بقرات الأحلام -- بقرات الأحلام -- بقرات الأحلام

بقرات الأحلام -- بقرات الأحلام -- بقرات الأحلام


06-30-2004, 10:34 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1088588096&rn=0


Post: #1
Title: بقرات الأحلام -- بقرات الأحلام -- بقرات الأحلام
Author: مأمون
Date: 06-30-2004, 10:34 AM

==========
بقرات الأحلام
==========

إجتاز بوابة، ودخل مع من دخلوا هذا الملعب، لأنهم يعرفون إتجاههم . أما هو فقد كان لأول مرة يدخل ملعبا، حتى في الوطن لم يفعلها، بل أنه لم يكن يكترث لا لكرة القدم ولا لغيرها . لكنه جاء هذه الليلة علي أية حال، كمن سمع عن وفاة فذهب ليقوم بالواجب .. سمع من يحثه على الإسراع لأن المباراة قد بدأت . فمشى بخطوات أسرع حتى وجد نفسه في بداية مدرج مكتظ ببني الوطن . رأى شتى السحنات والألوان والهيئات . لكن العيون كلها تتطلع صوب الملعب .

صمت مفاجيء ساد للحظة، أمعن في الوجوه فرأى تحفزا وترقبا وعيونا جاحظة توشك على الإنطلاق من محاجرها . إلتفت لأرض الملعب فإذا الكرة تتجه للمرمى .. سمع أصواتا متهللة وتصفيقا وتصفيرا في جانب من الملعب، وسمع فيما حوله أصواتا غاضبة تسب وتلعن، ورأى العيون ترتد لمكانها ثم تغور في محاجرها .. لمح فجوة وسط هذا الزحام بجانب رجل ضخم يعتمر عمامة (ترباسية)، حيا وشرع في السؤال عن الأحوال و ...
(ياخي أقعد وخلاص)
أدهشه هذا الإستقبال المفاجيء، فسأله :
( ليه كدا ياخي ) ؟
( ياخي نحنا دايما راسنا في الأرض )
( ليه يازول، الحصل شنو ) ؟
( طبعا مغلوبين كالعادة )
جلس ثم لملم الطرف السفلي لجلبابه بحركة رشيقة، ثم قال بصوت حانٍ:
( طيب هسع ما دخل قون ) !!
تدخل شخص يضع نظارة يتدلى منها سلسل:
( يعني يا جماعة الخير أي قون يخش يكون حقنا ) ؟
قال شخص آخر كان يجلس إلى جوارهم :
( والله كان جينا للجد الأقوان الضيعناها تملا شوال )
وإنضم للحوار رجل أعور :
( شوال شنو وقفة شنو يا شيخنا الكورة أقوان .. كدي باركوها وشجعوا )
إحتار وهو يستمع لهذه السلسلة الطويلة من التعليقات . ونظر، ثم نظر ليفهم شيئا مما يجري على الميدان أو مما يدور حوله من حوار . إلتفت إلى يساره فوجد الشاب صاحب النظارة، ونظر إلى يمينه فإذا العمامة وتحتها الرجل المتحفز لكل الإحتمالات يهب من جلسته، فينفلت طرف عمامته، ويصيح:
( بالله شوفو جنس المرض دا، تقول بياكلو دلاقين ) !
إلتفت حيث أشار الرجل فرأى لاعبا وقد تعثر قريبا من مرمى الخصم . تجمع حوله اللاعبون وبعض الأشخاص، بدا له أنهم يقومون بمهمة علاجه .
إنبرى الرجل الأعور أثناء ذلك للرد:
( يا شيخنا دلاقين شنو ؟ البلد بخيرها .. الناس شبعت تب)
نهض صاحب النظارة من مكانه وهو يتمتم :
( يا زول ! خير شنو البتتكلم عنه .. الناس إنقرضت من الإنفليشن)
إنفليشن !! ........
( يا شيخنا دا كضب، دا كلام معارضة ساكت .. الناس شبعانة تب وإنتو قاعدين هنا ما جايبين خبر)
من تحت العمامة :
( طيب ياخينا كان البلد مليانة خير والناس شبعانة تب إنت قاعد هنا بتسوي شنو ! ولاّ إنت جيت مخصوص عشان تشجع وترجع ) !
ضجت دائرة مركزها العمامة بالضحك وتعليقات خافتة هنا وهناك، حتى بدأ هتاف يتعالى شيئا فشيئا . نهض اللاعب المصاب وإنفض من تحلقوا حوله . وصل الهتاف والتصفيق ذروته في ذلك المدرج . وضع لاعب الكرة قريبا من مرمى الخصم، تقهقر عدة خطوات ثم تقدم نحوها، فإنحبست الأنفاس، سدد اللاعب بقوة ..
إنتهى الشوط الأول فنشط باعة الشاي والتسالي ونشطت في نفسه الخواطر فتذكر أول ما تذكر حلم ليلة البارحة، رأى أنه يسير وفي إحدى يديه إناء فارغ، ورأى فيما رأى بقرات، كلما حاول حلب واحدة لم يدر ضرعها شيئا، ثم رأى نفسه يركب بعيرا في وادٍ، سار به إلى أن بلغ نهيرا، إستحال لبحر متلاطم الأمواج قبل أن يعبره وحيدا، بعد كبد .
( صديق جيب شاي )
( صديق إثنين جبنة )
( يا زول دا ما بعرفلك جبنة ولا حاجة .. قولّـو قهوة )
( طيب كوفي، كوفي يا صديق)
تابع أحد الباعة وهو يعمل بهمة أكثر من غيره مرددا بلا كلل (آي . عليك الله . داير شنو) ظانا أن ذلك سيعود عليه بثروة . ثم أخذ يتأمل من حوله، وهم على ما هم عليه من حال، فتخيلهم مسافرين توقف بهم القطار بمحطة نائية في إحدى مفاوز الشمال .. لكنك لن تلمس فيهم وحشة ولا وعثاء، فلكل منهم غاية هو بالغها وإن طال السفر .
أحس بشيء من الإنقباض، سيطرت عليه فكرة مغادرة هذا المكان تبارزها فكرة إكمال الواجب لآخره، لكنه نهض آخر الأمر . سار على مهل أو متسكعا دون أن يتعمد تسمع الأحاديث المنثورة بسخاء عفوي ..
( خمسة ألف وتلتمية وإتنين وأربعين بالتمام والكمال، دا غير التحويل السجمان ) !
.............
( أخو معاك ولاعة .. أب شنب ) ؟
إلتفت صوب المنادي فوجده يعنيه هو .. ( لا والله )
.............
( وكمان قاعدين لغاية الحج )
( يا زول إنت وين والحج وين ) ؟
.............
( حمادة أشر للإستيتس ) !
( والله لكين فيري لكي )
.............
( قالت دايرة تواصل دراستها )
( دراسة شنو يا خي، المرة كان طارت ولاّ قعدت مصيرها البيت .. دا يا خوي شاكوش أو توزيعة مهذبة .. الزمن دا ما في واحدة نصيحة بترضى ليها بمغترب .. الإغتراب كان زمان .. دا يا خوي زمن الـ ...)
لم يستطع إلتقاط الجزء المهموس من الحوار الأخير، فسرح به الخيال في الإستـنتاجات التي تحل محل ( دا زمن شنو يا بن العم)؟..

قريبا من بوابة الخروج سمع أصواتا هادرة وتصفيرا وتصفيقا . هدف ! لا بد أنه هدف .. تذكر تهكم الشاب صاحب النظارة (يعني يا ياجماعة الخير أي قون يخش يكون حقنا) .. ثم تسللت لخاطره البقرات التي رآها في منامه واحدة بعد الأخرى، وتساءل في نفسه عن لونها، وكم كانت يا ترى ؟
سبعا، ثمان أم أكثر !!


مأمون عبّاس