ظل الضحى

ظل الضحى

في أمسية نضرة وجميلة جمال الخريف في أم درمان، دونما مطر، وقد عدت للوطن في أول إجازة لي، تخيرت أزهى ملابسي وإرتديتها ثم خرجت أنشد إستئناف حياتي على ما كانت عليه من بساطة وإنطلاق .. سأتجول في الحارة، وألتقي رفاق الصبا !

بعد حوالي ساعتين من التسكع وجدت أشياء كثيرة تغيرت .. البيوت لم تعد كما كانت .. وهذه الأزقة التي ألفتها ردحا من عمري كأنما جيء بها من كون آخر ... أخيرا، إستقر بي المقام أمام دكان "ود الأصيل" .. الشيء الوحيد الذي لم يطاله تغيير .. إستقبلني بحفاوة وقدّم لي عصيرا .. وكعادته حدثني عن أخبار الحارة بيتا بيتا .. وعن رفاق الصبا، سافر من سافر منهم .. وهاجر من هاجر .. وإنصرف من بقي منهم لشأن آخر .. سألته عن "عم الريح"، فأخبرني بأنه لزم البيت بعد أن شُـلّ. ولما سألته عن ذلك قال إنه تشاجر مع "ود الفكي" وتدخل الناس لفض الشجار، غير أن "نزار" أصغر أبناء "ودّ الفكي" سمع عن ذلك، فهرع لمكان الشجار وفي يده عصا، إنهال بها على مؤخرة رأس "عم الريح" ...

احسست بإنقباض .. فكرت في العودة للبيت .. كأن "ود الأصيل" أحس بذلك، فسألني مغيرا الحديث :
- بتمشي عرس ناس مصطفى ؟
- مصطفى منو ؟
- ياخي مصطفى سِـيد القلابات .. ولاّ إمكن الناس ديل سكنوا الحِـلة بعد سفرك .. المهم الليلة عرس بنته .. بيتهم هناك قريب من الظلط .. بابهم فاتح في "ميدان الأصدقاء" .

في طريق عودتي للبيت تناهى إلى مسامعي صوت في الأثير يردد في كلمات لم أميزها مع خلفية أشبه بدوزنة الآلات الموسيقية . قصدت مصدر الصوت، يداخلني شئ من أمل أكاد ألامسه بيدي . حتى وجدت نفسي على مقربة من "ميدان الأصدقاء" وقد تحلق فيه جمع من الناس لا أعرفهم ولا يعرفونني . فقد كان هذا الجزء من الحارة خاليا من البيوت قبل عدة سنوات .. ولم يكن سوى ساحة كبيرة نلعب فيها الكرة، ثم نتعارك ونفترق بلا ضغينة ..

الأمسية كانت نضرة وجميلة، مكللة بنسيم بارد والأرض فيها شيء من دفء لطيف . فعزمت على الإستمتاع بهذه اللحظات. فهي كل ما تبقي في يدي ... يقين هاديء يتغلغل هوناً في روحي.. إنطلق الإيقاع سريعا ... الأكورديون يُـلوّن اللحن بنغمات متآلفة رشيقة والساكسفون يحاوره بنغمات متقطعة قوية وحلوة .. هذه هي كل الفرقة الموسيقية، ثلاث آلات ومغن شاب .

الإيقاع سريع دافق بالحياة، والأكورديون في حواره الجميل مع الساكس .. كلمات قديمة ولحن أليف .. وجدت نفسي قريبا من المغني أراقص إحساسي الجميل بهذه اللحظات ..

تقدمت نحوي إمرأة متوسطة في كل شيء، العمر والطول وحتى القوام .. رأيت في عينيها بريقا حانيا، لكنها رفعت يديها وكورت أصابعها تحاكي بها مخالب القط . ولما دنت مني سألتني:
- شارب حاجة ؟
باغتني السؤال .. فجعلت أفكر بسرعة، لكن دون جدوى .. ضحكتُ دون إرتباك . فقالت:
- الحمد لله إنك ما سكران !
ضحكت مجددا بعد أن إستوعبت الطُرفة في سؤالها ... فقلت لها :
- بصراحة ما في زول منكم قدم لي أي حاجة .. إنتو مويتكم مقطوعة ؟
تركتني في مكاني وإتجهت دون تفكير لمكان قريب ثم عادت تحمل لي قارورة مشروب غازي، فضحكت حتى السعال . وكان كل ما حولي يضج بالفرح .
- أرقص معاك ولا أخليك ترقص زي المجنون، براك ؟
- لو بتعرفي، ما عندي مانع !

ومضت اللحظات حلوة مجيدة ... وفي لحظة شرود كومضة خافتة، قفز إلى ذهني عالمان نقيضان، هذا العالم الذي يضمني الآن بكل ألفة ودفء، لكنني أعرف أنه كظل الضحى، ما يلبث أن يزول .. وعالم آخر يكمن لي ولا يفصل بيننا سوى هذه الإجازة . ولا أكاد أجزم بما يكنه لي...

تقاطر الراقصون وضجت الساحة بطرب أنيق .. ثم جاءت طفلة وإنضمت إلينا .. أشارت إليها وقالت تُعَابثها:
- شنو الفضايح دي يا نهولة ؟
حركت رأسي متعجبا . فقالت:
- دي أصغر بناتي .. نهلة !

مأمون عباس

جميل جداً يا مامون
فيك الخير يا روعة

سلام،،
حبيب نورة .. شكرا للإطراء

خواطر جميلة سطرتها بكل صدق وإحساس نبيل لتلامس الوجدان ..
لديك ملكة من التعبير أرجو تطويرها بالمزيد من الكتابة .

مأمون محمد زين

سلام،،
شكرا مأمون محمد زين ..
الكتابة، على ما فيها من المتعة، فإنهابلا شك مضنية.
أجد بعض الراحة والكثير من الحرية في كتابة الخاطرة .. هروب من القصة القصيرة، لما فيها من المكابدة ..

WELCOME HOME Mamoun
very happy to see you
This is just a quick welcome and I will come back to the masterpeice written above, I'm glad you are here! and I like the name too, Hope it will bring Rummana and the good old days back!!

سلام،،

ياه .. زمن !! معقول سارا الزمان ديك ؟؟
على كل حال أنا سعيد جدا بهذه الطلة .. وربنا يرجع كل الغايبين
رمانة .. صلاح .. موهدي ...



____________________________________________________
إنّا قومٌ مُنقطَعٌ بنا، فحدّثنَا أحاديث نَتَجمّلُ بها
____________________________________________________

مرحب بي عودتك هنا مع فطاحلة الكلم وانت واحد منهم ... نتمني الا نحرم من طلتك علينا.

روبنسون
سلام،،
أشكرك بصدق على هذا الترحيب الدافئ
بس مسألة فطاحلة دي داير ليها قعدتين


عصـ.... أقصد طيفور
ما تسكعي هنا إلاّ إلتماس لتلك الرفقة الجميلة ..
وجميل الآن ظهورك ولو بدون أجنحة ..

ياااااااااااه يا مامون..
وسااااااااارة
وكمان روبنصون

وبي هناك شايف كمان تبلدينا وسماح الما بتخبر زعل
باين دي أيام عودة الطيور المهاجرة إلى اوكارها
وربنا يعيد بقية العقد الفريد

مام العميد
وبناديها
ودكتور موزاوي
وستار
وسليمى
والرايق
وككخ

جيدا جيتو




ؤبث

سلام،،

طيفور (الجنة)
آسف فقد نسيت هذا البوست ولم أقرأ مداخلتك إلا الآن .
على كل حال .. أنا سعيد أن أجد من أعرفهم ويعرفونني .
فتحياتي لك ولهم أجمعين .