حكـاية مقاتـل يدعـي علـي عبـد الرحيـم

العام الماضي وداخل محكمة جنايات الخرطوم شمال واثناء جلسات محاكمة د. مضوي ابراهيم المتهم باثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري كانت هيئة الدفاع عن المتهم تواصل استجوابها للشاكي ,وفي سؤال لممثل الدفاع عن ( علي عبد الرحيم) الذي ورد اسمه في محضر الاجتماعات مع المتهم اجاب الشاكي بان علي عبد الرحيم كان معارضاً للحكومة في الخارج وهو الان ضمن متمردي دارفور وقد جاء الى البلاد برفقة 30 شخصاً وكان قد انضم للمتمردين بناء على توجيه من المتهم_يقصد مضوي ابراهيم _

لكن...
دعونا نبدأ من البداية

قبل اكثر من ثلاثة سنوات _ان لم تخني الذاكرة_واثناء فترة عملي بصحيفة الحرية _دمجت الان وصارت بموجب شراكة ذكية مع صحيفتين هما الصحافة والصحافي الدولي صحيفة واحدة هي صحيفة الصحافة _ تعرفت علي المقاتل علي عبد الرحيم والذي كان غالبا ما يأتي لزيارتنا بمباني صحيفة الحرية بصحبة عبد العزيز دفع الله
كنت وقتها مشغولة بملف قوات التحالف السودانية اركض خلف حقيقة ما يشاع عن انتهاكات لحقوق الانسان داخلها
وقد جر علي فتحي لهذا الملف _المحرم وقتها _كثيرا من المشاكل حتي ان كثيرا من المقاتلين الذين هربوا من معسكرات قوات التحالف _علي اوقات متفاوتة _كانوا يأتون ليسردوا علي مسامعي قصصا كقصص الف ليلة وليلةفي غرابتها, يقسمون انها حدثت لهم داخل معسكرات التحالف كما ان بعضهم _احتفظ باسمائهم الان_كانوا يأتون ليكيلوا لي الاتهامات _غالبا_ ويخيفوني بل ويهددوني _احيانا _ بمشاكل تجلبها لي الكتابة عن ما يحدث داخل قوات التحالف السودانية وقتها

وحده علي عبد الرحيم لم يكن يفعل شيئا سوي تشجيعي علي الاستمرار ( واقفة)كان يقول لي في كلمات بسيطة:
يمكنك الانحناء قليلا حتي تمر العاصفة فالأشجار الذكية تفعل ذلك لكن سرعان ما يعود لينبهني الي ان الاشجار القوية هي التي تقاوم العاصفة ويترك لي حرية الاختيار بين الموقفين
وعندما كان معظم المقاتلين الذين اتحدث معهم يقولون انهم طلقوا العمل المسلح بالثلاثة كان علي عبد الرحيم يقول ان امكانية عودته لرفع السلاح مرة ثانية في وجه الحكومة تبقي كبيرة

لم يكن الرجل ميالا للحديث عن تجربته في قوات التحالف السودانية علي غرار مقاتلين كثر غير انه كان متحمسا للحديث عن تجربة المعارضة المسلحة عموما وذلك عندما قمت باعداد ملف عن المعارضة المسلحة _نشر بصحيفة الحرية_ استنطقت فيه عددا من حملة السلاح في تنظيمات مختلفة
لكن...عندما وصلتني افادته _المكتوبة_ كان الملف قد اغلق تماما
وبعدها و_بأقل من شهر _جاءتني الاخبار بان الرجل قد انضم لحركة تحرير السودان

والشاهد ان امر انضمامه لحركة تحرير السودان لم يكن امرا مفاجئا بالنسبة لي بل ويمكنني وبكل بساطة القول بأنني كنت اعرف ذلك _منه شخصيا_ وان لم اكن اعرف ميقات ذلك
وكثيرا ما تحدثنا عن حركة تحرير السودان _الناشئة وقتها _وعن المحامي عبد الواحد محمد نور _ وعن اسباب قيام الحركة _التي لم تكن منطقية بالنسبة لي _ وعندما كسرت يد عبد الواحد محمد نور وقتها استطيع الجزم بأنني عرفت ذلك قبل ان يعرف اهلنا في دارفور ذلك.. بيانات كثيرة كانت تصلني من الخرطوم لا اعرف من اي مكان لكني كنت علي يقين ان لعلي يدا فيها ..
وعندما طلب مني ذات يوم الحاج وراق وكان مديرا عاما لصحيفة الحرية ان اغادر الي دارفور والصعود الي الجبل للبحث عن عبد الواحد محمد نور واجراء مقابلة صحفية معه بأعتبار ان ذلك يمكن ان يكون خبطة صحفية بالنسبة للصحيفة ولي قلت في سري (يبدو ان مديري العام قد جن)
اذ كيف اذهب الي دارفور بعد كل ما سمعت عنها ,مع مراعاة اني لم اغادر مدينة الخرطوم.. وكيف لي ان اجد الرجل والحكومة نفسها فشلت في تحديد مكانه ..ثم من الذي يضمن لي سلامتي الشخصية اذا ذهبت الي دارفور
وعندما اخبرت علي عبد الرحيم عن ذلك اكد لي انه سيعمل علي مساعدتي ترتيب اتصال هاتفي بيني وبين عبد الواحد قبل مغادرتي الي دارفور

أما القصص التي تحمل فظاعات..وإنتهاكات..فلا تشبه بأي حال من الأحوال بقصص ألف ليلة وليلة

العزيزة صباح
سجلي مذكراتك هذه قبل أن تضيع معالمها من الذاكرة وانشريها هنا واختاري الوقت المناسب للنشر في الصحف أو في شكل كتيب توثيقي وتعاوني فيه مع بعض الذين ذاقوا مرارة السجن والتعذيب , لان هذه فترة تاريخية مهمة.

اتابع كتاباتك ولكن لماذا لا تستمري في الكتابة, غالباً تبدي الموضوع وتتركيه؟

أرجو أن تستمري في هذا الموضوع الهام خاصة وقد بدأت القوات الارترية في اطلاق سراح البعض.


دام قلمك الجرئ

وموضوعاتك الساخنة
خالص ودي

قبل ان استرسل في الكتابة عن علي عبد الرحيم

دعوني أقرأ معكم ما خطه يراعه عن دواعي حمل السلاح

و..بالطبع لا املك حق التعديل او الحذف فيما كتبه ورآه وقتها

كتب علي عبد الرحيم الاتي

الذين حملوا السلاح هم ابناء الاقاليم وقوي المناطق المهمشة وفي حملنا للسلاح كنا نعبر عن الاجحاف الذي وقع علينا بهذه الوسيلة ,حملنا السلاح لاننا فقدنا الثقة في القوي السياسية والانظمة العسكرية وقد اكدت التجربة ان لا احد يقف بجانب هذه القوي المهمشة وتعبيرنا عن انفسنا متوقع ولا يستفزنا ولا يدعونا للتشكك في النوايا ورمي التهم عبثا او تصنيفنا بالعنصرية والجهوية دون وجه حق
القوي السلفية ذات التوجه الشمولي الاقصائي المعادي للديمقراطية ظلت تحكم البلاد بدكتاتورية مطلقة مع فواصل ديمقراطية شكلانية وجيزة شكلتا ما عرف بالحلقة الجهنمية المفرغة التي تعاقبت فيها احزاب سياسية طائفية عاجزة ونظم عسكرية شمولية فشلت جميعا في انجاز مهام ما بعد الاستقلال وادخلت البلاد في ازمة سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة وصلت زروتها خلا فترة حكم الانقاذ الاسلامي الذي اوصل البلاد والعباد الي حالة من الخراب تكاد تعصف بالكيان السوداني بكامله وكنا نعتقد ان المظاهرات السياسية لا تستعجل الوصول للنتائج وهناك ازمة توقعات عند اصحاب هذه التوقعات وحين لا تصدق توقعاتهم يقولون ان المعارضة (حملة السلاح)عاجزون او يصل بهم اليأس للظن ان النظم لا تقهر فالمعارضة المسلحة قادرة علي تحسين ادائها ويمكن ان تقهر اي نظام ديكتاتوري استبدادي متسلط سالب لحقوق الاخرين

وكان شعارنا ان العمل العشكري ليس نذهة كما ان العمل السياسي الجماهيري في ظل اي وضع شمولي اقصائي ليس مغامرة ولا نخاف الموت مادام الموت هو الوسيلة لتحقيق الغايات
وكنا نعلم ان الحوار مع النظام هو حوار الطرشان وان الخلاص من هذا النظام اقرب من التفاهم معه لان الثورة المسلحة الزاحفة لا يستطيع احد ان يوقفها ..نحن ضد كل النظمة الشمولية وضد اي نظام يهمش ويزور ارادة الملايين من ابناء شعبنا ويعطل امكانيات النيل وامكانيات السودان الضخمة
رغم ايماننا ان من يدعو للديمقراطية والعمل المؤسس ويسعي لها لا يمكن ان ينتهج القوة والعنف اسلوبا لحسم الصراع السياسي الا ان نظام الجبهة الاسلامية قد خلخل هذه المعادلة

احزاب عديدة وصلت الي السلطة وفشلت وكذلك الجيوش والافراد
لا احد غيرنا نحن ابناء المناطق المهمشة والبوادي لم يصل للسلطة فلماذا لا نأخذ نصيبنا من السلطة والثروة والصحة والتعليم

سأعــود