افيون المثقفين محمود الدقم/جزيرة رودوس/اليونان

السورياليات القاتمة التي تغطي فضاءات المشهد الثقافي والسياسي بالسودان تجعل المرء يستدعي من ذاكرة المناقشات الثقافية القريبة منها والبعيدة سؤال مازال عالقا في الذاكرة الفكرية يحمل عنوان ما هو دور المثقف حيال مجتمعه؟ واذا عدنا بعقارب الساعة الى الوراء القرن الخامس عشر حيث قمة التوتر بين الكنسية الكاثولكية الاوروبية التي توسدت النص الانجيلي منادية بضرورة الحفاظ على القيم وبين حركة الاصلاح الثقافي التنويري الذي توسد المطابع التي اكشتفت لتوها والداعي الى تحديث المجتمع واحداث عملية النقلة من ذاكرة الرهبنة للكاهن واعمال العقل ليتوافق مع النص في شكل حوار جدلي بناء وصولا لاستصدار بيان حق تقرير المصير للمثقف عن سلطة الكنسية الابوية في هذه الاستدعاءة نقراء ان الكنسية عمدت الى تحجيم سلطة المثقف باتخاذ خطوات محددة للحيلولة دون العملية البنائية لحركة المثقف اهم هذه الاجراءات مثلا قامت الكنيسة بحظر عنواين مؤلفات ثقافية وفكرية وحظر اسماء المؤلفين من المشاركة في اي نشاط ثقافي بحجة المحافظة على بنية الكنيسة ثم استقطب الرهبان بعض انصاف المثقفين لخندقها مثل جيان بتيرو كارافا وزادت الكنيسة من عدائها لحركة التنوير الثقافي بان انشئت محاكم التفتيش الرومانية عام ????م ونصب كارافا رئيسا لهذه المحاكم مع سلطات واسعة

هذه الاجراءات التعسفية ادت بدورها لتقهقر الحركة الثقافية الايطالية التي القت بظلالها السالبة على تقيد الانفتاح المنشود براي المفكر الايطالي غويدو داليوليو لكن في خاتمة المطاف وبالمثابرة والصبر والحنكة تمكنت الحركة الثقافية الايطالية بصفتها المتحدثة الرسمية شفهيا باسم المثقفين من انتزاع حقها من انياب الكنيسة الكاثولكية وذلك عام ????م.

وبالعودة للسؤال الاساسي عن دور المثقف حيال مجتمعه برزت عدة نظريات ناقشت الاشكالية فثمة من يري ان المققف هو الوسيط الحضاري بين الحمولة التاريخية التراكيمة الذاكرة الجماعية من جهة ومنتوج القائد- الحزب الحاكم- السلطة الحاكمة...الخ من جهة اخرى هذا القائد السياسي الذي يؤسس لعملية النهضة بصفته حاكما مع الاخذ بعين الاعتبار الدور الحقيفي للمثقف كشريك ايضا في العملية النهضوية عبر التراكم الثقافي التاريخي كارشيف للمثقف وهنالك راي ثالث يري ان دور المثقف هو محاسبة السياسي عبر تقديم كشف حساب يقوم به الاول للثاني عبر مؤسسات المجتمع المدني الحر في مسارات عملية ادارة الدولة المثقف هنا يراهن على الادوات المتاحة للتعبير مسرح.... رسم او تشكيل... رواية... قص... شعر....غناء ... الخ.

غير ان الاشكالية هنا تكمن في وجود المثقف المؤدلج حزبيا ودوره الفعلي وظيفة من هو حمال الهم الثقافي؟ المثقف السياسي ام السياسي المثقف؟ يمكننا ان نتسدعي من ذاكرة التاريخ ايضا المناكفات النقاشية الساخنة التي دارت بين الفيلسوف جون بول سارتر يساري فرنسي مع مواطنه اليميني فان ريمون ارون اثناء فترة الحرب الباردة فالاول كان يرى ان دور المثقف يكمن في كونه كاهن الامة وضميرها الناطق باسمها بينما مواطنه ارون كان يرى دور المثقف وخصوصا الحزبي لا يمكن ان يكون حجة بل هو رئيس تبرير لمشاريع حزبه السياسية وبالتالي دوره هنا سيكون غامضا وراى ريمون ان الدور الحقيقي للمثقف هو كشف الحقيقة المجردة الحقيفة فقط خارج الحزبي والف كتاب افيون المثقفين متحديا سارتر

الان نحن بالسودان السؤال مازال ماثلا بقوة ما هو دور المثقف بالداخل او الخارج تجاه جملة قضايا واستحقاقات مخيفة للحظة الانية مثل فزاعة الهوية... السحت السياسي... مع قناعتي انه لا توجد احزاب سياسية سودانية اسلامية بالمعنى التراثي للكلمة او علمانية تنادي بالديمقراطية الليبرالية او غيرها من اشكال الديمقراطيات... ما هو موقف المثقفين تجاه ما يحدث في درافوروكردفان الجنوب والشرق والشمال والوسط؟ ما هو البيان الذي انجزته الانتجلنسيا السودانية منذ خروج المستعمر البريطاني ؟ كلنا مسؤولين وكيفما تكونوا يولى عليكم.