كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 02:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-04-2007, 06:16 PM

mustafa bashar
<amustafa bashar
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 1145

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه

    مقدمة الكتاب

    الكتابة فن جميل على غير الطبيعة التي تبدو أول وهلة، فقد ارتبطت الكتابة بالمعلومة والخبر والأمر والنهي، كما ظهرت من خلالها الحكمة والصورة الجمالية والموسيقى والدلالات الخفية المتوارية والمظاهر الصارخة، كل هذا من خلال الحروف والكلمات وأصول اللغة وقواعدها مَرَّت حقب كثيرة ونمط الكتابة الأدبية والفنية يسير وفق أسلوب شديد الواقعية قليل الخيال، ثم تدفَّق الخيال في فترات تالية حتى كادت الكتابة أن تكون تجريداً بحتاً، بين هذا وذلك رأيت شاباً يقف في قارعة طريق الكتابة كانت له أربع عيون، عين ممعنة في الخيال، وثانية تهتم بالرسالة والموضوع، وثالثة مجردة النظر، ورابعة ترى أن الحرف لغة والجملة لغة والنص لغة.
    محمد المصطفى بشّار كاتب له جاذبية خاصة، ومن الواضح لي أنها نتيجة جهد وتفكُّر، ونتيجة تجارب ومخزونات من عدة أمور فيها ما هو عادي وما هو غير عادي، الطرافة والتواضع والذكاء يتخلَّل أعمال بشَّار في الكتابة، كما أنه تمكَّن من أن يشكل مادته دون أن يكون الموضوع هاجساً مضراً للإبداع، ويبدو الموضوع لديه كقطعة الذهب لدى الصائغ الماهر يمكن أن ينتج منها خاتماً جميلاً أو عقداً أخَّاذاً.
    كتب محمد المصطفى بشار عن رحلاته، وعن مصادفاته في ضروب شتّى من المواقف والتأملات، وقد تمكن من أن يدفق فيها شيئاً من الحيوية والبشاشة، وكأنه يكتب لكل قارئ علي حدة مما يترك علاقة ممتدة بين القارئ والنص والكاتب، ومن خلال هذا المناخ المبدع، تتجدّد الرؤى وترتوي الأحاسيس وتتمدد وتتآصر العلاقة الإنسانية في زمن ما، وشعور ما متكبر الهيئات والأرواح وتتواصل.
    الكاتب محمد المصطفى بشار، هو في الأصل مصمم صناعي، ودارس لعلوم التربية الفنية، وله ضلع في التشكيل مديد، ولَمَّا كان التصميم الصناعي يُعنى بالغرض والاستخدام والاستهلاك والقياسات، فهاهو يتفلّت من هذا السياج، ولكنه انفلات متزايد ومنساب، وكما عرف قواعد القياسات والهدف والغرض، تمكن من استخدام المكونات الفنية في مادة الكتابة، وسبح بها صوب الأفق الجميل.
    هنالك جانب آخر عن علاقة الكاتب بالكتابة، حيث إنه مارس الصحافة مهنة واحترافاً فهو صحافي مسجَّل ولديه عضوية في اتحاد الصحافيين السودانيين والصحافيين العرب، وعضو في برنامج الصحافيين المتجوّلين التابع للجنة المنظمات غير الحكومية في نزع السلاح وهي جهة طوعية مقرها نيويورك.
    المادة التي أقدمها للقارئ تتركّز في أجواء المدن والسفر، وما يتخلل ذلك من تأمل ومصادفات وقد تمكّن الكاتب من تناول أفكار وزوايا خاصة جداً، في جسد المدن وعناء السفر، ومن خلال ذلك تمكّن من أن يقدّم نماذج حياتية، وأن يستعرض مواقف جادة ومحددة تجاه قضايا مختلفة، تمكّن من أن يطرحها بأسلوب أدبي ممتع وجديد من حيث الإيقاع والعبارة والمضمون.
    يبدو واضحاً أن محمد المصطفى بشّار، قد أدرك أن القارئ ذكي وأنه متفاوت الثقافة والفكر، وقد أمعن في أن يفاجئ القارئ بلمسات ذكية وطريفة وذات مدلولات فنية، تنم عن حب للآخر، وهذا هو غاية التحضر وحسن العلاقة الإنسانية. عبد الباسط عبد الله الخاتم
    أستاذ جامعي، كاتب، وفنان تشكيلي


    بورتسودان: وجه مدينة لا تعرف التجاعيد

    كان الجو لطيفاً وعابقاً بمشموماته العطرة، ونحن نترجّل من على ظهر طائرة بوينج 737، تابعة لطيران السودان في مطار بورتسودان، والمعاطف علي أكتافنا، ومتدليات الكتف من حقائب "الهاندباك"، وأمامنا رهط من القساوسة في ثيابهم الفضفاضة، وكان على ما يبدو أنهم سيؤدون قداساً على الهواء الطلق في بورتسودان.
    تغمرك الأحاسيس أجملها حينما تتخَلَّل تلك الطائرة العتيقة ركام السُحب، فيبدو السحاب كالقطن المندوف، كان على شمالي راكبٌ يسافر لأول مرة، فسألني السؤال التقليدي الذي يفصح فيه عن معيّته.
    كان يفصلنا عن درجة "VIP" ستار من القماش سميك، وحين تُحرك الستارة نفسها بين آونة وأخرى، نلمح رُكّاباً على درجة من الأناقة مُفرطة. وهكذا كنا نحاول، في ثالثة الدرجات. صوت المضيفة يأتي إلينا صادقاً بدُعاء السفر، وتحايا "كابتن السر" والطاقم، ويتحوَّل إلى الإنجليزية وإلي لغة أخرى لا أدري من أحرفها إلا ما علمتني.
    ويترصدك خوف الانفجار أو سقوط الطائرة، فالمضيف يشير إلى مخارج الطوارئ وأماكن كمامات الأكسجين، وبزة النجاة تحت المقاعد، تحسست أسفل مقعدي فلم ألمس شيئاً لدناً، وتدحرجت بنا قمراتها. عجلاتها داست على كبد المطار، وتفجّر الشجن الذي يسبق حنين الطائرين من المقار. كان قبل ذلك أن اربطوا أحزمتكم علي البطون، ودعوا رئاتكم تكف عن التدخين.
    فبدت لي تلك الخرطوم مُقَسَّمة، والنيل ثعبان عجوز، والمباني مثل صناديق البسكويت، فلمحت حاجّة عَشَّة بائعة الكسرة، تقبع في نفس الركن الذي تركتها فيه أمس، وبعد ذلك لم أرَ شيئاً ويتحسس المضيف مُكَبِّر الصوت.
    تتأكد أن الكارثة لا بُد وشيكة، والقفز من هذا الارتفاع متعة حقيقية.
    لم أحضر إلى بورتسودان هذه المرة كاتباً، بل أتيت مصمِّماً لإحدى شركات النفط، في ذاك الصباح دار في مخيلتي الكثير والمثير، والقطط التي تهز أزيالها وتحتك ببنطلونك، والأدروب والقهوة ولواري "BEDFORD" وشمسها اللافحة، إنها تراكمات رحلتي السابقة، كنت طالباً أدرس الفنون وفي رحلة علمية، الهاجس السابق كان لونياً أما هذه المرة فغير ذلك.
    مُدهش وجه المدينة، والناس والصبايا وفوجة الموانئ مالح، ولغة البحارة دخان كثيف وموج، وكثير من الأغنيات أعادت إلى ذاكرتي قبطاناً متقاعداً كان قد تخرَّج في الأكاديمية البحرية اليونانية، وأبحر في كل الموانئ من "ممبسا" إلى "بريستول".
    كان حين يحكي لي كُنت أظن نفسي مساعداً له في قراءة الخرائط، وتوجيه الدفة وقياس سرعة الريح، وتبيين مواقع الجنادل.
    الموانئ ضاجّة بالسفن والوجوه السمر تتدحرج على حافة الإسفلت.
    "باووت" هكذا يسميها الأدروب وحين يغنون لها بحنين دفَّاق، وحُب جارف ويدعون الناس للمكوث بها.
    صبايا فرنسيات علي ما يبدو، يحملن حقائبهن على ظهورهن، ذَكَّرنني نشيداً قديماً، كنَّا نردده بشغف لكثرة نون النسوة فيه، بيض الحمائم حسبهن، أني أُرَدِّد سجعهن.
    شهورهن مسدلة، وعيونهن خُضر يتجوّلن، ولا تُلاحقهن الأنظار، الناس هناك من دفء الموانئ ودفق الريح على المشربيات والنوافذ، تخال المباني خالية، وأظن سيدنا سليمان قد مرّ من هناك إلى سواكن.
    الأزقة والحواري وألوان الثياب، والصديري يزامن الجلباب في لغة التضاد القديم بين الأبيض والأسود، إني آسف جداً لأن شعري قصير، كنت أتمنى له "خُلالاً" خشبياً مزدحماً بالنقوش.
    وليت لي دابة أضرب بها في الخلاء البعيد، بعيداً عن زحمة العولمة ووالدها المُسَمَّى "تكنولوجيا".
    كانت الطرقات رغم سفلتتها تتحايل عليى ذاكرتي الخَرِبة، فقد نجحت كثيراً، وتختلط عليّ الدروب، لا ينقذني منها إلا أصدقائي الثلاثة، عاصم وحسين ودقنة.
    ودقنة هذا غير عثمان دقنة كوكب الشرق، له خبرة عشرين عاماً في "بورتسودان" رغم أنه من "كتيلة" إحدى مدن الغرب المنسية إلا أن أحمد دقنة مشهور في غير مدينته.
    على كلٍّ عاصم وحسين شابَّان رائعان، ولا يخلو كلاهما من مرح المغتربين على ضفاف الموانئ.
    صَحِبوني جميعهم في مهمتي التصميمية فلهم شُكري حتى يرضوا.
    لك أن تسأل عن تعبير الوجوه والجمال قيمة مطلقة، والاناث يتبدين في ازدهاء الحسن، لكن رائحة القهوة أجمل، ولون الـ"أوفرول" أزرق، ولا أقول لك إن هذه المدينة مثل بطن "الراديو" لكن "الراديو" أصغر.
    والصباح الثاني يأتي، والمذاق في فمي أطيب، والثلاجة تزفر بحنق في فناء "الشقَّة" إلا أنني ذاهب إلى البعيد البعيد، وجسمي معلق بكبد أختيّ الصغيرتين، حين ألمح من تشبههن.
    كلنا نمضي سريعاً علي واجهات الزمان، والمحال التجارية والبيوت، أخشابها تعتّقت من رائحة الملح، لو كانت له رائحة.
    ربّاه إني قد أتيت تجاوزاً، أثأر بحلمي ومن شبق المواسم، من ضيعة الأسفار في التاريخ من الزمن المخَلَّل بالتجاوز، والتباريح وخدر الدخان، والمراكب الصغيرة ماذا يريد الموج منها؟
    الباعة الجائلون بمختلف الأصناف والأقمشة، ونظارتي المظلَّلة، يحق لك أن تكون ماشياً علي رجليك وتتخيّل أنك تمتطي عربة مظللة، والوقود مدفوع القيمة بكمية ما تناولت من أسماك أو "أفوال".
    أقوال لدقنة دعنا "نستشوي" أي نشرب شاياً، اللغة مباحة فنحن بعيدون جداً عن إمرء القيس أو الخليل بن أحمد، و"نستشوي" وتروح علينا القهوة كثيراً في الصباح الثاني، تدحرجنا نحن الأربعة وقصدنا بائعة الشاي، وحسين المهندس الزراعي، أتي بـ"زلابيا" أظنها بمائة ألف جنيه ليس غير. بالتأكيد التهمناها ووضعنا الباقي في المخزن بشروط جيدة "وألا أقول ليك.. أكلناها كلها".
    حسين ودقنة من هواة الراديو، وهما يسكنان غرفة واحدة، يتناولان نفس الغذاء، ولهما نفس المدير، كما أنَّ لكل واحد منهما جهاز راديو، والراديو الخاص بحسين لا يلتقط بث إذاعة أمدرمان، رغم أن الماركة واحده ونفس حجارة البطارية، يُصر حسين ويُلح لا بُد من استبدال هذا الراديو.
    ويمضي حسين إلى بائع "الراديوهات" ويأتي بجهاز يكاد أن يكون بنفس الـ"SERIAL NUMBER"، ولكن هنا أمدرمان لا تأتي، لا ندري أين ذهب أصدقائي القدامى علي الأمين ومحمد جابر، علي أية حال أمضي إلى سوق الحبال وأشتري حبلاً بطول ستين متراً لرفع مجموعة أعلام.
    وكلنا بالشوق وفعل الغربة نسأل، إنني آسف جداً لأنَّ شعري قصير وجسمي متعب.
    "سوكرتا" أو حي العرب يهزم هلال العاصمة، المشجعون منتشون لحد الصباح، والرقص علي طول الطريق، وعلى ظهور العربات والمركبات واللواري وأسطح البنايات.
    يوقدون شموعاً من ورق الجرائد فرحةً بالنصر، إنّه فعل سكّان السواحل، للمهرجانات طقوس مثل شُرب القهوة، ومثل الصديري مصاحباً الجلباب. إن بورتسودان وجه ساحلي لا يعرف التجاعيد، كل الهموم هناك تُرْمَى للموج كي يفعل بها ما يشاء. تذَكّرت وجه "مندي" رغم أنني لم أرها، طفلة بعامين اثنين لكنها تماماً كالكبار حين تقف أو تجلس أمام "الكاميرا"، والدها يا صديقي، صار لي صديقاً، البحر في عينيها كان صافياً وبغير مُلوحة، "عفواً لا أقصد طعاماً".
    خلف ذاك المستودع الكبير الغاص بالشجيرات الشوكية، صنع لنا أدروب قهوة ذاك الليل، وكانت الساعة تتخَطَّى التاسعة ليلاً، والبوابة تبعد عنا ثلاثة كيلو مترات، وبورتسودان خمس وأربعون كيلو متراً، وأدروب يحكي لنا بلغة "البجا" ويتخَلّل حديثه مفردات عربية، وإنه يمتلك عدد "2"، بطاقة يعمل بها في الميناء فهو حين يشرب القهوة يتسع الكون أمامه، وتُتاح له فرص عمل في مكانه، بل يأتي إليه ضابط شؤون الأفراد الذي لا يعرفه، ويجرُّه من يده بأن هناك وظيفة، ويُركبه معه في سيارته، ويصرف له مرتب "كم" شهر قبل أن يستلم وظيفته، كل هذا بفعل تأثير القهوة، فإنها تجلب الحظ وتوفِّر المال، ولا تتسبب في ارتفاع ضغط الدم.
    ولا يخالفنا الراوي أن "الزين" ومصطفى سعيد يمكن أن يكونا معنا دائماً ويومياً، إنا موجة أخطات في المد فلفظها البحر على ساحل هذه المدينة.
    ونعود إلى "باووت" لا شفقاً يواري الشمس، لا أُطراً تسع خواطر المشتاق للتاريخ، للبهاء الرابض في صمت البيوت، في السكون الصعب، في لحظة الهدنة، وشجر الليل عانق الأوتار، فانسكبت كل حشرجات الجن في أذني، وهم يتسلقون علي ظهر السفينة، إنني الآن لا أخشى إلا على عرش أمنياتي أن يُغَوَّض. أن تكون أنت مسحوراً بعرائس "الأولمب"، هناك قد تنسى ادّكارك، كلما عبثت بك النجوى أو تخطّفك السهر.
    إننا نأتي إليك، وتشدنا نحوك زحمة المبُعدين طواعية عن العواصم وعن "الهامبيرجر" و"الفرانكفورتر".
    أرجو أن أعود إلى "باووت" في أكثر فصولها حرارة، لكي أستحم كثيراً وأصاحب لي "دلفيناً"، فأنا كائن برمائي، حينها يمكن أن يكون السفر بلا وثائق ولا عبارة شُوهد عند الدخول.
    تحتم عليك الرتابة أن تكسر ايقاعها البليد، فتتجَوَّل، أنت متعب، محاصر بكوابيس أن لا تجد حجزاً في تلك الطائرة العائدة إلى الخرطوم العاصمة، ويعدك أصدقاؤك إن بقيت معنا حتى الغد، سنقيم لك رحلة، وقد نذبح لك "عنبلوك"، والذهن يختمر بتحولات المكان بعيداً عن الجغرافيا ولون الأرض، والتاريخ.
    وأذهب إلى المنطقة الحرة يوم الافتتاح لكي "أعاين" الذي صمَّمته، هل مازال يقاوم رياح الهبباي؟ شيء مؤسف أن تخر الأعلام فهذه سيادة دول قد قاومت الرياح وما زالت رغم ارتفاعها.
    كل السودان يجتمع هناك بكل ألوانه وملابسه وملابساته، وسحناته الداكنة والفاتحة والوسيطة، هذا علم جديد في علم ألوان الأجناس.
    والراقصون والراقصات يوزعون غبارهم علينا، و"خلاخيلهم" ترتج مع ضربات أقدامهم الحافية أو اللابسة "كبك"، ويعرضون علينا مزيداً من الرقصات حتى رقصة التويا "TOYA" "راقصين التويا، .. كلّموا لي أبويا".. والإرهاق بادٍ، والأدروبات بكل فصائلهم وأنواع جِمالهم يتسابقون، إن أشجع الأطفال هم الذين علي ظهور الإبل بلا سروج. تمنيت أن أكون سابحاً في موجة الوطيس، تذكرني علي الأقل بجدي يونس الدكيم الذي أوشك أن يتزوج الملكة "فكتوريا" التي لاتحتاج إلى تعريف، "لكن ما بتدّي حريف". ونعود إلى بورتسودان العاصمة، حيث النهار أُتوناً متقد الجمر، مدمن لروائح الشواء من يتجهم وجهه أمام صالات الجزّارين.
    ونتجوَّل جولة الوداع في ذاك السوق الزاهي الألوان والأقمشة، بحثاً عن أي شيء يمكن أن يشتري بالمال القليل، أو يقبل أن يكون مسوحاً على شقوق القدمين.
    هذا بعد أن حجزت لي مقعداً في طائرة الصباح، سأكون أرِقاً جداً.. لأني أود أن ألمس السحاب، ولكن يحول الزجاج، ونظرات المضيفين المريبة، كأنهم هم الذين سيخطفونها، وليس نحن الركاب. عليهم أن يلقموك طعاماً خفيفاً وشاياً، وأن يخبروك بمخارج الطوارئ، ويزيدون من روعك، ولا يُخَفِّف عليك إلا دعاء السفر.
    ونعود إلى "الميس" وأصدقائي الثلاثة حزانى، لأني سبَّبت لهم برنامجاً غريباً، وإنكساراً في بؤرة العمل الدؤوب، وقالوا.. ابقَ معنا.. ابقَ معنا.
    ردّدنا الهتاف، وتبادلنا كورس الصور الفوتوغرافية، في دكنة ذلك الليل، الذي كان أخيراً، وحفيف الشجر يُلقي على مسامعي شعراً جميلاً، وأغصان تتأوَّد، وحسان يتناجين في غيبة البدر الذي هو في الأمس قد اضمحلّ. ودقنة يصحو في الأذان الأول، أصحو معه ويحمل لي حقيبتي إلى موقف بص الخطوط الجوية السودانية، فتجد المكان مغلقاً، لا أحد سوانا يخيط في تلك الشوارع ليلاً عدا جنود أتمُّوا نَوْبَة الحراسة الليلية، وهم موعودون بنوم ثقيل.
    ونشرب شاياً علي أُنس الكيك بعد أن كان على همس الزلابيا أول أمس، ويعانقني أحمد عثمان دقنة عناقاً طويلاً حتى فكّرت في أن ألغي سفري في هذا الصباح، إن الذين نقابلهم صدفة في هذا الزمان يمكن أن يكونوا لنا أصدقاء وإلى الأبد. وفي مطار بورتسودان، لمحت أحد الزملاء ومعه طفلهم الصغير، وركبنا الطائرة العملاقة من بابها الخلفي، والعلامات داخلها تؤكد لك أنها روسية الصُنع من لون الطاقم وحديثهم وشعرهم الأسود وعيونهم "اللازوردية"، ونَفْس أولئك المضيفون، وتجري بنا طويلاً وتعلو رويداً رويداً، ونحن مربوطين على المقاعد، ودخان يدخل علينا من جهة ما. قرأت دعاء السفر، وآية قرآنية لقَّنتني إيَّاها والدتي منذ الحادث السابق، والطمأنينة تفرش ثوبها، وأنا ملتصق على النافذة، أراقب مبنى المطار من عل، والناس قد صاروا مثل أقلام "البيك". ونروح في دوامة الحنين لمن نحب، ومن تحب وأنت معلق بكبد السماء؟ وأزيز الطائرة، والغابات في الأسفل تبدو طحلبية ومرتفعات بلون "تركوازي" باهت، ومشاعرنا بنفسجية من الإثارة والتحديق في فراغ السودان، حمدت الله في سري وجذبت نفساً عميقاً.
    ورحت في ثبات طويل، حتى أفزعني صوت المضيف بأننا وصلنا الخرطوم وعلينا أن نكون مربوطين بالأحزمة وأننا سنهبط بعد قليل "يا خي ما تخلّينا طايرين".
                  

العنوان الكاتب Date
كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 06:16 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 06:30 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 06:46 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:01 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:21 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:29 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:49 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:08 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:17 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:27 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:42 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:03 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:11 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:12 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:14 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:28 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:31 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:32 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:34 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 02:36 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 02:39 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 03:14 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 06:52 PM
  Re: كتاب سفـر الالوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه (الريكمندوما الغطّست حجر التومه) mustafa bashar12-06-07, 07:34 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 07:39 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:20 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:35 PM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه noon12-06-07, 09:18 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:54 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:59 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:59 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 10:16 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 10:18 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 03:59 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 03:57 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 04:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 05:07 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 05:34 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 06:19 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 09:48 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 06:59 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 02:17 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 02:47 PM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه سلمى الشيخ سلامة12-08-07, 05:40 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 09:26 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 09:29 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 09:41 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:28 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 04:42 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 07:40 AM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه salma subhi12-09-07, 10:20 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mahdy alamin12-09-07, 10:29 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:18 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:21 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:24 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 05:49 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 10:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-10-07, 05:30 AM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه Abdlaziz Eisa12-18-07, 06:24 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-10-07, 09:27 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-13-07, 01:43 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mahdy alamin12-15-07, 06:19 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-18-07, 00:45 AM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه عزان سعيد12-18-07, 05:20 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:28 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:32 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:36 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:39 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de