كلنا قتلة......

لم يصبح الزمن بعد عاملا اساسيا فى دالة حياتنا اليومية ولكنه اضحى الان الفيصل بين شفا القبر واهداب الحياة , مليونا شخص من لحم ودم اى انسان سيتعرضون لموت اكيد بحلول خريف هذا العام.
كم تبقي لهذا الفصل الذى كان ينتظره الالاف بفارغ الصبر ويصلون صلاة الاستسقاء ان هو تاخر عن موعده لانه كان يمثل لهم اجمل لحظات لقاء العشق الطبيعى بين السماء والارض وعروته حبات المطر التى تغوص بعيدا فى جوف الارض فيتفتق اديمها عن حلية سندسية خضراء وتمتلئ فيه ضروع الانعام بحليب سائغ الشراب فكان النعمة التى تدق لها الطبول وترقص لها القلوب فرحا وتتمايل معها الاجساد طربا ويدخل لها النساك خلاويهم و محرابهم والسنتهم تلهج بالشكر و الثناء للواحد الاحد.
ولكن بعد ان سرق الضرع وحرق الزرع وهلك النسل , اصبح الخريف بعبعا تندى له الجباه ونقمة ستحمل الامراض الفتاكة والتى لم تعد هناك قدرة بهذه الاجساد المنهكة لمقاومتها, هذه الاجساد التى روى عرق جباهها الطاهرة هذه الارض , ستمضى هذا الخريف لذات باطن الارض جائعة هزيلة التصق جلدها بعظمها , نخرها المرض واضناها الترحال بحثا عن الأمن والطمأنينة حول هامش مدن الهامش , وعلى اعتاب معسكرات الاذلال, ستمضى تلك الاجساد لذات باطن الارض التى طالما اخرجت لهم من باطنها ما سد رمقهم قرونا عدة , ستمضى الى هناك ولا تدرى باى ذنب عوقبت , يدرون فقط ان كل احن الزمان قد تلاقت عليهم , ذلك الثالوث الذى جثم على صدورهم ابدا , المرض , الفقر و الجهل , ولكن كانت قلوبهم ملآى بالامل فى غد افضل لفلذات اكبادهم فما وهنوا فى مصارعة هذا الثالوث , ولكنهم لم يكونوا يدرون انه لا حق لهم فى الامل قبل الح صول على فرمان خاص بذلك , وعقابا عليهم معاناة ظلم الانسان لاخيه الانسان.
أجلس خلف هذا الحاسب الآلى لأطلق كلماتى عبر الاثير ويتقافز حولى صغيري فرحا بدمياته والعابه , بينما تتكئ زوجتى وقد اعياها ثقل الايام الاخيرة انتظارا لهذا المولود القادم فتقتل الزمن بتنقلها بين الفضائيات , وهناك على الضفة الاخرى طفل يموت جوعا ومرضا او مقتولا , وزوجة تغتصب واخت تحمل فى احشائها نطفة قذفها جن ويمتطى جواد وستصبح انسانا تشكل فى لحظة لا انسانية , ولكنها لن تستطيع التخلص منه أوليس هو النفس التى امر الله ألا تقتل الا بالحق..يا الهى كم هو قاس مخاض المستقبل.
طرت بخيالى لتلك الضفة الاخرى حيث يتساوى الانسان و العدم فى بقائهأو فنائه , وكان عالمى الصغير مصاحبا لى فى تلك الرحلة فتخيلت ان ما اقرأه او اسمعه او اشاهده من انباء قد حدث لهم , اغتصبت زوجتك و مات طفلك جائعا مريضا و...و...وقبل ان تكتمل تلك الصورة الخيالية قمت الى طفلى مجزوعا وضممته الى وذهبت لأطمئن على زوجتى ولكنها كانت تحلق فى فضاءات الاحلام,, فكم من والد لن يستطيع ان يحتضن مولوده لأنه قد ارتحل , وكم من مولود لن يستطيع ان يتعلق بجلباب والده لأنه مضى الى هناك , وكم من زوجة لن ترى زوجها ثانية , وكم من آهة ستشق الصدور.
هنالك حيث الضفة الاخرى من التحف الثرى وتدثر السماء , هنالك من تتضور احشاؤه جوعا وهو يتلوى فى رقصة الموت الاخير , طفل فارق الحياة هزيلا سقيما , ام جف ثديها بعد ان نضب معين دمعها من التكاثر الاميبى للألم بداخلها ومن فرط بكائها ومن بكتهم , كهل ينتحب الزمان وهوان الولدان.
اضحت الجدلية الرياضية واقعا وغدى الوقت سيفا ان لم نقطعه قتل كثيرون فلنسقط من حساباتنا و اعتباراتنا ولو آنيا من السبب,من البادئ, من الظالم ومن المظلوم و...
ولا نضع الزمن بحثا عن مسميات حرب اهلية , مشاكل بدو رعاة وزراع , عرقية , ابادة جماعية , تطهير عرقى ...
لم يعد يهم كثيرا ان كانت هناك اصابيع خارجية فيما يحدث ام لا, فكلنا يعلم ان لهذه الاصابع روحا تتقمص صناع القرار فينا وتحركهم من خلف الجدران حتى ولو تعلقوا بأسوار الكعبة.
فقبل ان تؤول الدالة الى صفرا كبيرا , ويمضى هؤلاء الناس جوعا ومرضا لباطن الارض وعندها قد يصحوا الضمير الانسانى فينا ونواجه اسئلة الذات العنيفة , لماذا صمتنا لموتهم ألم يكن بمقدورنا ان نفعل شيئا من أجل انقاذ طفل او امرأة او شيخ مسن , اين سنهرب من عقاب الذات والاحساس بالندم على جريمة صمتنا ,ألا نكون حينئذ قد شاركنا فى قتلهم بصمتنا, ما فائدة قيمنا الدينية وافكارنا السياسية ومعتقداتنا الروحية ان لم تكرم وتعلى من الانسان فعل لا قول.
فلماذا لا نخرج جميعنا فى مشارق الارض ومغاربها في يوم السبت الموافق 17.7.2004 على تمام العاشرة صباحا لنتوجه لمكاتب الامم المتحدة في جميع بقاع الارض لنذكرهم بان هناك مليونا شخص سيموتون مرضا وجوعا , لنذكرهم بانهم في توفير المليارات لادارة حروب البلقان وافغانستان والعراق , لنذكرهم بان الوقت قد اصبح اغلى ما نملك وان مناورات الاستنزاف التى يقودونها لن تعيد البسمة لمليوني شخص وانما ذلك فقط لصالح دول الاستكبار والاستئثار العالمى , لنعلمهم انا خرجنا ليس بحثا فى ادانة الانقاذ او نصرا للمتمردين , سنذهب لنقول لهم انا هناك فقط من أجل أؤلئك الابرياء , انا هناك من اجل الانسان , نريد خبزا ودواءا لهم ,فاذا استطعنا انقاذ اؤلئك فهذا يكفى, وعامل الزمن لا يعنى شيئا للانقاذ ولا للمتمردين , فليذهبا سوية للجحيم .

الى ان ينقذوا او نقتلهم اجمعين

Quote: فقبل ان تؤول الدالة الى صفرا كبيرا , ويمضى هؤلاء الناس جوعا ومرضا لباطن الارض وعندها قد يصحوا الضمير الانسانى فينا ونواجه اسئلة الذات العنيفة , لماذا صمتنا لموتهم ألم يكن بمقدورنا ان نفعل شيئا من أجل انقاذ طفل او امرأة او شيخ مسن , اين سنهرب من عقاب الذات والاحساس بالندم على جريمة صمتنا ,ألا نكون حينئذ قد شاركنا فى قتلهم بصمتنا, ما فائدة قيمنا الدينية وافكارنا السياسية ومعتقداتنا الروحية ان لم تكرم وتعلى من الانسان فعل لا قول.

التحية لك يا عصام الدين وأسرتك الصغيرة

لو وجد بضع الف فقط من يحمل أحساسك بالمسئولية الاخلاقية وتدفقك الانسانى المتفرد ولهم الارادة والقدرة على فعل شئ مختلف وسط أرتال اللامبالاة لما يحدث فى السودان ودارفور على وجه الخصوص لكان بقدرتهم خلق سودان مختلف تماماالان.

أستاذى أحمد أمين ,
أشكر لك تسطير تلك الكلمات و التى عبرت بها عن عميق احساسك بمعاناة أؤلئك الضحايا , ولكنى أتساءل هل يمكن لنا القيام بعمل يتخطى كلمات المواساة من أجل اعادة البسمة ان لم يكن لهم كلهم فلبعضهم

عصام الدين مرحبا بك اولا يافاضل

اوافقك الرائ في اننا قتلة وصمتنا علي قتلهم جريمة لا تغتفر

مع ودي

علي احمد

اخى الكريم على أحمد
شكرا على ترحيبك بى كما واتمنى ان ننجح فى خلق حوار الكلمة الهادف , لقد اشتركت فى هذاالمنبر فى فترة كان اوار حرب الكلمات مشتعلا وضجيجه يغطى كل شيئ فاثرت ان انسرب بهدؤ حينما يعود الهدوء للمنبر , وقد كان .
والشكر موصول لكلماتك التى سجلت بها موقفك.سؤال جانبي هل كنت بالسويد يوما ما, فاسمك فد تطابق مع صديق درس بالسويد