Post: #1
Title: ناديت فلم يجبني أحــــــــــــد
Author: ودقاسم
Date: 01-18-2004, 10:09 PM
تل صغير تكوّم أمام باب تلك الدار ، قبل سنوات عديدة كنت أزور هذه الناحية ، أتنسم عليل هوائها ، وأنعم بطيبة أهلها ، وأغازل حسانها . هناك كانت تقف شجرة خضراء يجلس تحت ظلها أناس كثيرون ، ، في الضحى كانت تلك الشجرة تتحول إلى سوق كبير يباع فيه كل شيء يحتاجه الأطفال ، وبعض ما يحتاجه الكبار . وفي العصر تتحول إلى ورشة عمل تحاك فيها المناديل والطواقي ، وتنسج فيها العناقريب ، وتعقد فيها شباك الصيد . وفي الليل تنام إلى جذعها المواشي ، وتهرش عليه الحمير جلودها السميكة . هذا التل الصغير لم يكن هنا ، أذكر أن تلا آخر كبيرا كان هناك ، في البعيد ، يزوره الأطفال مساء تحت ضوء القمر ، فوق رمال ذاك التل يلعبون ويرسمون ويشيدون ، مبان ، وآمالا ، ويصنعون قصص الحب . وهناك يختزنون ذكرياتهم تحت حبات الرمل . ذاك التل الكبير الذي كان هناك في البعيد ، لا أراه الآن ، لأنه لم يعد هناك . أتراه ارتحل أيضا مثلما ارتحلت أنا ، وغاب ولم يعد . أتري هؤلاء الذين نهشوا كل لحم ونخروا كل عظم لم يعجزهم أيضا أن ينهشوا ذاك التل . سمعت مرة أن ذاك التل الكبير قد تعرض لحالة نزاع . طرفان اختصما على ملكيته ، كل واحد منهما ادعاه لنفسه ، وهو في الأصل لم يكن ملكا لأحد منهما . كان ذاك التل ملكا للأطفال ، ومرتعا لهم ، يهاجرون إليه ليلا ، ويبقى طيلة النهار لا يحرسه إلا حر الرمل ، وسموم الريح اللافح . سألتني تلك الصبية الغريبة اللسان ، وهي تقف بجواري حتى كادت تلامسني ، فهي مني لحما ودما ، خرجت من بين صلبي وترائبي ، سألتني سؤالا حائرا . تجاهلته أول الأمر وأنا أحاول استعادة خارطة تلك الناحية ، لكني فجأة تذكرت أمرا جللا . هنا أيضا كانت تعيش صبية أخرى ، شبيهة بهذه الواقفة بجواري ، لكنها لم تكن مثلها غريبة اللسان ، ولم يكن السموم يستطيع أن يلفح وجهها ، ولا تستطيع الأتربة ان تدخل إلى عينيها . هذه غير تلك ، بالرغم من أن هذه خرجت من تلك . تلك التي عاشت صباها هنا تركتها هناك في بلاد بعيدة ، واريتها الثرى ذات ليلة باردة لفحني بردها كما يلفح سموم هذه الناحية وجه ابنتها التي لم تورثها لسانا ولم تورثها عادة . الصبية الغريبة اللسان قالت متسائلة بلسانها الغريب : يبدو أنه لم يمر أحد من هنا منذ عدة سنين ، هل أنت واثق من أنك وصلت أرضا تعرفها ؟ شرعت ألتفت ذات اليمين وذات الشمال ، استدعيت الشرق ، وأتاني الغرب ، وغصت داخل عينيها . كانتا سوداوان غاية السواد ، ولون وجهها الكاكاوي يزيدهما عمقا فيطغى سوادهما على بياضهما . هكذا كانت أمها ، تتشح بالسواد ، وتحتفي به ، تتمدد أمامي عارية سوداء ، تحرك عينيها السوداوين في كل اتجاهاتي ، تستجيب لكل حواسي ، تراقصني تماما كما كنا نتراقص فوق رمال ذاك التل ، لكنها لم تثمر إلا تلك الفتاة الغريبة اللسان . جاءتني صورتها سوداء في عزّ النهار ، فامتزجت بالصبية الغريبة اللسان، وحدثتني بلسانها الذي أعرفه . تناهى إليّ أنينها ذاك الذي كانت تزفر تحت وهج الغربة ، تقول لي بوضوح : ألا يكفيك أن أكون ملاذا لك ؟ ألست لباسا لك ؟ لماذا تحاول الهرب مني إلى غيري ؟ تمطرني بوابل من الأسئلة ، نفس الأسئلة التي كانت تتوالى عليّ وأنا هناك . أخذت منها كل الدفء الذي اكتنزته لي في جسدها . منحتني دفئها ، وماتت من شدة البرد . ومع أنفاسها الأخيرة رددت الشهادتين ووهبتني تلك الفتاة الغريبة اللسان . الشمس الوهاجة تتجه غربا ، حيث كان التل هناك ، يمنحنا إحساسا كاذبا بان الشمس توارت وراء الأفق ، لكن الأطفال كانوا يسخرون من الكبار حين يسمعون النداء يتعالى مبكرا . والشجرة كانت تظل من يجلس هنا . التل الصغير الرابض أمام الباب لا يحجبنا عن مغيب الشمس ، والشجرة لم تعد هناك لتظل من يجلس تحتها ، والصمت يحيط بالمكان . ناديت بأعلى صوتي فلم يجبني أحد ، ولم يرتد إليّ صدى صوتي ، فالتل ليس واقفا مكانه ليرد الصوت ، والفتاة غريبة اللسان تسد أذنيها من شدة صراخي ،، المكان كله تلفه الكآبة، وأنا أخشى الليل ، والقمر هنا لم يعد يضيء . هناك فهمت أن لا أحد هنا ، حتى القمر غادر ، فقط هذا التل الصغير يحرس ذاك الباب ، ويمنع الفضوليين مثلي ، ويمنع الصبايا غريبات اللسان من الولوج إلى عمق المأساة ، وشمس الظهيرة الحارقة تلهب السموم وتصبها فوق وجوههن . الكاميرا التي ورثناها من تلك التي واريناها الثرى البارد لا تعمل هنا ، السموم الساخن أيضا يلفح وجه الكاميرا كما يلفح وجوهنا ، فنعود أدراجنا ، ونحن نجد أننا أكثر احتمالا على إزالة كومة الرمل التي تحرس الباب ، لكن الرمل يثور ويدخل إلى أعماق أعيننا ، فيأخذنا الطوفان نفسه ، ذاك الذي أخذ التل الكبير ، وراح به بعيدا ... بعيدا .
|
Post: #2
Title: Re: ناديت فلم يجبني أحــــــــــــد
Author: Abo Amna
Date: 01-19-2004, 08:52 AM
Parent: #1
قلت شنو
انت ما ترفع صوتك شوية
|
Post: #3
Title: Re: ناديت فلم يجبني أحــــــــــــد
Author: ودقاسم
Date: 01-19-2004, 10:18 AM
Parent: #1
ابو آمنة لك التحية الكوراك ده كلو ما سمعتوه ؟ أكثر من كده ما بقدر ، لكن ممكن استخدم مكبر صوت ، بس برضو خايف يكون زي الكاميرا ، ما يشتغل .
|
Post: #4
Title: Re: ناديت فلم يجبني أحــــــــــــد
Author: ودقاسم
Date: 01-19-2004, 10:40 PM
Parent: #1
مزيد من الكوراك ، عشان الناس تسمع
|
|