بين عبد الحي ومحمود محمد طه ودريدا...مفهوم النص بقلم د.أمل الكردفاني

بين عبد الحي ومحمود محمد طه ودريدا...مفهوم النص بقلم د.أمل الكردفاني


10-10-2019, 02:04 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1570712681&rn=0


Post: #1
Title: بين عبد الحي ومحمود محمد طه ودريدا...مفهوم النص بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 10-10-2019, 02:04 PM

02:04 PM October, 10 2019

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر








من جوليا كرستيفا إلى دريدا ؛ بدأت حالة تحول كبرى في منظورنا إلى النص. الأولى التي قوضت الفرادة (واستفاد من ذلك نصر حامد أبو زيد) ، والثاني الذي قوض المركزية critique of centricity (واستفاد من ذلك محمد أركون).
لقد كانت النتيجة هي تحليل ما دار عبر التاريخ من تبادل للنفي في كل الأديان ، والنفي هنا ينبع من عمق التشاكل النصي.
لقد كان من المؤكد -منذ البداية الدينية للبشرية- أنه لا يوجد دين مصمت بل هناك دين يتكون من عدد لا نهائي من الأديان. فلا توجد مسيحية واحدة بل مسيحيات ، ولا إسلام واحد بل إسلامات ، على الأقل بعد وفاة حامل الرسالة وبقاء المتلقي بمفرده في عراء المعنى الشاسع.
ولذلك فالحديث التفتيتي للدين (طوائف ، مذاهب ، فرق) واتسامه بالحفاظ على ربط مركزي بالمسمى العام (إسلام ، مسيحية ، يهودية) ، هو محاولة نفسية لمنع تغريب الدين عبر تحلله إلى عدة أديان. لكن في الواقع كان الدين ولا زال يتغارب ويتشكل في صور متعددة لا تملك أي حسم مقدس.
ما قاله الشيخ عبد الحي (لا تؤمن بما نؤمن به) هو عين الحقيقة ، وما قاله محمود محمد طه (الرسالة الأولى والثانية للإسلام) هو أيضا عين الحقيقة. فقط كلاهما لم يتجرأ على قول حقيقة واحدة كان بإمكانها أن تحسم المسألة ؛ وهي أنه لا عبد الحي ولا محمود محمد طه يملكان وحيا مباشرا من الله لكي ينفي كل منهما الآخر ، بل ينفي كل صاحب مذهب أو طائفة أو فرقة ...الخ تلك السلطة الوصائية على مفهوم النص. ولا أحد يمتلك تلك الجرأة لأنه سيكون إعلانا حاسما بتفكيك الدين نفسه..إعلانا يؤسس لما أسماه منظروا الدين المحدثون بوجود (إسلامات) وليس (إسلاما) واحدا ، وهم غير قادرين إلا على تبادل النفي ، والسبب ببساطة أن هناك نصوص تمنع ذلك الاعتراف الجريء وتحيل إلى تصديق مطلق (آيدولوجي) ، مثل ما جاء في القرآن بأن (الدين عند الله الإسلام) ، وما جاء في السنة من أن الإسلام سيتفرق لبضع وسبعين شعبة. ولنلاحظ أن كلمة شعبة تعنى إنبثاق فرع من أصل أو جزء من كل.
لقد قدم دريدا خمس معطيات نقدية (كما أشرت لذلك في مقال قديم ردا على مقال للدكتور محمد سالم سعد) ، أهتم منها هنا بنقد التمركز والاختلاف والحضور والغياب. لأن هذه المحددات أو المعطيات تلخص الجدل التاريخي حول مشكلة الأديان بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة بإعتبارنا موضوعين داخل عرينه الثقافي ، فالإختلاف -أي إشارة النص- إلى احتمالات لا نهائية من المعاني (النصوصية textuality) حيث يظل المتفاعل مع النص في حالة بحث وتصيد دؤوب للمعنى (الغائب) في استفاضات المدلولات ، وهذا ما دار بخاطر الأصوليين عندما ذكروه بالاستبعاد عبر مصطلح (المحكم ، أو الآيات المحكمات) مستدلين على ذلك بالقرآن (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات). ثم اختلفوا بعد ذلك حتى في المحكمات اختلافا بينا بل وضعوا علما للدلالة داخل علم أصول الفقه ، زاد التباين حول موثوقية حاسمة للنص ، ثم تحولوا هم بأنفسهم إلى معين لا ينضب من دعم الإختلاف. أما نقد التمركز ؛ فقد ظل -عمليا-(أي يمارس بغير تجذير جنيالوجي) ، حالة متصلة العرى بالفقه وتكوين مؤسسات فقهية تنعزل عن بعضها وتؤسس دينها المستقل (تؤمن بما لا نؤمن به ؛ الإسلام الأول والإسلام الثاني). ويمكننا أن نضيف (التشيعية والاعتزال المعلن ، وما انبثق عن الاعتزال ، والتصوف ، والظاهرية ، والقرآنية ، والجمهورية ، والسلفية....الخ).
لكن رغما عن كل ذلك فلا أحد من أنصار هؤلاء أو هؤلاء بقادر على لمس موطن الجرح عبر الحديث عن اللا اتصال (القطيعة) ، بل يستمرون في النزع نحو صفة الإختلاف للحيلولة دون تجريد أنفسهم من السلطة عندما تحدث سيولة عارمة لهذه السلطة تلقي بهم هم أنفسهم في إشكالية رسولية محدثة.
لذلك لا يستطيع أي منهم أن يعيش بغير وجود الآخر ، بغير الصراع الذي يتمسك فيه جميع الأطراف بحالة اعتراف ضمني مستمر بأن الآخر يشترك معه في الأصل أو المصدر ، فيبقى المصدر هو جهاز ثابت لتفريخ المدلولات دون أن يأكل نفسه.