الاتجاه الوطني الثوري والثورة التصحيحية.. الثورة الخاتمة.. بقلم د.أمل الكردفاني

الاتجاه الوطني الثوري والثورة التصحيحية.. الثورة الخاتمة.. بقلم د.أمل الكردفاني


08-16-2019, 10:18 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1565990336&rn=0


Post: #1
Title: الاتجاه الوطني الثوري والثورة التصحيحية.. الثورة الخاتمة.. بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 08-16-2019, 10:18 PM

10:18 PM August, 16 2019

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




قبل قرابة عشر سنوات قادتني الحظوظ لمنزل كوز كبير جدا ، في ذلك الوقت كنت لا زلت فتيا ؛ مغمورا برؤية وردية ساذجة عن مفهوم الدولة بمعناها الحديث. وفي جلسة في حوش واسع في أمسية لطيفة النسمات ، وقد جلس السيد الكوز على سرير تهفهف ملاءاته الأمريكية ، ومن حوله تحلق العاشمون والمدهنسون والمتملقون والدساسون ، سمعته يتحدث بهاتفه المحمول والجماعة ينصتون كثعالب ترفع آذانها لترصد حركة فريستها:
- أسمع.. زولك دة أديهو وزارة الصحة.. أيوة.. زولنا تب...
ثم يصمت قليلا ويردف:
- لا.. سيبك منو... دة عيونو مقضيات ساي اديهو وزير دولة...
وأنبرى الكوز يوزع المناصب وأنا في حالة ذهول لأتلقى أول صدمة لي وينهار ذلك الصنم المقدس أمامي وهو صنم دولة القانون والمؤسسات.
لم أصدق أن التعيينات تتم هكذا في بلد المليون ميل مربع (لم يكن الانفصال قد حدث بعد). كان الأمر بالنسبة لي أشبه بمسرحية من مسرحيات العبث. بل حتى مسرحيات العبث لم تبلغ هذا الحد من ضلالات الفوضى. ويبدو أنه لم يتغير شيء كثير منذ ذلك الوقت ، بل ما نراه كل يوم يؤكد أن الدولة تتجه نحو انهيارها بعجلة متسارعة تدفعها شخصيات باهتة ، هي ذاتها ليست مؤهلة لتختار من هو مؤهل لقيادة الدولة. لقد ظننت في بداية الأمر -أي منذ تولى البرهان السلطة- أن الأطراف الأخرى تعمد إلى تبسيط خطابها ليكون مفهوما للشعب ؛ لكنني اكتشفت بعد ذلك أن ذلك الخطاب هو أقصى ما تمتلكه تلك العقول المسطحة بالفعل. ولا أدل على ذلك من تلك المدونات الورقية التي اسميت بوثائق دستورية واتفاقيات ومحاصصات وتفاهات لو قرأ من كتبوها مدونة حامورابي التي نحتت في الصخر قبل آلاف السنين أو وثائق قوانين مانو أو برديات مراسيم امنحوتب لأدركوا فيضهم بالجهالة وظلمة العقل.
لقد قال طبيب النفس علي بلدو أن الشعب يتجه نحو (العوارة) ولكني أرى أن الأيام الماضية أثبتت حقا أن الشعب قد عكس نظرية التطور الداروينية وهو لا لا يعلم أشر أريد به أم أراد به ربه رشدا. ها نحن نشاهد ونسمع كل مصاب بالفصام الزوراني يبحث عن منصب ، وبعضهم ينتظر مهاتفته ، ورأينا البؤس يتجلى في المحاصصات التي يتم انكارها (حطب). واللهاث اليوم على أشده على كأس الملك. شخصيات باهتة ؛ ككتابة بالرصاص تم محوها مرارا وتكرارا حتى اتسخت الورقة البيضاء. لا برامج ، لا توضيح أهداف ، لا خطط ، بل عمليات تضخيم لهذا وتقزيم لذاك في وسائل التواصل الاجتماعي؛ والمجلس العسكري نجح تماما في قيادة هؤلاء الجهلاء نحو غايته المنشودة. قادهم كالخراف ؛ وقادوا هم الشعب المسكين كالخراف ، والشعب قاد أحلامه وأوهامه كالخراف وهو يعدها في السماء كي ينام كالأطفال.
شيء مثير للغثيان... مثير للتقزز أن تجد أطباء ومهندسين ومحامين يتحدثون بمنطق المتسولين والأميين..يبتسمون في بله وأعينهم تفيض من دمع عماها كلما أضاء لهم برق مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا.
غير أن هذا لا يخل بأن هناك غالبية من القوى الشبابية التي عركت -خلال ثورتها- فامتلكت دربة الوعي لتمحيص الحق من الباطل والزبد مما ينفع الناس ، وهي التي أؤكد بأن الأمل لا زال معقود عليها لقيادة الثورة التصحيحية الثانية والخاتمة.
فالاتجاه الوطني الثوري رغم قبوله بكل ما مضى على عواهنه وعلله وبؤسه لكنه بات يمتعض اليوم من نهاية الثورة على هذا النحو المخزي ، حيث تجمع أولاد قوش يستخف بمناصريه وينزل لهم جداول لزراعة زهور واطلاق بالونات ملونة وغير ذلك من هراء في صفحته على الفيس بوك ليعميهم عن رؤية الحقيقة ويشغلهم بسفاسف الأمور. والمجلس العسكري بدوره مغتبط من ذلك كله فقد نجح في تحويل الثورة إلى احتفالات كاحتفالات مراهقة ثرية بعيد ميلاد كلبتها المستوردة من أوروبا.
الذين قتلوا واخترقت الرصاصات جماجمهم لم يشهدوا كل هذا العبث والتكالب الوقح والجاهل والانكسار المخزي أمام قاتله....المهمشون الذين كان الجيش يخدعهم وهو يطلق الدوشكا ويصيح: (أنزل تحت) فينزل المساكين وصوت الدوشكا يثير فيهم لوثة الحماسة الطفولية الساذجة.. تم قتلهم في كولومبيا كما لو كانوا عصابات المخدرات بدولة كولومبيا نفسها. هؤلاء نفقوا وهلكوا كما تهلك العير...الذين كانت طائرات الانتنوف تبيد أهلهم وأسرهم وقبائلهم تحولوا إلى خونة وعملاء ، وأصبح قاتلهم بطل الحرية والديموقراطية والسلام وأمريكا تزيد تجهيل الناس فتصدر قرارا بمنع ربيبها من دخول أراضيها مستخدمة ولأول مرة في وثيقة أمريكية رسمية اسم الشهرة بدلا عن اسم العائلة كمزيد من الاستخفاف بعقول الشعب ، وكأن الإدارة الأمريكية لم تقرأ اسمه من قبل في وثائق سفره المكوكية المتواصلة بين الخرطوم وال C.I.A.
شباب الاتجاه الثوري سيقود الثورة التصحيحية ؛ هذا حتمي لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فلا مناص من بذل مزيد من الدماء وإهراقها في سبيل بناء دولة حقيقية ، دولة القانون والمؤسسات... دولة حديثة وليست دولة فئة ولا عرق ولا قبيلة ولا جهة ولا حصرا على أصحاب الوجوه المنظفة بالساونا وكريمات الفسخ والضفائر الراستفارية.