الخرطوم تتأمّل وواشنطن تتهرّب بقلم د. ياسر محجوب الحسين

الخرطوم تتأمّل وواشنطن تتهرّب بقلم د. ياسر محجوب الحسين


12-07-2019, 08:04 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1575702278&rn=0


Post: #1
Title: الخرطوم تتأمّل وواشنطن تتهرّب بقلم د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 12-07-2019, 08:04 AM

07:04 AM December, 07 2019

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة





آخر محاولات الحكومة السودانية الانتقالية لفك الأزمة الاقتصادية التي تحاصرها وتنهش بشراسة في رصيدها السياسي الذي توفر لها عقب الاطاحة بالنظام السابق برئاسة عمر البشير في ابريل الماضي، تلك الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة عبد الله حمدوك إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير المعلومات إلى أن هذه الزيارة جاءت بطلب وإلحاح من الحكومة السودانية وردت واشنطن بموافقة مشروطة بعدم التزامها بأي أمر محدد للخرطوم ولتكن الزيارة التي استغرقت جُلّ الأسبوع الماضي فرصة لاستعراض العلاقات المشتركة وتبادل وجهات النظر، ولعل ذلك كان أول مؤشرات اخفاق الزيارة في تحقيق أهدافها وهي معالجة المشكل الاقتصادي من خلال اكمال رفع العقوبات الأمريكية عن السودان منذ عام 1993 بما في ذلك ازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب باعتبار ذلك يعوق الاصلاحات الاقتصادية والاستثمار الأجنبي.
ومع أن الوفد السوداني رفيع المستوى منوط به بحث ملفات العلاقات بين البلدين وقضايا الارهاب مع الإدارة الأمريكية إلا أن وفد حمدوك لم يضم وزيري الخارجية والمالية والاقتصاد فضلا عن مدير جهاز الأمن والمخابرات بل رافقه وزراء العدل، الدفاع، الشباب والرياضة والشؤون الدينية، الأمر الذي وضع الزيارة في درجة أهمية أقل من حجم أهدافها المعلنة وبدت وكأنها زيارة علاقات عامة.
كذلك لم يستطع الوفد السوداني لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولا وزير خارجيته مايك بومبيو لتزامن وجودهما في فرنسا لحضور قمة حلف الناتو هناك ولذا لم يعلن البيت الأبيض عن جدول لقاءات الرئيس ترامب خلال أسبوع زيارة حمدوك. وهذا أمر أيضا خصم كثيرا من أهمية الزيارة وحصادها. وهناك يطرح سؤال حول دواعي موافقة الخرطوم على برنامج زيارة رئيس الوزراء دون أن يتضمن ذلك اجتماعات ولقاءات مع الرئيس الأمريكي أو وزير خارجيته على أقل تقدير. وعوضا عن ذلك اجتمع حمدوك مع ديفيد هيل، الرجل الثالث في وزارة الخارجية الأمريكية. ولم يكن اجتماعه مع وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين ليغني عن الاجتماع بوزير الخارجية وحتما لا يغني عن الاجتماع بالرئيس الأمريكي، وقد تركزت المناقشات معه على أجندة الإصلاح الاقتصادي في السودان وأهمية إظهار التزام رفيع المستوى بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ولعل رئيس الوزراء السوداني احتفى وهلل كثيرا لاعلان واشنطن المتزامن مع زيارته عن عزمها تعيين سفير لها في الخرطوم لكن ذلك لن يتم إلا بعد موافقة الكونغرس الأمر الذي قد يأخذ بعض الوقت. ومع أهمية هذه الخطوة إلا أنها لا تعني الكثير في ظل التباطؤ الأمريكي المحير تجاه تحسين وتطوير علاقاتها مع الخرطوم بعد سقوط نظام عمر البشير. والأسلم كان على حمدوك ألا ينتظر أن تشهد زيارته تغييرات فورية واسعة في بنية العلاقات الأمريكية السودانية.
ويخطئ حمدوك الذي يواجه معضلات سياسية وهيكلية ويطارده زمن الفترة الانتقالية المحدود كثيرا بتعليقه آمالا عريضة على واشنطن واعتقاده أن مجرد ذهاب حكم البشير وعزم البلاد المضي نحو تحول ديمقراطي ليبرالي على نسق غربي، كفيل بفتح قلب وعقل الأمريكيين إذ إن حركية العقل الأمريكي وكيمياءه أمر بالغ التعقيد. ولم ينجح من قبل الصادق المهدي كرئيس وزراء (1986 - 1989) في كثر الجمود والصلف الأمريكي وقد ظن أن انتخابه ديمقراطيا عقب حكومة انتقالية اطاحت بحكم الرئيس الأسبق نميري (1969 - 1985) فقام في أول عهده بزيارة مماثلة ولم يحصد إلا سرابا.
وستظل واشنطن تلعب على الوقت عبر الحديث المعسول والوعود الفضفاضة دون التزامات جدية من جانبها، فقبل تشكيل حكومة حمدوك وعقب الاطاحة بالنظام السابق مباشرة تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي قرارا قبل تشكيل الحكومة السودانية الحالية جاء فيه "إلى أن يتم الانتقال إلى حكومة مدنية ذات مصداقية وتعكس تطلعات الشعب السوداني، فإن عملية النظر في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات المتبقية على السودان، أو تطبيع العلاقات مع حكومة السودان، ستظل معلقة". وهكذا سبق وأن رد مسؤول أمريكي على طلب حمدوك برفع السودن من قائمة الارهاب بأن ذلك الرفع "ليس قرارا بل عملية"، وهو الأمر الذي يعني أن ذلك مرتبط بإجراءات وقرارات تتوقعها واشنطن من الخرطوم وهي أمور ربما تكون مستحيلة أو عصية أو مبهمة.
ومعلوم أنه قبل أسابيع قليلة من زيارة حمدوك قررت إدارة ترامب تمديد حالة الطوارئ الوطنية للولايات المتحدة تجاه السودان، وهو ما يعد قرارا روتينيا متوقعا منذ فرضها عام 1997. وذكر بيان البيت الأبيض حينذاك أن التمديد جاء نتيجة "للإجراءات والسياسات التي تنتهجها الحكومة السودانية، والتي لا تزال تشكل تهديدا استثنائيا للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".