الضـبط الاجـتـماعي للكـيان البـشري و تماسـك نسـيج الأمـة .

يقول أهل القانون (الأصـل في الأشـياء الاباحـة) و تأتي التشريعات في سياق تطور المجتمعات فتمنع و تحظر أمورآ كانت مباحة و تضع نصوصآ عقابية تتكفل بالردع و الجزاء الـلازمين لضمان سيادة القانون .
تستند الهيئات التشريعية ، منتخبة أو معينة ، على مصادر أساسـية تستقي منها أحكامها ، بعضها مصادر دينية و بعضها أعراف اجتماعية و معتقدات كريمة أخرى تساهم كلها في خلق نوع من الضبط الاجتماعي للكـيان البشري المراد تقنين سلوكه .
شهد السودان أكثر من محاولة لوضع دستور منذ الاستقلال ، يدرك القانونيون فروقها ، لكنها في مجملها كانت متشابهة ليس فيها تغيير كبير بحيث يشغل بسطاء القوم المعنيين بالتجريم أكثر من سواهم ، و تعتبر القوانين (الاسلامية) التي أصدرها النميري في سبتمبر 1983 و ثار جدل قانوني سياسي كبير في صحة نسبها للاسلام ، تعتبر أول تغيير حقيقي في مفهوم التجريم اذ لا يزال الناس يذكرون العبارات الجديدة التي ظهرت مع قوانين سبتمبر ، مثل ـ الشروع في الزنا ـ و هـو قول يؤكـد اتجاه النيات لتجريم السلوك الانساني بتجاوز أصل التشريع الذي يرى في اثبات عقوبة الزنا تشددآ في البينات هدف منه الشارع الحكيم و النبي الكريم عليه الصلاة و التسليم الى درء الحدود بالشبهات و الحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي لـلأمـة .
التغيير الكبير الثاني هو المشروع (الحضاري) الذي اجتهد عرابوه منذ البداية فيما أسموه ـ اعادة صياغة الانسـان السوداني ـ ونشطت الفرمانات السلطانية و أخذت تتضارب فيومآ يقتلون تجار العملة و يومآ يفتحون الصرافات ... و يحصروا السلع التموينية في بطاقات ثم يعودوا ليقولوا بالتحرير و التراضي .. و ينشدوا بدنـو عذاب أمريكا ثم يسـلموا لها تسليما .. و يجتهدوا في الحرب الى حد اعلان الجهاد و يستسلموا للصلح ببذل أقصى التنازلات ، لاحظ تضارب قوانين الخدمة العامة في حالي الحرب بتجنيده القسري و خطف الصبية و استسهال الموت و من ثم تشريعات فترات التفاوض و السلام و مفارقات أداء الاعلام الحكومي و أثر كل ذلك على المواطن السوداني المستهدف باعادة الصياغة و على الجندي المقاتل و فكرة توجيهـه معنـويآ !
كـل هذه (الربـكـة) التشريعية تجعل الناس في حيرة ، فالسـلوك المقبول في المجتمع المعين لا يمكن تجريمه بفرمان ، لأن المجتمعات لا تتغير بقرارات و لوائح يطبخها والي العاصمة حسب تجلياته الأيديولوجية بقدر ما هي نسـيج متكامل ينضج على نار هادئة من تراكم الخبرات و المعرفة تحكمه تقاليد و عادات اجتهد المشروع الحضاري في تخريبها أو تبديلها لكنه فشـل حتى في ابقاء اسـم العملة الذي فرضه على الناس !!
للسـاسـة ـ بعض الحق ـ في التخطيط لتغيير المجتمعات لـلأفضل ، لكن النسـق الاجتماعي القائم و مظاهر السلوك المتعارف على تقييمها سلبآ و ايجابآ تبقى أشياء أخطر من أن يحشر فيها الساسة ، وبخاصة السودانيين ، أنوفهم فهي قضايا سوسيولوجية بالأساس.

**