السودان وعبقرية التخلف (1)

السودان وعبقرية التخلف (1)


11-01-2005, 02:40 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1130809202&rn=1


Post: #1
Title: السودان وعبقرية التخلف (1)
Author: محمد الأمين موسى
Date: 11-01-2005, 02:40 AM
Parent: #0

لقد خلق الله السودان جميلا.. وجعل خليفته عليه أحد أعتى أعداء الجمال! إنه الكائن السوداني الذي كرّّس عبقريته وإبداعه - على مر العصور - ليظل السودان متخلفاحتى أصبح تراثا إنسانيا في التخلف يزار من قبل سمير أمين وأمثاله الذين ينظرون للتخلف والدول المتخلفة. لقد ظلم العالم السودان كثيرا عندما صنفه ضمن الدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو، ونسي أنه دولة متفردة تستحق أن يعاد أمر تصنيف الدول ليصبح: العالم الأول، والعالم الثاني، والعالم الثالث، والسودان.
إنها عبقرية التخلف عندما يتعايش غنى الموارد الطبيعية مع الفقر ويتماهيان:
وهام بي الأسى والبؤس حتى كأني عبلة والبؤس عنتر
كأني حائط كتبوا عليه: هنا أيها المزنوق ترتر
وإنها لبعقرية التخلف عندما يعانق التعليم الجهل، فتسبق جامعة غردون الجامعات العربية وتحتفظ البلاد بذيل القائمة.. إذا لم تقتنعوا معي بهذه الرؤية، فتأملوا معي المشاهد/الظواهر/الغرائب التالية:
- إنسان يعيش على ضفاف النيل وينعم بالعطش.
- أكبر عدد من المتعلمين من حملة الماجستير والدكتوراه في العلوم الزراعية، ولازالت التكنولوجيا الزراعية التي ابتكرها الفراعنة(الجراية والطورية وغيرها) تهيمن على المشهد الفلاحي لسلة غذاء العالم المثقوبة.
- تأمل الإنسان السوداني في كل مواد البناء منذ إرم وثمود وقبلهما، فاختار الزبالة لتزيين منزله؛ ثم أجال المهندس المعماري السوداني البصر كرتين فلم يجد في التصاميم غير أوضتين وصالة وبرندة؛ أما أهلنا في الغرب، فقد آثروا أن يبنوا مساكنهم من القش ليقدموها قرباناللنيران التي تقضي على الأخضر واليابس كشكل من أشكال التجديد الموسمي.
- إن الله كريم يرزق من يشاء بغير حساب. رزق السودان بمجموعة من أساطين الجمال، من أمثال الصلحي وراشد دياب وشبرين ومحمد خليل عمر وأحمد عبد العال الذين سقوا اللون والشكل من سلسبيل أرواحهم، ليأتي تلفزيون السودان ليهين اللون على مدار الساعة عبر ديكور يمزج بين الأخضر والبنفسجي ويقذف أعين المشاهدين حتى تدمي بكل الألوان المرئيةالتي إنوجدت في الطبيعة، ولا يدع شكلا من الأشكال الأساسية إلا وضمنه في ديكور الجعجعة.. يصيح راشد دياب وينتف الصلحي شعره ولا حياة لمن تنادي.
- يستغرق قيام مشروع زراعي أكثر من 13 سنة يتحول خلالها مدير المشروع من مهندس إلى خطيب جمعة إلى فقية إلى داعية إسلامي ويموت بعض مساهمي المشروع في غربتهم والمشروع مختبئ في الحنايا لا يريد أن يرى النور حتى يلج الفيل في فم الخياط.. إنها التقية السودانية.. إنه الزمن السوداني الذي لا زال يتأثر بزمن سيدنا نوح عليه السلام.
- في قمة النشوى والتوق لسماع الزعيم الذي شغل الناس وكانت الساحة الخضراء موعدهم، يتعطل المايكرفون.. ويتجمع قادة الرأي من الداخل والخارج في القصر الجمهوري ليشهدوا الحدث التاريخي: تنصيب جون قرنق، فيغيب التكييف وأنى للوزيرة النرويجية أن تتكيف مع شمس السودان العمودية. ولا تسل عن مروحة اليد الموضوعة فيمكتب نائب رئيس الجمهورية وقوارير الاستيم التي تتصدر مجالس الوزراء لتشكل مع صورة التفزيون السوداني وإضاءته لوحة عبثية لم تخطر على بال يوجين أونسكو.
- هل تساءلتم يوما لما اختارت الأحزاب السودانية الإنشطار الثنائي من بين كل أشكال التكاثر التي تتبعها الكائنات الحية؟ لما آثرت أن تتكاثر كما تفعل البكتريا؟ ولما يرتحل الأفراد ويتنقلون من حزب إلى آخر مثلما يفعل الممثلون في تقمصهم للأدوار المختلفة دون إحساس بعقدة ذنب؟ ولماذا يصر زعماء السياسة السودانية على تطبيق مفاهيم الخلود والأبد في الدنيا بينما هي من مفاهيم الآخرة؟
- تأمل كيف آثرت قبائل دار فور أن تجرب نظرية الحتمالات في الحروب فتنازل كل قبيلة كل القبائل الأخرى، فتعجز المؤرخون وتجعل من جلسات الجوديات أكثر من جلسات ستات الشاي في العاصمة.. وتأمل كيف ينطق المثل ابن الوز عوام على الحركات المسلحة في دار فور: حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة تحاربان الحكومة والجنجويد وأصحاب اللانكروزرات والشاحنات، ثم تتحاربان فيما بينما، ومسك الختام للتصفية الداخلية استعدادا للانشطارات الثنائية.
- لست إدري إذا طبقنا المقاييس النسبية في مقارنة العواصم على ظهر البسيطة ستكون الخرطوم أقبح عاصمة في العالم أم ستخطف منها هذا اللقب عاصمة أخرى؟
- "كسلا أسرق بها شمس وجدي فهي في الحق جنة الإشراق"، "أنا أمدرمان تأمل في ربوعي"، وأي ربوع! "جوبا مالك علي جوبا شلت عيني".. تغنى الشاعر السوداني بمدن ليست كالمدن. مدن افتراضية سرابية يحسبها الظمآن ماء وما هي إلا تجمعات سكانية
- إذا لم تر فيما ذكرت ما يدلل على عبقرية التخلف، وفراجع كيف يعامل السودان - شعبا وحكومة - المغترب الذي ظل مصدر رزق لا ينضب.
هذه المشاهد وغيرها تحتاج إلى حديث مستطرد...
وكل عام وأنتم بألف خير.
محمد الأمين