وفــــــاة جلال على لطفى !!!!!

Quote: محمد الزاكي محمد – المحامي في مثل هذا اليوم رحل عن دنيانا الفانية أول رئيس وطني للقضاء السوداني في 1/10/1977 بلندن، في اليوم العاشر من نوفمبر 1977 أقيم تأبين له في باحة القضائية قبالة مكتبه الذي جلس عليه وأحبه، بعد تولي رئاسة القضاء في 21 سبتمبر 1955 خلفاً للينزي الإنجليزي الأصل الذي غادر في اجازته النهائية. أم مناسبة التأبين جمع غفير من كل أطياف المجتمع وذلك تعبيراً عن مشاعرهم وحبهم واحترامهم لهذا الإنسان سامق القامة الذي كان بطبعه محباً للعمل يصحو في الصباح بكوراً مغتنماً ومهتبلاً كل لحظة تمر بحياته؟ ابان عمله رئيساً للقضاء إذ مررت بمكتبه تراه مضاءً من الساعة السادسة مساء وحتى التاسعة محاطاً بالملفات والأوراق منكباً عليها يستخرج منها السوابق، وللحقيقة لم يكن ايدولوجياً او مهندساً أكثر منه صانع سياسة، وقد رهن ذكاءه وحنكته وحكمته وبشاشته وحبه الذي تميز به لأعمال الخير، السنوات الخمس السابقة لوفاته كان يتعلم اللغة الفرنسية, وأفاد المقربون منه انه قد اتقنها إلى حد كبير مكنه ان يصل بها إلى مرحلة التخاطب والتواصل بها مع الآخرين. كانت أبواب داره ومكتبه مشرعة لكل الناس حتى أنه في مارس 1959 انسلت إلى مكتبه امرأة (هدندوية) امسكته بتلابيب بدلته وقالت له (لقد خنت عبود) كان بامكانه ان يضغط على الجرس طلباً للمساعدة وبامكانه ان يتخذ ضدها إجراءات بالتهم على العكس رجاها ان تتركه لشأنه لأن لديه أعمال في حاجة إلى وقت لانجازها، هذا يدل على سماحة روحه وعفوه. وقيل ان هناك حادثة مماثلة حدثت له بمدينة الابيض إذ ان أحدهم رفع حذاءه في وجهه توقى ذلك بصفحه وابتسامته كعادته اجبرت ذلك الشخص ان يتوارى خجلاً. في 1963 استفسره الأستاذ قاس ريف لماذا لا يعينون العنصر النسائي في القضائية؟ اجابه لم يكن بمقدورنا ان نفعل، لكنه بعد فترة قصيرة عين أول قاضية هي السيدة أحسان فخري، وتشرفت به كلية القانون جامعة الخرطوم بأن عينته عضواً لسنين متلاحقة عديدة، ورئيساً لمجلس جامعة الخرطوم من 11 نوفمبر 1974 إلى 1/11/1975 كان عضواً نشطاً وفعالاً في الجمعية العالمية للقانونيين سنة 1964 وفي يناير 1977 عينه السيد رئيس الجمهورية عضواً في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي. حياته كانت بسيطة يتوخى الوسطية، وعرف عنه انه لا يفقد هدوءه واتزانه ابداً إلا ان مولانا عثمان الطيب رئيس القضاء السابق في معرض تأبينه له قال (ابو رنات انقلب إلى وحش كاسر عندما علم ان هناك اقتراحاً بتحويل القضائية إلى مصلحة تتبع لوزارة العدل وهذه المرة الوحيدة التي شوهد فيها ابو رنات تعلو قسمات وجهه خطوط الغضب). وفي هذا المنحى علق مولانا خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق(لقد حافظ أبورنات على القضائية بفعالية في أيامها الصعبة، ودافع بضراوة عن استقلال القضاء) وفي هذا الصدد قال مولانا دفع الله الرضي نائب رئيس القضاء السابق (لقد طوع أبورنات سطوة نظام عبود وكان قائداً ماهراً للسفينة أوصلها إلى بر الأمان وبما حملت). بغريزته وتدريبه الفطري كان قانونياً تتلمذ على المدرسة الانجلو سكسونية، إذ كان رئيساً للجنة التي اقترحت إلغاء قانون القضاء والتشريع الملحق به وإحلاله بقواعد الـ common law والتعديلات التي أدخلت على القانون الجنائي 1974 هي أساساً من عمل يده. ومن فرط اعجابه وحبه للمعاهد البريطانية لتجد لوحة كبيرة لملكة بريطانيا تتوسط صالونه العامر. وفي اجتماع عقد بلندن تحت عنوان (مستقبل القانون في افريقيا) عرض فكرة القانون السوداني الانجلو سكسوني 1959 بقوله مستقبلاً اعتقد ان القانون السوداني عليه ان يتطور باعتباره جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، والذي ابتدأت تظهره العادات الاجتماعية وأخلاقيات السودانيين بكلياتهم. والآن وبعد مرور ثلاثين عاماً وفي ظل سعادة رئيس القضاء الحالي مولانا جلال الدين محمد عثمان ففي عهده فالقضائية نمت وتطورت رأسياً وافقياً فنحمد في كل ولاية رئاسة للجهاز القضائي على رأسه قاضي محكمة عليه ومحكمة استئناف ومحاكم جزئية تنتظم كل مدن الولاية وقراها، اقيمت على مباني للقضائية أقل ما توصف به انها توافق المواصفات العالمية الحديثة لوصف ما تكون عليه مباني القضاء عالمياً، ومبنى المحكمة الاتحادية العليا الخرطوم يحدث عن نفسه. وازدادت أعداد القضاة من الجنسين تبعاً لذلك ونجد العنصر النسائي قد برع تماماً في قضايا الأسرة والمواريث والقضايا المدنية، وانتشرت المحاكم في كل ركن من أركان البلاد حسب الحاجة وبمقارنة كانت بكل كردفان الكبرى خمس محاكم كادوقلي، النهود، أم روابة وفي 1970 افتتح مولانا حمزة زين العابدين قاضي الدرجة الاولى محكمة الفولة في مباني تبرعت بها محلية الفولة للقضائية، والآن بالفولة بها جهاز قضائي متكامل لا يقل عن أجهزة أم درمان، بحري، والجهاز القضائي لشمال كردفان تحفة معمارية زانت وجه مدينة الابيض ورافق التطور في عددية المحاكم زيادة في الطلب الملح للعدالة بسبب انتشار الوعي وزادت اعداد القضايا وبكثافة والضرورة تقتضي توسيع قاعدة المحكمة العليا، محكمة الاستئناف وبالضرورة قاعدة المحكمة الجزئية مع فتح قنوات للاتصال مع الأنظمة القضائية العالمية بالولايات كأجراء تواصل قضائي وثقافي مع ولاية كولومبيا المتحدة الأمريكية أو النظام القضائي بمدينة ليون جنوب فرنسا أو محكمة اولن بيلي بانجلترا وذلك بغرض الاحتكاك المعرفي ونقل التقنية الحديثة لاختزال الإجراءات داخل النظام القضائي السوداني المنظم. محمد الزاكي محمد – المحامي هذه ترجمة بتصرف من مقاله للأستاذة قاس ريف كلية القانون جامعة الخرطوم نشرت بمجلة الخرطوم القانونية KL.R 1979 V.I تحت رئاسة الدكتور محمد الفاتح حامد عميد كلية القانون جامعة الخرطوم.