من الحماس الثوري إلى التخطيط (٢): عن دور وزارة الخارجية بقلم د. مصطفى الجيلي

من الحماس الثوري إلى التخطيط (٢): عن دور وزارة الخارجية بقلم د. مصطفى الجيلي


09-10-2019, 11:09 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1568153359&rn=1


Post: #1
Title: من الحماس الثوري إلى التخطيط (٢): عن دور وزارة الخارجية بقلم د. مصطفى الجيلي
Author: د. مصطفى الجيلي
Date: 09-10-2019, 11:09 PM
Parent: #0

11:09 PM September, 10 2019

سودانيز اون لاين
د. مصطفى الجيلي-USA
مكتبتى
رابط مختصر






هذا هو المقال الثاني من سلسلة مقالات أصدرها عن دور الوزارات حسب ما أتطلع وأرجو كمواطن طموح محب وغيور على بلده، ولتفعيل دوري وواجبي كسوداني شريك في هذه الثورة العظيمة، أفرح لفرحها وأحزن لحزنها.. المقال هو محاولة انتقال من الحماس الثوري "الرغبة في التغيير"، إلى الإنجاز الممكن "المعرفة بالتغيير"، وبالتالي مشاركة أفكار ورؤى ربما تسهم في تسليط أضواء وتفتيق خطط تطرح المهام الأساسية للمرحلة المقبلة بمعرفة تليق بعظمة تضحيات شهداء الثورة وتضحيات الكنداكات، فبفضلهم قد أمكن تعيين حكومتنا الـ"مدنياااووو"..

بطبيعة الحال السيدة الوزيرة د. أسماء محمد عبدالله لن تبدأ من الصفر وإنما ستستلم مكتبا هو نفس مكتب الوزير السابق وستجد نفس الوجوه بأقسام ومباني بنفس مسميات وملفات ودولاب عمل لم يتوقف أصلا، كما سيكون في إدارتها سلسلة سفارات عبر الكوكب بكامل إداراتها وموظفيها .. فهي لن تغير شيئا من أول يوم، لكن مع تعيين الأهداف وترسيم الخطوط لتتوافق مع طموحات وتطلعات الشعب يتحتم التغيير ويحسن ان يكون بمعدل لا يزعج دولاب العمل، إلا قليلا.. والتغيير المطلوب بلا شك سيكون جذريا، إن أرادت الوزارة أن تمثل شعب السودان حقا..

أولا، الثورة كانت ضد الفساد والاستبداد بحكومة خططت لسيطرة قصوى على مفاصل الدولة ونفذتها بقسوة فيما عرف بسياسة "التمكين"، حيث بموجبها أضيعت الكوادر ذات الكفاءة العلمية والمهنية والفنية، غير المنتمية للمؤتمر الوطني.. والتعيينات، من ثم، خلال الثلاثين عاما الماضية، اقتصرت على منتسبيهم.. واستمرت هذه السياسة فاعلة حتى آخر أيامهم، فها هو الرئيس المخلوع يقول: "أن سياسة التمكين ضرورة اقتضتها الظروف في الفترة الأولى من عمرها"، مبرراً "أنهم لا يريدون مصادرة الوطن، والوطن يسع الجميع، إلا أن له ضريبة يجب أن تدفع".. فإذا عرف أن هذا التصريح قاله في مايو ٢٠١٧ بمناسبة حفل تكريم الإخواني أحمد عبد الرحمن يتضح عمق وشراسة هذا "التمكين" وقانونه "الإحالة للصالح العام".. وبهذا وجب أن يكون أول انجاز تقوم به الوزارة هو الإعفاء الفوري للسفراء وأصحاب المناصب الكبيرة، مع إجراء محاسبات دقيقة على المخالفات المالية تحديدا، وإن وجدت دلائل مادية، مباشرة تقديمهم للمحاكم.. وإجراء إعفاء السفراء "غير المؤهلين" هذا، لا مجاملة فيه، ولا تهاون معه، لأنه أضر ضررا بالغا بسمعة البلاد، ولعل في قصة "الدبلوماسي المتحرش" أبلغ نموذج لذلك..

ثانيا، لا أرى إجراء أعظم واكثر إلحاحا من تكوين لجنة تحقيق عن عمل الدبلوماسيين بالوزارة والسفارات واتخاذ الاجراءات اللازمة، بالصرامة والمهنية الحقوقية المطلوبة.. ولحسن الطالع، فإن وزيرتنا تجرعت شخصيا سياسة التمكين تلك، فتعرف طعمها وأثرها.. ولتكن اللجنة دقيقة وعملية ونافذة في قراراتها، وجب أن تشرف الوزيرة شخصيا على تكوينها، ولا يزيد أفرادها على خمسة بتمثيل قانوني لتباشر التحقيق في الانتهاكات في شتى المستويات، وكذلك يتم فتح باب شكاوى في السفارات عن تعامل الموظفين مع المقيمين بالخارج وترفع للمركز.. والتحقيق في الانتهاكات والفساد له الأولوية في أي وزارة لكنه يستدعي إلحاحا خاصا ويتسم بالحساسية في وزارة الخارجية.. ثم لا يتم تعيين موظفين جدد بعد الاستغناء من المدانين وذلك لتقليص عدد العاملين وتفعيل الوظائف بما يملؤها، إضافة للعمل على ضبط وتحديد –أو حتى أيقاف-- سفر الوفود من كافة الوزارات للمُشاركة في المؤتمرات الخارجية، لتقليل نفقات الدولة، لأقصى مدى، التي عانى منها المواطن الأمرين..

ثالثا، لعل من أبرز ما يؤرق الشعب وثورته هو استرداد الأموال المنهوبة.. ويمكن لوزارة الخارجية بالتعاون مع سلسلة المؤسسات المالية في الدول المستودع عندها الأموال أن تعمل على استعادة أموال الدولة المهربة، المودعة أو المستثمرة، خارج البلاد.. ولقد ورد في صحيفة الراكوبة بتاريخ ٣ سبتمبر ٢٠١٩ تحت عنوان "معهد أمريكي: مُستعدون لمُساعدة الحكومة لاستعادة الأموال المُهرّبة" أن هنالك طرق علمية وفنية ممكنة لمتابعة الأموال وملاحقتها بالطرق القانونية الدولية.. ولتجعل الوزارة هذا العمل من أولوياتها يمكن أن تنشئ إدارة متخصصة لتنفيذ ذلك..

رابعا، على وزارة الخارجية أن تستعيد مقعدنا مرة أخرى في ركب المؤسسات المالية الدولية، والوكالات العالمية، والصناديق المتخصصة، بعد ثلاثين عاما من العزلة التامة المفروضة علينا كشعب مجرم وإرهابي.. وذلك ببذل الجهود المشروعة لإعفاء الديون المتراكمة والمتنامية بفعل الأرباح وتتابع النهب المنظم من قبل أعضا المؤتمر الوطني.. ودعوانا في ذلك أنه من غير العدل أن يحاسب شعب على أعمال حكومة غير شرعية وإرهابية.. ثم لتكن سياستنا في الحصول على القروض مستقبلا مدروسة بدقة، ومعلنة في وسائل الإعلام، ولا نأخذ قروضا تجارية ولا شرطية، وإنما فقط القروض التنموية بعيدة المدى في سدادها، وتكون محسوبة لمشاريع محددة، تصب فيها بشفافية..

خامسا، لتمثل وزارة الخارجية ثورة شعب بذل فيها الدماء والعرق والدموع، يتوجب أن تنشئ علاقات دولية قائمة على الحكمة، والتعاون مع كل أعضاء المجتمع الدولي.. سياسة تضع مصلحة البلاد في المقدمة وتتعامل بالاستقامة، والصدق وكريم الخصال، وفق ما اشتهر به السودانيون، وعرفوا به بين شعوب العالم.. وأول ما تطالب به الوزارة وتؤكده هو إلغاء كل عقود البيع التي تمس كرامة الشعب وسيادة أرضه، وذلك باتباع القنوات الدولية ووفق القوانين الدولية، ثم من خلال السمعة الطيبة، والأداء المخلص، تراجع الوزارة كل الاتفاقات المجحفة فيما يخص استغلال أراضي ومؤسسات وموارد ومياه السودان مستعينة بقانونيين دوليين ووسائل متقدمة في التحقيق ورفع المظالم.. ذلك أن تلك العقود والشراكات تم توقيعها في عهود الظلام والإجرام وتحت ظروف معطوبة بالضغوط والابتزازات.. ثم وفي خطوة لاحقة، متمهلة، تشرع في تقديم الدعاوى للمحكمة الدولية فيما يخص نزاعات الحدود مع الدول الجوار، عبر الوسائل المشروعة، في ظل جو من الندية، وليس بالدونية ولا خوف الهارب من العدالة..

سادسا، على وزارة الخارجية أن تتبنى سياسة تعبر عن سلمية الثورة وطيبة الشعب السوداني التي اشتهر بها، فتعلن برنامج لتحقيق السلام خارجيا كما هو مبذول داخليا.. ولتجعل دبلوماسيتها تعتمد الصدق، ونبل المقصد، والوضوح، فلا كذب ولا تصنع ونفاق، ولا صغر نفس ورخص كرامة، والذي أضر بنا كثيرا، وحقر من شأننا.. ثم أن من سبل تحقيق السلام، بذل النوايا الحسنة، عمليا، مع تأكيد الثقة وحسن الجوار تطبيقيا، مع دول المنطقة الأفريقية والعربية، واعتماد منهج مبني على ما يجمع بين الأجناس والأديان، لا على ما يفرق بينها.. ويكون من فواتح اتجاهنا للسلام الدولي إيقاف مشاركة جنودنا في اليمن وفي ليبيا حيث أنه ليس من الكرامة في شيء أن تستبدل سواعد وأرواح أبنائنا بالمال.. وقطعا، لا يصح إلا الصحيح، فالمجتمع الدولي لا يمكن أن يحترم شعبا يبيع جنوده.. وهذه، على أي حال، هي إرادة الشعب التي طالما رفعها وطالب بها في منابر ثورته.. ثم أهم من ذلك، ألا يقبل السودان أموالا يشتم منها غرضا مدسوسا وفي ميزان الدبلوماسية التعاملات محسوبة والأثمان المستحقة عن غرض ما، تغير أسماءها.. ولتكن سياستنا نظيفة وصادقة، تماما كالشخصية السودانية، فلا نحن خائفين من احد ولا نحن طامعين في أحد..

سابعا، تردد كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي استياء السودانيين من عضوية الجامعة العربية ومواقفها غير الإيجابية مع ثورتنا التي وقف معها، بصورة فعالة، كل من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي وامريكا.. ومع احتفاظنا بعلاقات حسن الجوار والتعاون مع كل دول الجوار، فإن الاستياء من عضوية الجامعة العربية ليس أمرا جديدا، وقد دعا له الأستاذ محمود محمد طه في ١٩٥٨، فكتب في صحيفة أنباء السودان يدعو (للانسحاب فوراً من الجامعة العربية وذلك لسببين أولهما أننا أمة أفريقية وثانيهما أن الجامعة العربية أصبحت تابعه لوزارة الخارجية المصرية ولم تعد تمثل دولاً مستقلة).. وموقف الحزب الجمهوري هذا ليس موقفاً طارئاً ولا لحظياً، وإنما كان ينطلق من رؤية ثاقبة، مستصحبة لمكونات السودان وتاريخه، وتخاطب مستقبله، فظل منذ أربعينات القرن الماضي، رافضاً لعضوية السودان في جامعة الدول العربية، بينما كانت فيه الأحزاب السودانية تنادي بضرورة ذلك الانتماء، مبيناً أن السير بالسودان في وجهة العروبة هو تحجيم لدوره وتضييق لفرص امتداداته وإسهاماته في أفريقيا والعالم، بينما الأفريقية تُعظّم دوره وتؤكد ذاتيته وخصوصيته، ثم أن الدعوة لعروبة السودان فيها هضم لحقوق غير العرب (عبدالله البشير، الذكرى الستون لدعوة الأستاذ محمود محمد طه لانسحاب السودان من جامعة الدول العربية، سبتمبر ٢٠١٨)..

ثامنا، لأن العالم يسير بخطوات متسارعة نحو الوحدة، فقد كان إعجابه عظيما بسلمية الثورة السودانية.. وبين التوحد الكوكبي بثورة الاتصالات والفضائيات، الحاصلة الآن، وبين إرهاصات الدمار بالإرهاب وبالسلاح النووي، الماثل الآن ايضا، لم يبق إلا السعي للسلام.. والعقل يقول علينا أن نجد لأنفسنا مكانا حكيما نعرف به بين الدول، فنتجه بسياستنا في نفس الاتجاه الذي بمواصلته تحقق الإنسانية السلام العالمي، الذي يوحد ادارة كوكبنا هذا ويقيم علائقه على القانون، بدل الدبلوماسية ، فيحل فيه بذلك النظام والسلام..

أخيرا، لعل من أكبر ما يحز في نفوس السودانيين ويحزن قلوبهم هو خطوة انفصال الجنوب والتي صنعها الإسلاميون صناعة، لم يتركوا معها فرصه لأخواننا الجنوبيين غير أن يختاروها.. ولتنجح وزارة خارجيتنا نجاحا حقيقيا، ليكن من أولى أولوياتها إيجاد أقرب السبل، وبذل الغالي والنفيس، من أجل لم شملنا مع الجنوب مرة أخرى (راجع مؤلفات منصور خالد، السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين، وجنوب السودان في المخيلة العربية).. إننا نأمل في خلق سودان يؤمن بذاتية متميزة بتنوعه ومصيره المشترك، وبدون اللجوء إلى معاونة من الخارج لأن المساعدات الخارجية تؤثر في فرص الانسجام الحقيقي.. ولعلنا في ذلك نستعين بإخوة لنا هم الأثيوبيين والشعوب الأفريقية المجاورة..

وبعد هذه شذرات أفكار، سمحت بها أسطر المقال، وبلادنا تخوض معركة من معارك الفكر والتطلع لم يسبق لها مثيل.. وهي فقط خطوط جد عريضة آمل أن تحدث أثرا فكريا، على الأقل، فيما يمكن أن تقوم به الوزارة .. وكلي أمل أن تنجح وزارتنا ونستطيع كما قال شاعرنا العملاق أن نحقق "بنبنيه البنحلم بيه يوماتي"..


Post: #2
Title: Re: من الحماس الثوري إلى التخطيط (٢): عن دور وز�
Author: مصطفى الجيلي
Date: 09-14-2019, 07:46 PM



من سيرة السيدة الوزيرة الأستاذة أسماء محمد عبد الله الذاتية:

من مواليد العاصمة السودانية، الخرطوم، وكانت من بين أولى سيدات رفقة فاطمة البيلي وزينب محمد محمود عبد الكريم،
اللواتي يشتغلن في السلك الدبلوماسي في السودان عام 1971 بعد تخرجها من الجامعة.
تدرجت في السلك الدبلوماسي السوداني وشغلت عدت مناصب، وكان منصب وزير مفوض أعلى منصب تشغله قبلاً.
عملت في عدد من البعثات الدبلوماسية في الخارج من بينها ستوكهولوم والرباط وشغلت منصب سفيرة السودان في النرويج سابقاً.
في عام 1991 تم فصلها من السلك الدبلوماسي ووزارة الخارجية تحت قانون "الفصل للصالح العام" خلال حقبة نظام الرئيس المعزول حسن البشير.
في آخر فترة استقرت في المغرب رفقة زوجها قبل أن تعود إلى الخرطوم وتفتح مكتب خاص بالترجمة.

وتم اقتراح أسماء عبد الله لشغل منصب وزيرة الخارجية من قبل رئيس الحكومة الانتقالية في السودان، عبد الله حمدوك.