مقال جدير بالمتابعة

مقال جدير بالمتابعة


05-29-2005, 02:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1117331743&rn=0


Post: #1
Title: مقال جدير بالمتابعة
Author: democracy
Date: 05-29-2005, 02:55 AM

حوارات الإسلاميين :
بقلم البروفيسور الطيب زين العابدين

سبق ان تحدثنا أن أكبر مكتسبات الحركة الإسلامية السودانية ليس هو إستلام السلطة في البلاد بل هو تربية عشرات الشباب الالاف من الشباب على قيم الدين وتصحيح مفاهيمه وتوعية الناس بضرورة التمسك باحكامه وبناء نهضة المجتمع على قواعده . فهؤلاء الشباب هم الذين جاءوا بحكومة الانقاذ وإستبسلوا جهاداً من أجل تمكينها . ولكن حتى ولو قبلنا مقولة أن إستلام السلطة في السودان كان أعظم مكتسبات الحركة الإسلامية ، هل يجوز ذلك ظلم الناس بالقتل والتعذيب والسجن والفصل من العمل والتجاوز في الترقيات وملء وظائف الدولة بالمحاسيب واهل الولاء وإنتهاك حرمات المال العام ؟ أي دين هذا الذي يسمح بإرتكاب تلك الموبقات من دعاته وانصاره؟ ليس هو الإسلام الذي يدخل إمرأة في النار لأنها حبست هرة لم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. أن الدولة الإسلامية لا تتميز بإستخراج البترول ولا برصف الطرق ولا بزيادة الجامعات ، وإن كان ذلك يصب في مصلحة المجتمع التي هي من مقاصد الدين ، لكن دولة الإسلام تتميز بإقامة العدل والقسط بين الناس كقيمة مطلقة هي هدف رسالات السماء جميعاً . (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط )) لا تفرقة بين عدو أو صديق (( ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى)) ويفخر المسلمون بنموذج الخلافة الراشدة ونموذج عمر بن عبد العزيز لا بسبب الإنجاذ المادي الذي حققوه ولا بالفتوحات الي زادوا بها رقعة الإسلام ولكن بالنموذج الأخلاقي العالي الذي ضربوه للناس في العدل والصدق والأمانة والزهد فكان ذلك النوذج سبباً في دخول المخالفين وأعداء الامس دين الله أفواجاَ . وثبت المسلمون الجدد في الشام ومصر وشمال أفريقيا والهند والأندلس على دينهم حتى بعد أن تغيرت موازين القوى في غير مصلحة المسلمين مما يؤكد أكذوبة أن الإسلام أنتشر بالسيف .
وأخشى أن أقول أن ضعف النوذج الإخلاقي في إدارة الدولة هو أخطر مساوئ الإنقاذ ليس فقط على الحركة الإسلامية ولكن على مستقبل الإسلام في السودان . ولنتذكر أن زوال الخلافة الإسلامية في تركيا في نهاية الربع الأول من القرن الماضي كان سببه الخطايا والموبقات التي أرتكبها المتأخرون من سلاطين أل عثمان ، مما أدى الى تنكر النخبة الحاكمة الجديدة ةللإسلام نفسه الذى بنى لهم دولة عظيمة إستمرت زهاء القرون الستة حمت خلالها أقطار العالم الإسلامي من الإستعمار وهددت ثغور أوربا من الشرق والجنوب . لو صدع علماء المسلمين في الدولة أنذاك بإدانة تلك الأخطاء والكبائر لما قامت ثورات ضد ظلم الخلافة إستبدادها في السودان واليمن والجزيرة العربية والشام ، ولما تنكر أبناء تركيا مهما أحاطت بهم المؤامرات للدين الذي جمعهم ووحد كلمتهم بعد شتات وبنى لهم مجداً بعد ان كانوا في الحضيض من الأمم . وهذا مايدعونا الى الجهر بكشف الاخطاء التي نظن انها تخالف قيم الدين ومبادئه لأننا نؤمن بان تبرئة الدين أهم عند الله من تبرئة الافراد و الحكومات ، ولتذهب عصبية التنظيم الى الجحيم ! ولعل في هذا إجابة لكاتب جريدة (الحياة) الذي إتهمنا بتتبع أخطاء الأنقاذ دون حسناتها . وقد فاته أن كلمة ((سمعنا)) التي وردت في المقال أستعملت مجازاً بمعنى شهدنا وعرفنا لا بمعنى قال فلان او علان ، وكنت أظن أن الخطايا التي أتحدث عنها هي من المعلوم لدى الكثيرين من أهل السودان ولا تحتاج الى دليل حتى نسأل عمن قال لك هذه او تلك من الأخطاء ، وهي معلومة بالضرورة لمن يمتهن العمل في (( اَمن المجتمع)) .
والسؤال المهم الذي يتعلق بالدولة في الإسلام هو : هل يجب على أي جماعة إسلامية تؤمن بإقامة أحكام الإسلام في الحياة العامة أن تفعل ذلك ولو قهراً ؟ أني أجد تناقضاً واضحاً بين إقامة احكام الدين وبين فعل ذلك قهراً ، فالدين يقوم على حرية الإختيار (( من شاء فيؤمن ومن شاء فليكفر)) وكل العقود في الدين ومن بينها عقد الخلافة تقوم على التراضي ، فالإكراه يبطل العقود إبتداء ولذلك عرف الإسلام البيعة الطوعية للحاكم منذ وفاة الرسول ((صلى الله عليه وسلم )) قبل ان تعرفها أمة من الأمم بأسم الديمقراطية او الليبرالية . وكان عتاب القراَن للرسول صلى الله عليه وسلم انه لن يهدى من أحب ولكن الله يهدى من يشاء لان مهمته تنتهي عند البلاغ وما على الرسول إلا البلاغ المبين . إن على الجماعة الإسلامية ان تبذل جهدها في إقامة الدين في مجالات الحياة المختلفة ومن بينها مجال الحياة العامة ولكن ان تفعل ذلك برضى المجتمع وقبوله ، وليست مسؤولة إذا رفض المجتمع دعوتها والأفراد ينالون جزاءهم بقدر إخلاصهم وجهدهم ولا يحاسبون بالنتائج ، وليس هناك حساب جماعي لأسرة أو عشيرة أو جماعة دينية ((كلكم اَتية يوم القيامة فرداَ)) . وإذا أضفنا الى ذلك إستحالة تطبيق قيم واحكام الإسلام قسراَ سقطت كل حجة في إستلام السلطة بالقوة دعك من التمسك بها بالقوة مما يعنى فشل النظام في طسب قلوب الناس . ةقد ضرب لنا الرسول صلي الله عليه وسلم المثل الاعلى حين أقام دولة المدينة بتراض من المهاجرين والأنصار واليهود والمشركين من العرب كما تشهد بذلك ((صحيفة المدينة)) .
أن أول بنود إحياء العمل الإسلامي هي التمسك بقيم الدين في الحياة ، والجماعة التي تستهين بتلك القيم من اجل السلطة والجاه ليست بجديرة بحمل لواء الدعوة ، فكل العبادات تقوم على تزكية النفس حتى يستقيم سلوكها ، ومن ام يضرب القدوة بسلوكه القويم لن تجد دعوته أذناً صاغية . وأحسب أن المثل الأخلاقي الذي ضربه الشيخ عبد الرحيم البرعي لدعوة الإسلام في السودان تفوق جاذبيته كل مافعلته حكومة الإنقاذ منذ ان جاءت الى الحكم الى يومنا هذا .

مقال أسبوعي للكاتب بجريدة السوداني ..........