|
|
 لــماذا نـكـتب؟!
|
مناظير
لماذا نكتب؟!
زهير السراج
* كثيراً ما يسألني الأصدقاء والقراء «لماذا تكتبون وترهقون أنفسكم وتتعرضون لكافة أنواع الضيم والأذى، بدون أن تجدوا أذناً صاغية من أحد، فالحال لا يتغير، والانقاذ التي استولت على الحكم في 1989م، هي نفسها الانقاذ التي تحكم اليوم، بل ربما أسوأ، والحركة الشعبية طلعت أي كلام، مثلها مثل الذين مدوا أيديهم للانقاذ، فامتلأت بحساب الفلوس، ولكنها رجعت فارغة بحساب التغيير الذي ينشده الناس والانجازات التي يتوقعونها على أرض الواقع، مثل التحول الديمقراطي واحترام حقوق الانسان، واقامة دولة العدل، ورفع المعاناة عن الجماهير، ومكافحة الظلم والفساد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الانتماء الديني والفكري والاثني والجهوي وممالاة الحكام أو معارضتهم؟!».
* وكنت، ومازلت أجيب عن هذا السؤال، بأنني وغيري من الزملاء، عندما نكتب لا نتوقع استجابة اليوم أو غداً، أو حتى بعد سنوات طويلة، ولا نسعى من أجل ان يحدث التغيير المطلوب في اللحظة او اللحظات التي نعيشها، ولا حتى بعد عقود طويلة، ولكننا يجب أن نكتب، فكل حرف يكتب اليوم، سيكون له حتماً تأثير، ولو بعد قرون، ولو لم يهز في اللحظة التي نكتب فيها، أو نعيشها اركان الظلم والفساد فتتهاوى وتنهار، ويحدث التغيير المنشود، الذي نتمناه ونعمل من اجله، فهو بدون شك له تأثير، ولو كان ضئيلاً لا يذكر في الوقت الحالي، ولكنه تأثير تراكمي، يظل يتراكم، كل لحظة وكل يوم وكل عام وكل عقد، بل وكل قرن اذا استدعى الحال، ليأتي بالنتائج المطلوبة حين تأتي اللحظة المناسبة.
* لقد ظلت أوروبا تكافح خمسة قرون ضد الظلم والطغيان، وعانت ما عانت، وقتل من قتل، من مواطنيها، وأحرق من أحرق، وعذب من عذب.. ملايين الناس.. ذهبوا ضحية الظلم والفساد والارهاب والأفكار الرجعية!! ولكن أوروبا.. لم تضعف ولم تخف، ولم تسكت ولم تضع القلم، وظلت تكتب وتناضل.. حتى حانت لحظة الخلاص!!
* والآن، فإن أوروبا ـ بعد كل تلك القرون الطويلة من العذاب، والقرون التي تلتها للسمو فوق الاحزان، والتحرر من براثن الجهل والتخلف والمرض والفقر، ثم النصف الاول من القرن العشرين الذي تقلبت فيه بين نيران حربين شرستين ودكتاتوريات بغيضة وباطشة.. الآن تتمتع أوروبا، ويتمتع معها العالم الحر بنضال وتضحيات اولئك الذين ناضلوا وضحوا عندما كانت ترزح تحت نير الاستغلال والعبودية..!!
* ولا يقل نضالاً وتضحية عن الأوروبيين، أولئك الذين ناضلوا وضحوا ضد الاستعمار الأوروبي لبلادهم، لينعم من يأتي بعدهم بالحرية!!
* وفي السودان مات من أجلنا شهداء كثيرون في 1924م وغيرهم قبلها وبعدها، وسجن من سجن، وحرم من حقوقه من حرم.. لنرفع راية استقلالنا في 1956م.. ونتذوق طعم الحرية!
* وناضل ضد الطغمة العسكرية، وضحى بأرواحهم من أجلنا شهداء عظماء ـ علي حامد ورفاقه وغيرهم أيام نظام نوفمبر السوداء، وهاشم العطا وحسن حسين ومحمد نور سعد وغيرهم.. ايام نظام مايو السوداء.. والكدرو ورفاقه.. في 28 رمضان ـ خلال أيام هذا النظام السوداء!!
* والآن نحن نكتب، فقط نكتب، بينما ضحى البعض بأرواحهم، وبأعصابهم، وبأرزاقهم، فهل نتوقف عن الكتابة.. لأننا لا نجد أذنا تصغي لنا من الحكام، وان الحال لم يتغير؟!
* والاجابة الحاسمة الواضحة.. «لا.. لن نتوقف، لأننا، لا نكتب من أجلنا فقط، ولكن من أجلنا.. ومن أجل ابنائنا وأحفادنا.. والأجيال القادمة.. وسيفعل غيرنا مثل ما نفعل، ولو استدعى الأمر، ان يستمر النضال عشرة قرون قادمة!!
ولكن حتماً.. ستأتي اللحظة الحاسمة يوماً ما..!!
* وسنكون سعداء في ذلك الوقت.. أينما كنا، لأننا شاركنا في التغيير ولو لم نتذوق ثماره..!! المهم أن هنالك ثماراً وهناك من سيتذوقها ولو بعد حين.. ومن أجل هذا نكتب ويناضل غيرنا.
|
|
 
|
|
|
|
فيصل نوبي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست