رحلة قصيرة ...

إهداء لـ الخال الغالي ودقاسم ....

رحلة قصيرة..
(مرحبا بكم في مطار هيثرو الدولي، الزمن المحلي هو العاشرة مساءا ودرجة الحرارة ثلاث درجات، تحت الصفر). حينما أعلنت إحدى مضيفات الطائرة التي كنت على متنها ذلك راودني إحساس غريب. فقد أدركت أنني وحيد الآن وبعيد عن من أحب وما أحب. الذين أحبهم كانوا كثر لدرجة أنني بت أقلب صورهم في مخيلتي طيلة الطريق ولم تغب عني دموعهم في المطار وتذكرت مواقفا وأحداثا مختلفة حدثت مع كل واحد فيهم، بعض الإحراج كثير من الضحك، قليل من قلة الأدب وكثير من الحب والصداقة والأخوة والمشاعر التي لا يمكن أن تصفها الأحرف... سألني ضابط الجوازات إذا كنت أتحدث الانجليزية، أجبته بلكنة تعلمتها من أفلام سينما كلوزيوم: نعم، استطيع تحدث الانجليزية. كان ودودا معي، سألني إذا ما كانت هذه هي المرة الأولى التي آتي فيها إلى لندن، أجبته: إنها المرة الأولى التي أغادر فيها موطني. مد لي جواز السفر مبتسما ومتمنيا لي إقامة طيبة..

كان الجو دافئا داخل صالة المطار ولم أتذكر حديث المضيفة عن درجة الحرارة، في الحقيقة لم أشأ أن أتذكره لأنني لا أملك شيئا دافئا لأرتديه. خرجت من المطار، للوهلة الأولى لفح البرد وجهي، كنت أحمل حقيبتي الصغيرة فتركتها بجانبي، أدخلت يداي في جيبي وبت أبحث بين الوجوه. لم يكن أحد بانتظاري ولكنني واصلت البحث.. تذكرت لحظة وصولي إلى محطة عطبرة قادما بقطار كريمة الذي كان يوصلنا في أنصاف الليالي كثير من الأحيان، عندما نسافر بالقطار فإننا نصحب روحنا معنا، فنستمتع بالرحلة ولكن الأمر مختلف عندما تسافر على متن طائرة لأنك تترك روحك حيث كنت وتلحق الروح بك في وقت لاحق، ربما لأن سرعة الروح بطيئة وبالكاد يمكنها أن تدرك القطار.. هذا ما اعتقدته في البدء.. تبين لي لاحقا أن الروح تبقى مع من تحب وحيث من تحب..

وقفت بجانب تاكسي وسألت السائق إن كان يعرف مكان فندق رخيص، قال لي لا تقلق فقط إركب.. فعلت كما طلب دونما قلق فعلا، ودونما مبالاة كذلك، لم يدهشني منظر المطار البديع ولا الشوارع ولا المباني فقد كنت شارد الذهن أحسست وكأنني تائه في عالم كبير لم أكن أعرف ماذا سأفعل في اليوم التالي، أذكر أنني وصلت يوم سبت، والأحد عندهم عطلة نهاية الأسبوع. سأنام الآن أو ربما أذهب لتناول الخمر، تحديدا الفودكا لأنني أعرف أنها تعطي الدفء وأنها المشروب المفضل للروس، خصوصا أولئك الذين يتمتعون بسعة العيش أو بلغة أخرى أهل الطبقات الغنية، رغم أنهم يدّعون عدم وجود طبقات عندهم هكذا كانو يخدعوننا وأظن الخدعة انطلت عليهم أيضا.. وصلت إلى الفندق الذي اختاره لي سائق الأجرة الذي لم يقل شيئا طيلة الطريق الذي استغرق أكثر من نصف ساعة تذكرت الباصات عندنا، عندما تركب بمفردك حتما ستجد من تحادثه طيلة الطريق في أي شيء، الهلال والمريخ وربما عن حكومة الصادق الجديدة أو عن غلاء السكر وشح البنزين وصفوف الرغيف.. لكن هنا كل امرئ هو في شان..

سألتني امرأة عجوز يبدو أنها تدير الفندق، اذا كنت أرغب في عشاء، أجبت بلطف شديد.. نعم رجاءاً.. أحضر لي شابٌ العشاء وطلبت منه زجاجة الفودكا تأسف لي وقال انهم لا يقدمون المشروبات فعليّ أن أشتريها بنفسي من الخارج. تناولت العشاء وحاولت الخلود إلى النوم دون جدوى.. تذكرت أمي، وتذكرت ابنة خالتي التي أحبها، تذكرت الكثير من الوجوه والأصوات.. سحبت البطانية على وجهي.. وأجهشت بالبكاء..

وفي الصباح كان هناك من يوقظني، إنها أمي.. نهضت مذعورا.. قبلتها وطلبت رضاها.. لهج لسانها بالدعاء، وكنت أحمد الله في سري..

....

شكرا لك ابننا هاني ،، سعدت كثيرا بإهدائك ، وسعدت كثيرا بكشفك الغطاء عن هذا الأديب الكامن في داخلك ،،
كان إحساسي بك دائما أنك أكبر بكثير من هذا العمر الذي أراك فيه ، وقد تأكد لي ذلك عبر كثير مما قرأت لك في هذا المنبر ،، وتأكدت تماما من أن الإبداع اتحادي ، وأن الاتحاديون مبدعون ،، واليوم أيضا قرأت لك ( رجال في حياتي ) وسأدلي بمداخلتي هناك ، لكن يتملكني إحساس أنك ستواصل السرد في ذلك البوست ، لذا قلت أتأخر قليلا ،،

واصل مسيرتك هذه ، لا تهمل شيئا ، اكتب أدبا ، أو سياسة ، أو فكرا ، اكتب ، واستعن على الكتابة بالقراءة ،،
وواصل مسيرتك الاتحادية ، حيث تتوفر لك الرحابة والحرية الفكرية ..
لك التحية

تشكر يا خال