثة في مصر اللحظة الثانية في مسار الفكر الإسلامي الإصلاحي، ثم تجربة التنظيمات العثمانية التي أقدمت عليها دولة بني عثمان لإصلاح الدولة وتطويرها.

    الإصلاح والاستبداد.

    بدأ الفكر الإسلامي الإصلاحي بنقد الاستبداد والدعوة إلى الحرية، وكان المفكرون الإصلاحيون مثل رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي يرون أن العدل والحرية يتحققان بالدولة الوطنية.

    وجاء بعد الطهطاوي والتونسي جمال الدين الأفغاني الذي كان يسعى في إصلاح الدولة العثمانية، على أساس الشورى واللامركزية ومقاومة الاستبداد.

    وجاء بعد الأفغاني تلميذه محمد عبده الذي وضع عنوان الإصلاح في نظام مدني يفصل بين الدين والسلطان، فالإسلام برأيه نظام مدني.

    وتصدى للاستبداد السياسي أيضا في تلك المرحلة عبد الرحمن الكواكبي ومحمد حسين النائيني، وظهرت الدعوة إلى الدستور المدون للدولة أو الدولة الدستورية.

    فالإصلاحية الإسلامية في القرن التاسع عشر كانت تسعى إلى إصلاح الدولة العثمانية وليس محاربتها أو تقويضها، ولكن السعي لتكون دولة دستورية عادلة تستوعب نموذج الدولة الحديثة في أوربا. ثم تحولت إلى نقد الاستبداد بعدما تخلت الدولة العثمانية عن الإصلاحات التي بدأت بها وسميت التنظيمات، والدعوة إلى فك العلاقة بين السلطة السياسية والدين، وتحرير المجال السياسي من الاستثمار الديني، والدعوة إلى نظام دستوري وثقافة الحرية.

    العودة إلى فكر الخلافة.

    شهدت العشرينيات من القرن العشرين عودة إلى الدعوة إلى الخلافة، بعدما حققت فكرة الدولة الوطنية عنفوانا مع التيار الليبرالي في مصر، وخاصة في كتابات لطفي السيد. وكان رائد دعوة الخلافة هو رشيد رضا تلميذ الشيخ محمد عبده وزميله الأقرب في معركة الإصلاح، وكان كتابه "الخلافة أو الإمامة العظمى" النص المؤسس لهذه الدعوة.

    وربما كان من أسباب ذلك إلغاء الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924.

    وتخلت المسألة السياسية الإسلامية عن الدولة الوطنية التي أرستها الإصلاحية الإسلامية، وتخلت عن منظومة المفاهيم السياسية الليبرالية الحديثة لتتحول إلى منظومة السياسة.


    كان خطاب رشيد رضا تأسيسيًّا لما سيلحقه، وخاصة فكرة الدولة الإسلامية التي صاغها البنا ومفكرو الإخوان.

    الشرعية.

    واتسم خطاب رشيد رضا - برأي المؤلف - بثلاث سمات:-

    1- أنه خطاب استرجاعي لنصوص الماوردي وابن تيمية وابن القيم.

    2- أنه يمثل قطيعة مع القراءة الإصلاحية للمفاهيم السياسية الشرعية.

    3- أنه كان خطابا تأسيسيا لما سيلحقه ويبنى عليه، وخاصة فكرة الدولة الإسلامية التي صاغها حسن البنا ومفكرو الإخوان المسلمين.
                  

05-18-2005, 04:59 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    3-في نقد نظرية الخلافة:-

    يميز ابن خلدون بين ثلاثة أنماط للحكم هي: الملك الطبيعي، والملك السياسي، والخلافة. وعرف الخلافة بأنها "حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها"، ولم تتحقق الخلافة إلا في عهد الخلفاء الراشدين ثم تحولت إلى ملك.

    وظهرت مع سقوط الخلافة أفكار ونظريات لا ترى في الخلافة شيئا من الإسلام، "بل إن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة، وبريء من كل ما هيؤوا حولها من رغبة ورهبة ومن عز وقوة". ذلك هو الشيخ الأزهري المتمرد على منظومة السياسة الشرعية علي عبد الرازق.

    وتنتظم في خطاب علي عبد الرازق في مسألة الخلافة أربعة موضوعات، وهي نظام الخلافة ويقوم على سلطة مطلقة لا شرعية لها من وجهة نظر الإسلام ولا يجيزها. فالحكومة في الإسلام كما يراها علي عبد الرازق ذات طابع مدني سياسي. والخلافة والقضاء وغيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة ليست في شيء من الخطط الدينية، وإنما هي خطط سياسية صرفة تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة.

    ويشارك عبدَ الرازق الرأيَ علماء آخرون، مثل الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي يرى أن الخلافة صارت مستحيلة ودخلت في طور الامتناع منذ انهارت مركزيتها.

    من الدولة الإسلامية إلى الدولة الدينية يمثل حسن البنا تيارا قويا يناضل في مواجهة الفصل بين الدين والدولة، ويدعو إلى الربط بينهما. فيقول في رسائله: إن الإخوان المسلمين يعتقدون أن الخلافة من الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها. والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، والأحاديث الواردة في وجوب نصب الإمام وبيان حكم الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها لا تدع مجالا للشك في أن واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن مناهجها ثم ألغيت، والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن الأمر يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات. فلا بد من تعاون عام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنه الاجتماع على "الإمام" الذي هو واسطة العقد.

    ولكن حسن البنا لم يشغل بالخلافة إلا في إشارات قليلة يحكمها تقدير صريح بأنها مسألة مؤجلة، وإن كانت مسألة شرعية لا سبيل لإسقاط التكليف الديني بأمرها.

    ويحرص الإسلاميون المعاصرون -وخاصة الذين يستندون إلى فكر حسن البنا وتراث الإخوان المسلمين- على التشديد على الفواصل والتمايزات بين مفهوم الدولة الإسلامية ومفهوم الدولة الدينية، فالثانية غريبة عن تعاليم الإسلام وتجربته السياسية.

    بل نجد نصوصا للبنا ذات موقف إيجابي من الدستور كوثيقة وعلاقة سياسية، وإن كان يقدم ملاحظات انتقادية على الدستور المصري فيقول: "إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعوب ومحاسبتهم على ما يفعلون، وبيان حدود كل سلطة من السلطات. هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم. ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاما آخر".
                  

05-18-2005, 05:16 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    2-الجهاد والحرب في الممارسة

    ممارسة الجهاد والحرب أبرز ما تظهر في عدد القتلى وحجم الأضرار، وقضية الأسرى، وتصرفات ما بعد الحرب، وتبقى القضية الأهم معايير النصر والهزيمة في مفهومي "الجهاد" و"الحرب".

    ممارسة "الجهاد" تبقى محصورة في محدِّدات الأهداف والغايات التي تكمن في الإجابة على سؤال "لماذا…؟"، والتي تأخذ شكل مطالب قبل أو أثناء أو بعد القتال، وشرحنا سابقًا أن إجماع المسلمين على أن "الجهاد" هو في "سبيل الله"، ولإعلاء كلمته.. ينحصر في هدف واضح ومحدد هو "الدعوة" إلى الدين/ الإسلام، وبسط سلطانه على الناس (يمكن التعبير عنه بهيمنة الإسلام كنظام لا كعقيدة)، من هنا لم يكن الهدف "الإضرار" أو التشفي (جمهور الفقهاء متفق على أن مجاهدة العدو لأجل كونه محاربًا)، ولم يكن الهدف إعمال القتل في العدو (يجب إيقاف الجهاد في حالة إسلام العدو أو استسلامه)؛ لأن الهدف إصلاحه لا إلغاؤه، وإجباره على ممارسة التسامح لا إفناؤه.

    إنه إذن قتال من أجل فكرة/ مبدأ ديني أخلاقي يحتكم في أدواته ووسائله إلى ميثاق الوحي الإلهي: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدين كلُّه لله" (الأنفال 39). وفي الحديث: "أيها الناس لا تَمَنَّوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" (رواه البخاري). ومن الفقهاء من صرَّح بأن "وجوب الجهاد [أي القتال] وجوب الوسائل لا المقاصد؛ إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية وما سواها من الشهادة، وأما قتل الكفار فليس بمقصود حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد2"، ولعل هذا الأمر هو الدلالة الأساسية لقول الحق جل وعلا في سورة البقرة: ".. لا إكراه في الدين.." (البقرة: 256).

    وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أَمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تَغُلوا ولا تغدروا، ولا تُمَثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيتَ عدوك من المشركين فادعُهم إلى ثلاث خصال، فأيتَهنَّ أجابوك فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم". (رواه مسلم ومالك).

    وفي فتح مكة قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا لا يُجهَزنّ على جريح، ولا يُتبعنّ مدبر، ولا يُقتلنّ أسير، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن". (رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي).

    ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة مقتولة بالطائف فقال: "ألم أَنهَ عن قتل النساء؟! من صاحبُ هذه المرأة المقتولة؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني. فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تُوارى" (رواه البيهقي).

    وأوصى أبو بكر -رضي الله عنه- أمير جيشه إلى الشام بعشرٍ: "لا تقتلنّ امرأة، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هَرِمًا، ولا تقطعنّ شجرًا مثمرًا، ولا تخربنّ عامرًا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعيرًا، ولا تحرقنَّ نخلاً، ولا تُغرقنَّه، ولا تَغلُل، ولا تجبُن". (رواه مالك في الموطأ).

    وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول عند عقد الألوية : "... فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبُنوا عند اللقاء، ولا تمثّلوا عند القدرة، ولا تُسرفوا عند الظهور [أي الغَلَبة]، ولا تقتلوا هرِمًا ولا امرأة ولا وليدًا، وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند شن الغارات". (عيون الأخبار لابن قتيبة).

    وبخصوص معاملة الأسرى في ممارسة "الجهاد" يروي أبو عزيز بن عُمير: "كنت في رهْط من الأنصار حين أقبلوا بي [أسيرًا] في بدر، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز، وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم بنا. ما يقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها على أحدهم فيردها عليّ ما يمسها". (رواه الطبراني، واللفظ للطبري في التاريخ وابن هشام في السيرة).

    وبخصوص جثث القتلى في ممارسة "الجهاد"، فلم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ترك جثة بعد القتال دون أن يأمر بمواراتها؛ فقد أمر بمواراة قتلى قريش في "غزوة بدر"، حتى قال الإمام ابن حزم: "دَفن الكافر الحربي وغيره: فرض؛ لأن ترك الإنسان لا يُدفن مُثْلَة"، وقد صحَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المُثْلَة (التمثيل بجثث العدو)3.

    ويمكن إجمال مبادئ الجهاد في الإسلام بالآتي:

    أ - وجوب الوفاء بالعهد: ففي القرآن: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْد" [الإسراء: 34]، وفي الحديث: "لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به بقدر غُدرته" (رواه البخاري ومسلم).

    ب - احترام الإنسانية: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم" (الإسراء: 70)، وفي الحديث: "إياكم والمُثلَة". وكذلك حكم الفقهاء بأنه لا يجوز التجويع والإظماء في الجهاد.

    جـ - الحرب لا تُحلّ حرامًا؛ فقد كتب عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما-: "آمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم.. واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله تعالى يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله".

    أين يفترق المفهومان: الجهاد والحرب؟

    وإذا كانت ممارسة "الجهاد" محصورة في "المبادئ"، فإن ممارسة "الحرب" تبقى على الدوام محصورة في "المصالح"، وتتم التضحية في سبيلها بكل القيم الإنسانية والغايات النبيلة على نحو ما لمسنا في الممارسة الأمريكية للحرب، وهو ما سنعرضه لاحقًا بشيء من التفصيل. ولكن مع هذه الوحشية نجد "إعلام الحرب" يمارس دوره في تجميل الصورة، والتكتيم على الممارسات اللاأخلاقية، وتسويق أخلاقيات مفتعلة. وأبرز ما تتجلى "حرب المصالح" في العصر الحديث في الحروب الأمريكية (راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان!). ففي كتابه "أمريكا طليعة الانحطاط" يسوق "روجيه جارودي" أدلة كثيرة على أن "أمريكا لا تتوقف عند حدّ أخلاقي أو قانوني لتكسب حربًا دون أن تفقد خسائر بشرية [أمريكية] كثيرة".

    بل إن نشأة أمريكا قامت على إبادة الهنود (السكان الأصليين) الذين تقلص عددهم من 10 ملايين إلى 200 ألف نسمة، ووصف إعلان الاستقلال الأمريكي الهنود الذين دافعوا عن حقوقهم بأنهم "متوحشون بغير رحمة، وسيلتهم المعروفة هي شن الحرب وذبح الجميع"!.

    وأجرى كل من جيف سيمون ونعوم تشومسكي مَسْحًا للجرائم الأمريكية لبيان كيف طورت الولايات المتحدة قدرتها على التطهير العرقي والإبادة الجماعية باستعمال تقنية حديثة، بدءًا من الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، ومن تلك الجرائم الكثيرة أن الجنرال جورج مارشال (رئيس الأركان) قد أمر مساعديه بتخطيط هجمات حارقة (تحرق الهياكل الخشبية والورقية للمدن اليابانية الكثيفة السكان).

    وفي إحدى الليالي دمّرت 334 طائرة أمريكية ما مساحته 16 ميلاً مربعًا من طوكيو بإسقاط القنابل الحارقة، وقتلت 100 ألف شخص، وشردت مليون نسمة. ولاحظ الجنرال كيرتس لوماي -بارتياح!!- أن الرجال والنساء والأطفال اليابانيين قد أُحرقوا، وتم غليهم وخبزهم حتى الموت. كانت الحرارة شديدة جدًّا حتى إن الماء قد وصل في القنوات إلى درجة الغليان، وذابت الهياكل المعدنية، وتفجر الناس في ألسنة من اللهب. وتعرض أثناء الحرب ما يقرب من 64 مدينة يابانية، فضلاً عن هيروشيما وناجازاكي، إلى مثل هذا النوع من الهجوم. ويشير أحد التقديرات إلى مقتل زهاء 400 ألف شخص بهذه الطريقة. وكان هذا تمهيدًا لعمليات الإبادة التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد أقطار أخرى لم تهدد واشنطن.

    وقد ذبحت الولايات المتحدة بين عامي 1952م و1973م (في تقدير معتدل!) زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاوسي وكمبودي. ويشير أحد التقديرات إلى مقتل مليوني كوري شمالي في الحرب الكورية، وكثير منهم قُتلوا في الحرائق العاصفة في بيونج يانج ومدن رئيسية أخرى، ويذكرنا هذا بالهجمات الحارقة على طوكيو.

    وذكر الراهب البوذي الفيتنامي "ثيتش ثين هاو" أنه بحلول منتصف عام 1963م سببت حرب فيتنام مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، ونزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة.. وأدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ في فترة أعياد الميلاد وعام 1972م إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم.

    وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد اعترفت سنة 2000م بأن قوات الناتو أطلقت 31 ألف قذيفة تحتوي على اليورانيوم المنضب أثناء حملة حلف الأطلسي على يوغسلافيا، في حين أفاد مسؤول حلف الناتو أن عشرة آلاف قذيفة من هذا النوع استُعملت في حرب البوسنة عامي 1994 و 1995م.

    وتدمير العراق في حرب الخليج الثانية لا يزال قريب العهد؛ فقد أكدت التقارير أن الطائرات الأمريكية ألقت زهاء مليون إطلاقة يورانيوم منضب جو أرض، كما استخدمت 15 ألف مقذوفة دروع؛ وهو ما أحدث خللاً واضحًا في الأمن البيئي في الكويت قبل العراق، فلوث مساحات واسعة من الأرض بمواد مشعة كاليورانيوم المنضب، واستخدام سموم فطرية ذات تركيز عال مُسَرطنة، فضلاً عن تلويث الهواء والتربة، وإهلاك الكثير من الأحياء، وظهور أمراض كثيرة، وازدياد معدلات الوَفَيَات في الأطفال دون الخامسة عدة أضعاف بالنسبة للعراق. بل إنها لم تتورع عن إبقاء الحصار المفروض على العراق لما يزيد عن عشرة أعوام، والذي لا تزال آثاره المدمرة بادية على الشعب العراقي المنهك البائس.

    وممارسة "الحرب" وجرائمها لن تنتهي عند أفغانستان التي وقعت فيها مجازر، كان أبرزها مجزرة "قلعة جانجي" التي تم فيها قصف الأسرى بالطائرات والصواريخ الأمريكية؛ لأن أحد عناصر وكالة المخابرات الأمريكية قُتل في اشتباك مع أسير من طالبان.

    وكشفت مجلة النيوزويك مؤخرًا (27-8-2002م) جرائم الحرب في أفغانستان، وكيف أن أكثر من 3000 أسير في طالبان استسلموا لقوات التحالف الشمالي كانوا قد حُشروا مرضى ويتضورون جوعًا في مرفق يتسع لـ800 شخص فقط، وكيف أن المئات منهم ماتوا خنقًا في حاويات معدنية مختومة أثناء نقلهم إلى المعتقلات!.

    وإذا كانت النيوزويك ترددت في تحميل مسؤولية تلك الجرائم للجيش الأمريكي؛ فإن روبرت فيسك بيَّن بوضوح كيف أن الولايات المتحدة تقوم بتوظيف القتلة والمجرمين (المعروفين) للعمل لصالحها، وأن ذلك "عمل روتيني" - بحسب تعبير فيسك.

    وقد أفرد تشومسكي في كتابه الأحدث: الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ساحة للحديث عن الأوضاع المأساوية التي عاشها المدنيون الأفغان في ظلِّ الحرب الأمريكية؛ ففي البدء طلبت واشنطن من حليفها الباكستاني قطع إمدادات الوقود وتقليص عدد قوافل الشحن التي تؤمن جزءًا مهمًّا من الغذاء والمؤن للأفغان، وفي الوقت ذاته أوقف "برنامج الغذاء العالمي" التابع للأمم المتحدة نشاطاته نحو ثلاثة أسابيع متوالية بُعيد الاعتداءات.

    وفي كتابه "حروب القرن الحادي والعشرين" يؤكد إيغياسيو رامونيه أن "الولايات المتحدة حرصت -بكل وعي وتصميم- على استعراض قوتها في أفغانستان عبر إبراز قوتها العسكرية في العمليات الحربية، وعبر جمع تحالف دولي كبير لدعم خططها بما في ذلك الصين وروسيا، إلى جانب عدم تولية أي اهتمام كبير للأمم المتحدة". ويأتي هذا السعي لتأكيد هيمنتها على العالم بوصفها إمبراطورية كونية، والقوة العظمى من خلال مَرْكزة رأس المال والسلطة.

    إنها حرب مصالح.. في الوقت الذي يطرح فيه بوش الابن الولايات المتحدة (من خلال خطابه المتعلق بـ"الحرب على الإرهاب") على أنها راعية السلام العالمي، وستفرض الوضوح الأخلاقي بين الشر والخير (من ليس معنا فهو ضدنا!!)، و(محور الشر)، و(الحرب من أجل العدالة!!)، فضلاً عن الصيغة التقليدية التي يتم فيها اعتبار الولايات المتحدة راعية حقوق الإنسان والحريات في العالم.
                  

05-18-2005, 05:02 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    4-الدولة والشريعة:-


    القرضاوي: مرجعية الشريعة لا تلغي الاجتهاد والنظر فيما لا نص فيه أو فيما هو ظني الثبوت أو ظني الدلالة، وهذا يشمل تسعة أعشار النصوص أو أكثر مما يحتمل تعدد الاجتهاد والفهم والاستنباط


    ينطلق الخطاب الإسلامي في مساجلته مع العلمانية من اعتبار العلمانية فلسفة خاصة بالغرب معبرة عن خصائص تجربته التاريخية والدينية، وأنها لذلك السبب غير قابلة للاستدعاء أو التوظيف. وأن النظم القائمة على أساسها غير قابلة للانطباق على واقع الاجتماع السياسي في البلاد الإسلامية، والبديل هو تطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات الحياة والحكم والتي تصلح لكل زمان ومكان.

    والقرضاوي يقول: إن مرجعية الشريعة لا تلغي الاجتهاد والنظر فيما لا نص فيه أو فيما هو ظني الثبوت أو ظني الدلالة، وهذا يشمل تسعة أعشار النصوص أو أكثر؛ مما يحتمل تعدد الاجتهاد والفهم والاستنباط.

    ويبدو أن دائرة الاجتهاد لدى علال الفاسي أوسع من سابقتها لدى القرضاوي، فهو ينطلق من فكرة المقاصد الشرعية التي قررها الفقيه الكبير الشاطبي. ويذهب إلى القول إن المقاصد الشرعية تتحول بدورها إلى معيار تتحدد به كيفية تطبيق النصوص الشرعية الصريحة. فالاجتهاد ممكن مع النص وفي حالة وضوح حكمه، يقول: "إن المقاصد الشرعية تؤثر حتى على ما هو منصوص عليه عند الاقتضاء، وليس توقيف عمر بن الخطاب عقوبة السارق عام المجاعة إلا لأن قصد الشارع معاقبةُ السارق؛ لا الذي تفرض عليه الحاجة أن يظهر بمظهر السارق، لأنه إذا جاع الناس وكان عند غيرهم ما يزيد على حاجته أصبح من حقهم أن يأخذوه وأن يقاتلوا عليه".

    أشكال القطيعة بالفكر الإسلامي:

    جاءت في مسار الفكر الإسلامي قفزات ومنعطفات مفاجئة تختلف عن سابقاتها على نحو مضاد أحيانا، فالإصلاحية جاءت تشكل قطيعة مع السياسة الشرعية، وسلفية رشيد رضا أنجزت قطيعة أولية مع الإصلاحية، وإحيائية حسن البنا استكملت تلك بقطيعة مضاعفة مع الإصلاحية ومع سلفية رضا، وخطاب الحاكمية والتكفير مثّل قطيعة مع الخطاب الإخواني، وولاية الفقيه كانت خطابا شيعيا منفصلا مع خطاب المشروطة الذي قدمه النائيني.

    ولكن القطيعة التي أوجدتها حركة الصحوة الستينية والسبعينية مع الخطاب الإصلاحي دفعت مفكرين جددًا إلى مراجعة خطاب الحاكمية والتكفير، والعودة إلى الأصول الفكرية الإسلامية الحديثة. ومن هؤلاء محمد الغزالي ويوسف القرضاوي وراشد الغنوشي وعبد الله النفيسي من داخل صفوف الإخوان، ومحمد سليم العوا وطارق البشري وفهمي هويدي وأحمد كمال أبو المجد من الإسلاميين المستقلين.

    وأما الذين عادوا بالفكر الإسلامي إلى أصوله الإصلاحية فهم على الأغلب من الباحثين المستقلين، مثل محمد عمارة وفهمي جدعان، ووجيه كوثراني ورضوان السيد ومحمد فتحي عثمان.
                  

05-18-2005, 07:01 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الاخ

    الدقم

    تشكر علي اراء الاصولية الاسلامية والقرضاوي فقيه سلطة يبرر

    عقوق الوالدين وجربنا الحكم الديني وكان فاشلا والان

    نرجع في السودان للعلمانية لان بها حل مشكلتنا شكرا
                  

05-18-2005, 09:28 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    بينما يرى بيل غيتس أن المدارس الأمريكية باتت بالية ، ويطالب منذ أيام فقط الحكومة الأمريكية ، بتحديثها ليس كأبنية فقط وإنما أساساً كمناهج وطرق في إيصال المعلومات الحديثة بطرق حديثة لرجال المستقبل ، ويشبه الطرق الحالية بأنها كأجهزة الكومبيوتر قبل نصف قرن ، وهذه عليها أن تنقل معارف اليوم ، وبنظر الكثيرين ، يعتبر غيتس مبالغاً أو متطرفاً لكنه وفق شاعرنا العربي المتنبي كبيراً وعظيماً حيث يقول مالئ الدنيا وشاغل الناس :
    وتكبر في عين الصغير الصغائر وتصغر في عين الكبير الكبائر
    أقول بينما ينظر العالم إلى المستقبل ، ننظر إلى الماضي ، والمسألة ليست زمنية وإلا ما كنت لأستشهد بالمتنبي ، وإنما هي معرفية ، وتتعلق بمجمل مناحي حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية ، ورغم أني لم أكن أود الدخول في مواضيع لها علاقة بالأديان ، لكني مضطر الآن للتعريج على هذه المهمة غير الممتعة ، والحقيقة أن ما جذبني وبالأصح ما جبرني على ذلك مقالة الصديق العزيز كامل عباس حول قراءته للمشروع الذي طرحه الأخوان المسلمون وسوقوه في علب حضارية وديمقراطية وإلى ما هنالك من أباطيل تحتملها ذمة اللغة البالغة التسامح ، بالأصح المترفعة عن الالتفات إلى اللصوص الذين يسرقون مجوهراتها أو يزيفونها.
    الدولة العقائدية/ الدولة الدينية:
    كل دولة دينية هي دولة عقائدية وكل دولة عقائدية هي بالضرورة دولة ديكتاتورية بوليسية ، تحتاج أدوات قمع خاصة بها لحماية عقيدتها من التطور الموضوعي ، وليس من المعارضين لها فقط ، فالعقائدي كقاطع الطريق بروكست لا يراجع عقيدته ولا يحاكمها أمام الواقع ، بل يحاكم الواقع أمامها ، ولهذا فهو يستميت في المحافظة ومواجهة التطور ، ولأنه من المستحيل مواجهة التطور فإن العقائدي يلجأ إلى فرض العقيدة ولو كوثن أو كفزاعة ، وسواء كان يدرك أو لا أنه لم يبق منها سوى الاسم فإنه يبطش ويفتك باسمها كل معارض ، والأمثلة التاريخية كثيرة ، سواء في دولة الكنيسة في القرون الوسطى الأوروبية ومحاكم تفتيشها التي لم يكن لها أدنى علاقة بتعاليم يسوع وحوارييه وكانت دائماً الفاتيكان بعيدة عن جبل الزيتون بتعاليمها أكثر مما هي بعيدة عنه مكانياً، وكذلك الدول العقائدية الأخرى الستالينية والقومية بكل طبعاتها الفاشية والنازية والناصرية والبعثية ....الخ ، ولكن وجود تلك القواسم المشتركة بين الدول العقائدية لا يجوز أن يجعلنا نغفل الفوارق البنيوية بينها ، وبالأخص الدينامكية الداخلية لكل منها والتي ترتبط بالقوى الاجتماعية الحية وعوامل التطور الاجتماعي ، حيث الدولة البلشفية( وهي تيارات الستالينية إحداها) انتقل الاتحاد السوفييتي بقيادتها من المحراث الروماني إلى العصر الذري ، وقامت بنهضة ثقافية واقتصادية شاملة ، وهذا ما افتقرت إليه البيروقراطية الإسلامية مثلاً ، رغم أن الظروف (حازت على الاقتصاد العالمي ) لصالحها ، وهذا موضوع ليس هنا مجال نقاشه وأختلف فيه بعمق مع الصديق كامل الذي كاد ت مقارنته( الدولة الإسلامية بالدولة البلشفية ) تجعلهما شيئاً واحداً.
    الدولة الإسلامية:
    لم يأت النبي محمد بعقيدته على الطريقة الموسوية ، أي بمجموعة من الألواح والوصايا الجاهزة ، بل نشأت عقيدته تدريجياً ، وكان بعضها في حياته وأثناء الوحي يلغي سابقه ، وهو الأمر المعروف بالناسخ المنسوخ ، والأمثلة لا تحصى : فالصلاة فرضت بمكة ليلة الإسراء أي بعد النبوة بعشر سنين و3 أشهر ، والصوم فرض تدريجياً، وحسب الواقدي والطبري والسيوطي وآخرين أن عمر بن الخطاب كان أصاب من النساء بعدما نام فأخبر النبي فنزلت الآية (187) من سورة البقرة ،وفي السنة الثانية للهجرة حولت القبلة بالآية 144 البقرة ، وهي سنة وفاة البراء بن معرور الذي كان اقترحها قبل عام ، وعبد الله بن زيد هو الذي رأى الآذان ، فأمر النبي بلالا به ، وكان النبي يفكر بالأمر ، ومن ضمن ما خطر له أن يصنع أداة من قرن كبش ، لتنبيه المسلمين ،أما سورة البقرة وغيرها من السور التي لم تحرم الخمر فبقيت فاعلة ، حتى نسختها سورة المائدة وتحديداً الآية (90) التي حرمته نهائياً، وإذا كان أبو بكر هو الرجل الأكثر دهاء وفهماً لمشروع الدولة الإسلامية فقد عرف كيف سارت الأمور منذ البداية ، ولم يجعله النبي في مرضه يؤم المسلمين في صلاتهم عبثاً :" ما أحد عندي أعظم يداً من أبي بكر ، واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته "( الواقدي /الطبري/ ابن عساكر عن ابن عباس)وأيضا ًيقول النبي :"إن الله يكره فوق سمائه أن يُخطّأ أبو بكر الصديق في الأرض ".
    طالب عمر بن الخطاب الخليفة الأول أبا بكر بحد خالد بن الوليد ، وفق العقوبة التي شرعها القرآن بمن يقتل نفساً بغير نفس ، لأن قائد حروب الردة قتل مالك بن نويرة بغير حق ، كما شهد صحابيون كبار كأبي قتادة الذي لقب بفارس الرسول، وقالوا أنهم سمعوا الآذان في آل نويرة ، وهؤلاء جمعوا الزكاة ، ولكن خالد أصر على قتل مالك الذي حاول جاهداً مع خالد أن يرسله إلى الخليفة أبي بكر لينظر في أمره ، كما فعل خالد مع متهمين آخرين بالردة ، لكن خالداً أصر على قتل مالك ، فنظر الأخير نحو زوجته مشيراً برأسه إليها قائلاً بهذا تقتلني يا خالد، وفعلاً قتل مالك وتزوج خالد المرأة الجميلة، وأمام إصرار أبي بكر :"لن أشيم سيفاً سله الله على المشركين " تنازل عمر إلى طلب أبسط : عزل خالد ثم إلى عقوبة ما، ولكنه أخفق ، طوال خلافة أبي بكر ، وبعد وفاة الأخير كان أول قرار له عزل خالد ليحل محله أبو عبيدة بن الجراح.
    كانت هذه هي البداية لمن لا يأتيه الوحي، ولكنها شقت طريقاً كان صعباً جداً ، وفرضت الأحداث الفعلية منطقها ، وحين دخل عمر مجال السلطة راح يكتشف أن السياسة شيء والعقيدة شيء آخر ، وأجبرته الظروف على تجاوز العديد من تعاليم العقيدة كسلفه ومعلمه ، وبالطبع وبالضرورة لمصلحة السلطة ، لأن السلطة في النهاية هي التي تحمي العقيدة ولو كانت هذه الأخيرة مومياء ، بينما ليس بوسع العقيدة أن تحمي السلطة ولو كانت في عزها وكمالها ، وهكذا عندما وجد عمر أن مردود الفتوحات كبيراً جداً على القادة العسكريين والولاة ، وأنهم يبتعدون عن مركز الدولة ، حيث يمكن أن يشكلوا ولايات خاصة بهم ، أبطل العمل بالآية التي تعطي بيت المال الخمس (الأنفال) وتوزع الباقي على الفاتحين ، واضطر في أحد الأعوام ( عام الحرة والمجاعة) أن يحبس كبار الدولة في العاصمة/ المدينة ، ولا علاقة لكل ذلك بالإيمان والورع والالتزام بالدين ، فليس من أحد يشكك بالشيخين وتقاهما حتى رجل كعلي بن أبي طالب قال عنهما:" حبيباي أبو بكر وعمر إماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من اقتدى بهما عصم ، ومن اتبع آثارهما هدى الصراط المستقيم ومن تمسك بهما فهو من حزب الله "(السيوطي/تاريخ الخلفاء ص214 ) ولكن علياً نفسه ولأنه يعرف وبعمق المعادلة الخطيرة ، فقد ضحى بالخلافة لعثمان بن عفان من أجل جملة واحدة : "الاقتداء بالشيخين" فلم يوافق على هذه الجملة بعد كل هذا الاحترام لهما ، لأنه يعلم ما هي ضرورات الحكم وهو الذي كان رأسماله صدقه كما كان يردد دائماً :"والله ما كذبت ولا كُذبت" ولكن عثمان بن عفان وعد عبد الرحمن بن عوف (صاحب الفيتو حسب وصية عمر والقصة معروفة) ونطق تلك الجملة ، وهكذا أخذ الخلافة ، ولكن الفتوحات كانت مذهلة جداً ولم يكن يتوقعها أحد أبداً ، فالقرآن في بدايته :" إنما أرسلناك لتنذر أم القرى ومن حولها" وهكذا راح عثمان في بحر التغيرات الدراماتيكية اللا منتهي ، حتى قالت بعض الجهات أنه اضطر حين جمع القرآن لإضافة وحذف ليتناسب هذا مع ضرورات الدولة وحاجاتها ، وخصوصاً فيما يتعلق بالنصارى ، ولأن هذا موضوع شائك فلندعه الآن ، لكن عثمان لم يكن قادراً على غير ما فعله في تلك التغيرات المذهلة ، والقضية ليست أخلاقية ولا دينية ، فقد كان ورعاً ومن العشرة المبشرين بالجنة والنبي نفسه الذي قال أن لكل واحد من العشرة نبي يؤانسه ، اختار هو( أو جبريل أخبره أن الله اختار له) عثمان بن عفان .
    أما عقيل بن أبي طالب فلم يكن يخفي رأيه :"عقيدة علي (أخيه)أفضل من عقيدة معاوية ولكن مائدة الأخير ودراهمه أفضل " وكان معاوية يسمع ذلك ويضحك ، فهو يريد الصوت الانتخابي لعقيل والحرب على السلطة وليس على العقيدة.
    وعمرو بن العاص أسلم على يد الملك الحبشي الذي لم يقدم لعمرو بن العاص وجماعته الدعم اللازم للقضاء على النبي ومشروعه ورسالته، وحين أيقن أن :"الأمر صائر له(لمحمد) ذهب وأعلن إسلامه" وكذلك أبو سفيان وغيره.
    لهذا كله كرس عباس محمود العقاد وغيره كثر مجلدات ضخمة للحديث عن تلك الخطوات التي لم يعتبروها إلا من علائم العبقرية.
    لذلك لن نمر على هذا التاريخ الطويل ، لكن يمكن لعبد الملك بن مروان أن يلخص المسألة ، فحين وصلت إليه الخلافة ، وضع القرآن جانباً وقال :"هذا آخر عهدي بك" و"والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه" ( السيوطي /تاريخ الخلفاء)
    وكان عبد الملك ورعاً جداً فحين أرسل له الحجاج ( الذي كان يقول وأنا يأتيني الوحي أيضاً ) رأس عبد الله بن الزبير ، بعد أن هدم الكعبة بالمنجنيق على ابن الزبير ومن بقي معه ، بكى عبد الملك وهو يشرب ( ليس الماء طبعاً) على حفيد أبي بكر ، وعلى أول مولود في الإسلام (في المدينة ونزلت به آية) وكان النبي يحبه كثيراً.

    وحتى اليوم ومع الوقت تزداد القضية وضوحاً ، وبنظرة خاطفة : المهم هو السلطة وكيف تمارس ، والأخوان المسلمون أو الإخوان البعثيون أو الإخوان الشيوعيون أو غيرهم من الإخوان العقائديين ، بأشكال مختلفة ما إن يصلوا إلى السلطة ، حتى يقولوا للعقيدة شاؤوا أو أبوا : هذا آخر عهدنا بكِ.
    الدولة الحديثة:
    كانت الثورة الفرنسية قد أعلنت يجب شنق آخر كاردينال بمصران آخر إقطاعي ، والكلام مجازي طبعاً ، ولكنه على مستوى الدولة دقيق ، فجميع المفاهيم الدينية والإقطاعية مرفوضة على مستوى الدولة ، ولذلك كان الشرط الأول هو فصل الدين عن الدولة والمدرسة وتسويد القانون المدني ، في إطار عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع ، وهذا الأخير هو عبارة عن أفراد مواطنين لهم صفاتهم الفردية وأسماؤهم الشخصية ومواقعهم المتكافئة أمام القانون ، بغض النظر عن منابتهم الدينية والعرقية ولاحقاً الجنسية ، حيث قضية المرأة أخذت وقتاً طويلاً نسبياً حتى تساوت مع الرجل في قضايا كثيرة من ضمنها الانتخاب والترشيح وغير ذلك وحتى الآن الأمور نسبية ومختلفة بين بلد وآخر من بلدان الديمقراطية الغربية نفسها.
    وبما أن الدول المتخلفة لم تعط نماذج خاصة بها من الدولة الحديثة ، فلا يمكننا الحديث خارج النمط الغربي عن الدولة الحديثة ، لذلك فأي حديث عن دولة ديمقراطية حديثة وفي الوقت نفسه لا تفصل الدين (وسائر العقائد)عن الدولة والمدرسة هو حديث خاطئ حتى يثبت العكس ، ولن يثبت ، وإني أتفق تماماً مع الصديق كامل عباس في نقده ونظرته لتصورات الإخوان المسلمين، ولن أكرر ما قاله في هذا الصدد لأني لن أضيف شيئاً ، ولكن سأكتفي بتوجيه سؤال أعتبره حاسماً في هذا الموضوع : هل يقبل الإخوان المسلمون أن يكون رئيس الدولة السورية غير مسلم أو امرأة؟ بالتأكيد : لا ، بل : كلا، ويكفي من ناحيتي لأقول لهم ولبرنامجهم مهما احتوى لا وألف كلا ، وأن الخرافات القديمة والجديدة عن دور ديمقراطي للإخوان هي مازالت وستبقى ، ومن يستشهد بفترة مصطفى السباعي فهذا يحتاج نقاش خاص ومفصل عن تلك المرحلة وتلك الشخصية ، وليس اليوم في جميع الأحوال كالأمس.
    هل علينا أن نقول أن الأخوان المسلمين شيء والمسلمين شيء آخر ؟ وأن نؤكد لسائر المتدينين مسلمين وغير مسلمين أنه لا يحترم معتقداتكم وحرياتكم في الاعتقاد حزب ديني أو دولة دينية؟ وأن الضمانة الوحيدة لاحترام سائر معتقداتكم الدينية وغيرها وحرياتكم الشخصية والإنسانية عموماً هو دولة القانون المدني الذي يساويكم أمامه كمواطنين ، ودولة الدستور الذي تقررونه بأنفسكم عبر انتخابكم لجمعية وطنية تأسيسية (برلمان) ، وأن أقول أن هذا لن يكون من صنع لا هذه السلطة ولا هذه المعارضة ، وإنما من الطلائع الشابة المتنورة والمتفتحة ، فنحن وجيلنا كله من الطرفين ( سلطة ومعارضة ) أكله الصدأ وانتهى ولو كان يستحي ولا سيما الشيوخ من المعسكرين ، لاعتذر أمام الملأ وأعلن التقاعد ، وهذا مرض أو عرض آخر للمرض ، ومع أني متقاعد منذ سنوات ، لكني أجدد التذكير بذلك ، أم أن أسكت فلا يمكنني أن أكون حيواناً غير ناطق ، وهذا ما لا يد لي به ، ودمتم.
                  

05-18-2005, 09:43 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    ارتباط السياسة بالدين أصل الفتنة وعلّة دوامها
    سعيد الكحل
    [email protected]
    2005 / 4 / 18


    (1)
    دين الأمة أم دين الدولة ؟ يتفق الفقهاء والمؤرخون على أن العرب لم تكن لهم دولة قبل مجيء الدين الإسلامي . كانوا يعيشون في قبائل لا تعرف الاستقرار ولا تميل إلى السلم إلا لماما . وكانت القبيلة هي الإطار المشرف على تحقيق حاجة أفرادها إلى الأمن والغذاء عبر التجارة والغنيمة . ومن ثم صار الشعور بالانتماء إلى القبيلة العنصر الأساسي الذي يوحد بين أفراد القبيلة الواحدة ، ويمنحهم فخر الدفاع عنها (= العصبية القبلية ) . لكن مع مجيء الدين الإسلامي توارى قليلا العنصر القبلي لصالح الانتماء الديني . وغدا المسلمون إخوة في الدين ، بدل القبيلة أو العرق . إن الشعور بالانتماء إلى هذا الدين الجديد كان أساس التمازج العاطفي والتواشج الأخوي بين المسلمين ، عمل الرسول (ص) على تعميقهما من خلال مؤاخاته بين الأنصار والمهاجرين . وكانت تلك هي النشأة الأولى ل"الأمة" ، أمة المسلمين . وعلى هذا الأساس خاطبهم الله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) . ويتخذ مفهوم " أمة" معنى الجماعة البشرية التي هي على دين معين . يقول الله تعالى ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يُدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ) الشورى :8 ، وقوله تعالى ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) الزخرف : 22 ، أي على طريقة ومذهب . وقال قتادة وعطية : "على أمة" على دين . قال الجوهري : الأمة الطريقة والدين . يقال : فلان لا أمة له ، أي لا دين له ولا نحلة . قال الشاعر : "وهل يستوي ذو أمة وكفور " . ويرسم القرآن وضع الأمم يوم القيامة ( وترى كل أمة جاثية . كل أمة تُدعى إلى كتابها اليوم تُجزون ما كنتم تعملون ) الجاثية : 28 . والأمة هنا أهل كل ملة . وقوله تعالى ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) الأنبياء : 29 . قال الحسن البصري في هذه الآية " أي سنتكم سنَّة واحدة ) . أما الانتماء العرقي وما سواه فقد عبر عنه القرآن الكريم كالتالي ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) . بهذا المعنى تكون "الأمة" أوسع من القبيلة أو الشعب . فالإسلام كدين أسس لإطار الأمة ، أي الانتماء إلى العقيدة والملة دون اعتبار للعناصر المادية أو العرقية ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، كما جعل التحابب في الله مقياس الإيمان الصادق القوي ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ..) حديث شريف . لكن الظروف التي أحاطت بنشأة الأمة الجديدة ، أمة المسلمين ، والمتمثلة في حصار الدعوة والانتقام من المنتمين إليها ، اضطرت الرسول (ص) وأصحابه إلى الهجرة . هناك في المدينة ستنشأ فكرة إيجاد إطار سياسي وليس دينيا يتعالى على الانتماء العقائدي . أي إطار تحالفي يضم أمما تجمع بينها المصلحة السياسية وليس العقيدة . فكانت معاهدة "الصحيفة" بين المسلمين وبين أهل الديانات الأخرى الذين يقدّرون أن مصلحتهم تقتضي التحالف مع المسلمين للدفاع عن المدينة ضد أي اعتداء خارجي . هنا كانت الحاجة إلى هذا الإطار السياسي الذي تعزز بالقدرات القتالية التي تملكها أطراف التحالف ، فصارت "دولة" جنينية تتوفر على قيادة ومقاتلين . لذا يمكن القول إن إطار الدولة كما مفهومها ، لم يكونا من صميم التعاليم الإسلامية التي اهتمت ببناء الأمة وتوحيد عقيدتها دون الانشغال بالدولة . إي أن الإسلام جاء دينا موحّدا الناس في أمة ، ولم يأت إطارا سياسيا . وتحقق ذلك من حيث كان الرسول محمد (ص) يدعو الملوك إلى اعتناق الإسلام دون التخلي عن ملكهم . في هذا السياق قال ابن اسحق : ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب أخا بني أسد بن خزيمة إلى المنذر بن الحارث بن أبي شِمْر الغساني صاحب دمشق . قال الواقدي: وكتب معه: (( سلام على من اتبع الهدى وآمن به ،وأدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك)) (ص506 السيرة النبوية لابن كثير ج3 ) . ونفس الأمر فعله الرسول(ص) مع النجاشي لما كتب إليه الرسول يدعوه إلى الإسلام فأسلم ( وكتب إلى رسول الله (ص) بإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب فقال رسول الله (ص) لما بلغه ذلك : ثَبت ملككم )(ص65 السيرة النبوية) . ( وأرسل (ص) مع عمر بن العاص سنة ( 8 هـ) كتابه إلى جَيْفَر وعبد ابنَيْ الجلندي في عُمان باليمن : باسم الله الرحمن الرحيم : من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابنيْ الجلندي سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام ، أسلِما تسْلما إني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين . وإنكما إن أقررتما بالإسلام ولَّيْتُكما وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيْلي تحل بساحتكما وتظهر نُبُوَّتي على ملككما )( ص66 السيرة النبوية ) . فالرسول كان صاحب دعوة وهداية ، ولم يُبعث ملكا أو زعيما سياسيا . ولعل قصة سليمان مع ملكة سبأ فيها من العبر والدلالات ما يجعلنا ندرك أن مهمة الأنبياء والرسل هي الدعوة والهداية وليس الدولة والسيادة . فملكة سبأ حافظت على ملكها بعد أن أسلمت ( قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) النمل : 44 . غير أن الظروف المادية التي أحاطت بهذه الدولة الفتية جعلت العنصر المادي / الاقتصادي العنصر الموحّد بامتياز . يقول هشام جعيط موضحا الوضعية التي كانت عليها الدولة الإسلامية الفتية ( إن اختلال نظام التجارة الكبرى ، واستحالة تقديم آفاق غنائم في جزيرة عربية متأسلمة ، وضرورة استناد هذه السلطة إلى نجاحات مادية ملموسة ، كل هذا لعب دورا كبيرا في جعل الدولة الإسلامية دولة موجَّهة نحو الفتح . . والحقيقة ، نظرا لأن الأمر يتعلق بدولة محاربة ، منذ ولادتها في فترة الهجرة ، فإن الفتح لم يعد عَرَضا بالنسبة إليها . إنه ملازم جوهريا لوجودها . فقد كانت الطريقة الوحيدة لجمع القبائل في اتحاد ، تكمن في تقديم هدف مألوف لديها ، هدف البحث عن الغنائم ، المتكرر دائما وأبدا ) (ص 33 الفتنة ) . لقد ارتبطت الدعوة بالفتح / الغزو وبالغنيمة ، حتى كادت الغنيمة أن تشغل المسلمين عن الدين والدعوة ، كما يحكي القرآن الكريم عن غزوة أحد ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون . منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ) آل عمران : 152. ويصف ابن هشام هذه الواقعة ، في سيرته كالتالي ( وتعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال ، وهو في سبعمائة رجل ، وأمَّرَ على الرُّماة عبدَ الله بن جبير أخا بن عوف ، وهو مُعْلم يومئذ بثياب بيض ، والرُّماةُ خمسون رجلا ، فقال : " انْضَح الخيلَ عنَّا بالنبل لا يأتون من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نُؤتينَّ من قِبلك " وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بن عبد الدار ) لكن الرماة سرعان ما عصوا أمر الرسول طمعا في الغنائم . ويروي ابن هشام على لسان ابن إسحاق ( قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير أنه قال : والله لقد رأيتُني أنظر خَدَم (= الخلخال ) هند بنت عتبة وصواحبها مشمِّراتٍ هَوَارِب ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلَّوا ظهورنا للخيل ، فأُتينا من خلفنا وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قُتل ، فانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى يدنو من أحد من القوم ) . فأثخن الكفار في المسلمين ، ووصلوا إلى الرسول فأصابه منهم ما يرويه ابن إسحاق : ( وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو ، وكان يوم بلاءٍ وتمحيصٍ ، أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة ، حتى خلَصَ العدوُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَدُثَّ بالحجارة حتى وقع لشقِّه (= رُمي بالحجارة حتى وقع لجنبه ) ، فأصيبت رَبَاعيته وشُجَّ (= شُقَّ ) في وجهه ، وكُلِمت ( جُرحت ) شفته ، وكان الذي أصابه عُتبة بن أبي وقاص ) . ولم تكن هذه هي الواقعة الأولى التي تطرق إليها القرآن الكريم في موضوع هيمنة الغنيمة على سلوك المسلمين . ففي سورة النساء نقرأ قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عَرَض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ، كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ) 94 . قال ابن عباس في موضوع هذه الآية ( كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال : السلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غنيمته ، فأنزل الله في ذلك ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا ) . قال ابن عباس عرض الدنيا تلك الغنيمة .
    لكن بعد وفاة الرسول محمد (ص) وجد المسلمون أنفسهم أمام تجدبات متباينة : قبلية ، عقائدية ، شخصية ، بل كان الانتماء للقبيلة أقوى من الانتماء للعقيدة . إذ كان الانتماء للقبيلة فاصلا في حسم النزاع على الخلافة لصالح قريش . يقول الأستاذ الجابري في مقال نشرته جريدة "الاتحاد الإماراتية" يوم 19 أكتوبر 2004 : ( أن النقاش الذي جرى بين الصحابة، أنصاراً ومهاجرين، في سقيفة بني ساعدة، مباشرة بعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، والذي أسفر في النهاية عن مبايعة أبي بكر خليفة للرسول ( يخلفه: بمعنى يتولى "أمر" المسلمين بعده) كان نقاشاً سياسياً محضاً، وقد حسمه ميزان القوى، إذ كان القول الفصل فيه للتصريح الذي أدلى به أبو بكر قائلا:"لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش". وهذا حكم موضوعي يقرر أمراً واقعاً، وقد سلم الأنصار بذلك عندما تحرك فيهم مفعول "القبيلة" الضيق (التنافس بين الأوس والخزرج) وأيضاً عندما رأوا أن منطق المهاجرين هو الراجح في ميزان اعتبار المصلحة العامة المشتركة ) . لكن فيما بعد سينفجر هذا الخلاف السياسي صراعا داميا لم تنفع معه الشورى ولا صحبة الرسول (ص ) على حد تعبير الدكتور حسن الترابي في حوار ضمن برنامج "الشريعة والحياة" بثته قناة "الجزيرة" الفضائية يوم 10 شتنبر 2000 ، إذ قال : (بالطبع تدخل مع الاجتهاد أهواء السلطة وشهواتها ،لأن الناس في ديوان العلم قد يفرغون للتأملات وحسب.. لكن إذا دخلوا إلى السلطة يدخل عليهم مرض السلطة .. حتى الصحابة رضوان الله عليهم لم يسلموا من ذلك بالطبع ،أحيانا كان الكتاب يتنزل عليهم مباشرة ، والسنة يعيشون فيها ولم تُرْوَ لهم ضعيفا ومتواترا وحسنا ، ولم يفسر لهم القرآن ،وإنما تنـزَّل عليهم في أحداث . لكن سقطت الشورى فيهم ، وسقط الإجماع ، وسقطت وحدة المسلمين ، وأصبحوا لا إخوانا ولكن اقتتلوا فيها ). وهذا ما جعل الشهرستاني يصفه بأعظم خلاف بين المسلمين ( أعظم خلاف بين الأمة ، خلاف الإمامة ، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان )(ص 22 الملل والنحل) .
    سعيد الكحل
    ارتباط الدين بالسياسة والدولة أصل الفتنة وعلة دوامها (2)
    "الخلافة" مفهوم يكرس توظيف السياسي للديني : رغم ما انتهى إليه النزاع بين المسلمين على خلافة الرسول (ص) في إدارة الدولة ، من حل قيصري ، فإن الصراع سيأخذ بعدا أخطر يمس ، في جزء منه كيان الدولة وهيبتها ، وفي الجزء الآخر يمس الدين الإسلامي من حيث هو دين . ويهمنا ، في هذا المقام ، الصراع الذي استهدف الدولة دون الدين ، من خلال امتناع قبائل عدة عن دفع الزكاة للخليفة ، عنوانا على رفض الخضوع للحكم المركزي الذي صار بيد قبيلة قريش . في هذه الواقعة ستوظف الدولة عنصر الدين لحسم النزاع ومواجهة التمرد ، رغم ما تثيره المسألة من خلاف فقهي بين المسلمين حول اعتبار مانعي الزكاة كفارا فتكون مقاتلتهم على هذا الأساس ، أم عصاة لا ينبغي مقاتلهم ككفار . والفرق بين الحكمين جوهري يبيح في الحالة الأولى السبي والغنيمة ، أما في الحالة الثانية فيحرّمهما . وعدّ الشهرستاني هذا الأمر ( الخلاف السابع في قتال مانعي الزكاة ، فقال قوم : لا نقاتلهم قتال الكفرة . وقال قوم : بل نقاتلهم ، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه : لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ، ومضى بنفسه إلى قتالهم ، ووافقه جماعة الصحابة بأسرهم . وقد أدى اجتهاد عمر رضي الله عنه في أيام خلافته إلى رد السبايا والأموال إليهم ، وإطلاق المحبوسين منهم ، والإفراج عن أسراهم )( ص 23 الملل والنحل ) . كانت إذن خطورة الأمر تكمن في جعل الخضوع للدولة وللخلافة خضوعا للدين ، والخروج على الدولة وعلى الخلافة خروجا بالضرورة على الدين . علما أن التمرد كان على الصدقة والزكاة وليس على الصلاة . يقول د. هشام جعيط ( عند وفاة النبي تجلت الرّدة كظاهرة شبه عامة بين القبائل . لقد كانت نقضا لتواصل الدولة بالذات لأن الرابطة التي كانت تربط القبائل بالنبي كانت تُدرك كرابطة شخصية قابلة للنقض ، وقد جرى نقضها عند وفاته . وبما أن الدولة والدين لا يشكلان إلا شيئا واحدا ، كان تصدع الولاء للدولة يُعبَّر عنه بارتداد عن الإسلام . لكن من الصحيح أن تلك الرّدة كانت ترتدي شكل تمرد على صعيد الصدقة أو الزكاة . فكانت القبائل ترفض دفع الصدقة أو الزكاة ، الدينية حقا ، لكنها كانت تبرز ظاهرا كمظهر لطاعتهم وانقيادهم . ولذا كانت القبائل مستعدة لمواصلة ممارسة الصلاة . وبالتالي لم يكن العنصر الديني في صفائه هو الذي يضايقهم تماما ، بل كان يضايقهم البُعْدُ الدولي بشكل أشد ، بُعْد دفع غرامة . حول هذه النقطة كان أبو بكر لا يقبل التفاوض والجدل )( ص 38 الفتنة ) . لهذا صارت الثورة على الدولة تُفهم على أنها ثورة على الدين . كما صارت الدولة قوة سياسية وعسكرية الغاية منها إخضاع العالم لله وجعل الهيمنة للإسلام حتى ( تكون يد الله هي العليا ) . وظل هذا التوجه سائدا لدى المسلمين حتى اليوم ، بل ازداد تركزا وتكريسا لدى الحركات الإسلامية ، بحيث صار الخضوع للدولة الإسلامية عنوان الخضوع للإسلام ، ورفض الأولى أو التمرد عليها رفضا للإسلام كدين إلهي . وسيأخذ التماهي بين الدولة والدين بُعدا أخطر في تاريخ المسلمين ، بحيث سيتجسد الدين والدولة معا في شخص الخليفة . ومن ثم أصبحت لهذا الأخير قدسية يستمدها من تمثيل الله على الأرض وتجسيد إرادة الله في مملكته . وبذلك غدا الخليفة "ظل الله في الأرض" ، تكون إطاعته مقدمة لإطاعة الله . بهذه الصفة ستغدو "الخلافة" سلطة سياسية ودينية تجعل من الخليفة منفذا ومشرعا في نفس الوقت . فهو يمثل إرادة الأمة وإرادة الله معا . وليس عبثا أو صدفة أن يجعل عثمان بن عفان الخلافة "قميصا" ألبسه الله إياه فلا يحق لأحد أن ينزعه عنه .
    اقتران السياسة بالدين شرعنة للاستبداد : اعتاد المسلمون ، بما يكنونه من حب لصحابة رسول الله (ص) ، أن يصفوا عهد الخلفاء الأربعة ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، بالحكم الراشدي أو الخلافة الراشدة . وهذه المثلنة للعهد الراشدي أخرجته من مجال التجربة البشرية المحفوفة بالمخاطر والمشوبة بالأخطاء ، إلى مجال التقديس والعصمة . ومن ثم صارت تلك الفترة مرجعية تقاس عليها التجارب اللاحقة فيُحكم عليها بـ "العض" أو "الجبر" تبعا لمدى اقترابها أو ابتعادها عن التجربة " الراشدة" . وغدت ، من ثم ، تمثل المستقبل المنشود خاصة لدى الحركات الإسلامية . والجدير بالملاحظة والتنبيه ، أن ما يشد هذه الحركات الإسلامية إلى "الخلافة الراشدة" ، ليس رشدها وعدلها ، بل فقط تجسيدها لتجربة تجمع بين السياسي والديني ، على مستوى الدولة وعلى مستوى الحاكم . فحينما تصبح الممارسة السياسية ملتبسة بالدين يكون الاختلاف مرفوضا والخلاف محرما . وبالتالي تغدو آراء الخليفة في السياسة ، آراءً فقهية تستمد مشروعيتها من قدسية الدين وليس من قوة الحجة . فيقحم كل مخالف لها ضمن دائرة الفسوق أو الكفر . هذا التلبيس ساد على مر التاريخ الإسلامي حيث نصب الحكام أنفسهم نواب الله وحاكمين بأمره ، وحملوا ألقابا ترفعهم إلى مراتب النبوة ( المعتصم بالله ، المنتصر بالله ، الناصر لدين الله ..) . ومن تكون تلك صفاته تسامى عن جميع خلق الله ، وصار مُهاب الجانب سديد الرأي لا يُعصى له أمر ولا يُرد له طلب . أي أن إطاعته واجبة ولو جار ما أقام الصلاة . إن طاعة أولي الأمر في المجال السياسي الذي هو مجال الاختلاف والصراع ، تُلغي كل دور للرأي وتُعطل كل سلطة للأمة ، وتشل كل حركة معارضة للحاكم "بأمر الله" ، الذي جعله تَلَـبُّس السياسة بالدين ، يستمد النصرة من الله وليس من أفراد الأمة . في حين أن الإسلام لم يأت لتشريع الممارسة السياسية أو لشرعنتها ، وإنما وضع قواعد عامة تنهى عن الظلم والقهر والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل ، وإكراه الناس على ما لا طاقة لهم به . بل جعل الإسلامُ العدلَ والإخلاص عبادة ، بينما ترك للناس سلطة التشريع لما يحقق هذه المقاصد . ومسألة التشريع هذه التي ينفيها الإسلاميون بإصرار خاطئ ومقصود ، عن الإنسان ويقصرونها على الله تعالى ورسوله الكريم ، أقرها الإسلام إذ أشرك اللهُ تعالى عبادَه في التشريع للدين ، وليس فقط للدنيا بما فيها المجال السياسي . وذلك واضح في الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم ومن قتلَهُ منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتَلَ من النَّعَم يحكُمُ به ذوا عدل منكم ) المائدة : 95 . في هذه الآية يُنيط الله تعالى بعباده مهمة الحكم والتشريع في أمر ديني يخص علاقة العبد بخالقه . أما مجال التشريع البشري للقضايا الاجتماعية والسياسية وغيرها ، فقد جعله الإسلام شاسعا طالما يحقق المصلحة العامة التي حيثما وُجدت فتم شرع الله . والمصلحة العامة لا يحددها الحاكم ، بل الأمة . من هنا لا يمكن للأمة أن تمارس سيادتها إلا إذا تمتع أفرادها بحقوقهم ومارسوا حرياتهم بعيدا عن كل إكراه أو اضطهاد . وهذا لن يتم إلا في إطار الدولة الديمقراطية التي تحكمها قوانين واضحة ومضبوطة تواضع عليها أفراد الأمة ، ومؤسسات حرة تعبر عن اختيار الناس وإرادتهم . وهذه الدولة ليست معطى جاهزا يُستمد من النصوص الدينية أو تجربة الخلفاء الراشدين ، بل هي ممارسة وعمل متواصل ينخرط فيه كل أفراد الشعب / الأمة ، مستفيدين من تجارب الشعوب والأمم . فالذين يدعون إلى إحياء دولة الخلافة يسعون إلى تنصيب الوصاية على الأمة باسم الدين ، متمثلة في الخلفية / الحاكم أو في طبقة الفقهاء والمعمَّمين . إن هؤلاء هم جزء من الشعب وليسوا كل الشعب . لهذا ما يرونه شرعا لا يكون بالضرورة كذلك . ولنا في موقف التيار الإسلامي بدول الخليج العربي مثالا على مخالفة أحكام الشريعة باسم الشريعة تارة ، وباسم التقاليد والأعراف تارة أخرى . ويتعلق الأمر بتحريم المشاركة النسائية في الانتخابات وفي الحياة السياسية عموما . فهل من الشريعة في شيء أن يُحرَّم على المرأة أن تكون مواطنة ؟ بل هل من الشريعة أن تُصادَر الحريات العامة ، وتُقهر المرأة ، ويُمنع على المواطنين الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا ؟ كان من أفظع ما قرأته ، ولم أكن أبدا أتصور أن الغلو في الدين يصل حد الكارثة . ففي الحلقة 19 من الترجمة العربية لكتاب " العربية السعودية موضع تساؤل " والتي نشرتها جريدة "الأحداث المغربية" خلال شهر رمضان الأخير نقرأ المأساة التالية ( ففي منتصف شهر مارس من سنة 2002 ، تسبب الحريق الذي تعرضت له مدرسة البنات في مكة في موت 15 فتاة ، فيما تعرضت خمسون أخريات للاختناق ، وكان المطاوعة قد منعوا السيئات الحظ من الخروج من المدرسة التي كانت تحترق بدعوى أنهن لا يلبسن العباءة ، وأنه لا يوجد مَحْرَم من أجل استلامهن ، لأنهم منعوا الإطفائيين من الدخول إلى المدرسة لمحاربة النيران خوفا من أن ينظروا للفتيات في غياب أوليائهن . وكانت الفتيات قد تمكنّ من تسلق شباك المدرسة ، إلا أن الميلشيات الدينية أعادتهن للداخل وبقيت صماء أمام احتجاجات الإطفائيين ورجال الإنقاذ ) . إن مثل هذه الممارسات منشأها استغلال السياسي للديني لأغراض الهيمنة والوصاية . وحتى لا تتكرر المآسي باسم الدين ، وحتى يكون الدين بعيدا عن كل استغلال أو توظيف سياسوي ، لا بد من تحرير الدين من السياسة والتأمين عليه جهة تحظى بالحياد والاحترام وتتسامى عن كل صراع سياسي ، أي جهة تجعل نفسها في خدمة الأمة وفوق الأحزاب والتيارات . وباعتبار الدستور المغربي ينص على إمارة المؤمنين وينيطها بمهمة حماية الدين ، فإن الأجدر بالمغرب أن ينهج الفصل بين السياسي كتدبير يومي للشأن العام تتنافس حوله الأحزاب بما تقدمه من برامج تروم خدمة الصالح العام وقابلة للمحاسبة والنقد ، وبين الديني كتدبير للوقف والإفتاء وحماية الدين من كل تلاعب أو استغلال . لأجل ذلك لا بد من تحديد الاختصاصات والفصل بين السلطات . في هذه الحالة سيكون الحزب أو الائتلاف الحزبي هو المسئول عن التدبير اليومي للشأن العام من خلال التشكيلة الحكومية برئاسة الوزير الأول المنتمي للأغلبية البرلمانية . وسيكون من مصلحة المَلكية ، بل عنصر دعم لها أن تفسح المجال للتنافس السياسي الحر بين الأحزاب حتى يكون للمحاسبة الشعبية مجالها . أما المراقبة وضمان الأمن الروحي ووحدة الشعب ، فمهمات أجدر بالاضطلاع بها شخص الملك الذي ، بحكم الدستور المغربي ،يكون هو المؤتمن على حماية الدين ووحدة المذهب .
                  

05-18-2005, 09:51 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الناسخ و المنسوخ من وجهه نظرالعلمانيه
    جورج المصري
    [email protected]
    2005 / 3 / 7


    من فضل حضراتكم اعطائي الفرصه لكي اوضح لكم لماذا يعترض العلماني من أمثالي علي اعطاء ائمه الدين مفتاح السياسه .
    ان أشهر ائمه الاسلام اختلفوا اختلافات عظيمه تجعلني اتسائل هل الامام ابو حنيفه او الامام مالك اكثر علما او علي درجه شفافيه اعلي من الامام الشافعي و العكس صحيح . دعوني اشرح لكم وببساطه اهم مبدئ من مبادئ الفقه في موضوع الناسخ و المنسوخ.
    - أنواع النسخ
    النوع الأول: نسخ القرآن بالقرآن، وهو متفق على جوازه ووقوعه.
    النوع الثاني: نسخ القرآن بالسنة وهو قسمان.
    1- نسخ القرآن بالنسبة الآحادية، والجمهور على عدم جوازه.
    2- نسخ القرآن بالسنة المتواترة.
    أ- أجازه الإمام أبو حنيفة ومالك ورواية عن أحمد، واستدلوا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فقد نسخت هذه الآية بالحديث المستفيض، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا لا وصية لوارث " ولا ناسخ إلا السنة . وغيره من الأدلة .
    ب- منعه الإمام الشافعي ورواية أخرى لأحمد، واستدلوا بقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] قالوا: السنة ليست خيراً من القرآن ولا مثله.
    النوع الثالث: نسخ السنة بالقرآن: أجازه الجمهور، ومثلوا له بنسخ التوجه إلى بيت المقدس الذي كان ثابتاً بالسنة بالتوجه إلى المسجد الحرام. ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان.
    موضوع الناسخ و المتسوخ من اخطر القضايا التي واجهت وتواجه الاسلام اليوم لانها تتعامل مع نصوص القرآن الكريم و الحديث الشريف مصدر العقيدة الاسلاميه . ان اختلف الائمه الاوائل اختلاف مضاد 100بالمائه من ياتري هو الصحيح وماذنب من يتبع الخطئ وما ذنب البشريه في ان اله الاسلام اعطي الحق لرسوله ان ينقض كلماته وكيف ان الله لم يكن حريصا علي ان الحديث يكون محصن من الاسرائليات ومن عبث الزمن ان كان وحسب الامام ابوحنيفه ينسخ القران .
    خلاصه الكلام فليكن الاسلام دينا لكل من يرغب فيه ولكن لاتشريع منه ولاسياسه فأئمته اختلفوا في اهم وادق علم من علوم الفقه... فمن ادراني ان الايات المنسوخه نسخت بأراده الله ولم تنسخ بأرده بشر وهذا ان فرضنا ان الرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن بشر .
    القتل و العنف من الشيطان و السلام من الله عزوجل .
    رُوي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما نزل من القرآن:"عشر رضعات معلومات يحرّمن " فنسخن خمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ من القرآن". ولا يجوز قراءة منسوخ التلاوة والحكم في الصلاة ولا العمل به، لأنه قد نسخ بالكلية. إلا أن الخمس رضعات منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.
    بعض علماء المسلمين الذين ينكرون إمكانية نسخ القرآن يدَّعون أن النسخ الذي ذًُكر فيه يتعلق بالرسالات السماوية التي أنزلت لليهود و النصارى من قبل. هذا التأويل لا يقوم على أساس صحيح لأننا لا نجد في القرآن ما يدل على أن كلمة "آيات" هي وصف للتوراة و الإنجيل. و ليس هناك ما يوحي بأن الآيات السماوية السابقة قد نُسِخت, بالعكس تماما نجد أن القرآن يصف نفسه بعبارة "مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَِ" (سورة آل عمران الآية 3). فالقرآن إذا بشهادته نفسه لا يُعَد ناسخا لما سبقه من الرسالات السماوية بل بالعكس يدعي أنه جاء لإثباتها. هناك آيات تقول إن اليهود يجب عليهم أن يحتكموا للتوراة عوض اللجوء إلى محمد ليحكم بينهم (سورة المائدة الآية 43) و نفس الشيء طُلِب من النصارى (سورة المائدة الآية 47). في الآية 68 من سورة المائدة أمر القرآن كلا من اليهود و النصارى أن يلتزموا بمبادىء التوراة و الإنجيل و بما جاءهم به أنبياءهم.
    النسخ الذي يتحدث عنه القرآن لا يمكن أن ينسب للكتب السماوية السابقة بل يتعلق كليا بنصوص القرآن نفسه. هكذا فُهِمت آية النسخ في العهد الآول للإسلام. الورطة بالنسبة للعلماء المسلمين المعاصرين تكمن في كون القرآن يَدَّعي أنه صادر عن "لوح محفوظ" و السؤال الذي لا مفر منه هو : إذا كانت هنالك أجزاء من القرآن قد نُسِخت و حُذِفت فهل كانت هذه الآجزاء ضمن "اللوح المحفوظ"؟ إذا أجبنا بنعم فالنتيجة الحتمية هي أن المصحف الحالي ليس نسخة طبق الآصل لما يوجد في "اللوح المحفوظ" لأن هذا الآخير لا يمكن تغيير أي جزء منه لآنه كلام الله الآبدي. إذا أجبنا بلا فكيف أمكن أن توحى هذه الآجزاء المنسوخة لمحمد و تُعتبر من القرآن خلال فترة معينة قبل نسخها و هي ليست من "اللوح المحفوظ"؟ ها نحن إذا عُدنا إلى الفكرة العامية القائلة بأن نص القرآن قد حفظه الله من أوله إلى آخره و لم يطرأ عليه أي تغيير مهما كانت درجة أهميته و لم يقع فيه كذلك أي "نسخ". العلماء المسلمون في محاولاتهم التأكيد على هذه الفرضية يلجؤون إلى تأويل خاطىء للآية 106 من سورة البقرة, تأويل لا يمكن اشتقاقه من ظاهر النص عكس ما فعل أسلافهم من المسلمين الآوائل الذين اعتبروا أن أجزاء من القرآن قد تم فعلا نسخها و حذفها من المصحف.
    هذه النظرية لا يتقبلها بعض العلماء المسلمين الآخرين لكن ليس لنفس الأسباب. فهي مثلا تُصَور الله كأنه إله يتراجع عن ما صدر عنه من قرارات سابقة كما لو كان معرضا لتغيير رأيه كالبشر أو لأنه يكتشف أفكارا أحسن ! بالرغم من هذا يجب أخذ النص القائل بالنسخ بمعناه الذي فُهِم على أساسه في بداية العهد الإسلامي بالإجماع و ليس كما يريده العلماء المعاصرون خدمة لآهوائهم الذاتية.
    فنترك الدين للمتدنيين وليترك المتدينين الغير متخصصين الغير ديموقراطيين المنحازين العنصريين شئون الدنيا لمن هم افضل واقل عنف واكثر تفتحا . فأن استطاع الجمهور ومثلوا له بنسخ التوجه إلى بيت المقدس الذي كان ثابتاً بالسنة بالتوجه إلى المسجد الحرام. ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان. هل يستطيع المسلم اليوم نسخ ايات القتل ايضا اي نسخ الايات المدنيه لانها تمثل خراب علي الامه الاسلاميه و العالم . ان فلنعطس مال الله لله ومال قيصر لقيصر .
                  

05-18-2005, 10:09 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    لماذا نُصرُّ على الديمقراطية لا الشورى، وما الفرق بين الشورى والديمقراطية؟


    شاكر النابلسي
    [email protected]
    2004 / 1 / 21



    كثُر الحديث عن الشورى والديمقراطية، وكثُر الخلط بين الشورى والديمقراطية. فالاسلاميون وعلى رأسهم جماعة الاخوان المسلمين لا يعترفون بالديمقراطية، ويصرون على الشورى، فلماذا؟

    والعلمانيون يرفضون الشورى، ويصرون على الديمقراطية، فلماذا؟

    وهل كانت الشورى نظاماً سياسياً اسلامياً له قواعده وأحكامه، أم هي مجرد تجربة لم تدم أكثر من ثلاثين عاماً من حكم الخلفاء الراشدين كانت فيه الشورى بدائية لأهل العقد والحل؛ أي لعلماء الدين والصحابة الذين كانوا ينوبون عن باقي أفراد الأمة، حيث لم يكن هنا تصويت للشعب، ولا انتخابات شعبية، بحيث يُعبّر كل فرد عن رأيه؟

    وما هو الفرق بين الشورى والديمقراطية؟

    لكي تتضح الفروقات بين الشورى التي كانت سائدة منذ أكثر من 1500 سنة ولمدة قصيرة جداً من عمر الزمن كما قلنا، وبين النظام السياسي الديمقراطي، نذكر النقاط التالية للتفريق بين الشورى والديمقراطية، حتى يفهم الجميع، لماذا يرفض الإسلاميون الديمقراطية، ولماذا يرفض العلمانيون الشورى؟



    ***

    الفرق بين الشورى والديمقراطية:



    1- مفهوم الشورى بدايةً غير مؤسَس نظرياً، ولا تأصيل له في تاريخ وتجربـة الحكم الإسلامي. ولا يمكن وصفه بالنظام الاجتماعي الشامل" كما يقول عزيز العظمة، وهو من ضمن آليات الممارسة السياسية في التاريخ الإسلامي، ومرتبط باجتهادات الخلفاء والملوك والسلاطين والولاة، دون الانتظام في رؤية كاملة و"دون الانتقال من مستوى التقنية السياسيـة الجزئية إلى مستوى المؤسسة السياسية الراسخـــة في الواقع، كما يقول كمال عبد اللطيف.

    في حين أن مفهـوم الديمقراطيـة مفهـوم مـؤسَس نظريـاً، ومؤصَّل، وله تاريـخ وتجربــة ممتـدة في الحضـارة الغربيـة منذ عهـد الإغريـق إلى اليوم. ويعتـبر مفهـوم الديمقراطيـة من أكثر المحـاور السياسيـة أهميـة في الفكـر الغـربي السياسـي منذ قـرون طـويلـة. واستطاع كبـار المفكـرين السياسيين أن يطـوروا هذا المفهوم تطويـراً علمياً متقدمـاً، انتهى بالغربيـين إلى ما هم فيه الآن.

    2- السلطة في النظام الشوري للسلطان، في حين أن السلطة في النظام الديمقراطي للأمة.

    3- السيـادة في النظام الشوري لله. والله هو المشرِّع الأعلى في الدولـة، وشريعته واجبة التحقيق. والحاكم هو الله وليس الإنسان، ولا حكم قبل ورود الشرع. وهو مفهوم يُسلِّم بتعالي القانون الإلهي ونسبية الإرادة البشرية. أما في النظام الديمقراطي فالسيادة للشعب. والأمة مصدر السلطات. والحاكم هو العقل والإنسان الذي يضع لنفسه القوانين الملائمة. وهو قانون ومفهوم يُسلِّم بتعالي الإرادة البشرية ولا مجال لنسبية القانون الإلهي فيه.

    4- حكم الأغلبية ليس معياراً للحق والصواب في النظام الشوري. بينما حكم الأغلبية في النظام الديمقراطي هو معيـار الصواب والحق.

    5- الشورى المُطبَّقة نظام رأسمالي. وكذلك الديمقراطية نظام رأسمالي.

    6- الشورى مصطلح إسلامي، مستمد من دستور، موجه لحمايـة المغفلين قبل سواهم، كما قال الصادق النيهوم. أما الديمقراطيـة فهي مصطلح أوروبي، مستمـد من دستور رأسمالي لا يحمي المغفلين.

    7- لا يفصل النظام الشوري بين الدين والدولة، ولا يمنع رجال الدين من التدخل في السياسة. بينما يفصل النظام الديمقراطي بين الدين والدولة، ويمنع الدين ورجاله من التدخل في السياسة.

    8- الأنظمة والقوانين والقواعد ثابتة في النظام الشوري. فلا تغيير ولا تبديل في أحكام الله، مهما اختلفت وتطورت الحياة. والدولة مقيدة بها، وعليها أن تحكم بمقتضاها. بينما في النظام الديمقراطي، تكون الأنظمة والقوانين متحوّلة، وتتغير مع تغير الحياة والاحتياجات ومستويات الوعي والثقافة. والدولة لا تتقيد بأي نظام أبدي مطلق.

    9- تُطبَّق الشورى في دولــة تُحـرِّم قيام الأحـزاب السياسيــة، وتعتبر حزب الله هو الحزب الوحيـد المشروع. في حين تُطبَّق الديمقراطية في دولة تفصـل الدين عن الدولة، وتتخذ لنفسهـا قوانين وشرائع من صُنع المفكرين والدارسين. وهي تخرج من فطرة الشعوب كما يخرج النبات من الأرض.

    10- تمنع الدولة الإسلامية ذات النظام الشوري من قيام جبهة للمعارضة، لأنه لا تحالف في الإسلام. وأن المسلمين جميعاً ينضمون في عقد واحد هو عقد الإسلام.

    تُطبَّق الديمقراطية في دولة تؤمن بتعدد الأحزاب السياسية، وتعتبر تعدد الأحزاب دلالة صحية على نقاء الحياة السياسية، وتعدد الآراء.

    11- الشورى لا تتم بلقاء ممثلين عن الناس، بل لقاء الناس أنفسهم، لأن الإسلام لا يعترف بالنيابة، ولا يعترف بسلطة الحزب، مما يعني في لغة التطبيق أن تخضع الإدارة مباشرة لسلطة الأغلبية، وتُعاد صياغة القوانين بلغة الجماعة. تسمح الدولة الديمقراطية بقيام المعارضة، وتعتبرها عين الرقابة على أداء الحكومات والإدارات. وكلما كانت المعارضة عاليـة المستوى العلمي والثقافي استفادت الدولة من انتقاداتها.

    12- تتناقض دولة الشورى مع نفسها. ففي الوقت الذي تُحرِّم فيه قيام المعارضة وتحريم الأحزاب تعود لتقول بقيام الأحزاب، وتستشهد بالآية (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) (سورة هود، الآية 11. في حين أن الديمقراطيـة تتم بلقـاء ممثلين عن الناس، فالناس أنفسهـم لا وقت لديهم للقاء. ورغم هذا فالإدارة في الدول الديمقراطيـة الحقَّـة تخضع لسلطة الأغلبية المُنتخبة بالاقتراع الحر النـزيه.

    13- تتم إقامة مجلس الشورى - والذي هو مستحب وليس مُلزماً للحاكم في رأي أغلبية فقهاء السُنَّة - منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى الآن بالتعيين من قِبَل السلطان للمؤيدين الطائعين المبارِكين كما كان يفعل السلف، وليس بالانتخاب الحر المباشر من قِبَل الجمهور. وقد أصبحت هذه المسألة خلافية بين رجال الدين في العصر الحديث. فمنهم من يرى وجوب اختيار أعضاء مجلس الشورى عن طريق الانتخـاب الحر المباشر، ومنهم من يرى وجوب تعيينهم من قبل السلطان، ومنهم من يمزج بين الاختيارين.

    لا تتناقض دولة الديمقراطية مع نفسها. فمن المبادئ السياسية التي لا يختلف عليها اثنان أن روح الديمقراطية هي قيام الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة. وأن الدولة الحرة هي دولة الأحزاب الحرة.

    14 - تتمسك الشورى بحرفية الآلية البدائية العفويـة التي لا تتعدى النصيحة والاستشارة والقـول الحَسن والتي درجت عليها في العهد الراشدي القصير، ولا تغـيرها حسب ما يُستجد في الحياة السياسيـة كل يوم من تطورات، وتغيرات، ومتطلبات، ومستلزمات. بينما تتم إقامـة المجالس النيابيـة الديمقراطيـة على أسـاس الانتخـاب المبـاشر الحر من الشعـب، ولا تعيين فيهـا من قِبَل السلطان إلا في الدول ذات القشـرة الديمقراطية الرقيقة المُزيَّفـة حيث يتم تعيين أعضـاء مجلس الشيـوخ (الأعيان) من قِبَل السلطـان ومن المؤيـديـن، الطـائعـين، المبارِكـين أبداً. أما في البلدان الديمقراطيــة العريقــة فلا تعيين يتم وإنمـا يـأتي مجلس النـواب ومجلس الشيـوخ بالانتخـاب الحر النـزيه المباشر. كذلك فإن الديمقراطية لا تتمسك بمنهاج معين، بل هي مرنة أشد المرونة، وتُطوِّر وتُعدِّل من قوانينها من حين لآخر بما يتماشى واحتياجات الحياة السياسية وما يستجِدُ لها وما يتغير فيها. ولا تقف عند حد النصيحة بل إقرار الأنظمة، وإجبار السلطة على تنفيذها والرقابة على التنفيذ السليم.

    15- تتغير مفاهيم الشورى من عهد إلى آخر ومن فقيه إلى فقيه، بحسب نوعية السلاطين، وبحسب طبقة الفقهاء ونوعيتهم وتقواهم. في حين تتغير مفاهيم الديمقراطية من عهد إلى آخر بحسب تغير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتطورها ومتطلباتها ومستلزماتها.

    16- يقترن النظام الشوري دائماً بالسلطة السياسية الوراثية. فكما أنه لا انتخاب في مجلس الشورى، فكذلك لا انتخاب في رأس السلطة التنفيذية. أما الديمقراطية فتقترن دائماً بالسلطة السياسية التداولية. فكما يتم انتخاب رأس الدولة لمدة محدودة، يتم كذلك انتخاب الهيئات التشريعية.

    17- مجتمــع الشـورى الإسلامـي يرفــض الاستبـداد المُطـلـق الممنوع شرعاً. أما الاستبـداد المُقيَّــد فهـو غير ممنـوع في هـذا المجتـمع، وهـو غير ممنوع في الشـرع والعقل كما يقول أصحابها. في حين أن مجتمع الديمقراطية الحقَّة يرفض كافة أنواع الاستبداد المُطلقة والمُقيَّدة. بل إن الديمقراطية الحقَّة ضد الطغيان وتنادي بالعدالة على كافة مستويات الحياة. وأن الديمقراطية والاستبداد لا يجتمعان.

    18- الشورى تُمارس دائماً في سياق حكم ديني. والديمقراطية تُمارس غالباً في سياق حكم لا ديني.

    19- الشورى ليست ممارسة سياسية معزولة، وإنما هي نظام حياة كامل في الأسرة والمجتمع والمعاملات والعلم والسياسة، كما يقول أصحابها. الديمقراطيـة ليست ممارسة سياسية فقط، وإنما هي أيضاً نظام حياة كامـل تبدأ من البيت وتنتهي تحت قبة البرلمان.

    20- وأخيراً فالشورى لا تنفصل عن الدين ومن ثم يظل نظامها مؤسَسَاً على رعايـة المسؤولية أمام الله الذي يراقب النيات والأعمال والأسرار والظواهر. أما الديمقراطية فهي نظام ينطوي على طلاقة الهـوى والشهـوات السياسيــة من قيــود الأخـلاق، كما يقول أعداؤها من المفكرين الإسلاميين.



    ***



    ومن المعروف أن الفقهاء لم يتفقـوا على حكم موحَّد للشورى، وانقسمـوا إلى فريقين: فريق يرى الندب (الاستحباب) وفريق يرى الوجـوب. وكـان أقوى هذين الفريقين هو فريق الندب الـذي يرى أن الشورى ليست من المبادئ التي تُلزم الحكام، ولكنها مُستحبـة. فإذا قام بها الحاكم استحق الثواب في الآخرة والثناء في الدنيا، وإذا لم يقم بها وتركها فلا حرج عليه في ذلك.

    وقال هؤلاء انه لا يوجد في القرآن نص صريح على وجـوب الشورى، وأن قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) (سورة آل عمران، أية 159) نزلـت في أبي بكر وعمر بن الخطاب فقط. ويرى معظم المفسرين أن هذه الآية ليست من النوع الواجـب اللازم ولكنها من المُستحب الحسن، وذلك لأن النبي المؤيـد بالوحي من قبل الله ليس بحاجة إلى الشورى حيث أغناه الله بتسديـد خطاه وتوفيقه للصواب. ويفسر المفسرون سبب نزول هـذه الآية بأنها للاستحباب وتطييب القلوب عن طريق إظهار التقدير لآرائهم واحترامهم.

    وقال ابن كثير:

    " إن الرسول كان يشاور أصحابه في الأمر تطييباً لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه
                  

05-19-2005, 06:08 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    1-أمريكا تبحث عن شريك إسلامي "مودرن"

    13/01/2004
    د.حمزة زوبع **


    islamonline.net


    على الرغم من الحرب الضروس بين الإسلاميين حول العالم والولايات المتحدة الأمريكية التي ترى في متطرفيهم العدو الراهن، وترى في متشدديهم الخطر المتوقع.. فإن الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها لم تحسم أمرها بعدُ بالنسبة للسياسيين من التيار الإسلامي؛ فلا هي قررت وضعهم في خندق الأعداء، ولا هي رحبت بهم كقادة المنطقة في المستقبل القريب.

    وعلى غير العادة، ورغم التحذيرات الحكومية العربية من أن وصول التيار الإسلامي لسدة الحكم في بعض البلدان العربية يعني زيادة رقعة التصادم مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويعني بالتبعية تهديدا مباشرا لمصالحها في المنطقة وهي مصالح لا تخطئها العين؛ لأنها ببساطة ملء السمع والبصر.. رغم هذه التحذيرات قررت الولايات المتحدة الأمريكية، وبطريق غير مباشر أن تخطو خطوة في اتجاه "جس النبض"، والتعرف على التيار الإسلامي عن قرب، بدلا من اعتمادها على الرواية العربية الرسمية التي طالما ساهمت في توتر العلاقات بين الطرفين؛ وذلك من أجل ضمان الدعم الأمريكي للسلطات الحاكمة في العالم العربي.

    مؤتمر بريء أم تآمري؟

    حين أعلنت مجلة "الوطن" الكويتية عن المؤتمر الذي عُقد في الكويت (في الأسبوع الأول من الشهر الماضي) حول "دور الجماعات الإسلامية في الإصلاح الاقتصادي في الشرق الأوسط" -وهي مجلة ذات علاقة مع السلطة ومع التيار الإسلامي في نفس الوقت، وهي الدار التي تصدر النسخة العربية لمجلتي "نيوزويك" و"السياسة الخارجية" الأمريكيتين- ثارت شكوك حول سبب انعقاد المؤتمر، وعن الجهة الراعية له، وعن المشاركين الذين كان بينهم ساسة سابقون في الإدارة الأمريكية تجمعهم علاقات بمؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" التي تصدر عنها مجلة "السياسة الخارجية".

    وكلها أسئلة تدور حول التفسير التآمري للخطوة؛ وهل هي خطوة حوارية بحثية بريئة، أم خطوة سياسية غير مبرأة من الأهداف والنوايا التي ربما يكون بعضها خبيثا وليس حميدا؟

    فعلى سبيل المثال دُعي للمؤتمر ممثلو الجماعة الإسلامية في مصر، والتيار السلفي في كل من الكويت والبحرين، جنبا إلى جنب مع ممثلي الإخوان المسلمين (التنظيم أو الفكرة) في الكويت والأردن واليمن؛ هذا إضافة إلى دعوة ممثلي التيار الشيعي في البحرين والسعودية. وهذا ما زاد من تعقيد المسألة.. فهل جاء الأمريكيون ليسمعوا من يشتمهم ويلعن سياستهم في المنطقة، أم أرادوا أن يكون المؤتمر رسالة للجميع، وهم يتوقعون أن تكون اللقاءات الأولي بمثابة تفريغ لشحنات الغضب، وتنفيسا للغضب الكامن في النفوس بسبب الدعم الأمريكي لبعض الحكومات في المنطقة على حساب التيار الإسلامي؟

    وفي اعتقادي أنه لم يكن بمقدور أي دولة اتخاذ نفس الخطوة، والسماح للتيار الإسلامي بكل أطيافه أن يحضر إلى بلد ما في العالم العربي، وأن يحاور، بل وينال من الولايات المتحدة الأمريكية (الحليف القوي) بدون رقابة أو تدخل من أحد. وبالتالي فإن قدرة الكويت على ذلك تحسب للكويت التي جعلت من أرضها ساحة للحوار بين الإسلاميين والمفكرين الغربيين، وعلى رأسهم الأمريكيون. وأعتقد أنه لو كان قد عُقد في أي دولة عربية أخرى لسمعنا اتهامات للتيار الإسلامي بأنه عميل للغرب، وأنه حليف للأمريكان، وأنه متآمر.. وأنه... وأنه...

    كما أثيرت الأسئلة حول عدم مشاركة رموز الإخوان المسلمين في مصر؛ بوصفها ذات موقع سياسي وشعبية كبيرة في مصر، وبوصفها البلد الذي ينتسب إليه المرشد العام للإخوان المسلمين. والواقع يفيد بأن الدكتور عصام العريان دُعي للمؤتمر، ولكنه مُنع من الخروج من مصر، كما أنه لم يُمنح تأشيرة من الكويت (حسب جريدة "الرأي العام الكويتية")؛ وعوضا عنه رُشح د.عبد المنعم أبو الفتوح الذي تعرض لنفس ما تعرض له الدكتور عصام؛ أي المنع من السفر، ولم يوفد الإخوان في مصر أي ممثل لهم في المؤتمر!! ليضيف ذلك الموقف غموضا حول رغبة الإخوان في المشاركة في مؤتمر من هذا النوع، وبهذا التنوع، وفي هذا التوقيت. عموما لقد حسم العريان هذا الجدل بتصريحه بأنه كان سيحضر لو مُنح التأشيرة.
                  

05-19-2005, 06:09 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    2-
    البحث عن مفاوض "معتدل"

    ولم يكن التفسير التآمري للحدث مقصورا على الإسلاميين؛ بل إن بعض رموز التيار الليبرالي في الكويت عبروا عن تشككهم في المؤتمر. فقال بعضهم: إن هذا المؤتمر مؤتمر ملغوم؛ إلا أن الجميع أقروا بأن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن شريك، أو طرف محاور من جانب التيار الإسلامي، صاحب توجه سياسي وديني معتدل.

    والحجة التي طُرحت أن الولايات المتحدة لا تريد أن تترك المنطقة للظروف، ولا تستطيع أن تتحمل مفاجآت من العيار الثقيل -مثل تلك التي حدثت في العراق- حين اكتشفت مؤخرا أن الإسلاميين الشيعة لهم شعبية كبيرة، ولهم تنظيم، ولهم وجهة نظر (دينية) في شكل النظام الذي يجب أن يحكم في العراق بعد زوال الاحتلال.

    وإذا أضفنا إلى مفاجأة العراق نتائج استطلاعات الرأي الكثيرة التي أجريت في العالم العربي -حول مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية، وحول نواياها في تحقيق ديمقراطية في المنطقة إذا ما اصطدمت نتائج هذه الديمقراطية (المفترضة) بالمصالح الأمريكية في المنطقة- فسنجد أن هناك بالفعل هاجسا لدى الأمريكيين، يدفعهم للتحرك خطوة في اتجاه الجماعات الإسلامية في المنطقة.

    ويبدو للبعض أن هذا التحرك -على تواضعه- هو محاولة أمريكية لفض الاشتباك بين المصالح والمعتقدات. فالولايات المتحدة الأمريكية تعرف سلفا أن هناك دورا عقائديا في الصراع؛ ولا يمكن لها مهما فعلت أن تتغلب عليه أو تحيده؛ كما أن لها مصالح لا يمكنها هي أن تتخلى عنها أو تؤجلها، أو تتركها نهبا للضياع أو المفاجآت. وعليه فلقد طرحت في المؤتمر أفكارا (صدرت عن إسلاميين) من قبيل: "لنترك خلافنا العقائدي جانبا؛ فالإسلاميون لن يتخلوا عن فلسطين، ولكن لنتباحث حول علاقات طبيعية تقوم على الاحترام المتبادل".

    وبالطبع فإن مثل هذا الطرح قد لا يعجب البعض في الجانبين، لكنه قدم رؤية مختلفة أو طريقا ثالثا لإمكانية التعايش بين الطرفين في حال وصول الإسلاميين للسلطة، رغم تأزم الموقف في فلسطين، وانحياز الأمريكيين للصهاينة بشكل مستفز للمواطن العادي، وليس فقط الإسلاميين.

    تحول المؤتمر إلى جلد ذاتي

    برز من خلال المؤتمر أن ثمة تفكيرا عميقا يعتمل في صدور ممثلي التيار الإسلامي المشاركين في المؤتمر. فالغالبية رغم أنها نالت من الولايات المتحدة الأمريكية فإنها رأت أن قراءة متأنية للوضع داخل الجماعات الإسلامية مطلوبة منذ وقت طويل؛ وإن كانت الحاجة إليها اليوم أشد. ولكن بعض ممثلي التيار الإسلامي في بعض الدول حولوا القضية من نقد ذاتي إلى جلد ذاتي؛ والبعض رأى أنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدفع باتجاه التغيير في المنطقة بكل ما أوتيت من قوة؛ والبعض ذهب إلى أن مقرطة المنطقة لن تتم بدون دعم أمريكي.

    هواجس وشبهات

    ولعل من أبرز الهواجس والشبهات التي أثيرت في المؤتمر هو هاجس تسلم الإسلاميين للسلطة، وما الذي يمكن أن يفعلوه؛ ليس فقط بالنسبة لخصومهم، ولكن في العملية الديمقراطية التي قد تأتي بهم. وهذا الهاجس كان مهما وضروريا أن يجيب عليه الإسلاميون، حتى ولو كان السؤال في غير موضعه؛ ذلك لأن الباحثين والمفكرين الغربيين يرغبون في التعرف على مدى التغير الحاصل في الفكر السياسي عن الجماعات الإسلامية، خصوصا في ظل التطورات التي نشأت على فكر هذه الجماعات من رفض مطلق لفكرة الديمقراطية لقبول مشروط. وهذا يعني أن الغرب -وخصوصا مراكز البحث الأمريكية- كان في حاجة لسماع ما سيقوله ممثلو هذه التيارات عن فكرة إلغائهم للآخر حال وصولهم للسلطة.

    ولكن المثير أن هذه المسألة طرحت أكثر من مرة، وعلى لسان أكثر من محاور؛ ولعل البعض أفرط في تشككه، حين أعلن أن هناك مخاوف من قيام الإسلاميين بالقضاء على كل مظاهر الفرح والسرور في المجتمعات العربية إن وصل الإسلاميون للسلطة؛ وهو ما دفع ببعض الإسلاميين للرد بسخرية، قائلا: "لا تخف.. سيكون في الدولة الإسلامية وناسة (أي فرح)". ولعل من الهواجس الأخرى هاجس المرأة.

    والحقيقة أن التيار الشيعي برز كقائد في هذا المحك؛ وتردد السلفيون كثيرا، بل انقسموا في الرأي، بينما رأى أحد ممثلي الإخوان في الكويت أن العائق "بيئي" وليس شرعيًّا. أما التعامل مع غير المسلمين فقد كان قضية بذاتها؛ وإن حاول البعض تقديم رؤية المواطنة كحل، بينما لم يعلن الجميع الترحيب به.

    ولعل الأمر الأكثر خشونة في قضية التعامل مع الإسلاميين -من وجهة نظر الأمريكيين- هو قضية الأحزاب السياسية الدينية؛ فهناك خلط كبير يحتاج إلى جهود للتفريق بين الأحزاب السياسية ذات الخلفية الدينية والأحزاب الدينية، ولم ينجح الإسلاميون في فض الاشتباك، وإزالة اللبس.
                  

05-19-2005, 06:11 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    3-
    تركيا.. هل هي التجربة النموذج؟

    لقد طرح أحد الباحثين الأمريكيين -الذي شغل منصبا في حكومة كلينتون- كيف دعمت الولايات المتحدة التيار الإسلامي في تركيا، وأصرت على موقفها من الديمقراطية. وتنبأ بأن دخول تركيا للاتحاد الأوربي سيكون على يد حزب إسلامي، أو حزب ذي صبغة إسلامية، رغم ادعاءات الإسلاميين بأن الغرب ضد الإسلاميين. وهذا يطرح سؤالا: "هل دخول تركيا للاتحاد الأوربي مرهون بوصول الإسلاميين للسلطة، أم بقدرتها على إحداث تغيير ديمقراطي في المجتمع، أم مرهون بإرادة الولايات المتحدة ورغبتها في انضمام تركيا للاتحاد؛ بوصفها الحليف القوي لها في أوربا بعد بريطانيا ودول أوربية أخرى أصغر شأنا؟".

    والمثير حقا هو هذا التضارب في المواقف الأمريكية؛ فهل رحبت الولايات المتحدة بحزب العدالة مع أنه إسلامي؛ لأنه معتدل، أم لأنه قدم "طمأنات" (وربما تنازلات مهمة) في القضية الشائكة بين المسلمين والغرب (قضية فلسطين)؟ وهل وجود حزب العدالة والتنمية في الحكم هو النموذج الذي يمكن أن ترتضيه الجماعات الإسلامية في العالم العربي؟ بمعنى آخر: هل الإسلاميون متفقون على رؤية لشكل ونظام الحكم، وطبيعة العلاقات مع الدول الكبرى، في حال وصولهم للسلطة؟ الإجابة: لا..

    وأعتقد من هذه الإجابة الأخيرة بقاء الموقف الأمريكي الرسمي من الجماعات الإسلامية "محلك سر" لحين الوصول إلى حلول وسط. وفي نفس التوقيت وبنفس اللهجة -وربما بلهجة أشد وأقسى ووفقا لمعطيات المؤتمر المشار إليه- فإن الجماعات الإسلامية لن تخطو خطوة في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وربما بالغ البعض في موقفه العدائي منها؛ نظرا لأنه عقب المؤتمر بأيام قليلة رفض الأمريكيون رفضا قاطعا إجراء انتخابات في العراق (وهو القطر المفترض أن يكون نموذجا ديمقراطيا يحتذى لبقية الشعوب العربية). وبعد هذا الرفض تم تسريب خبر من وكالة الاستخبارات الأمريكية يقول بأن الإدارة الأمريكية لن تسمح لأي تغيير في المنطقة -وتحديدا مصر والسعودية- لأن ذلك يعني عدم استقرار المنطقة والإضرار بمصالحها.

    تغييب الحكومات والمفكرين

    مؤتمر بمثل هذه الأهمية يفترض أن يكون للحكومات العربية دور فيه؛ لأن إشكالية التيار الإسلامي ليست مع الولايات المتحدة فقط، بل في جزء منها مع الأنظمة. ولكن هذه الأنظمة يبدو أنها ترفعت عن المشاركة، أو أن المنظمين رأوا ألا يفسدوا المؤتمر بحضور حكومي مبرمج، يردد نفس المقولات والشعارات، أو ربما اعتقدوا أن الحكومات لا دور لها، وأن الأمر مرهون بالإرادة الأمريكية.. من يدري؟

    وربما خافت الحكومات أن يدرك الأمريكيون -وعن قرب- حجم احتقان الموقف، وحجم المعارضة التي تلقتها الحكومات جراء مواقفها من التيار الإسلامي وحقوق الإنسان بشكل عام، والديمقراطية في العالم العربي. ولأنها كانت غائبة فقد غيبت معها وسائل إعلامها؛ ولم تقم بتغطية الحدث، ولو كخبر يستحق النشر.

    وإذا كان غياب الحكومات مفهوما؛ فلماذا لم يُدعَ المفكرون الإسلاميون من أمثال محمد عمارة والعوا؟ الإجابة هي أن المنظمين ربما ليسوا في حاجة إلى منظرين، بل يبحثون عن قيادات يعرفون أن لها دورا تنفيذيًّا على أرض الواقع.. ربما.

    أمريكا تريد أن "تفبرك" شريكا

    الولايات المتحدة تبحث عن مفاوض أو محاور إسلامي معتدل، لكنها لا تريد أن يكون هذا الشريك الإسلامي بمواصفات عربية أو إسلامية، بل تريده شريكا أكثر تحررا (أي أكثر تحللا من موروثه الديني والثقافي)، وأكثر تفهما (بمعنى ألا يربط بين التعامل مع أمريكا وموقفها من الكيان الصهيوني).

    وفي اعتقادي أن البحث ما زال جاريا، وسيظل جاريا، لا لحين العثور على شخصيات إسلامية بهذه المواصفات؛ ولكن لحين قبول الولايات المتحدة فكرة التعايش مع إسلاميين يحملون مواصفاتهم.

    والسؤال هو حول جدية الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك، ومدى قدرتها على المشاركة في مؤتمرات من هذا النوع في المنطقة، أو إقناعها لأصدقائها في السلطة بالسماح بمثل هذه الحوارات، أو استدعاء الكوادر الإسلامية إلى الأراضي الأمريكية للتفاوض معها ومحاورتها. وهنا سنكون على أعتاب موقف أمريكي جاد يمثل تحديا للطرفين؛ وأشك في أن يكون أي من الطرفين لديه القدرة على الدخول في مثل هذا التحدي في الوقت الراهن. فلا الولايات المتحدة مستعدة أن تخسر حلفاء تعبت من أجل تثبيتهم، ولا الإسلاميون مستعدون للقبول بالسراب حتى ولو كان معسولا وجميلا ومغريا.
                  

05-19-2005, 06:42 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    1-
    الدولة في الفكر الإسلامي
    الدولة الإسلامية.. وجدالاتها

    إعداد: معتز الخطيب**
    17/03/2005

    islamonline.net


    في تحديد صفة الدولة وشكلها وعلاقتها بالسياسي: يكمن أبرز معلم من معالم تحديد الانتماءات بين العلمانيين والإسلاميين بحسب التجاذبات (الشائعة) في الفكر المعاصر، بل عادة ما يكنى عن كل من يرى تلازم العلاقة بين الديني والسياسي بـ"الأصوليين"، في حين أن هذا المنطق نفسه يفرض أن يسمى -بالمقابل- كل من يرى حدية الفصل بينهما أصوليا بالاتجاه المعاكس!.

    ولعل من أبرز المفارقات بين الفريقين أن النزاع والسجال الذي يدور بينهما يقع خارج حدود السلطة الفعلية القائمة وعلى هامشها، والتي تارة تنزع إلى هذا ضد ذاك، وتارة تتمسح بذلك ضد هذا، فتأخذ من العلمانية ضغثا، ومن الإسلامية مثله!. فالدولة القائمة لا هي إسلامية بالمعنى الذي يريده العديدون بمعنى تطبيق الشريعة كاملة، ولا هي علمانية بالمعنى المعروف للكلمة والتي تحيد الدين فلا هو يهيمن عليها ولا هي تستغله لمآربها وتدعيم نفسها!. فضلا عن أن عزل الدين عن تفاصيل السياسة ويومياتها غير ممكن، والواقع العالمي - خصوصا بعد 11 سبتمبر - يؤكد ذلك.

    الدولة الإسلامية.. وسياقها التاريخي

    بعد سقوط الخلافة الإسلامية سنة 1924م ثم قيام أتاتورك بتدشين نظام جمهوري علماني في تركيا، تجدد الاهتمام بفكرة الخلافة وتجديد فقه السياسة الشرعية. فدافع محمد رشيد رضا عن "الخلافة أو الإمامة العظمى"، ووجدت مسوغات القول والجدل حول علاقة الديني بالسياسي، فصاغ علي عبد الرازق خطابا نقديا لنظام الخلافة في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" الصادر عام 1925م وانتشر الجدل واتسع.

    بعد ذلك رفع الشيخ حسن البنا شعار "الإسلام دين ودولة" فتبلورت فكرة "الدولة الإسلامية" وانتشرت في ظل "الدولة الحديثة"، ومن ثم أرى -مع البعض- أن فكرة الدولة الإسلامية قد ظهرت كرد فعل لزوال آخر خلافة إسلامية، وأن سقوط هذه الخلافة هو مبعث ظهور نظرية "الإسلام دين ودولة"؛ التي صارت أشبه بالبدهيات في الأدبيات الإسلامية المعاصرة، والتي هي جزء من فكرة "شمولية الإسلام" التي طرحها البنا رحمه الله.

    البعض يحاول الإلحاح على التأريخ للفكرة لينفي مشروعيتها عن الإسلام، ونحن وإن كنا نؤرخ لظهور الفكرة، غير أن هذا لا يعني أن مضمونها -دون تفصيلاتها- محدث وطارئ على الإسلام، فلا يماري مسلم بأن إسلامه يحكم تصوراته وحياته، كما يحكم مماته وسائر شؤونه. غير أن هذا التأريخ يشير إلى وجود مسوغات للحديث عن هذا، والجدل فيه وعليه، وكذلك إلى محاولات بلورة نماذج وتصورات له، نتفق ونختلف مع تفصيلاتها دون أصلها.

    بين الدولة الدينية والدولة الإسلامية

    لجأ الإسلاميون إلى الفصل والتمييز بين "الدولة الدينية" و"الدولة الإسلامية" بأثر من موروث إصلاحية محمد عبده التي جعلت السلطة "مدنية"، ولأن "الدينية/ الثيوقراطية" ذات ميراث سلبي نتج عن نموذج الدولة الدينية الكنسية، والتي قامت على أنقاضها العلمانية. غير أن المودودي وحزب التحرير ما كانا يريان حرجا في إطلاق تعبير الدولة الدينية أو دولة العقيدة على نظامهم المنشود. ومع ذلك يشير رضوان السيد إلى أن "الدولة الإسلامية" - كما تطورت رؤيتها لدى الإسلاميين العرب منذ حسن البنا وعبد القادر عودة وحتى سيد قطب والغزالي والقرضاوي - هي دولة دينية؛ بمعنى أنها تكليف إلهي، ولها مهمة رئيسة هي تطبيق الشريعة".

    نموذج الدولة الإسلامية.. ومحاولات تحديده

    كان البنا قد طرح فكرة الدولة كمقدمة لإقامة الخلافة، ودرس عبد الوهاب خلاف نظام الخلافة باعتباره "نظام الدولة الإسلامية"، وكتب أبو الأعلى المودودي عن نظام الدولة الإسلامية باعتباره "نظاما شموليا" قبل أن يستقر في كتابات المعاصرين واستعمالات السياسيين: تعبير "الأنظمة الشمولية"، بمعنى: الاستبدادية، الأمر الذي جعل د. القرضاوي مؤخرا يفضل تعبير "الإسلام: رسالة شاملة"، وهنا يقدم عبد الرحمن الحاج مقاله "صورة الدولة وظل الخلافة" ليقول: إن الالتباس بين مفهومي الدولة والخلافة ما يزال قائما وفعالا، وإن استعصاء تشكيل نظري لنظام سياسي إسلامي يرجع إلى هذا الالتباس".

    ومع الإقرار بأن هنالك التباسا بين مفهومي الخلافة والدولة، لا يمكن حصر استعصاء تشكيل نظام سياسي إسلامي في هذا الالتباس، فلؤي صافي يقدم في معالجته أن ثمة قصورا منهجيا أحاط بالفكر السياسي الإسلامي: التقليدي والمعاصر، فهو يغلب عليه الطابع التجزيئي، بمعنى أنه انتقائي لا يعتمد على دراسة متكاملة لمختلف النصوص المتعلقة بظاهرة سياسية معينة، كما يغلب عليه الطابع الوظيفي؛ فهو يحدد البنية السياسية من خلال الوظيفة التي تؤديها دون اعتبار المقصد أو المقاصد التي توجه الفعل السياسي. وكذلك يعتمد تحليل السلوك الفردي للصحابة عموما وللخلفاء الراشدين خصوصا، متجاهلا القواعد والمبادئ العامة التي وجهت أفعالهم، والظروف الاجتماعية والنفسية التي قيدت قراراتهم.

    وسبق أن أنتج د. حامد ربيع رحمه الله محاولة بالغة الأهمية؛ في "سعيها إلى استلهام التراث السياسي الإسلامي في ضوء الإطار المرجعي لهذا التراث نفسه". في حين أن الفكر السياسي الإسلامي الحديث مطبوع -عموما- بنزعة تلفيقية، تستخدم الإرث السياسي الماضي في صورة الدولة الحديثة دون إحداث تطويرات عميقة عليه، أو صبه في نظرية متماسكة، وهنا تأتي أهمية كتاب لؤي صافي (العقيدة والسياسة).

    الدولة - كمفهوم حديث - هي "سلعة غربية مستوردة"، جاءت إلى العالم الإسلامي عنوة عن طريق المستعمر في جانب منها، وتدعمت فيه عن طريق اقتباس الحكام ومحاكاتهم لأساليب "هذه السلعة" ومنظماتها من جانب آخر - كما يؤكد (نزيه نصيف الأيوبي) - من هنا يغدو مصطلح "الدولة الإسلامية": "مبتدعا حيث يعبر عن التأثر الشديد للفكر الإسلامي المعاصر بالفكر القومي الحديث السائد، ذلك أن هذا الفكر هو الذي يعطي للدولة هذه الأهمية الاستثنائية والخاصة التي تجعل منها المعبود الحقيقي للمجتمع"، على حد رأي برهان غليون الذي يميز بين "النظام السياسي في الإسلام" ومفهوم "الدولة الإسلامية".

    فالنظام السياسي يشير إلى مجموعة القواعد والمبادئ والأهداف التي تحدد نمط ممارسة السلطة العامة في المجتمع، سلطة الحكم، أي أسلوب استثمار الموارد المادية والمعنوية التي ينطوي عليها حقل سياسي معين.

    وفي حين يؤكد محمد سليم العوا أن نموذج الدولة الإسلامية ليس فيه نص قرآني صريح لا يحتمل في تأويله الاختلاف، ولا نص سنة صحيح الورود قطعي الدلالة؛ وأن الدولة مرادفة لكلمة الشريعة التي أثبتتها نصوص صريحة قطعية الورود والدلالة. يقول عبد المنعم أبو الفتوح: إن الدولة الإسلامية على مدار تاريخها لها معالم مميزة لها، ويحدد مفهومها بأنها الدولة التي أغلب سكانها من المسلمين، وعلى هذا فهي موجودة بالفعل. وهي - لديه - دولة مدنية وليست دينية، يحكمها المدنيون المتخصصون في مختلف النواحي، لكنها مع هذا إسلامية في شتى المناحي الاقتصادية أو الأيديولوجية.

    أما راشد الغنوشي فيرى أن الدولة الإسلامية: نظام سياسي اجتماعي تتحدد هويته من خلال الالتزام بمرجعية النص - من كتاب وسنة - بوصفه المصدر الأعلى للتشريع، والالتزام بالشورى مصدرا للشرعية، أي اعتبار الأمة مصدر شرعية الحكم والحاكم. وبخصوص الخلافة على منهاج النبوة وفق الوسع والاجتهاد فهي هدف لكل المسلمين الواعين بدينهم، وهو ليس هدفا خياليا.

    هاني فحص تتلخص مقولته بامتناع تنميط الدولة، أي أنه يمتنع اقتراح نمط واحد لها في كل الأمكنة والأزمنة، والإسلام في الأساس، لاحظ - حسب القرآن الكريم- مدى التعدد والتنوع البشري، فلم يطمح إلى إلغائه.

                  

05-19-2005, 06:44 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)

    2-
    الدولة الإسلامية والدولة الحديثة

    المتأمل لهذه الأقوال والأطروحات جميعا ربما يجد أن الإسلاميين تجاوزوا مقولة رضوان زيادة "إن مفهوم الدولة الإسلامية أشبه بالنموذج المثال الذي يحدد بالسلب أكثر من تحديده بإحداثياته الخاصة"؛ وصاروا إلى محاولات أسلمة "الدولة الحديثة" أو اختراع نموذج مركب من هذا وذاك له صفة مدنية وإسلامية، ومن هنا يقع الالتباس والارتباك بين الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية، والدولة الحديثة والدولة القطرية القائمة. وهل إسلامية الدولة بمسلميها أم بنظامها؟ وما معنى إسلامية الدولة: هل هي نقيض الكفر؟ أم هي تطبيق الشريعة؟ وهل الشريعة غير مطبقة أصلا؟.

    يبدو من تأمل كثير من أطروحات الإسلاميين حول الدولة، محاولة إعادة تأسيس الرابطة السياسية الإسلامية على قاعدة الدولة الحديثة التي تقوم على مصادرة وتقويض مفهوم الجماعة/ الأمة بمفهومه الإسلامي التعددي الذي تجسد تاريخيا ونصوصيا.

    وإن الجدالية التي لفت الخطاب الإسلامي في ظل ظروف نشأته وإسقاط الخلافة والدخول في صراع مع العلمانية أثرت في طبيعة التصور الاجتهادي، وهو ما أثمر شتاتا مفاهيميا، من قبيل نقاشات التعددية الحزبية والشورى، لا تملك المفاهيم فيها -كما لاحظت هبة رءوف- قابلية العودة والتوطين في التربة المفاهيمية الإسلامية لأنها لا جذر لها فيها نظرا لاختلاف التكوين الاجتماعي- السياسي.

    وبدلا من تمكين النموذج المفاهيمي الإسلامي من خلال تقديمه تصورا قويا إنسانيا وعميقا مرجعيا تقيس عليه الأنساق المفاهيمية الأخرى مفاهيمها، حدث العكس فقاس هو على الليبرالية وبشكل سطحي ومختزل أرغمته عليه جدالات السياسة والأيديولوجية وليس منطلقات المعرفة والدراسة الرصينة. فكان أن نشأت لغة موازية هجين هشة يمكن بسهولة نفيها من الخيال الإسلامي عند المواجهات السياسية وتصاعد الحروب الكلامية.

    وفكرة جماعية الأمة الإسلامية، وهي جامعية غير نافية للتعدد وغير مانعة من انضواء عقائد أخرى أو ما استقر على تسميته بـ"غير المسلمين" في الدول الإسلامية، يؤكد عليها سيف الدين عبد الفتاح ليبين أن الدولة القومية المتشكلة ولدت قسمة جديدة في المنظومة الدولية ومكان المسلمين فيها، وشكلت مسارا تهميشيا لمفهوم "الوحدة"، وأن ميراث الدولة القومية حافظ بشكل حاد ومتواتر على علاقات تسير صوب التفكك لا التكامل (السيادة- الحدود)، خاصة حينما يتحول التمسك بها وبما يترتب عليها من سياسات وعلاقات إلى حالة مرضية تضعف الكيان، كما تضعف علاقاته بكيانات أقرب ما تكون إليه.

    هذه مجمل أفكار وجدالات ملف الدولة الإسلامية الذي خططنا له عبر صفحات موقع إسلام أون لاين، وقصدت إلى أن يكون ملفا نقديا قدر الإمكان، يشتمل على تنويعات في الكُتاب والأشكال ما بين الحوار ومقال الرأي، ومراجعة كتاب، وتوزع الكتاب بين بعض قيادات الحركة الإسلامية وبعض الشباب من خارجها إلى أكاديميين وباحثين
                  

05-19-2005, 06:45 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: محمود الدقم)
                  

05-19-2005, 11:10 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا لثراء المعرفة

    لكن جماعات الاسلام السياسي لا تقدر ولا تعمل علي استعادة

    الدمقراطية او الحريات انظر موقف عصام العريان ودكتور

    عبد الفتوح وقرضاوي من الدفاع عن الانقلاب في السودان

    انظر موقف الزنداني والشعراوي من تاييد العسكرتارية

    وظلم الملوك

    اما غنوشي حفظه الله يصدر فتوي بتكفير الكاتب العفيف

    الاخضر , انظر السودان وايران وافغانستان الملا عمر شبه

    بن الخطاب العدوي , المنظر جد بائس ولا حل لنا الا ارجاع

    الدين لاماكن العبادة وقلوب العباد اما السياسة فهي تحاور

    وتداول وكلامي وكلامك ليس كلام الله لان السنة والشيعة ومسلم ومسيحي

    ويهودي وكل صحاب ديانة يقولون قال الله وان تشددت تشددوا


    لذلك لا مجال سواء العلمانية
                  

05-21-2005, 04:54 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    فشل الدولة الدينية منذ ازمان يدل ان انجع الحلول في

    تبني منهج العلم والمعرفة لبناء وتاسيس الاوطان ولكم


    تجارب كثيرة للرؤي والتبصر اوربا بكاملها وامريكا


    ومعسكر الظلمات انظروا الي السودان وايران والطالبان

    وما سايرهم من الركبان ,

    المراة الكويتية تشارك في الانتخابات .... ده خبر لالفيتنا


    المراة السعودية تطالب بقيادة السيارة ... الله وبعدين


    المراة المصرية اسمها عورة وليس الصوت بدع اسلامي مصر


    ازدياد جماعات الهوس الديني وانتشار ثقافة نقائض الوضوء


    يا سلام علي هذا العقل المظلم الذي لايري ولايسمع ولا يحس


    انصاف الحلول يزيد في التجهيل لابد من مراكز ومنابر حرة

    لمساعدتنا لاجتياز المحنة

    فكو دربنا وجعتو قلبنا
                  

05-24-2005, 09:54 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    للمتابعة والتفكر
                  

05-28-2005, 03:27 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    op up
                  

06-03-2005, 10:37 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    uppppp
                  

10-22-2005, 11:59 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الي الامام سر ولا تنكسر


                  

10-25-2005, 08:07 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العلمانية لاجل حرية التفكير والتعبير

    من اجل مساواة الجميع في الوطن
                  

10-28-2005, 02:35 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    حل سوي حكم الشعب من الشعب للشعب
                  

10-28-2005, 04:15 PM

Ahmed Al Bashir
<aAhmed Al Bashir
تاريخ التسجيل: 03-09-2004
مجموع المشاركات: 505

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الاخ صبرى
    رمضان كريم و سعيد انا انى قد التقيتك
    بل حتى المتدينون, ( داخل نفس الملة) توصلوا بالتجربةالى ان الفصل التام بين الدين و الدولة يتيح لهم جميعا وعلى قدر تام من الحرية "المكفولة دستوريا" ممارسة شعائرهم الدينية جنبا الى جنب مع الطوائف الاخرى. الدين المسيحى كمثال تتعايش طوائفه من بروتوستانت و كاثوليك,....الخ فى اطار دولة علمانية تتيح للجميع المساواة التامة فى ظل حماية القانون. الصراع بين تلك الطوائف محدود الاثر نتيجة عدم تدخل الدولة فى ادارة الصراع, لكنك تجد المثال فقط حين تتلازم العلمانية مع الحكم الديمقراطى. تخيل معى او دعنا نفترض ان السودان كله مسلم الديانة و ان السلطة دينية, ماهى الضمانة فى ان لا تنحاز الدولة المسلمة الى احدى المجموعات دون الاخرى فى صراعها مع بقية الطوائف ( طرق صوفية, اسلام وهابى و, اسلام سياسى .....الخ)؟ و هو صراع اكيد ان لا سقف له. من هنا يمكن القول ان العلمانية هى بمثابة حماية حتى للطوائف الدينية التى تشترك نفس الديانه , ناهيك عن الملل الاخرى , بشرط اوحد الا و هو توفر المناخ الديمقراطى و بالتالى السلطة الديمقراطية.
    تحياتى
                  

10-28-2005, 05:49 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    احمد البشير


    تحياتي واشواقي

    شكرا علي التعليق وحقيقة الدولة الدينية لا سقف سمائي او ارضي

    للرجوع اليه مفاهيمنا للقران والسنة حمالة اوجه لان رفعت المصاحف علي اسنة الرماح زمن علي الكرار والعهود التي تلته

    لا تقدم لشعوبنا الا بفصل الدين عن الدولة وليس الدولة المدنية

    لانها ستشوه هي ايضا فصل الدين عن الدولة لان الدولة لا دين

    لها امامك تجربة السودان ايران وافغانستان واحكوا لنا لا

    انسي السعودية والذل والاهانة لمواطنها وزائرها

    لي رجعه ولك اسرة امتلكت من الوعي والمعرفة فمزيدا لهم ولنا

    الاستفادة
                  

10-30-2005, 02:35 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    العلمانية من اجل بقاء سودان واحد ديمقراطي يتساوي فيه بنين

    وبنات الوطن وطن يجد فيه الزارع والطالب وطن يسوعب احلام فقرائه


    وطن يستجلب العلم والمعرفة وطن يخلق التقدم والرفاه وطن خالي


    ملاريا ودي اشبه بفول خالي كلسترول وبجيكم راجع
                  

10-30-2005, 04:55 PM

yumna guta
<ayumna guta
تاريخ التسجيل: 04-07-2003
مجموع المشاركات: 938

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    صبرى سلامات و كل سنة و انت طيب
    اسفة للانقطاع الطويل عنك اصلى رحلت لى مدينة تانية
    توقع منى مكالمة قريب باذن الله

    اوافقك الراى و ابصم بالعشرة ان لا بديل للخروج من هذه الحلقة الشريرة و هذا النفق المظلم سوى العلمانية و ازيد على ذلك ما ذكره الاخ احمد البشير
    Quote: بل حتى المتدينون, ( داخل نفس الملة) توصلوا بالتجربةالى ان الفصل التام بين الدين و الدولة يتيح لهم جميعا وعلى قدر تام من الحرية "المكفولة دستوريا" ممارسة شعائرهم الدينية جنبا الى جنب مع الطوائف الاخرى
                  

10-30-2005, 05:22 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا يمني اوافقك الراي لا مخرج سواء العلمانية


    كل سنة وانت طيبة سلام لك ولاهلك
                  

11-01-2005, 06:23 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    موضوع فصل الدين عن السلطات ضمان لحقوق المواطنة كاملة


    غير منقوصة لذا المطلوب دعم ارساء دعائم الدمقراطية وترسيخ

    المفاهيم التي تجعل قبول الاخر سهلا له ولي حرية التفكير والنشر

    والتعبير والتنقل ومساواة الجميع امام القوانين وهذه من مبادي

    الدولة المدنية ومزيدا من الحوار لتعلي قيم العلمانية بالمجتمع
                  

11-16-2005, 09:23 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    لافكاك الا بفك الارتباط بين الدين والدولة مساواة المواطن في

    الوطن بين المواطنة حق اساسي التنمية المتوازنة لكل السودان

    لا تتم بعقلية تميز الانسان بدينه ولونه او نوعه

    المواثيق والعهود الدولية وسيلة لمنال الحقوق الانسانية

    معا من اجل ابدال القوانين الاسلامية سبتمبر 83 وقانون الجنائي

    91 بقوانين متفق عليها لا تتعارض مع المواثيق الدولية

    ان نال اهل الجنوب عدم الخضوع لقانون ديني فانا في الشمال

    اقف ضد الدولة الدينية منذ 83 والي الان ونفضح في قادة

    الاتجاه الاسلامي وليكن هذا البوست مكرس لفهم العلم والمعرفة
                  

11-16-2005, 10:20 PM

WADKASSALA
<aWADKASSALA
تاريخ التسجيل: 08-08-2003
مجموع المشاركات: 749

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    إن ( العلمانيه ) أو ( العالمنيه ) أو( اللادينيه ) أو ( الدنيويه ) في بعض التراجم العربيه الأخرى للكلمه الأجنبيه ( Secularism ) ليست بالضرورة رادعا ً للديكتاتوريه !!؟؟ .. فهي في أصلها الفكري والتاريخي دعوة لفصل الدين عن الدوله أوفصل الدولة عن الدين .. دعوة لتحرير السلطان الزماني ( الملك ) من السلطان الروحاني ( البابا - الكنيسه ) ولذلك فهي في أصلها ليست دعوة للديمقراطيه أي للحكم الجمهوروي الشوروي بل هي دعوة إلى إستبعاد سلطان الدين عن التدخل في أمور السياسه وحصر سلطانه على ماهو روحي في الكنيسه وعلى ضمائر وأخلاق الأفراد فقط ! .. وعلى الرغم من أن كثيرا ً من المثقفين يحسبون أن العلمانيه رديف للديمقراطيه وأن الديمقراطيه هي علمانيه بالضرورة أو أن العلمانيه هي ديمقراطيه بالضروره فإن هذا الأمر غير صحيح البته لا من الناحيه النظريه ولا من الناحيه الواقعيه ولا من الناحيه التاريخيه على الإطلاق!!.. فإن أعتى الأنظمه الديكتاتوريه إنما قامت في ظل نظم وحكومات علمانيه!! مثل حكومة النازي هتلر والفاشي موسوليني والرجل الحديدي ستالين وغيرهم فضلا ً عن أن الديمقراطيه قد ولدت تاريخيا ً قبل العلمانيه بقرون عديده!!؟؟.......
    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~]الى كل من امتطى صهوة اللبرالية والعلمانيه وبعيداً عن توجه من يكتب أو من يقرأ ، تطرح أحياناً اسئلة واضحه وضوح الشمس تبحث ان اجابة لأن الإجابه بصدق وصراحه تبين أمور كثيرة ولكن لاتوجد اجابة واضحه تضع النقاط على الحروف ، الذي يريده المحاور هو أن يجد إجابة وافيه لما يصدر منه من أسئله ، قرأت كثيراً للكتاب اللبراليين والعلمانيين بل قرأت لشرار الخلق وهم الملحدين ، لا أجد اجابه تشفي غليلي وتبين لي الصورة التي لازالت ضبابيه كل ما أقرأه عبارة عن خطابات سخريه وتمرد على هذا المجتمع وعلى دينه وعلى ارثه ومعتقداته ، فتشت في الاسباب التي تدعوا للتمرد لم أجد فيها الا محبة تقليد المجتمع الغربي وليس غير التقليد ، في كل مقال او رد الكل يبحث عن الحريه والعدالة والمساواه، هذه حقوق يحق للجميع ان يطلبها ، لاحرية لا عدالة لا مساواه ،، كتابات اللبراليين تجعل النهار حالك السواد في نظر القارىء فحسب كلامهم فنحن مقبلون على المصائب والفناء والكوارث ! إذاً ما الحل كيف نخرج من هذا المأزق الذي يصوره لنا الكاتب اللبرالي ؟ كيف نواجه مانحن مقبلون عليه ؟ لاحل ولامنجى ولا ملجى لنا الا ان نرتمي في أحظان اللبراليه ونرضى بها كنظام يحكمنا ونتحاكم اليه ؟ هذا هو الحل في نظر الكاتب اللبرالي لاحل غيره ! وهذا الخطاب موجه للبرالي الذي يؤمن بالله ، نحن بشر لنا خالق والزمنا باتباع نظام انزله هو سبحانه وشرعه ليكون حاكماً للناس ،، لكن هذا الكلام لايروق للبرالي ولا يقتنع به فإذا سألته ما الذي تريده قال اريد الحرية والعدالة والمساواة فهو بذلك كمن يقول بان الاسلام عاجز عن توفير كل هذا أي ان النظام الذي وضعه الله عاجز عن الحلول وعن توفير هذه المتطلبات لبني البشر ! عليه نتوجه بالسؤال لكل لبرالي ونريد أن نسمعها بكل صفاء ووضوح بدون فلسفة ولا حشو ولا اطالة للكلام والشروح نريد جواب يزيل هذه الضبابيه ونريد أن ينصفونا القوم وان يقولوها بكل صراحه وان يجيبوا على اسئلتنا ، هل النظام الذي شرعه الله عز وجل ليكون نظاماً يتحاكم اليه كل المسلمين هل هذا النظام عاجز عن توفير الحرية والعدالة والمساواه ؟؟؟ هل هو عاجز عن توفيرها ؟؟؟؟؟ إن اجاب اللبرالي وقال نعم شرع الله عاجز قلنا له اعطنا الدليل واعطنا دليلاً واضح يدل على أن شرع الله عاجز عن توفير متطلبات البشر ؟؟ وان قال لا بل شرع الله قادر على توفير متطلبات بني البشر ويوفر لهم مايريدونه قلنا له فلماذا لاتنادي الناس بتطبيق شرع الله يدون تقصير ولازيادة ونقصان ؟ لماذا لاتتحمس لذلك بدلاً من حماسك للبراليه ؟ ولماذا تدعوا للبراليه طالما أن شرع الله يوفر ماتريده ؟ هل نجد جواب شافي ام نسمع ماتعودنا عليه .
    الأخ الكريم/ صبرى
    كل عام والجميع بخير
    هذه مقطتفات من أحد المواقع ونقلته كماهو وبدون تعليق
    مع خالص الود والتقدير.
    أخوك الصغير/ ودكســــــلا
                  

11-16-2005, 11:09 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا ود كسلا


    المساهمة جيدة وتعبر عن فهم ربط الدين بالدولة لتكريس القهر

    والذل والهوان العلمانية انتاج فكري قابل للخطا والصواب ولكن

    الدولة الدينية لا تقبل لان طاعة السلطان طاعة للرحمن ومخالفته


    مخالفة للذات الالهية وامامك كل تجارب الحكم الديني مسيحي

    مسلمين يهود لا فكاك سواء باستخدام العقل وان رفضنا سيبعد

    الدين عن السياسة كما ابعدت اوربا تسلط الكنيسة .

    امامك دول كرست ذل الانسان باستخدامها للدين ايران السودان

    والسعودية وافغانستان واحزاب الهوس الديني مصر باكستان

    وفلسطين انظروا واروا الحكام والقضاة والجلادين للمستضعفين

    اعطني تجربة بعد المعصوم نموذج للاتباع وشكرا تاني
                  

11-20-2005, 09:38 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    هل العلمانية ضد الدين؟
    رأينا في تعريف معجم روبير للعلمانية أنها الفصل بين الدولة والكنيسة، أي بين الديني والدنيوي ليس إلا. بريطانيا دولة علمانية تماماً كفرنسا، لكن ملكة بريطانيا تحمل لقب "حامية حمي الكنيسة" وبإمكان المملكة المغربية أن تكون علمانية ويحمل ملكها، لقب "أمير المؤمنين" ، وبإمكان تونس أن تكون علمانية ويحمل رئيسها "حامي حمي الإسلام". يجب أن يكون المرء جاهلاً بتعريف العلمانية في المعاجم الأوربية، لأن أوربا هي أرض ميلاد العلمانية، أو سيء النية ، ككثير من قادة الإسلام السياسي، ليقول أن العلمانية ضد الدين. خاصة وأن العلمانية اليوم في البلدان العلمانية الصافية، كفرنسا، باتت علمانية منفتحة على كثير من الجوانب التي لا تضير في شيء المواطنة الحديثة ، التي تفترض المساواة بين الرجل والمرأة والمؤمن وغير المؤمن في حقوق المواطنة وواجباتها كافة. حياد الدولة العلمانية الفرنسية إزاء الدين لم يمنعها من أن تبني،من مال دافعي الضرائب سنة 1921، جامع باريس الشهير تكريماً لذكري الجنود المسلمين المغاربيين الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولي دفاعاً عن فرنسا، ولم تمنع اليوم وزير الداخلية الفرنسي، فيليب دوفلبان، المسؤول عن الشئون الدينية، من تكوين مؤسسة إسلامية خيرية لجمع التبرعات من المحسنيين لبناء المساجد والانفاق على الجامعة والمعاهد الإسلامية التي هي برسم الإنشاء. وقد تلقت هذه المؤسسة بمجرد إنشائها 800 مليون يورو من متبرعين لم يكشفوا عن هويتهم. أما الدولة العربية العلمانية القادمة فإن علمانيتها لن تمنعها من مساعدة ديانات جميع مواطنيها على قدم المساواة. وهذه العلمانية هي التي ستسود مع الوقت أرض الإسلام. على غرار تركيا العلمانية التي يوصيها دستورها ببناء دور العبادة لمواطنيها على اختلاف دياناتهم. فأي مانع من احتضان الدولة العلمانية للتعليم الديني شرط أن تسهر على جعله تعليماً دينياً إصلاحياً حديثاً يكون مواطني الغد الذين يعرفون المواطنة الحديثة، التي لا تميز بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم في حقوق المواطنة، ويعترفون بها دون تردد أو شعور بالذنب. ولكي يكون التعليم الديني إصلاحياً وحديثاً يجب أن يدرس التلاميذ والطلبة الدين بمساعدة علوم الحداثة: تاريخ الأديان المقارن، سسيولوجيا الأديان، علم النفس، اللأنثروبولوجيا الدينية، الألسنية، الهرمينوطيقا (علم تأويل النصوص المقدسة)، والفلسفة، لتنمية الفكر النقدي لدي الأجيال الطالعة. في تونس يدرس طلبة الجامعة الزيتونية الدينية الفلسفة الإسلامية والفلسفة الحديثة طوال السنوات الأربع. ويدرس طلبة كليات العلوم بما فيها الطب الفلسفة الحديثة طوال مدة الدراسة الجامعية. فلا شيء كالفلسفة والعلوم الإنسانية لتحصين العقول ضد دعاية الإسلاميين الدينية - السياسية. مثل هذا التعليم الديني الإصلاحي والحديث ليس مستحباً من الدولة العلمانية في الفضاء العربي والإسلامي بل هو فرض وواجب عليها لإعادة صياغة الوعي الإسلامي التقليدي وتحصين وعي الأجيال الطالعة ضد التزمت، والتعصب والإرهاب والتمييز الديني، أي النرجسية الدينية التي تأمر باضطهاد دين لباقي الديانات بل ونسخها .
                  

11-29-2005, 03:47 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    Dear Sabri Elsharief,
    Thanks for the postings... I wonder whether are these your own opinion or of other writers? if not please provide the actual link so we could read and print our the original materials directly ...

    Thanks
    Mohamed Elgadi
                  

11-20-2005, 09:40 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    هل تشكل العلمانية قطيعة مع جذورنا الإسلامية؟
    تشكل العلمانية قطيعة مع الدولة الأوتوقراطية والثيوقراطية ، أي الدولة الدينية والمستبدة، دولة الخليفة الذي لا يعزله إلا الموت او الكفر البواح، أي الصريح، دولة جلد شارب الخمر، وقطع يد السارق، ورجم الزاني والزانية حتى الموت، ودق أعناق المفكرين الأحرار باسم الردة، وهضم حقوق المرأة والمواطن غير المسلم باسم الشريعة ، وحظر النحت والرسم والشعر والغناء والبحث العلمي باسم فقه القرون الوسطى ، واستحلال هدر دماء المدنيين الأبرياء وقتل الأجنة في بطون الإسرائيليات كما أفتى القرضاوي واغتيال الرئيس السادات وجميع الحكام المسلمين كما أفتى راشد الغنوشي ، باسم الجهاد وفقه الولاء والبراء الإرهابي ... هذه الفظاعات هي جذورنا المتعفنة التي علينا أن نقطعها ونقطع معها. لكن العلمانية تشكل إعادة اتصال بأفضل ما في جذورنا الثقافية مثل العقل الإعتزالي والفلسفي اللذين أخضعا النص المؤسس للتأويل العقلي، والإسلام الصوفي والدرزي اللذين حققا اختراقاً لا نظير له في العصور الوسطي : إلغاء شريعة العقوبات البدنية والفصل بين الدين والحكم. طبعاً ، العلمانية، بما هي إحدى أهم منجزات الحداثة، لم توجد في دولة القرون الوسطي، التي كانت من حيث الأساس دولة دينية. العلمانية الواعية بذاتها كانت في عداد الأفكار اللامفكر فيها. ومع ذلك ففي تراثنا الإسلامي ملامح علمانية غير واعية بذاتها لكنها واعدة، عندما يأتي زمانها، بالعلمانية الحديثة. مر النبي مثلاً ذات يوم على بعض ملاك بساتين النخيل فوجدهم يؤبرونها [=يلقحونها] فقال لهم لو تركتمها لكان أصلح. إمتثلوا لنصيحته، لكن نخيلهم فسدت، فجاؤوه محتجين. فكان رده عليهم :" ويحكم إنما أنا نبيكم في أمور دينكم؛ أما أمور دنياكم فأنا وإياكم فيها سواء"، أي أن نبي الإسلام أقر بالفصل بين الدين وعلم الزراعة. وفي غزوة بدر أراد أن ينزل بجيشه في موقع ظنه حصيناً، فسأله خبير عسكري من الأنصار:" يا رسول الله، هل هو الوحي أم هي الحرب والخديعة؟"، فأجابه بصدقه المعروف:"بل هي الحرب والخديعة"، فقال له الخبير العسكري:" ليس هذا بموقع فلنجعل البئر وراءنا فنشرب ولا يشربون". فعلاً كان عطش قريش أحد أهم أسباب هزيمتها. هنا أيضاً أقر النبي بالفصل بين الدين والاستراتيجيا. ومعروف أن الإمام علي، مستلهماً هذه السنة التي تفصل بين الاختصاصات الدينية والدنيوية، قد طلب من ابن عباس، عندما كلفه بمجادلة الخوارج، أن يستخدم في جداله معهم السنة النبوية لا الآيات القرآنية لأن "القرآن حمال أوجه" كما قال الإمام ، أي قابل لقراءات تعددية متعارضة نظراً لكثرة الآيات المتشابهات، أي الملتبسات والغامضات ، إذ أن الآيات البينات [ = الواضحات ] لا تمثل إلا 6 % من القرآن.
    يذكر المؤرخ المصري، حسين مؤنس ، أن الصحابة الذين رفضوا المشاركة في الحرب بين على ومعاوية الذين كانوا يسمون أنفسهم بـ" الجالسين على الربوة" ومنهم عبد الله بن عمر، وأبو هريرة الذي ينسب له أنه قال " أصلي وراء علي فالصلاة وراء علي أفضل، وآكل على مائدة معاوية فالأكل على مائدة معاوية أدسم، وأجلس على الربوة والجلوس على الربوة أسلم".قد بايعوا معاوية بعد اغتيال علي ، قائلين له، كشرط لمبايعته ، نحن للأمة في أمور دينها وأنت للأمة في أمور دنياها. وهذا التقسيم للعمل بين الخلفاء والفقهاء بذرة علمانية مازالت لم تأتي أكلها بعد.
    معاوية نفسه أسس مقدمات العلمانية عندما توقف عن الصلاة بالناس وسمي إماماً يصلي بالناس بدلاً منه. هذا التقسيم بين إمامة الدولة وإمامة الصلاة مشروع دولة علمانية لم يكتمل بعد. وبعد معاوية توقف خلفاء الإسلام عن الصلاة بالناس بينما رؤساء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدينية مازالوا يصلون بالناس، بالطبع، لأنها جمهورية دينية تكابر في التسليم بالفصل الضروري بين الدين والسياسة. تقسيم العمل بين الفقهاء، الذين هم للأمة في أمور دينها، والخلفاء، الذين هم للأمة في أمور دنياها، تواصل لمدة 14 قرناً، خاصة في الشرق، دون استثناء يذكر. الخليفة حاكم شبه دنيوي، بشرعية دينية : شرعية بيعة أهل الحل والعقد وشرعية الدعاء له في صلاة الجمعة، وتدخل تجديداته الدينية في باب "المصالح المرسلة" مثل تحريم الحلال . تقليدا لعمر الذي حرم على المسلمين نكاح المتعة المباح بأحاديث يرويها البخاري ومسلم وبالآية :" فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة" (24 النساء). يروي الطبري أن هذه الآية جاءت في مصحف ابن عباس، الذي حرقه عثمان فيما حرق من مصاحف :"فما استمتعتم به من هن [ إلى أجل مسمي] فأتوهن أجورهن". لذلك قال علي، كما يذكر الطبري عن نكاح المتعة :"لولا أن عمر نهي عنه ما زني إلا شقي". وحرم عمر أيضاً على الفاتحين المسلمين الزواج من الفارسيات، اللواتي أقبل العرب على الزواج منهن أفواجاً أفواجاً ، حتى لا تبقي نساء الجزيرة العربية عوانس. عموماً كانت مطالب الفقهاء من الخلفاء محصورة في الشأن الديني والأخلاقي مثل مطالبتهم لهم بالسهر على تطبيق الشريعة أو الرفق بأهل الذمة كما فعل أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، في كتابه "الخراج" عندما وصف لهارون الرشيد وصفاً مؤثراً التنكيل الذي يكابده الفلاحون عند أخذ الخراج منهم الذي قد يصل أحيانا إلى 90% من محاصيلهم . اعتبار جمهور الفقهاء السنة الشورى مجرد نصيحة غير ملزمة للأمير إقرار ضمني باستقلال الشأن السياسي عن الشأن الديني. بل إن الفقهاء السنة حرموا على أنفسهم التدخل في السياسة بالقاعدة القائلة :" طالب الولاية لا يولي". وقد شكلت هذه القاعدة عائقاً في وجه قيام حكومة فقهاء في الإسلام خاصة في المشرق. لم يشذ عن قاعدة طالب الولاية لا يولي، وقاعدة التقسيم الضمني للعمل بين الخلفاء والفقهاء منذ معاوية إلا الإسلام الوهابي الذي انتفض على الخلافة العثمانية باسم فقه شمولي متعصب لا يعترف بالفصل الطبيعي بين المجالين الديني والسياسي. تحالف الإسلام الوهابي مع آل سعود لتكوين المملكة العربية السعودية التي يحاول الجناح الإصلاحي فيها بقيادة الأمير عبد الله والأمراء المستنيرين كطلال بن عبد العزيز،التخلص من العائق الوهابي المتعصب وتحديث التعليم وشرط المرأة والتخلص من فقه "الولاء والبراء" الذي يحرم على المسلمين حكاماً ومحكومين تقليد حضارة غير المسلمين في أي شأن جل أو قل إلى درجة أن مفتى السعودية، آل الشيخ، كفر سنة 2004، بفتوى نشرتها "الأحداث المغربية" باعة الزهور لأنهم بذلك "يتشبهون بالكفار". كما حرم فقهاء الوهابية ، بمعية الشيخ يوسف القرضاوي ، الاحتفال بالمولد النبوي، الذي تحتفل به جميع بلدان العالم الإسلامي عدا السعودية وقطر الوهابيتين. لماذا حرموا ذلك؟ باسم فقه الولاء والبراءالعنصرى المنطوي على نفسه:"الاحتفال بالمولد النبوي تقليد للكفار، كما يقول القرضاوي، في احتفالهم بمولد المسيح" الذي كان يذكره نبي الإسلام محمد بـ"أخي عيسى" !.
    شذ أيضاً عن قاعدة طالب الولاية لا يولي وعن قاعدة الفصل الضمني بين مجال الخلفاء ومجال الفقهاء ، الإسلام السياسي ، متمثلاً في الإخوان المسلمين ومن تناسل منهم، الذين كونوا حزباً دينياً سياسياً هدفه استعادة الخلافة وتكوين حكومة فقهاء لأول مرة في تاريخ الإسلام السني.
                  

11-20-2005, 09:41 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    لماذا تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية؟ وفي أي المجالات تحديداً؟
    تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية، لأن الأولي هي دولة القرون الوسطي حيث كان كل شيء دينا.ً والثانية دولة العصور الحديثة القائمة على الفصل المرن بين الشأنين الديني والدنيوي، اللذين لا يتعاديان بل يتكاملان، شرط أن يبقي كل منهما محصوراً في مجال اختصاصه الأساسي. تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية خصوصاً في مجال المواطنة : التفاوت بين الرجل والمرأة وبين المؤمن والمواطن، أي المسلم وغير المسلم، تفاوت جوهراني Essentialiste في الدولة الدينية التي لا تعترف للمرأة بحقوق المواطنة وتعترف للمؤمن بدينها فقط بحقوقه كمؤمن لا بحقوقه كمواطن . أما غير المؤمن بدينها فتعامله كعدو بالقوة أو بالفعل. أما في الدولة العلمانية فالرجل والمرأة ، والمؤمن والمواطن متساوون كأسنان المشط لا فضل لأي منهم على الآخر في حقوق المواطنة. الدولة الدينية تتصرف مع رعاياها بمنطق العصور الوسطي التي تعتبر الإنسان قاصراً، أي عاجزاً عن وضع قوانين ينظم بها قواعد العيش المشترك، أي علاقة المواطنين بعضهم ببعض وعلاقة دول العالم بعضها ببعض.
                  

11-20-2005, 09:42 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    لماذا يقرن الإسلاميون العلمانية بالإلحاد؟
    لتأليب جمهورهم عليها،ولأن مبرر ظهورهم هو محاربة الحداثة . والعلمانية تمثل إحدى أركان الحداثة بما هي ذروة العقلانية الديمقراطية. لماذا يكفر الإسلاميون الحداثة؟ باسم الحاكمية الإلهية، التي هي لب مشروعهم الديني – السياسي و باسم فقه الولاء والبراء الذي يكفر خاصة منذ ابن تيمية التشبه بـ"الكفار"، أي تبني أزيائهم وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وعلومهم ومؤسساتهم. لكن علينا نحن العلمانيين أن نمتلك شجاعة قناعاتنا ونصدع بها في وجه الإسلاميين الذين هم في الواقع رد فعل مذعور على الحداثة العالمية واحتمالات دخولها إلى أرض الإسلام. مخاوفهم في محلها. فالحداثة اليوم اتجاه تاريخي لا يصد ولا يرد. وستصل إلينا كما وصلت إلى قبائل الإسكيمو ! بل أجازف بالقول بأن الإسلاميين قد يكونوا أداة التاريخ اللاشعورية لإدخال العلمانية إلى أرض الإسلام. بعد ربع قرن من قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، يتباهى طلبة قم بأنهم علمانيون. 75% من الشعب و86% من الطلبة، توقفوا عن أداء الصلاة، حسب احصائيات بلدية طهران.المسلم الذي لايمارس الشعائر الدينية هو مسلم علماني. المساجد والجوامع التي كان يصلي فيها في عهد الشاه 3000 – 5000 مصلي، لا يصلي فيها اليوم صلاة الصبح إلا 10 أشخاص وصلاة الظهر 25 شخصاً. 2 % فقط يصومون رمضان من شعب كان قبل ظهور الجمهورية الإسلامية صواماً قواماً ! السودان الصوفي، تخلت فيه نسبة مهمة من شبابه عن الإسلام بفضل حكم الإسلاميين . على العلمانيين أن لا يخشوا من استيلاء الإسلاميين على الحكم في أرض الإسلام خاصة في الدول التي تطبق الإسلاموية من دون الإسلاميين. فبعض البلدان لن تنتقل إلى العلمانية بسرعة قياسية، أي لن تتجاوز الإسلام السياسي والجهادي والسلفي إلا إذا طبقته وذاقت طعمه المرير عندئذ ستيأس منه. أطروحة فلسفة التاريخ الهيجيلية القائلة " لا سبيل لتجاوز مرحلة تاريخية إلا إذا تم تحقيقها" برهنت وقائع التاريخ على صحتها. خطأ لينين الكارثي على الحركة الاشتراكية هو قناعته الإرادوية بإمكانية "حرق المراحل"، انطلاقاً من "الحلقة الضعيفة في الرأسمالية" : روسيا. ماركس كان، كهيجل، مقتنعاً باستحالة حرق المراحل التاريخية وبضرورة تحقيق كل مرحلة تاريخية لتجاوزها. لذلك عارض ثورة عمال باريس 1871 لقناعته باستحالة المرور إلى الاشتراكية في فرنسا التي كانت مازالت حينها لم تحقق المرحلة التاريخية الرأسمالية التي ، لم تحققها يومئذ، في تقديره إلا بريطانيا.
    العلمانية، كما هي سائدة في العالم، اتجاه تاريخي عارم. الإسلاميون لن يصمدوا طويلاً أمامه . لماذا؟ لأننا كلما عدنا إلى الوراء في التريخ وجدنا أن مساحة المقدس تغطي كل سطح الكرة الأرضية وكل سطح الحياة اليومية . فكل شيء مقدس، والإنسان لعبة الآلهة التي تتحكم في الكبيرة والصغيرة. لماذا؟ لأن العقل البشري ، أي العلم والتكنولوجيا ، كان مازال ، في مراحل تطوره الأولي، عاجزاً عن فهم وتفسير وتغيير العالم الذي يعيش فيه بقوانينه الخاصة. كان لابد له من الاستنجاد بالفكر السحرى الإحيائي، ثم بالفكر الأسطوري ثم بالفكر الديني ليفهم ويفسر ويغير عالمه. لكن في القرن السادس قبل الميلاد حقق العقل البشري، في مسار تطوره، قفزة نوعية فبدأ العقل البشري التحليلي والتجريبي ينافس العقل الإلهي في فهم وتفسير وتغيير العالم. هزم العقل أمام الأسطورة. لكن الحرب بين العقلاني والأسطوري ظلت سجالا . فما لبث أن نهض من هزيمته لينافسه يوما له ويوما عليه. لكن الاتجاه التاريخي كان دائماً متجهاً إلى فتح العقل البشري لمساحات أوسع فأوسع على سطح الكرة الأرضية وعلى سطح الحياة اليومية في مجال الفصل بين اختصاصات العقل الإلهي الروحية واختصاصات العقل البشري الدنيوية. مثلما قيد العقل البشري سلطة الملوك المطلقة ، قيد أيضاً سلطة العقل الإلهي المطلقة لكي تنحصر في المنطق الروحي الحدسي وتتخلي عن الباقي لمنطق العقل التحليلي وللتجربة العلمية . العقل البشري السوي ديمقراطي إذن يعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر. كيف حقق العقل البشري هذه الفتوحات العلمانية في عالمنا المعاصر؟ بالعلم والتكنولوجيا اللذين يساعدان العقل البشري على فهم وتفسير ما كان يتراءي للإنسان معجزة. مثلاً كان رائد الفلسفة العقلانية الحديثة، ديكارت، يعتقد أن قوس قزح لا تفسير عقلانياً له لأنه معجزة إلهية، أي من اختصاص العقل الإلهي. لكن لو تبني اليوم تلميذ في الباكالوريا (الثانوية العامة)تفسير ديكارت في امتحان الفلسفة لنال صفراً. لأن العلم يعلمه اليوم، وفي الباكالوريا بالذات، أن قوس قزح ظاهرة جوية ناتجة عن انكسار وانعكاس أشعة الشمس في قطرات المطر. تقدم العلم والتكنولوجيا اتجاة تاريخي لا رجعة فيه. فأمم العالم المتقدم تتنافس في اكتساب مزيد من العلم والتكنولوجيا ، وأمم العالم المتأخر تحلم بهما أو تسعى جاهدة لإكتسابهما. احتكار العقل العلمي والتكنولوجي لفهم وتفسير الظواهر الاجتماعية والظواهر الكونية لنزع القداسة المزعومة عنها، لا يماثله إلا احتكار المنطق الروحي لفهم وتفسير الظواهر الروحية حدساً. هذا الإحتكار العقلي والروحي معاً لا يتم بدون ممانعة ودون مقاومة من الإسلام السياسي المعاصر الذي يقاوم منطق العقل العلمي ومنطق الروح الصوفي . لكنها مقاومة محكومة بالفشل بمقياس الخط البياني للتطور التاريخي منذ ظهور العقل البشري في القرن السادس قبل الميلاد إلى الآن حيث تحكم في المتناهي في الصغر (الذرة) والمتناهي في الكبر (الأفلاك) والمتناهي في التعقيد (الدماغ الإلكتروني) . ولأن الإسلام الصوفي هو الإسلام الشعبي الذي لم يستطع الإسلام السياسي حتى الآن نزع الشرعية عن رسالته اللاعنفية والعزوفة عن التدخل في السياسة .
                  

11-20-2005, 09:44 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    هل العلمانية ضرورية للمجتمعات العربية؟
    نعم العلمانية ضرورية على مستوى الوطن وعلى مستوى العالم للعيش معا بين جميع مكونات المجتمعً. معظم المجتمعات في العالم تتشكل من طيف عريض من الديانات والطوائف والمذاهب الدينية المتعارضة وأحياناً المتحاربة. إذا اعتمدت الدولة ديناً أو طائفة أو مذهباً واحداً لإحدى فئات مواطنيها ، فإن باقي مواطنيها المستبعدين سيشعرون بالإحباط لأنهم لا يستطيعون التعرف على أنفسهم، وعلى هويتهم في دين الدولة أو طائفتها أو مذهبها وسيبقون خارج المواطنة الكاملة ... المخرج من هذا المأزق، الحامل للحروب الدينية، هو علمانية الدولة. في الدولة العلمانية رابطة المواطنة لا تقوم على الدين أو الطائفة أو المذهب، بل تقوم على العقد الإجتماعي ، أي العقل البشري ، أي مصلحة المواطنين المفهومة فهما صحيحا. وهكذا فالدولة العلمانية تستمد شرعيتها من العقد الاجتماعي ، لا من الدين، لتنظيم حياة المجتمع وتحقيق السلام الداخلي بين دياناته وثقافاته . بدوره المجتمع العالمي مكون من طيف لا حصر له من الديانات والطوائف والمذاهب. لا يوجد دين واحد يمكن أن يحظي يتراضي غالبية سكان المعمورة ، فعلي أي أساس يقوم تنظيم المجموعة الدولية،وربما ذات يوم تحويل مجلس الأمن الموسع إلى حكومة عالمية؟ على العقل البشري ، أي المصلحة المشتركة في العيش معاً بين البشر على اختلاف أديانهم ومشاربهم والتي تضمن الحد الأدني من مصالح غالبية سكان المعمورة. العقل ، أي المصلحة المشتركة هو الذي يمكن أن يؤسس الحياة العامة في المجتمع القومي والمجتمع العالمي معاً. أما أنماط السلوك والمعتقدات والأراء فهذه من اختصاص منطق الروح الحدسي لا منطق العقل التحليلي. الدولة العلمانية تتدخل عندما ينتهك الأفراد أو الجماعات ، باسم معتقداتهم ، القانون الوضعي. لن تسمح بختان البنات باسم التقاليد الفرعونية ولا برجم الزاني والزانية وغيره من العقوبات الهمجية باسم الشريعة. تطبيق الشريعة الإسلامية التي "نزلت مكتملة" كما يقول الإسلامي المصري محمد عوده، سيثير ولا شك احتجاج أتباع الديانات الأخرى فتكون فتنة ... فضلاً عن أن الأحكام والعقوبات الشرعية تقادمت وغدت متصادمة مع روح الشرائع الحديثة المتعارضة مع العقوبات البدنية كالجلد وقطع اليد والرجم وقتل المرتد ... فلا مفر إذن من الالتجاء إلى القانون الوضعي لتفادي هذه المخاطر. وإذا اختارت الحكومة تعليماً إسلامياً، تقليديا وجهاديا ، فإن ذلك سيستفز المواطنين غير المسلمين والمسلمين العلمانيين والمتنورين، فضلاً عن أن العلوم الإسلامية تقادمت، "العلوم الشرعية" ، تقادمت إلى درجة أن دراستها كبديل عن مواد التعليم الحديث سيكون ضرباً من المازوخية، من الإلتذاذ بعقاب الذات بإبقائها في الحضيض . لا يمكن لأمة حديثة أن لا تكون لها قيم أخلاقية تحتكم إليها في تنظيم العلاقات بين مواطنيها. إذا كانت المنظومة القيمية هي قيم "الحلال والحرام، والمندوب المستحب"، فإن هذه القيم لن يقبلها إلا الوعي الجمعي لقطاع من المسلمين، أما باقي قطاعات المواطنين فستنفر منها لأنها تتنافي مع أخلاقها الدينية الخاصة بها أو قيمها الإنسانية العلمانية . هنا أيضاً لا مفر من تبني المنظومة القيمية العالمية التي يقبل بها الجميع. وهذه لا يمكن أن تكون إلا منظومة أخلاقية علمانية مثل حقوق الإنسان التي هي اليوم، بما يشبه الإجماع العالمي، الأخلاق الكونية للبشرية المعاصرة، وهكذا فالشريعة الإسلامية ، والتعليم الإسلامي، خاصة التقليدي والجهادي، والأخلاق الدينية غدت مصدراً لتفتيت وحدة الأمة بالتوترات والحروب الدينية.
    العلمانية هي مفتاح الحداثة السياسية. لأنها المبدأ الذي يفصل بين المؤمن والمواطن. إيمان المؤمن لنفسه، مقتصر على ضميره الفردي. لا علاقة له بحقوقه وواجباته كمواطن، المؤمن يمارس إيمانه الفردي في جامع أو كنيسه أو كنيس. فيما المواطن يمارس مواطنته، حقوقاً وواجبات، في حدود الوطن كله. لأن المواطنة حق مشاع لجميع المواطنين دون استثناء. السؤال هو كيف نصل إلى الفصل الضروري بين المؤمن والمواطن ، أي كيف نحقق المواطنة الحديثة التي لا تعرف ولا تعترف إلا بالإنتماء إلى الوطن؟ وكيف تحكم الدولة في الفضاء العربي الإسلامي مواطنيها بقوانين وضعية بالمعايير الدولية؟ بوسائل عدة في طليعتها تحديث التعليم وإصلاح الإسلام عبر إصلاح التعليم الديني، وقد أشرت إلى ذلك قبل قليل. وثانياً بالعمل دون كلل أو ملل – وهذه وصيتي لقرائي وأصدقائي – على إمتلاك فضائية علمانية لمنافسة "الجزيرة" الإسلامية الجهادية . الأثرياء العرب العلمانيون على قلتهم يستطيعون بإحسانهم إلى الفكر الحديث أن يتبرعوا لإنشاء هذه الفضائية . الأدمغة العربية المهاجرة قادرة أيضاً على تكوين جمعية إعلامية وجمع رأسمال كاف لتمويل مثل هذه الفضائية، الضرورية والممكنة. في انتظار ذلك ، لابد من الاستخدام المكثف لجميع المنابرالإعلامية و لمواقع الانترنت. أعلمتني د. إقبال الغربي، أستاذة علم الاجتماع وعلم النفس بالجامعة الزيتونية، أن 124 موقع انترنت يخصص كل منها صفحة لكتاباتي. وإن عدد المواقع التي تعمل على نشر أفكاري العلمانية مساوية لعدد مواقع الإسلاميين التي تروج لفقه الدولة الدينية : فقه الولاء والبراء وتكفير حوار الأديان والجهاد إلى قيام الساعة . حقاً سأفارق هذا العالم وأملي كبير في دخول العالم العربي والإسلامي ، الذي نذرت كل دقيقة من حياتي للإسهام ، فكرا وممارسة ، في تحديث عقلياته وقيمه ومؤسساته وإصلاح دينه ليصبح كباقي الديانات غير محارب للحداثة،و غير معاد للمرأة و لغير المسلم، وغير محارب للأديان الأخرى وغير كاره لمعتنقيها.
    المهمة المركزية الأولي هي إصلاح الإسلام، عبر إصلاح التعليم الديني والخطاب الديني، بنسف فقه الولاء والبراء العنصرى الإرهابي في حق الآخر والظلامي في حق المسلمين الذين يحرم عليهم تقليد حداثة "الكفار" أي "تقليد الغرب"، الذي لا حداثة عربية أسلامية خارج حداثته وأقل من ذلك ضد حداثته . والمهمة الثانية هي نسف النرجسية الدينية التي تعتبر الإسلام الدين الوحيد في العالم. أما اليهودية والمسيحية فهما مجرد شريعتين سابقتين لشريعته التي نسختهما وحلت محلهما. جميع الأنبياء كانوا مسلمين من إبراهيم إلى عيسى . هنا تكمن إحدى الأسرار الدينية للإرهاب الإسلامي، وهكذا نفهم لماذا صرح الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر سنة 2001 بأنه " لا معني لحوار الأديان إلا إذا كان دعوة بابا الفاتيكان إلى الدخول في الإسلام" !.
    أخصر الطرق لنسف النرجسية الدينية هو التعليم الديني الحديث الذي ينطلق من الآيات المسكونية الثلاث :" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ) 2 6البقرة) والتي تكررت في المائدة (69) وفي الحج (17). لترسيخ فكرة أن اليهودية والمسيحية ديانتان وليس مجرد شريعتين منسوختين بالشريعة الإسلامية كما يقول الفقه الإسلامي القديم وفقه الإسلام السياسي والجهادي المعاصر . اعتبار اليهودية والمسيحية مجرد شريعتين منسوختين، واعتبار الإسلام هو الدين الوحيد الذي لا خلاص لمن لا يدخل فيه، وبالتالي لابد من "الجهاد إلى قيام الساعة" لإدخال البشرية قاطبة في الإسلام طوعاً أوكرهاً ... هو إحدى أهم الأسباب الدينية للإرهاب الإسلامي ولرفض قطاع واسع من مسلمي الغرب التكيف مع المجتمعات العلمانية ذات التقاليد المسيحية التي يعيشون فيها . تدريس حوارالأيان، كضرورة للمسلم، لفتح وعيه للتسامح الديني ومعاصرة العصر، مهمة أساسية للمدرسة الدينية الإصلاحية . وهذا ما وعاه صانع القرار التونسي : في الجامعة التونسية يوجد " كرسي بن علي لحوار الأديان ". أيضا في الجامعة الزيتونية التونسية يدرس الطالب في مادة الكتب المقدسة "الكتاب المقدس والقرآن" ككتابين مقدسين مؤسسين لثلاث ديانات : اليهودية والمسيحية والإسلام. تكثيف حوار الأديان مع اليهودية والمسيحية، عبر المؤتمرات الدينية والعلمية وعبر الفضائيات والمناقشات المشتركة في وسائل الإعلام، كفيل بتعميم وترسيخ فكرة حوار الأديان لتنوير وعي المسلم بحقيقة أن الإسلام دين بين الأديان وليس الدين الوحيد الناسخ لجميع الأديان والشرائع السابقة له . ترجمة البحوث التي تتناول الديانات الأخرى بما فيها ، الهندوسية، والبوذية، والشانتونية، والإحيائية من شأنه توسيع آفاق المسلم الدينية وجعله يفهم دينه فهماً تاريخياً ونسبياً في سياق الظاهرة الدينية العالمية. وعلى صياغة وعي إسلامي مسكوني يكون مدخلاً للتطبيع الضروري بين الدولة في أرض الإسلام والقيم العالمية والقانون الدولي ، ولتطبيع علاقات الإسلام، كدين،مع اليهودية والمسيحية وباقي ديانات العالم بما في ذلك الاحيائية التي نظم الترابي حرباً جهادية لإبادتها في جنوب السودان. بإمكان الإسلام المعاصر أن يتلاقح مع البوذية المسالمة التي ساعدت الوعي الجمعي الياباني على استقبال الحداثة الغربية وخاصة على عدم السقوط في فخ الجهاد والاستشهاد الذي سقطنا فيه نحن المسلمين، بسبب ثقافة الجهاد والاستشهاد الراسخة في وعينا الديني على مر العصور .
    كل دولة مسلمة ستكيف المبادئ العلمانية مع واقعها الاجتماعي – الثقافي، مع الحفاظ على المعالم الأساسية لهذه المبادئ. المبدأ الأول،الاعتراف بالمواطنة الكاملة التي تسمح للمرأة بأن ترشح نفسها لحكم الرجال، ولغير المسلم بأن يرشح نفسه لحكم المسلمين. في البداية قد يكون ذلك حقاً رمزياً ، لكن مع تغلغل العلمانية في الوعي الإسلامي سيصبح حقاً فعلياً. كيف ننسي أن رئيسة جمهورية بنجلاديش، إمرأة، وبناظير بوتو انتخبت رئيسة لحكومة باكستان مرتين ؟ فلماذا لا تنتخب امرأة أوقبطي رئيساً لجمهورية مصر في المستقبل؟. المبدأ الثاني،هو حرية ممارسة الشعائر الدينية أي الإعتراف لجميع المواطنين بحرية ممارسة شعائرهم وبناء جوامعهم وكنائسهم ومعابدهم دون تمييز بينهم ودون تضييق عليهم . الدولة التي تشجع بناء المساجد وتضيق على بناء الكنائس تنتهك ولا شك مبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية. والمبدأ الثالث، تطبيق القانون الوضعي في جميع المجالات، خاصة الجزائية والمدنية. بل إني أقترح على المثقفين في العالم العربي بأن يطالبوا المجتمع المدني العالمي والأمم المتحدة والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية باعتبار تطبيق العقوبات البدنية الإسلامية جريمة . وهذا ما طالبت به سنة 2001 في " الجزيرة " فقرر الأمير خالد بن سلطان منعي من الكتابة في " الحياة " ! المبدأ الرابع، ترسيخ مبدأ حرية الضمير وحرية اختيار الدين. حرية الضمير تعني حق الإنسان في أن يأخذ بدين معين أو أن لا يأخذ بدين من الأديان. وهذا الحق يعترف له به القرآن :"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، يفسر محمد عبده هذه الآية :" من شاء أن يدخل فيه [الإسلام] فليدخل، ومن شاء أن يخرج منه فليخرج"، اعتبر الشافعي أن من حق المسلم إلى سن الخامسة عشر أن يختار أي دين يشاء ، فلماذا لا نلغي اليوم، في عصر حقوق الإنسان، حاجز السن ونجعله حقاً للمسلم مهما كان سنه؟. المبدأ الخامس، إصلاح التعليم الديني بالمواصفات التي سبق لي أن ذكرتها في هذا الحديث، إضافة إلى تدريس حقوق الإنسان، كما في تونس، لفتح الوعي الإسلامي للقيم الإنسانية الكونية التي لا تتناقض مع الخطاب الديني – الروحي ومع مكارم الأخلاق كالصدق والتضامن والرحمة والاستقامة بل تتكامل معها. تطبيق هذه المبادئ الخمسة يشكل مضمون العلمانية في أرض الإسلام بقطع النظر عن الشكليات القانونية أو الدستورية التي سيكتسيها هذا المضمون.
    السؤال، كل السؤال، من يستطيع أن يحقق هذه المهام الجسام التي يتوقف عليها إصلاح الإسلام ومساعدة الوعي الإسلامي على تبني حداثة "الآخر"، التي لا حداثة بدونها؟ المراهنة على الأنظمة هي كالمراهنة على ربح الحصة الكبرى في اليانصيب (لوتو). المراهنة الصحيحة تكون على أصحاب المصلحة في فتح الوعي الإسلامي والواقع العربي الإسلامي للعلمانية. من هم أصحاب المصلحة في الفصل بين الدين والسياسة، وبين الدين والعلم، وبين الدين والإبداع الأدبي والفني ؟ هم الأقليات القومية والدينية والنساء الذين حرمتهم جميعاً الدولة الدينية من حقوق المواطنة الكاملة. أضف إليهم الأدباء والعلماء والباحثين والفنانين والمبدعين وجمهورهم، أي القطاع المتعلم والمتنور من المجتمعات العربية الإسلامية. هؤلاء جميعاً لا خلاص لهم من مقص الرقيب وسيف الجلاد إلا بالعلمانية التي تقطع دابر التعصب والإرهاب الدينيين وتتيح الفرصة للجميع، لمن يؤمنون بجميع الأديان ولمن لا يأخذون بدين من الأديان، للتعبير الحر والسلمي عن قناعاتهم دون مجازفة بالحرية أو بالحياة.
    هذه القوى الحية مازالت ضعيفة عدداً وإمكانيات بسبب تقليدية وتأخر المجتمعات الإسلامية. من هنا الأهمية الحاسمة لتكوين جبهة عالمية لنشر العلمانية في أرض الإسلام قوامها المجتمع المدني العالمي، الإعلام العالمي، الدبلوماسية الدولية لمساعدة القوى الحية في البلدان العربية والإسلامية. هذه القوى العالمية لها هي أيضاً مصلحة في العلمانية لأنها معنية بتجفيف ينابيع الإرهاب. والدولة الدينية ، والتعليم الديني التقليدي الإرهابي، ونشر كراهية الآخر عبر نشر فقه الولاء والبراء، ورفض حوار الأديان وتكفير من يقلد الغرب أو يتعاون معه، كلها ينابيع دينية ثرية للإرهاب الإسلامي.
    أقترح على هذه القوى العالمية والدولية اعتبار التعليم الديني السائد في معظم البلدان العربية والإسلامية تحريضاً على الإرهاب ، واعتبار الإعلام الديني السائد تحريضاً على الكراهية والتمييز الديني. كما أقترح أن تتضمن اتفاقات الشراكة الأوربية العربية، والشراكة الأمريكية – العربية بنوداً تحرم التمييز الديني ضد المرأة وضد المواطنين غير المسلمين. هذا التمييز الذي يجسده اعتبار الشريعة مصدراً أساسيا للتشريع. والشريعة تعتبر المرأة ناقصة عقل في الولاية وناقصة دين في العبادة، وتعتبر المواطن غير المسلم أهل ذمة، أي صفر – مواطن، وهكذا يساعد العالم الفضاء العربي الإسلامي على الخروج من تأخره التاريخي للإنخراط في الحداثة العالمية التي فاته قطارها منذ القرن السادس عشر عندما انخرطت المسيحية في الاصلاح الديني وغاص هو في الجمود الديني إلى الأذقان.
                  

11-20-2005, 09:46 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    هل الديمقراطية ممكنة من دون العلمانية؟
    كلا. لأن الديمقراطية والعلمانية الناضجتين ، خاصة في أرض الإسلام ، هما كوجه الورقة وقفاها. لماذا ؟ الديمقراطية الناضجة تفترض وجوباً الاعتراف بالمواطنة الكاملة للمرأة وللمواطن غير المسلم أو غير المؤمن . مثل هذه المواطنة الكاملة تفترض العلمانية، أي الإعتراف لكل مواطن بجميع حقوق المواطنة . أية ديمقراطية في الكويت ونصف السكان، النساء، محرومون من حقوق المواطنة، أي من حق أن يكن ناخبات ومنتخبات؟ لأن شيوخ الإسلاميين وشيوخ القبائل اتفقوا ، اعتماداً على فتوى دينية بعدم أهلية المرأة السياسية أصدرتها وزارة الأوقاف الكويتية سنة 1985، على رفض مشروع الحكومة الذي قدمته للبرلمان للإعتراف للمرأة بحقوق المواطنة السياسية . وأية ديمقراطية فيها طالما الشيعة مهمشون سياسياً ؟ وأية ديمقراطية في الأردن طالما البرلمان ، الذي يتحكم فيه تحالف الإسلاميين وشيوخ العشائر، يرفض مشروع قانون حكومي لتشديد عقاب المرتكبين لجرائم الشرف ضد النساء. وهكذا لا معنى للديمقراطية، التي تعتبر الولايات المتحدة غيابها سبب الإرهاب الإسلامي ، بدون الاعتراف أولاً بالمواطنة الحديثة للمرأة وغير المسلم وغير المؤمن. طبعاً تريد إدارة بوش ، عبر الانتخابات الديمقراطية استيلاء الإسلاميين على الحكم، كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية ، كوندي ، في الأسبوع الأول من شهر إبريل – نيسان. لا مانع من ذلك فصعود الإسلاميين إلى الحكم في كثير من البلدان العربية الإسلامية سيكون، أكبر الظن، الطريق إلى العلمانية. لا يوجد شعب في أرض الإسلام أكثر علمانية من الشعب الإيراني الذي كان قبل ربع قرن شعباً من الملالي. لكن الثمن سيكون باهظاً : سيشنق العلمانيون على قارعة الطريق، وسترجم النساء بعشرات الآلاف وستنظم المجازر للأقليات الدينية والقومية ... وستصبح كل دولة إسلامية قاعدة لـ"القاعدة"على غرار ما حدث في إيران الخمينية والسودان الترابية وأفغانستان الطالبانية .
    ما العمل؟
    استصدار قرار من مجلس الأمن للتدخل العسكري في الحالات الأربع التالية : إذا شرع الإسلاميون في رجم النساء، وإذا نظموا مجازر للأقليات الدينية والقومية، وإذا حلوا الجيوش لتعويضها بالميليشيات الإسلامية التي ستشكل قاعدتهم الإجتماعية بعد يأس الشعب منهم، وإذا رفضوا التداول السلمي على الحكم بعد تجربة الجمهور لهم واليأس من وعودهم الخلاصية المستحيلة التحقيق. عندئذ يكون مجيء الإسلاميين إلى السلطة مقدمة لمجيء الحداثة في ركابهم ... لأن الشعوب ستكتشف أن لعب ورقة الدولة الإسلامية خاسرة، وأن مستقبلها جزء لا يتجزأ من مستقبل العالم وليس في ماضيها الذي مضي وانقضي إلى غير رجعة. ولعل هذا هو ما أدركه أخيراً منير شفيق عندما نصح الإسلاميين بالبقاء في المعارضة، كجماعات ضغط، والعزوف عن السلطة وعياً منه باستحالة تطبيق مشروعهم الذي تجاوزه التاريخ .
                  

11-26-2005, 09:13 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    ********
                  

11-26-2005, 05:01 PM

زياد جعفر عبدالله
<aزياد جعفر عبدالله
تاريخ التسجيل: 11-15-2005
مجموع المشاركات: 2348

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الاخ الكريم/ صبري الشريف
    الشكر الجزيل لك على هذا البوست والمجهود الذي بذل فيه.
    اتسائل لماذا لا تقوم منظومات المجتمع المدني واتحادات الطلبة (الوطنيين) بعمل campaign -حملة كبيرة عن طريق ندوات فكرية و منتديات ثقافية تبدا بالجامعات لشرح العلمانية كنظام سياسي و اجتماعي و فوائدها...سمعت ان هناك عمل محدود تم مؤخرا..
    ستكون هنالك عقبتان في الطريق:
    -العقول التي عليها اقفالها..الذين سينتهجون منهج السيخ كعادتهم.
    -المحبطين..الذين سيردون (الناس في شنو والحسانية في شنو), ولا يعرفون ان المخرج لما فيه الناس يكون بالاصلاح الجذري وليس بدهان الحائط المتاكل من الداخل..
    تحياتي
                  

11-28-2005, 10:01 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الاخ زياد اقتراح وجيه وغير العلم والمعرفة لا نتطور وبفهم جماعة

    الاسلام السياسي ضيعت الوطن وينتظر التقسيم وممكن الا يجدوا بقعة لممارسة

    افكارهم الهدامة لذلك الضغط علي حكومات الفقر والفاقه مهم ولابد

    العمل مع منظمات المجتمع المدني محلية ودولية لعودة الدمقراطيات


    المسروقة من قبل طغاة ودعاة

    سلامي لكل اسرتك وتشكر علي التعليق المفيد
                  

11-29-2005, 00:09 AM

Mohamed E. Seliaman
<aMohamed E. Seliaman
تاريخ التسجيل: 08-15-2005
مجموع المشاركات: 17863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    السلام عليكم
    هل لي أن أسال عن مقدرة الخطاب (الطرح) العلماني المعاصرة , مقدرته على مواجهة التيارات ا؟لأصولية؟
    على هو معافي أم به من الاشكالات ما يستدعي النقد والتصحيح؟
    مع تحياتي.
                  

11-29-2005, 06:37 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    تحياتي منهج علمانية الدولة هو اجتهاد بشري وتتم معالجته دائما

    ازدياد ظاهرة الهوس الديني نابعة من المنهج التعليمي الانتقائي

    وفشل سلطات العسكر في النهوض بشعوبها وازدياد الفقر وظهور همباتة

    الدين المعالجة بتتم لكن بصعوبة وبتاخر شعوبنا

    سوف ارجع لك تاني
                  

11-29-2005, 11:38 PM

Mohamed E. Seliaman
<aMohamed E. Seliaman
تاريخ التسجيل: 08-15-2005
مجموع المشاركات: 17863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    الأخ ياسر السلام عليكم.
    أشكر لك حسن العناية.
    أنا في انتظار اجابات مباشرة لأسئلتي هنا وتعقيبي على مداخلتك في بوست الأخ فرانكلي.
    أرجو ان تكون الاجابات مباشرة. وان شئت هناك نقاش جيد لقضية ذات صلة في بوست الأخ أمجد.
    الحبشي
                  

11-30-2005, 06:38 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العلمانية هي مخرج جميع ازماتنا (Re: Sabri Elshareef)

    سلامي محمد. انا صبري الشريف لمرتين كتبت.اسمي غلط مامشكلة وزي ما

    ابنت لك اي منهج وضعي تدخل في اللمسات ان كان يحتاجها


    اما علمانية الدولة فهي امر واضح وفيها يتساوي المواطنين تحت

    القوانين مساواة تامة لا تمييز بين اي مهما كان راي الاخر فيه

    وفصل سلطة الدين عن السياسة لان للدين اغراضه العظيمة وما جرب

    من تجار الدين واضح وفاضح التجربة التي توحد ولاتقسم وتطور

    بلادنا هو الحكم الديمقراطي وتطور احزابنا من اجل خلق وعي

    ديمقراطي ونشر ثقافة حقوق الانسان

    تحت راية لا الله الا الله محمد.رسول الله الجنوبيين ونوبة وقبط لا يمتثلون

    لها ونفس الوضع تحت ديانة المسيح او اليهودية لا نقبل بشكل

    الدولة الدينية

    مخالفة خليفة المسلمين مخالفة لرب العالمين ان اردنا ان نحفظ

    تعاليمنا الدينية فالننائي بالدين عن السياسة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de