رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات وإليكم

رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات وإليكم


05-04-2004, 01:56 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=8&msg=1083675366&rn=1


Post: #1
Title: رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات وإليكم
Author: أبنوسة
Date: 05-04-2004, 01:56 PM
Parent: #0

لم أسعد بقراءة هذه الرواية وأقرأ لهذا الكاتب، وإنما سعدت جداً بهذه المقالة النقدية التي تحتفي بالسرد، والتي تؤكد على قدرة الناقد وحرفيته أكثر مما تفصح عن روعة العمل الأدبي محل التشريح. ورأيت أن أهديها للأخوات عضوات البورد جميعاً دون فرز، وأخص زميلات المهنة رجاء ورفيقات الهم تماضر الأماني (الجندرية) وإشراقة مصطفى ويمنى قوتة وندا أمين وندا علي، والأخت منى عبدالحفيظ وأعتذر عن عدم ترحيبي بهذا الثلاثي وأحتفي بإنضمام أخريات كمريم الطيب وعبير خيري ولرواية وإلى جميع الأخوات بالبورد وأعتذر بشدة لمن فاتني ذكرهن.
ودعوني هنا أحيي الأخ العزيز أبو آمنة، والذي قد أخجلني ما هاله علي من إطراء آمل أن أستحقه في يوم من الأيام،وكما عودونا أماتنا ألا نرد أواني المواجبة خالية، فدعني أستعير هذه الدراسة لأهديك إياها، كما أهديها للأخ الصادق الرضي ذلك المبدع الباهر دوماً، وأحي عبره صديقتي الغالية إنتصار، وأقول ليها ربنا يتم على خير، وأوصيها بالصادق خيراً.
ولكم جميعا أهديها.

===========================================================================================
من خلال متابعتي لإبداع " محمد عبد الله الهادي" لاحظت ميله لكتابة الرواية القصيرة أو ما يسمى بـ " Novella" ، فمن بين خمس روايات أنجزها الكاتب ، نجد له أربع روايات تندرج بصورة واضحة تحت هذا النوع الأدبي ، أي الرواية القصيرة ، وهي علي الترتيب : " الأحلام تتداعى " ، " ضباب الفجر " ، " الدنيا سيرك كبير " ، " عصا أبنوس " .
ومن أسف أنني لم أطلع علي روايتي " الأحلام تتداعى " و " ضباب الفجر " لكي أقوم بموازنة موضوعية بين رواية اليوم وما سبقها من أعمال للكاتب ، ولذلك ستكون قراءتي للرواية في سياق نماذج الرواية القصيرة بوصفـها نوعاً أدبيـاً له سماته المتميزة وبنائه المستقر . إن أعمالاً مثل " العجوز والبحر لـ " أرنست همنجواي ، و " تونيو كروجر " و " الموت في فينسيا " لتوماس مان ، و " قنديل أم هاشم " ليحيى حقي ، و " يوم قتل الزعيم " لنجيب محفوظ ، و " أنا الملك جئت " لبهاء طاهر علي سبيل المثال لا الحصر ، تعد نماذج جيدة أو مثالية للرواية القصيرة في الأدبين العربي والأجنبي ، ولن أبالغ إذا أضفت رواية " عصا أبنوس ذات مقبض ذهبي " لهذه النماذج ، فهي تعد أيضاً نموذجاً جيداً لبناء الرواية القصيرة كما سنرى عبر التحليل النقدي ، وسيكون من المفيد أن أشير في عجالة إلي مفهوم الرواية القصيرة وخصائصها ، فهي من حيث الحجم تقع في منزلة وسطى بين الرواية الطويلة و القصة القصيرة ، ومن حيث البناء تجمع بين مقومات كل من الرواية والقصة القصيرة ، وهي في ذات الوقت يعد منطقة خصبة لتداخل الأنواع الأدبية : الرواية والقصة القصيرة والدراما . ومع تسليمنا بكل ما سبق نميل إلي القول أن للرواية القصيرة شعريتها الخاصة ، وهو ما يتفق والتحديد التالي للرواية القصيرة : " فهي ذلك العمل النثري الفني ، الذي يحقق التوازن الواعي بين الإيجاز الدقيق والتوسع المطلق " (1) .
ويمكن أن نجمل الخصائص الجوهرية العامة فيما يلي :
ـ فكرة جادة ثرية :
تعتمد عليها الرواية القصيرة وتتخذها محوراً تدور حوله بهدف مجابهة هذه الفكرة فنياً ، وبلورة كل أبعادها الظاهـرة والخفية ، وفقاً لنسق يتواءم وهذا الشكل الفـنِّي .

ـ وحدة انطباع كلي :
وهذه الوحدة يحققها كاتب الرواية القصيرة من خلال تركيزه علي أزمة واحدة لها ثراؤها وعمقها دون أن تستغرقه التفصيلات التي لا ضرورة لها في بناء العمل أو سير أحداثه ، وهو بالطبع يعتمد في ذلك علي ذكاء المتلقي وفطنته .

ـ الوصف الموجز :
فكاتب الرواية القصيرة يعتمد فعلاً علي الوصف الموجز الفاعل ويرفض تماماً تقديم الصور الوصفية " الاسكتش " هادفاً من وراء ذلك خلق الإيجاز الموظف ، وحتى لا يصاب العمل بالترهل .

ـ حرية استخدام الزمن :
فنجد أن كاتب الرواية القصيرة يتمتع حقاً بالحركة في امتداد زمني حر ، أكثر مما هو متاح لكاتب القصة القصيرة .

ـ اللغة الدالة المعبرة :
تمتاز الرواية القصيرة بلغتها الدالة المعبرة عن الموقف والأشخاص دون زيادة أو نقصان ، وقد تشكل اللغة في كثير من الروايات القصيرة جزءاً أساسياً في البناء الروائي ، وتدخل في إطار التجربة الإبداعية ذاتها .(2)
في إطار هذا المفهوم وتلك الخصائص يمكن دراسة رواية " عصا أبنوس " وذلك عبر العناصر التالية : المحتوى / الحبكة / الشخصية / اللغة .

أولاً : المحتوى :
ينطلق أي عمل سردي كيفما كان نوعه من فكرة أساسية تكمن خلف بنائه السردي ، فالراوي قبل أن يقوم بخلق شخصياته وأفعالها ومكان تواجدها وزمنها ينطلق من فكرة معينة يريد إبلاغها ، هذه الفكرة يمكن تسميتها علي غرار السيموطيقيين بالمحتوى ، أي محتوى الرسالة التي يريد الراوي إيصالها ، ونسمي هذا المحتوى العام بالوظيفة المركزية ، لأنها المراد الذي يوظف من أجله الراوي كل المكونات بقصد إيصاله إلي ذهن المتلقي ، بهذا المعنى يمكن اعتبار الوظيفة المركزية بمثابة الصورة المجردة التي يسعى الراوي ألي تحقيقها باعتماد مختلف الصور الملموسة ( شخصيات / أفعال / زمان / مكان ) (3) .
وهذه الوظيفة المركزية المتحكمة في بناء العمل الروائي هو ما نسميه نحن بالفكرة الجادة في الرواية القصيرة أو المحتوى الرئيسي . في " عصا أبنوس " يمكن تحديد الوظيفة المركزية في الجملة الخبرية التالية : إبراهيم العثماني يعود من الخليج إلي جزيرة مطاوع محملاً بالخيبة ، ومن ثم فشل فكرة الهجرة إلي الخليج .
إن عودة إبراهيم إلي جزيرة مطاوع دون أن يحق حلمه في الثراء المادي ، وفشله في البقاء في بلاد النفط يتبدى في كثير من أجزاء الرواية سواء علي لسان الراوي أو الشخوص المشاركة في الحدث ، بل في أفعال إبراهيم وكلامه أيضاً ، فإبراهيم عندما يركب الحافلة من فاقوس يحرص علي إخفاء نفسه ، فهو لا يريد أن يراه أحد ، يقول الراوي :
" صعـد من الباب الخلفي وهو يتمنى ألاَّ يراه أحد يعرفه كي لا يسأله بحكم العادة عن سبب عودته الآن ، ماذا يكون جوابه ؟ " (4) ، ويختار المقعد الأخير مخفياً وجهه : " اختار المقعد الأخير ، وضع حقيبته بجواره ، جلس منزلقا إلي الأمام حتى يخفي وجهه خلف مسند المقعـد الأمامي عن الآخرين . (5) فإخفاء الوجه تعبير طبيعي ومناسب للإحساس بالفشل ، إن الفشل أو جدوى الهجرة لا يتبدى في الرواية في عودة إبراهيم فقط ، ولكن يتمثل أيضاً يصورة واضحة ودالة دلالة رمزية بعيدة المعنى في قتل " آدم " ، ذلك الشامي علي الخازوق ، وهو الفعل الذي سبب صدمة كبرى لإبراهيم المثالي ، فكان قرار العودة ، فالخازوق لم يلبسه " آدم " وحده ، بل لبسه كل من هاجر إلي بلاد النفط ، حتى " عطية " نفسه ، علي الرغم من نجاحه في تحقيق الثراء ، لقد بس عطية الخازوق عندما ترك زوجة شابة تسير علي حل شعرها في القرية مما أدَّى في النهاية إلي قتلها ، أما الخازوق الذي لبسه " آدم " ولبسه معظم شخوص الرواية فهو من الأبنوس الخالص والذهب رمز الثراء والنجاح ، يقول الراوي في سخرية لاذعة : " وخازوق اليوم طبقاً لنظرية التطوُّر غير خازوق الأمـس . خازوق اليوم بلا ريب هو الأفضل والقيِّـم والأغلى ثمناً : خازوق من الأبنوس الخالص والمقبض من الذهب الحـر .. هنيئاً لك يا " آدم " .(6)
إن هذه الفكرة المركزية التي تنطلق منها الرواية ، أي عدم جدوى الهجرة لا ينعكس تأثيرها علي الشخوص الفاعلة بشكل مباشر في البناء السردي ، بل يتعدى تأثيرها إلي باقي الشخوص الثانوية في العمل كـ " عمران " أبي عطية والحاج "صالح العثماني " وأبنائه الآخرين و " رتيبة " أم إبراهيم أيضاً .

ثانياً : الحبكة :
" كثيراً ما يقال أن الرواية القصيرة تقدم أحداثاً متماسكة بطريقة منطقية " (7) ، أي تعتمد في بنائها علي حبكة قوية إذا جاز التعبير ، ومع ذلك يجب التأكيد علي أنه يجب أن تتلاءم هذه الحبكة مع المادة الروائية المستخدمة ، والمحتوى الكامن خلف هذه المادة ، وكاتبنا في " عصا أبنوس " يقدم لنا أحداثاً متماسكة بطريفقة منطقية .
إن الحبكة في الرواية هنا تقوم علي بناء الرحلة ، وهي رحلة ذات بعدين ، الأول هو بعـد خارجي وهو قصير جداً ، لا يستغرق سوى ركوب الحافلة من فاقوس إلي جزيرة مطاوع ، والبعد الثاني داخلي يتمثل في رحلة طويلة عبر ذات الشخصية الرئيسية إبراهيم العثماني ، إنها رحلة كاح شريفة عبر المدرسة والغيط والعمل في وزارة الزراعة والزواج من ابنة رجل غني ، ثم السفر الي الخليج الذي كان يجب أن يكون تتويجاً لرحلة النجاح ، لكن العقبة الكؤود في هذا السفر .
إن بناء الرواية باتخاذه شكل الرحلة ، يبدو متماسكاً ومنطقياً وقوياً في ذات الوقت ، فعبرهذه الرحلة القصيرة داخل الحافلة من فاقوس إلي جزيرة مطاوع ، بين لحظات الصحو والإغفاء ، بين لحظات الواقع والحلم ، نغوص داخل الشخصية ، ل معظم الشخوص في الرواية بواسطة راوٍ عليم ، لكن من خلال رؤية ذاتية ، هي رؤية إبراهيم العثماني .
إن ذروة الحدث في هذا البناء تتحقق بوصول إبراهيم إلي جزيرة مطاوع ، حيث يتجسد فشل الرحلة ، العودة دون تحقيق الحلم في الثراء ، يتجسد هذا الفشل بصورة مأساوية في قتل " آمال " زوجة " عطية " : "عندما وصل للـدار ، وجدهم يتزاحمون علي باب " عمران " . تنهَّـد ، توقَّـف ، التـقط أنفاسه المبعثـرة تحت قدمـيه ، وراح يشق لنفسه طريقاً بين الأجسـاد المتزاحمة .. ، كانت المصيبة مجسَّمةً علي أرضية الصالة : " آمـال " زوجة " عطيَّة " ملقـاة أرضاً وسط بركة صغيرة من الدماء ، مبعـثرة الأعضاء ، مشجـوجة الرأس ، يقف أخوها بجوارها ممسكاً بالفـأس الثقـيلة الملوثة بالدماء " .(
ثم تنتهي الرحلة والرواية معاً بسؤال من " عمران " إلي " إبراهيم العثماني " ، وكأنه المسئول الرئيسي عن كل ما حدث : " فين عطيَّة يا أستاذ ؟ .. فين عطيَّة ؟ .. يرضيك كـده ؟ " . هل هو بالفعل خطأ إبراهيم ، وأنه يتحمل المسئولية وتبعة ما جرى لأنه ترك بلده / وطنه وهاجر ؟ ، ربما .

ثالثاً : الشخصية :
تبدو الرواية القصيرة طبقاً لتصنيف " أدوين موير " في كتابه بناء الرواية لأنواع الرواية ، أقرب إلي ما أسماه بالرواية الدرامية ، يقول " موير " : " وفي هذا القسم تختفي الهوة بين الشخصيات والحبكة ، فليست الشخصيات فيها جزءاً من آلية الحبكة ولا الحبكة مجرد إطار بدائي يحيط بالشخصيات ، بل تلتحم علي العكس كلتاهما معاً في نسيج لا ينفصم " (9) .
وفي " عصا أبنوس " لمحمد عبد الله الهادي تلتحم الشخصية الرئيسية بالحبكة ، فكل الأفعاال وردودها تصدر عنها تقريباً ، إننا كما أشرنا في الفقرة السابقة تأخذ الحبكة بناء الرحلة ، إن الصدام الدرامي بين الشخصية وهي هنا إبراهيم لا يتم بصورة مباشرة ، إنما الصدام الحقيقي يكون مع الواقع ككل ، الواقع الخارجي سواء في الخارج ( بلاد النفط ) أم في مصر ( جزيرة مطاوع ) ، وعندما يذهب إبراهيم إلي الخليج يكتشف قبح المكان ووحشيته ، ثم يكتشف زيف المؤسسة التي يعمل بها ، حيث تتخذ الدين شعاراً ، في حين يكون سلوكها أبعد ما يكون عن الدين ، و" عطية " صاحب الفضل عليه يجده قبيحاً أيضاً ، إذ يكاد يكون علي علم بما تفعله زوجته في جزيرة مطاوع . أما الطامة الكبرى فتكون برؤيته لفعل الخوزقة لآدم الشامي ، ذلك الإنسان الذي استطاع أن يقف في وجه الشر والقبح بجرأةٍ وتحد ، ولكن كانت نهايته ٍمأساة حقيقية ، إن "آدم " وجه العملة المقابل لإبراهيم ، لكن آدم مات أو استشهد وإبراهيم باقٍ ليعاني لعنة الواقع ، لذلك فلن نبالغ إذا قلنا أن شخصية إبراهيم مثل الشخصيات التراجيدية في المآسي التراجيدية في المسرح ، يهرب إبراهيم من هذا القبح ، ولكنه في النهاية يواجه من قبل عمران أبي عطية ، الذي كان أوصاه قبل سفره أن يقنع عطية بالعودة ليكبح جماح زوجته ، أو ليسكت الشر المسيطر عليها ، لكن إبراهيم يفشل في إقناعه العودة ، ثم يعود هو ومع ذلك يشعر بالفشل ، يظهر ذلك بوضوح وهو راكب الحافلة إذ يخشى أن يراه أحد من أهل الجزيرة .
لذلك كان المؤلف واعياً ، هو يوجه اللوم لإبراهيم علي لسان عمران في السطر الأخير من الرواية بقوله : " يرضيك كده ؟ " .
اعتمد المؤلف في تصوير الشخصيات الريئسية علي فيض الوعي الداخلي للشخصية عبر صوت راوٍ عليم يتداخل مع صوت الشخصية . أما بقية الشخصيات فكان يعتمد بصورة أكبر علي التصوير الخارجي ، بذكر ملمح خارجي أو أكثر للشخصية ، تصويره لشخصية الأوسطى " عبد البديع " علي سبيل المثال . والواقع أن تقنية الرحلة كبناء للرواية كان له الأثر الأكبر في اعتماد المؤلف علي لتصوير الداخلي للشخصيات ، كما أن هذا النوع من الرواية لا يحتمل اللجوء بكثرة إلي الوصف الخارجي للشخوص .

رابعاً : اللغة :
لاشك أن اللغة تشكل عنصراً أساسياً في العمل الأدبي ، وفي " عصا أبنوس " ستلعب اللغة دوراً مهماً في توصيل المحتوى الذي أشرنا إليه في البداية ، وإذا كان البحث في لغة العمل الأدبي مرتبط بعناصر العمل الأخرى ، غير أن الحديث عن اللغة هنا لن يكون إلاَّ من خلال الأسلوب السردىي في عناصره المتنوعة من سرد ووصف وحوار .
يبدأ " محمد عبد الله الهادي " الرواية بجمل خبرية تقريرية ، أقل ما توصف به هو الحدة ، يقول : " لم يصرخ ولم يطلب النجدة .
لم تذرف عيناه ، آنئـذ ، دمعةً واحدةً .
من ذا الذي سوف يسمعه في هذه البلاد ، ومن ذا الذي سوف يغيثه ؟ .
لم يركب قدميه ويفر بهما هارباً كجمل غضُوب " (10)
سنلاحظ أن الجملتين الثالثة والرابعة جاءتا في صورة استفهام ، لكنه استفهام غرضه النفي أيضاً ، مثل الجملتين السابقتين عليه .
إن النفي هنا بصوره المختلفة لن يكون إلاَّ مقدمة لاتخاذ موقف ، هو العودة إلي مصر تاركاً هذا الواقع القبيح ، ومسجلاً موقفاً أيدولوجياً وإن كان بشكل غير مباشر من الهجرة إلي بلاد النفط .
يعتمد المؤلف في لغة السرد علي الجمل القصيرة لتراكم التفاصيل الكثيرة مجسداً المشهد الروائي أمامنا ، بينما في الحوار يلجأ إلي اللهجة العامية سواء أكانت مصرية أم خليجية حسب الشخصية المتكلمة ، فنقرأ علي لسان الأم " أم الشيخ " بعد خوزقة " آدم " ، سؤالها :
ـ " ليش يا وليدي .. ليش ؟ " .
وفي حوارها مع حفيدها ، نقرأ :
" غيتينا يا جدّه .. خوزقـوه يا جدَّتي " .
ارتعـش صوتها الرفيـع أكثر بسـؤال آخر :
" إيـش تقول يا ولـد ولـدي ؟ " .
" خوزقـوه يا جدّتي مثل سليمـان الحلبي " .
" الحلبي ؟ .. إيش الحلبي هذا ؟ " .(11)
إن هذا الحوار لا يكشف فقط عن توافق لغة الحوار مع الشخصية ، ولكنه أيضاً يحمل بعداً آخر ، هو إدانة الجدَّة وابنها الذي خوزق " آدم " ، فهي لا تعرف من " سليمان الحلبي " ، وبالتالي لا تفهم معنى التضحية ، ومعنى حب الوطن ، ومعنى الوطن الذي جاء من أجله كل من " آدم " و " إبراهيم العثماني " و " عطية " ، إنهم يدافعون عن الوطن أو يضحون من أجله مثلهم مثل سليمان الحلبي .
ولقد وظَّف محمد عبد الله الهادي اللهجة العامية في الرواية بشكل ممتاز ، فإلي جانب ملاءمة اللهجة للشخصية ، نجد أن العبارة العامية يمكن أن تحمل بدلالات وشحنات عاطفية ، وتختتم الرواية بجملة عامية علي لسان عمران والد عطية :
" فين عطيَّة يا أستاذ ؟ .. فين عطيَّة ؟ .. يرضيك كـده ؟ " .
فهذه العبارة بقدر ما تحمل من ألم وعتاب ، تحمل أيضاً إدانة إلي إبراهيم العثماني الذي ترك عطية وعاد من غيره .
إلي جانب استخدام اللغة العامية في الحوار ، نجد محمد عبد الله الهادي يطعم السردببعض الأمثال العامية ، مثل قول الأم لإبراهيم :
ـ " أنت عاوز دار مبنية وعروسة مخبية يا بني " (12)
وعلي لسان الراوي : " كان إبراهيم يؤمن بالمثل الشعبي ( جع سنة تشبع العمر كله )(13)
ومثل هذه الأمثال تساعد علي وجود تنوع أسلوبي في السرد من شأنه أن ينشط ذاكرة المتلقي ويؤجج وعيه .
بقي أن أشير في نهاية هذه القراءة لرواية " عصا أبنوس ذات مقبض ذهبي " لمحمد عبد الله الهادي أن ثمة مأخذاً واحداً يمكن أن نأخذه علي المؤلف ، وهو طغيان صوت المؤلف علي صوت الراوي العليم في بعض الأحيان .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* عصا أبنوس ذات مقبض ذهبي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب . سلسلة كتاب الاتحاد ـ 2003م .

هوامش :
ــــ
(1) حسن الجوخ : الرواية القصيرة .. أراء في تحديد المصطلح ، مجلة إبداع ، ع2 ديسمبر 1992 ، ص13 .
(2) حسن الجوخ : المرجع نفسه ، ص15 .
(3) سعيد يقطين : قال الراوي ـ المركز الثقافي العربي ـ الدار البيضاء وبيروت ـ ط1 " 1997" ص 35 .
(4) الرواية ص 10 .
(5) الرواية ص 11 .
(6) الرواية ص 106 .
(7) أيان رايد ، القصة القصيرة ، ترجمة منى مؤنس ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1991 ، ص51 .
( الرواية ص 114.
(9) أدوين موير ، بناء الرواية ، ترجمة إبراهيم الصيرفي ، المؤسسة العامة للتأليف والأنباء والنشر ، القاهرة ، د.ت ص 37 .
(10) الرواية ص 5 .
(11) الرواية ص 4 .
(12) الرواية ص 46 .
(13) الرواية ص 51 .

Post: #2
Title: Re: رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات و
Author: nassar elhaj
Date: 05-04-2004, 05:34 PM

نعم قراءة جميلة يا ابنوسة
وتحركت لتغطي عدة مفاهيم وأجواء تسهم في اضاءة الأرضية
التي اعتمد عليها الناقد في تناوله للرواية
لكن يا ابنوسة لم أجد اي اشارة لاسم كاتب
الدراسة النقدية المرفقة " أم انا غلطان "، خاصة
وانت تشيري انها ليست لك.

Post: #3
Title: Re: رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات و
Author: الجندرية
Date: 05-05-2004, 09:01 PM

ابنوستنا الجميلة
الف شكر على جلب الروائع
ربنا ما يحرمنا من عطاياك

في انتظار عودتك وردك على الاخ نصار

Post: #4
Title: Re: رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات و
Author: Nada Amin
Date: 05-07-2004, 08:44 PM

أبنوسة الألق و الأدب الرفيع
شكرا على الاهداء و تسلمي

Post: #5
Title: Re: رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات و
Author: nada ali
Date: 05-08-2004, 09:13 AM
Parent: #4

العزيزة ابنوسة،

من الروايات القصيرة
Novellas
التى اعجبتنى لدرجة غير محدودة رواية السيميائى
The Alchemist
لباولو كويلهو، و التى ترجمها بهاء طاهر للعربية بعنوان ساحر الصحراء. فى مقدمة الترجمة العربية اشار بهاء طاهر للقواسم المشتركة بين رواية السيميائى و قصته أنا الملك جئت.

لك الشكر على اقتسامك معنا هذا العرض و التحليل، جعلنى متشوقة لقراءة رواية "عصا أبنوس ذات مقبض ذهبي"، و شكرا لكرم الاهداء.

Post: #6
Title: Re: رواية "عصا الأبنوس" لمحمد عبدالله الهادي إلى جميع الجندريات و
Author: أبنوسة
Date: 05-08-2004, 03:58 PM
Parent: #5

الأخ العزيز والمبدع نصار الحاج
الأخوات الجميلات "الأماني السندسية" الجندرية والنداتين التي أعز الله بهن البورد والجندريات "ندا أمين وندا علي" شكرا على تشريفي وتسلمن على حروفكن الندية.

إسم كاتب المقال :د . محمد عبد الحليم غنيم
,اعتذر عن عدم نشره في البداية.