مصطفى أبوشرف :ذكرياتي مع أخوتنا في الجنوب

مصطفى أبوشرف :ذكرياتي مع أخوتنا في الجنوب


07-27-2005, 03:53 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1122432818&rn=1


Post: #1
Title: مصطفى أبوشرف :ذكرياتي مع أخوتنا في الجنوب
Author: Deng
Date: 07-27-2005, 03:53 AM
Parent: #0

ذكرياتي مع أخوتنا في الجنوب

بقلم: مصطفى أبوشرف

في الستينات شغلت عمادة كلية المعلمات بأمدرمان وجيىء بثلاثين طالبة من بنات الجنوب ليتدربن في الكلية ويصبحن معلمات وكنا «بعض المعلمات والمعلمين وأنا معهم» نرى أن يتفرقن في الداخليات ويندمجن مع اخواتهن الشماليات وما أردت أن أقرر هذا دون الرجوع لهن وطلبت من نائبة العميد المرحومة الاستاذة أم سلمة سعيد لتتحدث اليهن ويكون الاقتراح «لكن مطلق الحرية أن تقبلن أو ترفضن ما نعرضه عليكن - نحن نرى ريادة في تدريبكن أن تندمجن مع اخواتكن في الداخلية - هذا ما يساعد كل واحدة منكن أن يكون حديثها بالعربية - لا بالإنجليزية وبالإنجليزية إن أرادت ففي هذا فائدة للشماليات.. كان ردهن أن يُتركن وحدهن ليقررن». وبعثن لي بمندوبتهن وجاءت «كلارا» طالبة رزينة فاهمة واقترحت أن يكون هنالك النادي ليمضين الأمسيات فيه مع اخواتهن الشماليات ورحبت بالفكرة واتصلت بصديقي الدكتور محيي الدين مهدي وكان رئىس نادي الروتاري بالخرطوم فتبرع «بالتلفزيون» للكلية وكان حدثاً ضخماً أيامها مما جعلت «كلارا» على رئاسة النادي فطلبت أن نمدها بالجرائد المحلية وبالمجلات الإنجليزية وبعض الألعاب المنزلية وقد كان - ولما اجتمعنا لنقرر لمن يكون كأس الكلية لأحسن طالبة - كان بالإجماع لـ «كلارا» وقد كان!! أصدقكم أن التجربة أفادتني عندما نقلت الى جوبا - الرئاسة ككبير مفتشي التعليم وكان على رأس مكتب التعليم الأستاذ الكبير والمربي العظيم الاستاذ - سر الختم الخليفة وهو «ابن الدفعة» في كلية غردون وفي فصل واحد - وعظمة السر تتجلى في إنسانيته الغامرة لمن يعمل معه فقد كان ينزل من عربته في الصباح ليلتف حوله سائقو العربات والعمال ليسأل عن أحوال كل فرد منهم وليبادلهم «النكات» فإن سائقه «ديفوا» إن لم تخني الذاكرة وهما في علو شاهق في احدى الرحلات يسأله السر عن توقف العربة فيجاوب بكل براءة «البنزين» ويسأله السر ولماذا لم تستعد لذلك فيكون جوابه «مش كده؟» وكفى الله السائق شر السؤال!! يروي السر السائق هذه النكتة ليطالبهم بالحرص على البنزين والزيت وغيرهما ولا جزاء «لديفوا» غير السخرية من اخوانه ومنا ونحن كلما رأيناه نردد له «مش كده؟» ويبادلنا ديفوا ابتسامة فيها اعتذاره عما حدث!! وكان السر بعد وقفته مع العمال يمر بمكتب الكتبة والمحاسبين وبمكتب مفتش الرئاسة ثم بمكتبي ويقول سؤاله المعتاد - هل من جديد؟!.

أخي القاريء واختى القارئة:

نعم هنالك فكرة قد طرأت برأسي وهي تتلخص في أمر اللغة العربية فإذا كان الإنجليز يطلبون من أبناء جلدتهم أن يمتحنوا في العربي (Lower Exam) لحديثي التعيين والامتحان يتلخص في «الشفهي» عن الوظيفة التي يشغلها وعن المحادثة مع موظفيه وعن الجو وعن المعيشة وعن أسعار السوق إلخ.. وله الفرصة سنتان فقط وإذا ما انتقلنا الى الدرجات العليا يطالبون بالنجاح في العربي - كتابة وقراءة وفي «الإنشاء» في المواضيع التي تضمن ورقة الامتحان وفي المحادثة!! فلماذا «لا نطبق مثل هذا هنا؟ بل الإنجليز كانوا يطالبون الأطباء بمعرفة اللغة الجنوبية في المستشفيات التي يعملون بها ويمتحنون أيضاً!!.

وقبل الاقتراح توليت بنفسي التدريس للطبقة المتعلمة وكان في رأسي ما يتخوفون منه أن نبشر «بالإسلام» وكنت أترك الصفحة التي فيها السور مع الدهشة في وجوههم «دعوها فهي آيات من القرآن». أقبلوا على العربي بروح جميلة وكنا عندما نفرغ من الدرس أحملهم معي في «الكومر» لمنازلهم إن أرادوا أو معي في النادي وكنت أتشرف برئاسته وقد انضموا لتيم الكرة والباسكت فكانوا مع الأعضاء الشماليين عسلاً وسمناً - وقبلوا أن أدعوهم للفطور في عيد الأضحى ولا أنسى نكتة واحدة منهم وقد رآني ألتهم «صحن المرارة» «ما هو أنتو زينا تأكل اللحم النيء - من عارف لحم بني آدم ولكن في السر!» وودعت منهم حين نقلت وداعاً حاراً مع الصورة التذكارية!!

وعندما أسست مدرسة العروبة فتحت لهم «فصلاً خاصاً» بهم وتخرج منه من التحق بالحربية «عرفت أنه اليوم العقيد أو العميد» بجوبا والمعلم في كمبوني والكثيرين في السفارة الأمريكية وغيرها - وما انقطعت صلاتي بهم، فالفينة بعد الفينة أتشرف بهم في المنزل أو في مدرسة العروبة التي خرجتهم.

أخي القاريء لا أريد أن أطيل ولكني أقول إن العلاقات الإنسانية وحدها هي التي توطد العلاقات الطيبة لا مع الجنوبيين وحدهم بل حتى مع الشماليين بعضهم البعض.

أخي القاريء هذا المقال تحية مني للقائد الدكتور قرنق وهو لا يتحرج من احتضانه للشماليين من الصفوة الفاهمة من أمثال الدكتور منصور خالد والإبن السيد عرمان حفظه الله وزوجته الجنوبية وابنتيه منها فلنستل السخائم التي تدعو لها الوطنية الضيقة ولنؤمن أن السودان يسع للجميع شرقه وغربه وشماله وجنوبه بل لنزلائه الكرام من افريقيا عربها وعجمها ولا يفتخر أحد بأحد فقد قال رسولنا الكريم «كل من تحدث العربية فهو عربي» ومن منا في السودان من لا يتكلم العربية حتى ولو كان «عربي جوبا».

لا أريد أن اختم هذا المقال إلا بالإشادة بمولانا أبيل ألير المثل الأعلى الذي يُحتذى.

Post: #2
Title: Re: مصطفى أبوشرف :ذكرياتي مع أخوتنا في الجنوب
Author: msd
Date: 07-27-2005, 05:59 AM

up