كان معنا باكستاني في قاعة المحاضرات!

بعد ثلاثة أيام تقريبا من بداية الكورس، دخل علينا شاب ذو ملامح هندية...أسمر و كثيف اللحية يستدل من علي كتفه شنطة أسود، كبيرة وتقيل....عمل مسح بنظره علي القاعة فإستقر رأيه علي أن يجلس بجواري ــــــــ في البداية كان الموضوع بالنسبة لي عادي جداَ. لكن مع مرور الأيام لاحظت أن الرجل كل ما ينوي فتح شنطته يلتفت يميناَ وشمالاَ، وفي عينيه نظرات مخيفة، ثم يستدير قليلاَ لزوم التغطية. مرت الأيام ومعها بدأت تتراكم شكوكي حول الرجل، وكان كل ما يلتقي عيني بعينيه شعر راسي تقوم، ويتهيأ لي أشياء كثيرة. ومن هنا بدأت أحس أنو القاعة اللي نحن فيها دي هي الحتة الوحيدة في كندا الي كلوكلو مافيها إجراءات أمنية مشددة.
الراجل دائما يجي متأخر، ودائماَ يختار يقعد جنبي ..مرة كنا في محاضرة بعنوان:Local Capacity Building for Peace "القدرات المحلية وبناء السلام"، تحدث الأستاذ الدكتور عن، كيف يجب علي القائمين بالتنمية في الدول النامية أن يراعوا ويستلهموا من القدرات والثقافات المحلية للسكان في العالم الثالث و أن يتسامحوا مع عاداتهم وتقاليدهم وإعتبارها مصدر إثراء وقوة دافعة للسلام والتنمية. احتدم النقاش بين الطلبة حول التسامح وطبيعة أو حدة التنافر بين بعض الثقافات في العالم الثالث. الراجل طواااااااااالي مسك من الحته دي،و قال بدهشة ممزوجة ببعض الغضب..كيف يكون التسامح وبعض الثقافات متنافرة تماماَ...في الهند مثلاَ، الهندوس بقدسوا البقر والمسلمين بياكلو البقر. عاينت ليهو بنظراته المخيفة دييك ثم عاينت لشنطته. اما الخواجات فكانوا في حيرة من أمرنا....قلت ليهو يامستر، أنا القدامك ده، عشيرتي هناك في السودان بقدسوا سعف بتاع شجرة دليب وبالتالي ممنوع علي أي فرد من العشيرة أن يعبث بها. في نفس الوقت، هنالك عشائر اخري تسكن نفس القرية، بيشرطوا السعف دي ويربطوا بيها حطب أو يبنوا بيها لواك..و ما سمعت يوم إنهم إتشاكلوا عشان السعف دي...تجي انت تقول لي بقر.. ما البقر عند الدينكا عندو قيمة قريبة من التقديس، لكن بناكل أبوه ذاتو. ومن دييك بقيت ما مرتاح في المحاضرة كلوكلو. والزاد طين بلة..واحد سوداني معانا قام وقال: مشكلة دارفور دي سببها المسلمين الشماليين لأنهم دايرين يأسلموا الفور الأفارقة....يا سلااااااااااااااااام...أخلاقي بقي في نخرتي. قلت للدكتور ياأستاذ...ياأستاذ... ياخي عليك الله ما تسمع........ ماتسمع....ما تسمع لغاوييج بتاع الراجل ده...الفور ديل بأسلموهم؟ يا راجل، هم ذاتم البأسلمو ناس ياخ.
والله مشكلة السوداني ده بالنسبة لي كان هين، أكيد بلقاهو بره بعدين... مشكلتي الهندي ده بشنطتو الأسود دي...خايف يفكر في الطلبة بدل بص. المهم بعد شهر وحاجة الكورس إنتهت وكل واحد شاف دبارتو.
بعد أيام وأنا ماشي الجامعة، لاقيت الباكستاني بشنطتو في المدخل...شافني ووقف ــــــ سلام عليك...أهلاَ وسهلاَ...وطوالي دخل في الموضوع بسؤال..قال سمع إنو ناس حركة تحرير السودان بقيادة قرنق هم الذين يقنلون المسلمين في دارفور ـــــ يا سلااااااااااااااام ــــــ عاينت لي شنطتو وقلت لنفسي...دي عملة تعملها فينا يا عبدالواحد محمد نور...يعني ما لقيت إسم تاني لحركتك دي؟ وبعدو قمت وشرحت للراجل طق..طق..طق..طق..طق نامين فهم....إنبسط...خليتو ومشيت
مرت الأيام، وكان خلاص نسيت الموضوع بالمره. في يوم من الأيام وأنا جاي داخل الشقة، شفت زول شايل شنطة وبينقر في باب الجيران. عاينت ليهو كويس ـــــ يـــــــا الله ـــ الباكستاني. وطوالي الراجل عرفني وقام خل باب الجيران وجاني عديل، يبدو الجماعة مافيشين في البيت، قلت ليهو أهلاَ... أدخل، ياريت لو كان بيعرف عربي عشان أقول ليهو اتفضل فيحتار وما يعرف..اتفضل أمشي ولا اتفضل أقعد. الراجل طلع لي خازوق بعد ميتين سنة من ما الترك غادروا السودان.
الشقة أصلو بتاع مكي محمد الحسن. وهو مسافر السودان، قال لي طالما تخليت عن شقتك وبتبحث عن شقة آخر، تعال أقعد في شقتي لغاية ما أجي من السودان. دخل الباكستاني الشقة وأول ما لفت إنتباه داخل الشقة، سور قرآنية وسبحة معلقات علي الحائط فسألني: أنت مسلم. ــــــ يا سلاااااام ــــ أنا خلاص بقيت ما بطيق الراجل أبو شنطة ده..خصوصاَ دقنو، كشرت شويه وقلت لنفسي ياخ بلاش مدنية وبلاش إدوكيت، حا أكون جنقاي دغري ونشوف آخرتو شنو، و قلت ليهو، بأعصاب باردة، لا... بيت أخوي مسلم... سافر السودان. قال لي طيب كنت بتدافع عن المسلمين ليه في المحاضرة. قلت ليه يا راجل أنا حر وبقول ما أراه صحيح، وداك كان رأي صحيح وقلتو، و ممكن أكررو ستين مره.
دخلت الحمام....جيت راجع لقيت الراجل قد زح من الشنطة وكان بيتأمل في السور القرآنية علي الحائط..قلت لنفسي هسه الراجل ده بيقرأ ولا بيشوف السور ديل ذي رسومات بس؟. المهم تطوعت وقلت ليهو دي سورة الإخلاص ودي سورة الفلق ودي يس ودي سورة الناس ودي....قاطعني وقال عارف. خليتو وقعدت.
بعد ما كمل فرجتو للسور، رجع وقعد جنب شنطتو ثم بدا يحتسي من الشربات التي قدمتها له لزوم الضيافة، اما أنا فكنت متابع الأخبار في التلفزيون. نظرت إليه شذرا فوجدته متابعاَ ايضاَ. كان الخبر الرئيس في قناة الـ سي.CNN هو مقتل الشاب البرازيلي تشارليس مينيزيس عن طريق الخطأ علي يد الشرطة البريطانية عقب تفجيرات لندن. نظرت خلسة للرجل مرة اخري..ويا لدهشتي، فقد بدا علي وجهة ملامح حزن عميق، ولو كان سودانيا لهز رأسه مستنكراَ. فالرجل خليط ثقافي ولكن المؤكد في شخصيته إنه مسلم.
تابعنا الأخبار برهة من الزمن حتي فاجأتنا الكمبيوتر باذآن المغرب، فإلتفت إلي الباكستاني مندهشاَ فاغراَ فاه حتي كاد أن يسقط فكه الأسفل ثم قال بلكنة لم أفهمها في البداية: Mawaeed Sala؟..أيوه موعد صلاة....معلم انت يا مكي، ربنا يخليك ويجيبك مع العروس بالسلامة.
في المدة التي قضيتها في شقة الأخ مكي محمد الحسن، وما زلت فيها حتي الآن، غالباَ ما أحس وكأنني في الخرطوم أو القاهرة. ففي كندا مستحيل تسمع صوت اذآن. وأنا نايم باليل أصحو علي اذآن الكمبيوتر وبالنهار أسمع الآذان أكثر من مرة. هم صاحبي الباكستاني في عجالة للوضوء فجهزت له مصلاية الأخ مكي ولما خرج من الحمام وصفت ليهو القبلة.....ما أنا كنت بشوف مكي وهو بيصلي في غرفتو.
بعد ان أتم الرجل صلاته جلسنا وتحادثنا كثيراَ عن الإرهاب وعن إبن لادن والزرقاوي ,ومن ثم دلفنا إلي عقبال أحمد ظناَ مني أنه باكستاني... وغيرهم وقد أكد لي صديقي الهندي، ان الإرهاب المتدثر بالإسلام قد أساء للإسلام والمسلمين، فقلت له، كما قال لي سابقاَ وبصدق وأمانة....عارف.
غادر صديقي الهندي مخلفاَ في رأسي مجموعة من الأسئلة. قلت يارب يعني لو كنت بوليس كندي مثلاَ ومعاي تعليمات مشددة بعدم التهاون Shot to kill . ثم يأتي هذا "الباكستاني" وهو في عجلة من أمره وقلت له: هيه يا أخينا ولم يسمع، ودخل القاعة التي أنا المسئول عن تأمينها........طبعاَ كنت سألحق به فأجده يهم علي فتح شنطته الأسود وفي يدي مسدس إنجليزي مؤمر وجاهزة، فيها أطناشر طلقة....كنت سأفضي منها ثمانية في رأس الـ"باكستاني أبو دقن" وسط فزع البنات والأولاد الخواجات فيعم الهرج والمرج.....جوطةفي جوطة، وييييييييك،واك ويييييييييك،واك.
مسكين تشارلس............الله يلعن الظن.

أبراهام مدوت باك دينق

انت جميل يا ابراهام وسردك ممتع ....

Quote: دي عملة تعملها فينا يا عبدالواحد محمد نور

ورطكم عديل كده
مرحب بيك يا ابراهام

ياأخي ناصر جامع: فهمني، هل انت صياد؟
المهم..أنا راعي بقر ومزارع.
أبراهام

ألأخ ابراهام دينق ..

قد استمتعت جدا لسردك قصتك مع زميل الدراسة الباكستانى ( الهندى ) ..

ومن هذه القصة الواقعية .. نتعلم ..

*** يجب على الانسان ألا يحكم بالمظاهر ***

لأنه فى بعض الأحايين قد تخدعك المظاهر ..

والى الأمام .. فنحن فى انتظار كتاباتكم الرقيقة ..

عمكم العجوز ..

أرنست أرجانوس جبران ..

شكراَ العم أرجانوس، لكن المظاهر أحياناَ خداعة.

شكراَ العم أرجانوس جبران
ومرة أخري لك ألف شكر.
المظاهر في عالمنا خادعة، لكن، الإعلام يا عم جبران.

سلاامت يا أبراهام، وشكرا على الكتابة الممتعة جدا..

حقيقة غاية من الروعة يا يا دينق وسرد اجمل من الجميل لكن عليك الله فهمت الهندي الفقرة ادناه كيف بالانجليزي

(أنا القدامك ده، عشيرتي هناك في السودان بقدسوا سعف بتاع شجرة دليب وبالتالي ممنوع علي أي فرد من العشيرة أن يعبث بها. في نفس الوقت، هنالك عشائر اخري تسكن نفس القرية، بيشرطوا السعف دي ويربطوا بيها حطب أو يبنوا بيها لواك..و ما سمعت يوم إنهم إتشاكلوا عشان السعف د)

مع تحياتي واشواقي

ما الإنجيزي يا أخي الأمين ما حقي ولا حقو، ولازم واحد مننا يفهم.

up

سلام للأخ ابراهام دينق ، وأحيى روحك الجميلة !

ست البنات .

ابرهام

سلاما مباركا عليك

استمتعت جدا بسردك الرائع

تراجي.

شكرا الأخ عبدالحميد، وألف شكر للإخوات ست لبنات و تراجي.
أبراهام