سهى وربيكا ومهر الدم

سهى وربيكا ومهر الدم


11-16-2004, 11:01 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1100642501&rn=1


Post: #1
Title: سهى وربيكا ومهر الدم
Author: Mahadi
Date: 11-16-2004, 11:01 PM
Parent: #0


محمد ابراهيم الشوش

سهى وربيكا ومهر الدم

ارتباط الفساد بالسلطة قديم قدم العالم ، يلتصق بها كما التصاق الطفل بأمه. كلاهما يكمل الأخر ، السلطة اتاحة الفرصة والفساد انتهازها. وكلما زادت الفرص وقتلت الرقابة وضعفت المحاسبة اصبحت مقاومة الإغراء عصية الا علي اولي العزم وهم قلة نادرة . وقد امتحن الله عز وجل آدم ولم يجد له عزما. وأبناء آدم اقل من ابيهم الاكبر مضاء وعزماً.

أيام الخلفاء الراشدين كان الرجال الافذاذ اكثر ادراكا لأحابيل السلطة وشراكها فكانوا ينأون بانفسهم عنها حتى لاتنزلق اقدامهم وهم لا يشعرون ، برغم أن الدين كان في أوج سلطانه على القلوب ، وكان الناس بالمرصاد يتجرأون على خلفائهم واولي الأمر منهم إن رأوا حيفاً أو ميلاً أو مساساً باموال الأمة. ولم يستنكف عمر رضي الله عنه ان واجهته امرأة بخطئه فأعترف بانها مصيبة وهو مخطيء . وجاء من بعدهم قوم اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وانمحى الخط الذي يفصل بين اموال الحكام واموال رعاياهم واختلط المال الخاص بالمال العام يتصرف فيه صاحب الشأن متى وكيف شاء يمنح منه ما شاء لأي شيء يرغبه او يطلبه ، أكان حكمة بدهيه أو بيتا من الشعر تافهاً لا معنى له . وبمرور الزمن وتمجيد هذه الاريحية على حساب المال العام استقر في الأذهان ان التصرف في اموال الأمة حق لكل من حكم . واصبحت السلطة مطلوبة لما تتيحه من كسب حرام.

ولقد ادرك حكماء الغرب ما يمكن ان تؤدي اليه السلطة من فساد يقوض اسس المجتمع والحكم وما تتيحه من اغراء يسقط في حبائله أعتى الرجال، فوضعوا قواعد دستورية وقوانين صارمة ثم وجدوا أن العقاب لا يفيد بعد حدوث الضرر، وحسابه عسير صعب أثباته فأعدوا لأولى الأمر منهم قوائم دقيقة يثبت فيها المرشح للوظيفة كل ما لديه من اموال في البنوك وارصدة وممتلكات ، وعليه ان يثبت ايضا كل مصلحة تخصه او اسرته في أي مؤسسة او شركة ويفرض عليه القانون عدم التعامل بصفة رسمية مع أي شركة يؤدي التعامل معها الى منفعة له .

مشكلة العالم الثالث أن المصلحة والاغراء لم يعد يأتيان فقط عن طريق السلطة بل ايضا عن طريق المعارضة المدعومة من اصحاب المصالح في الخارج.

وتأتيان على أسنة الرماح تقطر ذهبا كما تقطر دماً . ووقعها على النفس اكثر ايلاماً من انحدار السلطة إلى الفساد.

ومن قبيل ذلك ماظلت تشير اليه اجهزة الاعلام الغربي تشفياً ويلمح اليه الاعلام العربي في حرج شديد حول الفساد المستشرى في السلطة الفلسطينية وهو فساد يصعب التوفيق بينه وما يشاهده العالم من مآسي تدمي القلب ويمحو وهجها كل شعور بالطمع والجشع وشبهة فساد. ومع ذلك ظل وجه الفساد يطل بين وجوه الاطفال وهم يقذفون الحجارة ويواجهون الدبابات في شجاعة منقطعة النظير . وبين بطولات المجاهدين والشهداء وقسوة الاعتداء المتناهية وقف الاعلام العربي حائراً يرفض أي إشارة يمكن ان تنقص من قدر هذه البطولات.

وعندما اصبح الموت غاب قوسين أو أدنى من رمز النضال الفلسطيني وتعمقت المأساة وظهرت اشباح الفوضى ، انطلق الهمس يحدث عن ملايين الدولارات التي وجدت طريقها إلى بنوك فرنسا وسويسرا لتدعم حياة الترف والرفاهية ، وعن مساومة لفك القيد عن موت الرئيس الرمز مقابل ملايين الدولارات لزوجته وابنته وخاضت في الأمر صحف وفضائيات اجنبية وسكتت صحف الأشقاء العرب مجاملة لجلال الموقف ولأن استقلال السلطة اي سلطة لنفوذها اصبح من الأمور المعهودة.

وفي السودان أيضاً سالت دماء غزيرة اكدت الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق واقنعت الدول الغربية المناصرة وأجهزة اعلامها الجبارة وهيئات الاغاثة بان ضحاياها يبلغون اكثر من مليوني قتيل عدا الجرحى والمعوقين والنازحين وقد طالت هذه المأساة اطفالا ونساء وشيوخاً ولكن يبدو أنها لم تصل إلى مقام أسرة زعيم التمرد ولم تعوق فرص تعليم ابنائه حرسم الله من كل شر في أرقى مدارس الصفوة الارستقراطية الراقية في بريطانيا. وكالعادة جاءنا الخبر من حيث يأتينا عادة من صحيفة بريطانية فليس صحافتنا من يتابع خبراً لا يأتي من وكالة اوجهاز رسمي او عبر مؤتمر صحفي.

تقول صحيفة الصن الشعبية البريطانية الذائعة الصيت ان السلطات البريطانية قد احتجزت السيدة ربيكا زوجة قرنق بمطار هيثرو وبحوزتها حقائب ضخمة تحتوي على ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار امريكي نقداً. وذكرت الصحيفة عن مصادر بريطانية بان هذا المبلغ يعود إلى بن عم قرنق المكلف بتحصيل اموال بصورة دورية من شركات النفط الماليزية العاملة في السودان نظير تطمينات بعدم الهجوم على منشآتها وكذلك تحصيل اموال منظمات الاغاثة .

وكانت سيدة الحركة الشعبية الأولى كما تقول رواية الصحيفة البريطانية بصدد ادخال ابنائها الثلاثة في مدرسة خاصة بمقاطعة ساسكس وشراء منزل فخم في مدينة نورتش وتؤكد مصادر الصحيفة بأن لأسرة قرنق منازل في كمبالا وهراري والقاهرة ولوساكا . وهو أمر كان مجهولاً للسودانيين لأن صحافتهم ليست لديها الجرأة او القدرة على كشف حقيقة كهذه. وحتى عندما جاءها الخبر جاهزا معلباً من صحيفة ذات شأن لم تعره اهتماما كأنما تحويل مبالغ عن طريق الابتزاز ونهب أموال الاغاثة امر عادي لا أهمية له وكأن الفساد السياسي حتى في احلك الظروف يمثل ممارسة طبيعية لا ترقى الى مستوى الحدث دع عنك اثارة الغضب أو حتى الدهشة. ولأن الدكتور قرنق في رأي كثير من مناصريه والمستنيرين الذين يملكون من الحكمة ما لا نملكه ، فوق النقد والمحاسبة . وماذا تعني ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار وعشرات المنازل الفارهة في انحاء العالم وادخال الابنا في أرقى مدارس الارستقراط الانجليز في وقت حرم فيه مئات الالوف من اطفال الجنوب من حقهم في الحياة بسبب الحرب والجوع.

لهذا لم تكلف الحركة نفسها حتى مجرد التعليق على الخبر برغم أنه نشر على الملأ بلغة السودان الجديد ولهذا سكتت الصحافة السودانية باستثناء وحيد ظل دائماً هو الاستثناء الشجاع الوحيد في عالم أخرس.