السودان حكومة جديدة للوحدة.. أم للانفصال..؟ محمد الحسن أحمد للشرق الأوسط

السودان حكومة جديدة للوحدة.. أم للانفصال..؟ محمد الحسن أحمد للشرق الأوسط


09-26-2005, 05:30 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1127709044&rn=1


Post: #1
Title: السودان حكومة جديدة للوحدة.. أم للانفصال..؟ محمد الحسن أحمد للشرق الأوسط
Author: jini
Date: 09-26-2005, 05:30 AM
Parent: #0

Quote: السودان حكومة جديدة للوحدة.. أم للانفصال..؟

بعد مضي اكثر من شهرين في المناورات والمساومات فوق سقف الزمن المحدد لتشكيل الحكومة السودانية الانتقالية، ولدت بالامس ما سميت بحكومة الوحدة الوطنية ذات القاعدة العريضة. لكن بنظر المواطنين ومعظم المراقبين ان الجديد الوحيد فيها هم وزراء الحركة الشعبية وحتى هؤلاء أبدوا امتعاضا من عدم أيلولة بعض الوزارات لهم. اما حزب المؤتمر الوطني الحاكم فقد احتفظ بغالب الوجوه القديمة في الوزارة مع تغيير طفيف في المواقع! ومن فاته من القدماء قطار الاستوزار حط رحاله في القصر الرئاسي مستشاراً بذات الدرجة واكثر، حتى بلغ عدد المستشارين 12 مستشاراً وهذا الرقم الخرافي من المستشارين يكاد يماثل عدد نصف مجلس الوزراء!.. وهل مجلس الوزراء في الانظمة الرئاسية إلا مجموعة من المستشارين؟!
ومن واقع الحال يصعب اقتناع الناس بان صفة حكومة وحدة وطنية يمكن ان تطلق على هذه الحكومة لان كل القوى السياسية الرئيسية بين مبعدة ومبتعدة عنها بدءاً بالتجمع الوطني الذي قيل انه مشارك فيها. مروراً بحزب الامة بزعامة الصادق المهدي، وانتهاء بالمؤتمر الشعبي بزعامة الترابي والشيوعي بزعامة نقر، وحتى الشريك الرئيسي فيها وهو الحركة الشعبية بدا واضحاً من تصريحات منسوبة إلى سلفا كير الزعيم الجديد، انه ليس متناغماً مع المؤتمر الوطني اذ قال ان سلوك المؤتمر الوطني يدل على عدم وجود رغبة لديه في تحول ديمقراطي لذلك سوف ندعه يأخذ ما يشاء حتى تنقضي الست سنوات فيذهب كل الى حال سبيله.. ومعنى ذلك ان الحركة لم تقبل على الحكومة وهي راضية وانما اصبحت زاهدة في الوحدة نفسها بسبب سلوك الشريك الآخر في قسمة السلطة! وهذا ما ينفي عن الحكومة حتى صفة الشراكة الثنائية! ناهيك عن الادعاء بحكومة القاعدة العريضة أو الوحدة الوطنية.

ولعل ما تخبئه الأيام المقبلات يحمل الأسوأ حول ما تبقى من قسمة السلطة بين الحكومة والحركة خاصة ما يتعلق بالمفوضيات، وفي هذا الصدد يقول د. لام اكول وزير الخارجية: إن المفوضيات تعتبر قنبلة موقوتة اذا لم تشكل بصورة سريعة، مشيراً إلى مفوضتي حقوق الانسان وترسيم الحدود. واوضح ان الحوار الذي بني عليه اتفاق السلام كان خاطئاً مبينا انه تم منظور شمالي وجنوبي، وانه لم يتم بالارادة السودانية بل كان نتاجا لضغوط دولية. ووصف المحكمة الدستورية القائمة بانها ليست محايدة ودعا إلى الإسراع بتكوين المفوضية الدستورية واكد حرص الحركة على التمسك بالديمقراطية والحقوق المكتسبة في الدستور لكل شعب السودان.

لا شك ان كل من يتأمل في مضمون ما قاله لام أكول ومن قبله زعيم الحركة سلفا كير لا يشعر بمدى التوتر القائم بين الشريكين فحسب وانما يشعر بخطر الانفصال الذي بدا يلوح مع لحظة تشكيل الحكومة، وحتى صديقي بونا ملوال الذي كان اكثر المتحمسين لتجاوز خلافات الاثنين عندما التقيته بعد اعلان التشكيل الوزاري مباشرة لم يقبل مني التهنئة بتعيينه مستشاراً، وقال لي على الفور: لن اقبل هذا التعيين وما جرى مخالف لما اتفقنا عليه!

واذا كان هذا هو حال التشكيل الوزاري فكيف سيكون الحال ازاء التشكيلات الاخرى التي وصفها لام أكول بالقنابل الموقوتة وهو يعني المفوضيات، ولكن ماذا عن الخدمة المدنية وقسمتها ومفاصل السلطة الاساسية وفكفكتها؟ لا ريب ان كل المقدمات تشير الى ان الآتي هو الأسوأ في علاقات الشريكين. وكل هذا يتعلق بالأوعية والآليات لتنزيل الاتفاق على ارض الواقع، ولكن السؤال ماذا عن جوهر الاتفاق واحتمالات التوافق بين الشريكين على تنفيذه.

ان جوهر الاتفاق يقوم على ركيزتين اساسيتين هما تحقيق السلام، وبسط الديمقراطية التعددية وصيانة حقوق الانسان وكفالة العدل والمساواة، وكلها امور مفصلة في الاتفاقية، ويبقى المحك هو صدق النوايا والجدية في التنفيذ. بالنسبة للحركة لا يبدو ان لديها اية مشكلة او صعوبات في المضي في التنفيذ لانها اصلا ليست لديها مفاتيح السلطة، بل هي راغبة في نصيبها فيها بعدل ولا يضيرها ان ينال الآخرون انصبتهم بل يسعدها ذلك ويوفر لها قدراً من التوازنات. المشكلة إذن في المؤتمر الوطني القابض على كل مفاصل الحكم والحريص عليها. ومن الواضح انه يستأثر بها ولا يرغب إلا في استمرار الاستحواذ عليها مهما كانت الظروف، وهنا تكمن المعضلة: هل بوسعه الاعتراف بحقوق الاخرين وحجبها عنهم في نفس الوقت؟ وفي هذا الحالة كيف سيتصرف الشريك الآخر؟ وماذا سيكون دور الآخرين من مهضومي الحقوق؟

مما لا شك فيه ان الاجابة تبدو سهلة للغاية على مجمل هذه التساؤلات وهي على الأرجح ان تتحالف كل القوى السياسية بما فيها الحركة للدفع باتجاه بسط الديمقراطية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وتشكيل المؤسسات المفضية إلى كل ما يؤدي الى تداول السلطة او لم نسمع لام اكول يطعن في حيادية المحكمة الدستورية ويطالب بالإسراع في تكوين المفوضية الدستورية ولا شك ان مفوضية الانتخابات توازيها في الأهمية. وقبل هذا وذاك أوقف نواب الحركة في البرلمان مناقشة قوانين هامة بحجة انه ينبغي ان ترجأ الى حين تكوين الحكومة ومن ثم دراستها بواسطتها قبل تقديمها للبرلمان.

بالطبع كل هذه مؤشرات على ان تمسك المؤتمر الوطني بمقابل السلطة لن يحول دون تحريك الأوضاع باتجاه التغيير المطلوب لمواكبة متطلبات المرحلة الجديدة ولن يكون بوسع المؤتمر الوطني كبت ذلك بل ان تلك التحركات ستكون مسنودة ليس بنصوص الاتفاقية وحدها وانما بمتابعة المجتمع الدولي وحقوقه الرقابية.

خلاصة القول ان الحكومة الجديدة لم تحمل جديداً لشعب السودان بقدر ما حملت المزيد من الاحباط الذي يدنو من اليأس، والأمل الوحيد هو ان تتناغم خطواتها مع الحركة في تنفيذ جوهر الاتفاق بما يحقق السلام والديمقراطية، وما لم تفعل فالارجح ان يفضي تعنتها الى نكسة تطيح بآخر آمال الشعب في مجرد المحافظة على كيان السودان أو ان يتدخل المجتمع الدولي لبسط وصايته المبطنة على السودان على نحو مكشوف.

صدقا وحقا ان حكومة الانقاذ قد تغير اسمها الى حكومة الوحدة الوطنية ولكنها كما يبدو ستظل في نظر غالبية اهل السودان الانقاذ لمتد على حد وصف احد الصحافيين السودانيين اللامعين في صحيفة الرأي العام يوم الخميس الماضي.






جنى