براح للفلسفة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 12:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-01-2007, 02:37 PM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: براح للفلسفة (Re: Mohammed Elhaj)


    بقية مقال عمارة الناصر
    الهرمينوطيقا والمنهج:
    عرفت العلوم الإنسانية –منذ هوسرل- انعطافا هامّا داخل المقاربة المنهجية لمواضيع المعرفة، حيث فتحت الظواهرية عالم الذّات على الوجود الأصيل للظواهر، ولم تعد هذه الأخيرة إلا تمظهرا لحياة نفسية تعمل على تأطير الظاهرة من الداخل وتمثّلها وتأويلها من خلال ما تقدمه من إشارات وعلامات عن نفسها، ولئن كانت الفينومينولويجا ومن خلال عمليات التعليق والتصفية الماهوية والاختزال، تعد منهجا للعلوم الإنسانية وللحصول على الحقيقة في شفافيتها فإن "الهرمينوطيقا ليست "منهجا للحصول على الحقيقة"، الهرمينوطيقا في نظر غادمير ليست منهجية للعلوم الإنسانية ولكنها محاولة من أجل فهم ما في الحقيقة (..) وما يربطها بكلية تجربتنا في العالم"( )، ففهم العالم وتأويله من خلال اللّغة التي تحمله يستند إلى ذات واعية بوجودها الساكن في هذا العالم نفسه، وعليه يمكن طرح السؤال: هل تتضمن كل محاولة للحصول على الحقيقة وفهم تمظهراتنا في الحياة المكتوبة على منهجية ما ؟
    يرى غادمير أنه "ليس ضروريا وضع منهج للفهم العلمي، الذي يهمنا هو المعرفة والحقيقة، فالظاهرة التأويلية ليس –مطلقا- مسألة منهج"( )، هذا لأن المنهج يتحول إلى غاية معرفية في حد ذاته كما هو الحال بالنسبة للبنيوية، وهذا ما يزيد في المسافة ويكثف العماء الذي بين الذّات وموضوعها، وبالعودة إلى تحليل الوجود الذي تستند إليه الذّات "يمكننا الشك في وجود تقنية للفهم"( )، ففي حين تظن المناهج العملية أنه بإمكانها رصد موضوع المعرفة في كل تمظهراته واستدعائه خطوة خطوة إلى فهم عميق وواضح بواسطة تعليق الذّاتية، فإن هذا الموضوع كما يرى هيدغر "لا يمكننا أن نرغمه من جانبنا على المجيء وذلك حتى في أفضل الحالات حيث ندركه بعمق ووضوح، لم يبق بوسعنا إذن ما نعمله سوى أن ننتظر حتى يتوجه إلينا هذا الذي يجب التفكير فيه ويقال لنا"( )، وهذا الانتظار ما هو إلا التأمل الداخلي لما قد استقر في الذّات، أي التفكير فيما تم رصده بالقراءة وهو عمل التأويل، غير أن الانتظار لا يعني بأي حال من الأحوال التملص والابتعاد عن التفكير من حين لآخر، بل (الانتظار) هنا معناه: أن نوجه نظرنا صوب كل الجهات وداخل ما قد فكر فيه بحثا عن اللامفكر فيه الذي ما يزال مختفيا هناك، إذ بمثل هذا الانتظار وحده نكون مزاولين للتفكير ومتجهين نحو "ما يجب التفكير فيه". لكننا في هذا السير والتوجه يمكننا أن نحيد عن الطريقة بحيث لا نبقى مرتبطين بهم الاستجابة إلى هذا الذي تجب العناية به"( ).
    وعليه يكون التأويل بحثا في ما قد فُكِر فيه عن اللامفكر فيه عبر أفق الانتظار الذي هو إشارة وإحالة مع إمكانية الحيد عن الطريقة، عن المنهج، ويتم الاشتغال على اللّغة بالفكر بصفة مباشرة أي عبر أنطولوجية الفهم و"في الفكر يأتي الوجود إلى اللّغة، اللّغة هي سكن الوجود، وفي حمايتها يعيش الإنسان"( ) ففي اللّغة لا يتم البرهنة على شيء، كما أن الأشياء لا تظهر بشكل منهجي بالنسبة للوعي.
    فالهرمينوطيقا تقوم على استراتيجية تنفلت من المنهجية، إذ تقوم باستدراج الوجود إلى اللّغة لتستطيع الإمساك بالكائن وفكره من خلال إشاراته، علاماته وإحالته داخل عالم اللّغة أي عالم النّص، ومن هنا تكون "مقولة "العلم لا يفكر" هي إذن لا هرمينوطيقية العلم"( ) أي أن منهجية العلم تمنعه من التفكير في ما يتم معرفته، ومنه فإن ما يتم معرفته يكون قابلا للتوهم دون اكتشاف ذلك نظرا للاطمئنان إلى حماية المنهج الذي يقفز فوق الكينونة الأصيلة للمعرفة وللكائن العارف وعليه "فإن مشكلة الحقيقة ليست مطلقا مشكلة منهج، لكنها تجلي الكينونة لكينونة ما، حيث الوجود متضمن في فهم الكينونة"( )، فالهرمينوطيقا مطورة عن الفينومينولوجيا ترمي إلى شمولية رؤية الفهم لكينونة العالم من حيث هو وجود ملحق باللّغة.
    3 - مفهوم النّص: وساطة الرمزي وجدل الكتابة/ القراءة:
    إذا كان العالم لا يُفهَم إلا بواسطة ما نمتلكه عنه من لغة و"ليست لدينا إمكانية حدسية لتمييز مختلف الأشكال الذّاتية للوعي"( )، فإن الإمكانية المتوفرة لإنشاء علاقة بين ذاتية الوعي وعالم اللّغة تتم في النّص، حيث يشكل النّص الوساطة بين الذّات وبين العالم من خلال رمزية لغته، لذلك يرى ريكور أن "الرمزي هو الوساطة الشاملة للفكر بيننا وبين الواقع، إنه يعبر قبل كل شيء عن لا مباشرية فهنا للواقع"( ). فاستحالة العالم إلى نص لا يعد مرحلة نهائية في مستويات الاقتراب من الحقيقة، بل إن الحقيقة تصبح أكثر كثافة ورمزية داخل النّص لأنها تستحيل إلى رموز معروضة للفك والتأويل وفي النّص تعبر عن تعددها وكثرة وجوهها (الحقيقة)، فالرمز مصاحب لكل تعبير عن الحقيقة.
    يلاحظ ريكور "أن كلمة نص تطلق على كل خطاب ثم تثبيته بواسطة الكتابة [بحيث] يكون التثبيت بالكتابة مؤسسا للنص نفسه، النّص هو المكان الذي يأتي إليه المؤلف. إن إبعاد المؤلف من طرف نصه الخاص هو ظاهرة القراءة الأولى التي تطرح، دفعة واحدة، مجموع القضايا المتعلقة بعلاقات الشرح والتأويل، وهذه العلاقات تولد بمناسبة القراءة"( )، النّص هو الغيابات الرمزية التي تنتشر بشكل مختلف ولا منطقي داخل الذّات ويتم رصدها بواسطة الكتابة، للكشف عن ما تفعله الذّات أو يتجاوزها لحظة الانتقال من فكرة لأخرى، "النّص هو تذكير".
    في النّص يتحقق الانتظار الهيدغري "للذي يجب التفكير فيه ويقال لنا"، إذ أن "فهم نص ما، هو أن نكون مستعدين لتركه يقول شيئا ما، لأن الوعي المشكل في التأويل يجب أن يكون مفتوحا بسهولة على تغاير النّص، يعني أن نضع في الحسبان: أننا مسبوقين، بكون النّص ذاته يعرض في تغايره، ويمتلك كذلك إمكانية معارضة حقيقته العميقة( )"، إذن فالنّص يتحول إلى "كائن يقول" وكذا يعبر عن كينونته الخاصة، وهي كينونة العالم الذي تحمله لغته، فعبر الرمزية يتم الجدل المثمر بين الكتابة والقراءة، الكتابة تثبت تمثلات العالم وتكثرها عبر الرمز والقراءة تقوم بفك الرموز للدخول إلى العالم الذي تحمله الكتابة، وعبر هذا الجدل تقوم الذّات بالانفتاح على نفسها أي بإيجاد الكينونة التي تسند إليها فهم العالم.
    يقوم النّص بإبعاد مؤلفه، عبر تغايره، ليعرض قضاياه مع إمكانية معارضته لحقيقته، غير أن النّص يطرح مشكلة الفرق بين عالم النّص وعالم الواقع، وهل تستطيع الكتابة أن تعلق هذا الفرق وتلغيه ؟
    ابتداء، يوجد فرق مبدئي بين النّص والواقع، كالفرق بين الكتابة والظاهرة، وبما أنه "لا توجد رمزية قبل الإنسان الذي يتكلم حتى و إن كانت قوة الرمز متجذرة بعمق في تعبيرية الكون"( )، فإن اللّغة تقوم بترميز العالم والواقع وحمله عبر النّص إلى الفهم، وعلى الرغم من هذا الفرق فإنه "وإذا كانت اللّغة ليست لذاتها وإنما لعالم تفتحه وتكتشفه، فتأويل اللّغة ليس متميزا أو مختلفا عن تأويل العالم"( )، وبهذا فإن مهمة النّص هي تقريب الذّات من العالم عن طريق القراءة المفصلة للذات وللكتابة حيث يمكن تشكيل الحقيقة التي لا تغفل في جوانبها أنها تستقر في الذّات نفسها، لكن هذه الحقيقة معرضة للتوهم حينما تتم المماهاة المطلقة بين تأويل العالم وتأويل اللّغة إذ إن "مشكلة التأويل (..) ليست لا الخطأ بالمعنى الابستمولوجي، ولا الكذب بالمعنى الأخلاقي ولكنه الوهم"( ).
    وعليه يرتبط التأويل بالنّص لتخليص المعنى والحقيقة من الوهم أو للتقليل منه، ولعل المصدر الأول لهذا الوهم هو غياب القراءة بفعل المستوى التخيلي للمعاني.


    النّص والبنية:
    " ولكن بالعودة إلى تعريف النّص على أنه تثبيت بواسطة الكتابة، فإن هذا التثبيت يفترض قدرا من البنيات للحصول على المعنى، أي أن هناك انتظام للغة حتى تتمكن من تقديم معنى ما، وكما لاحظ غادمير "أن كل خطاب ثابت هو نص، فالنّص هو هذا الشيء الثابت والمستقر في ذاته، بواسطة الثبات الداخلي لبنيته"( ) فالكتابة في تثبيتها تفترض خطاطة للمعنى، أي أن النّص لكي ينتج دلالة ما فإنه يمر عبر خطوات يبني خلالها علاقات داخلية بين مكونات النّص، وفي اختلافها ينتج المعنى، إذ أنه "ليس هناك معنى إلا داخل الاختلاف، فعناصر النّص لا تأخذ دلالاتها ولا يمكن أن تكون معرفة دلاليا إلا بواسطة لعبة العلاقات، حيث نقوم بتسمية شكل المحتوى، وتحليلنا بنيوي لأنه يعطي الوضع لهذا الشكل –المعنى، ليس المعنى وإنما خطاطة المعنى"( )، فالنّص قبل أن يعبّر عن معنى ما فهو ينشئ مخططا لذلك، فالمهم بالنسبة للبنيوية ليس المعنى وإنما الكيفية التي نشأ بها هذا المعنى وهذه الكيفية هي العلاقات الداخلية والاختلاف في الدوال، فهي تقوم بوصف بنية النّص على اعتبار أن كل نص يمتلك بنية عامة لصياغة محتواه وطرح معانيه.
    إن سؤال البنية بالنسبة للنص هو سؤال وصفي تصنيفي إذ أن "الأمر لا يتعلق بقول "المعنى" الصحيح للنص ولا بإيجاد معنى جديد لم يُقل، فالأسئلة الموجهة إلى النّص تحولت واستبدلت": ليس ماذا يقول هذا النّص ؟"، ليس "من قال هذا النّص "كيف قال النّص هذا الذي قاله ؟"( )، ويبقى البحث عن هذه الكيفية منقسما على احتمالين لانبناء النّص، فإما أن تكون البنية محايثة لفعل تشكّل النّص بالكتابة وإما أن يكون البحث (التحليل البنيوي) هو نفسه من ينتج هذه البنية أي أن البنية محايثة للقراءة دون الكتابة وهذا لمقاربة الفهم، بحيث تعوض عمليات الذّات كحامل للدلالة بعلاقات البنية الداخلية للنص، والمعنى بالمستوى المنطقي الوصفي. وفي الاحتمال الأول يرى غريماس (Grimas) في مقدمته لمؤلف هلمسليف (اHjelmslev) أن: "كل لسان موصوف حسب مصادره، يستحيل إلى بنية معتدّة بعلاقات لم تكن في دعامته المادية، وتبقى على الرغم من ذلك محايثة للشكل المعطى، يعني أنه (اللسان) لا يبرهن إلا بطريقة الوجود والعمل بهذا الشكل"( ).
    فالنّص يتضمن- بهذا الشكل- بنية هي طريقته في الوجود والبرهان، وبدل البحث عن المعنى يتم الكشف عن البنية للإجابة عن سؤال: كيف قال النّص الذي قاله ؟، فبالانزياح عن المعنى يتم الكشف عن العلاقات الوظائفية التي تبني النّص، فـ"الإسقاط عن طريق البنية والمباعدة بالكتابة هما مجرد شرطين قبليين ليقول النّص شيئا معينا هو "شيء" النّص "اللامحدود"( )، ونلاحظ هنا أن النّص لا ينتج معانٍ وإنما "أشياء"، والفهم هو القبض على هذا الشيء الذي يقوله النّص بواسطة التماهي في البنية، وكذا الثبات في شكل الخطاب، حيث النّص "منظم بطريقة ما بحيث كل أجزاء الخطاب مرتبطة ببعضها، ومثبتة تحت شكل نهائي، غير قابل للتغير"( )، وهذا الوضع بالنسبة للخطاب هو ما يحمل اللّغة على اتخاذ بنية محددة داخل النّصوص، وبتكرارها يتراجع المعنى إلى شكل ثابت في مستوى الفهم، لأن "الفكر يفهم الفكر، ليس فقط بواسطة التماهي في البنية، وإنما بتكرار واستمرارية الخطابات الخاصة، أيضا"( ).
    إن التأويل من خلال تفعيله للمعنى ورصده للكينونة، يحاول انقاذ النّص من الجفاف الدلالي الذي تفرزه البنيوية باعتبارها "كفلسفة ذات نسق شكلي، لا تحيل إلى الذّات المفكرة، تطور نوعا من العقلانية، ضد – تأملية، ضد – مثالية، وضد – ظواهرية، أي أن تفهم لا يعني أن تستعيد المعنى"( )، وعلى هذا يظهر أن هناك تلازما بين بنية الكتابة وبنية القراءة وأن كلتاهما محيلة إلى الأخرى.
    النّص والعالم: سلاسل التأويل:
    يوجد فرق جوهري بين النّص والعالم، حيث العالم صامت، والنّص مكتوب ومنطوق، وهو الفرق الذي يطرح إشكالية كيفية تحويل هذا الصمت إلى كلام والكلام إلى كتابة والكتابة إلى نص ؟ أي كيف يتحول العالم إلى نص ؟ أو بسؤال ديكا (Ducat): "كيف يمكن للغوس الإنساني أن يرتبط لا بعالم الأفكار، وإنما بالأشياء التي تظهر، أو التي يظهرها" ؟ )، فالنّص بهذا المعنى هو مستوى الإظهار بالنسبة للعالم، إنه يقوم بوظيفة تقليص المسافة الموجودة بين العالم واللّغة ويقوم التأويل بتقليص المسافة بين النّص والقارئ.




    ونشوء المسافة بين الذّات والعالم هو ما يحتاج إلى جهد تأويلي، وهي المسافة التي تنشأ مع كل تغاير للذات حيث "أن الشيء الوحيد الذي يجب أن يقال حقيقة هو: أنا موجود، وكل لا أنا (Non moi) هو ظاهرة تخل إلى علاقات ظاهرية"( ) وبهذا يشمل العالم كل لا أنا، كل تغاير وعلى هذا ينشأ عمل مزدوج لإحالة العالم إلى النّص بواسطة اللّغة وإحالة النّص إلى الذّات بواسطة التأويل:
    أ- من العالم إلى النّص: - في النّص يتم إمحّاء الأشياء وذوبانها في الدال المادي للكلام، وكذا امحّاء الدال في الصوت، حيث "الصوت، أشبه ما يكون بالامِّحاء المطلق للدال، تأثر خالص بالذّات، يتمتع بالضرورة بشكل الزمن، ولا يستعير من خارج ذاته، من العالم أو الواقع أيّ دالٍّ ثانوي، وأيّة مادة للتعبير"( ). فالتحول من العالم إلى النّص هو تحول إمّحائي، إمّحاء للظواهر في دوال اللّغة وامّحاء للدال في الصوت، ثم امّحاء للصوت في الفهم والفهم في الوجود، وكذا إمحاء الوجود في الحقيقة، وهي سلسلة التأويل التي تقوم بتحويل العالم إلى نص وإلى عالم هذا النّص المفتوح على تعدد الدلالية.
    ب- من النّص إلى الذّات: - إن التحول من العالم إلى النّص يحمل معه المسافة الفاصلة بين الفهم والعالم كموضوع والتي تتحول هي كذلك، مع انتقال النّص إلى الذّات، إلى مسافة بين النّص وقارئه وعليه تقوم الهرمينوطيقا بفك رموز النّص وفتح عالمه على الذّات، وبهذا الشكل تتم قراءة العالم الواقعي قراءة متعددة الجهات والزوايا، فلئن كانت رؤية العالم وحيدة الجهة فإن قراءة العالم عبر النّص متعددة الجهات، "الهرمينوطيقا، كفن لتأويل النّصوص، كفن خاص، تعتبر أن المسافة الجغرافية، التاريخية، الثقافية، التي تفرق النّص عن القارئ، تنشئ حالة اللافهم، التي لا يمكن تجاوزها، إلا في قراءة متعددة، يعني تأويلا متعددا"( )، وعليه فإن العالم والنّص يشتركان في خاصية الثبات وكذا في خاصية المسافة، غير أن مسافة النّص قابلة للاختزال والتقليص عبر نشاط التأويل، وفي جهد الاختزال يتم تحريك العالم وكذا الذّات، وبهذا فإن صورة العالم تكون أقرب في النّص.
    إن النّص يقوم بمقاربة الذّات عن طريق نشاط الفهم بدل المعرفة، لأن المعرفة إذ ترتبط بالعالم المعطى بشكل مباشر، تقوم بمقاربته بمفاهيم المعرفة التي تتضمن في برهانيتها أوهاما لمقاربة الظاهرة.
    فمثلا "يصعب مماثلة: المستمر، اللانهائي، أو الفضاء مع نظام ما هو موجود، فهي تعتبر كغيبيات"( ) وبهذا يصبح التأويل ضرورة مُلحَّة لفهم مثل هذه المفاهيم التي لا يمكن أن توجد إلا على مستوى اللّغة أي النّص، وعبر النّص يتم البحث عن حقيقتها وتوفير قاعدة وجودية لتمثلاتها.

    4 - التأويل والفلسفة:
    مفهوم التأويل (الهرمينوطيقا):
    يمكننا أن نعتبر أن إشكالية التأويل ولدت عمليا مع إشكالية الترجمة، إذ أن مسألة الاعتماد على الفيلولوجيا في ترجمة النّصوص، تطرح مشكلة الاختلال في المعنى المتعادل مع معنى النّص الأصلي، وعليه تكون مسألة التعادل في المعنى منشأ التأويل، فقد لاحظ غريش "Grisch" -مبدئيا- "بما أنه لن تكون هناك نظرية عامة للترجمة، فإنه لا يمكن الحصول على نظرية عامة لتأويل النّصوص الفلسفية"( ) ومنه فإن التأويل ليس منهجا نظريا وليس قانونا علميا للحصول على نتائج منطقية.
    وفي مجالات تداول المصطلح يوضح ريكور أن: "كلمة" "Hermeneutik" تعطى في الألمانية كافتراض لتحديد مادة تعليمية تمنح الوضع العلمي الدقيق لمفهوم التأويل كاستعمال هرمينوطيقي محض ومفهمة واسعة للدلالة (Bedeutung)، أما في الفرنسية فيتعلق الأمر بالزوج (فهم/ أوَّل) ويحيل دون صعوبة إلى الزوج (Anselegen/ Verstehere)، أما مصطلح (Deutung)، فهناك صعوبة في ترجمته لارتباطه بتأويل الحلم الفرويدي "Traumdeutung"، وبهذا فإن الهرمينوطيقا مادة ألمانية"( )، وبهذا تتميز كلمة هرمينوطيقا عن كلمة تأويل بكون الأولى ذات كثافة فلسفية. ولأن "مصطلح "Herméneutique"، ومنذ إعادة اكتشافه في القرن الخامس عشر، ارتبط عمليا بمصطلح الأنطولوجيا "Ontologie""( )، فإن هذا المصطلح ينخرط ضمن الخط التأملي –الوجودي في الفلسفة، من جهة، وباللّغة كموضوع للتأمل وملاحقة الكينونة في التعددية الدلالية للنص من جهة أخرى. وارتباط الهرمينوطيقا بالانطولوجيا يجعل من الذّات العميقة حاملا رئيسيا للدلالة المطورة بواسطة الفهم، ونعتبر أنه منذ هيدغر، "الطريق الأقصر [إلى الحقيقة]، هو انطولوجية الفهم، (..) وتصبح الهرمينوطيقا مجالا لتحليل هذا الوجود، الدزاين، والذي يوجد بالفهم"( ) أي أن الهرمينوطيقا لا تبحث فقط عن وجود المعنى من خلال النّص وإنما معنى هذا الوجود كذلك.
    فالتأويل بهذا المعنى يستغرق في كينونة الموضوع المؤوَّل على غرار الظواهرية، فاتحا بذلك عالم الذّات على عالم النّص دونما وساطة منهجية أي أنه "لا توجد نظرية في التأويل مستقلة عن تطبيقه، فهو ليس منهجا، بحيث نستطيع تعلمه وتطبيقه على حقل من الموضوعات، بل هو تطبيق لتجربة عملية معتمدة على التأمل الداخلي المحايث للحياة"( ).
    هذه التجربة مسبوقة بمعطيات الفهم القبلية أي دون توسط أدوات منطقية أو إحدى نتائج ممارسة هذه التجربة نفسها، فالذّات التي تخوض هذه التجربة لا تدعي امتلاك النّص بصفته موضوعها، بل تقوم بالاندماج فيه مباشرة، جاعلة من الفهم والنّص كينونة واحدة، لكي تتمكن من الإصغاء عن قرب لما يقوله النّص، وعلى هذا تتميز الهرمينوطيقا عن التأويل، "فعمل الهرمينوطيقا ليس محدودا بعمل التأويل بمعناه البحث عن المعاني الباطنية للنصوص، بل إن مهمتها هي فك رموز النّص لتحرير الكلام الحي والذي هو معتَّم ومغمور أو مجمد داخل الكتابة"( )، ففي العمل الهرمينوطيقي تصطبغ الذّات بصبغة الكتابة لتتمكن من رصد الرموز داخلها وفكها.
    الهرمينوطيقا والمنطق:
    لئن كانت "محاولة دلتاي (Dilthey) ترمي إلى توسيع التأويلية إلى أبعاد أورغانون لعلوم الفكر"( )، فإنه وكما أشار غريش (Grisch) في مبحث الهرمينوطيقا والمنطق أنه "لا يوجد تأويل صحيح للنص، مطلقا، وإنما توجد تأويلات متعددة"( )، يعني أن التأويل ليس منطقا خاصا يمكن الحصول من خلاله على نتائج صحيحة.
    وعليه تكون "الحقيقة الهرمينوطيقية"، حقيقة إمكانية، لا تخضع للمبادئ المنطقية، أي أنه لا يمكن أن نميّز بين تأويل صحيح وتأويل غير صحيح: "وبناء على هذا المبدأ يكون الكاتب هو أفضل مؤوّل لمؤلفه"( )، لأنه الوحيد الذي يمتلك المعنى الأصلي لهذا النّص، ويكون كل تأويل مغاير، تأويلا غير صحيح، وعلى هذا فالهرمينوطيقا لا تتخذ بنية منطقية، بل إن عملها مشتق من عمل النّص ذاته، وعمل النّص هوإنتاج الرموز وإصدار العلامات، وتقديم الإشارات، فهي لا تعتبر علما للتأويل بل فنا للتأويل، والفن معروض في جماليته لا في منطقيته، وفي مستوى تخييلي يمكن من خلاله معارضة الحقيقة الداخلية للنص والتي يفرضها المستوى الواقعي لتركيب العبارات والعلاقة المرجعية بين الدال والمدلول.
    وإذا لم تمتلك الهرمينوطيقا منطقا، فإنها تمتلك دينامية لاقتحام النّصوص، للتعامل مع الرموز والعتامة المكثفة داخل الكتابة، هذه الدينامية، ليست إلا ظاهرة المُساءلة، وفتح حوار مع النّص ليقول أكثر ما فيه، والمُساءلة أي حوار سؤال/ جواب، تدل ابتداء على عدم امتلاك النّص بل اعتباره كائنا بذاته يقول شيئا ما، هذا يعني أن "الظاهرة التأويلية تحمل في ذاتها الحوار الأصيل ذي البنية: سؤال/ جواب، فعندما يطرح النّص نفسه كموضوع للتأويل فهو يطرح سؤالا على المؤول، وبهذا المعنى، فالتأويل يحتوي دائما على إحالة مهمة للسؤال المطروح على أحدهم، وفهم النّص هو فهم هذا السؤال وهو ما ينتج الأفق التأويلي"( )، فبواسطة السؤال لا يمكن الحصول على إجابة فقط، وإنما على تأويلات متعددة ومتصارعة تقوم بإنجاز عالم النّص الخاص وتشكيل كينونته.
    إن النّص يتقدم إلى الفهم –ابتداء- ككينونة، أي أن الشيء الذي يقوله النّص يوجد أولا، وكينونة شيء النّص هي أُولى الرموز والإشارات التي ينبغي للهرمينوطيقا أن تفكها، أن تفهمها، أي تتأوَّلها، ولذلك لاحظ ريكور "أن السؤال المنسي، هو سؤال معنى الكينونة"( )، لأن سؤال الكينونة يمثل القاعدة الأساسية لدائرة الفهم والوجود الداخلية، فبين الفهم وكينونة الشيء تتقلص المسافة التي تتخذها ماهية الشيء من الفهم، في سؤال معنى الكينونة يتم الإمساك بشيء النّص الذي يقوله في رموزه وإشاراته، وعلى هذا الأساس فإن "التأويلات الأكثر تصارعا، تندرج، كلٌّ حسب طريقته، في جهة الجذور الأنطولوجية للفهم"( )، ففتح الحوار: سؤال/ جواب، مع النّص، يعني تركه يقول شيئا ما عن نفسه، أي أن المُساءلة المفتوحة للكينونة، تجعل من الذّات تنفتح على نفسها من خلال الفهم أي أن تكتشف ماهيتها وهي تتجه نحو النّص، حيث في فعل "الاتجاه نحو…" أُولى رموز وإشارات هذه الماهية، فقد رأى هيدغر أنه "إذا كنا نجد أنفسنا، ونحن منجذبون بهذه الطريقة في حركة نحو..ما يجذبنا، فإن كينونتنا تكون قد وُسِمت بهذه "الحركة نحو.."، وبما أننا وُسِمنا على هذا النحو نُظهِر هذا الذي يتوارى، فماهيتنا هي بالضبط هذا الفعل الذي يشير ويحيل، إننا نكون بقدر ما نشير إلى ما يتوارى وينسحب"( )، أي أن النّص حينما يدفع الكائن إلى الإشارة إلى ما يتوارى فيه وينسحب، فإنه يحقق كينونته ويُعرِّف ماهية الكائن، فالنّص يجعل الكائن يفهم نفسه أمامه، وفي المقابل يتمكن الكائن من إظهار المتواري والمنسحب في النّص<>
                  

العنوان الكاتب Date
براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-23-07, 04:53 PM
  Re: براح للفلسفة Abdel Aati04-23-07, 08:25 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-25-07, 12:31 PM
    Re: براح للفلسفة bayan04-25-07, 02:14 PM
      Re: براح للفلسفة bayan04-25-07, 02:24 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-25-07, 07:44 PM
    Re: براح للفلسفة bayan04-26-07, 01:47 AM
  Re: براح للفلسفة محمود الدقم04-26-07, 02:15 AM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-26-07, 03:11 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-28-07, 11:39 AM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-28-07, 02:45 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj04-30-07, 04:42 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-01-07, 02:37 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-03-07, 12:34 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-05-07, 03:48 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-08-07, 04:08 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-08-07, 04:37 PM
  Re: براح للفلسفة Mohammed Elhaj05-09-07, 03:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de