حد الردة جريمة في حق النفس البشرية و انتهاك لحرية الإعتقاد و اسواء أنواع الإستبداد و الإكراه

حد الردة جريمة في حق النفس البشرية و انتهاك لحرية الإعتقاد و اسواء أنواع الإستبداد و الإكراه


10-17-2019, 00:06 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1571267211&rn=1


Post: #1
Title: حد الردة جريمة في حق النفس البشرية و انتهاك لحرية الإعتقاد و اسواء أنواع الإستبداد و الإكراه
Author: عبير سويكت
Date: 10-17-2019, 00:06 AM
Parent: #0

00:06 AM October, 16 2019

سودانيز اون لاين
عبير سويكت-فرنسا
مكتبتى
رابط مختصر






.

حد الردة المزعوم أخطر تشويه لصورة الإسلام و إنسانيته و مناقض لقيمه و مبادئه.


عبير المجمر (سويكت)


حد الردة الذى لعب دورا في ماضي السياسة السودانية و حاضرها كأحد أذرع المتاجرة السياسية بإسم الدين، و أحد أذرع الفتك بالخصم و إغتياله، و تصفية أصحاب العقول المستنيرة، و كغيره من أحكام الشريعة الإسلامية مثل: الرجم و الجلد و قطع الأيدي و الأرجل من خلاف يتطلب هذا الحد وقفة كبيرة للتفكير و النقاش حول صحة هذه الحدود من الناحية الإنسانية و القانونية و الإسلامية.

فمن ناحية عقلانية حد الردة متناقض مع مبادئ الإسلام السامية و مخالف لحقوق الفرد الإنسانية و القانونية، و مخالف حتى لأهداف الكتب السماوية السامية، و كذلك مناقض لجوهر الرسالة المحمدية، و حد الردة مناقض حتى لحرية الإعتقاد التي كفلها الله لعباده :(و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) ،فحرية الإعتقاد حق مشروع لم ينكره الإسلام، و يتجلي ذلك في مشوار الرسالة المحمدية و ما مرت به من صعاب و مشاق تبرهن على أن ألله أراد أن يكون إيمان العباد به و بالإسلام مبنيا علي إيمان قلبي، و إقتناع فكري مطلق، و ليس العكس، لذلك لم يستخدم الله عزوجل قدرته على إقناع الناس بالقوة و هو قادر على كل شئ:(إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)، ولكن سبحانه وتعالى ترك للإنسان الحرية الكاملة في الاعتقاد، و حسه علي التفكر و التأمل في مخلوقاته، و إستخدام العقل للتوصل إلى الحقيقة الربانية و نرى ذلك في العديد من النصوص القرآنية :
(أفلا تفكرون)، (أفلا تعقلون)، و كذلك مضامين قصة إبراهيم عليه السلام و كيف توصل إلى الحقيقة الربانية نجد فيها أكبر دليل على أن الدين هو إيمان روحي و عقلي، "منبعه القلب و مصبه العقل".

مع ما ذكرناه نجد أن علماء المسلمين يستندون علي آيات قرآنية و بعض الأحاديث لإثبات حد الردة منها :
قوله تعالى: ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/ 217
فهذه الآية تتكلم عن من يبدل دينه، أي من يرتد و بالتالي يقال: تحبط أعماله و يكون مصيره النار، و لكن لا تتكلم الآيه قط عن حد الردة و لا تذكره السطور مطلقاً ، كما يستند علماء الدين على قوله تعالى : { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُاللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِنيَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } التوبة الآية 74، والغريب في الأمر أن في هذه الآيه أيضاً لم يذكر فيها حد الردة البته، فالاية واضحة وضوح الشمس تتكلم عن الكفر بعد الإسلام اي الردة و ما يترتب عليه من عواقب "دون التطرق إلى حد الردة المزعوم".
و للأسف إعتاد المجتمع العربي والإسلامي أتباع علماء الدين دون تفكير أو تمعن أو اجتهاد منهم لفهم المعنى، حيث قرر الناس في مجتمعاتنا "تجميد عقولهم" في الأمور التي تخص دينهم و دنياهم باعتبارها خط أحمر، و في ذات الوقت وكلوا أمورهم لفئة من البشر لا يزيدون عنهم في شيء و أطلقوا عليهم ( علماء الدين) ، و جعلوا منهم قبلتهم و مرجعهم، ينفذون ما يقولونه و يتبعونهم أتباع أعمى، و كأنما هؤلاء العلماء لهم حق التفكير و الإجتهاد و إتخاذ القرارات، و الآخرين عليهم التنفيذ فقط من غير تفكير أو اجتهاد.
لذلك مع أن الآية الكريمة لا تذكر حد الردة إلا أنهم يكذبون أعينهم و عقولهم و هم يرون عدم ذكر حد الردة في هذه الآية، و يعتمدون على قول ابن كثير المبنى علي هذا المعنى: «وإن يستمروا على طريقتهم يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا أي بالقتل والهم والغم ...» و هنا السؤال الذى يطرح نفسه : كيف لإبن كثير أن يعتمد حد الردة و من ثم يقرر و يصف شكل العذاب بأنه سيكون بالقتل و الهم والغم( عذابا إليما في الدنيا) يعني أن العذاب سيكون بالقتل و الهم والغم.
هل أتاه وحي بذلك؟ ام أنها مجرد تخيلات و اجتهادات؟ فحتى و إن اتاه وحي قد نزل عليه من السماء نحن من حقنا أن نكذبه أو نصدقه، لأن حتى الرسول صلى الله عليه وسلم كذبه بعض الناس و صدقه آخرين ، أما إذا كانت هذه مجرد اجتهادات فهنالك العديد من البشر الذين توصلوا إلى أن حد الردة حد مزعوم لا وجود له من ناحية إسلامية صحيحة، و غير مقبول إسلامياً و لا عقلانيا، و يتناقض تناقضا واضحا و كاملاً مع مبادئ الإسلام السامية،

أما من ناحية السنة النبوية الشريفة فهم يعتمدون على بعض الأحاديث منها :

1 _ عن بن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه " ( البخاري 3017).

2 _ عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة " ( البخاري 6878 ، ومسلم 1676).

3 _ محمد بن الحسن بأسناده عن الحسين بن سعيد، قال: قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام): رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الاسلام، هل يستتاب؟ أويقتل ولا يستتاب؟ فكتب (عليه السلام): يقتل.
4_ صحيح علي بن جعفر، عن أخيه الإمام موسى بن جعفر ، قال: سألته عن مسلم تنصّر؟ قال: (يُقتل ولا يستتاب). قلت: فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ عن الإسلام؟ قال: (يستتاب، فإن رجع، وإلاّ قُتل).
و لكن الأحاديث شئ و ما ذكر في القرآن الكريم شئ آخر ، مع العلم ان هناك جدل دائم حول مدى صحة الأحاديث و الروايات المصاحبة لها، حيث يمكن الأخذ بقول الله تعالى أي" القرآن الكريم" بعد التفكير في فهم الآية و أسباب نزولها و المقصود منها، و هل يتماشى مقصدها مع الوقت الحالي أم لا؟ أي أنه يجب أن لا ننسى أهمية التجديد أيضا، لكن فيما يخص الاستناد على السنة النبوية الشريفة المتمثلة في الأحاديث فمن الصعب الاستناد عليها للوصول لحكم نهائ صحيح، فعلى سبيل المثال في الأحاديث المذكورة أعلاها هي عبارة عن أقاويل منقولة عن فلان و علان، أي ليس هنالك ما يثبتها، بالإضافة إلى أننا لم نكن موجودين في ذلك الوقت، و لم نشهد الحدث الذي ذكرت فيه هذه الأحاديث و أسبابها.
و بناءاً عليه من غير المعقول أن نضع قوانين و أحكام لا منطقية، و غير عقلانية، و غير إنسانية لإدارة دنيانا و ديننا، و نطبقها على الآخرين بناءاً على قول فلان و علان، بالإضافة إلى أنه إذا عدنا إلى نقطة البداية التي تتمركز في تناقض حد الردة مع مبادئ الإسلام السامية :(لا إكراه في الدين )، (و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر)،
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ۚ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)،
(فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) فهنا نجد علامات الاستفهام كثيرة، كيف يعطي الإسلام الإنسان حرية الإعتقاد و في نفس الوقت يضع حد الردة؟ الذي هو أبشع أنواع الإكراه في حرية الإعتقاد، الأمر الذى من شأنه أن يولد الخوف في قلب الإنسان، و يعلمه النفاق فيكون الإسلام شكلي فقط خوفاً من عقوبة الردة، و ليس جوهريا نابع من قلب صادق مؤمن بهذا الدين، و حد الردة في ذاته نوع من انواع الاستبداد و الإكراه التي لا تتماشى مع ديمقراطية الإسلام و إنسانيته ، فكيف يكرم الله النفس الإنسانية و يعظمها و يحرم قتلها و في نفس الوقت يسمح بحد الردة بتهمة أن الإنسان لم يعد يؤمن بهذا الدين أي أنه لم يعد يقتنع به.
ثم أن حد الردة قبل أن يكون جريمة في حق النفس البشرية و انتهاك لحرية الإعتقاد و اسواء أنواع الإستبداد و الإكراه، هذا الحد هو أكبر تشويه لصورة الإسلام، و احد العوامل التي تخيف الكثيرين من اعتناق الدين الإسلامي، و تخلق علامات استفهام كثير تدور حوله، إذن حماية للنفس الإنسانية المقدسة و كذلك حماية لمبادئ الإسلام السامية العظيمة يجب إسقاط حد الردة .

عبير المجمر (سويكت)
16 /10/2019