اتفاق بروس أفريقيا بقلم الروائي: محمد سليمان الفكي الشاذلي.

اتفاق بروس أفريقيا بقلم الروائي: محمد سليمان الفكي الشاذلي.


08-18-2019, 05:36 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1566146204&rn=0


Post: #1
Title: اتفاق بروس أفريقيا بقلم الروائي: محمد سليمان الفكي الشاذلي.
Author: محمد سليمان الفكي الشاذلي
Date: 08-18-2019, 05:36 PM

05:36 PM August, 18 2019

سودانيز اون لاين
محمد سليمان الفكي الشاذلي-UK
مكتبتى
رابط مختصر





ليس من المجدي في شيء التحسر على ما فات، إذ ليس من الممكن للأمم ولا للأفراد القدرة على استدراك ما كان، بل يتعين علينا وقد عقدنا العقد، أن نعكف على كل ما من شأنه أن يشحذ الهمم ويقوي العزم، بينما نحن نصون ما قد وصلنا إليه ونتمعن فيما سيقودنا إليه –إن أتيح لنا- من ظفر عزيز المنال. من حقنا أن نتفاءل، بل ونبتهج بما كُتب لنا من اتفاق في هذا الجهاد الطويل الشاق الذي انتهى بنا إلى أن نسترد الوحدة، وحدتنا، ونحمل الإقليم والعالم على أن يعرفاها لنا، ويؤمنان لنا بها، فيرفعان عنا ما قد وضعا من أطر حصار وتضييق حال، ويتلقياننا في الدوائر ذات الحق والمال، يتلقياننا في الدوائر ذات الشأن، كأمة حرة كريمة. ولا أذكر أنا حفلنا لاتفاق كما حفلنا بهذا الاتفاق بعد أن كسبناه، لكنا كذلك أشد ما نخشى أن يغرنا هذا الاتفاق عن أنفسنا، فيخيل إلينا أننا قد وصلنا إلى آخر الطريق حين وصلنا إليه، مع أننا لم نزد على أن ابتدأنا به الطريق.

لهذا الاتفاق تبعات ينبغي علينا أن نقدرها حق قدرها حتى لا نقصر في ذات أنفسنا فلا نأخذها في حزم وجد فنهمل واجباتنا. الانصراف عن تبعات الاتفاق والتهاون فيها سيعود علينا بالشر، سيقعد بنا فيؤخرنا بينما حري بنا أن نمضي قدما حتى ننعم بالخير، كل الخير. لعمري أن على كل سوداني مثقف يحب وطنه ويتابع شأنه ويحرص على تقدمه أن يلزم النشاط في هذه الأيام وما سيقبل منها من أجل الدفع بحياتنا صوب الحداثة ومن أجل الانضمام إلى الأمم المتحضرة. فليحرص كل مثقف سوداني على أن يجنب نفسه الانصراف والكسل عن تناول الشأن العام مع أخذ الأمور بالحزم والجد منذ اليوم –أكثر مما كان عليه فيما مضى- وأن نعرض عما يفرق ونحرص على ما يجمع وأن نبدأ في إقامة حياتنا الجديدة على أساس متين.

حياة جديدة وطاقة جديدة ستنتظمان السودان -بعد هذا الاتفاق-بغية دفعه صوب مراتب أسمى فأسمى. سيمضي السودان في طريقه ليستعيد مكانة كانت له ومجدا قد استحقه؛ مكانة لم ينسها ومجدا ظل باقيا. كل ذلك، سينجز بنياناً على ما تم الاتفاق عليه بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي. وكما ألمحنا أعلاه، فإن الاتفاق، أي اتفاق، ليس غاية يقصد إليها الفرقاء وتسعى إليها مختلفات القوى، وإنما هما وسيلة إلى أغراض أرقى منه وأبقى، وأشمل فائدة، وأعم نفعا. مجدداً، من حقنا أن نسر بهذا الاتفاق ونحتفل به وله، ولكن على ألا نكتفي بالسرور والاحتفال، وعلى ألا نشغل بالاغتباط عن النشاط، وألا تصرفنا راحة الطمأنينة عن كراهة الجد وما شق من عمل، نعم فلننتبه فلا نقف أمام اتفاقنا موقف المعجبين المكتفين به، إنما يتعين علينا أن ننتبه على الدوام إلى أن هذا الاتفاق ما هو إلا وسيلة للارتقاء بالبلاد وتحسين معاش العباد، مع النهوض بالأسباب إلى ما يرفعنا إلى مراتب الرقي والكمال، وما رقي اليوم وكماله إلا التحديث والحداثة...

في هذا اليوم، الجديد حقا، في تاريخ السودان القريب والبعيد، أرى بروس أفريقيا وقد استجابوا لفرادة اللحظة، أراهم قد ارتقوا لمقام المناسبة، عاملين على تبني الأمل، مجتهدين في اصطحاب الوعي، متيقظين في محاربة الجهل. أرى بروس أفريقيا – وهي صفة أطلقها داغ همرشولد على السودانيين- وأرى الأمل وقد تغلغل في أرواحهم، والإيمان بالغد قد أضاء جباههم، وأنار مساكنهم البسيط والمترف منها. السودانيين الذين رأيناهم يقتسمون القليل سيقتسمون الكثير إن هم مضوا بما تعاهدوا عليه لآخر الشوط. وليس ذلك بالكثير من بعدما أكدوا أنهم يمتلكون إرادة لا تلين وهمة قاصدة. والإرادة مع الهمة من شأنهما تنزيل الحلم لأرض الواقع ورفع الواقع إلى ما بعد وعلا من مقام. لقد انتصر السودانيون على صعب المحن ومعيق الكوارث، مثلما انتصروا على العنف والعدوان بالسلم والسلمية والمواجهة الصنديدة.

نعم نحن مسرورون ومحتفلون، ومع ذلك نقول ثم نعيد إن السرور والاحتفال لا يكفان عن العمل وإنما يحضان إليه، لأن بالعمل مناط المنال. وإن كان لا بد لنا من مبتدأ فلنبدأ بالعمل على محاربة الفقر والجهل إذ لم يبن ملكٌ على جهلٍ وإقلالِ. ثم علينا التمسك بالتفاؤل، تفاؤل مبعثه حب خالص للسودان وللسودانيين؛ أصحاب النفوس السمحة المتواضعة القوية، النفوس الأمينة الشريفة. لقد تم الاتفاق، اتفاق بروس أفريقيا، والبروسيون مشهورون بالشدة والعزم، بالإرادة الماضية وأخذ النفس بما تكره. ولأنا مثلهم فقد قال داغ همرشولد قولته.
صحيفة التيار السودانية.