ان ما نعرفه عن الروابط الموضوعية بين الفن من جهة, و بين مختلف جوانب الحياة من جهة اخرى’ هو ان الحياة تحمل كثيرا من الجوانب المثيرة و المحفزة, و من الوسائل و الطرائق ما يبيح لنا النظر و التامل و الاستغراق في التفكير اللامتناهئ’ و احيانا نصر على الاعتكاف طويلا عند ركن من اركانها ’ اما انسحابا او طلبا للمستحيل. هذا التساؤل لا يخفي تجاهل الحدوس غير الظواهرية’ و لا المعطيات الفلسفية و التاريخية’ خصوصا تلك المتعلقة بصراعات البلاد الدموية و انقلااباتها المتكررة و ثوراتها المزعومة و انتفاضاتها المسروقة و غيرها من المعضلات و الاحداث الجسام و التي لم تنل الى الان حظها من الدراسة المحايدة و لا تزال الكثير من اسئلتها حائرة و لديها مائة اجابة و كلها غير صحيحة. و الان العالم حولنا و بعد ما يقارب المائة عام من حربه العالمية ’ نراه يفيق من صدمته و ينهض للبناء و التعمير و التعافي’ بينما نحن لا نزال مصدومين منذ مئات السنين’ و نجتر الحديث الممجوج و النواح المشروخ و ندب الحظ العاثر و التحسر على الماضي و البكاء على الزمن الذي مضى و بعدها النوم في العسل و الشخير يصوت عال.
سيقال ان الصراخ و النواح لازمين تصعيدا للاحتجاج و الرفض و الادانة و الشجب و الاستنكار لما ال اليه حالنا’ و انتهى عليه مالنا’ و بما يتناسب مع ذروة الياس و الخيبة و الخسران المبين. سيقال ان العالم يعاني من ازمة اخلاقية و انحطاط عام في الذوق و التلقي’ و لكن لماذا نحن اقل سخطا على الفساد و المفسدين, و خصوصا ان عالم اليوم اصبح مليئا بالسارقين و بايدي عصابة من اللصوص المتانقين هم الاكثر لؤما ووقاحة على مدار التاريخ,و لكننا لا نزال نمارس الاحتجاج’ هذا ان كان ثمة احتجاج اصلا’ و ضاع في ذلك الشكل و المضمون’ و بالتالي ضاع الفن شكلا و مضمونا. و الحديث عن تغير الزمن و الحديث عن ما يسمى بالزمن الجميل ’ ما هو الا محض وهم امنا به و صنعناه لنمارس من خلاله الزيف و الضلال الفني ’ و الارهاب الفني علي جيل اليوم المغلوب على امره’ فالمقاصد المتعلقة بالقيم الاخلاقية لفن الامس ’ لا تختلف كثييرا عن فن اليوم’ و لكن يبقى السؤال هل ما درجنا على مناقشته و دراسته ’ و اقمنا حوله الندوات و الدراسات’ هل هو في الحقيقة فن اصلا ’ بالمعنى المفهوم و المتعارف عليه للفنون’ ام انه كان محض اختلاق و اكذوبة اجتماعية اخترعها قومنا و صدقناها و اقتنع بها الكثيرون’ و قدسناها حتى لا نحاول ذات يوم اكتشاف السر الذي يعلمه الجميع الا نحن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة