الأفكار ... تموت واقفة

الأفكار ... تموت واقفة


07-15-2004, 12:17 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1089890227&rn=0


Post: #1
Title: الأفكار ... تموت واقفة
Author: Al-Masafaa
Date: 07-15-2004, 12:17 PM

الأفكار ... تموت واقفة

گتبها: عيسى الحلو

* الأفكار.. هى كائنات حية. هى مثل الأشجار والعصافير.. والنار والبخار .. تأتى مرة.. فى كامل بهائها وتوهجها ثم تموت فى الحياة. وكل فكرة حية تحمل فى داخلها عوامل موتها وحياتها فى وقت واحد. وهذا هو قانون الحياة الشديد الصرامة.

* ومثل كل كائن حى.. فالافكار عندما تموت تخلف وراءها سلفاً صالحاً.. وحفيداً واعداً بمستقبل اكثر اشراقاً. وهذه أيضاً جدلية حوار الاشياء التي تجعل الحياة مستمرة وممكنة فى ذات الوقت.

* ان الذى يراقب حياتنا فى الوطن الآن.. يجد ذات الفكرة.. افكار تموت.. واخرى تولد!! لأن تلك الفكرة التى تذبل تترك خلفها بذورها الواعدة بحياة اكثر نفعاً وجمالاً.

فالافكار قبل الاستقلال الوطنى ليست هى ذاتها فى الفترات اللاحقة. لقد جاءت انظمة سياسية وذهبت حينما توهجت أفكارها الآيديولوجية لحين ثم انطفأت. وكان هذا الحراك الذى يعبر عن حيوية الفكرة وخمودها يصيب كثيراً من المشتغلين بالفكر بالاحباط حينما يختل الميزان ما بين الفكرة فى اطلاقها وما بين الفكرة فى نسبيتها.

* وهذا بالضبط هو الداء العضال الذى يصيب احزابنا السياسية منذ الاستقلال لحد الآن. اذ ان الفكر هنا يفشل فى ابداع التوازن اللازم ما بين المبدئىة وما بين البراجماتية الآنية. فتتواطؤ كل التفاصيل على هزيمة الفكرة من أساسها.

* ان هذا الذى يحدث على مستوى الفكر والفعل السياسي هو ذات الأفق الذى يضيق سعة الرؤية فى الجمال وفى الفكر، ويجعلها فعلين متعارضين. وبمقدار هذا الفشل السياسي تذبل كل الحقول المجاورة للسياسة فى الأدب وفى الفنون. ويشحب الوجدان وتكسل الارادة حتى تصل الى اللا مبالاة. او قد تتضخم الذات فى نزوعها البراجماتى فتصل الى المنتهى فى العنف والتدمير.

* هنا بالضبط.. فى هذه المسافة.. ما بين صحو العقل وما بين العماء يغيب النقد الذاتى للأفكار.. لأننا ننسى ان افكار الأمس تموت لتحيا فى أفكار الغد.

فالفكر لا يموت كلية.. بل هو يموت ليحيا مجدداً فى هيئات جديدة وفى مضامين جديدة وفى أزمنة جديدة.. يحلق فى فضاءات التجديد كطائر خرافى اسطورى ويرفرف باجنحته فى أزمنة مطلقة ونسبية فى وقت واحد.

* وكل المثقفين الذين يشتغلون بالسياسة او يشتغلون بالجمال (الآداب والفنون) هم جميعاً مطالبون برؤية هذه الآفاق الواسعة واللا نهائية التى تمثل الفضاء الحيوي الذى تسكنه الأفكار.

* المفكر العربى (محمد عابد الجابر) فى كتابه (نقد العقل العربى) يعيب على المفكر العربى تحولاته من موقف ايديولوجى الى آخر. وهو هنا يجعل من الألتزام الأخلاقى بأيديولوجيا راسخة وثابتة هو المعيار لصحة ولحقيقة الفكرة. وينسى ان اخلاقية الفكرة هى ليست فى مبدأ الثابت ولكنها تكمن فى حراك المتحرك.

* أرى نماذج استطاعت ان تجسد كل هذا الذى ذهبت إليه.. وهم مفكرون من أهل السياسة ومن أهل الأدب والفن أيضاً. هم أصحاب قدرة ومرونة فى الحركة داخل هذا السياق منهم الصادق المهدى ومنصور خالد وعلي عثمان محمد طه والشوش وخالد المبارك وكمال الجزولي.

* ولكننى افتقد بشدة الاستاذ محمد ابراهيم نقد. أفتقد قدرته على الدفع بالأفكار لتحيا فى سياقاتها الكبرى ما بين النسبى والمطلق.. وما بين الثابت والمتحول.

* وعندى ايضاً.. ان الفكر لا يحيا بالتخندق هنا أو هناك.. ولكنه ينطلق فى فضاء واسع تتواطؤ تفاصيله ما بين المثالى والبراجماتى.

* أوليس هكذا هى السياسة؟ أوليس هكذا هو الجمال؟!!