بقلم ‏:‏ ميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسية"أزمة دارفور‏:‏ الطبيب والجند

بقلم ‏:‏ ميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسية"أزمة دارفور‏:‏ الطبيب والجند


08-11-2004, 07:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1092249259&rn=1


Post: #1
Title: بقلم ‏:‏ ميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسية"أزمة دارفور‏:‏ الطبيب والجند
Author: omar ali
Date: 08-11-2004, 07:34 PM
Parent: #0

قضايا و اراء
42983 ‏السنة 127-العدد 2004 اغسطس 12 ‏26 من جمادى الآخرة 1425 هـ الخميس


أزمة دارفور‏:‏ الطبيب والجندي والدبلوماسي
بقلم ‏:‏ ميشال بارنييه
وزير الشئون الخارجية الفرنسية



إننا نشعر جميعا بأن أزمة دارفور من شأنها أن تقود إلي كارثة إنسانية غاية في الخطورة‏,‏ فضلا عن أنها تهدد استقرار وأمن هذه المنطقة التي تشكل العصب الحي للقارة الإفريقية‏.‏

فالسودان هو بالفعل أكبر دول إفريقيا ويقع علي ملتقي العالمين الإفريقي والعربي‏,‏ والحرب المستمرة في جنوبه منذ ما يزيد عن عشرين عاما‏,‏ هي بقسمها الأكبر رمز لمعركة محتدمة بين مسلمين ومسيحيين‏.‏ وكون السودان يقع في الجهة المقابلة للسعودية‏,‏ وعلي مفترق طريق يربط بين القطاع السواحلي وشواطيء البحر الأحمر‏,‏ جعل من هذا البلد‏,‏ المحاط بتسع دول إفريقية‏,‏ بلدا منغمسا في قلب مناطق التوتر التي تعصف بهذه القارة‏.‏ أما دارفور التي تعد منطقة مسلمة‏,‏ وإفريقية بشكل أساسي‏,‏ فإنها تواجه اليوم أزمة جاءت ببعد إضافي يتمثل باحتمال وقوع مواجهة بين العرب والأفارقة‏.‏ إن الخطر لم يعد يهدد فقط هذا البلد من حيث وحدة وسلامة أراضيه‏,‏ بل باتت المنطقة أيضا معنية برمتها بهذا التهديد‏,‏ وتحديدا من جراء عدم الاستقرار السائد فيها‏.‏ إن المظاهرات التي نظمت للتو في الخرطوم للتنديد بالتدخل الأجنبي تمثل تحذيرا في هذا الصدد‏.‏ ألم يعترف مجلس أمن الأمم المتحدة بنفسه‏,‏ في مضمون القرار‏1556,‏ بأن الوضع في السودان يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين ؟ لمست فرنسا‏,‏ في وقت مبكر جدا‏,‏ مدي خطورة التحديات التي تواجهها هذه المنطقة‏.‏ ولم تتوان عن حشد
الجهود‏.‏ فسلفي السيد دومينيك دي فيلبان‏,‏ كان أول مسئول‏,‏ ممثل لقوة غربية‏,‏ ينتقل إلي جمهورية التشاد‏,‏ ثم للسودان‏,‏ في شهر فبراير الماضي‏,‏ للتطرق لمسألة دارفور‏.‏ ومن خلال قيامي أنا شخصيا برحلة إلي الفاشر في‏27‏ يوليو الماضي‏,‏ أردت إظهار المساندة التي تقدمها بلادي لالتزام الاتحاد الإفريقي الحازم‏.‏

إن الحالة الملحة والطارئة هي أولا ذات طابع إنساني‏.‏ وقد استجبنا إليها دون تردد‏.‏ فمنذ ديسمبر‏2003,‏ قدمت فرنسا الدعم لمنظمات الإغاثة غير الحكومية التي كانت متمركزة بدارفور والتي تنجز عملا مدهشا‏,‏ وباستطاعتي أن أشهد علي ذلك‏.‏ واليوم‏,‏ فقد بلغ مجموع المساعدة التي تقدمها أوروبا‏,‏ حتي الآن‏,‏ قيمة تتجاوز‏120‏ مليون يورو‏,‏ أي ما يقارب ضعف المساعدات الأمريكية‏.‏ وفي مواجهة وضع فاق فيه عدد النازحين المليون شخص علي الأراضي السودانية‏,‏ وما يناهز المائتي ألف في جمهورية التشاد‏,‏ تبقي الأولوية تتمثل في فتح منافذ للعاملين في المجالات الإنسانية وفي نقل المساعدات للسكان المعرضين للخطر‏,‏ وهذا هو سبب قيام فرنسا حاليا بتمويل رحلات طائرتين مخصصتين للحمولة الثقيلة‏,‏ تتكفلان بنقل شحنات من المواد الإنسانية إلي السودان‏,‏ وهذا ما يفسر أيضا قيامها للتو بوضع قواتها الموجودة في تشاد في حالة استنفار من أجل أن تنجز الشيء نفسه من الجانب الآخر للحدود‏.‏ ومن ناحية ثانية‏,‏ لقد طلبت بإصرار من الاتحاد الأوروبي وضع طائرات عمودية للحمولات الثقيلة تحت التصرف‏,‏ دون أدني تأخير‏,‏ بحيث تؤمن نفس النوع من رحلات النقل هذه‏.‏ إن هذا المجهود الإنساني لا يتم دون مواكبة أمنية‏.‏ وهذه هي الحالة الطارئة الأخري‏,‏ أكان الأمر يتعلق بالعاملين في المجالات الإنسانية أم بمراقبي احترام وقف إطلاق النار‏,‏ أو حتي بالسكان المعرضين للخطر اليوم وهم في المخيمات‏,‏ كما في الغد عندما سيصبح الأمر متعلقا بعودتهم إلي قراهم‏.‏ وعلي هذا الصعيد أيضا‏,‏ حشدت فرنسا جهودها بمساعدة جنودها المتمركزين في جمهورية التشاد‏,‏ علي طول الشريط الحدودي‏,‏ حيث يقومون بمهمة دعم ومساندة عملية المراقبة التي يضطلع بها الاتحاد الإفريقي‏.‏ كانت السيدة ميشال آليو ـ ماري‏,‏ وزيرة الدفاع‏,‏ هي أيضا موجودة هناك منذ بضعة أيام‏,‏ وقد أجرت مباحثات مع العسكريين الفرنسيين ومع المسئولين في المجالات الإنسانية‏.‏ ولكن الوضع الأكثر إلحاحا هو ذاك المتعلق بالشق السياسي‏,‏ لأنه لن يكون هناك حل دائم للنزاع في دارفور دون اتفاق سياسي‏.‏ وليتحقق ذلك‏,‏ هناك أمر ملزم ـ قد أتي قرار مجلس الأمن علي ذكره جيدا ـ يكمن في ممارسة ضغوط من أجل أن تلتزم جميع الفرقاء‏,‏ أي الفصائل المتمردة كما سلطات الخرطوم‏,‏ باحترام اتفاق وقف إطلاق النار‏,‏ الذي تم التفاوض عليه في شهر ابريل الماضي في نجامينا‏,‏ وأن تشارك أيضا بصورة جدية بالمفاوضات التي انطلقت في أديس أبابا في‏15‏ يوليو الماضي‏,‏ بمبادرة من الاتحاد الإفريقي‏.‏

إن هذه المسيرة السياسية ستكون بالضرورة طويلة الأمد وشائكة‏.‏ فجذور النزاع الذي يعصف اليوم بمنطقة دارفور هي متأصلة بالفعل‏.‏ إنما الغرض اليوم بات يتمثل في تأمين الوصول إلي مخرج نهائي للأزمة‏,‏ مع الحرص علي توفير استقرار إقليمي مضمون وتجنب مواجهة بين الإسلام والغرب‏,‏ وهي مواجهة لايتأخر البعض عن تعليق الآمال عليها‏.‏ لا مجال لأحد لأن يسيء فهم ذلك‏.‏ إن الدبلوماسية الفرنسية تسعي لأن تكون قبل كل شيء دبلوماسية فاعلة‏,‏ لا متحفظة ولا محدودة الحركة‏,‏ وذلك في مواجهة الأمور الثلاثة الملحة التي سبق ذكرها‏,‏ وهي تنوي الالتزام باحترام مباديء لا نقاش فيها‏:‏

‏1‏ـ أن نساند بداية‏,‏ وبكل عزم‏,‏ السعي لتسوية إفريقية‏.‏ فالأسرة الإفريقية برمتها‏,‏ مجتمعة في قلب الاتحاد الإفريقي‏,‏ حشدت جهودها حول مسألة دارفور‏.‏ ونحن نقدم لها الدعم بحزم شديد‏,‏ بما في ذلك مايخص نيتها في التقرب من دول الجامعة العربية من أجل القيام سويا بتحديد ورسم الدرب المؤدي لاتفاق محتمل‏.‏

‏2‏ـ أن نشجع التحاور بين جميع أطراف النزاع‏.‏ فالسلام بالسودان لن يحدث دون مشاركة السودان‏,‏ فكيف بالأحري إذا ماتم الوقوف ضد السودان‏.‏ إن السلام سينجز بمشاركة السودان ككل‏,‏ أي السلطات الحكومية كما الفصائل المتمردة‏.‏ يتعين اليوم أن نتقدم علي طريق التفاوض‏,‏ الذي يبقي الدرب الوحيد الكفيل بأن يؤدي لسلام دائم‏.‏

‏3‏ـ وفي الوقت نفسه‏,‏ أن نصر علي احترام التعهدات المتخذة‏,‏ فالمجموعة الدولية قد حشدت جهودا طائلة علي الصعيد السياسي والمالي أيضا للمساعدة في السعي إلي تسوية في دارفور‏,‏ ومن حقها بالتالي أن تتوقع في المقابل من جانب السلطات السودانية‏,‏ كما من جانب المتمردين‏,‏ دلالة علي التحلي بروح المسئولية وبشرف الالتزام الصادق‏,‏ بوعودهم‏,‏ وهذا يعني‏,‏ فيما يعنيه‏,‏ بالأخص‏,‏ أن تقوم الحكومة السودانية بتجريد الميليشيات من سلاحها وبتوقيف زعمائها والمتواطئين معهم‏,‏ وباحالتهم أمام القضاء‏.‏ كما أن الأمر ينطوي أيضا علي احترام الفصائل المتمردة لاتفاق وقف إطلاق النار وأن تتجه مجددا نحو طاولة المفاوضات‏.‏ يبقي علينا جميعا واجب التحرك‏,‏ كل حسب طريقته الخاصة‏,‏ وعلي مستواه‏,‏ من أجل إقناع الفريقين بوجوب استبعاد سياسة الأسوأ‏.‏

‏4‏ـ لقد اخترنا تحركا واقعيا وتدريجيا‏.‏ وبالنسبة للمجموعة الدولية بمجملها‏,‏ يتجلي فحوي التحلي بروح المسئولية بوضع مسيرة سياسية موضع التنفيذ‏,‏ مسيرة تأخذ الواقع الميداني بالحسبان‏.‏ وربما قد نتمكن‏,‏ من خلال الإقدام علي خطوات بالتدريج‏,‏ وعلي مراحل‏,‏ من إحياء الأمل بالتغلب علي جميع أشكال المقاومة ومن تخفيف التوتر‏.‏ إن المحادثات التي أجراها السيد جان بروك‏,‏ المبعوث الخاص للسيد كوفي أنان إلي السودان‏,‏ بما سجلته من نتائج أولية عملية ودقيقة‏,‏ تسير بالاتجاه الصحيح ويتعين تشجيعها‏.‏ إن الأحكام التي نص عليها قرار الأمم المتحدة رقم‏1556‏ تقضي إذن بألا تكون العقوبات هدفا بحد ذاتها‏,‏ بل وسيلة للإبقاء علي الضغوط ولدفع الفرقاء‏,‏ الذين في مواجهة بعضهم البعض‏,‏ إلي القيام بأفعال ملموسة تشير إلي نيتهم الصادقة بالتقدم بالاتجاه الصحيح‏.‏ يتعين علينا تحقيق تقدم باتجاه التوصل إلي اتفاق‏,‏ عبر العمل علي هيمنة أجواء من الثقة وليس من خلال تصعيد متفاقم لأشكال التوتر‏.‏
يتعين علي الاتحاد الإفريقي‏,‏ والمجموعة الدولية إلي جانبه‏,‏ إقامة جهاز مراقبة ملائم من أجل السهر علي تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار‏.‏ وهذا أمر قد ينطوي علي زيادة عدد القوات المتوقع وجودها ميدانيا‏,‏ كما أنه أمر قد يؤدي إلي تطوير مهام الحماية المكلفة بها هذه القوات‏,‏ بحيث تضطلع بدور حفظ السلام‏.‏ يجب عدم استبعاد أي خيار بمجرد أن يكون نابعا من تصور متبصر ورزين انتقاه القادة الأفارقة‏.‏ دعونا نتخل عن السذاجة‏,‏ فالتحديات التي تنتظرنا في دارفور هي تحديات ضخمة‏,‏ كما أن الرهانات القائمة في قلب هذه المنطقة تشير‏,‏ مجددا إلي مواجهات تهدد عالمنا‏.‏ وهذا يشكل بنظر فرنسا سببا إضافيا للتقدم باقتراح وجهة السير هذه التي تبتعد بالقدر نفسه عن المجاملة كما عن التعنت والتصلب‏,‏ إن منطقة دارفور‏,‏ وبشكل أشمل القارة الإفريقية‏,‏ هي بحاجة للتحاور والاصغاء والتنبه‏,‏ وعلينا نحن أن نساندهم في سعيهم الشائك نحو حل اساسي لاستقرار قارة بأكملها‏.