الوان من الحب ... وللحب الوان .. الى د. بيان ... والمطر

الوان من الحب ... وللحب الوان .. الى د. بيان ... والمطر


08-03-2004, 00:00 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1091487621&rn=0


Post: #1
Title: الوان من الحب ... وللحب الوان .. الى د. بيان ... والمطر
Author: Ahmed Daoud
Date: 08-03-2004, 00:00 AM

الى هذين الشفيفين اهدى هذه الخربشات التى قد لاترقى الى طول قامتهما السامقة ولكنها محاولة لمجاراة العزيزة بيان فى كتاباتها بهذا العنوان ... لعلها تواصل ...

الوان من الحب ... وللحب الوان ..

عندما هبطت بنا طائرة خطوط الماليف فى مطار فريغى الدولى فى باريس الشرق ( بودابست ) .. لم اكن اتوقع ان يطول انتظارنا الى هذا الحد لانهاء معاملات الجوازات ولكن زال سبب اندهاشى عندما رأيت ان الطائرة التى اقلتنا من دبى تعج بالعديد من الجنسيات المغضوب عليها من العرب والايرانيين وغيرهم ... وعند خروجى من المطار وجدت امامى شابين سودانيين تعرفا على بدون مقدمات على طريقتنا السودانية المعهودة وعرضا على ان ارافقهم فى سيارتهم الى قلب المدينة وقد كان ...ومن ثم بدأت رحلة البحث عن الفندق ..ولسوء حظى ... لم اعثر على فندق مناسب حتى انقضى النهار كله .. وبدأ الليل العباءة يرخى سدوله فعرض على احدهم ان اذهب الى داخليتهم حتى نستطيع ان ندبر امرنا صباح اليوم التالى .. وفجأة استطاع صديقى عبر بعض الاتصالات ان يجد لى شقة عند امرأة عجوز تؤجر بيتها للسياح..فذهبنا الى هناك .

كانت صاحبة الشقة امرأة فى الخامسة والخمسين من عمرها ..قصيرة القامة .. بدينة من غير ترهل .. شأنها فى ذلك شأن عجائز شرق اوروبا قويات البنية .. ترتسم على وجهها ابتسامة دائمة .. تزيد من تورد خديها اللذان يتحولان الى اللون الاحمر عندما تضحك هذه العجوز من القلب .. عيناها بلون الفستق ... نظراتها حادة .. وفى عينيها مسحة حزن دفين .... يرتسم الشيب فى خطوط متوازية عند مفرق رأسها اثرا لسنوات العمر المديد ...

صافحتها فأحسست بحرارة مصافحتها وترحيبها عندما ضغطت على يدى يشدة... فتحت لى غرفة من غرف منزلها الانيق المرتب ... يبدو أنها لم تعتد فتحها لكل السياح... ومنذ تلك الليلة بدأت ايامى تترى مع تلك العجوز فى تلك البناية فى شارع بارتوك بيلا فى قلب بودابست ... منذ الوهلة الاولى أحسست باهتمامها الفائق بى ...كانت تعلمنى كل يوم بعض العبارات التى تعيننى على التواصل ....عبر هذه اللغة التى يطلقون عليها لغة صين اوروبا لصعوبنها ... كنا ننكب على الخارطة وتؤشر لى على الاماكن السياحية فأغيب يوما أو يومان فى مدن اخرى .... ولكنها كانت تغلق تلك الغرفة الاثيرة لديها ولا تؤجرها لاحد حتى أعود ... كانت تظل طوال الليل ساهرة حتى عودتى من الديسكو.كانت تسألنى عن عندما اهم بالخروج وتعرف مكان وجهتى ... كانت تتأبط ذراعى لنذهب سويا لنشاهد غروب الشمس على ضفة نهر الدانوب ...كانت تحيطنى بدفء اسر ... كانت تسألنى عن امى فأقول لها انها قد رحلت عن دنيانا فتنهمر دموعها على خديها المتوردين ويصيبها الحزن فيحمر وجهها كله .

سألتها يوما عن صاحب الغرفة وعن الصور المعلقة فيها ... فعرفت انه ابنها الذى هرب الى الغرب فاستهواه بذخ الحياة فيه ولم يعد ...فتركها وحيدة لليل والاسى .. فريسة للذكريات .. خامرنى احساس أن هذه المرأة تحبنى كأبنها ... شملتنى بحب ابوى غامر ..وعاطفة دفاقة ...لم تعاملنى كسائح يكتب اسمه فى دفاترها ويقضى معها بضعة ايام ثم يمضى فى حال سبيله ... انه شىء مذهل .. اننى احب هذه المشاعر الانسانية المليئة بالدفء والتى تمس حشاشة القلب.

وعندما حانت ساعة الرحيل بعد اكثر من شهر قضيته فى هنغاريا ... ابدل تاريخ سفرى مرة تلو الاخرى نزولا عند رغبة هذه العجوز ... وقفت تودعنى فظل هذا المنظر محفورا فى تلافيف الذاكرة ... وربما يظل فيها الى الابد... كانت تبكى بحرقة .. وطلبت منى ان أقبلها على خديها ... ففعلت ...ومن ثم طبعت على خدى قبلة دافئة وسط دهشة جميع اصدقائى .. ولم تنقطع صلتى بها حتى حين .. انه لون من الحب وللحب الوان .

احمد داود