Post: #1
Title: الايديولوجية اليمينية الدينية الرائجة في الولايات المتحدة :الثالوث المقدس، الله الوطن والجيش
Author: Hatim Elhassan
Date: 08-06-2005, 05:53 PM
Quote: *فيليب س. غولوب Philip S. Golub
للمشاعر القومية وظائف مشابهة للدين ويقوم "سحرها على تحويل الصدفة الى مصير [1]". فطالما تبدت العلاقة بين القومية والدين في الولايات المتحدة من خلال فكرة العناية الالهية المتحكمة بالمصير والتي ينطبع بها الخطاب الياسي الاميركي. اما اليوم فقد حصل الاندماج الصريح بين الخطابين القومي والديني.
في مقال لم يلفت الانظار عند صدوره عام 1990، دعى صموئيل هانتنغتون المعروف باطروحته حول "صدام الحضارات" الى قيام "رابط قومي صلب يجمع غالبية المحافظين ويتميز بوضوح عن السياسة الخارجية الليبرالية متوجها الى مشاعر السواد الاعظم من الشعب الاميركي [2]".
يتمفصل هذا البرنامج الهادف الى مقاومة خطر التفكك الداخلي، حول وحدة غريبة بين الله والوطن والجيش. يرتكز فعل الايمان المحافظ على هذا الثالوث ويكتسب منه المعنى. انه نقيض الليبرالية والكوسموبوليتية المتمثلتين حتى في النخب المعولمة المافوق وطنية في اوساط الاعمال والتي ترفض الثالوث او على الاقل بعض عناصره.
الله:
"للتيار المحافظ جذور في الدين، خلافا لليبرالية. صحيح ان بعض الليبراليين دينيون لكنهم علمانيون في الغالب ان لم يكونوا ملحدين او لا أدريين. يمكن ان يشاطر بعض المحافظين من خط هيوم [3] هذه الآراء. لكن اذا كان صحيحا ان المحافظ قط يمارس الطقوس ام لا او ينتسب الى كنيسة ام لا، الا انه من الصعب ان تكون محافظا دون ان تكون دينيا. في الاجمال يؤمن المحافظون بالله وبما أن الاميركيين في غالبيتهم العظمى مسيحيين مع اقلية يهودية نافذة، فان إله المحافظين الاميركيين هو إله العهدين القديم والجديد. وفي أميركا اليوم، هناك تناغم بين الالتزام الديني والتوجه المحافظ في المعركة ضد العلمانية والمدرسة النسبية والليبرالية".
"الأمة":
"نظرا الى طبيعة العالم، فان المحافظون يضعون تفانيهم في سبيل بلادهم على نفس مرتبة تفانيهم في سبيل الله. فالوطنية فضيلة محافظة في الاساس، وهي أولى الفضائل المحافظة على الارجح. يدين المحافظون باكبر قدر من الولاء لبلادهم وقيمه وثقافته ومؤسساته. وخلافا لغالبية الليبراليين فهم لا يقيّمون المؤسسات الدولية بسبب دورها العام بل بقدر مساهمتها في تعزيز رفاهية الامة الاميركية فقط. ويحاول غير المحافظين تقبيح الهوية القومية باستبدالها بهويات ادنى، عرقية وعنصرية وجنسية وغيرها، او هويات مرتبطة بمؤسسات ومثل عليا تتجاوز القوميات (...) والليبراليون ينزعون الى اعادة النظر في شرعية الدولة القومية (...) ويأملون، كما قال ستروب تالبوت، ان الوقت سيأتي حيث "يتم تجاوز الامة كما نعرفها لتقوم سلطة عالمية وحيدة تقر بها جميع البلدان". وفي الاتجاه نفسه، يستنكر ريتشارد سينيت "وباء الهوية القومية المشتركة".
يؤكد صموئيل هنتنغتون: "لا يحتكر المثقفون الليبراليون المشاعر المناهضة للتوجه القومي، فهذه المشاعر موجودة ايضا داخل النخب في اوساط رجال الاعمال". ويشكو من ان شركة كبيرة واحدة فقط استجابت لرسالة بعث بها رالف نادر الى مدراء الشركات مطالبا اياهم بدعم "البلد الذي ربّاهم وبناهم ودعمهم ودافع عنهم" من خلال تلاوة فعل الولاء لجمعيات حاملي الاسهم السنوية.
الحرب:
"يعتبر التيار المحافظ النزاعات وحتى العنيفة منها جزءا من الطبيعة البشرية. هناك نزاعات مصالح حقيقية بين المجموعات والمجتمعات الاكبر. انها ليست نتيجة سؤ تفاهم او عيب في التواصل او قصر في النظر بل هي مترسخة في الطبيعة البشرية والمصلحة الخاصة والحرب من اجل الثروة والامن والسلطة. اذا كانت الامتيازات المتبادلة ممكنة الا ان هناك دائما خاسر ورابح في اي علاقة من العلاقات او ان هناك من يربح القليل او يخسر الكثير والعكس بالعكس (...) يميل الليبراليون الى الاعتقاد ان نهاية نزاع كبير قائم قد تعني نهاية كل النزاعات مما يفسر الغبطة التي غرقوا فيها عام 1918 و1945 و1989. بينما يعرف المحافظون ان نهاية أي أزمة ترسي قواعد نزاع جديد. ويعتقدون مع روبن فوكس ان "الحروب ليست مرضا يجب مداواته بل من طبيعة البشر العادية. وهي تأتي مما نحن عليه وليس بسبب ظروف تحدث لنا من وقت لآخر: (أي "التاريخ"). فالحرب كما الدين والدعارة اجوبة اساسية على مخاوف الانسان الاساسية وآماله".
لماذا شعر صموئيل هانتنغتون بالحاجة الى هذا التواصل القومي؟ "الثروة والقوة الاميركيتين في أوجهما. وهذا ليس حال الوحدة الوطنية والانصاف الاقتصادي والنقاوة الثقافية الاميركية. بالمعنى الاوسع، ان الهوية الاميركية مهددة بتعددية ثقافية تدكها من اسفل وبكوسموبوليتية تتآكلها من أعلى. تجاوز قسم كبير من النخب الاميركية الشعور الوطني ويمكن في المستقبل ان تلقى الولايات المتحدة تهديدا جديا من الصين او روسيا او الاسلام او حلف من البلدان المعادية. مهما يكن فان مصادر الخطر الراهن على الوحدة والثقافة والقوة الاميركية هي أكثر قربا. ويجدر ان تكون ردة فعل المحافظين التقليديين والجدد صنع تحالف وطني صلب".
هذا ما فعلوه ونتجت عنه الكوارث المعروفة.
--------------------------------------------------------------------------------
* استاذ في جامعة باريس الثامنة وصحافي.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] Benedict Anderson, Imagined Communities, Verso, Londres, 1993
[2] Sauel Huntington, “Robust Nationalism”, The National Interest, 1999. |
|
|