هكذا أتاها بريئاً، وغادرها أكثر براءة . بقلم الطيب الزين

هكذا أتاها بريئاً، وغادرها أكثر براءة . بقلم الطيب الزين


10-27-2019, 10:56 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1572213368&rn=1


Post: #1
Title: هكذا أتاها بريئاً، وغادرها أكثر براءة . بقلم الطيب الزين
Author: الطيب الزين
Date: 10-27-2019, 10:56 PM
Parent: #0

10:56 PM October, 27 2019

سودانيز اون لاين
الطيب الزين-السويد
مكتبتى
رابط مختصر




في يوم الأحد الماضي، الموافق الثالث عشر من إكتوبر ٢٠١٩، غادر الدنيا الفانية، والدي العزيز، الذي علمني معنى الحياة منذ أن كنت طفلاً حتى صرت رجلاً .
أبي عاش حياته بسيطاً، قانعاً بنصيبه منها، كان يحمده ربه ويشكره في كل كبيرة وصغيرة.
أبي كان مسكوناً بالبساطة وحب الأرض، كان يعرف قيمتها، إذ منها يأكل ويشرب، لذا كان لاصيقاً بها، منحها حبه وعرقه وجهده وكدحه، وهي لم تبخل عليه بخيرها وخيراتها وقيمها . فمنحته قـُوته، ومنها إستمد قوته وعزة نفسه.
أبي عاش حياته فقيراً وغادرها فقيراً .
أبي كان واعياً حتى اللحظات الأخيرة من الحياة . . فقد قال: لحفيده، قل لخالك الطيب، أنا عافي منك دينا وآخرة، وقل له أن أباك لم يترك لك شيئاً يجعلك تمشي منحني الرأس.
كما أوصاه بالمحنَة بين أفراد الأسرة، مما جعلني أذرف الدموع حزنا وحسرة .
وأخيراً طلب منه أن يلقنه الشهادة ورددها أمام الحاضرين بكل ثبات، هكذا غادر الحياة بكل هدوء وبراءة .
غادرها تاركاً فراغاً كبيراً في حياتي وحياة أفراد الأسرة.
الدنيا مهما بدت جميلة ورائعة، فهي أقل من أن تصبح غاية . . وأكبر من أن تصبح وسيلة.
فهي أقل من أن تصبح غاية، لأنها ببساطة مهما إستطالت فانية دون شك. . ومهما إتسعت فهي أضيق من ثقب إبرة .
غادرنا الوالد وقد خلف ورائه حزناً وحسرة، وبقايا أمنية . . ! رغم مرور ثلاثين عاماً في الغربة وحياة المنافي، كنت أمني نفسي بلقاء والدي العزيز بعد ثلاثين سنة من الغربة، لكن الموت، قطع حبل الأماني ورنينها فتوقفت، وغدت بقايا أمنية ضامرة . . !
أواه يا قلبي . . قد عبثت بك الأحزان .
فما عاد في العمر سوى أشباح ذكرى تحترق
وأحلام على درب السنين ضائعة . . !
لك الرحمة والمغفرة يا أبي، وأسكنك الله فسيح جناته .
إنَّا لله وإنا إليه راجعون .
الشكر والتقدير لكل الأخوة والأخوات الذين تكبدوا عناء السفر للتعزية والمؤاساة، وكذلك للذين إتصلوا وتواصلوا معي عبر الرسائل، ومع أفراد في هذا المصاب الجلل.
الطيب الزين