الحزب الشيوعي السوداني وإصلاح الخطأ (1) بقلم د. أحمد عباس أبو شام

الحزب الشيوعي السوداني وإصلاح الخطأ (1) بقلم د. أحمد عباس أبو شام


08-25-2019, 06:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1566752855&rn=0


Post: #1
Title: الحزب الشيوعي السوداني وإصلاح الخطأ (1) بقلم د. أحمد عباس أبو شام
Author: مقالات سودانيزاونلاين
Date: 08-25-2019, 06:07 PM

06:07 PM August, 25 2019

سودانيز اون لاين
مقالات سودانيزاونلاين-USA
مكتبتى
رابط مختصر




نشر الحزب الشيوعي السوداني في عام 1963، وثيقة تاريخية عظيمة كتبها الشهيد عبد الخالق محجوب، بعنوان " إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" ، وصدرت بعد ذلك في كتيب حزبي، ثم أعادت دار عزة للنشر طباعتها وتسويقها، وتكتسب الوثيقة أهمية بالغة وعلامة مميزة، ليس في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني فحسب، وإنما في مجال تاريخ الحركة السياسية في السودان، بل في المنطقة ككل، وذلك لأن الوثيقة تعرضت لقضايا هامة ومعقدة، ضمن تلك القضايا:-
مسألة تطبيق الماركسية وتطويعها على واقع السودان المتخلف والمعقد، وما يفرضه هذا الواقع على تقديم النظرية والحزب إلى الجماهير الشعبية السودانية، في قوالب ونصوص وشعارات تتوافق مع معارف ومدارك وموروثات الشعب السوداني. كما جاء في صلب الوثيقة – " كيف نترجم الشيوعية إلى اللغة التي يفهما شعبنا "، وذلك في سبيل بناء الحزب الشيوعي، وتحويله إلى قوى جماهيرية كبرى.
انتقدت الوثيقة بأسلوب مباشر وفاضح بعض أساليب العمل الجماهيري، وسلوك الشيوعيين في تعاملهم وتعاطيهم مع بعض فئات المجتمع، وقد خطت الوثيقة بوضوح تام أهمية المسلك والمخاطبة واللغة، وتناول القضايا المجتمعية وطريقة طرحها وسط الجماهير الشعبية.
حللت الوثيقة بعض أساليب العمل الحزبي والدعائي، واقترحت سبل تطويرها وتجويدها للتوافق مع هذه الرؤية.
تعتبر أول وثيقة حزبية وأول إصدارة سياسية، وتكاد تكون الوحيدة التي تتوجه بالنقد المباشر للعمل السياسي والجماهيري لأي حزب سياسي.
أرست وأسست لمفاهيم نقد المواقف، ونقد سلوك السياسيين عندما يتضح خطلها، ومن ثم تصحيح وتقويم تلك الأخطاء. وعلى هذا الدرب سار قادة الحزب الشيوعي التاريخيون.
عندما قامت ثورة 23 يوليو 1951، في مصر اتهمها الشيوعيون في بداياتها، ووصفوها بأنها صناعة أمريكية ترتبط بدوائر الاستعمار الحديث، والأحلاف في المنطقة، ولكنهم عادوا وصححوا هذا الموقف بعد العدوان الثلاثي على مصر، وبعد اتجاه الدولة الناصرية للتحالف العسكري والسياسي مع الاتحاد السوفيتي، بل ودعت الجبهة المعادية للاستعمار وقتها "إلى تكوين لجان مشتركة للسياسات الخارجية والاقتصادية والدفاعية بين مصر والسودان". ( راجع مذكرات عبد الماجد أبو حسبو، وكذلك عبد القادر إسماعيل ص 135).
وعندما شرع جمال عبد الناصر في تأسيس وبناء " الاتحاد الاشتراكي " كحزب سياسي، نصح الشيوعيون السودانيون رفاقهم المصريين بضرورة حل الحزب الشيوعي المصري والذوبان في تنظيم الاتحاد الاشتراكي، وباركوا هذه الخطوة عندما تحققت، ولكنهم عادوا لاحقا وانتقدوا هذا الموقف، بل نادوا بضرورة إعادة بناء الحزب الشيوعي المصري كتنظيم مستقل.
وإبان الحكم العسكري الأول، وفي العام 1963، قرر الحزب الشيوعي السوداني أن يخوض انتخابات المجلس المركزي، بحجة أن ذلك سوف يتيح للحزب مخاطبة الجماهير، وان على الحزب استغلال ذلك من أجل كشف وتعرية النظام العسكري من داخل مؤسساته، وإنها معركة من اجل استنهاض وتعبئة الجماهير من أجل الإطاحة بالنظام العسكري، ورأى الحزب حينها ان مقاطعة تلك الانتخابات لن تؤدي إلى توسيع النضال وتعميق أزمة النظام، تعرض هذا الموقف للنقد الشديد من داخل الحزب وخارجه، باعتبار انه أعطى المجلس المركزي شرعية ما كان له ان يحظى بها لو انه قاطع الانتخابات، ولكن الحزب الشيوعي عاد لاحقا وانتقد هذا الموقف. ( راجع محمد سعيد القدال : معالم في تاريخ الحزب الشيوعي ص 124 وكذلك الماركسية وقضايا الثورة السودانية).
هذه المواقف الموسومة بالنقد والمراجعة والمصارحة أمام الجماهير التي خطها الشهيد عبد الخالق، والآباء المؤسسون للحزب الشيوعي، لم تحدث اعتباطا أو صدرت عن رغبات شخصية، بل نتجت عن إيمان عميق وقناعة تامة بأن السياسة هي نشاط إنساني بعيدا عن القداسة والأصولية السياسية والإطلاقية التقريرية، وإن النشاط السياسي الإنساني يقبل الصواب والخطأ والمراجعة والتصحيح.
إن الاعتراف بالخطأ في الممارسة السياسية لم ينتقص من مواقف الشيوعيين، والحزب الشيوعي، بل زادت الحزب مناعة وصلابة واحتراما من قبل الجماهير.
ويحق للمرء أن يتساءل عن عدم استمرارية هذا الإرث، وعدم تطبيقه في الممارسة السياسية اليومية، وما تشهده الساحة السياسية هذه الأيام يتنافى ويتناقض مع هذا الإرث الثوري والسلوك القويم الذي مارسه الآباء المؤسسون.
يتبع.......