يوميات في المنفى .. نص لخالد محسي

يوميات فى المنفى



اغترب في وطنه زمناً ثم قرر أن يعود ..

الي الغربة أو منها لايهم.. فقد اختلط عليه الأمر

المهم أنه الآن وحيد...

كتب اليوم لأسرته بعد غيبة

كان يعلم أنه مدين لهم بالكثير .. للأصدقاء ولوطن في الخاطر

كتب لهم أنه ليس بمقدوره الآن فعل شئ

ربما يأتي يوم ويتحقق بعض ما ظل يحلم به

يشتري أتاري لأخوته الصغار

ينعم بوطن بلا غربة

سرٌ كثيراً وهو في طريقه الي عمله .. رأي أماً تغازل طفلتيها وهي تجلس أمام دكان صغير

نظر الي أرففه الفارغة وابتسم

ضبطته البوابة والإبتسامة العريضة علي شفتيه

استغلت ذلك لتطلب منه خمسة جنيهات نصيبها لشهرين

فكر قليلاً ..أعطاها اياها ثم انصرف

تزكر أنه أعطاها خمسة جنيهات قبل شهر تقريباً لشهرين أيضاً

سأل نفسه وقتها ان كان الشهر هنا يحسب شهرين !1

لكنه عزرها بعدِ أن تمتم قائلاً : ماذا ستفعل ان كان ما تجده خلال شهر لا يسد رمق أولادها أسبوعاً ؟!

ضحك كثيراً ذلك اليوم .. ولكنه كان يبكي

ذات يوم مضى .. ضحك عميقا وهو يتأمل وجه طفلة بريئة قالت أنها تريد أن تصبح طبيبة أطفال أو مدرسة.. تفاءل... خاصة أنه انتهي للتو من قراءة حوار للدكتورة نوال السعداوى...

جلس يفكر لساعات ..تأمل وجوه كثيرة

لم يجد فيها ما يريحه ...

ذهب ليشتري عصير قصب بربع جنيه

استدار الطفل الذي يجلس علي الكاشير قائلاً: ما فيش فكة ملقياً ابتسامة غير بريئة لأحد البهوات متناسياً وجوده تماماً

تعامل مع الموضوع بليبراليةٍ خالصه

سأل نفسه : هل يجد هنا ما لم يجده في وطنه؟!

تحدث معهما عن أسلوب جديد في العمل يتيح الخدمة لقطاع أعرض

تسهيلات أكثر .. معاملة أحسن .. ربما تجلب المزيد من الربح لمكتبهما

فكر في الربح .. وفكرت هي في استمرار المكتب واستمرارهم في العمل

كانت تدرك تماماً حوجتهم لذلك ..

وجد نفسه منسجماً مع طريقة تفكيرها .. راح يفكر كيف يزيد من عائدهما غير عابئ كثيراً بنفسه ... غير معترضاً علي تفكير الآخر

في الربح ... كان يعلم أنه ليس طفيلياً ويعد هنا من الانسانيين جداً..

كان محظوظاً حين وجد هذا العمل

بدا قنوعاً بما فعله هذا اليوم..

تحدث مع أصدقاء له في الشتات..

بعث بأغنية لصديقته وهو يشرح للبعض ما صعب عليهم..

كان سعيداً بحصيلة قراءته هذا اليوم قبل أن يقرأ تصريحاً للرئيس بوش بأنه في امكانه أن يفعل أي شئ!!1

التقاه زميله في الشقة واشتكي له سلوك زميلهما الذي ربما أفقدهما سكنهما..

فكر ملياً قبل أن يسأل بصوت غير مسموع : لماذا يصر الأصدقاء هنا أن نتصرف تجاههم بشكل غير انساني ؟؟

تزكر أياماً لهما في وطنه... تنهد .. هكذا هي الغربة تأخذ منا حتي أصدقاءنا دون مقابل ..

سأل نفسه كثيرا قبل أن يقرر وبشكل قاطع أنه سيتصرف كما اختار هو...

نزل من مكتبه منهكاً

تأكد من أنه اغلق الباب جيداً

اذا سرق شئ هنا تري من سيكون قد سرقه ؟

أجاب : أنا طبعاً ... هنا لا يوجد شريف وحرامي .. هنا الناس يعتقدون أنهم في مركز الكرة الأرضية

جميعهم شرفاء اذا كان بينهم غريب

تحسس جيبه وتأكد من وجود جواز سفره

ربما وجد دورية علي ناصية الطريق

مر علي مطعم يمر به يومياً

اشتري فول وطعمية وعيش مع بعض المخللات

فكر أن يشرب عصير قصب قبل أن يستدرك أنه اشتري بآخر جنيهين !!

سار مطمئناً .. ليس مهماً أن يشرب العصير ما دام يحمل معه ما يكفيه اليوم وغداً

صعد السلالم الثمانية المؤدية الي شقته يفكر فى الذهاب غداً لوداع أحد الأصدقاء..

سأل نفسه(كم من الأصدقاء نودع كل شهر ؟؟؟) قبل أن يجلس وحيداً الساعات الخمس التي يقضيها يومياً بعد أن يعود من عمله حوالي الثالثة صباحاً..

يذهب بعدها في اغماءة... يحلم بالأتاري وعصير القصب وبطاقة اللجوء.


القاهرة 2003

فوق

وينك يا خالد تحكي لينا تجربتك مع النص ده !!

الأعزاء حسام وزوربا ..
شكرأص علي هذا الاجتهاد .. وآسف ان كنت تأخرت عليكم
ليست هناك تجربة ولا حاجتين .. ليست لدي تجربة كتابة سابقة
وهذا "النص" الوحيد كما اطلقتم عليه من وحي تجربة القاهرة بكل تناقضاتها..


دمتم أعزاء

تجربة القاهرة فريدة يا خالد .. حتى في قدرتها على تفجير الإبداع من واقعها الممزوج بخيال العايش فيها .

أعتقد بكل بساطة ، أنه هذا النص لا بد من أن تتبعه نصوص أخرى ، لا الوحدة صعبة كما الغربة يا خالد ، ومن وحي تجربتك أكيد عرفت أنه كم الوحدة صعبة على الإنسان .. وأنه الشخص الرائع مثلك لا يرضاها حتى ... لنص !!!


وسيأتيك معي ....... شيء ما


فيما بعد


ودمتم ،،،

الجميل حسام هلالي
لك كل الامنيات ، ولخالد رحيق هذه الحروف ، عشت مع محسي في تلك الشقة الكائنة بالعمارة رقم 42 التعاونيات ، مدينة نصر بالقاهرة ... وكنا ننتظر عودة خالد من مكان العمل محملا بفول الشبرواي ، وبعض الحكاوي التي يحكيها لنا عن يوم عمله في مقهي الانترنت الذي تعرفه ... قرأت هذا النص لخالد ، وهذا الصديق له قدرة مذهلة على تلخيص كل سنوات القاهرة في نص اظن انك اصبت او هو اصاب حين اطلقتم على هذا النص يوميات ... فكل ايام خالد محصورة بين ذلك المقهي والبيت وبعض المواعيد التي تكون في المقهى ذاته ... كم اشتاقكم خالد وحسام واشرف سعد ... ومنير وكل الناس ... وهذه الايام القريبة في تاريخها ابتعدت وتفرقنا حتى كأن قدرنا ان لا تطمئن خطانا على اي رمل ... استمتعت جدا بكتابة خالد واعتقد ان خالد لم يكتشف انه يكتب كما يتحدث دوما ويوصل المعنى بأقرب الطرق ، اتمنى ان تنتج استراليا ، نصوص اخرى ,,,
ولكم الود

حسام .. أتمني انو ما يكون نص وحيد
تجربة القاهرة اكيد ثرة وزي ما بتنتهي من حاجات كتيرة جميلة
بتضيف برضو حاجات
وعموما تجربة المنافي تجربة صعبة ..
وجديرة بالتأمل والكتابة..

عزت الماهري .. لك كل ما تشتهي يا عزيز
كانت ايام .. كل ما أفكر فيها اتزكر نصيحتك التي لم يعمل بها أحد .. ان أي يوم يمر لن يعود وان نعيش حياتنا .. ولكنا ندمنا علي كل حال ...
اشتاقك يا ماهري واشتاق لتلك الايام التعيسة/الجميلة .. وافتقد دفئكم ...