مسرحية سياسية .. للمثقفين فقط (الفصل الأول) بقلم د.يوسف نبيل

مسرحية سياسية .. للمثقفين فقط (الفصل الأول) بقلم د.يوسف نبيل


09-15-2019, 07:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1568573414&rn=1


Post: #1
Title: مسرحية سياسية .. للمثقفين فقط (الفصل الأول) بقلم د.يوسف نبيل
Author: د.يوسف نبيل
Date: 09-15-2019, 07:50 PM
Parent: #0

07:50 PM September, 15 2019

سودانيز اون لاين
د.يوسف نبيل-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





إن أفضلية العقول على غيرها ومدى نفعها لنفسها وللآخرين تكمنان في الوسطية وقس على ذلك العمل السياسي بمختلف الأطياف الأيديولوجية الحزبية ، وذلك لأنه لا يوجد كيان سياسي واحد يجمع به وفيه كل الفضائل وكل الافكار المستنيرة وكل الاقتصاديات السليمة الفعل والأثر وكل البدائل الاسعافية وكل خطط الإصلاح الإجتماعي الجيدة وكل الرؤى للعمل السياسي داخليا وخارجيا ، لذلك تنجلي حكمة الوسطية في التروي والقبول بترحاب كل التوجهات المختلفة حتى وإن كنت تختلف مع شخص من يمثلها -أيا كان حزبيا وطنيا ام اقليميا ودوليا- فإن المغزى الرئيس يتمثل في تقبلك لخبرات الآخر والاستفادة من تجربته الخاصة دون الوقوع في نفس أخطائه بل وإتاحة بيئة لشراكة سياسية يسعى فيها كل الأطراف الى إظهار أفضل الخبرات ولا أقصد بذلك ، الشراكة الحالية بين قوى التغيير لانها شراكة بعيده كل البعد عن ما أتحدث عنه الآن.

لكن ماذا عن الحكومة البراغماتية التي أُخرِجت لنا فجأة ودون سابق إنذار معد او مستعدا له الشعب ! وهل هي براغماتية سياسية حقيقية أم مجرد براغماتية لغوية أم إنها اقصائية جديدة بصورة أكثر ديمقراطية ؟ أم أنها فقط مجرد ادعاءات من قبل من ولّوا علينا الآن؟؟ إن الإجابة على كل هذه التساؤلات في أنها مجرد ادعاءات وسيثبت التاريخ ذلك بكل وضوح.

إن الأحزاب الفكرية - أياً كانت - وسياسيها مبشّرون بمعاناة عظيمة في حكم الدولة وذلك لأن الأحزاب الفكرية تحتاج الى جبهات واسعة وقواعد جماهيرية فكرية مستدامة تهتم بالفكر وتخصص له بيئة مناسبة ، أي ندوات ثقافية اجتماعية فاعلة وناشطة تنقل معرفتها وتمارسها في آن واحد ، وذلك لأن الذين يهتمون بالفكر هم صفوة ، لذلك ستظهر نتائج ضعف وقوة حكومتنا هذه في مدى زمني قريب جدا.

أما اخطاء الساسة في أوطاننا العربية ما زالت تتوارث حتى الآن ، وكما قال تشرشل (يعيد التاريخ نفسه لأن الحمقى لم يفهموه جيدا) إنه يقصد بالحمقي السياسيين ، بالأخص سياسينا لأنهم لم يفهموه جيدا ولا حتى سيئا. وبما أن التاريخ هو المختبر الوحيد للعمل السياسي ، فلا ترجوا شيئا من حكومة التغيير الان او حتى بعد ثلاثة أعوام كي لا تُحبطوا ، لأن الكتاب باين من عنوانه.

فخطيئة الساسة الذين يتولون الحكم فجأة ومباشرة بعد اختلاق الثورات ، اختزال كل مفاهيم الدولة والعمل الثوري في انحسار الغاية من الدولة في شي واحدة فقط ، وتختلف هذه الغاية المنشودة حسب الطلب السائد في المجتمع ، تلبية لرغبات الشعب في مرحلة زمنية معينة ، فإن التاريخ السياسي يُعد أكبر عملية ابتزاز إنساني «متواصل» لرغبات الشعوب التي لم تُحقق على مدى الأعوام على يد الانظمة السابقة ، لذلك تقوم انظمة جديدة بدعاوي ابتزاز أخرى مفادها (إذا أعطيت لهم الثقة اللازمة والسلطة الكاملة ستحقق السعادة للشعب) اي ستتحقق سعادتنا بشمولية حكمهم ، إنه السخف السياسي في أبسط صورة، ونتيجة لهذا الهرج والمرج السياسي انحصرت تجربة الإنقاذ كلها في ما يُظن بأنها النهضة الدينية لفضائل الإنسان ، بل وكيّفوا العقل السياسي اللاواعي للشعب على هذه المفاهيم حتى اصبحت سنّة دوغماتية.
أما ما يحدث الان فهو أن حكومة التغيير حسرت جل غايات تنزيلها علينا في تحقيق شئ واحد فقط من أصل ثلاثة ادعاءات لشعائر الثورة ، وهي مقدار ما ستمنحه للعامة من حرية حيث يتمتع الشعب في هذه المرحلة المرحه بأن تكون لهم الأحقية في أن يعبّروا عن معاناتهم «لفظيا» فقط ، أي التنفيس السياسي ، وذلك لعلم الساسة بأنه هذا الحق لن يصل مثواه الأخير ، أي بتشكيل رأي معارض ذا ثقل سياسي فاعل في إحداث أي تغيير سياسي جزري آخر ، فلا يوجد يا أصدقائي شي مجاني ولا هبات خاصة يمنحها لنا السياسيين.

وكذلك لن تُحل أزمات السلام تماما لضعف شخصية الجبهة السياسية الداخلية وضمور الحيّز الفكري وغلوهم الذي يتملك رغباتهم الجامحة وسعيهم الحثيث للهيمنة على كل مكامن الدولة وذلك لان أولويات حكومة التغيير حاليا لاتتمثل في خدمة البلاد بل في امتلاكها ، وذلك يعني خروج الدولة من ديكتاتورية الإنقاذ ودخولها مرحلة ديكتاتورية الأحزاب ، أنها أسوأ مراحل معاناة الدولة.
أما بخصوص العدالة ، فلن توجد عدالة مطلقا (حتى لا يخيب ظنك يا شعبي حينما يحدث ما احدثه لكم الان لاحقا) وذلك لاختلاف الجبهة الداخلية على تعريف معايير العدالة حتى الآن ! وليست لصعوبة تحديد تعريف موحد عن العدالة بل لان العدالة ان تحققت سيتم محاسبة الكثير من الساسة وهذا ما سيصعّب عملية تبرئة رموز النظام السابق (وهذا لن يحدث مطلقا لأن عملية تبرئة رموز النظام السابق أهمه من عملية نهوض الدولة ، وذلك للالتزام الأدبي الذي قطعه المجتمع الدولي لرموز نظامنا السابق بأن يتنحّوا مع ضمان تبرئتهم وإلا كانت الخرطوم الان تسبح في جداول من الدم الشعبي) تذكروا لا يوجد شيء مجاني في السياسية ولا تظنوا بأن الجيش وقف مع الشعب نصرة في الثورة بل لنصرة مناصبهم الجديدة التي منحت البرهان رئاسة مجانية لا يحلم بها ولو.كان في سابع أحلامه. والسبب الآخر لعدم تحقق العدالة يصب في مصالح الأحزاب ! لكن كيف ذلك ؟ وذلك لأنهم يحاولون إيجاد نمط قانوني سياسي لمحاكاة الاستعلاء على القانون لكن بصورة منطقية تخولهم نهب موارد البلاد المتبقية وارتكاب نفس الأخطاء الانقاذية وربما أبشع لكن دون مساءلة آنية او حتى لاحقة.

وكل ما يحدث الان هو تلميع رموز الحرية التي استحدثت من العدم والتي ستظل شعبية وثورية بحكم تلميعها الاعمى من قبل العامة ، وما ان بعثت تلك الرموز الحزبية لنا ، فقط لخلق الكيان الجامع أي لتجيش الشارع لحين تتميم الفرض الثوري الجماهيري لإنجاح ثورة التغيير او بمسماها السياسي الدقيق لإنجاح ((ثورة الاحزاب)) وبعد عشرات السنين ، سيكتب لنا التاريخ المزيف بأنها ثورة الأحزاب وليست ثورة جماهيرية ، أي ثورة قوى الحرية والتمثيل ، التمثيل المحترف من جانب آل أحزاب وآل البرهان ..

(التكملة في المقال القادم ،، إن شاء الله)

د.يوسف نبيل

15 سبتمبر 2019