19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلمان!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 11:16 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-17-2007, 00:58 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلمان!

    مع الزعيم اسماعيل الازهري في آخر حوار صحفي معه
    يروي اهم تفاصيل مرحلته.........
    اقول لكم بصراحة لم نجد من الانجليز عراقيل تذكر!
    ______________________________________________

    المنتدى العام ل "سودانيز أون لاين دوت كوم
    دخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م:
    (مع الزعيم اسماعيل الازهري في آخر حوار صحفي معه).

    02-01-2005,
    مهاجر

    بقلم : محمد الحسن احمد ــ لندن.
    -----------------------------------

    يعتبر هذا الحوار الذي تشرفت به "الاضواء" مع الزعيم اسماعيل الازهري هو آخر حوار صحفي تم معه في مناسبة استقلال السودان في نهاية الشهر الاخير من عام 1968م حيث نشر في العدد الخاص الذي صدر في الاول من يناير 1969م اي قبل ستة اشهر من انقلاب مايو، وهذا الحوار جرى خلال ليلتين متتالتين من شهر رمضان في بيت الزعيم في ام درمان. وصاحب ختامه الاعلان عن قدوم عيد الفطر المبارك وكنت اول المهنئين له بالعيد الذي كان آخر عيد له في حياته العامرة بالانجازات الجليلة للسودان ومنها انعقاد القمة العربية المتميزة التي لملمت جراح العرب بعد هزيمة 67 التي كان سودان الازهري هو منقذ الامة العربية من الضياع وقتها. والافارقة شأنهم شأن العرب كانوا ينظرون الى السودان كنموذج يستحق أن يحتذى ويلقب كعادته الزعيم الازهري بابونا وحكيم القارة كان اكثر ما بهرني في اثناء اللقاء ذاكرته الحافظة لادق التفاصيل والتواريخ لعصر بحاله، وسعة صدره للاجابة على كل سؤال بشفافية بالغة ، وبساطته في التناول وحرصه على التعفف من إثارة ما يجرح اكثر الناس صلة به. ولاشك أن القاريء لهذا الحوار سيفطن الى التواضع الجم الذي لم يفارق الزعيم الذي يعتبر بطل الاستقلال اذ لم ينسب الى نفسه ولو القليل من بطولاته التي كان لها النصيب الاوفى في بلوغ تلك المناسبة التاريخية العظيمة. بل حاول بتلقائيتة التي حبل عليها ان يرد غالب الانجازات الى خواطر عارضة وشخصيات لم يعد يذكرها الكثير من الناس والى معاضدة الاخرين بسماحة نفس وطيب خاطر. انني اذ اكتب من الذاكرة هذا التقديم وعلى عجل دون أن انشطها باعادة قراءة الحوار استجابة لطلب رئيس التحرير الاستاذ كمال حسن بخيت فإنني أعتقد أن هذا الحوار يصلح لأن يكون مدخلاً لإيفاء بعض النقاط الكثيرة والكبيرة فيه حقها من البحث والدرس والشرح لا لفائدة هذه الاجيال الناهضة فحسب وإنما لتوثيق تلك الحقبة من تاريخ السودان وتجميع كل الوثائق والوقائع المتعلقة بها تخليداً لتلك الذكرى العظيمة في متحف يؤسس خصيصاً لاستقلال السودان ــ الازهري وعصره العطر ـ فعسى أن تتحقق هذه الامنية فهي كما ارى اعظم هدية تقدم لذلك العصر ، ولعلنا بمثل هذا الاستهلال ننهض من كبوتنا ونسعى بجد الى الاحاطة بتاريخنا كله قديمه وحديثه ومنه نستلهم الدروس والعبر ونزداد في حبنا للوطن.

    تابع نص الحوار في حوار لرئيس التحرير محمد الحسن احمد.

    الرئيس ازهري يتحدث عن الحزب الذي عارض جلاء الانجليز:
    __________________________________________________

    من خلال حوار طويل امتد ساعات كثيرة واستلزم أكثر من لقاء مع سيادة الرئيس اسماعيل الأزهري،

    وحقائق مثيرة فكشف عن كثير من الجوانب الخفية في تاريخنا الحديث، الذي كان من منجزات نضاله الإستقلال الذي نتمتع به الآن، ومهما اختلفت الآراء وتباينت المسالك وضاعت الحقائق من الجيل الحديث فإن السيد اسماعيل الأزهري كان وقتها الرجل الذي يمسك بكل خيوط الموقف ويلم بكل اسراره، ولهذا فإن حوارنا معه دار في نطاق اسبغه بمسائل جوهرية هي:

    اولاً: الظروف التي ادت الى اجماع الأحزاب السودانية على التوقيع على اتفاقية 12 فبراير 1953م والتي نقلت السودان الى الحكم الذاتي، ثم الظروف التي وفقت بين احزاب الوحدة والإتحاد في حزب واحد، هو الحزب الوطني الإتحادي وقتئذ.

    ثانياً: كيف كسب حزبه الإنتخابات الأولى وكيف واجه اول عقبة كادت ان تسد عليه مسالك الطريق ليصبح اول رئيس للحكومة الوطنية في اول مارس، وماهي اسرار ذلك الحادث الشهير واثره على حكمه وتنفيذ الإتفاقية.

    ثالثا: في عام 1955م واجه حكمه انفجار تمرد الجنوب المروع وما صحب ذلك من احتمالات انهيار دستوري، وما ترتب على ذلك من مشاكل مازال السودان يعاني منها وهل كان التمرد مدبراً؟ وهل كان الإنهيار الدستوري وشيكاً وماهي اسرار الصراع الذي دار بينه وبين شركاء الحكم؟

    رابعاً : يكاد يكون استقلال السودان مفاجأة للجميع لان القرار الذي اتخذ كان بمثابة ضربة خاطفة وفي ظروف غامضة، فكيف طرأت الفكرة وكيف اتحدت كلمة الجميع؟.

    خامساً: قام سيادته برحلة الى بريطانيا قبيل الإستقلال، وكان معه السيدان علي عبد الرحمن ويحي الفضلي وكان سيادته رئيساً للوزارة وهما وزيران في حكومته ووقتها وبعدها ظلت هذه الزيارة تسمى بالرحلة المشبوهة، وكل تصرف من حكومته كان يربط ويفسر بأنه نتاج لإتفاقية الجنتلمان التي تمت سراً في لندن، فما هو اصل هذه الزيارة وماهي حقائق ما جرى خلالها.

    سادساً: قبل هذه الزيارة كان سيادته قد توجه في عام 1954م الى باندونج حيث عقد اول مؤتمر لدول باندونج او لدول الحياد، ونشر وقتها ان الإنجليز وساعتها لم تزل السياسة الخارجية بيدهم قد اعترضوا على هذه الزيارة بإعتبارها تمس الشؤون المنوطة بهم، وقيل انهم سمعوا له بهذه الزيارة لانه امتثل للشروط بالا يلتزم بشيء اسم السودان فماهي الحقائق؟

    سابعاً: لقد ظل سيادته ومعه رجال الصف الأول في حزبه يرددون انهم اخرجوا الإنجليز وحرروا السودان ولم يعد لهذه التعابير ما يحرك الوجدان، لكن ما لم يذكر بعد هو كيف اختلفوا مع الإنجليز ابان تسليم السلطة وكيف واجهوا عقباتهم ثم هل وجدوا منهم تعاوناً وماهو مدى ذلك التعاون؟

    وتمشياً مع تسلسل الأحداث والتزاماص بترتيب الأسئلة نبدأ حوارنا بالسؤال الأول.

    حدثنا السيد الرئيس اسماعيل الأزهري عن الظروف التي ادت الى اجماع الأحزاب فقال:
    -------------------------------------------------------------------------

    طبعاً عقب الثورة المصرية في يوليو 23يوليو 1952م كان يبدو ان مجلس قيادة الثورة قد فكر في حل موضوع السودان الشيء الذي لم تستطع ان تفعله الحكومات السابقة لا في مفاوضات صدقي بيغن سنة 1946م ولا في مجلس الأمن عندما ذهب النقراشي باشا ووفده الى امريكا لحل المسألة في مجلس الأمن:

    ويبدو ان رجال الثورة المصرية راوا ان يتصلوا بمختلف الأحزاب السودانية، التي كانت قائمة في سنة 1902م، وتفقوا معها على انهم جادون في الإتصال ببريطانيا لحل مشكلة السودان، وتلمس رجال الثورة المصرية افكار مختلف الأحزاب السودانية التي وجهت لها الدعوة للسفر الى القاهرة، وهناك تم الإتصال والبحث والوصول الى نتائج وكان الذين مثلوا رجال الثورة في تلك الاتصالات هم المرحوم الصاغ صلاح سالم والسيد حسين ذو الفقار ومعهما في اغلب الأحيان السيد السنهوري باشا.

    الإتصال بالمهدي: ومضى السيد ازهري يقول لقد اتصلوا بسيادة المرحوم السيد عبد الرحمن المهدي ووفده وتباحثوا معهم، واتصلوا ايضاً السيد ابراهيم بدري وزملائه الذين مثلوا الحزب الجمهوري الإشتراكي وتباحثوا معه كما انهم اتصلوا بأحزاب الوحدة والإتحاد وهي على سبيل المثال الإشقاء فرع اسماعيل الأزهري ومؤتمر الخريجين والأشقاء فرع المرحوم محمد نور الدين ومؤتمر السودان وحزب الإتحاديين ابناء ابوروف وحزب وحدة وادي النيل برئاسة السيد الدرديري احمد اسماعيل والقوميين برئاسة احمد يوسف هاشم والأحرار الإتحاديين برئاسة السيد عبد الرحيم شداد والأحرار برئاسة السيد الطيب محمد خير.

    نتائج المباحثات وخلاصة البحث بين هذه الأحزاب وممثلي مجلس الثورة ترتكز أهم نقطة فيه على ان يعطي السودان حق تقرير مصيره.

    وهو ما كان الإنجليز يتمسكون به في مجلس الأمن وغيره وهي المسألة التي كانت تفزع وتزعج المفاوض المصري ايام الملك فاروق، الذي كان شديد التمسك بوحدة وادي النيل.

    وقد أبان مفاوضو مجلس الثورة لمن تباحثوا معهم من ممثلي الأحزاب انهم في مفاوضاتهم مع الإنجليز سيتمسكون بأن تتم سودنة الوظائف ويتم الجلاء قبل ان تحل مرحلة تقرير المصير وفيما بدا وافق ممثلو الأحزاب على تلك النقاط.

    الليلة المضنية وانتقلنا بالحديث الى الشق الآخر من السؤال.. كيف تمت عملية
    توحيد احزاب الوحدة والإتحاد؟

    قال الرئيس ازهري: انني انسى ان ممثلي رجال الثورة جلسوا وقتها ليلة كاملة ليوفقوا بين الأزهري ونور الدين لينضم جناحا الأشقاء في حزب واحد كما كان من قبل وما كان ذلك ممكناً. حدث هذا في اخر اكتوبر من عام 1952م وبعد المداولات التي اثمرت نقاط الإتفاق التي اشرنا اليها.

    وفي اليوم التالي على ما اذكر توسعت فكرة التوفيق بين احزاب الوحدة والإتحاد كلها لتصبح حزباً واحداً وكان المصريون يرون ان في ذلك ما يجعل هذا الحزب قوة مطمئنة قد تكسبه الإنتخابات وانه بدون ذلك قد يفوز حزب الأمة بالإنتخابات المقبلة، وقد وجدت الفكرة قبولاً وشكلت لجنة لكتابة الدستور والتنظيم لذلك الحزب الواحد الذي سمي بالحزب الوطني الإتحادي واعطيت اللجنة فرصة يومين لتفرغ من مهمتها، وكان اعضاؤها السادة ميرغني حمزة وخضر حمد والدرديري احمد اسماعيل وقد تم ذلك وتم ايضاً ان اختار هؤلاء الثلاثة لجنة تنفيذية وهيئة مئوية من اعضاء تلك الأحزاب.

    واستطرد الرئيس يقول: ولقد تعاهدوا جميعهم في مصر على ان يعملوا بعد عودتهم للسودان في اقناع اخوانهم من اعضاء تلك الأحزاب ليقبلوا بالإنضمام والانضواء في الحزب الواحد، وهكذا قام الحزب الوطني الإتحادي في شهر نوفمبر عام 1952م.

    السر الخطير: سؤال جانبي ياسيادة الرئيس.. بعد ذلك كله ونتيجة له تمت اتفاقية
    فبراير في القاهرة 1953م بين الإنجليز والمصريين افلم تنشأ وقتها صعوبات؟

    اجاب قائلاً: فعلاً اتفق الإنجليز والمصريون وتم لقاؤهم في القاهرة في فبراير وفي اثناء المفاوضات وقع اشكال حيث قال المفاوضون الإنجليز للمفاوضين المصريين ان بعض الأحزاب السودانية لا توافق على جلائنا من السودان. وساعتها طار المرحوم الصاغ صلاح سالم من القاهرة الى الخرطوم، وجمع ممثلين لكل الأحزاب السودانية وكان في ذاك الوقت قد تم تشكيل الحزب الوطني برئاسة الشريف عبد الرحمن الهندي وسكرتارية الأستاذ يحي عبد القادر. ودعى ممثلوه للجلوس مع اخوانهم الآخرين في مكتب رئيس القوات المصرية بالخرطوم وهناك تبين لنا ويالهول ما تبين ان ممثلي الحزب الجمهوري الإشتراكي قالوا ان قادة حزب الأمة هددوهم بأنه حينما يتم جلاء الإنجليز سيقومون بثورة لإستلام السودان. ولذلك قال ممثلو الحزب الجمهوري الإشتراكي انهم عبروا عن معارضتهم لجلاء الجيش الإنجليزي من السودان.

    موقف حزب الأمة: واستطرد الأزهري يقول في تلك الجلسة دار نقاش حاد وجدل عنيف بين ممثلي الأحزاب في مكتب قائد القوات المصرية ولم ينف ممثلو حزب الأمة ما اكده ممثلو الحزب الجمهوري الإشتراكي الذين لم يتنازلوا عن رأيهم وعلى ما اذكر ان السيد الصديق المهدي كان على رأس ممثلي حزب الأمة.. وأخيراً ازاء تشدد ممثل الحزب الجمهوري الإشتراكي ظهرت بادرة اقتراح في الإجتماع تطلب من ممثلي الحزب الجمهوري ان يرسلوا غيرهم من زملائهم ليحضروا اجتماعاً في اليوم التالي، وفعلاً جاء في اليوم التالي السيد الدرديري نقد والسيد زين العابدين صالح ولم يمض طويل وقت حتى وافق الجميع بأن يكتبوا اتفاقاً وقع عليه جميع المندوبين بالمطالبة بجلاء الجيش البريطاني والمصري وطار بذلك الإتفاق المرحوم صلاح سالم وتمت صياغة الإتفاقية المعروفة.

    معارضة احمد خير: ياسيادة الرئيس الم تجد الإتفاقية معارضة من احزابكم في السودان قال: لقد احتفلت الأحزاب جميعها وحكومة السودان والإنجليز بتلك الإتفاقية وفي حزبنا على وجه الخصوص جرى نقاش حاد من الذين كانوا يرون فيها ثقوباً وكان اظهر المحتدين في النقاش الأستاذ احمد خير الذي قال ان هذا كلام فارغ وانكم بقبولكم لهذه الإتفاقية تسلمون السودان لحزب الأمة والإنجليز لأنه يستحيل بوجودهم تكسب القوى الوطنية الإنتخابات، ثم انسحب الأستاذ احمد خير من الإجتماع

    وقلت لسيادته والشيوعيين كانوا ضد الإتفاقية؟

    قال: وقتها لم يكن لهم وجود يذكر!

    كيف جرت الإنتخابات: وفي اللقاء الثاني مع الرئيس ازهري قلت له لنبدأ الحوار في المرحلة الثانية.. مرحلة تطبيق الإتفاقية لنبدأ اذن من الإنتخابات. هل كنتم تخشون من تدخل انجليزي ام كنتم على ثقة من نزاهتها وكيف كانت النتيجة؟

    استهل الرئيس اجابته قائلاً: واقع الأمر اني كنت منذ البداية على ثقة بأن الإنتخابات ستكون نزيهة لجملة إعتبارات:

    اولاً: ان اللجنة مكونة من مجموعة من السودانيين ويرأسها رجل محايد هو الدكتور سوكمارسن الهندي وليس من الممكن ان تخون مجموعة السودانيين الأمانة لإختلاف وتباين وجهات نظرهم ولخطورة الموقف.

    ثانياً: الإنتخابات نفسها ليست وقفاً على لجنة من اشخاص محدودين فهي عملية تستوعب آلاف السودانيين بحكم مناصبهم إبتداء من اللجان في الدائرة الواحدة ثم على مستوى المديرية.

    وقد تمت عملية الإنتخابات كما توقعت وكسب حزبنا اغلبية المقاعد بزيادة اربعة نواب فقط.

    وفي اول يناير 1954م تشكلت الوزارة الأولى وفي التاسع منه ادى الوزراء القسم امام الحاكم العام وكان لابد من مرور بعض الوقت كي يتعرف الوزراء على شؤون وزاراتهم حتى نستطيع ان نقدم سياسة مدروسة هي خطاب الحكومة وتحدد اليوم الأول من مارس لذات الغرض ووجهت دعوات لكبار رجالات البلاد العربية وغيرها ليشهدوا الإفتتاح الرسمي للبرلمان في اول مارس.

    حوادث اول مارس هنا نقف ياسيادة الرئيس على أعتاب اول هزة كبيرة تواجه اول حكومة وطنية برئاستك.. انها حوادث اول مارس فهل تحدثنا عن حقائقها وخفاياها؟ واطرق الرئيس لحظة ثم قال في يومي27و28 فبراير 1954م شهدت العاصمة تجمعات كبيرة من المواطنين الذين وفدوا من مناطق الأنصار وعقدنا اجتماعاً للوزارة بمكتبي بوزارة الداخلية وطلبنا مدير البوليس البريطاني لنجتمع به فارسل خطاباً يعتذر فيه عن الحضور لإرتباط سابق وارسل نيابة عنه المستر ماكوقمن قمندان بوليس الخرطوم ومعه الضابط مصطفى مهدي وبسؤالهما عن حالة الأمن اكدا ان كل شيء على ما يرام ومما قاله ماكوقاين ان هؤلاء الوافدين زي الغنم ولا يمكن ان يحدث منهم ما يعكر صفو الأمر ويطيعون الأمر متى ما طلب منهم ذلك.

    فإكتفينا بذلك التقرير الشفهي وفي اليوم التالي ظهرت تجمعات المواطنين من العاصمة والوافدين بشكل كبير حتى انني وصلت المطار لإستقبال اللواء نجيب خلال زمن طويل لصعوبة الطريق بسبب الزحام.

    الحاكم العام يخاطب ازهري:
    ----------------------------

    ومضى الرئيس يقول وفي المطار قال لي الحاكم العام يستحسن ان يسلك الركب طريقه من المطار الى القصر عن طريق بري وان الديب قد اقترح عليه ذلك لوجود صعوبات شديدة تحول دون اختراق الطريق ووافقت على الفور الحاكم العام فيما رأي وقد وصل الركب بهدوء واتجهت الى مكتبي في وزارة الداخلية حيث كانت هنالك حشود كبيرة من الناس تملأ ميدان كتشنر واحاطوا بالقصر ثم سمعنا صوت الرصاص فتشوفت والوزراء من النافذة فالفينا أعداداً هائلة تجري في الطرقات وشهدت مستر ماكوقان ملقياً على الأرض ودمه ينزف.

    تلفون من القصر: وفي تلك اللحظة تلقيت رسالة تلفونية من القصر بأن احضر لمقابلة الحاكم العام وترجلت من مكتبي الى القصر ووجدت الحاكم العام والمستر لوس وسلون لويد الوزير في الخارجية البريطانية والمستر دانكن سكرتير الحاكم العام والمسر لندسني رئيس القضاء وموفر قداتو المحامي العمومي: وجرى بيننا الحديث التالي:

    قال الحاكم العام: نريد ان نعلن حالة الطواريء.

    قلت له: لا ارى ما يدعو الى ذلك

    وأخذ رئيس القضاء يرد على جوابي فقال: نحن لا نريد ان نرى الحاكم العام يقتل على سلالم القصر كما حدث لغردون ونحن ندرك ان حالة الطواريء يعلنها الحاكم العام لكن بموافقة مجلس الوزراء.

    وقلت لهم على كل حال دعوني اشاور مجلس الوزراء وسوف افيدكم في الحال.

    ثم سألني احدهم كيف وصلت الى هنا بدون حراسة؟ قلت بل جئت الى هنا بدون عربة، وطلبوا مني ان يكون دوماً احد الضباط في حراستي وان اتحرك بالعربة وقد فعلت.

    وبعد مداولات في مجلس الوزراء اتصلت تلفونياً بالحاكم العام وأبلغته موافقة المجلس على إعلان حالة الطواريء لمدة عشرة ايام وان يفتتح البرلمان جلساته في اليوم العاشر من ذات الشهر.

    وفي المساء اجتمعنا بالوفود التي قدمت من العالم الخارجي لمشاركتنا الإبتهاج واعتذرنا لها عن ما حدث وطمأناهم وحملناهم اطيب التمنيات لبلادهم.

    الإنهيار الدستوري: .
    --------------------

    وقلنا للرئيس ألم يكن الإنهيار الدستوري متوقعاً اجاب لم يكن حدوثه غير متوقع ولكن الوزراء شقت طريقها بحكمة وتفادت كل شيء يساعد عليه.

    قلنا هل اثبت لكم التحقيق ان ذلك الحادث كان مدبراً؟ قال لم اطلع على وقائع التحقيق وقد تركنا الأمر للقضاء ولكنني طلبت من رجال البوليس ان يعاملوا الناس برفق وان يكونوا في غاية الرقة مع الشخصيات الكبيرة التي يستلزم التحقيق ان تسأل بل وطلبت اليهم ان يذهبوا اليهم في بيوتهم وقد حوكم من ثبتت ادانتهم حتى جاءت الحكومة القومية التي التمست من مجلس السيادة عفواً لهم فأطلق سراحهم.

    باندونج ومصر وبريطانيا .
    --------------------------

    دعنا ياسيادة الرئيس ننتقل بالحديث فترة من الداخل الى الخارج وفي المبتدأ نرجو
    ان تحدثنا عن رحلتك الى مؤتمر باندونج فلقد قيل وقتها ان الإنجليز لم يأذنوا لك بالسفر لان الشؤون الخارجية من اختصاص الحاكم العام ثم جاءت موافقتهم مشروطة بالا ترتبط بأي شيء.

    قال الرئيس ببساطة: ليس ذلك صحيحاً اذ جاءت الينا الدعوة عن طريق الدولتين مصر وبريطانيا بعد ان وافقتا عليها وفي واقع الأمر ان ذلك المؤتمر لم تكن له اجندة محددة وعندما ذهبنا الى هناك كنا قد اعددنا خطاباً ابرز ما فيه ان السودان يحكم الآن نفسه ببنيه واننا لن نعمل على استقلاله ولم تكن وقتها علاقة وفد السودان في باندونج بالوفد المصري الذي كان يرأسه الرئيس عبد الناصر لم تكن لطيفة بعد ذلك الخطاب ولم تتوفر الإتصالات بين الوفدين كما ينبغي.

    الرحلة المشبوهة.
    -------------------
    اسمح لنا ياسيادة الرئيس ان ننتقل الى رحلة اخرى هي رحلتك الى لندن عام 1955م ولقد سميت هذه الرحلة بالرحلة المشبوهة وانكم خلالها عقدتم اتفاقية"جنتلمان" ووصفت تصرفاتكم بعدها بأنها نتاج لتلك الإتفاقية، ويذكر انكم يوم سفركم الى لندن ظهرت في إحدى الصحف السودانية تصريحات لسيادتكم مفادها ان حزبكم يتطلع الى الإستقلال كمقدمة لتلك الرحلة؟

    انفعل السيد الرئيس وقال في كلمات حاسمة

    اولاً: كان السيد ميرغني حمزة وجماعته يبدون تذمراً من الحزب ويحاولون الخروج عليه لتأليف حزب بحجة ان الحزب لا يدعو للإستقلال، ولقد رأيت وقتها ان استدعي الأستاذ بشير محمد سعيد رئيس تحرير الأيام لأدلي اليه بذلك التصريح حتى نحول دون ميلاد حزب جديد ينشق من حزبنا.

    ثانياً: ان رحلتي الى بريطانيا كانت بناء على دعوة عادية جداً تلقيتها من الحكومة البريطانية وسافر في وفدنا السيدان علي عبد الرحمن ويحي الفضلي وكانا وزيرين في الحكومة.

    وبعد عودتنا تكون حزب الشعب وترأسه السيد علي عبد الرحمن ثم بعد ذلك خرج السيد يحي الفضلي وما كان لهما ان يسكتا في جو تلك الخصومة لو انني في تلك الرحلة ارتبطت بشيء مما اتهمنا به.

    صلاح سالم واحمد سليمان وعلى كل حال فإن الذي صنع اشاعة اتفاقية الجنتلمان هو المرحوم الصاغ صلاح سالم وقد اعترف بذلك في وقت لاحق لآخرين من بينهم السيد أحمد سليمان المحامي.

    الإنجليز بين التعاون والعقبات .
    -----------------------------

    نستأذن ياسيادة الرئيس لنعود بالحديث مرة اخرى الى الداخل ولعلنا نلقي عليك بجملة اسئلة لكنها كلها ذات مدار واحد.

    قال تفضل

    قلنا لقد انجزت حكومتكم الوطنية الأولى السودنة ثم حققت الجلاء فهل تعاون الإنجليز معكم والى أي مدى؟ وهل تخاصموا ووضعوا العراقيل في وجهكم والى أي حدود؟

    اجاب الرئيس ازهري، اقول لكم بصراحة اننا لم نجد من الانجليز عراقيل تذكر بل وجدنا تعاوناً كبيراً، وفي واقع الامر ان حكومتي منذ يومها الاول لم تكن تتصرف وكأنها تحكم في فترة انتقالية بل كنا نحكم بدون التفات لما يسمى بالحكم الذاتي وتبعاته. حتى لقد اطلق بعض الانجليز على الحاكم وقتها لفظة سجين القصر لاننا لم نكن نرجع اليه ولم يكن هو يتدخل في شؤون الحكم. الموظفون البريطانيون كانوا في حدود وظائفهم فقد بدون مضايقات.

    خلاف حول السودنة.
    -------------------

    لقد قدم الينا السيدان بل وبيتون برنامجاً للسودنة بحيث تتم في ثلاث سنين وينتهي وجود آخر مدير على ان تبدأ بمساعدي المفتشين والمفتشين الخ ولقد رأينا ان نبدأ السودنة بعكس البرنامج الذي وضع بحيث نصفي اولاً الكبار المديرين ونوابهم ثم نتدرج الى المفتشين ونوابهم، لقد رأينا ان نبدأ بالرأس قبل التبع حتى نقضي على مظهر السلطة والصلة المباشرة لهم بالشعب ولم يعترضوا على ذلك بل دعونا المديرين كلهم للخرطوم فتجمعوا هنا ثم انهينا خدماتهم ارسلناهم الى بورتسودان حيث تم ترحيلهم على ظهر باخرة تحت اشراف السيد علي حسن عبد الله وكيل الحكومة المحلية الذي كان وقتها معتمداً لبورتسودان وما كان المديريون وقتها يعلمون ان خطة السودنة قد تغيرت بل استغربوا جداً.

    الجيش والمعجزة :
    ------------------

    وقال سيادة الرئيس بالنسبة للجيش وسودنته كان هنالك اعتراض ظاهر على سودنته وكنا نعمل على ان نصفي الـ 28 ضابطاً بريطانياً باعطاء التعويضات المجزية التي تتجاوز الخمسة آلاف من الجنيهات وبينما الاخذ والرد يجري في مسلكه تفتحت اذهاننا على معجزة حينما اكتشفنا ان هؤلاء الضباط تتبع شروط خدمتهم وزارة الحربية البريطانية وتنص تلك الشروط على امكانية اعادتهم بعد شهرين من انذارهم بالعودة وتمسكنا بهذا القانون ثم استجبنا بعدئذ لرجاءات وارادة منهم لاعطائهم مكافات محددة لم تتجاوز المئات من الجنيهات لاعتبارات انسانية كفقدان جزء من عائد ممتلكاتهم لدى بيعه على عجل.

    القرار الحاسم والالهام:
    _______________________

    سيدي الرئيس لعل اخطر القرارات وابعدها اثراً في حياتنا هو القرار الخاص باستقلال السودان ونود يا سيادة الرئيس ان تحدثنا عن اسرار ذلك القرار المفاجيء وعن الظروف التي احاطت به وعن الموقف الخفي للدولتين منه؟

    اجاب سيادة الرئيس الازهري قائلاً: في صباح الخميس 15/12/1955 خرجت مبكراً من منزلي بام درمان وبينما تسير بي العربة داخل كبري ام درمان وانا في طريقي الى رئاسة الوزارة نظرت الى الساعة فالفيت الوقت مبكراً فقلت اذن لاذهب اولاً الى البرلمان لاتابع ما يدور فيه لبعض الوقت، وفي العادة ان يوم الخميس هو اليوم المخصص دائماً لاسئلة النواب للوزراء والفيت السيد بولين الير يثير سؤالاً لاحد الوزراء واثناء المناقشة الفرعية تقدم النائب والي دين وكان هو الآخر من الذين خرجوا على حزبنا ثم اخرجوا من الوزارة وقال: اود ان اسأل السيد رئيس الوزراء لماذا نشاهد طائرات حربية انجليزية تحلق في سماء الخرطوم، وكانت اجابتي هي ان الشؤون الخارجية تتبع الحاكم العام واذا اردتم ان تضعوا نهاية لهذه القصة فهذا في ايديكم ولا يكلفكم شيئاً اطلب منكم في اول جلسة قادمة وهي يوم الاثنين ان تعلنوا الاستقلال.

    ثم وقف احد النواب ممن لا تحضرني الذاكرة لاستدراك اسمه فقال هل تم اتفاق بين الاحزاب في هذا الصدد؟ فقلت لا ولكن منذ هذا الصباح وحتى يوم الاثنين يمكن ان يتم اتفاق في هذا الصدد.

    واسترخى الرئيس قليلاً في مقعده وقال لي، اليوم وفي هذا المساء - وكان ذلك مساء الخميس وقفة العيد الماثل امامنا - سمعت ولاول مرة من السيد محمود الفضلي على مأدبة الافطار رواية تقول ان المغفور له السيد عبد الرحمن المهدي في ذلك الوقت اي مساء يوم 15/12 قد استدعى ابنه الصديق وعبد الله خليل وميرغني حمزة وقال مخاطباً اياهم على التوالي.

    يا الصديق، كيف تقول في البرلمان هذا عبث الستة من دعاة الاستقلال؟ وانت يا عبد الله كيف جاريته في هذا المسلك؟ ثم انت يا ميرغني حمزة ما بالك تتساءل عن موقف الدولتين؟ فاذا جاءت الدعوة للاستقلال من غيركم فذلك اولى بكم لتبنيها.

    وعاد الرئيس ازهري يتحدث عن الهامه في ذلك الوقت وعن الصورة التي انجز بها الاستقلال فقال: في اليوم الذي توجهت فيه الى البرلمان كانت رسالة قد وصلت لتوها من دولتي الحكم الثنائي تتحدث عن الصورة التي يتم بها معرفة تقرير المصير وجاء في صورة ذلك الاتفاق المبدئي بينهما اهتداء بالبند العاشر من الاتفاقية انهما اتفقتا على تشكيل لجنة لمتابعة تقرير المصير واحدهما ترى ان تكون اللجنة من خمس دول والاخرى ترى ان تكون من سبع دول ولنا ان نختار والقانون الذي يحكم اتفاق الدولتين رديء ومزعج جداً اذ تقول احدى فقراته اذا ظهرت نتيجة تقرير المصير واللجنة غير مقتنعة به ترفضها ومن بين بنوده ايضاً اذا رأت اللجنة من خلال زيارتها لاية منطقة ولمست ان المواطنين غير مستعدين للاشتراك في تقرير المصير يمكنها ان ترجيء البحث في اجراءات تقرير المصير.

    وكان هذا يعني ان السودان لن يقرر مصيره لمدى قد يصل الى عشرات السنين وانه اذا ظهرت النتيجة لصالح الاتحاديين يرفضها حزب الامة، واذا ظهرت النتيجة لصالح حزب الامة يرفضها الاتحاديون وناهيك عن الجنوبيين ولذلك فان المخرج هو في اقتراحي الذي طرحته عفو الخاطر في البرلمان يومها.

    وتشكلت بعدئذ على الفور لجنة من الاحزاب واتفق خلال اجتماعاتها السريعة على ان يتقدم باقتراح الاستقلال رجل من الصف الثاني لحزبنا وان يثنيه رجل من الصف الثاني لحزب الامة وان ينظر مستقبلاً في امر الجنوب عند كتابة الدستور الدائم وهكذا اجيز قرار الاستقلال بالاجماع من البرلمان يوم الاثنين 19/12/55 ورفعت القرار الى دولتي الحكم الثنائي للموافقة عليه واوفدنا المغفور له السيد محمد احمد المرضي ليقنع المصريين ولم يعترضوا بعد ان وجدوا ضمانات تؤكد انه استقلال نظيف لا تربطه باية دوائر استعمارية اية روابط.

    وخلال اسبوع واحد تم اعداد الدستور المؤقت واجيز وفي اول يناير 1956 اعلن الاستقلال كحقيقة تاريخية كبيرة.

    الذي اود ان اشير اليه في نهاية هذا الحوار هو ان الرئيس ازهري يتمتع بذاكرة فريدة في قوتها ومن ايات ذلك اننا خلال هذا الحوار الذي امتد لاكثر من ست ساعات كان يتحدث من ذاكرته بلا رجعة الى المراجع او المذكرات بل وكان يذكر تفصيلات صغيرة كما لو حدثت اليوم.

    عندما تساقطت دموع الحاكم العام:
    ___________________________________

    القائد العام البريطاني يقول لازهري ستسقط حكومتك اليوم وسقطت الحكومة فسالت دموع الحاكم العام

    هذه القصة يرويها السيد الرئيس اسماعيل الازهري لصحيفة "الاضواء" جمعنا البرلمان في الخامس عشر من شهر اغسطس عام 1955 ليتم الجلاء في تسعين يوماً تنقص ولا تزيد.

    واتفقنا على ان يكون الاحتفال بعيد الجلاء في الثالث عشر من شهر نوفمبر من ذلك العام.

    وكان القائد العام البريطاني هو اخر عسكري بريطاني يغادر السودان في ذلك اليوم.

    وذهبت الى المطار لاودعه فقال لي: لقد سمعت بان حكومتك ستسقط اليوم!!.

    وقد كان!! عدت من المطار فوجدت ان حكومتي قد سقطت فعلاً.

    واجتمع المجلس :
    ____________________

    قلت للوزراء ان الوزارة يجب ان تستقيل في الحال لان الميزانية ليست امراً سهلاً.

    ووافق مجلس الوزراء على استقالة الوزارة ورفعت سماعة التليفون.. اتصلت بالمستر دنكان.. وطلبت منه مقابلة عاجلة مع الحاكم العام البريطاني لامر مهم.

    وتأثر الحاكم العام حتى سالت دموعه على خديه!! وبعد اربعة ايام عادت وزارتي الى الحكم وكان ذلك يوم الاثنين.

    مفاجأة لازهري عند دخول القصر لاول مرة

    في سبتمبر 1939وصلت دعوة للرئيس اسماعيل الازهري لمقابلة الحاكم العام في القصر.

    هكذا كانت الدعوة، كلمات بسيطة دون تفسير، سيادتكم مطلوب لمقابلة الحاكم العام!!.

    واستغرب السيد الرئيس هذه الدعوة الغريبة، لان ما كان بينه وبين الانجليز لم يكن عامراً على اي حال.

    وتوكل السيد الرئيس على الحي الذي لا يموت وذهب الى الحاكم العاموكانت تلك اول مرة يدخل فيها سيادته القصر.

    الاحتمالات:
    ________________

    ترى ماذا يريد منا هذا الحاكم العام؟

    ودخل القصر فوجد فيه رهطاً من علية القوم: الاشراف الثلاثة (الميرغني - المهدي - الهندي) وبعض اعيان ام درمان.

    وجلس السيد الرئيس مع الجالسين، كان كل شيء صامتاً، والسكون شاملاً الا من انفاس الجالسين ودخل الحاكم العام البريطاني فحيا الجميع، ثم التفت يمنة ويسرى قبل ان يلقي على مسامعهم النبأ العجيب.

    قال: في هذا اليوم يدخل السودان في حرب ضد ايطاليا في اريتريا والحبشة وان قوة دفاع السودان ستشترك في هذه الحرب، وقد دعوتكم هنا لاقي على مسامعكم هذا النبأ.

    وخرج السيد الرئيس من القصر دون تعليق ليعود اليه للمرة الثانية في آخر ديسمبر سنة 1953 حينما كانت نتائج الانتخابات العامة قد ظهرت واتضح بان حزب السيد الرئيس قد نال الاغلبية في تلك الانتخابات.

    وكانت هناك مناسبة اخرى هي التي جعلت القصر يوجه الدعوات لحفل يقام فيه في ذلك اليوم، فقد كانت المناسبة رأس السنة، وذهب السيد الرئيس مع المدعووين، وفي مدخل القصر استقبله المستر سيمر، الذي كان مفتشاً للخرطوم بحري آنذاك، وجرى بينهما هذا الحوار:

    - سيادتك اسماعيل الازهري؟

    - نعم.

    - اهذه هي اول مرة تدخل فيها القصر؟

    - كلا - طيب ليه كل المدعووين دخلوا هنا منكسة رؤوسهم وانت رأسك مرفوع في السماء؟

    ولم يجب السيد الرئيس وانما تابع رحلته دون اكتراث حتى جلس على المقعد المخصص له...

    وهذه قصة اخرى من قصص النضال التي رواها سيادة الرئيس اسماعيل الازهري لصحيفة "الاضواء".

    كان الشعور الوطني ملتهباً ضد الجمعية التشريعية التظاهرات تنتظم العاصمة المثلثة والمدن.

    وفي ام درمان خرجت تظاهرة ضخمة ضد الجمعية التشريعية وفي تلك المظاهرة خرج اسماعيل الازهري في المقدمة.

    وجرت اعتقالات واسعة في قيادة الحزب الوطني الاتحادي ولم يعتقل السيد الازهري مع المعتقلين!.

    وبعد ايام قليلة جاء للسيد اسماعيل الازهري السيد حسن حافظ وقال لسيادته انه يحمل له رسالة مهمة من السير جيمس روبرتسون السكرتير الاداري، واستغرب السيد الرئيس ان يحمل له رسالة شفوية السيد حسن حافظ الذي كان يعمل (باشمخزنجي آنذاك).

    لماذا هذه الرسالة مع السيد حافظ بالذات وليست مع موظف كبير من القصر؟

    ماهي الرسالة يا سيد حسن؟

    - يعرض السير جيمس روبرتسون على سيادتكم ان تكون وزيراً للمعارف.

    ورد السيد الرئيس بقوله: اذهب الى السير جيمس روبرتسون وقل له اسماعيل الازهري لا تعرض عليه مثل هذه الوظائف ولكنه هو نفسه الذي يريد ان يخلق لنفسه المنصب الذي يريده ويختار بنفسه الوزراء الذين يريدهم ان يعملوا معه.

    وذهب السيد حسن حافظ، وبعد يومين كنت جالساً في نادي الخريجين بام درمان كان الوقت مساء، وبينما انا جالس جاءني وفد من الشباب وتحدثوا لي، قالوا انهم طلاب من المعهد العلمي بام درمان وانهم بسبيل تنظيم تظاهرة يريدون مني ان اقودها غداً الساعة العاشرة صباحاً وكان معهم الاستاذ عثمان وني، رئيس اتحاد كلية الخرطوم آنذاك.

    ووافقت على قيادة التظاهرة وعدت الى منزلي وكان الوقت منتصف الليل حينما سمعت قرعاً على الباب ونهضت: فتحت الباب، فاذا بي اجد السيد حسن الطاهر زروق!.

    - سمعنا يا سيد الازهري بانك ستقود تظاهرة غداً صباحاً ونحن نرجو منك الا تقود هذه التظاهرة!!.

    وقلت له ان تحقيق طلبك هذا مستحيل لانني سبق ان قطعت وعداً بقيادة هذه التظاهرة ولن اتراجع عن هذا الوعد.

    في ذلك الزمن كان السيد حسن الطاهر زروق وزملاؤه اعضاء في لجان لجمع التبرعات للسجناء السياسيين وجاء وقت التظاهرة، كنت هناك في الانظار لقيادتها وفوجئت بان عدد المشتركين في التظاهرة كان ضئيلاً جداً وان والبوليس كان يحيط بالمكان من كل جانب.

    وقبل ان تتحرك التظاهرة استعمل البوليس القوة وتفرقت التظاهرة.

    والتفت نحو الاركان الاربعة فلم اجد احداً من المتظاهرين فعدت الى منزلي وبعد نصف ساعة فقط كان البوليس بالمنزل.

    لقد اعتقلت :
    ________________

    وركبت في العربة مع البوليس الى مركز الخرطوم حيث بقيت هناك حتى الساعة الثانية. تحقيق: وبعد ذلك جاء احد "الجاويشية" وامرني وبقية المعتقلين بالذهاب الى سجن ام درمان وبتنا في سجن ام درمان حتى الصباح.

    وفي ذلك اليوم قدمنا الى محاكمة عاجلة حيث صدر الحكم ضدي بشهرين سجن.

    وكان ذلك اول قسط من الثمن الذي دفعته نتيجة لرفضي لعرض السكرتير الاداري ان اصبح وزيراً للمعارف.




                  

العنوان الكاتب Date
19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلمان! بكري الصايغ12-17-07, 00:58 AM
  Re: 19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلما بكري الصايغ12-17-07, 01:25 AM
  Re: 19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلما ابراهيم عدلان12-17-07, 03:17 AM
    Re: 19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلما شكرى سليمان ماطوس12-17-07, 08:43 AM
    Re: 19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلما gamal elsadig12-17-07, 09:47 AM
      Re: 19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلما بكري الصايغ12-19-07, 12:26 PM
  Re: 19 ديسمبر 1955- 2007: في الذكري الـ52 عـلي اعلان اسماعيل الأزهري استقلال السودان من البرلما بكري الصايغ12-19-07, 01:54 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de