سجين الإصلاحية بقلم د. محمد قسم الله محمد ابراهيم

سجين الإصلاحية بقلم د. محمد قسم الله محمد ابراهيم


12-23-2019, 03:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1577111153&rn=0


Post: #1
Title: سجين الإصلاحية بقلم د. محمد قسم الله محمد ابراهيم
Author: محمد قسم الله محمد إبراهيم
Date: 12-23-2019, 03:25 PM

02:25 PM December, 23 2019

سودانيز اون لاين
محمد قسم الله محمد إبراهيم-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





الحكم المثير للجدل الذي أصدرته محكمة سودانية صبيحة السبت الماضي بحق الرئيس السوداني عمر البشير يعُدُّ سابقة قضائية هي الأولى بالحكم القضائي على مواطن بدرجة رئيس سابق، وأصدرت المحكمة حكمها بإيداع الرئيس السابق الإصلاحية الإجتماعية ومن سخرية القدر أنّ البشير خضع للمحاكمة تحت ذات القوانين التي صاغتها حكومته ابتداءً من أمر الطوارئ الذي أصدره في نهايات حكمه وهو ذات أمر الطوارئ الذي تم تجريمه به بحيازة النقد الاجنبي، ثم هي ذات القوانين التي أصدرها البشير بإيداع كل من تجاوز السبعين الإصلاحيات وليس السجون وهاهو ذا يجد نفسه سجين الإصلاحية بعد ثلاثين عاماً من قبضته الحديدية على الشعب السوداني الذي انتفض بقوة على حكومة الإسلاميين في الخرطوم فانهارت كما تنهار بيوت الرمال أمام الثورة الشعبية العارمة التي اندلعت ديسمبر 2018م واقتلعت تحت ضغطها المستمر البشير ورموز حكمه في أبريل الماضي لتبدأ حقبة جديدة مشوبة بالمخاطر لكنها في ذات الوقت موعودة بمستقبل أفضل من العهد السابق الذي شهد قطيعة دولية غير مسبوقة، وإرتفاعاً كبيراً في معدلات الفساد والتدهور الاقتصادي أفرز بدوره اختلالات مجتمعية وتباين طبقي مقيت لم يكن مألوفاً في الشارع السوداني علاوةً على عدم الاستقرار السياسي والاحتراب الداخلي المناطقي في أكثر من جبهة في السودان بدأته بتصعيد قضية الجنوب حتى انفصاله، ولا تزال آلة النزاع الداخلي مستمرة في جنوب النيل الازرق وجبال النوبة ودارفور وكلها قضايا لا تخلو من التعقيد السياسي والإثني أسهمت الحكومة السابقة في إشعال جذوتها.

القضية التي حوكم فيها الرئيس السابق البشير بإيداعه الإصلاحية الاجتماعية مبعث الغرابة وربما القسوة فيها أنّها صادرة بحق رجل عسكري بدرجة مشير أمام محكمة مدنية وليست عسكرية كما هو شأن العسكريين في محاكماتهم عموماً، كما أنّ الإيداع بالإصلاحيات لها أبعاد نفسية قاسية لمن هو في عمر البشير الذي سيخضع بموجب الحكم لجلسات إصلاح وإرشاد إجتماعي لا ادري كمراقب كيف ستكون مناهجها ومحتوياتها خصوصاً وأنّ السودان يخلو من مثل هذه المؤسسات لمن تجاوزوا السبعين وتقتصر الإصلاحيات على الصبية الصغار دون الثامنة عشرة، فهل سيكون البشير سجيناً نزيلاً للفصول التوعوية والإرشادية مع هؤلاء الصبية أم سيتم تأهيل مكان ومناهج إرشادية لهذه الحالة التي ينتظرها المزيد من المحكومين تحت هذا البند- الإيداع بالإصلاحيات- إذا تمت محاكمة بقية رؤوس النظام السابق وغالبيتهم الغالبة فوق السبعين من العمر بقضايا الثراء الحرام واستغلال النفوذ التهمة التي يواجهها المقبوض عليهم في سجن كوبر حالياً.

على أية حال ما آل إليه الوضع بالرئيس السوداني الذي بدا ذلك اليوم كهلاً لا حيلة له، على النقيض من مظهره عندما كان في سدة الحكم وقصر الرئاسة ليتحول بفعل سوء الإدارة وسوء طواقمه المساعدة في المقام الأول لمتهم رقم واحد في جملة قضايا بدأت أول احكامها بإرساله سجيناً بحكم قضائي في الإصلاحية الاجتماعية، وعلى قسوة الحكم ورمزيته وأبعاده الاخلاقية ربما في هذا كذلك دعوة للتأمُّل في استدارة الأحوال في دنيا الناس، ورحم الله الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين قال : الدنيا دار بَلاء، ونُزلُ عناء، أسعد الناس فيها أرغبُهم عنها، وأشقاهم بها أرغبُهم فيها، فهي الغاشّةُ لمن انتصحها، المُهلِكة لمن اطمأنَّ إليها.